هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
251 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ سَأَلَ الشَّعْبِيَّ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَمْرٍو ، إِنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا : فَهُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ : حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ ، فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ ، فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا ، فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ، ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ، ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُرَاسَانِيِّ : خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، ح ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، ح ، وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، كُلُّهُمْ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
251 حدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا هشيم ، عن صالح بن صالح الهمداني ، عن الشعبي ، قال : رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي ، فقال : يا أبا عمرو ، إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ، ثم تزوجها : فهو كالراكب بدنته ، فقال الشعبي : حدثني أبو بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه ، فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق الله تعالى وحق سيده ، فله أجران ، ورجل كانت له أمة فغذاها ، فأحسن غذاءها ، ثم أدبها فأحسن أدبها ، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ، ثم قال الشعبي للخراساني : خذ هذا الحديث بغير شيء ، فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة ، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة بن سليمان ، ح ، وحدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، ح ، وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، كلهم عن صالح بن صالح ، بهذا الإسناد نحوه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is narrated on the authority of Sha'bi that one among the citizens of Khurasan asked him:

0 Abu! some of the people amongst us who belong to Khurasan say that a person who freed his bondswoman and then married her is like one who rode over a sacrificial animal. Sha'bi said: Abu Burda b. Abi Musa narrated it to me on the authority of his father that verily the Messenger of Allah (ﷺ) said: There are three (classes of persons) who would be given a double reward. One who is amongst the People of the Book and believed in his apostle and (lived) to see the time of Apostle Muhammad (ﷺ) and affirmed his faith in him and followed him and attested his truth, for him is the double reward; and the slave of the master who discharges all those obligations that he owes to Allah and discharges his duties that he owes to his master, for him there is a double reward. And a man who had a bondswoman and fed her and fed her well, then taught her good manners, and did that well and later on granted her freedom and married her, for him is the double reward. Then Sha'bi said: Accept this hadith without (giving) anything. Formerly a man was (obliged) to travel to Medina even for a smaller hadith than this.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [154] وَفِيهِ (هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خراسان سألى الشَّعْبِيُّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو) أَمَّا هُشَيْمٌ فَبِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ صَالِحٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا إِذَا كان الصَّحِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هُشَيْمًا ثَبَتَ سَمَاعُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ صَالِحٍ.

.
وَأَمَّا صَالِحٌ فَهُوَ صَالِحُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ حَيَّانَ وَلَقَبُ حَيَّانَ حَيٌّ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُ.

.
وَأَمَّا الْهَمْدَانِيُّ فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ.

.
وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ فَاسْمُهُ عَامِرٌ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ يَتَكَرَّرُ مِثْلُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ مُنْتَظِمًا فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنَّ تَقْدِيرَهُ حَدَّثَنَا صَالِحٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ بِحَدِيثٍ وَقِصَّةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ فِيهَا صَالِحٌ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ أَبُو بُرْدَةَعَنْ أَبِي مُوسَى اسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وقيل الحرث وَاسْمُ أَبِي مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَفِيهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِتَخْفِيفِ الذَّالِ.

.
وَأَمَّا الثانى فبالمد أما معانى الحديث فالحديث الأول اختلف فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا كَانَ مِثْلُهُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَآمَنَ بِهِ الْبَشَرُ.

.
وَأَمَّا مُعْجِزَتِي الْعَظِيمَةُ الظَّاهِرَةُ فَهِيَ الْقُرْآنُ الَّذِي لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِثْلَهُ فَلِهَذَا قَالَ أَنَا أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي أُوتِيتُهُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَخْيِيلٌ بِسِحْرٍ وَشُبْهَةٍ بِخِلَافِ مُعْجِزَةِ غَيْرِي فَإِنَّهُ قَدْ يُخَيِّلُ السَّاحِرُ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقَارِبُ صُورَتَهَا كَمَا خَيَّلَتِ السَّحَرَةُ فِي صُورَةِ عَصَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَيَالُ قَدْ يَرُوجُ عَلَى بَعْضِ الْعَوَامِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ وَالتَّخْيِيلِ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ ونظر وقد يخطىء النَّاظِرُ فَيَعْتَقِدُهُمَا سَوَاءً وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا بِحَضْرَتِهِمْ وَمُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ الْمُسْتَمِرُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعَ خَرْقِ الْعَادَةِ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَعَجْزِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بسورة من مثله مجتمعين أومتفرقين فى جميع الأعصار مع اعْتِنَائِهِمْ بِمُعَارَضَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَهُمْ أَفْصَحُ الْقُرُونِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْرُوفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا فِي زَمَنِ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى وَفَتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبِلَادَ وَبَارَكَ فِيهِمْ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ وَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَسَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِيهِ نَسْخُ المللم كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ من هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ القيامة فكلهم يجب عليهم الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثِ فَفِيهِ فَضِيلَةُ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِعَنْ أَبِي مُوسَى اسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وقيل الحرث وَاسْمُ أَبِي مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَفِيهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِتَخْفِيفِ الذَّالِ.

.
وَأَمَّا الثانى فبالمد أما معانى الحديث فالحديث الأول اختلف فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا كَانَ مِثْلُهُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَآمَنَ بِهِ الْبَشَرُ.

.
وَأَمَّا مُعْجِزَتِي الْعَظِيمَةُ الظَّاهِرَةُ فَهِيَ الْقُرْآنُ الَّذِي لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِثْلَهُ فَلِهَذَا قَالَ أَنَا أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي أُوتِيتُهُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَخْيِيلٌ بِسِحْرٍ وَشُبْهَةٍ بِخِلَافِ مُعْجِزَةِ غَيْرِي فَإِنَّهُ قَدْ يُخَيِّلُ السَّاحِرُ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقَارِبُ صُورَتَهَا كَمَا خَيَّلَتِ السَّحَرَةُ فِي صُورَةِ عَصَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَيَالُ قَدْ يَرُوجُ عَلَى بَعْضِ الْعَوَامِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ وَالتَّخْيِيلِ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ ونظر وقد يخطىء النَّاظِرُ فَيَعْتَقِدُهُمَا سَوَاءً وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا بِحَضْرَتِهِمْ وَمُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ الْمُسْتَمِرُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعَ خَرْقِ الْعَادَةِ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَعَجْزِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بسورة من مثله مجتمعين أومتفرقين فى جميع الأعصار مع اعْتِنَائِهِمْ بِمُعَارَضَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَهُمْ أَفْصَحُ الْقُرُونِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْرُوفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا فِي زَمَنِ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى وَفَتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبِلَادَ وَبَارَكَ فِيهِمْ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ وَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَسَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِيهِ نَسْخُ المللم كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ من هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ القيامة فكلهم يجب عليهم الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثِ فَفِيهِ فَضِيلَةُ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِبِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ لَهُ أجرين لايمانه بنبيه قبل النسخ والثانى لا يمانه بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْقَائِمِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ سَيِّدِهِ وَفَضِيلَةُ مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ إِحْسَانٌ إِلَيْهَا بَعْدَ إِحْسَانٍ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ (خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ) فَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْعَالِمِ مِثْلَ هَذَا تَحْرِيضًا لِلسَّامِعِ عَلَى حِفْظِ مَا قَالَهُ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ السَّلَفُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّحْلَةِ إِلَى الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ فِي حَدِيثِ وَاحِدٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (بَابُ بَيَانِ نُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ حَاكِمًا (بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (وَإِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَبَيَانِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ لَا تنسخ) (وانه لَا تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْهَا ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [154] صَالح بن صَالح الْهَمدَانِي عَن الشّعبِيّ قَالَ رَأَيْت رجلا من أهل خُرَاسَان سَأَلَ الشّعبِيّ قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الْكَلَام لَيْسَ منتظما فِي الظَّاهِر وَلَكِن تَقْدِيره حَدثنَا صَالح عَن الشّعبِيّ بِحَدِيث وقصة طَوِيلَة قَالَ فِيهَا صَالح رَأَيْت رجلا سَأَلَ الشّعبِيّ ثَلَاثَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ للطبراني من حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا أَرْبَعَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ فَذكر الثَّلَاثَة وَزَاد أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد وَردت الْأَحَادِيث والْآثَار بِأَكْثَرَ من ذَلِك وجمعتها فِي جُزْء فبلغت أَرْبَعِينَ رجل من أهل الْكتاب أَي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَقيل الْإِنْجِيل خَاصَّة لِأَن النَّصْرَانِيَّة ناسخة لِلْيَهُودِيَّةِ وَأجَاب الطَّيِّبِيّ بِأَنَّهُ لَا يبعد أَن يكون طريان الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَببا لقبُول ذَلِك الدّين وَإِن كَانَ مَنْسُوخا آمن بِنَبِيِّهِ وَأدْركَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَآمن بِهِ وَاتبعهُ وَصدقه يسْتَدلّ بِهَذَا اللَّفْظ لما قَالَه الْكرْمَانِي من اخْتِصَاص ذَلِك بِمن آمن فِي عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف من بعده إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لِأَن بعثته قد أبطلت مَا قبلهَا من الْأَدْيَان فَلم يكن الْإِيمَان بِهِ معتدا بِهِ لَكِن اخْتَار البُلْقِينِيّ اسْتِمْرَار ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَرجحه بن حجر فغذاها بتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة فَأحْسن غذاءها بِالْمدِّ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن الشعبي، قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو، إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون، في الرجل، إذا أعتق أمته ثم تزوجها: فهو كالراكب بدنته.
فقال الشعبي: حدثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران.
وعبد مملوك أدى حق الله تعالى وحق سيده، فله أجران.
ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن أدبها.
ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران.
ثم قال الشعبي للخراساني: خذ هذا الحديث بغير شيء.
فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة.


المعنى العام

تفضل وإحسان من الله تعالى على عباده، إن هم فعلوا خيرا على خير، أن يمنحهم أجرا فوق أجر، مصداقا لقوله تعالى: { { من جاء بالحسنة فله خير منها } } [النمل: 89] ومن الذين يؤتون أجرهم مرتين ثلاثة خصهم بالذكر، مراعاة لظروف وبيئة معينة.

لقد كان أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، يجدونه ويجدون أوصافه عندهم مكتوبة في التوراة والإنجيل، فكان إيمانهم به وإسلامهم خيرا كبيرا لهم وللإسلام، لهم لأنهم يسلمون على ما أسلفوا من إيمان وخير، وللإسلام لاقتداء العامة بهم، ونشر الإسلام عن طريقهم، فكان لمن يسلم منهم أجران.

وكان الرق في ظروف هذا الحديث منتشرا وكثيرا، وكان الأرقاء يضيقون به ذرعا، ويشعرون بسببه ذلة وهوانا، وكان السادة يسيئون معاملة الرقيق خصوصا الإماء منهم، فحارب الحديث هاتين السوأتين، ورغب في نقيضهما، لقد منح الله العبد المملوك المطيع لربه ولسيده أجرين على ما يفعل من حسنات فألقى بذلك الرضا في قلوب العبيد بالقضاء، بل وصل ببعضهم أن قيل لسيده حين أعتقه معجبا من دينه: لم حرمتني من أحد أجري؟ ووصل التطلع ببعض الأحرار إلى أجر العبيد، حتى قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك.

كما منح أجرين للسيد الذي يحسن معاملة أمته، يغذيها فيحسن غذاءها، ويعلمها فيحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن تأديبها، ثم يعتقها ويمن عليها بالحرية، ثم يتزوجها فيجعلها سيدة بيته، ولا شك أن العبد إذا أحسن معاملة سيده، وأن السيد إذا أحسن معاملة عبده أحسن كل منهما معاملة الآخرين في المجتمع من باب أولى، فيعم الأمة التواد والتعاطف والتراحم، وتصبح كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

المباحث العربية

( إن من قبلنا) أي إن الذين عندنا وفي جهتنا، يقال: لي قبله كذا، بكسر القاف وفتح الباء، أي عنده.

( كالراكب بدنته) البدنة بفتح الباء والدال، من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم، تهدى إلى مكة، فكما أن من أهدى بدنته إلى مكة لا يجوز له الرجوع فيها، فكذا من أعتق أمته لله لا يليق به أن يتزوجها، فإن زواجها شبيه بالعود فيها، كذا فهموا.

( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين) ثلاثة مبتدأ، والتقدير ثلاثة رجال والجملة بعده خبر ويؤتون أي كل واحد منهم.

( رجل) هو بدل بعض من كل، أو بدل كل من كل إذا قصد المجموع، وكذا المرأة فذكر الرجل للتغليب.

( من أهل الكتاب) لفظ الكتاب عام، لكن المراد منه نوع خاص، وهو المنزل من عند الله، بل فرد خاص من المنزل من عند الله، وهو الإنجيل وحده، وقيل: المراد به الإنجيل والتوراة، وسيأتي له مزيد إيضاح في فقه الحديث.

( فآمن به واتبعه وصدقه) يحتمل أن يكون ثلاثتها مترادفات في المعنى المراد للتأكيد، ويحتمل أن المراد من الإيمان به التصديق برسالته، ومن اتباعه لزوم العمل بشريعته، ومن تصديقه تصديقه في كل ما جاء به من أحكام.

( فله أجران) هو تكرير لطول الكلام، وللاهتمام به.

( وعبد مملوك) وكذا الأمة المملوكة، وفائدة ذكر مملوك بعد عبد لرفع إبهام العبودية العامة لله، بإثبات أن المراد الرقاق.

( كانت له أمة) وفي رواية البخاري كانت عنده وليد وهي ما ولد من الإيماء في ملك الرجل، ثم أطلق ذلك على كل أمة.

( فغذاها فأحسن غذاءها) أي أطعمها.

( خذ هذا الحديث بغير شيء) من الأمور الدنيوية، وإلا فالأجر الأخروي حاصل له.

( فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة) أي يرحل لأجل ما هو أهون أهمية من هذا الحديث من الكوفة إلى المدينة المنورة.

فقه الحديث

في المراد من أهل الكتاب هنا قال الحافظ ابن حجر: تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على أن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وقيل: المراد به هنا الإنجيل خاصة إن قلنا إن النصرانية ناسخة لليهودية، كذا قرره جماعة ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ لأن عيسى عليه السلام كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف، فمن أجابه منهم نسب إليه، ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنا، فلا يتناوله الخبر، لأن شرطه أن يكون مؤمنا بنبيه، نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل، أو لم يكن بحضرة عيسى عليه السلام، فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهودي مؤمن، إذ هو مؤمن بنبيه موسى عليه السلام، ولم يكذب نبيا آخر بعده، فمن أدرك بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ممن كان بهذه المثابة، وآمن به لا يشكل أنه يدخل في المذكور، ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخل منهم في اليهودية، ولم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة، نعم الإشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قوله تعالى: { { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون } } [القصص: 52 - 54] نزلت في طائفة آمنوا منهم كعبد الله بن سلام وغيره، ففي الطبراني من حديث رفاعة القرظي قال: نزلت هذه الآية في، وفيمن آمن معي، وروى الطبري بإسناد صحيح عن علي بن رفاعة القرظي قال: خرج عشرة من أهل الكتاب، منهم أبو رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، فأوذوا، فنزلت { { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } } الآيات.
فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى، بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين.

قال الطيبي: فيحتمل إجراء الحديث على عمومه، إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم سببا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة.
اهـ.

ثم قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يقال في حق هؤلاء الذين كانوا بالمدينة: إنه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام، لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد، فاستمروا على يهوديتهم، مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام، إلى أن جاء الإسلام، فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فبهذا يرتفع الإشكال.
اهـ.

وقال القرطبي: الكتابي الذي يضاعف أجره مرتين، هو الذي كان على الحق في شرعه، عقدا وفعلا، إلى أن آمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: ويشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل أسلم يؤتك الله أجرك مرتين وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل.

وقال الداودي ومن تبعه: إنه يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير، كما في حديث حكيم بن حزام أسلمت على ما أسلفت من خير اهـ.

ويعترض عليه بأن الحديث مقيد بأهل الكتاب، فلا يتناول غيرهم إلا بقياس الخير على الإيمان، وكأن النكتة في قوله: آمن بنبيه الإشعار بعلية الأجر، أي إن سبب الأجرين الإيمان بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك.

ويمكن أن يقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: { { يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } } [الأعراف: 157] فمن آمن به واتبعه منهم كان له فضل على غيره، وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من وزر غيره.

وذهب الكرماني إلى اختصاص هذا الأجر بمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في عهد البعثة، أما من آمن من أهل الكتاب بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم [مثل كعب الأحبار الذي أسلم في عهد عمر بن الخطاب] فلا يدخل في هذا الأجر، وعلل ذلك بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم، باعتبار عموم بعثته، وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن هذه العلة ثابتة لمن آمن منهم في عهده صلى الله عليه وسلم، فإن خص بمن لم تبلغه الدعوة فلا فرق في ذلك بين عهده صلى الله عليه وسلم وبين الزمن الذي بعده.

فالأظهر أن يقال: إن هذا الأجر باق إلى يوم القيامة لمؤمني أهل الكتاب، لكن هل يختص ممن كان منهم على الحق قبل الإسلام؟ أو يعم من هم على الحق وغيرهم؟ إن قلنا: إن الأجر الأول في اتباعه الحق الأول والأجر الثاني في اتباعه الحق الآخر كان مختصا بمن كان منهم على الحق قبل الإسلام، وهو الظاهر، وإن قلنا: إن الأجرين والمضاعفة في اتباع الحق الثاني بسبب التمسك بالأول [وبه قيل] كان مناسبا للعموم، والله أعلم.

أما العبد المملوك فقد قال ابن عبد البر: إنه لما اجتمع عليه أمران واجبان: طاعة ربه في العبادات، وطاعة سيده في المعروف، فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته، لأنه قد ساواه في طاعة الله، وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته، ثم قال: ومن هنا أقول: إن من اجتمع عليه فرضان، فأداهما، أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه، كما وجب عليه صلاة وزكاة، فقام بهما، فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط، ومقتضاه: أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها.
اهـ.

ومقتضى هذا: أن التضعيف من جهة تعدد الواجبات، فالعمل الذي يجمع بين حق الله وحق السيد يضاعف باعتبارين، أما العمل الخاص بحق الله فلا يضاعف، وكذا الخاص بحق السيد.

وقال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بهذه الصفة، هو لما يدخل عليه من مشقة الرق، وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك.
اهـ.
ومعنى ذلك أن كل عمل يعمله العبد يضاعف له، ومعنى ذلك أن الفرض الواحد إذا أداه العبد والسيد كان أجر العبد ضعف أجر السيد، ولا محذور في ذلك ولا يلزم منه تفضيل العبودية على الحرية، فإن للسيد جهات أخرى يستحق بها أجورا مضاعفة، لا يتمكن العبد من أدائها.

وأما عتق الأمة ثم تزوجها فقد بالغ قوم فكرهوه على أنه من قبيل الرجوع في الصدقة، وقد أسند هذا إلى سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي، كما أخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه يقول ذلك، وعن ابن عمر مثله، وعند ابن أبي شيبة عن أنس أنه سئل عنه، فقال: إذا أعتق أمته لله فلا يعود فيها.

ونحن لا نميل إلى صحة إسناد هذا القول لهؤلاء الأفاضل، فإن صح فلعلهم - كما يقول الحافظ ابن حجر - لم يبلغهم هذا الحديث.

نعم، الخلاف كثير بين العلماء في جواز جعل عتق الأمة صداقا لها، وإلى أن يأتي تفصيل هذا البحث في كتاب النكاح نكتفي بإيجازه فيما يأتي:

ذهب الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحق إلى أنه إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر، أخذا بظاهر ما رواه البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.

وذهب الشافعي إلى أن من أعتق أمته على أن يتزوجها، فقبلت عتقت، ولم يلزمها أن تتزوج به، ولكن يلزمها له قيمتها، لأنه لم يرض بعتقها مجانا، وردوا على دليل الفريق الأول بأنه قول لأنس قاله ظنا من قبل نفسه، ولم يرفعه، أو أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره.

والذي يعنينا في هذا المقام هو أن الأجرين لمن أعتق أمته، ثم تزوجها بمهر خاص، بلا خلاف.

أما من جعل عتقها صداقها فظاهر الحديث الذي معنا يشمله أيضا، لكن رواية البخاري وفيها: ثم أعتقها ثم أصدقها تفيد أن المراد بالتزويج في روايتنا أن يقع بمهر جديد سوى العتق، يقوي هذا ما جاء في مسند أبي داود الطيالسي بلفظ إذا أعتق الرجل أمته ثم أمهرها مهرا جديدا كان له أجران وما أخرجه الإسماعيلي بلفظ ثم تزوجها بمهر جديد

والذي تستريح إليه النفس أن العتق في حد ذاته تكريم وإحسان، وأن زواج السيد من الأمة المملوكة وتمكينها من حقوق الزوجية بعد أن كانت لا تملك منها حقا نحوه، تكريم آخر وإحسان، من أجلهما استحق فاعل ذلك الأجرين، ولا يتوقف الأجران على المهر الجديد إذا ما قلنا بصحة العتق والعقد والمهر، والله أعلم.

بقي أن نقول: إن حصر الذين يؤتون أجرهم مرتين في الثلاثة المذكورين لا يستقيم، فقد ثبت مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني، ولقوله تعالى: { { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } } [الأحزاب: 30] { { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين } } [الأحزاب: 31] ومضاعفة العذاب تقتضي مضاعفة الثواب، كما ثبت أن الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران، وأن التي تتصدق على قريبها لها أجران: أجر الصدقة وأجر الصلة، وأن الحاكم إذا أصاب له أجران، ومن سن سنة حسنة له أجران، له أجرها وأجر من عمل بها، وبالتتبع نجد غير ذلك ممن له أجران، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: إن العدد لا مفهوم له.

{ { ويؤخذ من الحديث } }

1 - فضل إيمان أهل الكتاب على التفصيل السابق.

2 - ترغيب العبد المملوك في طاعة ربه وطاعة سيده.

3 - أن ضعف المقدار في الدنيا قد يكون سببا في رفع المقدار في الآخرة.

4 - حرص الشارع على العتق والترغيب فيه.

5 - فيه دليل على مزيد فضل من أعتق أمته، ثم تزوجها، سواء أعتقها ابتداء، لله أو لسبب، لعموم الحديث.

6 - فيه حث على الإحسان للملوك في غذائه وتأديبه.

7 - وفيه تحريض العالم للمتعلم على المحافظة والحرص على الفتوى لقول الشعبي للخرساني: خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة.

8 - وقد أخذ منه ابن بطال وغيره من المالكية دليلا على تخصيص العلم بالمدينة المنورة، قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لأن ذلك كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ثم تفرق الصحابة في البلاد بعد فتح الأمصار وسكنوها، فاكتفى أهل كل بلد بعلمائه، إلا من طلب التوسع في العلم فرحل.

9 - فيه مدى حرص الصحابة والتابعين على العلم، وسفرهم طويلا في طلبه، وقد روى الداودي بسند صحيح عن بشر بن عبيد الله قال: إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد: وعن أبي العالية قال: كنا نسمع الحديث عن الصحابة، فلا نرضى حتى نركب إليهم، فنسمعه منهم.

والله أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :251 ... بـ :154]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ سَأَلَ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو إِنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَهُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقَّ سَيِّدِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُرَاسَانِيِّ خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كُلُّهُمْ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ
وَفِيهِ حَدِيثُ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ
أَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ آمَنَ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَ مِثْلُهُ مَرْفُوعٌ
وَفِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثَهُ فَقَوْلُهُ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَهُوَ بِالْوَاوِ فِي أَوَّلُ وَأَخْبَرَنِي وَهِيَ وَاوٌ حَسَنَةٌ فِيهَا دَقِيقَةٌ نَفِيسَةٌ وَفَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ يُونُسَ سَمِعَ مِنِ ابْنِ وَهْبٍ أَحَادِيثَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَيْسَ هُوَ أَوَّلَهَا فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا ثُمَّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا إِلَى آخِرِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فَإِذَا رَوَى يُونُسُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ غَيْرَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو فَيَأْتِي بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ هَكَذَا وَلَوْ حَذَفَهَا لَجَازَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِهَا لِيَكُونَ رَاوِيًا كَمَا سَمِعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا أَبُو يُونُسَ فَاسْمُهُ سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ
وَفِيهِ هُشَيْمٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ سَأَلَ الشَّعْبِيُّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرٍو أَمَّا هُشَيْمٌ فَبِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ صَالِحٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا إِذَا كَانَ فِي الصَّحِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هُشَيْمًا ثَبَتَ سَمَاعُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ صَالِحٍ .

وَأَمَّا صَالِحٌ فَهُوَ صَالِحُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ حَيَّانَ وَلَقَبُ حَيَّانَ حَيٌّ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَأَمَّا الْهَمْدَانِيُّ فَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ.

وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ فَاسْمُهُ عَامِرٌ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ يَتَكَرَّرُ مِثْلُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ مُنْتَظِمًا فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنَّ تَقْدِيرَهُ حَدَّثَنَا صَالِحٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ بِحَدِيثٍ وَقِصَّةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ فِيهَا صَالِحٌ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِيهِ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى اسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ وَاسْمُ أَبِي مُوسَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ
وَفِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِتَخْفِيفِ الذَّالِ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالْمَدِّ
أَمَّا مَعَانِي الْحَدِيثِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا - أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا كَانَ مِثْلُهُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَآمَنَ بِهِ الْبَشَرُ.

وَأَمَّا مُعْجِزَتِي الْعَظِيمَةُ الظَّاهِرَةُ فَهِيَ الْقُرْآنُ الَّذِي لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِثْلَهُ فَلِهَذَا قَالَ أَنَا أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا
وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي أُوتِيتُهُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَخْيِيلٌ بِسِحْرٍ وَشُبْهَةٍ بِخِلَافِ مُعْجِزَةِ غَيْرِي فَإِنَّهُ قَدْ يُخَيِّلُ السَّاحِرُ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقَارِبُ صُورَتَهَا كَمَا خَيَّلَتِ السَّحَرَةُ فِي صُورَةِ عَصَا مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَيَالُ قَدْ يَرُوجُ عَلَى بَعْضِ الْعَوَامِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ وَالتَّخْيِيلِ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ وَنَظَرٍ وَقَدْ يُخْطِئُ النَّاظِرُ فَيَعْتَقِدُهُمَا سَوَاءً وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ أَعْصَارِهِمْ وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا مَنْ حَضَرَهَا بِحَضْرَتِهِمْ وَمُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنُ الْمُسْتَمِرُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَعَ خَرْقِ الْعَادَةِ فِي أُسْلُوبِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَإِخْبَارِهِ بِالْمُغَيَّبَاتِ وَعَجْزِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَمَعَ اعْتِنَائِهِمْ بِمُعَارَضَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا وَهُمْ أَفْصَحُ الْقُرُونِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ إِعْجَازِهِ الْمَعْرُوفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا فِي زَمَنِ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى وَفَتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبِلَادَ وَبَارَكَ فِيهِمْ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ وَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي الْمُسْلِمِينَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَسَائِرِ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِيهِ نَسْخُ الْمِلَلِ كُلِّهَا بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي مَفْهُومِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثِ فَفِيهِ فَضِيلَةُ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ لَهُ أَجْرَيْنِ لِإِيمَانِهِ بِنَبِيِّهِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالثَّانِي لِإِيمَانِهِ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الْقَائِمِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ سَيِّدِهِ وَفَضِيلَةُ مَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ إِحْسَانٌ إِلَيْهَا بَعْدَ إِحْسَانٍ وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْعَالِمِ مِثْلَ هَذَا تَحْرِيضًا لِلسَّامِعِ عَلَى حِفْظِ مَا قَالَهُ
وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ السَّلَفُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّحْلَةِ إِلَى الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ فِي حَدِيثِ وَاحِدٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ بَيَانِ نُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ حَاكِمًا ( بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) ( وَإِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَبَيَانِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ لَا تُنْسَخُ ) ( وَلِأَنَّهُ لَا تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْهَا ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) فِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فَنَذْكُرُ أَلْفَاظَهَا وَمَعَانِيَهَا وَأَحَكَامَهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا