هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
31 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، وَيُونُسُ ، عَنِ الحَسَنِ ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قُلْتُ : أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ ، قَالَ : ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
31 حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب ، ويونس ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل ، فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل ، قال : ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قُلْتُ : أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ ، قَالَ : ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ : إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ .

Narrated Al-Ahnaf bin Qais:

While I was going to help this man ('Ali Ibn Abi Talib), Abu Bakra met me and asked, Where are you going? I replied, I am going to help that person. He said, Go back for I have heard Allah's Messenger (ﷺ) saying, 'When two Muslims fight (meet) each other with their swords, both the murderer as well as the murdered will go to the Hell-fire.' I said, 'O Allah's Messenger (ﷺ)! It is all right for the murderer but what about the murdered one?' Allah's Messenger (ﷺ) replied, He surely had the intention to kill his companion.

0031 Al-’Ahnaf ben Qays dit : J’étais parti pour soutenir cet homme (Ali ben Abi Tâlib) quand Abu Bakra me croisa: « Où veux-tu aller ? » me dit-il. « Soutenir cet homme dans sa guerre » répondis-je. « Reviens sur tes pas, car j’ai entendu le Messager de Dieu dire : Lorsque deux musulmans se rencontrent épées braquées, et le meurtrier et le victime iront au Feu. O Messager de Dieu! ai-je dit, cela est compréhensible pour le meurtrier mais la victime ? Elle tenait tant à abattre l’autre. »

":"ہم سے سلیمان بن حرب نے بیان کیا ، کہا ہم سے شعبہ نے بیان کیا ، انھوں نے اسے واصل احدب سے ، انھوں نے معرور سے ، کہامیں ابوذر سے ربذہ میں ملا وہ ایک جوڑا پہنے ہوئے تھے اور ان کا غلام بھی جوڑا پہنے ہوئے تھا ۔ میں نے اس کا سبب دریافت کیا تو کہنے لگے کہ میں نے ایک شخص یعنی غلام کو برا بھلا کہا تھا اور اس کی ماں کی غیرت دلائی ( یعنی گالی دی ) تو رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے یہ معلوم کر کے مجھ سے فرمایا اے ابوذر ! تو نے اسے ماں کے نام سے غیرت دلائی ، بیشک تجھ میں ابھی کچھ زمانہ جاہلیت کا اثر باقی ہے ۔ ( یاد رکھو ) ماتحت لوگ تمہارے بھائی ہیں ۔ اللہ نے ( اپنی کسی مصلحت کی بنا پر ) انہیں تمہارے قبضے میں دے رکھا ہے تو جس کے ماتحت اس کا کوئی بھائی ہو تو اس کو بھی وہی کھلائے جو آپ کھاتا ہے اور وہی کپڑا اسے پہنائے جو آپ پہنتا ہے اور ان کو اتنے کام کی تکلیف نہ دو کہ ان کے لیے مشکل ہو جائے اور اگر کوئی سخت کام ڈالو تو تم خود بھی ان کی مدد کرو ۔

0031 Al-’Ahnaf ben Qays dit : J’étais parti pour soutenir cet homme (Ali ben Abi Tâlib) quand Abu Bakra me croisa: « Où veux-tu aller ? » me dit-il. « Soutenir cet homme dans sa guerre » répondis-je. « Reviens sur tes pas, car j’ai entendu le Messager de Dieu dire : Lorsque deux musulmans se rencontrent épées braquées, et le meurtrier et le victime iront au Feu. O Messager de Dieu! ai-je dit, cela est compréhensible pour le meurtrier mais la victime ? Elle tenait tant à abattre l’autre. »

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [31] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السَّخْتِيَانِيُّ وَيُونُسُ هُوَ بن عبيد وَالْحسن هُوَ بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ مُخَضْرَمٌ وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَكَانَ رَئِيسَ بَنِي تَمِيمٍ فِي الْإِسْلَامِ وَبِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الْحِلْمِ وَقَولُهُ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي عَلِيًّا كَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْفِتَنِ وَلَفْظُهُ أُرِيد نصْرَة بن عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ يَعْنِي عَلِيًّا وَأَبُو بَكْرَةَ بِإِسْكَانِ الْكَافِ هُوَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ وَكَانَ الْأَحْنَفُ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِقَوْمِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيُقَاتِلَ مَعَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَهَاهُ أَبُو بَكْرَةَ فَرَجَعَ وَحَمَلَ أَبُو بَكْرَةَ الْحَدِيثَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا بِسَيْفَيْهِمَا حَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْقِتَالُ مِنْهُمَا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ سَائِغٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُخَصُّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ بِدَلِيلِهِ الْخَاصِّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقَدْ رَجَعَ الْأَحْنَفُ عَنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرَةَ فِي ذَلِكَ وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ بَاقِيَ حُرُوبَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض وهم أَيُّوب وَالْحسن والأحنف قَوْله عَن وَاصل هُوَ بن حَيَّانَ وَلِلْأَصِيلِيِّ هُوَ الْأَحْدَبُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْعِتْقِ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْمَعْرُورِ وَفِي الْعِتْقِ سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ سَاكِنُ الْعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  بِالرَّبَذَةِ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُعْجَمَةِ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ .

     قَوْلُهُ  وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حلَّة هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ عَنْهُ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فَإِذَا حُلَّةٌ عَلَيْهِ مِنْهَا ثَوْبٌ وَعَلَى عَبْدِهِ مِنْهَا ثَوْبٌ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْحُلَّةَ ثَوْبَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمَعْرُورِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْأَدَبِ بِلَفْظِ رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدًا فَقُلْتُ لَوْ أَخَذْتُ هَذَا فَلَبِسْتُهُ كَانَتْ حُلَّةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْنَا يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً وَلِأَبِي دَاوُدَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَخَذْتَ الَّذِي عَلَى غُلَامِكِ فَجَعَلْتَهُ مَعَ الَّذِي عَلَيْكَ لَكَانَتْ حُلَّةً فَهَذَا مُوَافِقً لِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَصِيرَانِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حُلَّةً وَلَوْ كَانَ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ لَكَانَ إِذَا جَمَعَهُمَا يَصِيرُ عَلَيْهِ حُلَّتَانِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ بُرْدٌ جَيِّدٌ تَحْتَهُ ثَوْبٌ خَلِقٌ مِنْ جِنْسِهِ وَعَلَى غُلَامِهِ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَوْ أَخَذْتَ الْبُرْدَ الْجَيِّدَ فَأَضَفْتَهُ إِلَى الْبُرْدِ الْجَيِّدِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأَعْطَيْتَ الْغُلَامَ الْبُرْدَ الْخَلِقَ بَدَلَهُ لَكَانَتْ حُلَّةً جَيِّدَةً فَتَلْتَئِمُ بِذَلِكَ الرِّوَايَتَانِ وَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ لَكَانَتْ حُلَّةً أَيْ كَامِلَةَ الْجَوْدَةِ فَالتَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْحُلَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ يَحُلُّهُمَا مِنْ طَيِّهِمَا فَأَفَادَ أَصْلَ تَسْمِيَةِ الْحُلَّةِ وَغُلَامُ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورِ لَمْ يُسَمَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبَا مُرَاوِحٍ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثُهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْكُنَى أَنَّ اسْمَهُ سَعْدٌ .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلْتُهُ أَيْ عَنِ السَّبَبِ فِي إِلْبَاسِهِ غُلَامَهُ نَظِيرَ لُبْسِهِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْمَأْلُوفِ فَأَجَابَهُ بِحِكَايَةِ الْقِصَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  سَابَبْتُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ شَاتَمْتُ وَفِي الْأَدَبِ لِلْمُؤَلِّفِ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ إِخْوَانِي وَقِيلَ إِنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ هُوَ بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَرَوَى ذَلِكَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ مُنْقَطِعًا وَمَعْنَى سَابَبْتُ وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِبَابٌ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ مِنَ السَّبِّ بِالتَّشْدِيدِ وَأَصْلُهُ الْقَطْعُ وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّبَّةِ وَهِيَ حَلْقَةُ الدُّبُرِ سَمَّى الْفَاحِشَ مِنَ الْقَوْلِ بِالْفَاحِشِ مِنَ الْجَسَدِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ قَطْعُ الْمَسْبُوبِ وَعَلَى الثَّانِي الْمُرَادُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ السَّابِّ إِبْدَاءَ عَوْرَةِ الْمَسْبُوبِ .

     قَوْلُهُ  فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ أَيْ نَسَبْتُهُ إِلَى الْعَارِ زَادَ فِي الْأَدَبِ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ.

.

قُلْتُ لَهُ يَا بن السَّوْدَاءِ وَالْأَعْجَمِيُّ مَنْ لَا يُفْصِحُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ سَوَاءكَانَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا وَالْفَاءُ فِي فَعَيَّرْتُهُ قِيلَ هِيَ تَفْسِيرِيَّةٌ كَأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ التَّعْيِيرَ هُوَ السَّبُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمَا سِبَابٌ وَزَادَ عَلَيْهِ التَّعْيِيرُ فَتَكُونُ عَاطِفَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ قَالَ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ فَقُلْتُ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ أَيْ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ تَحْرِيمَهُ فَكَانَتْ تِلْكَ الْخَصْلَةُ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَلِهَذَا قَالَ كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْأَدَبِ.

.

قُلْتُ عَلَى سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ نَعَمْ كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَعَ كِبَرِ سِنِّهِ فَبَيَّنَ لَهُ كَوْنَ هَذِهِ الْخَصْلَةِ مَذْمُومَةً شَرْعًا وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَاوِي غُلَامَهُ فِي الْمَلْبُوسِ وَغَيْرِهِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْمُوَاسَاةِ لَا الْمُسَاوَاةَ وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَعْدِيَةِ عيرته بِالْبَاء وَقد أنكرهُ بن قُتَيْبَةَ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَثْبَتَ آخَرُونَ أَنَّهَا لُغَةٌ وَقَدْ جَاءَ فِي سَبَبِ إِلْبَاسِ أَبِي ذَرٍّ غُلَامَهُ مِثْلَ لُبْسِهِ أَثَرٌ مَرْفُوعٌ أَصْرَحُ مِنْ هَذَا وَأَخَصُّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا ذَرٍّ عَبْدًا فَقَالَ أَطْعِمْهُ مِمَّا تَأْكُلُ وَأَلْبِسْهُ مِمَّا تَلْبَسُ وَكَانَ لِأَبِي ذَرٍّ ثَوْبٌ فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ فَأَعْطَى الْغُلَامَ نِصْفَهُ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ قُلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ قَالَ نعم ( قَولُهُ بَابُ ظُلْمٍ دُونَ ظُلْمٍ دُونَ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى غَيْرَ أَيْ أَنْوَاعُ الظُّلْمِ مُتَغَايِرَةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْأَدْنَى أَيْ بَعْضُهَا أَخَفُّ مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا من طَرِيق طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ تَرْجَمَةً وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ بِظُلْمٍ عُمُومَ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَهُوَ الشِّرْكُ عَلَى مَا سَنُوَضِّحُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلظُّلْمِ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةً وَمُنَاسَبَةُ إِيرَادِ هَذَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمعاصِي غير الشّرك لاينسب صَاحِبُهَا إِلَى الْكُفْرِ الْمُخْرِجِ عَنِ الْمِلَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ ظَاهِرَةٌ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [31] حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ.
قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ».
[الحديث طرفاه في: 6875، 7083] .
وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العيشي بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبالشين المعجمة البصري، المتوفى سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائتين قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أبو إسماعيل الأزرق الأزدي البصري، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( ويونس) بن عبيد بن دينار البصري، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة كلاهما ( عن الحسن) أبي سعيد بن أبي الحسن الأنصاري البصري المتوفى سنة ست عشرة ومائة ( عن الأحنف) من الحنف وهو الاعوجاج في الرجل بالهملة والنون أبي بحر الضحاك ( بن قيس) بن معاوية المخضرم، المتوفى بالكوفة سنة سبع وستين في إمارة ابن الزبير أنه ( قال ذهبت لأنصر) أي لأجل أن أنصر ( هذا الرجل) هو على بن أبي طالب كما في مسلم من هذا الوجه، وأشار إليه المؤلف في الفتن بلفظ: أريد نصرة ابن عمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان ذلك يوم الجمل ( فلقيني أبو بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ابن الحرث بن كلدة بالكاف واللام المفتوحتين.
المتوفى بالبصرة سنة اثنتين وخمسين، وله في البخاري أربعة عشر حديثًا ( فقال: أين تريد؟ قلت) وللأصيلي فقلت: أريد مكانًا لأن السؤال عن المكان والجواب بالفعل فيؤوّل بذلك ( أنصر) أي لكي أنصر ( هذا الرجل.
قال: ارجع فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
حال كونه ( يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما) فضرب كل واحد منهما الآخر( فالقاتل والمقتول في النار) إذا كان القاتل منهما بغير تأويل سائغ أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد وظن لإصلاح الدين فالمصيب منهما له أجران والمخطئ أجر، وإنما حمل أبو بكرة الحديث على عمومه في كل مسلمين التقيا بسيفيهما حسمًا للمادة، وقد رجع الأحنف عن رأي أبي بكرة في ذلك وشهد مع علي باقي حروبه، ولا يقال إن قوله فالقاتل والمقتول في النار يشعر بمذهب المعتزلة القائلين بوجوب العقاب للعاصي، لأن المعنى أنهما يستحقان وقد يعفى عنهما أو واحد منهما فلا يدخلان النار كما قال تعالى: { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] أي جزاؤه وليس بلازم أن يجازى.
قال أبو بكرة ( فقلت) وللأربعة وكريمة قلت ( يا رسول الله هذا القاتل) يستحق النار لكونه ظالمًا ( فما بال المقتول) وهو مظلوم؟ ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إنه كان حريصًا على قتل صاحبه) مفهومه أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ولا تنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر "إذا همّ عبدي بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها عليه" لأن المراد أنه لم يوطن نفسه عليها بل مرت بفكره من غير استقرار، ورجال إسناد هذا الحديث كلهم بصريون وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم: أيوب والحسن والأحنف، واشتمل على التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الفتن، ومسلم وأبو داود والنسائي.
23 - باب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ هذا ( باب) بالتنوين ( ظلم دون ظلم) أي بعضه أخف من بعض، وهذه الترجمة لفظ رواية حديث رواه الإمام أحمد من كتاب الإيمان من حديث عطاء.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [31] حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ حدّثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حدّثنا أيُّوبُ ويُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قالَ ذَهَبْتُ لاَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أيْنَ تُرِيدُ.

.

قُلْتُ أنُصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قالَ ارْجِعْ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِقَالُوا بِوُجُوب الْعقَاب للعاصي وَأجِيب: بِالْمَنْعِ لِأَن مَعْنَاهُ: حَقّهمَا أَن يَكُونَا فِي النَّار، وَقد يعْفُو الله عَنهُ، وَقد مر تَحْقِيقه عَن قريب.
وَمِنْهَا مَا قيل: لِمَ أَدخل الْحِرْص على الْقَتْل وَهُوَ صَغِيرَة فِي سلك الْقَتْل وَهُوَ كَبِيرَة؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ أدخلهما فِي سلك وَاحِد فِي مُجَرّد كَونهمَا سَببا لدُخُول النَّار فَقَط، وَإِن تَفَاوتا صغرا وكبرا وَغير ذَلِك.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِنَّمَا سمى الله الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْآيَتَيْنِ: مُؤمنين، وسماهما النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي الحَدِيث: مُسلمين، حَال الالتقاء لَا حَال الْقِتَال وَبعده وَأجِيب: بِأَن دلَالَة الْآيَة ظَاهِرَة، فَإِن فِي قَوْله تَعَالَى: { فأصلحوا بَين أخويكم} ( لُقْمَان: 13) سماهما الله أَخَوَيْنِ وَأمر بالاصلاح بَينهمَا، وَلِأَنَّهُمَا عاصيان قبل الْقِتَال، وَهُوَ من حِين سعيا إِلَيْهِ وقصداه، وَأما الحَدِيث فَمَحْمُول على معنى الْآيَة، وَالله أعلم.
23 - ( بَاب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ) الْكَلَام فِيهِ على وَجْهَيْن.
الأول: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ أَن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ أَن الله تَعَالَى سمى الْبُغَاة مُؤمنين، وَلم ينف عَنْهُم اسْم الْإِيمَان مَعَ كَونهم عصاة، وَأَن الْمعْصِيَة لَا تخرج صَاحبهَا عَن الْإِيمَان، وَلَا شكّ أَن الْمعْصِيَة ظلم، وَالظُّلم فِي ذَاته مُخْتَلف، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب الْإِشَارَة إِلَى أَنْوَاع الظُّلم حَيْثُ قَالَ: ظلم دون ظلم،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: مَقْصُود الْبَاب أَن تَمام الْإِيمَان بِالْعَمَلِ، وَأَن الْمعاصِي ينقص بهَا الْإِيمَان وَلَا تخرج صَاحبهَا إِلَى كفر، وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِيهِ على قدر صغر الْمعاصِي وكبرها.
الثَّانِي: قَوْله: ( بَاب) لَا يعرب إلاَّ بِتَقْدِير مُبْتَدأ قبله، لأَنا قد قُلْنَا غير مرّة إِن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد التَّرْكِيب، وَلَا يُضَاف إِلَى مَا بعده، وَالتَّقْدِير فِي الْحَقِيقَة: هَذَا بَاب يبين فِيهِ ظلم دون ظلم، وَهَذَا لفظ أثر رَوَاهُ أَحْمد فِي كتاب الْإِيمَان من حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح وَغَيره، أَخذه البُخَارِيّ وَوَضعه تَرْجَمَة، ثمَّ رتب عَلَيْهِ الحَدِيث الْمَرْفُوع.
وَلَفظه: دون، إِمَّا بِمَعْنى: غير، يَعْنِي: أَنْوَاع الظُّلم مُخْتَلفَة مُتَغَايِرَة؛ وَإِمَّا بِمَعْنى: الْأَدْنَى، يَعْنِي: بَعْضهَا أَشد فِي الظلمية وَسُوء عَاقبَتهَا.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)

هُوَ مُنَوَّنٌ وَقَولُهُ الْمَعَاصِي مُبْتَدَأٌ وَمِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ خَبَرُهُ وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يُطْلَقُ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَيْ فِي حَالِ جَاهِلِيَّتِهِ وَقَولُهُ وَلَا يُكَفَّرُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَقَولُهُ إِلَّا بِالشِّرْكِ أَيْ إِنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ تُؤْخَذُ مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ فَهِيَ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالشِّرْكُ أَكْبَرُ الْمَعَاصِي وَلِهَذَا اسْتَثْنَاهُ وَمُحَصَّلُ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْكُفْرُ مَجَازًا عَلَى إِرَادَةِ كُفْرِ النِّعْمَةِ لَا كُفْرِ الْجَحْدِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ كُفْرٌ لَا يُخْرِجُ عَنِ الْمِلَّةِ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذُّنُوبِ وَنَصُّ الْقُرْآنِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء فَصَيَّرَ مَا دُونَ الشِّرْكِ تَحْتَ إِمْكَانِ الْمَغْفِرَةِ وَالْمُرَادُ بِالشِّرْكِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكُفْرُ لِأَنَّ مَنْ جَحَدَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا كَانَ كَافِرًا وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَالْمَغْفِرَةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ يَرِدُ الشِّرْكُ وَيُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْكُفْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكين قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يُكَفِّرُ بِالذُّنُوبِ كَالْخَوَارِجِ وَيَقُولُ إِنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَالْآيَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يَشَاء مَنْ مَاتَ عَلَى كُلِّ ذَنْبٍ سِوَى الشِّرْكِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ عَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّعْيِيرَ لَيْسَ كَبِيرَةً وَهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ بِالصَّغَائِرِ.

.

قُلْتُ اسْتِدْلَالُهُ عَلَيْهِمْ من الْآيَة ظَاهر وَلذَلِك اقْتصر عَلَيْهِ بن بَطَّالٍ.

.
وَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّمَا ذُكِرَتْ لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ بَقِيَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ سِوَى الشِّرْكِ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الصَّغَائِرِ أَمِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَاسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَا يَكْفُرُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْقَى عَلَيْهِ اسْمَ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ اخويكم وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَسَمَّاهُمَا مُسْلِمَيْنِ مَعَ التَّوَعُّدِ بِالنَّارِ وَالْمُرَادُ هُنَا إِذَا كَانَتِ الْمُقَاتَلَةُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ سَائِغٍ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ أَيْ خَصْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ مَعَ أَنَّ مَنْزِلَةَ أَبِي ذَرٍّ مِنَ الْإِيمَانِ فِي الذُّرْوَةِ الْعَالِيَةِ وَإِنَّمَا وَبَّخَهُ بِذَلِكَ عَلَى عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ تَحْذِيرًا لَهُ عَنْ مُعَاوَدَةِ مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعُذْرِ لَكِنْ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِهِ يُسْتَعْظَمُ أَكْثَرَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَقَدْ وَضَحَ بِهَذَا وَجْهُ دُخُولِ الْحَدِيثَيْنِ تَحْتَ التَّرْجَمَةِ وَهَذَا عَلَى مُقْتَضَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ مَشَايِخِهِ لَكِنْ سَقَطَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي.

.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ فَأَفْرَدَ فِيهَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ بِتَرْجَمَةِ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وكل مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ جَمْعًا وَتَفْرِيقًا حَسَنٌ وَالطَّائِفَةُ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا فَوْقَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ حُضُورِ أَرْبَعَةٍ فِي رجم الزَّانِي مَعَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَالْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي الْجَلْدِ وَلَا اشْتِرَاطَ فِيهِ وَالِاشْتِرَاطُ فِي الرَّجْمِ بِدَلِيلٍ آخَرَ.

.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ ثَلَاثَةٍ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك فَذَاك لقَوْله تَعَالَى ولياخذوا اسلحتهم فَذكره بِلَفْظ الْجمع واقله ثَلَاثَة على الصَّحِيح

[ قــ :31 ... غــ :31] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السَّخْتِيَانِيُّ وَيُونُسُ هُوَ بن عبيد وَالْحسن هُوَ بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ مُخَضْرَمٌ وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَكَانَ رَئِيسَ بَنِي تَمِيمٍ فِي الْإِسْلَامِ وَبِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الْحِلْمِ وَقَولُهُ ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي عَلِيًّا كَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي الْفِتَنِ وَلَفْظُهُ أُرِيد نصْرَة بن عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ يَعْنِي عَلِيًّا وَأَبُو بَكْرَةَ بِإِسْكَانِ الْكَافِ هُوَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ وَكَانَ الْأَحْنَفُ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بِقَوْمِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيُقَاتِلَ مَعَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَهَاهُ أَبُو بَكْرَةَ فَرَجَعَ وَحَمَلَ أَبُو بَكْرَةَ الْحَدِيثَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مُسْلِمَيْنِ الْتَقَيَا بِسَيْفَيْهِمَا حَسْمًا لِلْمَادَّةِ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْقِتَالُ مِنْهُمَا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ سَائِغٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُخَصُّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ بِدَلِيلِهِ الْخَاصِّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقَدْ رَجَعَ الْأَحْنَفُ عَنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرَةَ فِي ذَلِكَ وَشَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ بَاقِيَ حُرُوبَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض وهم أَيُّوب وَالْحسن والأحنف قَوْله عَن وَاصل هُوَ بن حَيَّانَ وَلِلْأَصِيلِيِّ هُوَ الْأَحْدَبُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْعِتْقِ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْمَعْرُورِ وَفِي الْعِتْقِ سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ سَاكِنُ الْعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  بِالرَّبَذَةِ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُعْجَمَةِ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ .

     قَوْلُهُ  وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حلَّة هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ عَنْهُ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فَإِذَا حُلَّةٌ عَلَيْهِ مِنْهَا ثَوْبٌ وَعَلَى عَبْدِهِ مِنْهَا ثَوْبٌ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْحُلَّةَ ثَوْبَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمَعْرُورِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْأَدَبِ بِلَفْظِ رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدًا فَقُلْتُ لَوْ أَخَذْتُ هَذَا فَلَبِسْتُهُ كَانَتْ حُلَّةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْنَا يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً وَلِأَبِي دَاوُدَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَخَذْتَ الَّذِي عَلَى غُلَامِكِ فَجَعَلْتَهُ مَعَ الَّذِي عَلَيْكَ لَكَانَتْ حُلَّةً فَهَذَا مُوَافِقً لِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَصِيرَانِ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حُلَّةً وَلَوْ كَانَ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ لَكَانَ إِذَا جَمَعَهُمَا يَصِيرُ عَلَيْهِ حُلَّتَانِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ بُرْدٌ جَيِّدٌ تَحْتَهُ ثَوْبٌ خَلِقٌ مِنْ جِنْسِهِ وَعَلَى غُلَامِهِ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ لَوْ أَخَذْتَ الْبُرْدَ الْجَيِّدَ فَأَضَفْتَهُ إِلَى الْبُرْدِ الْجَيِّدِ الَّذِي عَلَيْكَ وَأَعْطَيْتَ الْغُلَامَ الْبُرْدَ الْخَلِقَ بَدَلَهُ لَكَانَتْ حُلَّةً جَيِّدَةً فَتَلْتَئِمُ بِذَلِكَ الرِّوَايَتَانِ وَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ لَكَانَتْ حُلَّةً أَيْ كَامِلَةَ الْجَوْدَةِ فَالتَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْحُلَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ يَحُلُّهُمَا مِنْ طَيِّهِمَا فَأَفَادَ أَصْلَ تَسْمِيَةِ الْحُلَّةِ وَغُلَامُ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورِ لَمْ يُسَمَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبَا مُرَاوِحٍ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثُهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْكُنَى أَنَّ اسْمَهُ سَعْدٌ .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلْتُهُ أَيْ عَنِ السَّبَبِ فِي إِلْبَاسِهِ غُلَامَهُ نَظِيرَ لُبْسِهِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْمَأْلُوفِ فَأَجَابَهُ بِحِكَايَةِ الْقِصَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  سَابَبْتُ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ شَاتَمْتُ وَفِي الْأَدَبِ لِلْمُؤَلِّفِ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ إِخْوَانِي وَقِيلَ إِنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ هُوَ بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَرَوَى ذَلِكَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ مُنْقَطِعًا وَمَعْنَى سَابَبْتُ وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِبَابٌ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ مِنَ السَّبِّ بِالتَّشْدِيدِ وَأَصْلُهُ الْقَطْعُ وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّبَّةِ وَهِيَ حَلْقَةُ الدُّبُرِ سَمَّى الْفَاحِشَ مِنَ الْقَوْلِ بِالْفَاحِشِ مِنَ الْجَسَدِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ قَطْعُ الْمَسْبُوبِ وَعَلَى الثَّانِي الْمُرَادُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ السَّابِّ إِبْدَاءَ عَوْرَةِ الْمَسْبُوبِ .

     قَوْلُهُ  فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ أَيْ نَسَبْتُهُ إِلَى الْعَارِ زَادَ فِي الْأَدَبِ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ.

.

قُلْتُ لَهُ يَا بن السَّوْدَاءِ وَالْأَعْجَمِيُّ مَنْ لَا يُفْصِحُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ سَوَاء كَانَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا وَالْفَاءُ فِي فَعَيَّرْتُهُ قِيلَ هِيَ تَفْسِيرِيَّةٌ كَأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ التَّعْيِيرَ هُوَ السَّبُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمَا سِبَابٌ وَزَادَ عَلَيْهِ التَّعْيِيرُ فَتَكُونُ عَاطِفَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ قَالَ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ فَقُلْتُ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ أَيْ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ تَحْرِيمَهُ فَكَانَتْ تِلْكَ الْخَصْلَةُ مِنْ خِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَلِهَذَا قَالَ كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْأَدَبِ.

.

قُلْتُ عَلَى سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ نَعَمْ كَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَعَ كِبَرِ سِنِّهِ فَبَيَّنَ لَهُ كَوْنَ هَذِهِ الْخَصْلَةِ مَذْمُومَةً شَرْعًا وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَاوِي غُلَامَهُ فِي الْمَلْبُوسِ وَغَيْرِهِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْمُوَاسَاةِ لَا الْمُسَاوَاةَ وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَقِيَّةِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَعْدِيَةِ عيرته بِالْبَاء وَقد أنكرهُ بن قُتَيْبَةَ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَثْبَتَ آخَرُونَ أَنَّهَا لُغَةٌ وَقَدْ جَاءَ فِي سَبَبِ إِلْبَاسِ أَبِي ذَرٍّ غُلَامَهُ مِثْلَ لُبْسِهِ أَثَرٌ مَرْفُوعٌ أَصْرَحُ مِنْ هَذَا وَأَخَصُّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا ذَرٍّ عَبْدًا فَقَالَ أَطْعِمْهُ مِمَّا تَأْكُلُ وَأَلْبِسْهُ مِمَّا تَلْبَسُ وَكَانَ لِأَبِي ذَرٍّ ثَوْبٌ فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ فَأَعْطَى الْغُلَامَ نِصْفَهُ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ قُلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ قَالَ نعم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فَسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ
هذا ( باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] ، أي تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع ( فأصلحوا بينهما) بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى، وللأصيلي وأبي الوقت اقتتلوا الآية.
( فسماهم المؤمنين) ولابن عساكر مؤمنين مع تقاتلهم كذا في رواية الأصيلي وغيره فصل هذه الآية والحديث التالي لها بباب كما ترى، وأما رواية أبي ذر عن مشايخه فأدخل ذلك في الباب السابق بعد قوله { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملي.


[ قــ :31 ... غــ : 31 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ.
قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ».
[الحديث 31 - طرفاه في: 6875، 7083] .


وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العيشي بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبالشين المعجمة البصري، المتوفى سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائتين قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أبو إسماعيل الأزرق الأزدي البصري، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( ويونس) بن عبيد بن دينار البصري، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة كلاهما ( عن الحسن) أبي سعيد بن أبي الحسن الأنصاري البصري المتوفى سنة ست عشرة ومائة ( عن الأحنف) من الحنف وهو الاعوجاج في الرجل بالهملة والنون أبي بحر الضحاك ( بن قيس) بن معاوية المخضرم، المتوفى بالكوفة سنة سبع وستين في إمارة ابن الزبير أنه ( قال ذهبت لأنصر) أي لأجل أن أنصر ( هذا الرجل) هو على بن أبي طالب كما في مسلم من هذا الوجه، وأشار إليه المؤلف في الفتن بلفظ: أريد نصرة ابن عمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان ذلك يوم الجمل ( فلقيني أبو بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ابن الحرث بن كلدة بالكاف واللام المفتوحتين.
المتوفى بالبصرة سنة اثنتين وخمسين، وله في البخاري أربعة عشر حديثًا ( فقال: أين تريد؟ قلت) وللأصيلي فقلت: أريد مكانًا لأن السؤال عن المكان والجواب بالفعل فيؤوّل بذلك ( أنصر) أي لكي أنصر ( هذا الرجل.

قال: ارجع فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
حال كونه ( يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما) فضرب كل واحد منهما الآخر ( فالقاتل والمقتول في النار) إذا كان القاتل منهما بغير تأويل سائغ أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد وظن لإصلاح الدين فالمصيب منهما له أجران والمخطئ أجر، وإنما حمل أبو بكرة الحديث على عمومه في كل مسلمين التقيا بسيفيهما حسمًا للمادة، وقد رجع الأحنف عن رأي أبي بكرة في ذلك وشهد مع علي باقي حروبه، ولا يقال إن قوله فالقاتل والمقتول في النار يشعر بمذهب المعتزلة القائلين بوجوب العقاب للعاصي، لأن المعنى أنهما يستحقان وقد يعفى عنهما أو واحد منهما فلا يدخلان النار كما قال تعالى: { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] أي جزاؤه وليس بلازم أن يجازى.
قال أبو بكرة ( فقلت) وللأربعة وكريمة قلت ( يا رسول الله هذا القاتل) يستحق النار لكونه ظالمًا ( فما بال المقتول) وهو مظلوم؟ ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( إنه كان حريصًا على قتل صاحبه) مفهومه أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ولا تنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر "إذا همّ عبدي بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها عليه" لأن المراد أنه لم يوطن نفسه عليها بل مرت بفكره من غير استقرار، ورجال إسناد هذا الحديث كلهم بصريون وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم: أيوب والحسن والأحنف، واشتمل على التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الفتن، ومسلم وأبو داود والنسائي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ { وإنْ طَائِفَتَانِ مِنْ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ} )
الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه.
الأول: قَالَ الْكرْمَانِي: وَقع فِي كثير من نسخ البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة، وَحَدِيث أحنف، ثمَّ حَدِيث أبي ذَر فِي بابُُ وَاحِد بعد قَوْله تَعَالَى: { وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} ( النِّسَاء: 48 و 116) وَفِي بَعْضهَا على التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
قلت: التَّرْتِيب الأول وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر عَن مشايخه، لَكِن سقط حَدِيث أبي بكرَة من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَالتَّرْتِيب الثَّانِي الَّذِي مشينا عَلَيْهِ هُوَ رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره، وكل من الترتيبين حسن جيد.
الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول أَن مرتكب الْمعْصِيَة لَا يكفر بهَا، وَأَن صفة الْإِيمَان لَا تسلب عَنهُ، فَكَذَلِك فِي هَذَا الْبابُُ يبين مثل ذَلِك، لِأَن الْآيَة الْمَذْكُورَة فِيهِ فِي حق الْبُغَاة، وَقد سماهم الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ وَلم تسلب عَنْهُم صفة الْإِيمَان، وَبِهَذَا يرد على الْخَوَارِج والمعتزلة كَمَا ذكرنَا.
الثَّالِث: قَوْله: ( بابُُ) لَا يعرب إلاَّ بعد تركيبه مَعَ شَيْء آخر، بِأَن يُقَال: هَذَا بابُُ، وَنَحْو ذَلِك، ولايجوز إِضَافَته إِلَى مَا بعده.
الرَّابِع: فِي معنى الْآيَة وَإِعْرَابه.
فَقَوله { طَائِفَتَانِ} ( الحجرات: 9) تَثْنِيَة طَائِفَة، وَهِي الْقطعَة من الشَّيْء فِي اللُّغَة.
وَفِي ( الْعبابُ) : الطَّائِفَة من الشَّيْء الْقطعَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} ( النُّور: 2) قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا: الطَّائِفَة الْوَاحِد فَمَا فَوْقه، فَمن أوقع الطَّائِفَة على الْمُفْرد يُرِيد النَّفس الطَّائِفَة.

     وَقَالَ  مُجَاهِد: الطَّائِفَة الرجل الْوَاحِد إِلَى الْألف..
     وَقَالَ  عَطاء: أقلهَا رجلَانِ.
انْتهى..
     وَقَالَ  الزّجاج: الَّذِي عِنْدِي أَن أقل الطَّائِفَة اثْنَان، وَقد حمل الشَّافِعِي وَغَيره من الْعلمَاء الطَّائِفَة فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن على أوجه مُخْتَلفَة بِحَسب المواطن، فَهِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: { فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} ( التَّوْبَة: 122) وَاحِد فَأكْثر، وَاحْتج بِهِ فِي قبُول خبر الْوَاحِد، وَفِي قَوْله تَعَالَى: { وليشهد عذابهما طَائِفَة} ( النُّور: 2) أَرْبَعَة، وَفِي قَوْله تَعَالَى: { فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} ( النِّسَاء: 102) ثَلَاثَة، وَفرقُوا فِي هَذِه الْمَوَاضِع بِحَسب الْقَرَائِن، أما فِي الأولى، فَلِأَن الْإِنْذَار يحصل بِهِ، وَفِي الثَّانِيَة لِأَنَّهَا لبينة فِيهِ، وَفِي الثَّالِثَة لذكرهم بِلَفْظ الْجمع فِي قَوْله: { وليأخذوا أسلحتهم} ( النِّسَاء: 102) إِلَى آخِره، وَأقله ثَلَاثَة على الْمَذْهَب الْمُخْتَار فِي قَول جُمْهُور أهل اللُّغَة وَالْفِقْه وَالْأُصُول.
فَإِن قلت: فقد قَالَ الله تَعَالَى فِي آيَة الانذار: { ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم} ( التَّوْبَة: 122) وَهَذِه ضمائر جموع! قلت: إِن الْجمع عَائِد إِلَى الطوائف الَّتِي تَجْتَمِع من الْفرق قَوْله: ( وَإِن) للشّرط.
وَالتَّقْدِير: وَإِن اقتتل طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ.
وَقَوله: ( فأصلحوا) جَوَاب الشَّرْط.
الْخَامِس: دلّت الْآيَة أَن الْمُؤمن لَا يُخرجهُ فسقه ومعاصيه عَن الْمُؤمنِينَ، وَلَا يسْتَحق بذلك الخلود فِي النَّار، وَقد قَالَ الْعلمَاء: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على وجوب قتال الفئة الباغية على الإِمَام أَو على آحَاد الْمُسلمين، وعَلى فَسَاد قَول من منع من قتال الْمُؤمنِينَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( سبابُ الْمُؤمن فسوق وقتاله كفر) ، بل هُوَ مَخْصُوص بِغَيْر الْبَاغِي لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِهِ فِي الْآيَة، فَلَو كَانَ كفرا لما أَمر بِهِ، بل الحَدِيث مَعَ حَدِيث أبي بكرَة، رَضِي الله عَنهُ، الْمَذْكُور فِي الْبابُُ مَحْمُول على قتال العصبية وَنَحْوه، وَقد ذكر الواحدي وَغَيره أَن سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة مَا جَاءَ عَن أنس، قَالَ: ( قيل: يَا نَبِي الله لَو أتيت عبد الله بن أبي، فَانْطَلق إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يركب حِمَاره، وَانْطَلق الْمُسلمُونَ يَمْشُونَ، وَهِي أَرض سبخَة، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِلَيْك، فوَاللَّه لقد آذَانِي نَتن حِمَارك، فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: وَالله لحِمَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطيب ريحًا مِنْك، فَغَضب لعبد الله رجل من قومه، وَغَضب لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَصْحَابه، وَكَانَ بَينهمَا ضرب بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنعال) .
فَإِن قلت: قَالَ أَولا: اقْتَتَلُوا، بِلَفْظ الْجمع، وَثَانِيا: بَينهمَا، بِلَفْظ التَّثْنِيَة فَمَا تَوْجِيهه؟ قلت: نظر فِي الأول إِلَى الْمَعْنى، وَفِي الثَّانِي إِلَى اللَّفْظ، وَذَلِكَ سَائِغ ذائع، وَقَرَأَ ابْن أبي عبلة: اقتتلتا، وَقَرَأَ عمر بن عبيد: اقتتلا، على تَأْوِيل الرهطين أَو النفرين.
قَوْله: ( فسماهم الْمُؤمنِينَ) أَي: سمى الله تَعَالَى أهل الْقِتَال مُؤمنين، فَعلم أَن صَاحب الْكَبِيرَة لَا يخرج عَن الْإِيمَان.



[ قــ :31 ... غــ :31 ]
- حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ حدّثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حدّثنا أيُّوبُ ويُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قالَ ذَهَبْتُ لاَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أيْنَ تُرِيدُ.

.

قُلْتُ أنُصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قالَ ارْجِعْ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتلُ والمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَقُلْتُ يَا رسولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ كانَ حَرِيصا على قَتْلِ صاحِبهِ.

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الْبابُُ فِي إِطْلَاق إسم الْمُؤمن على مرتكب الْمعْصِيَة والْحَدِيث بصريحه يدل على هَذَا مَا لَا يخفى.

بَيَان رِجَاله: وهم سَبْعَة.
الأول: عبد الله بن الْمُبَارك بن عبد الله العيشي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة أَبُو بكر وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ: روى عَن وهب بن خَالِد وَحَمَّاد بن زيد وَغَيرهمَا.
روى عَنهُ البُخَارِيّ وَأَبُو زرْعَة وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو حَاتِم.

     وَقَالَ  صَدُوق.
وروى النَّسَائِيّ عَن رجل عَنهُ وَلم يرو لَهُ مُسلم شَيْئا.
توفّي سنة ثَمَان أَو تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد بن دِرْهَم أَبُو إِسْمَاعِيل الْأَزْرَق الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ مولى آل جرير بن حَازِم، سمع ثَابت الْبنانِيّ وَابْن سِيرِين وَعَمْرو بن دِينَار وَيحيى الْقطَّان وَأَيوب وخلقا كثيرا.
روى عَنهُ السُّفْيانَانِ وَابْن الْمُبَارك وَيحيى الْقطَّان ووكيع وَغَيرهم قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: أَئِمَّة النَّاس فِي زمانهم أَرْبَعَة: سُفْيَان الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ، وَمَالك بالحجاز، وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام وَحَمَّاد بن زيد بِالْبَصْرَةِ وَمَا رَأَيْت أعلم من حَمَّاد بن زيد وَلَا سُفْيَان وَلَا مَالك.

     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَ حَمَّاد بن زيد ثِقَة ثبتا حجَّة كثير الحَدِيث وَأنْشد ابْن الْمُبَارك فِيهِ.

( أَيهَا الطَّالِب علما ... ائْتِ حَمَّاد بن زيد)

( فَخذ الْعلم بحلم ... ثمَّ قَيده بِقَيْد)

( ودع الْبِدْعَة من آ ... ثار عَمْرو بن عبيد)

ولد سنة ثَمَان وَتِسْعين، وَتُوفِّي سنة تسع وَسبعين وَمِائَة، وَهُوَ ابْن إِحْدَى وَثَمَانِينَ سنة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، وَقد مر ذكره.
الرَّابِع: يُونُس بن عبيد بن دِينَار الْبَصْرِيّ، رأى أنس بن مَالك، وَرَأى الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَغَيرهمَا، روى عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ والحمادان وَغَيرهم، قَالَ أَحْمد وَيحيى: ثِقَة توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الْخَامِس: أَبُو سعيد الْحسن بن أبي الْحسن الْأنْصَارِيّ، مَوْلَاهُم الْبَصْرِيّ، وَمولى زيد بن ثَابت، وَيُقَال: مولى أبي الْيُسْر الْأنْصَارِيّ، وَيُقَال: مولى جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَأمه إسمها الْخيرَة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، مولاة لأم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولد لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَقيل: إِن أمه رُبمَا كَانَت تغيب فيبكي الْحسن، فتعطيه أم سَلمَة، أم الْمُؤمنِينَ، ثديها تعلله إِلَى أَن تَجِيء أمه، فيدر ثديها فيشربه، فيرون تِلْكَ الفصاحة وَالْحكمَة من بركتها.
وَنَشَأ الْحسن بوادي الْقرى،.

     وَقَالَ  الْحسن: غزونا خُرَاسَان ومعنا ثَلَاث مائَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
سمع ابْن عمر وأنسا وَسمرَة وَقيس بن عَاصِم وَغَيرهم من الصَّحَابَة، وَعَن الفضيل بن عِيَاض قَالَ: سَأَلت هِشَام بن حسان: كم أدْرك الْحسن من الصَّحَابَة؟ قَالَ: مائَة وَثَلَاثِينَ.
قَالَ: وَابْن سِيرِين قَالَ: ثَلَاثِينَ، وَلم يَصح لِلْحسنِ سَماع عَن عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ ابْن معِين: لم يسمع الْحسن من أبي بكرَة ولامن جَابر بن عبد الله وَلَا من أبي هُرَيْرَة.
وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة: ألقِي الْحسن أحدا من الْبَدْرِيِّينَ؟ قَالَ: رَآهُمْ رُؤْيَة، رأى عُثْمَان وعليا، قيل لَهُ: سمع مِنْهُمَا؟ قَالَ: لَا، كَانَ الْحسن يَوْم بُويِعَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ، ابْن أَربع عشرَة سنة، رأى عليا بِالْمَدِينَةِ ثمَّ خرج عَليّ إِلَى الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَلم يلقه الْحسن بعد ذَلِك.
قَالَ أَبُو زرْعَة: لم يسمع الْحسن من أبي هُرَيْرَة وَلَا رَآهُ، وَمن قَالَ فِي الحَدِيث عَن الْحسن: ثَنَا أَبُو هُرَيْرَة، فقد أَخطَأ، وَلم يسمع من ابْن عَبَّاس، وَسمع من ابْن عمر حَدِيثا وَاحِدًا، وَعَن أبي رَجَاء قَالَ: قلت لِلْحسنِ: مَتى خرجت من الْمَدِينَة؟ قَالَ: عَام صفّين.
قلت: فَمَتَى احْتَلَمت؟ قَالَ: عَام صفّين..
     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَ الْحسن جَامعا عَالما فَقِيها ثِقَة مَأْمُونا عابدا ناسكا كثير الْعلم فصيحا جميلاً وسيما، قدم مَكَّة فَأَجْلَسُوهُ وَاجْتمعَ النَّاس إِلَيْهِ، فيهم طَاوس وَعَطَاء وَمُجاهد وَعَمْرو بن شُعَيْب، فَحَدثهُمْ فَقَالُوا أَو قَالَ بَعضهم: لم نر مثل هَذَا قطّ.
توفّي سنة سِتّ عشرَة وَمِائَة، وَتُوفِّي بعده ابْن سِيرِين بِمِائَة يَوْم، روى لَهُ الْجَمَاعَة.

فَائِدَة: روى لَهُ البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا عَن الْحسن عَن الْأَحْنَف، وَرَوَاهُ فِي الْفِتَن عَن الْحسن، وَأنكر يحيى بن معِين وَالدَّارَقُطْنِيّ سَماع الْحسن من أبي بكرَة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: بَينهمَا الْأَحْنَف، وَاحْتج بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَكَذَا رَوَاهُ هِشَام بن الْمُعَلَّى بن زِيَاد عَن الْحسن، وَذهب غَيرهمَا إِلَى صِحَة سَمَاعه مِنْهُ، وَاسْتدلَّ بِمَا أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن فِي بابُُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( إِن ابْني هَذَا سيد) عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن إِسْرَائِيل، فَذكر الحَدِيث وَفِيه: قَالَ الْحسن: ( لقد سَمِعت أَبَا بكرَة قَالَ: بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب) قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: إِنَّمَا صَحَّ عندنَا سَماع الْحسن من أبي بكرَة بِهَذَا الحَدِيث.
قَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ: هَذَا الْحسن الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي قَالَ فِيهِ: سَمِعت أَبَا بكرَة إِنَّمَا هُوَ الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله عَنْهُمَا، وَلَيْسَ بالْحسنِ الْبَصْرِيّ، فَمَا قَالَه غير صَحِيح وَالله أعلم.

السَّادِس: الْأَحْنَف، بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّون، هُوَ أَبُو بَحر بن قيس، واسْمه الضَّحَّاك، وَقيل: صَخْر بن قيس بن مُعَاوِيَة بن حصن بن حَفْص بن عبَادَة بن النزال بن مرّة بن عبيد بن مقاعس

بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة من تَمِيم، هولد وَهُوَ أحنف وَهُوَ الأعوج من الحنف وَهُوَ الاعوجاج فِي الرِّجل، وَهُوَ أَن يَنْفَتِل إِحْدَى الإبهامين من إِحْدَى الرجلَيْن على الْأُخْرَى، وَقيل: هُوَ الَّذِي يمشي على ظهر قدمه من شقها الَّذِي يَلِي خنصرها أدْرك زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم على عَهده وَلم يره، وَفد إِلَى عمر، رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي افْتتح مرو الروذ، وَكَانَ الإمامان الْحسن وَابْن سِيرِين فِي جَيْشه.
وَولد الْأَحْنَف ملتزق الأليتين حَتَّى شقّ مَا بَينهمَا، وَكَانَ أَعور، سمع عمر وعليا وَالْعَبَّاس وَغَيرهم، وَعنهُ الْحسن وَغَيره.
مَاتَ بِالْكُوفَةِ سنة سبع وَسِتِّينَ فِي إِمَارَة ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ.
السَّابِع: أَبُو بكرَة، واسْمه نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء، بن الْحَارِث بن كلدة، بِالْكَاف وَاللَّام المفتوحتين، ابْن عمر بن علاج بن أبي سَلمَة، وَهُوَ عبد الْعُزَّى بن غيرَة، بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف، ابْن عَوْف بن قسي، بِفَتْح الْقَاف وَكسر السِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ ثَقِيف بن مُنَبّه الثَّقَفِيّ، وَقيل: نفيع بن مسروح مولى الْحَارِث بن كلدة طَبِيب رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقيل: اسْمه مسروح.
وَأمه: سميَّة، أمة لِلْحَارِثِ بن كلدة، وَهُوَ أَخُو زِيَاد لأمه، وَهُوَ مِمَّن نزل يَوْم الطَّائِف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حصن الطَّائِف فِي بكرَة وكني: أَبَا بكرَة وَأعْتقهُ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ مَعْدُود فِي موَالِيه، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وصالحيهم، وَلم يزل مُجْتَهدا فِي الْعِبَادَة حَتَّى توفّي بِالْبَصْرَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، مائَة حَدِيث واثنين وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، اتفقَا على ثَمَانِيَة، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِخَمْسَة، وَمُسلم بِحَدِيث.
روى عَنهُ ابناه وَالْحسن الْبَصْرِيّ والأحنف، روى لَهُ الْجَمَاعَة.

بَيَان لطائف إِسْنَاده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
وَمِنْهَا: أَن فيهم ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض وهم: الْأَحْنَف وَالْحسن وَأَيوب.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه أَيْضا فِي الْفِتَن عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب ثَنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن رجل لم يسمع عَن الْحسن قَالَ: خرجت بسلاحي، وَسَاقه إِلَى إِن قَالَ: قَالَ حَمَّاد بن زيد، فَذكرت هَذَا الحَدِيث لأيوب وَيُونُس بن عبيد الله وَأَنا أُرِيد أَن يحدثاني بِهِ، فَقَالَا: إِنَّمَا روى هَذَا الْحسن عَن الْأَحْنَف بن قيس عَن أبي بكرَة.
قَالَ البُخَارِيّ: ثَنَا سُلَيْمَان قَالَ: ثَنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب وَيُونُس عَن الْحسن عَن الْأَحْنَف، قَالَ: خرجت ... الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم بطرِيق غير هَذِه وَلَفظ آخر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله: ( فَمَا بَال الْمَقْتُول) أَي: فَمَا حَاله وشأنه؟ وَهُوَ من الأجوف الواوي.
قَوْله: ( حَرِيصًا) من الْحِرْص، وَهُوَ الجشع.
وَقد حرص على الشَّيْء يحرص، مِثَال: ضرب يضْرب، وحرص يحرص، مِثَال: سمع يسمع، وَمِنْه قِرَاءَة الْحسن الْبَصْرِيّ وَأَبُو حَيْوَة، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَأبي الْبر هشيم { أَن تحرص على هدَاهُم} ( النَّحْل: 37) بِفَتْح الرَّاء.
قَوْله: ( لأنصر) أَي: لأجل أَن أنْصر، وَأَن، المصدرية مقدرَة بعد اللَّام.
قَوْله: ( فَإِنِّي سَمِعت) الْفَاء فِيهِ تصليح للتَّعْلِيل.
قَوْله: ( يَقُول) : جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال.
قَوْله: ( فالقاتل) الْفَاء جَوَاب: إِذا.
قَوْله: ( هَذَا الْقَاتِل) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مُبْتَدأ وَخبر، أَي: هَذَا يسْتَحق النَّار لِأَنَّهُ قَاتل، فالمقتول لِمَ يَسْتَحِقهَا وَهُوَ مظلوم؟ قلت: الأولى أَن يُقَال: هَذَا، مُبْتَدأ، و: الْقَاتِل، مُبْتَدأ ثَان، وَخَبره مَحْذُوف، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَالتَّقْدِير: هَذَا الْقَاتِل يسْتَحق النَّار لكَونه ظَالِما! فَمَا بَال الْمَقْتُول وَهُوَ مظلوم؟ وَنَظِيره: هَذَا زيد عَالم، وَقد علم أَن الْمُبْتَدَأ إِذا اتَّحد بالْخبر لَا يحْتَاج إِلَى ضمير، وَمِنْه قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير} ( الْأَعْرَاف: 26) وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: ( أفضل مَا قلت، أَنا والنبيون من قبلي: لَا إِلَه إِلَّا الله) .

بَيَان الْمعَانِي وَالْأَحْكَام: قَوْله: ( انصر هَذَا الرجل) يَعْنِي: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ يَعْنِي: عليا، وَوَقع للْبُخَارِيّ فِي الْفِتَن: ( أُرِيد نصْرَة ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَقيل: يَعْنِي عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، قلت: هَذَا بعيد، وَيَردهُ مَا فِي الصَّحِيح.
قَوْله: ( إِذا التقى المسلمان بسيفيهما) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ( إِذا توجه المسلمان) ، أَي: إِذا ضرب كل وَاحِد مِنْهُمَا وَجه صَاحبه، أَي: ذَاته وَجُمْلَته.
قَوْله: ( فالقاتل والمقتول فِي النَّار) قَالَ عِيَاض وَغَيره: مَعْنَاهُ إِن جازاهما الله تَعَالَى وعاقبهما كَمَا هُوَ مَذْهَب أهل السّنة، وَهُوَ أَيْضا مَحْمُول على غير المتأول، كمن قَاتل لمعصية أَو غَيرهَا مِمَّا يشبهها، وَيُقَال: معنى الْقَاتِل والمقتول فِي النَّار، أَنَّهُمَا يستحقانها، وَأَمرهمَا إِلَى الله عز وَجل، كَمَا هُوَ مُصَرح بِهِ فِي حَدِيث عبَادَة: ( فَإِن شَاءَ عَفا عَنْهُمَا، وَإِن شَاءَ عاقبهما، ثمَّ أخرجهُمَا من النَّار فأدخلهما الْجنَّة) ، كَمَا ثَبت فِي حَدِيث أبي سعيد وَغَيره فِي العصاة الَّذين يخرجُون من النَّار فينبتون كَمَا تنْبت الْحبَّة فِي جَانب السَّيْل، وَنَظِير هَذَا الحَدِيث فِي الْمَعْنى قَوْله تَعَالَى: { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} ( النِّسَاء: 93) مَعْنَاهُ: هَذَا جَزَاؤُهُ، وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يجازى.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْقِتَال فِي الْفِتْنَة: فَمنع بَعضهم الْقِتَال فِيهَا وَإِن دخلُوا عَلَيْهِ، عملا بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث، وَبِحَدِيث أبي بكرَة فِي صَحِيح مُسلم الطَّوِيل: ( إِنَّهَا سَتَكُون فتن) الحَدِيث..
     وَقَالَ  هَؤُلَاءِ: لَا يُقَاتل، وَإِن دخلُوا عَلَيْهِ وطلبوا قَتله، وَلَا تجوز لَهُ المدافعة عَن نَفسه لِأَن الطَّالِب متأول، وَهَذَا مَذْهَب أبي بكرَة وَغَيره.
وَفِي ( طَبَقَات) ابْن سعد مثله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ،.

     وَقَالَ  عمرَان بن حُصَيْن وَابْن عَمْرو وَغَيرهمَا: لَا يدْخل فِيهَا، فَإِن قصدُوا دفع عَن نَفسه..
     وَقَالَ  مُعظم الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَغَيرهمَا: يجب نصر الْحق وقتال الباغين لقَوْله تَعَالَى: { فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} ( الحجرات: 9) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، ويتأول أَحَادِيث الْمَنْع على من لم يظْهر لَهُ الْحق، أَو على عدم التَّأْوِيل لوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ الْأَولونَ لظهر الْفساد واستطالوا، وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ أهل السّنة الْإِمْسَاك عَمَّا شجر بَين الصَّحَابَة، وَحسن الظَّن بهم، والتأويل لَهُم، وَأَنَّهُمْ مجتهدون متأولون لم يقصدوا مَعْصِيّة وَلَا مَحْض الدُّنْيَا، فَمنهمْ المخطىء فِي اجْتِهَاده والمصيب، وَقد رفع الله الْحَرج عَن الْمُجْتَهد المخطىء فِي الْفُرُوع، وَضعف أجر الْمُصِيب، وَتوقف الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي تعْيين المحق مِنْهُم، وَصرح بِهِ الْجُمْهُور وَقَالُوا: إِن عليا، رَضِي الله عَنهُ، وأشياعه كَانُوا مصيبين إِذا كَانَ أَحَق النَّاس بهَا، وَأفضل من على وَجه الدُّنْيَا حِينَئِذٍ.
قَوْله: ( إِنَّه كَانَ حَرِيصًا على قتل صَاحبه) وَفِي رِوَايَة: إِنَّه قد أَرَادَ قتل صَاحبه.
قَالَ القَاضِي: فِيهِ حجَّة للْقَاضِي أبي بكر بن الطّيب، وَمن قَالَ بقوله: إِن الْعَزْم على الذَّنب وَالْعقد على عمله مَعْصِيّة بِخِلَاف الْهم المعفو عَنهُ، قَالَ: وللمخالف لَهُ أَن يَقُول: هَذَا قد فعل أَكثر من الْعَزْم، وَهُوَ المواجهة والقتال..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَالْأول هُوَ الصَّحِيح.
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن من نوى الْمعْصِيَة وأصر عَلَيْهَا يكون آثِما، وَإِن لم يعملها وَلَا تكلم.
قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن من عزم على الْمعْصِيَة بِقَلْبِه ووطن نَفسه عَلَيْهَا أَثم فِي اعْتِقَاده وعزمه، وَلِهَذَا جَاءَ بِلَفْظ الْحِرْص فِيهِ، وَيحمل مَا وَقع من نَحْو قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ( إِن الله تجَاوز لأمتي عَن مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم يتكلموا أَو يعلمُوا بِهِ) .
وَفِي الحَدِيث الآخر: ( إِذا هم عَبدِي بسيئة فَلَا تكتبوها عَلَيْهِ) ، على أَن ذَلِك فِيمَا إِذا لم يوطن نَفسه عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا مر ذَلِك بفكره من غير اسْتِقْرَار، وَيُسمى هَذَا هما وَيفرق بَين الْهم والعزم، وَإِن عزم تكْتب سَيِّئَة، فَإِذا عَملهَا كتبت مَعْصِيّة ثَانِيَة.

الأسئلة والأجوبة: مِنْهَا مَا قيل: فِي قَوْله ( انصر هَذَا الرجل) إِن السُّؤَال عَن الْمَكَان وَالْجَوَاب عَن الْفِعْل، فَلَا تطابق بَينهمَا.
وَأجِيب: بِأَن المُرَاد: أُرِيد مَكَانا انصر فِيهِ.
وَمِنْهَا مَا قيل: الْقَاتِل والمقتول من الصَّحَابَة فِي الْجنَّة إِن كَانَ قِتَالهمْ من الِاجْتِهَاد الْوَاجِب اتِّبَاعه.
وَأجِيب: بِأَن ذَلِك عِنْد عدم الِاجْتِهَاد وَعدم ظن أَن فِيهِ الصّلاح الديني أما إِذا اجْتهد وَظن الصّلاح فِيهِ، فهما مأجوران مثابان، من أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَمن أَخطَأ فَلهُ أجر، وَمَا وَقع بَين الصَّحَابَة هُوَ من هَذَا الْقسم، فَالْحَدِيث لَيْسَ عَاما.
وَمِنْهَا مَا قيل: لم منع أَبُو بكرَة الْأَحْنَف مِنْهُ، وَلم امْتنع بِنَفسِهِ مِنْهُ؟ وَأجِيب: بِأَن ذَلِك أَيْضا اجتهادي، فَكَانَ يُؤَدِّي اجْتِهَاده إِلَى الِامْتِنَاع وَالْمَنْع، فَهُوَ أَيْضا مثاب فِي ذَلِك.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِن لَفْظَة ( فِي النَّار) مشعرة بحقية مَذْهَب الْمُعْتَزلَة، حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوب الْعقَاب للعاصي وَأجِيب: بِالْمَنْعِ لِأَن مَعْنَاهُ: حَقّهمَا أَن يَكُونَا فِي النَّار، وَقد يعْفُو الله عَنهُ، وَقد مر تَحْقِيقه عَن قريب.
وَمِنْهَا مَا قيل: لِمَ أَدخل الْحِرْص على الْقَتْل وَهُوَ صَغِيرَة فِي سلك الْقَتْل وَهُوَ كَبِيرَة؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ أدخلهما فِي سلك وَاحِد فِي مُجَرّد كَونهمَا سَببا لدُخُول النَّار فَقَط، وَإِن تَفَاوتا صغرا وكبرا وَغير ذَلِك.
وَمِنْهَا مَا قيل: إِنَّمَا سمى الله الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْآيَتَيْنِ: مُؤمنين، وسماهما النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي الحَدِيث: مُسلمين، حَال الالتقاء لَا حَال الْقِتَال وَبعده وَأجِيب: بِأَن دلَالَة الْآيَة ظَاهِرَة، فَإِن فِي قَوْله تَعَالَى: { فأصلحوا بَين أخويكم} ( لُقْمَان: 13) سماهما الله أَخَوَيْنِ وَأمر بالاصلاح بَينهمَا، وَلِأَنَّهُمَا عاصيان قبل الْقِتَال، وَهُوَ من حِين سعيا إِلَيْهِ وقصداه، وَأما الحَدِيث فَمَحْمُول على معنى الْآيَة، وَالله أعلم.