هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
227 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
227 وحدثني عن مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أنه كان يقول : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح الزرقاني

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ.


الْعَمَلِ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم المهملة وفتح الميم ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام ( عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان ( السَّمَّانِ) بائع السمن ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ) يدخل فيه كل من يصح التقرب منه من ذكر أو أنثى حر أو عبد ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ) بالنصب نعت لمقدر محذوف أي غسلاً كغسل الجنابة وهو قول الأكثر وفي رواية ابن جريج عن سمي عند عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو كقوله تعالى: { { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } } وقيل: إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه فيه وأيضًا حمل المرأة على الاغتسال ذلك اليوم وعليه حمل قائل ذلك حديث من غسل واغتسل المخرج في السنن على رواية غسل بالتشديد.

قال النووي: ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل والصواب الأول وتعقبه الحافظ بأنه حكاه ابن قدامة عن أحمد وثبت أيضًا عن جماعة من التابعين وقال القرطبي: أنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح ولعله عنى أنه باطل في المذهب قال السيوطي: ويؤيده حديث أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل يوم جمعة فإن له أجرين اثنين أجر غسله وأجر امرأته أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة.

( ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً) أي تصدق بها متقربًا إلى الله تعالى وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السابقة وفي رواية ابن جريج عن سمي فله من الأجر مثل الجزور وظاهره أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلاً ويدل عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة وفي رواية الزهري عند البخاري بلفظ كمثل الذي يهدي بدنة فكان المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة.

قال الطيبي: وفي لفظ الإهداء جماع معنى التعظيم للجمعة وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي والمراد بالبدنة البعير ذكرًا كان أو أنثى والهاء فيه للوحدة لا للتأنيث وحكى ابن التين أن مالكًا كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى قال الزهري: البدنة لا تكون إلا من الإبل وصح ذلك عن عطاء وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم هذا لفظه وحكى النووي عنه أنه قال: البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم وكأنه خطأ نشأ عن سقط وفي الصحاح البدنة ناقة أو بقرة تذبح بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها اهـ.

واستدل به على أن البدنة تختص بالإبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق وقسم الشيء لا يكون قسيمه أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد.

( وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً) ذكرًا أو أنثى فالتاء للوحدة لا للتأنيث ( وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا) ذكرًا ( أَقْرَنَ) قال النووي: وصفه به لأنه أكمل وأحسن صورة ولأن قرنه ينتفع به ( وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً) بفتح الدال ويجوز الكسر والضم وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس ( وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً) .

واستشكل التعبير فيها وفي دجاجة بقرب كقوله في رواية ابن شهاب كالذي يهدي لأن الهدي لا يكون منهما وأجاب عياض تبعًا لابن بطال: بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فهو من الاتباع كقوله.

متقلدًا سيفًا ورمحًا

وتعقبه ابن المنير بأن شرط الاتباع أن لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال متقلدًا سيفًا ومتقلدًا رمحًا والذي يظهر أنه من المشاكلة وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: وهو من تسمية الشيء باسم قرينه.

وقال ابن دقيق العيد: قوله قرب بيضة وفي رواية الأخرى كالذي يهدي يدل على أن المراد بالتقرب الهدي وينشأ منه أن الهدي يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديًا هل يكفيه ذلك أو لا اهـ.

والصحيح من المذاهب الأربعة الثاني وهذا ينبني على أن النذر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس ويقوي الصحيح أيضًا أن المراد بالهدي هنا التصدق وللنسائي من طريق الليث عن ابن عجلان عن سمي زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهي العصفور وله أيضًا من طريق عبد الأعلى عن معمر عن الزهري زيادة بطة فقال في الرابعة: فكأنما قرب بطة وجعل الدجاجة في الخامسة والبيضة في السادسة لكن خالفه عبد الرزاق فلم يذكرها وهو أثبت منه في معمر قال النووي في الخلاصة: هاتان الروايتان وإن صح إسنادهما فهما شاذتان لمخالفتهما الروايات المشهورة.

( فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) في الجامع عما كان مستورًا فيه من منزل أو غيره قاله الباجي فلا دليل فيه لما استنبطه الماوردي منه أن الإمام لا يستحب له المبادرة بل يستحب له التأخير لوقت الخطبة قال: ويدخل المسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر وتعقبه الحافظ بأن ما قاله لا يظهر لإمكان أن يجمع بين الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعدّ له في الجامع إلا إذا حضر الوقت أو يحمل على من ليس له مكان معدّ ( حَضَرَتِ) بفتح الضاد أفصح من كسرها ( الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) ما في الخطبة من المواعظ وغيرها وهم غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة.

وفي رواية للشيخين من طريق الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول فذكر الحديث إلى أن قال: فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر ونحوه في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي فكان ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإمام وانتهاؤه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم للذكر.

وفي رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عند ابن خزيمة على كل باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول فكان المراد بقوله في رواية الزهري على باب المسجد جنس الباب ويكون من مقابلة المجموع بالمجموع فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر مرفوعًا: إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور الحديث فبين صفة الصحف ودل على أنهم غير الحفظة.
والمراد بطي الصحف طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادر إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فإنه يكتبه الحافظان قطعًا وفي حديث الزهري عند ابن ماجه فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء لحق الصلاة وفي رواية ابن جريج عن سمي زيادة في آخره هي: ثم إذا استمع وأنصت غفر له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة فيقول بعض الملائكة لبعض: ما حبس فلانًا؟ فتقول: اللهم إن كان ضالاً فاهده وإن كان فقيرًا فأغنه وإن كان مريضًا فعافه.

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: الحض على الغسل يوم الجمعة وفضله وفضل السبق إليها وأنه إنما يحصل لمن جمعهما وعليه يحمل ما أطلقه في باقي الروايات من ترتب الفضل على السبق من غير تقييد بالغسل وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو باتفاق في الهدي وفي الضحايا خلاف فالأكثر كذلك.

وقال مالك: الأفضل في الضحايا الغنم.
قال أبو عمر: لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين وأكثر ما ضحى به الكباش وقال تعالى: { { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } } ولو كان غيره أعظم منه لفدي به ولو لم يكن من فضل الكبش إلا أنه أول قربان تقرب به إلى الله في الدنيا وأنه فدي به نبي كريم من الذبح وقال الله فيه: { { بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } }

ذكر عبد الرزاق: مر النعمان بن أبي قطبة على النبي صلى الله عليه وسلم بكبش أعين أقرن فقال صلى الله عليه وسلم: ما أشبه هذا الكبش بالكبش الذي ذبحه إبراهيم فاشترى معاذ بن عفراء كبشًا أعين أقرن فأهداه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضحى به.

وقال الزين بن المنير: فرق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقضية الذبيح وهو قد فدي بالغنم والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البدن واختلف في المراد بالساعات فذهب الجمهور وابن حبيب إلى أنها ساعات النهار من أوله فاستحبوا المسير إليها من طلوع الشمس وذهب مالك وأصحابه إلا القليل وإمام الحرمين والقاضي حسين إلى أنها لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الإمام على المنبر لأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود تقول: جئت ساعة كذا.

وقوله في الحديث: ثم راح يدل على ذلك لأن حقيقة الرواح من الزوال إلى آخر النهار والغدو من أوله إلى الزوال قال تعالى: { { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } }

وقال المازري: تمسك مالك بحقيقة الرواح وتجوز في الساعة وعكس غيره اهـ.
وقال غيره: حملها على ساعات النهار الزمانية المنقسمة إلى اثني عشر جزءًا تبعد حالة الشرع عليه لاحتياجه إلى حساب ومراجعة آلات تدل عليه ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم الجمعة قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول فالمتهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة الحديث.

فإن قالوا قد تستعمل الهاجرة في غير موضعها فيجب الحمل عليه جمعًا بينه وبين لفظ ساعة قلنا ليس إخراجها عن ظاهرها بأولى من إخراج الساعة عن ظاهرها فإذا تساويا على زعمكم فمجازنا أرجح لأنه عمل الناس جيلاً بعد جيل لم يعرف أن أحدًا من الصحابة كان يأتي المسجد لصلاة الجمعة من طلوع الشمس ولا يمكن حمل حالهم على ترك هذه الفضيلة العظيمة وبأنه يلزم عليه إشكال قوي وهو صحة الجمعة قبل الزوال لأنه قسم الساعات إلى خمس وعقب بخروج الإمام فيقتضي أنه يخرج في أول الساعة السادسة وهي قبل الزوال.

وأما زيادة ابن عجلان العصفور في حديث سمي فشاذة كما قال النووي لأن الحفاظ من أصحاب سمي لم يذكروها وقد تعسفوا الجواب عن هذا بما لا يخلو عن نظر وقول الإمام أحمد كراهة مالك التبكير خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إلى أي شيء ذهب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: كالمهدي جزورًا وكالمهدي كذا مدفوع بقوله أول الحديث المذكور فالمتهجر إلى الجمعة وهذه اللفظة مأخوذة من الهاجرة والهجير وذلك وقت النهوض إلى الجمعة وليس ذلك عند وقت طلوع الشمس لأنه ليس وقت هاجرة ولا هجير وقول ابن حبيب إنه تحريف في تأويل الحديث ومحال أن تكون ساعات في ساعة واحدة والشمس إنما تزول في الساعة السادسة وهو وقت الأذان وخروج الإمام إلى الخطبة فدل ذلك على أنها ساعات النهار المعروفة فبدأ بأولها فقال: من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ثم قال في الخامسة بيضة فشرح الحديث بين في لفظه ولكنه حرف عن وجهه وشرح بالخلف من القول وبما لا يكون وزهد شارحه بذلك الناس فيما رغبهم فيه النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن ذلك كله يجتمع في ساعة واحدة عند زوال الشمس.

قال ابن عبد البر: هذا تحامل منه على مالك فإنه قد قال ما أنكره وجعله تحريفًا في التأويل وخلفًا من القول قال ابن وهب: سألت مالكًا عن هذا فقال: إنما أراد ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات ولو لم يكن كذلك ما صليت الجمعة حتى يكون تسع ساعات وذلك وقت العصر أو قريب منه وقول مالك هو الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة مع ما صحبه من عمل المدينة فإن مالكًا كان مجالسًا لهم ومشاهدًا لوقت خروجهم إلى الجمعة فلو كانوا يخرجون إليها مع طلوع الشمس ما أنكره مع حرصه على اتباعهم ثم روى بأسانيده أحاديث تشهد لقول مالك وأطال النفس في ذلك.

وحديث الباب رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كيسان ( الْمَقْبُرِيِّ) بضم الموحدة وفتحها كان مجاور للمقبرة فنسب إليها المدني التابعي المتفق على توثيقه روى له الجميع، كبر واختلط قبل موته بأربع سنين ومات سنة ثلاث وعشرين ومائة وكان سماع مالك ونحوه منه قبل الاختلاط.

( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أي بالغ ( كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ) في الصفة لا في الوجوب لكن على هذا رأى الجمهور أنه سنة مؤكدة وهذا قد رواه مالك موقوفًا كما ترى على أبي هريرة وقد حكى ابن المنذر عنه وعن عمار بن ياسر وغيرهما الوجوب الحقيقي وهو قول الظاهرية ورواية عن أحمد فلا يؤول قول أبي هريرة لأنه مذهبه قال في التمهيد: وقد رفعه رجل لا يحتج به عن عبيد الله بن عمر عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمر كذا رواه الأكثر عن مالك مرسلاً لم يقولوا عن أبيه ورواه روح بن عبادة وجويرية بن أسماء وأبو عاصم النبيل وابن مهدي وإبراهيم بن طهمان ويحيى بن مالك بن أنس وغيرهم عن مالك موصولاً فقالوا عن ابن عمر وقد أخرجه البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن مالك ومسلم من طريق ابن وهب عن يونس كلاهما عن الزهري عن سالم عن أبيه وكذا وصله معمر عن الزهري عند أحمد وأبو أويس عند قاسم بن أصبغ بذكر ابن عمر.

( أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هو عثمان بن عفان كما سماه ابن وهب وابن القاسم عن مالك في روايتهما للموطأ وكذا سماه معمر عن الزهري عند الشافعي وعبد الرزاق وابن وهب في روايته عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن ابن عمر وكذا سماه أبو هريرة عند مسلم قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا في ذلك ( الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ) وفي رواية جويرية: أن عمر بينما هو قائم في الخطبة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر ( فَقَالَ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ) بشد التحتية تأنيث أي يستفهم بها والساعة اسم لجزء من الزمان مقدر ويطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا وهذا استفهام توبيخ وإنكار كأنه يقول: لم تأخرت إلى هذه الساعة وقد ورد التصريح بالإنكار في رواية أبي هريرة بلفظ فقال عمر: لم تحتبسون عن الصلاة؟ ولمسلم فعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟ قال الحافظ والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات وفهم عثمان ذلك فبادر إلى الاعتذار عن التأخير.

( فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَلَبْتُ) أي رجعت ( مِنَ السُّوقِ) روى أشهب عن مالك في العتبية أن الصحابة كانوا يكرهون ترك العمل يوم الجمعة على نحو تعظيم اليهود السبت والنصارى الأحد ( فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ) أي الأذان بين يدي الخطيب وفي رواية جويرية إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين ( فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ) أي لم أشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء.

( فَقَالَ عُمَرُ) إنكار آخر على ترك السنة المؤكدة وهي الغسل ( الْوُضُوءَ) بالنصب أي أتتوضأ الوضوء مقتصرًا عليه وبالرفع مبتدأ حذف خبره أي تقتصر عليه أو خبر مبتدؤه محذوف أي كفايتك الوضوء.

وقال ابن السيد: يروى بالرفع على لفظ الخبر والصواب أن آلوضوء بالمد على لفظ الاستفهام كقوله تعالى: { { آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } } فهمزة الاستفهام داخلة على همزة الوصل هكذا رواية الموطأ الوضوء بلا واو وفي البخاري من رواية جويرية بن أسماء عن مالك فقال: والوضوء بالواو بإسقاط لفظ عمر ولمسلم بإثبات عمر والواو وهو بالنصب كما اقتصر عليه النووي عطفًا على الإنكار الأول أي والوضوء أيضًا اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل والمعنى أما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ حذف خبره أي والوضوء تقتصر عليه وأغرب السهيلي فقال: اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا ينكر.

قال الحافظ: وجوابه ما تقدم أي من عطفه على الإنكار الأول والظاهر أن الواو عاطفة وقال القرطبي: هي عوض عن همزة الاستفهام كقراءة ابن كثير: ( قال فرعون وآمنتم به) وتعقبه في المصابيح بأن تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيح في الآية لوقوعها مفتوحة بعد ضمة وأما في الحديث فليس كذلك لوقوعها مفتوحة بعد فتح فلا وجه لإبدالها فيه واوًا ولو جعله على حذف الهمزة أي أو تخص الوضوء لجرى على مذهب الأخفش في جواز حذفها قياسًا عند أمن اللبس والقرينة الحالية المقتضية للإنكار شاهدة بذلك فلا لبس اهـ.

وهو مبني على إسقاط لفظ عمر كما في رواية البخاري أما على إثباتها كما في مسلم فتوجيه القرطبي وجيه ( أَيْضًا) مصدر آض يئيض أي عاد ورجع أي ألم يكفك أن فاتك فضل المبادرة إلى الجمعة حتى أضفت إليه ترك الغسل ( وَ) الحال أنك ( قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ) كذا في جميع الروايات لم يذكر المأمور إلا أن في رواية جويرية عن نافع عن ابن عمر عند الطحاوي وغيره أن عمر قال: أما علمت أنا كنا نؤمر والطحاوي عن ابن عباس أن عمر قال له: لقد علمت أنا أمرنا بالغسل قلت: أنتم أيها المهاجرون الأولون أم الناس جميعًا قال: لا أدري.
رواته ثقات إلا أنه معلول.

وفي رواية أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن عمر قال: ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل وهذا ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين ولم أقف في شيء من الروايات على جواب عثمان عن ذلك والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلاً عن الوقت وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغسل لأنه تعارض عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالاغتسال وكل منهما مرغب فيه فآثر سماع الخطبة ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره قاله الحافظ.

قال: وفي هذا الحديث من الفوائد القيام في الخطبة وعلى المنبر وتفقد الإمام رعيته وأمره لهم بمصالح دينهم وإنكاره على من أخلَّ منهم بالفضل وإن كان عظيم المحل ومواجهته بالإنكار ليرتدع من دونه بذلك وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها وسقوط الإنصات عن المخاطب بذلك والاعتذار إلى ولاة الأمور وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة لأن عمر لم يأمر برفع السوق لأجل هذه القضية واستدل به مالك على أن السوق لا يمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمان عمر والذاهب إليها مثل عثمان وفيه شهود الفضلاء السوق ومعناه التجر فيها وأن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل التأذين.

قال عياض: وفيه أن السعي إنما يجب بسماع الأذان وأن شهود الخطبة لا يجب وهو مقتضى قول أكثر المالكية وتعقب بأنه لا يلزم من التأخير إلى سماع النداء فوات الخطبة بل قول عثمان ما زدت على أن توضأت يشعر بأنه لم يفته شيء من الخطبة وعلى أنه فاته شيء منها فلا دلالة فيه على أنه لا يجب شهودها على من تنعقد به الجمعة واستدل به على أن غسل الجمعة واجب لقطع عمر الخطبة وإنكاره على عثمان تركه وهو متعقب لأنه أنكر عليه ترك السنة وهي التبكير إلى الجمعة فيكون الغسل كذلك وعلى أن الغسل ليس شرطًا لصحة الجمعة اهـ.

وقال الباجي: رأى عمر اشتغاله بسماع الخطبة والصلاة أولى من خروجه للغسل ولذا لم يأمر به ولا أنكر عليه قعوده ويقتضي ذلك إجماع الصحابة على أن غسل الجمعة ليس بواجب.

وقال ابن عبد البر: قد روي هذا الحديث مرفوعًا ثم أخرج من طريق محمد بن أبي عمر العدني قال: حدثنا بشر بن السري عن عمر بن الوليد السني عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يلهو أحدكم حتى إذا كادت الجمعة تفوته جاء يتخطى رقاب الناس يؤذيهم فقال: ما فعلت يا رسول الله ولكن كنت راقدًا ثم استيقظت وقمت فتوضأت ثم أقبلت، فقال صلى الله عليه وسلم: أو يوم وضوء هذا قال أبو عمر: كذا روي مرفوعًا وهو عندي وهم لا أدري ممن وإنما القصة محفوظة لعمر لا للنبي صلى الله عليه وسلم.
( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين المدني أبي عبد الله الزهري مولاهم تابعي ثقة مفتي عابد مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وله اثنان وسبعون سنة ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بتحتية وخفة المهملة ( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مالك بن سنان ( الْخُدْرِيِّ) صحابي ابن صحابي، وقد تابع مالكًا على روايته الدراوردي عن صفوان أخرجه ابن حبان وخالفهما عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن صفوان عن أبي هريرة أخرجه أبو بكر المروزي في كتاب الجمعة له قاله الحافظ.

وقال الدارقطني في العلل: رواه عبد الرحمن عن صفوان عن عطاء عن أبي هريرة وأبي سعيد معًا، ومنهم من قال عنه بالشك، ورواه نافع القارئ عن صفوان عن عطاء عن أبي هريرة ووهم فيه، والصحيح صفوان عن ابن يسار عن أبي سعيد.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) ظاهر إضافته لليوم حجة لأن الغسل لليوم لا للجمعة وهو قول جماعة، ومذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم أنه للصلاة لا لليوم.
وقد روى مسلم هذا الحديث بلفظ: الغسل يوم الجمعة، وكذا رواه الشيخان من وجه آخر عن أبي سعيد، وظاهره أنه حيث وجد الغسل فيه كفى لأنه جعل اليوم ظرفًا للغسل، ويحتمل أن اللام للعهد فتتفق الروايتان.

( وَاجِبٌ) أي مسنون متأكد.
قال ابن عبد البر: ليس المراد أنه فرض بل هو مؤول أي واجب في السنة أو في المروءة أو في الأخلاق الجميلة كقول العرب: وجب حقك، ثم أخرج بسنده عن أشهب أن مالكًا سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال: هو حسن وليس بواجب، وأخرج عن ابن وهب أن مالكًا سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ قال: هو سنة ومعروف.
قيل إن في الحديث واجب.
قال: ليس كل ما جاء في الحديث يكون كذلك ( عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أي بالغ وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب فيدخل النسائي في ذلك وتفسيره بالبالغ مجاز لأن الاحتلام يستلزم البلوغ والقرينة المانعة عن الحمل على الحقيقة أن الاحتلام إذا كان معه الإنزال موجب للغسل سواء كان يوم جمعة أم لا.

ونقل ابن المنذر والخطابي عن مالك فرضية الغسل حقيقة.
رده عياض وغيره بأن ذلك ليس بمعروف في مذهبه.
وقال ابن دقيق العيد: نص مالك على وجوبه فحمله من لم يمارس مذهبه على ظاهره وأبى ذلك أصحابه.
قال: وإلى السنية ذهب الأكثرون وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر وقد أولوا صيغة الأمر على الندب والوجوب على التأكيد كما يقال: إكرامك علي واجب وهو تأويل ضعيف إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحًا على هذا الظاهر، وأقوى ما عارضوا به حديث من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث قال: وربما أولوه تأويلاً مستنكرًا كمن حمل الوجوب على السقوط.

قال الحافظ: فأما الحديث فعول على المعارضة به كثير ووجه الدلالة منه قوله فالغسل أفضل فإنه يقتضي اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم إجزاء الوضوء، ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان، وله علتان إحداهما عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه ابن ماجه عن أنس والطبراني عن عبد الرحمن بن سمرة والبزار عن أبي سعيد وابن عدي عن جابر وكلها ضعيفة.

وعارضوا أيضًا بأحاديث منها: حديث أبي سعيد في الصحيحين من وجه آخر: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبًا إن وجد.
قال القرطبي: ظاهره وجوب الاستنان والطيب لذكرهما بالعاطف والتقدير الغسل واجب والاستنان والطيب كذلك وليسا بواجبين اتفاقًا فدل على أن الغسل ليس بواجب إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد، وسبقه إلى ذلك الطبري والطحاوي، وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف.
وقال ابن المنير: إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطفه ما ليس بواجب عليه لإمكان أنه خرج بدليل فبقي ما عداه على الأصل على أن دعوى الإجماع في الطيب مردودة.
فقد روى سفيان بن عيينة في جامعه بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة وقال به بعض أهل الظاهر.

ومنها: حديث أبي هريرة مرفوعًا: من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له أخرجه مسلم.
قال القرطبي: ذكر الوضوء وما معه مرتبًا عليه الثواب المقتضي للصحة يدل على أن الوضوء كاف.
وأجيب: بأنه ليس فيه نفي الغسل، وقد ورد من وجه آخر في الصحيحين بلفظ: من اغتسل فيحتمل أن ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء.

ومنها: حديث ابن عباس أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو؟ فقال: لا ولكنه أطهر لمن اغتسل ومن لم يغتسل فليس بواجب عليه، وسأخبركم عن بدء الغسل كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون وكان مسجدهم ضيقًا فلما آذى بعضهم بعضًا قال صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع المسجد.
أخرجه أبو داود والطحاوي وإسناده حسن لكن الثابت عن ابن عباس خلافه ففي البخاري عن طاوس قلت لابن عباس ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبًا وأصيبوا من الطيب قال ابن عباس: أما الغسل فنعم وأما الطيب فلا أدري، وعلى تقدير الصحة فالمرفوع منه ورد بصيغة الأمر الدال على الوجوب، وأما نفي الوجوب فهو موقوف لأنه من استنباط ابن عباس وفيه نظر إذ لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب كما في الرمل والجمار وعلى تسليمه فلمن قصر الوجوب على من به رائحة كريهة أن يتمسك به.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف وعبد الله بن مسلمة عن مالك به، ومسلم عن يحيى بلفظ الغسل يوم الجمعة إلخ.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ) بإضافة أحد إلى ضمير الجمع وذلك يعم الرجال والنساء والصبيان، والمشهور من مذهب مالك وهو رواية ابن القاسم عنه أن الغسل يسن لمن أتى الجمعة ممن تجب عليه أو لا من مسافر أو عبد أو امرأة أو صبي إذا أتوها، ولمالك في المختصر أن من لا تلزمه إن حضرها لابتغاء الفضل شرع له الغسل وسائر آداب الجمعة وإن حضرها لأمر اتفاقي أو لمجرد الصلاة فلا.
( الْجُمُعَةَ) أي الصلاة أو المكان الذي تقام فيه، وذكر المجيء لكونه الغالب وإلا فالحكم شامل لمن كان مقيمًا بالجامع ( فَلْيَغْتَسِلْ) الفاء للتعقيب فظاهره أن الغسل يعقب المجيء وليس بمراد، وإنما المراد إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل رواه بهذا اللفظ الليث عن نافع عند مسلم ونظيره قوله تعالى: { { إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } } فإن معناه إذا أردتم المناجاة بلا خلاف، ويقوي رواية الليث حديث أبي هريرة السابق: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخر الرواح عن الغسل، وبهذا علم فساد قول من حمله على ظاهره وتمسك به على أن الغسل لليوم لا للصلاة لأن الحديث واحد ومخرجه واحد، وقد بيّن الليث في روايته المراد وقوّاه حديث أبي هريرة واستدل بمفهوم قوله: إذا جاء، الجمهور على أن الغسل لا يشرع لمن لم يحضر الجمعة خلافًا لأكثر الحنفية، وقد صرح بالمفهوم في رواية ابن واقد عن نافع بلفظ: ومن لم يأتها فليس عليه غسل كما يأتي.

ورواية نافع لهذا الحديث مشهورة جدًا وقد اعتنى بتخريج طرقه أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسًا رووه عن نافع، وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسًا فما يستفاد هنا ذكر سبب الحديث، ففي رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند أبي عوانة وقاسم بن أصبغ: كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاؤوا عليهم ثياب متغيرة فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل.

ومنها: ذكر محل القول ففي رواية الحكم بن عيينة عن نافع عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد هذا المنبر بالمدينة.
أخرجه يعقوب الحصاص في فوائده من رواية اليسع بن قيس عن الحكم وطريق الحكم عند النسائي وغيره عن شعبة عنه بلفظ حديث الباب إلا قوله جاء فعنده راح.

ومنها: ما يدل على تكرار ذلك ففي رواية صخر بن جويرية عن نافع عن أبي مسلم الكجي بلفظ: كان إذا خطب يوم الجمعة قال الحديث.

ومنها: زيادة في المتن ففي رواية عثمان بن واقد عن نافع عن أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ: من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل ورجاله ثقات، لكن قال البزار: أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه.

ومنها: زيادة في المتن والإسناد أيضًا أخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طرق عن مفضل بن فضالة عن عياش بن عباس القتباني عن بكير بن عبد الله الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجمعة واجبة على كل محتلم وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل.
قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن نافع بزيادة حفصة إلا بكير ولا عنه إلا عياش تفرد به مفضل.

قلت: رواته ثقات فإن كان محفوظًا فهو حديث آخر ولا مانع أن يسمعه ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الصحابة ولا سيما مع اختلاف المتون.

قال ابن دقيق العيد: في الحديث دليل على تعليق الغسل بالمجيء للجمعة، ولقد أبعد الظاهري إبعادًا يكاد أن يكون مجزومًا ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على صلاة الجمعة حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقًا بإضافة الغسل إلى اليوم، وقد تبين من بعض الروايات أن الغسل لإزالة الرائحة الكريهة وفهم منه أن المقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة اهـ.

وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ولا فعل ما أمر به، وادعى ابن حزم أنه قول جماعة من الصحابة والتابعين وأطال في تقرير ذلك بما هو بصدد المنع والرد ويفضي إلى التطويل بما لا طائل تحته، ولم يورد عن أحد ممن ذكر التصريح بإجزاء الغسل بعد الجمعة، وإنما أورد عنهم ما يدل على أنه لا يشترط اتصاله بالذهاب فأخذ هو منه أنه لا فرق بين ما قبل الزوال وبعده والفرق بينهما ظاهر كالشمس اهـ ملخصًا من فتح الباري.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به، وتابعه الليث عن نافع بنحوه عند مسلم.

( قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِهِ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَا يَجْزِي) بفتح أوله لا يكفي ( عَنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ وَ) دليل ( ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ) الذي رويته عن نافع عنه ( إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) فعلق الغسل بالمجيء للجمعة فيفيد أن شرطه اتصاله بالذهاب إليها لأن المعلق على شيء إنما يوجد إذا وجد، وهذا استدلال جلي، وقد وافق مالكًا على اشتراط ذلك الليث والأوزاعي.
وقال الجمهور: يجزي من بعد الفجر والأفضل تأخيره، وغاية ما استدلوا به حديث اغتسلوا يوم الجمعة وليس بقوي الدلالة لأنه مجمل فحمله على هذا المبين أولى وهو مقتضى النظر أيضًا لأن حكمة الأمر به التنظيف لرعاية الحاضرين من التأذي بالروائح الكريهة، فلحظ ذلك مالك ومن وافقه فشرط اتصال الغسل بالذهاب ليحصل الأمن مما يغاير التنظيف فدل المعنى على أنه لا يعتد به إذا لم يتصل بالذهاب.

قال ابن دقيق العيد: والمعنى إذا كان معدومًا كالنص قطعًا أو ظنًا متقاربًا للقطع فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ اهـ.

ويقوّي ذلك حديث عائشة في الصحيحين قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فيخرج منهم الريح، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا.
وفي رواية فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة.

( قَالَ مَالِكٌ: وَمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) سواء كان ( مُعَجِّلًا) بكسر الجيم أي ذاهبًا لها قبل الزوال ولو بكثير مرتكبًا للمكروه ( أَوْ مُؤَخِّرًا) بكسر الخاء أي رائحًا لها في الوقت المطلوب لأن المدار إنما هو على اتصاله بالرواح ويجوز فتح الجيم والخاء على أنه صفة مصدر أي غسلاً معجلاً لكن الأول أنسب بقوله ( وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ) جملة حالية لإفادة القيد ( فَأَصَابَهُ مَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ) من نواقض الوضوء ( فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْوُضُوءُ وَغُسْلُهُ ذَلِكَ يُجْزِئٌ عَنْهُ) وقد كان عبد الرحمن بن أبزى الصحابي يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث ويتوضأ ولا يعيد الغسل.
رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.