هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
295 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ : النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ . وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، وَلَمْ يَقُلْ : حَدَّثَنَا . حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ : مِنْ خَلْقِهِ وَقَالَ : حِجَابُهُ النُّورُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  وفي رواية أبي بكر : النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه . وفي رواية أبي بكر ، عن الأعمش ، ولم يقل : حدثنا . حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، عن الأعمش ، بهذا الإسناد ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات ، ثم ذكر بمثل حديث أبي معاوية ، ولم يذكر : من خلقه وقال : حجابه النور
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Musa reported:

The Messenger ofallah (ﷺ) was standing amongst us and he told us five things. He said: Verily the Exalted and Mighty God does not sleep, and it does not befit Him to sleep. He lowers the scale and lifts it. The deeds in the night are taken up to Him before the deeds of the day. and the deeds of the day before the deeds of the night. His veil is the light. In the hadith narrated by Abu Bakr (instead of the word light ) it is fire. If he withdraws it (the veil), the splendour of His countenance would consume His creation so far as His sight reaches.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [179] .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ وَفِي رِوَايَةٍ النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) أَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَنَامُ وَأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ النَّوْمُ فَإِنَّ النَّوْمَ انْغِمَارٌ وَغَلَبَةٌ عَلَى الْعَقْلِ يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْسَاسُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ في حقه جل وعلا.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ قال بن قُتَيْبَةَ الْقِسْطُ الْمِيزَانُ وَسُمِّيَ قِسْطًا لِأَنَّ الْقِسْطَ الْعَدْلُ وَبِالْمِيزَانِ يَقَعُ الْعَدْلُ قَالَ وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْفِضُ الْمِيزَانَ وَيَرْفَعُهُ بِمَا يُوزَنُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ الْمُرْتَفِعَةِ وَيُوزَنُ مِنْ أَرْزَاقِهِمُ النَّازِلَةِ وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِمَا يُقَدَّرُ تَنْزِيلُهُ فَشُبِّهَ بِوَزْنِ الْمِيزَانِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقِسْطِ الرِّزْقُ الَّذِي هُوَ قِسْطُ كُلِّ مَخْلُوقٍ يَخْفِضُهُ فَيُقَتِّرُهُ وَيَرْفَعُهُ فَيُوَسِّعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ( عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ) فَمَعْنَى الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ الَّذِي بَعْدَهُ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ الْحَفَظَةَ يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْلِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَارِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) فَالسُّبُحَاتُ بِضَمِّ السِّينِ وَالْبَاءِ وَرَفْعِ التَّاءِ فِي آخِرِهِ وَهِيَ جَمْعُ سُبْحَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْهَرَوِيُّ وَجَمِيعُ الشَّارِحِينَ لِلْحَدِيثِمِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ مَعْنَى سُبُحَاتُ وَجْهِهِ نُورُهُ وَجَلَالُهُ وَبَهَاؤُهُ.

.
وَأَمَّا الْحِجَابُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَالسَّتْرُ وَحَقِيقَةُ الْحِجَابِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَجْسَامِ المحدودة والله تعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِ وَالْحَدِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِعُ نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ بَصَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَلَفْظَةُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الْحِجَابُ الْمُسَمَّى نُورًا أَوْ نَارًا وَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ لَأَحْرَقَ جَلَالُ ذَاتِهِ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَصْرِيٌّ كُوفِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَاسْمُ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَارِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قَيْسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَلَكِنْ طَالَ الْعَهْدُ بِهِمْ فَأَرَدْتُ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ لَا يَحْفَظْهُمْ وأما أبو عبيدة فهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ كَمَا ذَكَرْتُهُ والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَأَبُو عُبَيْدَةَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فَهُوَ مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِيبَكْرٍ فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ شَيْخِهِمَا أَبِي مُعَاوِيَةَ بَيَّنَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَصَلَ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ حَدَّثَنَا لِلِاتِّصَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي عَنْ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَيْضًا لِلِاتِّصَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُدَلِّسًا فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى عَنْ كَانَ مُفَوِّتًا لِقُوَّةِ حَدَّثَنَا وَرَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَدَّثَنَا كَانَ زَائِدًا فِي رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا رَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُجْتَنَبُ وَاللَّهُ أعلم بالصواب ( باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى) اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا.

.
وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَمِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ مَعْنَى سُبُحَاتُ وَجْهِهِ نُورُهُ وَجَلَالُهُ وَبَهَاؤُهُ.

.
وَأَمَّا الْحِجَابُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَالسَّتْرُ وَحَقِيقَةُ الْحِجَابِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَجْسَامِ المحدودة والله تعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِ وَالْحَدِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِعُ نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ بَصَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَلَفْظَةُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الْحِجَابُ الْمُسَمَّى نُورًا أَوْ نَارًا وَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ لَأَحْرَقَ جَلَالُ ذَاتِهِ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَصْرِيٌّ كُوفِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَاسْمُ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَارِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قَيْسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَلَكِنْ طَالَ الْعَهْدُ بِهِمْ فَأَرَدْتُ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ لَا يَحْفَظْهُمْ وأما أبو عبيدة فهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ كَمَا ذَكَرْتُهُ والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَأَبُو عُبَيْدَةَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فَهُوَ مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِيبَكْرٍ فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ شَيْخِهِمَا أَبِي مُعَاوِيَةَ بَيَّنَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَصَلَ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ حَدَّثَنَا لِلِاتِّصَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي عَنْ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَيْضًا لِلِاتِّصَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُدَلِّسًا فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى عَنْ كَانَ مُفَوِّتًا لِقُوَّةِ حَدَّثَنَا وَرَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَدَّثَنَا كَانَ زَائِدًا فِي رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا رَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُجْتَنَبُ وَاللَّهُ أعلم بالصواب ( باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى) اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا.

.
وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَمِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ مَعْنَى سُبُحَاتُ وَجْهِهِ نُورُهُ وَجَلَالُهُ وَبَهَاؤُهُ.

.
وَأَمَّا الْحِجَابُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَالسَّتْرُ وَحَقِيقَةُ الْحِجَابِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْأَجْسَامِ المحدودة والله تعالى مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِسْمِ وَالْحَدِّ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَانِعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَانِعُ نُورًا أَوْ نَارًا لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالْمُرَادُ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ بَصَرَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَلَفْظَةُ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ لَوْ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهُوَ الْحِجَابُ الْمُسَمَّى نُورًا أَوْ نَارًا وَتَجَلَّى لِخَلْقِهِ لَأَحْرَقَ جَلَالُ ذَاتِهِ جَمِيعَ مَخْلُوقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ثُمَّ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بَصْرِيٌّ كُوفِيٌّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَبُو شَيْبَةَ وَاسْمُ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَارِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قَيْسٍ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ وَلَكِنْ طَالَ الْعَهْدُ بِهِمْ فَأَرَدْتُ تَجْدِيدَهُ لِمَنْ لَا يَحْفَظْهُمْ وأما أبو عبيدة فهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ كَمَا ذَكَرْتُهُ والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ الْأَعْمَشُ وَعَمْرٌو وَأَبُو عُبَيْدَةَ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فَهُوَ مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَبِيبَكْرٍ فَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ شَيْخِهِمَا أَبِي مُعَاوِيَةَ بَيَّنَهَا مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَحَصَلَ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ حَدَّثَنَا لِلِاتِّصَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَفِي عَنْ خِلَافٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا أَيْضًا لِلِاتِّصَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهَا مُدَلِّسًا فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ كَانَ فِيهِ خَلَلٌ فَإِنَّهُ إِنِ اقْتَصَرَ عَلَى عَنْ كَانَ مُفَوِّتًا لِقُوَّةِ حَدَّثَنَا وَرَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَدَّثَنَا كَانَ زَائِدًا فِي رِوَايَةِ أَحَدِهِمَا رَاوِيًا بِالْمَعْنَى وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُجْتَنَبُ وَاللَّهُ أعلم بالصواب ( باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى) اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا.

.
وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَحَدُهُمَا وُقُوعُهَا وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَقُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ الْجَلِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةٍ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ كَمَا يَعْلَمُونَهُ لَا فِي جِهَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فِي الْإِسْنَادِ ( الْجَهْضَمِيُّ وَأَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ) أَمَّا الْجَهْضَمِيُّ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَبِي غَسَّانَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَأَنَّ اسْمَهُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ الْمِسْمَعِيَّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى مِسْمَعِ بْنِ رَبِيعَةَ جَدِّ الْقَبِيلَةِ وَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَّا أَنِّي أُعِيدُهُ لِطُولِ الْعَهْدِ بِمَوْضِعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ( عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ) هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَمْرٌو وَقِيلَ عَامِرٌ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ الْعَرَبَ بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَيُقَرِّبُ الْكَلَامَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ وَيَسْتَعْمِلُ الِاسْتِعَارَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ لِيُقَرِّبَ مُتَنَاوَلَهَا فَعَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَوَالِ الْمَانِعِ وَرَفْعِهِ عَنِ الْأَبْصَارِ بِإِزَالَةِ الرِّدَاءِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) أَيِ النَّاظِرُونَ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ فَهِيَ ظَرْفٌ لِلنَّاظِرِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [179] إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام أَي هُوَ مُسْتَحِيل فِي حَقه تَعَالَى عَن ذَلِك يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ قَالَ بن قُتَيْبَة الْقسْط الْمِيزَان وَالْمعْنَى أَن الله يخْفض الْمِيزَان وَيَرْفَعهُ بِمَا يُوزن من أَعمال الْعباد المرتفعة إِلَيْهِ ويوزن من أَرْزَاقهم النَّازِلَة إِلَيْهِم فَهَذَا تَمْثِيل لما يقدر بتنزيله فَشبه بِوَزْن الوازن وَقيل المُرَاد بِالْقِسْطِ الرزق الَّذِي هُوَ قسط كل مَخْلُوق يخفضه فيقتره وَيَرْفَعهُ فيوسعه يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل النَّهَار وَعمل النَّهَار قبل اللَّيْل فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة عمل النَّهَار بِاللَّيْلِ فَمَعْنَى الأولى يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار الَّذِي بعده وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل الَّذِي بعده وَمعنى الثَّانِيَة يرفع إِلَيْهِ عمل النَّهَار فِي أول اللَّيْل الَّذِي بعده وَعمل اللَّيْل فِي أول النَّهَار الَّذِي بعده فَإِن الْحفظَة يصعدون بأعمال اللَّيْل بعد انقضائه فِي أول النَّهَار ويصعدون بأعمال النَّهَار بعد انقضائه فِي أول اللَّيْل حجابه النُّور حَقِيقَة الْحجاب إِنَّمَا يكون للأجسام المحدودة وَالله تَعَالَى منزه عَن الْجِسْم وَالْحَد وَالْمرَاد هُنَا الْمَانِع من رُؤْيَته وَيُسمى ذَلِك الْمَانِع نورا أَو نَارا لِأَنَّهُمَا يمنعان من الْإِدْرَاك فِي الْعَادة لشعاعهما لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه السبحات بِضَم السِّين وَالْبَاء جمع سبْحَة قَالَ الْعلمَاء المُرَاد بِالْوَجْهِ الذَّات وسبحاته نوره وجلاله وبهاؤه وَمن فِي من خلقه للْبَيَان لَا للتَّبْعِيض وَالْمعْنَى لَو أَزَال الْمَانِع من رُؤْيَته وَهُوَ الْحجاب الْمُسَمّى نورا أَو نَارا وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذَاته جَمِيع مخلوقاته

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات.
فقال: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام.
يخفض القسط ويرفعه.
يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار.
وعمل النهار قبل عمل الليل.
حجابه النور.
( وفي رواية أبي بكر: النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.


المعنى العام

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة، ويتعاهدهم بتذكيرهم بربهم حينا بعد حين.
فقال لهم في بعض عظاته - وفيهم أبو موسى الأشعري- : إن الله جل شأنه لا ينام مصداق ذلك قوله تعالى: { { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم } } [البقرة: 255] وكيف ينام مدبر السموات والأرض؟ وكل يوم وكل لحظة هو في شأن عباده { { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } } [المجادلة: 7] .
{ { فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي } } [الأنعام: 95] { { فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا } } [الأنعام: 96] .

كل لحظة هو في شأن.
{ { مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير } } [آل عمران: 26] .
يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
يرفع أقواما ويخفض آخرين.

يرفع إليه عمل عباده على كثرتهم، وشتات أعمالهم، يرفع إليه عمل الليل عند انتهاء الليل، وعمل النهار عند انتهاء النهار، وهو أعلم بها قبل رفعها، ومن كان هذا شأنه وجبت مراقبته، وحقت عبادته، ولزم الخوف من عقابه.

وسع نوره السموات والأرض، حجب جلاله عن أبصار خلقه، لأنهم لا يقدرون على رؤيته، فعلى المؤمن أن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه جل شأنه يرى جميع عباده، فلا ينبغي أن يراهم حيث نهاهم، ولا ينبغي أن يفقدهم حيث أمرهم.

{ { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } } [فصلت: 46] .

المباحث العربية

( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات) أي قام فينا متكلما بخمس كلمات، والمراد من الكلمة الجملة المترابطة في المعنى، فالكلمة الأولى إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام والثانية يخفض القسط ويرفعه والثالثة يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل والرابعة حجابه النور أو النار والخامسة لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

والكلمات الأربع في الرواية الثانية كانت بضم الرابعة والخامسة في كلمة واحدة، والأربع في الرواية الثالثة محذوفة الكلمة الرابعة سقطا من الراوي.

( إن الله عز وجل لا ينام) أي بالفعل، فإن النوم انغمار وغلبة على العقل يسقط به الإحساس.

( ولا ينبغي له أن ينام) أي بالاحتمال، فإن النوم مستحيل في حقه جل شأنه.

( يخفض القسط ويرفعه) قال ابن قتيبة: القسط الميزان، وسمي قسطا لأن القسط العدل، وبالميزان يقع العدل، والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة، ويوزن من أرزاقهم النازلة، وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله، فشبه بوزن الميزان.
اهـ.

وقيل: المراد بالقسط الرزق الذي هو قسط كل مخلوق يخفضه فيقتره، ويرفعه فيوسعه، وهذا القول أوضح وأقرب.
والله أعلم.

( يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل) أي يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده.

( حجابه النور) الحجاب في اللغة المانع والساتر، وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الجسم والحد، فالمراد منه هنا المانع من رؤيته، وسمي ذلك المانع نورا، أو نارا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما.

( لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) السبحات بضم السين والباء جمع سبحة، ومعنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه، والمراد بالوجه الذات، والمراد بما انتهى إليه بصره جميع المخلوقات، لأن بصره سبحانه وتعالى محيط بجميع الكائنات ولفظة من في قوله: من خلقه لبيان الجنس لا للتبعيض، والتعبير مقصود منه التقريب إلى الأذهان، كقوله تعالى: { { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } } [النور:35] الآية.
إذ لا ينتهي بصره جل شأنه.

والمعنى: لو أزال المانع من رؤيته، وتجلى لخلقه، لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته.
والله أعلم.

فقه الحديث

أجمع أهل السنة على أن رؤية الله تعالى ممكنة، غير مستحيلة عقلا، وذهب المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة إلى أن رؤية الله تعالى مستحيلة عقلا، وتمسكوا بظاهر قوله تعالى لموسى: ( لن تراني) ردا على قوله: { { رب أرني أنظر إليك } } [الأعراف: 143] وقالوا: إن لن لتأكيد النفي الذي يدل عليه لا فيكون النفي على التأبيد.
ويقول المجوزون: إن الله علق الرؤية على ممكن في قوله: { { انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني } } واستقرار الجبل ممكن، والمعلق على الممكن ممكن.
ويقول النافون: إن استقرار الجبل حالة دكه مستحيل، والمعلق على المستحيل مستحيل، فالرؤية مستحيلة، وللمجوزين أن يقولوا: إن استحالة رؤية موسى لربه لا يلزمها استحالة رؤية غير موسى له جل شأنه.
كما تمسك النافون بقوله تعالى: { { لا تدركه الأبصار } } [الأنعام: 103] وأجاب المجوزون بأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته.

كما تمسك النافون بأن من شرط المرئي أن يكون في جهة، والله منزه عن الجهة، وأن يكون محدثا والله قديم، واشترطوا في الرؤية شروطا عقلية كالبنية المخصوصة، والمقابلة، واتصال الأشعة، وزوال الموانع كالبعد والحجب، وغير ذلك.

وأجاب المجوزون بعدم اشتراط شيء من ذلك عقلا، وكل ما يشترطونه وجود المرئي، وقالوا: إن للرؤية إدراكا، يخلقه الله تعالى للرائي، فيرى المرئي.

هذا وهناك شبه وردود كثيرة، واعتراضات وأجوبة مشهورة محلها كتب علم الكلام.
ومن أرادها فليطلبها.

ولما صار أهل السنة إلى إمكان الرؤية عقلا اختلفوا في وقوعها في الدنيا لنبينا صلى الله عليه وسلم على الوجه المتقدم في الحديث السابق مع اتفاقهم على أنها لم تقع لغيره في الدنيا، أما رؤيته في الآخرة فسيأتي بحثها في الأحاديث التالية.

وحديث الباب ظاهر في نفيها في الدنيا، وفي أن هناك مانعا من رؤيته في الدنيا لو أزال - جل شأنه- هذا المانع لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته.

وقال الطيبي: في الحديث إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة، فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله وأشعة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول، وتبهت الأبصار، وتتحير البصائر فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق إلا احترق، ولا منظور إلا اضمحل، وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي، والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له، فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل.
اهـ.

ويؤخذ من الحديث

1 - أن الله لا ينام ويستحيل النوم في حقه تعالى.

2 - وأنه في كل لحظة هو في شأن، يرفع أقواما ويخفض آخرين.

3 - وأنه يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح، يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذي بعده، وعمل الليل في أول النهار الذي بعده.

4 - وأنه سبحانه وتعالى حجابه نور يحول بين الخلق وبين رؤيته في الدنيا.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَفِي قَوْلِهِ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ
[ سـ :295 ... بـ :179]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ خَلْقِهِ.

     وَقَالَ  حِجَابُهُ النُّورُ
اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ الْكَافِرِينَ .
وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ : الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ ، وَرَوَاهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا لَهَا أَجْوِبَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَكَذَلِكَ بَاقِي شُبَهِهِمْ وَهِيَ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى ذِكْرِهَا هُنَا ،.

وَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُمْكِنَةٌ ، وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي الدُّنْيَا ، وَحَكَمَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ أَنَّهُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ : أَحَدُهُمَا : وُقُوعُهَا ، وَالثَّانِي لَا تَقَعُ ، ثُمَّ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ ، لَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ ، وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ الْجَلِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةٍ - تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ - بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ كَمَا يَعْلَمُونَهُ لَا فِي جِهَةٍ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .