هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
2501 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ - فَتْحِ مَكَّةَ - لَا هِجْرَةَ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  فتح مكة لا هجرة ، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Ibn 'Abbas (Allah be pleased with him) reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying on the Day of Victory over Mecca:

There is no Hijra (emigration) but only Jihad and good intention; and when you are called to battle, then go forth. He also said on the Day of Victory over Mecca: Allah made this town sacred on the day He created the earth and the heavens; so it is -sacred by the sacred- ness conferred on it by Allah until the Day of Resurrection and fighting in it was not lawful to anyone before me, and it was made lawful for me only during an hour on one day, for it is sacred by the sacredness conferred on it by Allah until the Day of Resurrection. Its thorns are not to be cut, its game is not to be molested, and the things dropped are to be picked up only by one who makes a public announcement of it, and its fresh herbage is not to be cut. Abbas (Allah be pleased with him) said: Messenger of Allah, exception may be made in case of rush, for it is useful for their blacksmiths and for their houses. He (the Holy Prophet) conceding the suggestion of 'Abbas) said: Except rush.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1353] .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ مُعْجِزَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا تَبْقَى دَارَ الْإِسْلَامِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْهِجْرَةُ وَالثَّانِي مَعْنَاهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَضْلُهَا كَفَضْلِهَا قَبْلَ الْفَتْحِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنفق من قبل الفتح وقاتل الْآيَةَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) فَمَعْنَاهُ وَلَكِنْ لَكُمْ طَرِيقٌ إِلَى تَحْصِيلِ الْفَضَائِلِ الَّتِي فِي مَعْنَى الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ بِالْجِهَادِ وَنِيَّةِ الْخَيْرِ فِي كُلَّ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) مَعْنَاهُ إِذَا دَعَاكُمُ السُّلْطَانُ إِلَى غَزْوٍ فَاذْهَبُوا وَسَيَأْتِي بَسْطُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ وَبَيَانُ الْوَاجِبِ مِنْهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُتَعَالَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.

     وَقَالَ  الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ.

.
وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ.

.
وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّتَعَالَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.

     وَقَالَ  الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ.

.
وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ.

.
وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّتَعَالَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.

     وَقَالَ  الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ.

.
وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ.

.
وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّتَعَالَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض) وفي الأحاديث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ فَقِيلَ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقِيلَ مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ الْقَتْلُ بَدَلَ الْقِتَالُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ قَالَ.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بسير الْوَاقِدِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.

     وَقَالَ  الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ شَرْحُ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ قَالَ حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ.

.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهَا تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُعْضَدُ بِهَا شَجَرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا قَالَ أهل اللغة العضد القطع والخلا بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الكلأ قالوا الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسم لليابس منه والكلأ مهموز يقع على الرطب واليابس وعد بن مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ وَمَعْنَى يُخْتَلَى يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ وَمَعْنَى يُخْبَطُ يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ وَكَذَا جَاءَ عَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ.

.
وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِوَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ قَالَا فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فُتِحَتْ صُلْحًا وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتنفير على الاتلاف ونحوه لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ الْمُنْشِدُ هُوَ الْمُعَرِّفُ.

.
وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ نَاشِدٌ وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّويتأولون الحديث تأويلات ضعيفة واللقطة بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقِيلَ بِإِسْكَانِهَا وَهِيَ الْمَلْقُوطُ .

     قَوْلُهُ  (إِلَّا الْإِذْخِرَ) هُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ .

     قَوْلُهُ  (فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ) وَفِي رِوَايَةٍ نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا قَيْنِهِمْ بِفَتْحِ الْقَافِ هُوَ الْحَدَّادُ وَالصَّائِغُ وَمَعْنَاهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَيْنُ فِي وُقُودِ النَّارِ وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْقُبُورِ لِتُسَدَّ بِهِ فُرَجُ اللَّحْدِ الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ اللَّبِنَاتِ وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سُقُوفِ الْبُيُوتِ يُجْعَلُ فَوْقَ الْخَشَبِ .

     قَوْلُهُ  (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا الْإِذْخِرَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرِ وَتَخْصِيصِهِ مِنَ الْعُمُومِ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ طَلَبَ أَحَدٌ اسْتِثْنَاءَ شَيْءٍ فَاسْتَثْنِهِ أَوْ أَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الْجَمِيعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [1353] لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح قَالَ الْعلمَاء الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب إِلَى دَار السَّلَام بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث قَولَانِ الأول لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح من مَكَّة لِأَنَّهَا صَارَت دَار إِسْلَام وَإِنَّمَا تكون الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَهَذَا يتَضَمَّن معْجزَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهَا تبقى دَار إِسْلَام لَا يتَصَوَّر مِنْهَا الْهِجْرَة وَالثَّانِي مَعْنَاهُ لاهجرة بعد الْفَتْح فَضلهَا كفضلها مَا قبل الْفَتْح كَمَا قَالَ الله تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة مَعْنَاهُ وَلَكِن لكم طَرِيق إِلَى تَحْصِيل الْفَضَائِل الَّتِي فِي معنى الْهِجْرَة وَذَلِكَ بِالْجِهَادِ وَنِيَّة الْخَيْر فِي كل شَيْء وَإِذا استنفرتم فانفروا مَعْنَاهُ إِذا دعَاكُمْ السُّلْطَان إِلَى الْغَزْو فاذهبوا إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله يَوْم خلق السَّمَاوَات قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْأَحَادِيث بعده أَن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة وظاهرهما الِاخْتِلَاف وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف مَشْهُور فِي وَقت تَحْرِيم مَكَّة فَقيل من أول الزَّمَان أخذا بِهَذَا الحَدِيث وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ وَأَجَابُوا عَن الْأَحَادِيث الْأُخَر بِأَن تَحْرِيمهَا كَانَ خَفِي فأظهره إِبْرَاهِيم وأشاعه لَا أَنه ابتدأه وَقيل مَا زَالَت حَلَالا كَغَيْرِهَا إِلَى زمن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ ثَبت لَهَا التَّحْرِيم من زَمَنه أخذا بالأحاديث الْمَذْكُورَة وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث الأول بِأَن مَعْنَاهُ أَن الله كتب فِي للوح الْمَحْفُوظ أَو فِي غَيره يَوْم خلق السَّمَاوَات أَن إِبْرَاهِيم سيحرم مَكَّة بِأَمْر الله تَعَالَى وَأَنه لم يحل الْقِتَال إِلَى آخِره قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا ظَاهر فِي تَحْرِيم الْقِتَال بِمَكَّة.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة من خَصَائِص الْحرم أَن لَا يحارب أَهله فَإِن بغوا على أهل الْعدْل فقد قَالَ بعض الْفُقَهَاء يحرم قِتَالهمْ بل يضيق عَلَيْهِم حَتَّى يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة.

     وَقَالَ  جمهورهم يُقَاتلُون إِذا لم يُمكن ردهم عَن الْبَغي إِلَّا بِالْقِتَالِ لِأَن قتال الْبُغَاة من حُقُوق الله الَّتِي لَا يجوز إضاعتها فحفظها فِي الْحرم أولى من إضاعتها قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي وَأجَاب فِي سير الْوَاقِدِيّ عَن هَذَا الحَدِيث بِأَن مَعْنَاهُ تَحْرِيم نصب الْقِتَال عَلَيْهِم وقتالهم بِمَا يعم كالمنجنيق وَغَيره إِن أمكن إصْلَاح الْحَال بِدُونِ ذَلِك بِخِلَاف مَا إِذا تحصن الْكفَّار فِي بلد آخر فَإِنَّهُ يجوز قِتَالهمْ على كل حَال بِكُل شَيْء وَوَقع فِي شرح التَّلْخِيص للقفال الْمروزِي لَا يجوز الْقِتَال بِمَكَّة حَتَّى لَو تحصن فِيهَا جمَاعَة من الْكفَّار لم يجز لنا قِتَالهمْ قَالَ النَّوَوِيّ وَهَذَا غلط وَلم تحل لي إِلَّا سَاعَة من نَهَار احْتج بِهِ من يَقُول إِن مَكَّة فتحت عنْوَة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة والأكثرين.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَغَيره فتحت صلحا وتأولوا هَذَا الحَدِيث على أَن الْقِتَال كَانَ جَائِزا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَكَّة لَو لحتاج لفعله وَلَكِن مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ لَا يعضد أَي لَا يقطع شوكه قَالَ النَّوَوِيّ فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم قطع الشوك المؤذي وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِي.

     وَقَالَ  جُمْهُور أَصْحَابنَا لَا يحرم لِأَنَّهُ مؤذ فَأشبه الفواسق ويخصون الحَدِيث بِالْقِيَاسِ قَالَ النَّوَوِيّ وَالصَّحِيح مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِي وَلَا ينفر صَيْده أَي لَا يزعج فالإتلاف أولى وَلَا يختلي أَي لَا يُؤْخَذ وَلَا يقطع خَلاهَا بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُور الرطب من الْكلأ الْإِذْخر بِكَسْر الْهمزَة وَالْخَاء نَبَات مَعْرُوف طيب الرَّائِحَة فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِم فتح الْقَاف وَهُوَ الْحداد والصائغ وَمَعْنَاهُ أَنه يحْتَاج إِلَيْهِ فِي وقود النَّار ولبيوتهم أَي يحْتَاج إِلَيْهِ فِي سقوفها يَجْعَل فَوق الْخشب فَقَالَ إِلَّا الأذخر قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا مَحْمُول على أَنه أوحى إِلَيْهِ فِي الْحَال باستثناء الأذخر وتخصيصه من الْعُمُوم أَو أُوحِي إِلَيْهِ قبل ذَلِك أَن طلب أحد اسْتثِْنَاء شَيْء فاستثناه أَو أَنه اجْتهد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب تَحْرِيمِ مَكَّةَ وَصَيْدِهَا وَخَلَاهَا وَشَجَرِهَا وَلُقَطَتِهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ عَلَى الدَّوَامِ
[ سـ :2502 ... بـ :1353]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا.

     وَقَالَ  يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا مُفَضَّلٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.

     وَقَالَ  بَدَلَ الْقِتَالِ الْقَتْلَ.

     وَقَالَ  لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ : لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَفِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ مِنْ مَكَّةَ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ مُعْجِزَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا تَبْقَى دَارَ الْإِسْلَامِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْهِجْرَةُ .

وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ : لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَضْلُهَا كَفَضْلِهَا قَبْلَ الْفَتْحِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ الْآيَةَ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ) فَمَعْنَاهُ : وَلَكِنْ لَكُمْ طَرِيقٌ إِلَى تَحْصِيلِ الْفَضَائِلِ الَّتِي فِي مَعْنَى الْهِجْرَةِ ، وَذَلِكَ بِالْجِهَادِ ، وَنِيَّةِ الْخَيْرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ) مَعْنَاهُ : إِذَا دَعَاكُمُ السُّلْطَانُ إِلَى غَزْوٍ فَاذْهَبُوا ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ وَبَيَانُ الْوَاجِبِ مِنْهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) .

وَفِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ " فَظَاهِرُهَا الِاخْتِلَافُ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ تَحْرِيمِ مَكَّةَ ، فَقِيلَ : إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَقِيلَ : مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيمُ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الثَّانِي ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ ، وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ .

وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمُهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ فَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ ، لَا أَنَّهُ ابْتَدَأَهُ ، وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي غَيْرِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ : أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُحَرِّمُ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( الْقَتْلُ ) بَدَلَ ( الْقِتَالُ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً ، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ : إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ .

هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ ، صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ : مِنْ خَصَائِصِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يُحَارَبَ أَهْلُهُ ، فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ : يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ ، بَلْ يُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَةِ وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ ، قَالَ :.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيِهِمْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ إِلَّا بِالْقِتَالِ ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَجُوزُ إِضَاعَتُهَا فَحِفْظُهَا أَوْلَى فِي الْحَرَمِ مِنْ إِضَاعَتِهَا .
هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ ، وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ مِنْ كُتُبِ الْإِمَامِ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي آخِرِ كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِـ " سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ " مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ ،.

     وَقَالَ  الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ " شَرْحُ التَّلْخِيصِ " فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي ذِكْرِ الْخَصَائِصِ : لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ ، قَالَ : حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالُهُمْ فِيهَا ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غَلَطٌ ، نَبَّهْتُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرَّ بِهِ .

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ " سِيَرُ الْوَاقِدِيِّ " أَنَّ مَعْنَاهَا : تَحْرِيمُ نَصْبِ الْقِتَالِ عَلَيْهِمْ ، وَقِتَالِهِمْ بِمَا يَعُمُّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّارُ فِي بَلَدٍ آخَرَ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ شَيْءٍ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ .
وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا )
، وَفِي رِوَايَةٍ : ( ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : ( الْعَضْدُ ) الْقَطْعُ ، وَ ( الْخَلَا ) : - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ - هُوَ الرَّطْبُ مِنَ الْكَلَأِ ، وَقَالُوا : الْخَلَا وَالْعُشْبُ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْهُ ، وَالْحَشِيشُ وَالْهَشِيمُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ مِنْهُ ، وَ ( الْكَلَأُ ) مَهْمُوزٌ يَقَعُ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ ، وَعَدَّابْنُ مَكِّيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامِّ إِطْلَاقُهُمُ اسْمُ الْحَشِيشِ عَلَى الرَّطْبِ ، بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْيَابِسِ ، وَمَعْنَى ( يُخْتَلَى ) : يُؤْخَذُ وَيُقْطَعُ ، وَمَعْنَى ( يُخْبَطُ ) : يُضْرَبُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ أَشْجَارِهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتُهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَةِ ، وَعَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِ خَلَاهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الشَّجَرِ إِذَا قَطَعَهُ ، فَقَالَ مَالِكٌ : يَأْثَمُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ ،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ : عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ، وَاخْتَلَفَا فِيهَا ؛ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ ، وَفِي الصَّغِيرَةِ شَاةٌ ، وَكَذَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ ، .

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ : الْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ الْقِيمَةُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَيَضْمَنُ الْخَلَا بِالْقِيمَةِ ، وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْيُ الْبَهَائِمِ فِي كَلَأِ الْحَرَمِ ،.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ .

وَأَمَّا صَيْدُ الْحَرَمِ فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ : يَأْثَمُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ دَخَلَ صَيْدٌ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُدَ ، .

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ : لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ ، بَلْ يَلْزَمُهُ إِرْسَالُهُ ، قَالَا : فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْلُهُ ، وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِمِ ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ : يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحِلِّ شَجَرَةٌ أَوْ كَلَأٌ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَمٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ مِنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَأِ ، سَوَاءٌ الشَّوْكُ الْمُؤْذِي وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابِنَا ،.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا : لَا يَحْرُمُ الشَّوْكُ ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ ، فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِقَ الْخَمْسَ ، وَيَخُصُّونَ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ ، وَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي ، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ ،.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ : فُتِحَتْ صُلْحًا ، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْقِتَالَ كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ ، وَلَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ ، وَلَكِنْ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ ) تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ التَّنْفِيرِ ، وَهُوَ الْإِزْعَاجُ وَتَنْحِيَتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ ، فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى ، سَوَاءٌ تَلِفَ أَمْ لَا ، لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارِهِ قَبْلَ سُكُونِ نِفَارِهِ ضَمِنَهُ الْمُنَفِّرُ ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّنْفِيرِ عَلَى الْإِتْلَافِ وَنَحْوِهِلِأَنَّهُ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِيرُ فَالْإِتْلَافُ أَوْلَى .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ .
الْمُنْشِدُ : هُوَ الْمُعَرِّفُ ،.

وَأَمَّا طَالِبُهَا فَيُقَالُ لَهُ : نَاشِدٌ ، وَأَصْلُ النَّشْدِ وَالْإِنْشَادِ رَفْعُ الصَّوْتِ .

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُعَرِّفَهَا سَنَةً ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَادِ ، بَلْ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا أَبَدًا .
وَلَا يَتَمَلَّكُهَا ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ ،.

     وَقَالَ  مَالِكٌ : يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بَعْدَ تَعَرُّفِهَا سَنَةً ، كَمَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَيَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيثَ تَأْوِيلَاتٍ ضَعِيفَةً ، وَ ( اللُّقَطَةُ ) بِفَتْحِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَقِيلَ : بِإِسْكَانِهَا وَهِيَ الْمَلْقُوطُ .

قَوْلُهُ : ( إِلَّا الْإِذْخِرَ ) هُوَ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ .

قَوْلُهُ : ( فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا .
( قَيْنِهِمْ ) بِفَتْحِ الْقَافِ ، هُوَ الْحَدَّادُ وَالصَّائِغُ ، وَمَعْنَاهُ : يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْقَيْنُ فِي وُقُودِ النَّارِ ، وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْقُبُورِ لِتُسَدَّ بِهِ فُرَجُ اللَّحْدِ الْمُتَخَلِّلَةُ بَيْنَ اللَّبِنَاتِ ، وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سُقُوفِ الْبُيُوتِ يُجْعَلُ فَوْقَ الْخَشَبِ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِلَّا الْإِذْخِرَ ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ بِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِرِ وَتَخْصِيصِهِ مِنَ الْعُمُومِ ، أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ طَلَبَ أَحَدٌ اسْتِثْنَاءَ شَيْءٍ فَاسْتَثْنِهِ ، أَوْ أَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي الْجَمِيعِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .