هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
279 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرٌ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ ، فَقَالَ : أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنْتُ جُنُبًا ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
279 حدثنا علي بن عبد الله ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا حميد ، قال : حدثنا بكر ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب ، فانخنست منه ، فذهب فاغتسل ثم جاء ، فقال : أين كنت يا أبا هريرة قال : كنت جنبا ، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة ، فقال : سبحان الله ، إن المسلم لا ينجس
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ ، فَقَالَ : أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : كُنْتُ جُنُبًا ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ .

Narrated Abu Huraira:

The Prophet (ﷺ) came across me in one of the streets of Medina and at that time I was Junub. So I slipped away from him and went to take a bath. On my return the Prophet (ﷺ) said, O Abu Huraira! Where have you been? I replied, I was Junub, so I disliked to sit in your company. The Prophet (ﷺ) said, Subhan Allah! A believer never becomes impure.

00283 Abu Hurayra racconte : Le Prophète me croisa dans l’une des ruelles de Médine alors que j’étais en état de janaba. Je l’esquivai. Je parti pour faire des ablutions majeures. Et une fois revenu, le Prophète me dit : « Où étais-tu donc parti ? ô Abu Hurayra ! » « J’étais en état d’impureté majeure, » répondis-je, « et je n’ai pas voulu m’asseoir avec toi alors que je n’étais pas pur… » « Gloire à Dieu ! le corps du musulman ne peut devenir une impureté.« , s’écria le Prophète.  

":"ہم سے علی بن عبداللہ مدینی نے بیان کیا ، کہا ہم سے یحییٰ بن سعید قطان نے ، کہا ہم سے حمید طویل نے ، کہا ہم سے بکر بن عبداللہ نے ابورافع کے واسطہ سے ، انھوں نے ابوہریرہ سے سنا کہمدینہ کے کسی راستے پر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے ان کی ملاقات ہوئی ۔ اس وقت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ جنابت کی حالت میں تھے ۔ ابوہریرہ رضی اللہ عنہ نے کہا کہ میں پیچھے رہ کر لوٹ گیا اور غسل کر کے واپس آیا ۔ تو رسول کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے دریافت فرمایا کہ اے ابوہریرہ ! کہاں چلے گئے تھے ۔ انھوں نے جواب دیا کہ میں جنابت کی حالت میں تھا ۔ اس لیے میں نے آپ صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ بغیر غسل کے بیٹھنا برا جانا ۔ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے ارشاد فرمایا ۔ سبحان اللہ ! مومن ہرگز نجس نہیں ہو سکتا ۔

00283 Abu Hurayra racconte : Le Prophète me croisa dans l’une des ruelles de Médine alors que j’étais en état de janaba. Je l’esquivai. Je parti pour faire des ablutions majeures. Et une fois revenu, le Prophète me dit : « Où étais-tu donc parti ? ô Abu Hurayra ! » « J’étais en état d’impureté majeure, » répondis-je, « et je n’ai pas voulu m’asseoir avec toi alors que je n’étais pas pur… » « Gloire à Dieu ! le corps du musulman ne peut devenir une impureté.« , s’écria le Prophète.  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [283] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَحُمَيْدٌ هُوَ الطَّوِيلُ وَبَكْرٌ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ هُوَ الصَّائِغُ وَهُوَ مَدَنِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ بَصْرِيُّونَ أَيْضًا وَحُمَيْدٌ وَبَكْرٌ وَأَبُو رَافِعٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ طريقٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ طُرُقٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ لَقِيتُهُ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ تُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ جُنُبٌ يَعْنِي نَفْسَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنَا جُنُبٌ .

     قَوْلُهُ  فَانْخَنَسْتُ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْحَمَوِيِّ وَكَرِيمَةَ بِنُونٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ.

     وَقَالَ  الْقَزَّازُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ فَانْبَخَسْتُ يَعْنِي بِنُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فَانْخَنَسْتُ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَالْمَعْنَى مَضَيْتُ عَنْهُ مُسْتَخْفِيًا وَلِذَلِكَ وُصِفَ الشَّيْطَانُ بِالْخَنَّاسِ وَيُقَوِّيهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَانْسَلَلْتُ انْتَهَى.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فَانْبَخَسْتُ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَلِابْنِ السَّكَنِ بِالْجِيمِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا أَيْ جَرَتْ وَانْدَفَعَتْ وَهَذِهِ أَيْضًا رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ وَأبي الْوَقْت وبن عَسَاكِرَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَانْتَجَسْتُ بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ ثُمَّ جِيمٍ أَيِ اعْتَقَدْتُ نَفْسِي نَجِسًا وُوُجِّهَتِ الرِّوَايَةُ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْقَزَّازُ بِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْبَخْسِ وَهُوَ النَّقْصُ أَيِ اعْتَقَدَ نُقْصَانَ نَفْسِهِ بِجَنَابَتِهِ عَنْ مُجَالَسَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ مثل رِوَايَة بن السكن.

     وَقَالَ  معنى انبجست مِنْهُ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لِي مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَأَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ الْأُولَى ثُمَّ هَذِهِ وَقَدْ نَقَلَ الشُّرَّاحُ فِيهَا أَلْفَاظًا مُخْتَلِفَةً مِمَّا صَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ لَا مَعْنَى لِلتَّشَاغُلِ بِذِكْرِهِ كَانْتَجَشْتُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مِنَ النَّجْشِ وَبِنُونٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ مِنَ الِانْحِبَاسِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ إِنَّ الْكَافِرَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَةَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنِ النَّجَاسَةِ وَعَنِ الْآيَةِ بَان المُرَاد أَنه نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إِلَّا مِثْلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْمُسْلِمَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ الْحَيَّ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فِيالْجَنَائِزِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ فَنَسَبَ الْقَوْلَ بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ مُلَابَسَةِ الْأُمُورِ الْمُعَظَّمَةِ وَاسْتِحْبَابُ احْتِرَامِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَتَوْقِيرِهِمْ وَمُصَاحَبَتِهِمْ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَكَانَ سَبَبُ ذَهَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ ماسحه ودعا لَهُ هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَلَمَّا ظَنَّ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ الْجُنُبَ يَنْجُسُ بِالْحَدَثِ خَشِيَ أَنْ يُمَاسِحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَادَتِهِ فَبَادَرَ إِلَى الِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَولُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَعَجَّبَ مِنِ اعْتِقَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّنَجُّسَ بِالْجَنَابَةِ أَيْ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِرُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِئْذَانِ التَّابِعِ لِلْمَتْبُوعِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ لِقَوْلِهِ أَيْنَ كُنْتَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يُعْلِمَهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَنْبِيهِ الْمَتْبُوعِ لِتَابِعِهِ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَفِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاغْتِسَالِ عَنْ أَوَّلِ وَقت وُجُوبه وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بن حِبَّانَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَنَوَى الِاغْتِسَالَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَنْجُسُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى طَهَارَةِ عَرَقِ الْجُنُبِ لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَنْجُسُ بِالْجَنَابَةِ فَكَذَلِكَ مَا تَحَلَّبَ مِنْهُ وَعَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الْجُنُبِ فِي حَوَائِجِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَقَالَ بَابُ الْجُنُبِ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ .

     قَوْلُهُ  وَغَيره بالجرأى وَغَيْرِ السُّوقِ وَيُحْتَمَلُ الرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى يَخْرُجُ من جِهَة الْمَعْنى قَوْله.

     وَقَالَ  عَطاء هَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْهُ وَزَادَ وَيَطْلِي بِالنُّورَةِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ هِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ بِالرَّفْعِ فِي التَّرْجَمَة

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [283] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ.
فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ».
[الحديث طرفه في: 285] .
وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( قال: حدّثنا حميد) بضم الحاء الطويل التابعي ( قال: حدّثنا بكر) بفتح الموحدة ابن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني البصري ( عن أبي رافع) نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ بالغين المعجمة البصري ترحل إليها من المدينة ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقيه في بعض طريق المدينة) بالإفراد ولكريمة في بعض طرق المدينة ( وهو جنب) جملة اسمية حالية من الضمير المنصوب في لقيه.
قال أبو هريرة: ( فانخنست منه) بنون ثم معجمة ثم نون فمهملة أي تأخرت وانقبضت ورجعت، وفي رواية فانخنس، ولابن السكن والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر: فانبجست بالموحدة والجيم أي اندفعت، وللمستملي فانتجست بنون فمثناة فوقية فجيم من النجاسة من باب الافتعال أي اعتقدت نفسي نجسًا، ( فذهب فاغتسل) بلفظ الغيبة من باب النقل عن الراوي بالمعنى، أو من قول أبي هريرة من باب التجريد وهو أنه جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه وهو المناسب لرواية فانخنس.
وفي رواية فذهبت فاغتسلت وهو المناسب لسابقه، وكان سبب ذهاب أبي هريرة ما رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا لقي أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له، فلما ظن أبو هريرة رضي الله عنه أن الجنب ينجس بالجنابة خشي أن يماسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعادته فبادر إلى الاغتسال، ( ثم جاء فقال) عليه الصلاة والسلام: ( أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنبًا) أي ذا جنابة لأنه اسم جرى مجرى المصدر وهو الإجناب، ( فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة) جملة اسمية حالية من الضمير المرفوع في أجالسك ( فقال) بالفاء قبل القاف وسقطت في كلام أبي هريرة على الأفصح في الجمل المفتتحة بالقول كما قيل في قوله تعالى: { أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء: 10] قوم فرعون ألا يتقون قال وما بعدها، وأما القول مع ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالفاء سببية رابطة فاجتلبت لذلك ولأبي ذر وابن عساكر والأصيلي قال: ( سبحان الله) نصب بفعل لازم الحذفوأتى به هنا للتعجب والاستعظام أي: كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك.
( إن المؤمن) وفي رواية مضبب عليها بفرع اليونينية إن المسلم ( لا ينجس) أي في ذاته حيًّا ولا ميتًا، ولذا يغسل إذا مات.
نعم يتنجس بما يعتريه من ترك التحفظ من النجاسات والأقذار، وحكم الكافر في ذلك كالمسلم، وأما قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} [التوبة: 28] فالمراد بها نجاسة اعتقادهم، أو لأنه يجب أن يتجنب عنهم كما يتجنب عن الإنجاس، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالبًا، وعن ابن عباس: إن أعيانهم نجسة كالكلاب، وبه قال ابن حزم، وعورض بحل نكاح الكتابيات للمسلم ولا تسلم مضاجعتهنّ من عرقهنّ، ومع ذلك لم يجب من غسلهن إلا مثل ما يجب من غسل المسلمات، فدل على أن الآدمي لي بنجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء بل يتنجس بما يعرض له من خارج.
ويأتي البحث إن شاء الله تعالى في الاختلاف في الميت في باب الجنائز، ورواة هذا الحديث الستة بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الطهارة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
24 - باب الْجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الْجُنُبُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ.
هذا ( باب) بالتنوين ( الجنب يخرج) من بيته ( ويمشي في السوق وغيره) يجوز له ذلك عند الجمهور خلافًا لما حكاه ابن أبي شيبة عن علي وعائشة وابن عمرو وأبيه وشداد بن أوس وسعيد بن المسيب ومجاهد وابن سيرين والزهري ومحمد بن علي والنخعي.
وحكاه البيهقي وزاد سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعطاء والحسن أنهم كانوا إذا أجنبوا لا يخرجون ولا يأكلون حتى يتوضؤوا والواو في قوله: ويمشي عطفًا على يخرج وفي غيره عطفًا على سابقه أي وفي غير السوق، وجوّز ابن حجر كالكرماني الرفع على أنه مبتدأ أي وغيره نحو أي فينام ويأكل كما يخرج فهو عطف عليه من جهة المعنى، لكن تعقبه البرماوي والعيني بأنه تكلف بلا ضرورة.
( وقال عطاء) مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه ( يحتجم الجنب ويقلم أظفاره ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ) زاد عبد الرزاق ويطلي بالنورة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [283] حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ المُؤْمِنِ لاَ يَنْجُسُ.
[/ ح.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَغَيره، بِالرَّفْع ظَاهِرَة وَأما بِالْجَرِّ الَّذِي هُوَ الْأَظْهر فَلَا تكون الْمُطَابقَة إلاَّ من جِهَة الْمَعْنى، وَهُوَ أَن الْجنب إِذا جَازَ لَهُ الْخُرُوج من بَيته وَالْمَشْي فِي السُّوق وَغَيره جَازَ لَهُ تِلْكَ الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة فِي الْأَثر الْمَذْكُور، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق فِي ( مُصَنفه) عَن ابْن جريح عَنهُ وَزَاد فِيهِ ويطلى بالنورة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [283] حدثنا علي بنِ عبد الله: نا يحيى: نا حميد: نا بكر، عَن أبي رافع، عَن أبي هريرة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ‍لقيه في بعض طريق ‍المدينة وَهوَ جنب، فانخنست منهُ، فذهب فاغتسل ثُمَّ جَاءَ، فقال: ( ( أين كنت يا أبا هريرة؟) ) قالَ: كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة.
فقالَ: ( ( سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) ) .
قولُهُ: ( ( انخنست) ) ، أي: تواريت، واختفيت منهُ، وتأخرت عَنهُ، ومنه: الوسواس الخناس وَهوَ الشيطان، إذا غفل العبد عَن ذكر الله وسوس لَهُ، فإذا ذكر الله خنس وتأخر.
ومنه سميت النجوم خنساً، قالَ تعالى: { فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:15] ، وانخناسها: رجوعها وتواريها تحت ضوء الشمس، وقيل: اختفاؤها بالنهار.
وفيه: دليل على أن الجنب لَهُ أن يذهب في حوائجه ويجالس أهل العلم والفضل، وأنه ليسَ بنجس، وإذا لَم يكن نجساً ففضلاته الطاهرة باقية على طهارتها، كالدمع والعرق والريق، وهذا كله مجمع عليهِ بين العلماء، ولا نعلم بينهم فيهِ اختلافاً.
قالَ الإمام أحمد: عائشة وابن عباس يقولان: لا بأس بعرق الحائض والجنب.
وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر.
وثبت: عَن عمر وابن عباس وعائشة، أنهم قالوا ذَلِكَ، ثُمَّ سمى جماعة ممن قالَ به بعدهم، وقال: ولا أحفظ عَن غيرهم خلافهم.
قلت: وقد سبق خلاف في كراهة سؤر الحائض والجنب، وفي كراهة الماء الذِي أدخلا فيهِ أيديهما، ولعل من كره ذَلِكَ لَم يكرهه لنجاسة أبدانهما عنده.
والله أعلم.
وقد روى وكيع، عَن مسعر، عَن حماد، في الجنب يغتسل ثُمَّ يستدفىء بامرأته قبل أن تغتسل؟ قالَ: لا يستدفىء بها حتَّى يجف.
24 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق [وغيره] وقال عطاء: يحتجم الجنب، ويقلم أظفاره، ويحلق رأسه، وإن لَم يتوضأ.
حاصل هَذا: ان الجنب لَهُ تاخير غسل الجنابة ما لَم يضق عليهِ وقت الصلاة، وله أن ينصرف في حوائجه، ويخرج من بيته، ويمشي في الأسواق، ويدخل إلى بيوت أهله وغيرهم لقضاء حوائجه.
وما حكاه عَن عطاء، معناه: أن الجنب لا يكره لَهُ الأخذ من شعره وظفره في حال جنابته، ولا أن يخرج دمه بحجامة وغيرها.
وقال الإمام أحمد في الجنب يحتجم، ويأخذ من شعره وأظفاره، أو يختضب: لا بأس بهِ.
قالَ: ولا بأس أن يطلي بالنورة، كانَ عطاء يقول: لا بأس بهِ.
وقال: لا بأس أن تختضب الحائض.
وقال إسحاق بنِ راهوايه: خضاب المرأة في أيام حيضها لا باس بهِ، سنة ماضية من أزواج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهن من أهل العلم.
وروى أيوب، عَن معاذة، أن أمراة سألت عائشة: أتختضب الحائض؟ فقالت: كنا عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نختضب، فلم يكن ينهانا عَنهُ.
خرجه ابن ماجه.
ولا نعلم في هَذا خلافاً إلا ما ذكره بعض أصحابنا وَهوَ أبو الفرج الشيرازي، أن الجنب يكره لَهُ الأخذ من شعره واظفاره، وذكر فيهِ حديثاً مرفوعاً.
وهذا المرفوع خرجه الإسماعيلي في ( ( مسند علي) ) بإسناد ضعيف جداً عَن علي - مرفوعاً -: ( ( لا يقلمن أحد ظفراً، ولا يقص شعراً، إلا وَهوَ طاهر، ومن اطلى وَهوَ جنب كانَ [علته] عليهِ) ) ، وذكر كلاماً، قيل لَهُ: لَم يا رسول الله؟ قالَ: ( ( لأنه لا ينبغي أن يلقي الشعر إلا وَهوَ طاهر) ) .
وهذا منكر جداً، بل الظاهر أنَّهُ موضوع.
والله أعلم.
وخرج البخاري في هَذا الباب حديثين: أحدهما: قالَ:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ عَرَقِ الْجُنُبِ وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)
كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى الْخِلَافِ فِي عَرَقِ الْكَافِرِ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ إِنَّهُ نَجِسٌ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ بَيَانُ حُكْمِ عَرَقِ الْجُنُبِ وَبَيَانُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ وَإِذَا كَانَ لَا يَنْجُسُ فَعَرَقُهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْكَافِرَ يَنْجُسُ فَيَكُونُ عَرَقُهُ نَجِسًا

[ قــ :279 ... غــ :283] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَحُمَيْدٌ هُوَ الطَّوِيلُ وَبَكْرٌ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ هُوَ الصَّائِغُ وَهُوَ مَدَنِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ بَصْرِيُّونَ أَيْضًا وَحُمَيْدٌ وَبَكْرٌ وَأَبُو رَافِعٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ طريقٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ طُرُقٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ لَقِيتُهُ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ تُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ جُنُبٌ يَعْنِي نَفْسَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنَا جُنُبٌ .

     قَوْلُهُ  فَانْخَنَسْتُ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْحَمَوِيِّ وَكَرِيمَةَ بِنُونٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ.

     وَقَالَ  الْقَزَّازُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ فَانْبَخَسْتُ يَعْنِي بِنُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فَانْخَنَسْتُ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَالْمَعْنَى مَضَيْتُ عَنْهُ مُسْتَخْفِيًا وَلِذَلِكَ وُصِفَ الشَّيْطَانُ بِالْخَنَّاسِ وَيُقَوِّيهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَانْسَلَلْتُ انْتَهَى.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَقَعَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فَانْبَخَسْتُ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَلِابْنِ السَّكَنِ بِالْجِيمِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا أَيْ جَرَتْ وَانْدَفَعَتْ وَهَذِهِ أَيْضًا رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ وَأبي الْوَقْت وبن عَسَاكِرَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَانْتَجَسْتُ بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ ثُمَّ جِيمٍ أَيِ اعْتَقَدْتُ نَفْسِي نَجِسًا وُوُجِّهَتِ الرِّوَايَةُ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْقَزَّازُ بِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْبَخْسِ وَهُوَ النَّقْصُ أَيِ اعْتَقَدَ نُقْصَانَ نَفْسِهِ بِجَنَابَتِهِ عَنْ مُجَالَسَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ مثل رِوَايَة بن السكن.

     وَقَالَ  معنى انبجست مِنْهُ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لِي مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَأَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ الْأُولَى ثُمَّ هَذِهِ وَقَدْ نَقَلَ الشُّرَّاحُ فِيهَا أَلْفَاظًا مُخْتَلِفَةً مِمَّا صَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ لَا مَعْنَى لِلتَّشَاغُلِ بِذِكْرِهِ كَانْتَجَشْتُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مِنَ النَّجْشِ وَبِنُونٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ مِنَ الِانْحِبَاسِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ إِنَّ الْكَافِرَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَةَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنِ النَّجَاسَةِ وَعَنِ الْآيَةِ بَان المُرَاد أَنه نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إِلَّا مِثْلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْمُسْلِمَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ الْحَيَّ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ فَنَسَبَ الْقَوْلَ بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ مُلَابَسَةِ الْأُمُورِ الْمُعَظَّمَةِ وَاسْتِحْبَابُ احْتِرَامِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَتَوْقِيرِهِمْ وَمُصَاحَبَتِهِمْ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَكَانَ سَبَبُ ذَهَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ ماسحه ودعا لَهُ هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَلَمَّا ظَنَّ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ الْجُنُبَ يَنْجُسُ بِالْحَدَثِ خَشِيَ أَنْ يُمَاسِحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَادَتِهِ فَبَادَرَ إِلَى الِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَولُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَعَجَّبَ مِنِ اعْتِقَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّنَجُّسَ بِالْجَنَابَةِ أَيْ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِرُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِئْذَانِ التَّابِعِ لِلْمَتْبُوعِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ لِقَوْلِهِ أَيْنَ كُنْتَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يُعْلِمَهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَنْبِيهِ الْمَتْبُوعِ لِتَابِعِهِ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَفِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاغْتِسَالِ عَنْ أَوَّلِ وَقت وُجُوبه وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بن حِبَّانَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَنَوَى الِاغْتِسَالَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَنْجُسُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى طَهَارَةِ عَرَقِ الْجُنُبِ لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَنْجُسُ بِالْجَنَابَةِ فَكَذَلِكَ مَا تَحَلَّبَ مِنْهُ وَعَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الْجُنُبِ فِي حَوَائِجِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَقَالَ بَابُ الْجُنُبِ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ .

     قَوْلُهُ  وَغَيره بالجرأى وَغَيْرِ السُّوقِ وَيُحْتَمَلُ الرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى يَخْرُجُ من جِهَة الْمَعْنى قَوْله.

     وَقَالَ  عَطاء هَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْهُ وَزَادَ وَيَطْلِي بِالنُّورَةِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ هِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ بِالرَّفْعِ فِي التَّرْجَمَة

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس
[ قــ :279 ... غــ :283 ]
- حدثنا علي بنِ عبد الله: نا يحيى: نا حميد: نا بكر، عَن أبي رافع، عَن أبي هريرة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ‍لقيه في بعض طريق ‍المدينة وَهوَ جنب، فانخنست منهُ، فذهب فاغتسل ثُمَّ جَاءَ، فقال: ( ( أين كنت يا أبا هريرة؟) ) قالَ: كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة.
فقالَ: ( ( سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس) ) .

قولُهُ: ( ( انخنست) ) ، أي: تواريت، واختفيت منهُ، وتأخرت عَنهُ، ومنه:
الوسواس الخناس وَهوَ الشيطان، إذا غفل العبد عَن ذكر الله وسوس لَهُ، فإذا ذكر الله خنس وتأخر.

ومنه سميت النجوم خنساً، قالَ تعالى: { فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:15] ، وانخناسها: رجوعها وتواريها تحت ضوء الشمس، وقيل: اختفاؤها بالنهار.

وفيه: دليل على أن الجنب لَهُ أن يذهب في حوائجه ويجالس أهل العلم والفضل، وأنه ليسَ بنجس، وإذا لَم يكن نجساً ففضلاته الطاهرة باقية على طهارتها، كالدمع والعرق والريق، وهذا كله مجمع عليهِ بين العلماء، ولا نعلم بينهم فيهِ اختلافاً.
قالَ الإمام أحمد: عائشة وابن عباس يقولان: لا بأس بعرق الحائض والجنب.

وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر.

وثبت: عَن عمر وابن عباس وعائشة، أنهم قالوا ذَلِكَ، ثُمَّ سمى جماعة ممن قالَ به بعدهم، وقال: ولا أحفظ عَن غيرهم خلافهم.

قلت: وقد سبق خلاف في كراهة سؤر الحائض والجنب، وفي كراهة الماء الذِي أدخلا فيهِ أيديهما، ولعل من كره ذَلِكَ لَم يكرهه لنجاسة أبدانهما عنده.
والله أعلم.

وقد روى وكيع، عَن مسعر، عَن حماد، في الجنب يغتسل ثُمَّ يستدفىء بامرأته قبل أن تغتسل؟ قالَ: لا يستدفىء بها حتَّى يجف.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب عَرَقِ الْجُنُبِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ
( باب عرق الجنب وأن المسلم) طاهر ( لا ينجس) ولو أجنب ومن لازم طهارته طهارة عرقه، وكذا عرق الكافر عند الجمهور.


[ قــ :279 ... غــ : 283 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ.
فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ».
[الحديث 283 - طرفه في: 285] .


وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( قال: حدّثنا حميد) بضم الحاء الطويل التابعي ( قال: حدّثنا بكر) بفتح الموحدة ابن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني البصري ( عن أبي رافع) نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ بالغين المعجمة البصري ترحل إليها من المدينة ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه.


( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقيه في بعض طريق المدينة) بالإفراد ولكريمة في بعض طرق المدينة ( وهو جنب) جملة اسمية حالية من الضمير المنصوب في لقيه.
قال أبو هريرة: ( فانخنست منه) بنون ثم معجمة ثم نون فمهملة أي تأخرت وانقبضت ورجعت، وفي رواية فانخنس، ولابن السكن والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر: فانبجست بالموحدة والجيم أي اندفعت، وللمستملي فانتجست بنون فمثناة فوقية فجيم من النجاسة من باب الافتعال أي اعتقدت نفسي نجسًا، ( فذهب فاغتسل) بلفظ الغيبة من باب النقل عن الراوي بالمعنى، أو من قول أبي هريرة من باب التجريد وهو أنه جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه وهو المناسب لرواية فانخنس.
وفي رواية فذهبت فاغتسلت وهو المناسب لسابقه، وكان سبب ذهاب أبي هريرة ما رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا لقي أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له، فلما ظن أبو هريرة رضي الله عنه أن الجنب ينجس
بالجنابة خشي أن يماسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعادته فبادر إلى الاغتسال، ( ثم جاء فقال) عليه الصلاة والسلام: ( أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنبًا) أي ذا جنابة لأنه اسم جرى مجرى المصدر وهو الإجناب، ( فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة) جملة اسمية حالية من الضمير المرفوع في أجالسك ( فقال) بالفاء قبل القاف وسقطت في كلام أبي هريرة على الأفصح في الجمل المفتتحة بالقول كما قيل في قوله تعالى: { أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء: 10] قوم فرعون ألا يتقون قال وما بعدها، وأما القول مع ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالفاء سببية رابطة فاجتلبت لذلك ولأبي ذر وابن عساكر والأصيلي قال: ( سبحان الله) نصب بفعل لازم الحذف وأتى به هنا للتعجب والاستعظام أي: كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك.

( إن المؤمن) وفي رواية مضبب عليها بفرع اليونينية إن المسلم ( لا ينجس) أي في ذاته حيًّا ولا ميتًا، ولذا يغسل إذا مات.
نعم يتنجس بما يعتريه من ترك التحفظ من النجاسات والأقذار، وحكم الكافر في ذلك كالمسلم، وأما قوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} [التوبة: 28] فالمراد بها نجاسة اعتقادهم، أو لأنه يجب أن يتجنب عنهم كما يتجنب عن الإنجاس، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالبًا، وعن ابن عباس: إن أعيانهم نجسة كالكلاب، وبه قال ابن حزم، وعورض بحل نكاح الكتابيات للمسلم ولا تسلم مضاجعتهنّ من عرقهنّ، ومع ذلك لم يجب من غسلهن إلا مثل ما يجب من غسل المسلمات، فدل على أن الآدمي لي بنجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء بل يتنجس بما يعرض له من خارج.

ويأتي البحث إن شاء الله تعالى في الاختلاف في الميت في باب الجنائز، ورواة هذا الحديث الستة بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في

الطهارة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ)

أَي هَذَا بابُُ فِي عرق الْجنب، وَلم يبين مَا حكم عرق الْجنب، وَلَا ذكر فِي هَذَا الْبابُُ شَيْئا يُطَابق هَذِه التَّرْجَمَة.

     وَقَالَ  بَعضهم: كَأَن المُصَنّف يُشِير بذلك إِلَى الْخلاف فِي عرق الْكَافِر،.

     وَقَالَ  قوم: إِنَّه نجس بِنَاء على القَوْل بِنَجَاسَة عينة.
قلت: مَا أبعد هَذَا الْكَلَام عَن الذَّوْق.
فَكيف يتَوَجَّه مَا قَالَه: وَالْمُصَنّف قَالَ: بابُُ عرق الْجنب؟ وَسكت عَلَيْهِ وَلم يشر إِلَى حكمه لَا فِي التَّرْجَمَة وَلَا فِي الَّذِي ذكره فِي هَذَا الْبابُُ؟ وَفَائِدَة ذكر الْبابُُ الْمَعْقُود بالترجمة ذكر مَا عقدت لَهُ التَّرْجَمَة، وإلاَّ فَلَا فَائِدَة فِي ذكرهَا، وَيُمكن أَن يُقَال؛ إِنَّه ذكر ترجمتين، والترجمة الثَّانِيَة تدل على أَن الْمُسلم طَاهِر، وَمن لَوَازِم طَهَارَته طَهَارَة عرقه، وَلَكِن لَا يخْتَص بعرق الْمُسلم، وَالْحَال أَن عرق الْكَافِر أَيْضا طَاهِر.
قَوْله: ( وَإِن الْمُسلم لَا ينجس) عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: وَبابُُ أَن الْمُسلم لَا ينجس.

وَذكر هَذَا الْبابُُ بَين الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة والآتية لَا يَخْلُو عَن وَجه الْمُنَاسبَة، وَهُوَ ظَاهر.



[ قــ :279 ... غــ :283 ]
- حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ المُؤْمِنِ لاَ يَنْجُسُ.


[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث لإحدى ترجمتي هَذَا الْبابُُ ظَاهِرَة وَهِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء الطَّوِيل التَّابِعِيّ، مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي.
الرَّابِع: بكر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن عمر بن هِلَال الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ.
الْخَامِس: أَبَوا رَافع واسْمه، نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء، الصَّائِغ، بالغين الْمُعْجَمَة، الْبَصْرِيّ، تحول إِلَيْهَا من الْمَدِينَة أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي موضِعين: وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون، وَمن أجل لطائفه أَنه مُتَّصِل، وَرَوَاهُ مُسلم مَقْطُوعًا حميد عَن أبي رَافع كَذَا فِي طَرِيق الجلودي، والحافظ الجياني، وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره: حميد عَن بكر عَن أبي رَافع، وَذكر أَبُو مَسْعُود وَخلف أَن مُسلما أخرجه أَيْضا كَذَلِك..
     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) قد رَأينَا من قَالَه غَيرهمَا فَدلَّ على أَن فِي مُسلم رِوَايَتَيْنِ.
قلت: ذكر الْبَغَوِيّ فِي ( شرح السّنة) أَن مُسلما أخرجه بِإِثْبَات بكر.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.

ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله ( فِي بعض طَرِيق) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي.
طرق: بِالْجمعِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: ( لَقيته فِي بعض طَرِيق من طرق الْمَدِينَة) قَوْله: ( فانخنست) فِيهِ رِوَايَات كَثِيرَة.
الأولى: ( فانخنست) كَمَا فِي الْكتاب بالنُّون ثمَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ثمَّ بالنُّون ثمَّ بِالسِّين الْمُهْملَة، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي وكريمة.
وَمَعْنَاهُ تَأَخَّرت وأنقبضت وَرجعت، وَهُوَ لَازم ومتعد، وَمِنْه خنس الشَّيْطَان.
الثَّانِيَة: فاختنست، مثل الرِّوَايَة الأولى فِي الْمَعْنى، غير أَن اللَّفْظ فِي الرِّوَايَة الأولى من بابُُ الانفعال، وَفِي هَذِه الرِّوَايَة من بابُُ الافتعال.
الثَّالِثَة: فانبجست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَمَعْنَاهُ اندفعت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} ( سُورَة الْأَعْرَاف: 16) أَي: جرت واندفعت، وَهِي رِوَايَة ابْن السكن والأصيلي أَيْضا وَأبي الْوَقْت وَابْن عَسَاكِر أَيْضا.
الرَّابِعَة: فانتجست، من النَّجَاسَة من بابُُ الافتعال، وَالْمعْنَى: اعتقدت نَفسِي نجسا وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي.
الْخَامِسَة: فانتجشت، بالشين الْمُعْجَمَة، من النجش، وَهُوَ الْإِسْرَاع.
السَّادِسَة: فانبخست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة من النخس، وَهُوَ النَّقْص، فَكَأَنَّهُ ظهر لَهُ نقصانه عَن مماشاته رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رِوَايَة المتسملي لما اعْتقد فِي نَفسه من النَّجَاسَة.
السَّابِعَة: فاحتبست، نحاء مُهْملَة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ سين مُهْملَة، من الاحتباس، وَالْمعْنَى: حبست نَفسِي عَن اللحاق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
الثَّامِنَة: ( فانسللت) .
التَّاسِعَة: ( فانسل) ، وَهُوَ رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا..
     وَقَالَ  بعض الشَّارِحين: وَلم يثبت لي من طَرِيق الرِّوَايَة غير مَا تقدم، وَأَرَادَ بِهِ رِوَايَة الْكشميهني وَأبي الْوَقْت وَالْمُسْتَمْلِي، وَنسب بَعْضهَا إِلَى التَّصْحِيف، وَلَا يلْزم من عدم ثُبُوت غير الرِّوَايَات الثَّلَاث عِنْده عدم ثُبُوتهَا عِنْد غَيره، وَلَيْسَ بأدب أَن ينْسب بعض غير مَا وقف عَلَيْهِ إِلَى التَّصْحِيف، لِأَن الْجَاهِل بالشَّيْء لَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي عدم علم غَيره بِهِ.
قَوْله: ( يَا با هُرَيْرَة) بِحَذْف الْهمزَة فِي الْأَب تَخْفِيفًا.
قَوْله: ( جنب) يُقَال: أجنب الرجل فَهُوَ جنب، وَكَذَلِكَ الإثنان وَالْجمع والمذكر والمؤنث، قَالَ ابْن دُرَيْد، وَهُوَ أَعلَى اللُّغَات، وَقد قَالُوا: جنبان وأجناب، وَلم يَقُولُوا: جنبة، وَفِي ( الْمُنْتَهى) رجل جنب وَامْرَأَة جنب وَقوم جنب وجنبو وأجناب، وَفِي ( الصِّحَاح) أجنب الرجل وجنب أَيْضا، بِضَم النُّون.
وَفِي ( الموعب) لِابْنِ التياني عَن الْفراء وقطرب جنب الرجل وجنب بسكر النُّون وَضمّهَا، لُغَتَانِ..
     وَقَالَ  المطرزي: يُقَال: من الْجَنَابَة أجنب الرجل وجنب بِفَتْح النُّون وَكسرهَا، وجنب وتجنب، لَا يُقَال عَن الْعَرَب غَيره وَحكى بَعضهم: جنب بِضَم النُّون، وَلَيْسَ بالمشهور.
وَفِي ( الِاشْتِقَاق) للرماني: وأجنب الرجل لِأَنَّهُ يجانب الصَّلَاة..
     وَقَالَ  أَبُو مَنْصُور: لِأَنَّهُ نهى عَن أَن يقرب مَوَاضِع الصَّلَاة.

     وَقَالَ  الْعُتْبِي: سمي بذلك لمجانبة النَّاس وَبعده مِنْهُم، حَتَّى يغْتَسل.
قَوْله: ( سُبْحَانَ الله) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي مَعْنَاهُ: سبحتك تَنْزِيها لَك يَا رَبنَا من الْأَوْلَاد والصاحبة والشركاء، أَي: نزهناك من ذَلِك..
     وَقَالَ  الْقَزاز: مَعْنَاهُ: برأت الله تَعَالَى من السوء،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: نُسَبِّح لَك بحَمْدك وَنُصَلِّي لَك،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ فِي ( أساس البلاغة) سبحت الله وسبحت لَهُ وَكَثُرت تسبحاته وتسابيحه، وَفِي ( المغيث) لأبي الْمَدِينِيّ: سُبْحَانَ الله قَائِم مقَام الْفِعْل أَي: أسبحه، وسبحت أَي: لفظت سُبْحَانَ الله، وَقيل: معنى: سُبْحَانَ الله.
أتَسرع إِلَيْهِ وألحقه فِي طَاعَته من قَوْلهم فرس سايح.
وَذكر النَّضر بن شُمَيْل أَن مَعْنَاهُ: السرعة إِلَى هَذِه اللُّغَة وَلِأَنَّهُ الْإِنْسَان يبْدَأ فَيَقُول: سُبْحَانَ الله.
قَوْله: ( لَا ينجس) قَالَ ابْن سَيّده النَّجس وَالنَّجس وَالنَّجس القذر من كل شَيْء، وَرجل نجس، وَالْجمع أنجاس، وَقيل: النَّجس يكون اللواحد والاثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد فَإِذا كسر وَالنُّون جمعُوا وانئوا وَرجل، رِجْس نجس، يَقُولُونَهَا بِالْكَسْرِ لمَكَان رِجْس، فَإِذا أفردوه وَقَالُوا: نجس، وَفِي ( الْجَامِع) أَحسب الْمصدر من قَوْلهم: نجس ينجس نجسا، وَاسم النَّجَاسَة.
وَذكره ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن طريف فِي بابُُ: فعل وَفعل، فَقَالَا: نجس الشَّيْء ونجسا نَجَاسَة ضد طهر.
وَفِي ( الصِّحَاح) نجس الشَّيْء بِالْكَسْرِ ينجس نجسا فَهُوَ نجس ونجس وَفِي ( كتاب ابْن عديس) نجس الرجل ونجس نَجَاسَة ونجوسة بِكَسْر الْجِيم وضمهاإذا تقذر.

ذكر إعرابه قَوْله: ( وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي لَقيته.
قَوْله: ( فَذَهَبت فاغتسلت) قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا أَي: فِي بعض النّسخ فَذهب فاغتسل.
قلت: على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة بهَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ الْغَيْبَة بِالنّظرِ إِلَى نقل كَلَام أبي هُرَيْرَة بِالْمَعْنَى، والتكلم بِالنّظرِ إِلَى نَقله بِلَفْظِهِ بِعَيْنِه على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ.
وَأما جَوَاز لَفظه بالغيبة فَمن بابُُ التَّجْرِيد، وَهُوَ أَنه جرد من نَفسه شخصا وَأخْبر عَنهُ.
قَوْله: ( كنت جنبا) أَي: ذَا جَنَابَة.
قَوْله: ( وَأَنا على غير طَهَارَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي أجالسك.
( وأجالسك) فِي قُوَّة الْمصدر بِأَن الْمصدر، وَإِنَّمَا فعل أَبُو هُرَيْرَة هَذَا لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه ماسحه ودعا لَهُ كَمَا ورد فِي النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود.
قَالَ: ( لَقِيَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا جنب فاهوى إليّ فَقلت: إِنِّي جنب، فَقَالَ: إِن الْمُسلم لَا ينجس) .
قَوْله: ( سُبْحَانَ الله) ، سُبْحَانَ علم للتسبيح، كعثمان، علم للرجل..
     وَقَالَ  الْفراء مَنْصُوب على الْمصدر كَأَنَّك قلت: سبحت الله تسبيحاً فَجعل: سُبْحَانَ فِي مَوضِع التَّسْبِيح وَالْحَاصِل أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَازم الْحَذف فاستعماله فِي مثل هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ التَّعَجُّب، وَمعنى التَّعَجُّب هُنَا أَنه كَيفَ يخفى مثل هَذَا الظَّاهِر عَلَيْك.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: وَقد عقد الْبابُُ لَهُ، أَن الْمُؤمن لَا ينجس وَأَنه طَاهِر سَوَاء كَانَ جنبا أَو مُحدثا حَيا أَو مَيتا، وَكَذَا سؤره وعرقه ولعابه ودمعه وَكَذَا الْكَافِر فِي هَذِه الْأَحْكَام وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ فِي الْمَيِّت أصَحهمَا الطَّهَارَة وَذكر البُخَارِيّ فِي ( صَحِيحه) عَن ابْن عَبَّاس تَعْلِيقا.
[حم ( الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم وَوَصله الْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) فَقَالَ: أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم عَن عصمَة.
قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو بكر وَعُثْمَان ابْنا أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: [حم ( لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم قَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ أصل فِي طَهَارَة الْمُسلم حَيا وَمَيتًا، أما الْحَيّ: فبالإجماع حَتَّى الْجَنِين إِذا ألقته أمه وَعَلِيهِ رُطُوبَة فرجهَا وَأما الْكَافِر فَحكمه كَذَلِك على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِي ( صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن الرجل يَأْتِي أَهله ثمَّ يلبس الثَّوْب فيعرق فِيهِ أنجس ذَلِك؟ فَقَالَت: قد كَانَت الْمَرْأَة تعد خرقَة أَو خرقاً فَإِذا كَانَ ذَلِك مسح بهَا الرجل الْأَذَى عَنهُ، وَلم نر أَن ذَلِك يُنجسهُ، وَفِي لفظ: ثمَّ صليا فِي ثوبهما وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث المتَوَكل ابْن فُضَيْل عَن أم القلوص العامرية عَن عَائِشَة: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرى على الْبدن جَنَابَة، وَلَا على الأَرْض جَنَابَة، وَلَا يجنب الرجل) وَعَن محيي السّنة الْبَغَوِيّ، قَالَ: معنى قَول ابْن عَبَّاس: أَربع لَا يجنبن، الْإِنْسَان، وَالثَّوْب، وَالْمَاء، وَالْأَرْض، يُرِيد: الْإِنْسَان لَا يجنب بمماسة الْجنب، وَلَا الثَّوْب، إِذا لبسه الْجنب، وَلَا الأَرْض إِذا أقضى إِلَيْهَا الْجنب، وَلَا المَاء ينجس إِذا غمس الْجنب يَده فِيهِ.

وَقَالَ [قعابن الْمُنْذر [/ قع: أجمع عوام أهل الْعلم على أَن عرق الْجنب طَاهِر، وَثَبت ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَائِشَة أَنهم قَالُوا ذَلِك، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا أحفظ عَن غَيرهم خلاف قَوْلهمَا..
     وَقَالَ  [قعالقرطبي [/ قع: الْكَافِر نجس عِنْد الشَّافِعِي،.

     وَقَالَ  أَبُو بكر ابْن الْمُنْذر: وعرق الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي طَاهِر عِنْدِي،.

     وَقَالَ  ابْن حزم الْعرق من الْمُشْركين نجس لقَوْله تَعَالَى: { إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} ( سُورَة التَّوْبَة: 28) وَتمسك أَيْضا بِمَفْهُوم حَدِيث الْبابُُ، وَادّعى أَن الْكَافِر نجس الْعين وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنهم نجسوا الْأَفْعَال لَا الْأَعْضَاء أَو نجسوا الِاعْتِقَاد، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَن الله تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب، وَمَعْلُوم أَن عرقهن لَا يسلم مِنْهُ من يضاجعهن، وَمَعَ ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْكِتَابِيَّة إلاَّ مثل مَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْمسلمَة، فَدلَّ على أَن الْآدَمِيّ الْحَيّ لَيْسَ ينجس الْعين إِذْ لَا فرق بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَفِي ( الْمُدَوَّنَة) على مَا نَقله ابْن التِّين إِن الْمَرِيض إِذا صلى لَا يسْتَند لحائض وَلَا جنب، وَأَجَازَهُ ابْن أَشهب.
قَالَ [قعالشيخ أَبُو مُحَمَّد [/ قع: لِأَن ثيابهما لَا تكَاد تسلم من النَّجَاسَة..
     وَقَالَ  غَيره لأجل أعينهما لَا لثيابهما، وَمَا ذَكرْنَاهُ يرد بذلك، فَإِن قلت: على مَا ذكرت من أَن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا يَنْبَغِي أَن يغسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ طَاهِر.
قلت: اخْتلف الْعلمَاء من أَصْحَابنَا فِي وجوب غسله.
فَقيل: إِنَّمَا وَجب لحَدث يحله باسترخاء المفاصل لَا لنجاسته، فَإِن الْآدَمِيّ لَا ينجس بِالْمَوْتِ كَرَامَة، إِذا لَو نجس لما طهر بِالْغسْلِ كَسَائِر الْحَيَوَانَات وَكَانَ الْوَاجِب الِاقْتِصَار على أَعْضَاء الْوضُوء كَمَا فِي حَال الْحَيَاة.
لَكِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ نفيا للْحَرج فِيمَا يتَكَرَّر كل يَوْم، وَالْحَدَث بِسَبَب الْمَوْت لَا يتَكَرَّر، فَكَانَ كالجنابة لَا يَكْتَفِي فِيهَا بِغسْل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة، بل يبْقى على الأَصْل، وَهُوَ وجوب غسل الْبدن لعدم الْحَرج، فَكَذَا هَذَا..
     وَقَالَ  الْعِرَاقِيُّونَ يجب غسله لنجاسته بِالْمَوْتِ لَا بِسَبَب الْحَدث لِأَن للآدمي دَمًا سَائِلًا فيتنجس بِالْمَوْتِ قِيَاسا على غَيره ألاَّ ترى أَنه لَو مَاتَ فِي الْبِئْر نجسها؟ وَلَو حمله الْمُصَلِّي لم تجز صلَاته وَلَو لم يكن نجسا لجازت كَمَا لَو حمل مُحدثا.

الثَّانِي: من الْأَحْكَام فِيهِ اسْتِحْبابُُ أحترام أهل الْفضل، وَأَن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم، فَيكون على أكمل الهيئات وَأحسن الصِّفَات، وَقد اسْتحبَّ الْعلمَاء لطَالب الْعلم أَن يحسن حَاله عِنْد مجالسة شَيْخه، فَيكون متطهراً متنظفاً بِإِزَالَة الشعوث الْمَأْمُور بإزالتها، نَحْو: قصّ الشَّارِب، وقلم الْأَظْفَار، وَإِزَالَة الروائح الْمَكْرُوهَة وَغير ذَلِك.

الثَّالِث: فِيهِ من الْآدَاب أَن الْعَالم إِذا رأى من تَابعه أمرا يخَاف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف الصَّوَاب، سَأَلَهُ عَنهُ.

     وَقَالَ  لَهُ صَوَابه وَبَين لَهُ حكمه.

الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الِاغْتِسَال عَن أول وَقت وُجُوبه، وَالْوَاجِب أَن لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى أَن يفوتهُ وَقت صَلَاة.

الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز انصراف الْجنب فِي حَوَائِجه قبل الِاغْتِسَال، مَا لم يفته وَقت الصَّلَاة.

السَّادِس: فِيهِ أَن النَّجَاسَة إِذا لم تكن عينا فِي الْأَجْسَام لَا تضرها فَإِن الْمُؤمن طَاهِر الْأَعْضَاء، فَإِن من شَأْنه الْمُحَافظَة على الطَّهَارَة والنظافة.

السَّابِع: فِيهِ ائتلاف قُلُوب الْمُؤمنِينَ، ومواساة الْفُقَرَاء والتواضع لله، وَاتِّبَاع أَمر الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ جلّ ذكره.
{ وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} ( سُورَة) ..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه: اسْتِحْبابُُ اسْتِئْذَان التَّابِع للمتبوع إِذا أَرَادَ أَن يُفَارِقهُ.
قلت: هَذَا بعيد لِأَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يفهم مِنْهُ ذَلِك لَا من عِبَارَته وَلَا من إِشَارَته وَلَا فِيهِ التَّابِع والتبوع لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن فِي تِلْكَ الْحَالة تَابعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَشْيه بل إِنَّمَا لقِيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض طرق الْمَدِينَة، كَمَا هُوَ نَص الحَدِيث..
     وَقَالَ  أَيْضا وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن حبَان الرَّد على من زعم أَن الْجنب إِذا وَقع فِي الْبِئْر فَنوى الِاغْتِسَال أَن مَاء الْبِئْر ينجس.
قلت: هَذَا الرَّد مَرْدُود حِينَئِذٍ، لِأَن الحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ أصلا والْحَدِيث يدل بعبارته أَن الْجنب لَيْسَ بِنَجس فِي ذَاته، وَلم يتَعَرَّض إِلَى طَهَارَة غسالته إِذا نوى الِاغْتِسَال.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :279 ... غــ :283 ]
- حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ المُؤْمِنِ لاَ يَنْجُسُ.


[/ ح.

مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث لإحدى ترجمتي هَذَا الْبابُُ ظَاهِرَة وَهِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء الطَّوِيل التَّابِعِيّ، مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي.
الرَّابِع: بكر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن عمر بن هِلَال الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ.
الْخَامِس: أَبَوا رَافع واسْمه، نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء، الصَّائِغ، بالغين الْمُعْجَمَة، الْبَصْرِيّ، تحول إِلَيْهَا من الْمَدِينَة أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي موضِعين: وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون، وَمن أجل لطائفه أَنه مُتَّصِل، وَرَوَاهُ مُسلم مَقْطُوعًا حميد عَن أبي رَافع كَذَا فِي طَرِيق الجلودي، والحافظ الجياني، وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره: حميد عَن بكر عَن أبي رَافع، وَذكر أَبُو مَسْعُود وَخلف أَن مُسلما أخرجه أَيْضا كَذَلِك..
     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) قد رَأينَا من قَالَه غَيرهمَا فَدلَّ على أَن فِي مُسلم رِوَايَتَيْنِ.
قلت: ذكر الْبَغَوِيّ فِي ( شرح السّنة) أَن مُسلما أخرجه بِإِثْبَات بكر.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.

ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله ( فِي بعض طَرِيق) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي.
طرق: بِالْجمعِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: ( لَقيته فِي بعض طَرِيق من طرق الْمَدِينَة) قَوْله: ( فانخنست) فِيهِ رِوَايَات كَثِيرَة.
الأولى: ( فانخنست) كَمَا فِي الْكتاب بالنُّون ثمَّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ثمَّ بالنُّون ثمَّ بِالسِّين الْمُهْملَة، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي وكريمة.
وَمَعْنَاهُ تَأَخَّرت وأنقبضت وَرجعت، وَهُوَ لَازم ومتعد، وَمِنْه خنس الشَّيْطَان.
الثَّانِيَة: فاختنست، مثل الرِّوَايَة الأولى فِي الْمَعْنى، غير أَن اللَّفْظ فِي الرِّوَايَة الأولى من بابُُ الانفعال، وَفِي هَذِه الرِّوَايَة من بابُُ الافتعال.
الثَّالِثَة: فانبجست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَمَعْنَاهُ اندفعت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} ( سُورَة الْأَعْرَاف: 16) أَي: جرت واندفعت، وَهِي رِوَايَة ابْن السكن والأصيلي أَيْضا وَأبي الْوَقْت وَابْن عَسَاكِر أَيْضا.
الرَّابِعَة: فانتجست، من النَّجَاسَة من بابُُ الافتعال، وَالْمعْنَى: اعتقدت نَفسِي نجسا وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي.
الْخَامِسَة: فانتجشت، بالشين الْمُعْجَمَة، من النجش، وَهُوَ الْإِسْرَاع.
السَّادِسَة: فانبخست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة من النخس، وَهُوَ النَّقْص، فَكَأَنَّهُ ظهر لَهُ نقصانه عَن مماشاته رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رِوَايَة المتسملي لما اعْتقد فِي نَفسه من النَّجَاسَة.
السَّابِعَة: فاحتبست، نحاء مُهْملَة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ سين مُهْملَة، من الاحتباس، وَالْمعْنَى: حبست نَفسِي عَن اللحاق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
الثَّامِنَة: ( فانسللت) .
التَّاسِعَة: ( فانسل) ، وَهُوَ رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا..
     وَقَالَ  بعض الشَّارِحين: وَلم يثبت لي من طَرِيق الرِّوَايَة غير مَا تقدم، وَأَرَادَ بِهِ رِوَايَة الْكشميهني وَأبي الْوَقْت وَالْمُسْتَمْلِي، وَنسب بَعْضهَا إِلَى التَّصْحِيف، وَلَا يلْزم من عدم ثُبُوت غير الرِّوَايَات الثَّلَاث عِنْده عدم ثُبُوتهَا عِنْد غَيره، وَلَيْسَ بأدب أَن ينْسب بعض غير مَا وقف عَلَيْهِ إِلَى التَّصْحِيف، لِأَن الْجَاهِل بالشَّيْء لَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي عدم علم غَيره بِهِ.
قَوْله: ( يَا با هُرَيْرَة) بِحَذْف الْهمزَة فِي الْأَب تَخْفِيفًا.
قَوْله: ( جنب) يُقَال: أجنب الرجل فَهُوَ جنب، وَكَذَلِكَ الإثنان وَالْجمع والمذكر والمؤنث، قَالَ ابْن دُرَيْد، وَهُوَ أَعلَى اللُّغَات، وَقد قَالُوا: جنبان وأجناب، وَلم يَقُولُوا: جنبة، وَفِي ( الْمُنْتَهى) رجل جنب وَامْرَأَة جنب وَقوم جنب وجنبو وأجناب، وَفِي ( الصِّحَاح) أجنب الرجل وجنب أَيْضا، بِضَم النُّون.
وَفِي ( الموعب) لِابْنِ التياني عَن الْفراء وقطرب جنب الرجل وجنب بسكر النُّون وَضمّهَا، لُغَتَانِ..
     وَقَالَ  المطرزي: يُقَال: من الْجَنَابَة أجنب الرجل وجنب بِفَتْح النُّون وَكسرهَا، وجنب وتجنب، لَا يُقَال عَن الْعَرَب غَيره وَحكى بَعضهم: جنب بِضَم النُّون، وَلَيْسَ بالمشهور.
وَفِي ( الِاشْتِقَاق) للرماني: وأجنب الرجل لِأَنَّهُ يجانب الصَّلَاة..
     وَقَالَ  أَبُو مَنْصُور: لِأَنَّهُ نهى عَن أَن يقرب مَوَاضِع الصَّلَاة.

     وَقَالَ  الْعُتْبِي: سمي بذلك لمجانبة النَّاس وَبعده مِنْهُم، حَتَّى يغْتَسل.
قَوْله: ( سُبْحَانَ الله) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي مَعْنَاهُ: سبحتك تَنْزِيها لَك يَا رَبنَا من الْأَوْلَاد والصاحبة والشركاء، أَي: نزهناك من ذَلِك..
     وَقَالَ  الْقَزاز: مَعْنَاهُ: برأت الله تَعَالَى من السوء،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: نُسَبِّح لَك بحَمْدك وَنُصَلِّي لَك،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ فِي ( أساس البلاغة) سبحت الله وسبحت لَهُ وَكَثُرت تسبحاته وتسابيحه، وَفِي ( المغيث) لأبي الْمَدِينِيّ: سُبْحَانَ الله قَائِم مقَام الْفِعْل أَي: أسبحه، وسبحت أَي: لفظت سُبْحَانَ الله، وَقيل: معنى: سُبْحَانَ الله.
أتَسرع إِلَيْهِ وألحقه فِي طَاعَته من قَوْلهم فرس سايح.
وَذكر النَّضر بن شُمَيْل أَن مَعْنَاهُ: السرعة إِلَى هَذِه اللُّغَة وَلِأَنَّهُ الْإِنْسَان يبْدَأ فَيَقُول: سُبْحَانَ الله.
قَوْله: ( لَا ينجس) قَالَ ابْن سَيّده النَّجس وَالنَّجس وَالنَّجس القذر من كل شَيْء، وَرجل نجس، وَالْجمع أنجاس، وَقيل: النَّجس يكون اللواحد والاثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد فَإِذا كسر وَالنُّون جمعُوا وانئوا وَرجل، رِجْس نجس، يَقُولُونَهَا بِالْكَسْرِ لمَكَان رِجْس، فَإِذا أفردوه وَقَالُوا: نجس، وَفِي ( الْجَامِع) أَحسب الْمصدر من قَوْلهم: نجس ينجس نجسا، وَاسم النَّجَاسَة.
وَذكره ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن طريف فِي بابُُ: فعل وَفعل، فَقَالَا: نجس الشَّيْء ونجسا نَجَاسَة ضد طهر.
وَفِي ( الصِّحَاح) نجس الشَّيْء بِالْكَسْرِ ينجس نجسا فَهُوَ نجس ونجس وَفِي ( كتاب ابْن عديس) نجس الرجل ونجس نَجَاسَة ونجوسة بِكَسْر الْجِيم وضمهاإذا تقذر.

ذكر إعرابه قَوْله: ( وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي لَقيته.
قَوْله: ( فَذَهَبت فاغتسلت) قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا أَي: فِي بعض النّسخ فَذهب فاغتسل.
قلت: على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة بهَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ الْغَيْبَة بِالنّظرِ إِلَى نقل كَلَام أبي هُرَيْرَة بِالْمَعْنَى، والتكلم بِالنّظرِ إِلَى نَقله بِلَفْظِهِ بِعَيْنِه على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ.
وَأما جَوَاز لَفظه بالغيبة فَمن بابُُ التَّجْرِيد، وَهُوَ أَنه جرد من نَفسه شخصا وَأخْبر عَنهُ.
قَوْله: ( كنت جنبا) أَي: ذَا جَنَابَة.
قَوْله: ( وَأَنا على غير طَهَارَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي أجالسك.
( وأجالسك) فِي قُوَّة الْمصدر بِأَن الْمصدر، وَإِنَّمَا فعل أَبُو هُرَيْرَة هَذَا لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه ماسحه ودعا لَهُ كَمَا ورد فِي النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود.
قَالَ: ( لَقِيَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا جنب فاهوى إليّ فَقلت: إِنِّي جنب، فَقَالَ: إِن الْمُسلم لَا ينجس) .
قَوْله: ( سُبْحَانَ الله) ، سُبْحَانَ علم للتسبيح، كعثمان، علم للرجل..
     وَقَالَ  الْفراء مَنْصُوب على الْمصدر كَأَنَّك قلت: سبحت الله تسبيحاً فَجعل: سُبْحَانَ فِي مَوضِع التَّسْبِيح وَالْحَاصِل أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَازم الْحَذف فاستعماله فِي مثل هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ التَّعَجُّب، وَمعنى التَّعَجُّب هُنَا أَنه كَيفَ يخفى مثل هَذَا الظَّاهِر عَلَيْك.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: وَقد عقد الْبابُُ لَهُ، أَن الْمُؤمن لَا ينجس وَأَنه طَاهِر سَوَاء كَانَ جنبا أَو مُحدثا حَيا أَو مَيتا، وَكَذَا سؤره وعرقه ولعابه ودمعه وَكَذَا الْكَافِر فِي هَذِه الْأَحْكَام وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ فِي الْمَيِّت أصَحهمَا الطَّهَارَة وَذكر البُخَارِيّ فِي ( صَحِيحه) عَن ابْن عَبَّاس تَعْلِيقا.
[حم ( الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم وَوَصله الْحَاكِم فِي ( الْمُسْتَدْرك) فَقَالَ: أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم عَن عصمَة.
قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو بكر وَعُثْمَان ابْنا أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: [حم ( لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم قَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ أصل فِي طَهَارَة الْمُسلم حَيا وَمَيتًا، أما الْحَيّ: فبالإجماع حَتَّى الْجَنِين إِذا ألقته أمه وَعَلِيهِ رُطُوبَة فرجهَا وَأما الْكَافِر فَحكمه كَذَلِك على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِي ( صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن الرجل يَأْتِي أَهله ثمَّ يلبس الثَّوْب فيعرق فِيهِ أنجس ذَلِك؟ فَقَالَت: قد كَانَت الْمَرْأَة تعد خرقَة أَو خرقاً فَإِذا كَانَ ذَلِك مسح بهَا الرجل الْأَذَى عَنهُ، وَلم نر أَن ذَلِك يُنجسهُ، وَفِي لفظ: ثمَّ صليا فِي ثوبهما وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث المتَوَكل ابْن فُضَيْل عَن أم القلوص العامرية عَن عَائِشَة: ( كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرى على الْبدن جَنَابَة، وَلَا على الأَرْض جَنَابَة، وَلَا يجنب الرجل) وَعَن محيي السّنة الْبَغَوِيّ، قَالَ: معنى قَول ابْن عَبَّاس: أَربع لَا يجنبن، الْإِنْسَان، وَالثَّوْب، وَالْمَاء، وَالْأَرْض، يُرِيد: الْإِنْسَان لَا يجنب بمماسة الْجنب، وَلَا الثَّوْب، إِذا لبسه الْجنب، وَلَا الأَرْض إِذا أقضى إِلَيْهَا الْجنب، وَلَا المَاء ينجس إِذا غمس الْجنب يَده فِيهِ.

وَقَالَ [قعابن الْمُنْذر [/ قع: أجمع عوام أهل الْعلم على أَن عرق الْجنب طَاهِر، وَثَبت ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَائِشَة أَنهم قَالُوا ذَلِك، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا أحفظ عَن غَيرهم خلاف قَوْلهمَا..
     وَقَالَ  [قعالقرطبي [/ قع: الْكَافِر نجس عِنْد الشَّافِعِي،.

     وَقَالَ  أَبُو بكر ابْن الْمُنْذر: وعرق الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي طَاهِر عِنْدِي،.

     وَقَالَ  ابْن حزم الْعرق من الْمُشْركين نجس لقَوْله تَعَالَى: { إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} ( سُورَة التَّوْبَة: 28) وَتمسك أَيْضا بِمَفْهُوم حَدِيث الْبابُُ، وَادّعى أَن الْكَافِر نجس الْعين وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنهم نجسوا الْأَفْعَال لَا الْأَعْضَاء أَو نجسوا الِاعْتِقَاد، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَن الله تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب، وَمَعْلُوم أَن عرقهن لَا يسلم مِنْهُ من يضاجعهن، وَمَعَ ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْكِتَابِيَّة إلاَّ مثل مَا يجب عَلَيْهِ من غسل الْمسلمَة، فَدلَّ على أَن الْآدَمِيّ الْحَيّ لَيْسَ ينجس الْعين إِذْ لَا فرق بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَفِي ( الْمُدَوَّنَة) على مَا نَقله ابْن التِّين إِن الْمَرِيض إِذا صلى لَا يسْتَند لحائض وَلَا جنب، وَأَجَازَهُ ابْن أَشهب.
قَالَ [قعالشيخ أَبُو مُحَمَّد [/ قع: لِأَن ثيابهما لَا تكَاد تسلم من النَّجَاسَة..
     وَقَالَ  غَيره لأجل أعينهما لَا لثيابهما، وَمَا ذَكرْنَاهُ يرد بذلك، فَإِن قلت: على مَا ذكرت من أَن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا يَنْبَغِي أَن يغسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ طَاهِر.
قلت: اخْتلف الْعلمَاء من أَصْحَابنَا فِي وجوب غسله.
فَقيل: إِنَّمَا وَجب لحَدث يحله باسترخاء المفاصل لَا لنجاسته، فَإِن الْآدَمِيّ لَا ينجس بِالْمَوْتِ كَرَامَة، إِذا لَو نجس لما طهر بِالْغسْلِ كَسَائِر الْحَيَوَانَات وَكَانَ الْوَاجِب الِاقْتِصَار على أَعْضَاء الْوضُوء كَمَا فِي حَال الْحَيَاة.
لَكِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ نفيا للْحَرج فِيمَا يتَكَرَّر كل يَوْم، وَالْحَدَث بِسَبَب الْمَوْت لَا يتَكَرَّر، فَكَانَ كالجنابة لَا يَكْتَفِي فِيهَا بِغسْل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة، بل يبْقى على الأَصْل، وَهُوَ وجوب غسل الْبدن لعدم الْحَرج، فَكَذَا هَذَا..
     وَقَالَ  الْعِرَاقِيُّونَ يجب غسله لنجاسته بِالْمَوْتِ لَا بِسَبَب الْحَدث لِأَن للآدمي دَمًا سَائِلًا فيتنجس بِالْمَوْتِ قِيَاسا على غَيره ألاَّ ترى أَنه لَو مَاتَ فِي الْبِئْر نجسها؟ وَلَو حمله الْمُصَلِّي لم تجز صلَاته وَلَو لم يكن نجسا لجازت كَمَا لَو حمل مُحدثا.

الثَّانِي: من الْأَحْكَام فِيهِ اسْتِحْبابُُ أحترام أهل الْفضل، وَأَن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم، فَيكون على أكمل الهيئات وَأحسن الصِّفَات، وَقد اسْتحبَّ الْعلمَاء لطَالب الْعلم أَن يحسن حَاله عِنْد مجالسة شَيْخه، فَيكون متطهراً متنظفاً بِإِزَالَة الشعوث الْمَأْمُور بإزالتها، نَحْو: قصّ الشَّارِب، وقلم الْأَظْفَار، وَإِزَالَة الروائح الْمَكْرُوهَة وَغير ذَلِك.

الثَّالِث: فِيهِ من الْآدَاب أَن الْعَالم إِذا رأى من تَابعه أمرا يخَاف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف الصَّوَاب، سَأَلَهُ عَنهُ.

     وَقَالَ  لَهُ صَوَابه وَبَين لَهُ حكمه.

الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الِاغْتِسَال عَن أول وَقت وُجُوبه، وَالْوَاجِب أَن لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى أَن يفوتهُ وَقت صَلَاة.

الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز انصراف الْجنب فِي حَوَائِجه قبل الِاغْتِسَال، مَا لم يفته وَقت الصَّلَاة.

السَّادِس: فِيهِ أَن النَّجَاسَة إِذا لم تكن عينا فِي الْأَجْسَام لَا تضرها فَإِن الْمُؤمن طَاهِر الْأَعْضَاء، فَإِن من شَأْنه الْمُحَافظَة على الطَّهَارَة والنظافة.

السَّابِع: فِيهِ ائتلاف قُلُوب الْمُؤمنِينَ، ومواساة الْفُقَرَاء والتواضع لله، وَاتِّبَاع أَمر الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ جلّ ذكره.
{ وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} ( سُورَة) ..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه: اسْتِحْبابُُ اسْتِئْذَان التَّابِع للمتبوع إِذا أَرَادَ أَن يُفَارِقهُ.
قلت: هَذَا بعيد لِأَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يفهم مِنْهُ ذَلِك لَا من عِبَارَته وَلَا من إِشَارَته وَلَا فِيهِ التَّابِع والتبوع لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن فِي تِلْكَ الْحَالة تَابعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَشْيه بل إِنَّمَا لقِيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض طرق الْمَدِينَة، كَمَا هُوَ نَص الحَدِيث..
     وَقَالَ  أَيْضا وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن حبَان الرَّد على من زعم أَن الْجنب إِذا وَقع فِي الْبِئْر فَنوى الِاغْتِسَال أَن مَاء الْبِئْر ينجس.
قلت: هَذَا الرَّد مَرْدُود حِينَئِذٍ، لِأَن الحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ أصلا والْحَدِيث يدل بعبارته أَن الْجنب لَيْسَ بِنَجس فِي ذَاته، وَلم يتَعَرَّض إِلَى طَهَارَة غسالته إِذا نوى الِاغْتِسَال.