هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3187 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى ، هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَلِمَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ ؟ - أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ ؟ - قَالَ : أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ ، قُلْتُ : فَكَيْفَ أُمِرَ النَّاسُ بِالْوَصِيَّةِ ؟ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ ، قُلْتُ : كَيْفَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ ؟
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو فلم أمروا بالوصية ؟ قال : أوصى بكتاب الله عز وجل ، وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، ح وحدثنا ابن نمير ، حدثنا أبي ، كلاهما عن مالك بن مغول ، بهذا الإسناد مثله ، غير أن في حديث وكيع ، قلت : فكيف أمر الناس بالوصية ؟ وفي حديث ابن نمير ، قلت : كيف كتب على المسلمين الوصية ؟
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Talha b. Musarrif reported:

I asked 'Abdullah b. Abu Aufa whether Allah's Messenger (ﷺ) had made any will (in regard to his property). He said: NO. I said: Then why has making of will been made necessary for the Muslims, or why were they commanded to make will? Thereupon he said: He made the will according to the Book of Allah, the Exalted and Majestic.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا.
قلت: فلم كتب على المسلمين الوصية أو فلم أمروا بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله عز وجل.


المعنى العام

إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، وتأهب للموت وما بعده، ولا تنتظر حتى يأتي فتقول: { { رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون } } [المنافقون: 10، 11] .

تصدق، واكتب وصيتك وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تهمل، حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا.
ولفلان كذا.
ولفلان كذا.
وقد خرج المال من يديك، ولم يعد ملكك ولم يعد لك التصرف فيه، فقد صار لفلان وفلان وفلان من ورثتك.

إن مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت، وليس مال وارثك أحب إليك من مالك، فأوص في سبيل الله وقدم لآخرتك ما ينفعك، وكن مثل سعد بن أبي وقاص لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بكل ماله، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض أن يتصدق بثلثي ماله، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: يا رسول الله ليس لي إلا ابنة، هي التي ترثني؟ أأتصدق بنصف مالي؟ وأترك لها نصفه؟ قال: لا تصدق بالثلث، والثلث كثير.
إنك إن تترك ورثتك أغنياء كان لك أجر على ما أبقيت لهم من مال، وأنفق في حياتك من مالك على زوجك وبنتك والأقربين، فما أنفقت من نفقة تبتغي بها وجه الله إلا كان لك بها أجر حتى اللقمة التي تأكلها زوجتك أو بنتك، لك فيها أجر.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشتري أرضًا زراعية في أحسن أرض، فكانت أحب أمواله إليه، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير السبل لتكون في سبيل الله، فأشار عليه بأن يوقف أصلها، ويتصدق بريعها ونتاجها.

فالكيس الكيس، والعقل العقل، والمبادرة المبادرة، قبل أن تنتظر من ابنك أو ورثتك أن يتصدق عليك بعد موتك، وإن وصلك أجر صدقته، فلن يكون مثل أجر ما تخرج يداك.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارًا ولا درهمًا ولا شاة ولا بعيرًا، وهو الذي وزع آلاف الدنانير وآلاف الإبل والشاة على أصحابه، فكانت وصيته كتاب الله والعمل به، وكانت وصيته نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وكانت وصيته ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين، إلا ووصيته مكتوبة عنده صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.

المباحث العربية

(الوصية) جمعه وصايا، كهدية وهدايا، وتطلق على فعل الموصي، وعلى ما يوصي به من مال أو عهد، أو غير ذلك، فتكون بمعنى المصدر، وهو الإيصاء، وتكون بمعنى المفعول، وهو الاسم، وفي الشرع: عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت، وهو يصحبه التبرع، كما في وصية سعد، ووصية عمر، رضي الله عنهما، قال الأزهري: الوصية من وصيت الشيء، بالتخفيف، أوصيه، إذا وصلته، وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته، ويقال: وصية بتشديد الياء، ووصاة، بالتخفيف بغير همزة.
وتطلق شرعًا - في غير هذا الموضوع - على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات.

(ما حق امرئ مسلم) ما نافية والحق لغة الشيء الثابت، والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبًا أو مندوبًا، والمرء هو الرجل، لكن التعبير به هنا خرج مخرج الغالب، إذ لا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة، وكذلك الوصف بالمسلم خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، أو ذكر للتهييج، لتقع المبادرة بالامتثال، لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك.

(له شيء يريد أن يوصي فيه) وفي ملحق الرواية الأولى له شيء يوصي فيه بكسر الصاد، وعند أحمد له ما يوصي فيه وفي رواية له مال ورواية شيء أشمل من رواية مال لأنها تعم ما يتمول، وما لا يتمول، كالمختصات، وجملة يريد أن يوصي فيه أو يوصي فيه صفة شيء.

(يبيت ليلتين) جملة فعلية، صفة أخرى لامرئ، وفي الرواية الثانية، ثلاث ليال قال الحافظ ابن حجر.
وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج، لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها، ففسح له هذا القدر، ليتذكر ما يحتاج إليه، واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب، لا التحديد، والمعنى: لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلاً، إلا ووصيته مكتوبة، وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير، وكأن الثلاث غاية التأخير، قال الطيبي: أي لا ينبغي أن يبيت زمانًا ما، وقد سامحناه في الليلتين والثلاث، فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك.

(إلا ووصيته مكتوبة عنده) أي بشروطها، والجملة مبتدأ وخبر، مستثنى من عموم الأحوال، أي لا ينبغي لمسلم المبيت ليلتين على حال من الأحوال إلا على حال كتابة وصيته، وهل لفظ مكتوبة مقصود؟ يأتي التفصيل والشروط في فقه الحديث.

(عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع) في بعض الروايات في فتح مكة أخرجها الترمذي وغيره، وهو وهم باتفاق الحفاظ، وفي الرواية السادسة دخل على سعد يعوده بمكة أي في حجة الوداع، وقال الحافظ ابن حجر: أخرج أحمد والبزار والطبراني والبخاري في التاريخ وابن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم، فخلف سعدًا مريضًا حيث خرج إلى حنين، فلما فقدم الجعرانة معتمرًا دخل عليه وهو مغلوب، فقال: يا رسول الله، إن لي مالاً، وإني أورث كلالة، أفأوصي بمالي؟ ....
الحديث، وفيه: قلت: يا رسول الله أموت أنا بالدار التي خرجت منها مهاجرًا؟ قال: لا.
إني لأرجو أن يرفعك الله، حتى ينتفع بك أقوام الحديث.
قال الحافظ: ويمكن الجمع بين الروايتين، بأن يكون ذلك وقع له مرتين، مرة عام الفتح، ومرة عام حجة الوداع، ففي الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلاً، وفي الثانية كانت له ابنة فقط.
اهـ.

وفي هذا الجمع نظر، إذ من المستبعد أن يقال له: الثلث والثلث كثير، حيث لا ولد له، ويسأل بعد ذلك أن يتصدق بكل ماله وله ولد، فالحق أن رواية حجة الوداع هي المعتمدة، وقد اشتبه على بعض الرواة وقت زيارته في مرضه بمكة، فوهم.

والظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاده بناء على طلبه، ففي الرواية الرابعة، مرضت، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(من وجع أشفيت منه على الموت) الوجع اسم لكل مرض، ومعنى أشفيت منه على الموت أشرفت منه على الموت، وقاربته، يقال: شفت الشمس شفوا، قاربت الغروب، وشفى الله العليل شفاء، أبرأه من علته، وأشفي المريض على الموت قاربه، وأشاف الشيء، طال وأشرف.

(ولا يرثني إلا ابنة واحدة)، كان لسعد في ذلك الوقت، ورثة آخرون، عصبات من بني زهرة، وكانوا كثيرًا، لهذا وجه العلماء هذه العبارة توجيهًا يتفق مع الواقع، فقال النووي: أي لا يرثني من الولد، وخواص الورثة، إلا ابنة، وقيل: معناه: لا يرثني من أصحاب الفروض إلا ابنة، وقيل: معناه: لا يرثني ممن أخاف عليه الضياع والعجز إلا ابنة، أو ظن أنها ترث جميع المال، أو استكثر عليها نصف التركة، أما بعد هذا الوقت فقد كان لسعد بنات أخريات، قيل: إحدى عشرة بنتًا، أمهاتهن متأخرات الإسلام، كما كان له أبناء، هم: عامر بن سعد، راوي الحديث عن أبيه، وإبراهيم ومصعب وعمر ومحمد وعبد الله وعبد الرحمن وعمران وصالح وعثمان وإسحق ويحيى وعمير، وغيرهم.
كذا وقع في كلام بعض الشيوخ.

وكان سعد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وآخرهم موتًا، توفي سنة خمس وخمسين على الأشهر، من السابقين إلى الإسلام، وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر للخلافة من بعده، وقال عنه عمر آنذاك: إن أصابته الإمرة فذاك، وإلا فليستعن به الوالي، وكان رأس من فتح العراق، وولي الكوفة لعمر، وهو الذي بناها، وهو الذي فتح مدائن كسرى، ولما قتل عثمان اعتزل الفتنة، ولزم بيته، وكان مجاب الدعوة، مات بالعقيق، وحمل إلى المدينة، فصلى عليه في المسجد صلى الله عليه وسلم.

(أفأتصدق بثلثي مالي؟) المراد من الصدقة الوصية في وجوه البر، كما جاء في الرواية السادسة، ولفظها أفأوصي بمالي كله؟ والفاء عاطفة على محذوف، والتقدير: هل تدعني أقسم مالي حيث شئت فأتصدق بمالي كله؟ قال: لا.
قال: إذا لم تصرح لي بالتصدق بمالي كله فهل تسمح لي بالتصدق بثلثي مالي؟.

(الثلث.
والثلث كثير)
كثير بالثاء، وفي بعض النسخ كبير بالباء، وكلاهما صحيح، قال القاضي: يجوز نصب الثلث الأول ورفعه، أما النصب فعلى الإغراء، أو على تقدير فعل محذوف، نحو أعط وأما الرفع فعلى أنه فاعل، أي يكفيك الثلث، أو أنه مبتدأ، حذف خبره، أي الثلث كاف، أو خبر محذوف المبتدأ أي المرخص به الثلث.

وفي الرواية الرابعة قلت: فالثلث؟ قال: فسكت بعد الثلث أي سكتة لطيفة ثم قال: الثلث.
والثلث كثير.

(فكان - بعد - الثلث جائزًا) أي فكانت الوصية بالثلث جائزة بعد هذا التصريح، وهو من كلام سعد، وقيل: هو كلام من دونه من الرواة.

(إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير....
)
قال القاضي: روينا إن تذر بفتح الهمزة وكسرها، وكلاهما صحيح، يعني بالفتح تكون للتعليل، وبالكسر تكون للشرط، وجواب الشرط تقديره فهو خير، فحذفت الفاء والمبتدأ.

قال الزين بن المنير: إنما عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة ولم يقل: أن تذر بنتك، مع أنه لم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة، لكون الوارث حينئذ لم يتحقق، لأن سعدًا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض، وبقائها بعده حتى ترثه، وكان من الجائز أن تموت هي قبله، فأجاب صلى الله عليه وسلم بكلام مطابق لكل حالة، وهو قوله ورثتك ولم يخص بنتًا من غيرها، وقال الفاكهي: إنما عبر صلى الله عليه وسلم بالورثة لأنه اطلع على أن سعدًا سيعيش، ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة، وكان كذلك، وقال الحافظ ابن حجر: إن ميراث سعد لم يكن منحصرًا في بنته آنذاك، فقد كان لآخيه عتبة بن أبي وقاص - إذ ذاك - أولاد، منهم هاشم بن عتبة الصحابي، الذي قتل بصفين، فجاز التعبير بالورثة لتدخل البنت وغيرها ممن يرث، لو وقع موته إذ ذاك، أو بعد ذلك.

وفي الرواية السادسة وإنك إن تدع أهلك بخير أو قال بعيش.

(من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) العالة الفقراء، جمع عائل، وهو الفقير، من عال يعيل إذا افتقر، والتكفف بسط الكف للسؤال، أو يسأل الناس كفافًا من الطعام، يقال: تكفف السائل إذا بسط كفه بالمسألة، وتكفف الرجل الشيء، إذا أخذه بكفه، وتكفف الناس سألهم.

(حتى اللقمة تضعها في في امرأتك) تؤجر عليها، فحتى ابتدائية، واللقمة مبتدأ، وجملة تضعها صفة، وفي الأولى حرف جر، وفي الثانية هي الفم حذفت منه الميم، وياؤها علامة الجر، والخبر محذوف، للعلم به مما قبله.

(أخلف بعد أصحابي؟) أخلف بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد اللام المفتوحة، والكلام على الاستفهام، والمعنى: هل يخلفني أصحابي بمكة بسبب مرضي، ويرجعون معك إلى المدينة؟ قاله إشفاقًا أن يحرم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم والأصحاب في العودة، أو خوفًا أن يموت بمكة، وقد هاجر منها، فيكون كسعد بن خولة، يؤيد الاحتمال الثاني ما جاء في ملحق الرواية من قول ابنه الراوي وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، وما جاء في الرواية السادسة.

(إنك لن تخلف، فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة) حول النبي صلى الله عليه وسلم التخلف من مراد سعد إلى العيش والحياة الطويلة بعد أصحابه، وقد عاش أكثر من خمس وأربعين سنة بعد هذا القول، أي إنك إذ تعيش طويلاً، فتعمل....
إلخ.

(ولعلك تخلف) ذكرها بصيغة الترجي، قال بعض العلماء: لعل من الله للأمر الواقع، وكذلك إذا وردت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم غالبًا.

(حتى ينفع بك أقوام، ويضر بك آخرون) ينفع ويضر بضم الأول مبني للمجهول، وفي بعض النسخ ينتفع بفتح الياء، وفي رواية للبخاري، وعسى الله أن يرفعك، فينتفع بك ناس، ويضر بك آخرون قال العلماء: فتح العراق وغيره، فتضرر به الكافرون، وانتفع به المسلمون، وقال ابن التين: إن المراد بالنفع به ما وقع من الفتوح على يديه، وبالضرر ما وقع من ابنه عمر بن سعد، حيث كان أمير الجيش الذي قتل الحسين بن علي ومن معه.
قال الحافظ: وهو كلام مردود، لما فيه من التكلف من غير ضرورة، إذ يحمل ضرره على ضرر ابنه، مع أن ضرره للكفار محقق.
والأولى حمل نفعه وضرره على عامة أفعاله النافعة والضارة.

(اللَّهم امض لأصحابي هجرتهم) أي أتمها ولا تبطلها، ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم، يقال: أمضى الحكم والأمر إذا أنفذه، وأمضى البيع إذا أجازه.

(لكن البائس سعد بن خولة رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة) قال العلماء: هذا من كلام الراوي، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في قائل هذا الكلام، من هو؟ فقيل: هو سعد بن أبي وقاص، وقيل: هو الزهري الراوي عن عامر بن سعد.

قال النووي: واختلفوا في قصة سعد بن خولة، فقيل: لم يهاجر من مكة حتى مات بها، وقيل: هاجر، وشهد بدرًا، ثم انصرف إلى مكة ومات بها، وقيل: شهد بدرًا وغيرها، وتوفي بمكة في حجة الوداع، وقيل: توفي بمكة سنة سبع في الهدنة، خرج مختارًا تاركًا المدينة، فسبب بؤسه سقوط هجرته، لرجوعه مختارًا، وموته بمكة، وقيل: سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان، وإن لم يكن باختياره، لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار الهجرة، والغربة عن وطنه إلى هجرة الله تعالى، وهذا ما كان يخافه سعد بن أبي وقاص، كما في الرواية السادسة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلاً، وقال له: إن توفي بمكة فلا تدفنه بها.

(عن ثلاثة من ولد سعد، قالوا: مرض سعد بمكة، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، هكذا هو في ملحق الرواية السادسة، وهذه الرواية مرسلة، سقط فيها الصحابي، لأن أولاد سعد تابعيون، أما الرواية السادسة نفسها فهي متصلة، وذكر مسلم لهذه الروايات المختلف في وصلها وإرسالها لا يقدح في صحة الرواية المرسلة، ولا في صحة أصل الحديث، لأن الصحيح الذي عليه المحققون أن الحديث إذا روي متصلاً ومرسلاً يحكم باتصاله، لأنها زيادة ثقة.
قاله النووي.

(لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع) غضوا أي نقصوا.

(فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟) أي هل تكفر صدقتي عنه سيئاته؟

(إن أمي افتلتت نفسها) بالفاء وضم التاء وكسر اللام، مبني للمجهول، ونفسها بالرفع نائب فاعل، وبالنصب على المفعول، يقال: افتلت الرجل الأمر إذا تعجله، وافتلت الأمر فلانًا فاجأه، والفلتة الأمر يحدث عجل، والمراد هنا ماتت بغتة فجأة.

(وإني أظنها لو تكلمت تصدقت) منشأ ظنه ما علمه من حرصها على الخير، أو ما علمه من رغبتها في الوصية.

(إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة) إذا حذف المعدود في الثلاث وما فوقها إلى التسع جاز تذكير العدد وتأنيثه، والاستثناء متصل، فإن الثلاثة المذكورة إنما هي من عمله، لأنه كان سببها ومصدرها (الولد والعلم والصدقة الجارية)، ومعنى انقطع عمله انقطع تجدد الثواب لعمله.

(أصاب عمر أرضًا بخيبر) هذه الأرض اشتراها عمر بماله من أهل خيبر، واسم هذه الأرض ثمغ، بالثاء المفتوحة والميم الساكنة بعدها غين، وهي غير الأسهم الذي حصل عليها كغنيمة على مشاركته في فتح خيبر، فعند النسائي جاء عمر، فقال: يا رسول الله، إني أصبت مالاً، لم أصب مالاً مثله قط، كان لي مائة رأس، فاشتريت بها مائة سهم من خيبر، من أهلها.

(لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه) في ملحق الرواية لم أصب مالاً أحب إلي، ولا أنفس عندي منها، والنفيس الجيد المغتبط به، يقال: نفس، بفتح النون وضم الفاء نفاسة، قال الراوي : سمي نفيسًا لأنه يأخذ بالنفس.

(فما تأمرني به؟) في بعض الروايات أني استفدت مالاً، وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به؟ وفي رواية للبخاري فكيف تأمرني به؟ وفي رواية عند عمر بن شبة بإسناد صحيح أن عمر رأى في المنام ثلاث ليال أن يتصدق بثمغ ووقع في رواية للدارقطني بإسناد ضعيف أن عمر قال: يا رسول الله إني نذرت أن أتصدق بمالي قال الحافظ: ولم يثبت هذا، وإنما كان صدقة تطوع.

(إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها) الحبس المنع، والمعنى إن شئت منعت أصلها عن البيع والإرث والهبة، وتصدقت بثمارها، وما ينتج منها، وهو المعروف في الفقه بالوقف، وفي رواية للبخاري تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره وفي رواية احبس أصلها، وسبل ثمرتها.

(فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها) أي فتصدق عمر بأصله حبسًا، وبما ينتج منها صرفًا، وفي رواية قال: حبيس ما دامت السموات والأرض.

(فتصدق عمر في الفقراء) أي حبسها وجعل ثمرها للفقراء، أي والمساكين، فإنهما إذا اجتمعا افترقا في المفهوم، وإذا ذكر أحدهما أريد الآخر معه.

(وفي القربى) جزم القرطبي بأن المراد قربى الواقف.
وقيل: ذو قربى النبي صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو المطلب.

(لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف)، قال القرطبي: جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الأوقاف، حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل منه، والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة، وقيل: القدر الذي يدفع به الشهوة، وقيل: المراد أن يأخذ منه بقدر عمله، والأول أولى.

(أو يطعم صديقًا غير متمول فيه) وفي رواية غير متمول به أي غير متخذ منها مالاً، أي ملكًا، والمراد أن لا يملك شيئًا من رقابها.

(غير متأثل مالاً) معناه غير جامع مالاً، وكل شيء له أصل قديم، أو جمع حتى يصير له أصل فهو مؤثل، ومنه مجد مؤثل، أي مؤصل.

(طلحة بن مصرف) بضم الميم وفتح الصاد وكسر الراء المشددة، وحكي فتح الراء، والصواب المشهور كسرها.

(هل أوصى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا....
قال:أوصى بكتاب اللَّه)
في الكلام نفي للوصية، وإثبات لها، ولا تعارض إذا حمل النفي على أشياء معينة، والإثبات على أشياء أخرى، ومن هنا قال النووي: أي لم يوص بثلث ماله، ولا غيره، إذ لم يكن له مال، ولم يوص إلى علي رضي الله عنه ولا إلى غيره بالولاية، بخلاف ما يزعمه الشيعة، وأما الأرض التي كانت له صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك، فقد سبلها صلى الله عليه وسلم في حياته، ونجز الصدقة بها على المسلمين، قال: وأما الأحاديث الصحيحة في وصيته صلى الله عليه وسلم بكتاب الله، ووصيته بأهل بيته، ووصيته بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وبإجازة الوفد، فليست مرادة بقوله لم يوص، إنما المراد به مقصود السائل، وهو ما قدمناه، فلا مناقضة بين الأحاديث.

والمراد من وصيته بكتاب الله أي بالعمل بما فيه، ولعله يشير إلى حديث تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا.
كتاب اللَّه......

(فلم كتب على المسلمين الوصية) أي كيف يؤمر المسلمون بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم أي إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوص فلم أوجب على المسلمين أو يوصوا، بقوله تعالى { { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقًا على المتقين } } وهذه الآية منسوخة عند الجمهور، وسيأتي تفصيل المسألة في فقه الحديث.

(فقد كنت مسندته إلى حجري) بفتح الحاء وكسرها، والمراد حجر الثوب، لأن حجر الإنسان ما بين يديه من ثوبه.

(فدعا بالطست) ليتفل فيه.

(فلقد انخنث) معناه مال وسقط، يقال: خنث الرجل يخنث من باب علم، إذا استرخى وتكسر.

(يوم الخميس وما يوم الخميس؟) الاستفهام للتهويل، أي ما أشد هوله، وما أعظم مصيبته، حسبما يعتقد ابن عباس، أي بسبب عدم كتابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال في الرواية الثامنة عشرة إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم وسيأتي في فقه الحديث توجيه ما حدث.

(وما ينبغي عند نبي تنازع) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.

(أهجر؟ استفهموه) يقال: هجر المريض إذا هذي، والاستفهام حقيقي، أو للتعجب؟ واستفهموه بكسر الهاء، فعل أمر، أي اطلبوا منه أن يكشف لكم.

(قال: دعوني.
فالذي أنا فيه خير)
كان صلى الله عليه وسلم مدركًا لغطهم، ولم يكن الوقت يسمح بمناقشتهم وتفهيمهم، فقال: دعوني من اختلافكم ولغطكم، فقد شاء الله أن أعرض عن طلبي، وأتوجه إلى لقائه، وفي رواية للبخاري فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه أو دعوني أي اتركوني، وقوموا، كما جاء في الرواية الثامنة عشرة.

(أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) يقال: أجاز الوفد أي أعطاه جائزة وهدية وهبة وعطاء، والمراد بما يقرب مما كنت أعطيهم، وكان يجيز الواحد بأوقية من فضة، أي نحو أربعين درهمًا.

(وسكت عن الثالثة، أو قالها فأنسيتها) قال النووي: الساكت ابن عباس، والناسي سعيد بن جبير، قال المهلب: الثالثة هي تجهيز جيش أسامة رضي الله عنه.
قال القاضي عياض: ويحتمل أنها قوله صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا قبري مسجدًا يعبد وقال الداودي: الثالثة الوصية بالقرآن، ويحتمل أن يكون ما وقع الصلاة وما ملكت أيمانكم.

فقه الحديث

تتناول الأحاديث النقاط الست التالية:

1- الحث على الوصية، وحكمها، وكتابتها.

2- الوصية بالثلث، والوصية للوارث.

3- الصدقة عن الميت الذي لم يوص.

4- الوقف - أو الوصية بحبس العين والتصدق بإنتاجها.

5- ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أراد أن يوصي به ثم عدل عنه.

6- ما يؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم.

وهذا هو التفصيل:

1- الحث على الوصية، وحكمها، وكتابتها: يقول الله تعالى { { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقًا على المتقين } } [البقرة: 180] .

واستدل بهذه الآية وبرواياتنا الأولى والثانية والثالثة عشرة على وجوب الوصية، وبه قال الزهري وأبو مجلز وعطاء وطلحة بن مصرف وآخرون، وحكاه البيهقي عن الشافعي في القديم، وبه قال إسحق وداود وأهل الظاهر، والجمهور على أنها مندوبة، لا واجبة، ونسب ابن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الإجماع سوى من شذ، واستدل لعدم الوجوب من حيث المعنى، بأنه لو لم يوص لقسم جميع ماله بين ورثته بالإجماع، فلو كانت الوصية واجبه لما قسم جميع ماله، ولحجز من ماله سهم ينوب عن الوصية.

كما استدل بأن الأمر بالوصية اقترن بما يدل على الندب، وهو تفويض الوصية إلى إرادة الموصي، حيث جاء في روايتنا الأولى: له شيء يريد أن يوصي فيه فلو كانت واجبة لما علقها بإرادته.

وأجابوا عن الآية بأنها منسوخة، ففي حديث لابن عباس كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل لكل واحد من الأبوين السدس... الحديث.
فإن قيل: الذي نسخ من الآية الوصية للوالدين، والأقارب الذين يرثون؟ قلنا: لم تعد الآية صالحة للاستدلال، حيث تطرق إليها الاحتمال.

وأجابوا عن الحديث بما فسره به الشافعي، حيث قال: إن المراد الحزم والاحتياط، لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية، ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن ذكر الموت والاستعداد له، وقال غيره: الحق لغة الشيء الثابت، ويطلق شرعًا على ما ثبت به الحكم، والحكم الثابت أعم من أن يكون واجبًا أو مندوبًا، وقد يطلق على المباح أيضًا، لكن بقلة.
قاله القرطبي.
قال: فإن اقترن به علي أو نحوها كان ظاهرًا في الوجوب، وإلا فهو على الاحتمال، وعلى هذا التقدير فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بالوجوب.

وأجابوا عن رواية لا يحل بأنه يحتمل أن يكون راويها أراد بنفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي تحته الواجب والمندوب والمباح.

ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أن الوصية تجب على من عليه حق شرعي، يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به، كوديعة، ودين لله أو لآدمي، وتندب لغير ذلك.
والتحقيق: أن هذا القول يرجع إلى قول الجمهور، إذ حاصله أن الوصية غير واجبة لعينها، وأن الواجب لعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير، وقال الحافظ ابن حجر: وعرف من مجموع الأقوال السابقة أن الوصية قد تكون واجبة، كما في قول أبي ثور، وقد تكون مندوبة فيمن رجا منها كثرة الأجر، وقد تكون مكروهة، كما في عكسه، وقد تكون مباحة فيمن استوى الأمران فيه، وقد تكون محرمة، فيما إذا كان فيها إضرار، كما ثبت عن ابن عباس بإسناد صحيح الإضرار في الوصية من الكبائر رواه النسائي ورجاله ثقات.

واستدل بالحديث بقوله مكتوبة عنده على جواز الاعتماد على الكتابة والخط، ولو لم يقترن ذلك بالشهادة، وخص أحمد ومحمد بن نصر من الشافعية، ذلك بالوصية، لثبوت الخبر فيها، دون غيرها من الأحكام.

والجمهور على اشتراط الشهادة، بأمر خارج عن الحديث، كقوله تعالى { { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } } [المائدة: 106] ، فإنه يدل على اعتبار الإشهاد في الوصية، وقال القرطبي: ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق، وإلا فالوصية المشهود بها متفق على صحتها، ولو لم تكون مكتوبة.
وقال النووي: فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يعمل بالوصية، ولا تنفع إلا إذا كان أشهد عليها.

واستدل بروايتينا الثالثة عشرة والرابعة عشرة بعدم طلب الوصية، لا وجوبًا ولا ندبًا، لمن ليس له شيء يوصي فيه، فلا تشرع لمن له مال قليل، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال، أنه لا تندب له الوصية، قال الحافظ ابن حجر: وفي نقل الإجماع نظر، فالثابت عن الزهري أنه قال: جعل الله الوصية حقًا فيما قل أو كثر، والمصرح به عند الشافعية ندبية الوصية، من غير تفريق بين قليل وكثير، وقد يستدل بقوله ما حق امرئ والمرء هو الرجل، على أن الصبي المميز لا تصح وصيته، وقد ذهب إلى ذلك الحنفية والشافعي في أظهر قوليه، وصحح وصيته مالك وأحمد والشافعي في قول، وقيد أحمد صحة وصيته ببلوغه سبع سنين، وعنه عشر سنين.

2- الوصية بالثلث، والوصية للوارث: أما الوصية بالثلث فقد قال النووي: أجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازة الوارث، وأجمعوا على نفوذها في جميع المال [أي إذا أجازوها] ، وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح وصيته فيما زاد على الثلث، وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحق وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما.
اهـ.

واستدلوا بقوله إنك إن تذر ورثتك أغنياء فمفهومه أن من لا وارث له، لا يبالي بالوصية بما زاد، لأنه لا يترك ورثة، يخشى عليهم الفقر.

وتعقب من الشافعية هذا الاستدلال بأنه ليس تعليلاً محضًا، وإنما هو تنبيه على الأحظ الأنفع، إذ لو كان تعليلاً محضًا لاقتضى جواز الوصية بأكثر من الثلث، لمن كانت ورثته أغنياء، ولنفذ ذلك عليهم بغير إجازتهم، ولا قائل بذلك، وعلى تقدير أن يكون تعليلاً محضًا، فهو للنقص عن الثلث، لا للزيادة عليه، فكأنه لما شرع الإيصاء بالثلث، وأنه لا يعترض به على الموصي، إلا أن الحط عنه أولى، ولا سيما لمن يترك ورثة غير أغنياء، فنبه سعدًا على ذلك.

كما استدلوا بأن الوصية مطلقة بالآية، فقيدتها السنة بمن له وارث، فيبقى من لا وارث له على الإطلاق، وتعقب بأن الآية منسوخة، كما سبق.

أما الوصية للوارث فقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته في حجة الوداع إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث وروي هذا الحديث من وجوه أخرى، قال الحافظ ابن حجر عنها: مجموعها يقتضي أن للحديث أصلاً، لكن الحجة في الإجماع على مقتضاه، كما صرح الشافعي، والمراد بعدم صحة الوصية للوارث عدم اللزوم، لأن الأكثرين على أنها موقوفة على إجازة الورثة.

وأما قول النووي: أجمع العلماء في هذه الأعصار على أن من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث، إلا بإجازة الورثة، لعله يريد بالعلماء علماء الشافعية، وحجتهم بأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة، فإذا أجازوه لم يمتنع، لكن بعض العلماء قالوا: لا تصح الوصية للوارث ولا لغير الوارث بما زاد على الثلث ولو أجازت الورثة.
وبه قال المزني وداود، وقواه السبكي، واحتج له بحديث عمران بن حصين، في الذي أعتق ستة أعبد، فإن فيه عند مسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، قولاً شديدًا وفسر القول الشديد في رواية أخرى، بأنه قال: لو علمت ذلك ما صليت عليه ولم ينقل أنه راجع الورثة، فدل على منعه مطلقًا، وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص، في روايتنا الرابعة فكان بعد الثلث جائزًا فإن مفهومه أن الزائد على الثلث ليس جائزًا، وبأنه صلى الله عليه وسلم منع سعدًا من الوصية بالشطر، ولم يستثن إجازة الورثة.

واختلف العلماء بعد ذلك في وقت إجازة الورثة، والجمهور على أنهم إن أجازوا في حياة الموصي كان لهم الرجوع متى شاءوا، وإن أجازوا بعد موته نفذ، وفصل المالكية في الحياة بين مرض الموت وغيره، فألحقوا مرض الموت بما بعده.. وقال الزهري وربيعة: ليس لهم الرجوع مطلقًا.

واتفقوا على اعتبار كون الموصي له وارثًا بيوم الموت، حتى لو أوصى لأخيه الوارث، حيث لم يكن له ابن يحجب الأخ المذكور، فولد له ابن، قبل موته، يحجب الأخ، فالوصية للأخ المذكور صحيحة، ولو أوصي لأخيه، وله ابن، فمات الابن قبل موت الموصي، فهي وصية لوارث.

ومن الرواية السابعة أخذ العلماء استحباب النقص عن الثلث.
قال النووي: وبه قال جمهور العلماء مطلقًا، ومذهبنا: أنه إن كان ورثته أغنياء استحب الإيصاء بالثلث، وإلا فيستحب النقص منه، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه يوصي بالخمس، وعن علي رضي الله عنه نحوه، وعن ابن عمر وإسحق بالربع، وقال آخرون بالسدس، وآخرون بالعشر، وروي عن علي وابن عباس وعائشة وغيرهم أنه يستحب لمن له ورثة وماله قليل ترك الوصية.

3- الصدقة عن الميت الذي لم يوص: وأما الصدقة عن الميت، وهي موضوع رواياتنا الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة.

قال النووي: في هذه الأحاديث جواز الصدقة عن الميت، واستحبابها، وأن ثوابها يصله، وينفعه، وينفع المتصدق أيضًا، وهذا كله أجمع عليه المسلمون.

وقال في شرح مقدمة صحيح مسلم: من أراد بر والديه فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تصل إلى الميت، وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين، وأما ما حكاه الماوردي البصري الفقيه الشافعي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطل قطعًا، وخطأ بين، مخالف لنصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، فلا التفات إليه، ولا تعريج عليه، وأما الصلاة والصوم عن الميت فمذهب الشافعي وجماهير العلماء أنه لا يصل ثوابهما إلى الميت، إلا إذا كان الصوم واجبًا عن الميت، فقضاه عنه وليه، أو من أذن له الولي، فإن فيه قولين للشافعي، وأما قراءة القرآن فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، وقال بعض أصحابه: يصل ثوابها إلى الميت، وذهب جماعة من العلماء أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات، من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك، ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج، فإنها تصل بالإجماع.

ثم قال عن رواياتنا المذكورة: وهذه الأحاديث مخصصة لعموم قوله تعالى { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } } [النجم: 39] وأجمع المسلمون على أنه لا يجب على الوارث التصدق عن ميته صدقة التطوع، بل هي مستحبة، وأما الحقوق المالية الثابتة على الميت، فإن كان له تركة وجب قضاؤها منها سواء أوصى بها الميت أم لا، ويكون ذلك من رأس المال، سواء ديون الله تعالى، كالزكاة، والحج والنذر، والكفارة وبدل الصوم ونحو ذلك، ودين الآدمي، فإن لم يكن للميت تركة لم يلزم الوارث قضاء دينه، لكن يستحب له ولغيره قضاؤه.
وأما الحج فيجزئ عن الميت عند الشافعي وموافقيه، وهذا داخل في قضاء الدين، إن كان حجًا واجبًا، وإن كان تطوعًا وصى به، فهو من باب الوصايا، والله أعلم.
اهـ.

4- الوقف - أو الوصية بحبس العين والتصدق بإنتاجها: وحديث عمر رضي الله عنه، روايتنا الثانية عشرة أصل في الوقف.
قال النووي: في هذا الحديث دليل على صحة أصل الوقف، وأنه مخالف لشوائب الجاهلية، وهذا مذهبنا، ومذهب الجماهير، ويدل عليه إجماع المسلمين على صحة وقف المساجد والسقايات.
اهـ.

وقال الترمذي: لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين، وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس، ومنهم من تأوله.

وقال أبو حنيفة: لا يلزم، أي إن إيقاف الأرض لا يمنع من الرجوع فيها، وخالفه جميع أصحابه، إلا زفر، وقد انتصر الطحاوي لأبي حنيفة وزفر، فقال: حبس الأصل وسبل الثمرة في حديث عمر، لا يستلزم التأبيد، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره لذلك.
وقد رده الحافظ ابن حجر بقوله: ولا يخفى ضعف هذا التأويل، ولا يفهم من قوله وقفت وحبست إلا التأبيد، قال: وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها حبيس مادامت السموات والأرض.

ويستدل الطحاوي أيضًا لأبي حنيفة وزفر بما رواه هو وابن عبد البر من طريق مالك عن ابن شهاب قال: قال عمر: لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها فقال: إن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فكرة أن يفارقه على أمر، ثم يخالفه إلى غيره، قال الحافظ ابن حجر: ولا حجة فيما ذكره من وجهين: أحدهما أنه منقطع، لأن ابن شهاب لم يدرك عمر، وثانيهما أنه يحتمل أن عمر أخر وفقتيه، ولم يقع منه مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا استشارته في كيفيته، وأنه ما كتب كتاب وقفه إلا في خلافته، إذ في كتاب وقفه وصف عمر بأمير المؤمنين، ويحتمل أن يكون عمر كان يرى صحة تعليق الوقف ولزومه، إلا إن شرط الواقف الرجوع، فله أن يرجع، وهذا عند المالكية، قال ابن سريج: فتعود منافعه بعد المدة المعينة إليه، ثم إلى ورثته.

وأحسن ما يعتذر به عن أبي حنيفة وزفر أنهما لم يبلغهما هذا الحديث، يؤكد ذلك ما حكاه الطحاوي نفسه عن عيسى بن أبان، قال: كان أبو يوسف (صاحب أبي حنيفة) يجيز بيع الوقف، فبلغه حديث عمر هذا، فقال: من سمع هذا من ابن عون؟ فحدثه به ابن علية، فقال: هذا لا يسع أحدًا خلافه، ولو بلغ أبا حنيفة لقال به، فرجع أبو يوسف عن بيع الوقف (وأبو يوسف أعلم بأبي حنيفة من غيره) حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد.

قال القرطبي: رد الوقف مخالف للإجماع، فلا يلتفت إليه.

وبقية ما يتعلق بهذا الحديث تأتي فيما يؤخذ من الأحاديث قريبًا إن شاء الله.

5- ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أراد أن يوصي به ثم عدل عنه: أما وصية النبي صلى الله عليه وسلم فقد تحدثت عنها الروايات الثالثة عشرة، وما بعدها، وقد أطال النووي في تحليل موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف الصحابة رضي الله عنهم من طلبه صلى الله عليه وسلم الكتف والدواة، ليملي عليهم وصيته الأخيرة، نقتطف منها ما يلي:

قال - رحمة الله عليه - اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الكذب، ومن تغيير شيء من الأحكام الشرعية، في حال صحته، وفي حال مرضه، ومعصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه، ومن ترك تبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، إذا علمت هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الكتاب الذي هم به النبي صلى الله عليه وسلم.

فقيل: أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين، لئلا يقع نزاع وفتن، قاله البيهقي: وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله، أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، ثم ترك ذلك اعتمادًا على ما علمه من تقدير الله تعالى ذلك، ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة.

وقيل: أراد كتابًا يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة، ليرتفع النزاع فيها، ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، هم بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحي إليه بذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأول.

وأما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله، ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أمورًا، ربما عجزوا عنها، واستحقوا العقوبة عليها، لأنها تكون حينئذ منصوصة، لا مجال للاجتهاد فيها، فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه.

قال البيهقي: لو كان مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه، لم يتركه، لاختلافهم، ولا لغيره كما لم يترك تبليغ غير ذلك، لمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وكما أمر في ذلك الحال، بإخراج اليهود من جزيرة العرب، وغير ذلك مما ذكره في الحديث.

ثم قال: وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر دليل على استصوابه.

قال الخطابي: ولا يجوز أن يحمل قول عمر، على أنه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحال، لكنه لما رأى ما غلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الوجع وقرب الوفاة، مع ما اعتراه من الكرب خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض، مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يراجعونه في بعض الأمور، قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه يوم الحديبية، وفي كتاب الصلح مع قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة، فلا يراجعه فيه أحد منهم.
والله أعلم.

وأما وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج الكفار من جزيرة العرب فقد أخذ بها مالك والشافعي وغيرهما من العلماء فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب، وهو الحجاز، وهو عنده مكة والمدينة واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب، بدليل آخر، مشهور في كتبه وكتب أصحابه، وعن مالك عن ابن شهاب قال: جزيرة العرب، المدينة، وقال الأصمعي: هي ما لم يبلغه ملك فارس من أقصى عدن إلى أطراف الشام، وقال أبو عبيد: هي من أقصى عدن إلى ريف العراق طولاً، ومن جدة إلى أطراف الشام عرضًا.

وقال العلماء: ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في الحجاز، ولكن لا يمكنون من الإقامة فيه أكثر من ثلاثة أيام وقال الشافعي وموافقوه: إلا مكة وحرمها فلا يجوز تمكين كافر من دخوله بحال، فإن دخله في خفية وجب إخراجه، فإن مات ودفن فيه نبش وأخرج، ما لم يتغير، هذا مذهب الشافعي وجماهير الفقهاء، وجوز أبو حنيفة دخولهم الحرم، وحجة الجماهير قول الله تعالى { { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } } [التوبة: 28] .
اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: الذي يمنع المشركون من سكناه من جزيرة العرب الحجاز خاصة، وهو مكة والمدينة واليمامة، وما والاها، لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب، لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها، مع أنها من جملة جزيرة العرب.
هذا مذهب الجمهور، وعن الحنفية يجوز مطلقًا إلا المسجد، وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة، وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلاً، إلا بإذن الإمام، لمصلحة المسلمين خاصة.

وعرض الألوسي المذاهب، فقال بظاهر الآية { { فلا يقربوا المسجد الحرام } } فأراد من دخول المسجد الحرام نفسه، وصرف المنع عن دخول المسجد الحرام إلى المنع من الحج والعمرة، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا، وهو عام تسع من الهجرة، فالإمام الأعظم لا يمنع من دخولهم المسجد الحرام وسائر المساجد في الحرم، ومذهب الشافعي وأحمد ومالك رضي الله عنه كما قال الخازن: أنه لا يجوز للكافر، ذميًا كان، أو مستأمنًا، أن يدخل المسجد الحرام بحال من الأحوال، ويجوز دخوله سائر المساجد عند الشافعي، وعن مالك: كل المساجد سواء في منع الكافرين عن دخولها.

6- ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

(1) من قوله في الروايتين الأولى والثانية ما حق امرئ مسلم شذ بعضهم فقال بعدم صحة وصية غير المسلم، وقد بحثه السبكي من حيث إن الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح، والكافر لا عمل له بعد الموت، وحكى ابن المنذر الإجماع على صحة وصية الكافر، كالإعتاق، وهو يصح من الذمي والحربي.

(2) واستدل الإمام محمد بن نصر المروزي من الشافعية، من قوله إلا ووصيته مكتوبة عنده بأن الكتابة في الوصية تكفي من غير إشهاد، وقد سبقت هذه المسألة.

(3) واستدل بقوله له شيء يوصي فيه على صحة الوصية بالمنافع، وهو قول الجمهور، ومنعه ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود وأتباعه، واختاره ابن عبد البر.

(4) وفي الحديث الحض على الوصية، ومطلقها يتناول الصحيح، لكن السلف خصوها بالمريض، وإنما لم يقيد الحديث بالمريض، لاطراد العادة، كذا قيل، والحق تناول الحض للصحيح، وإن اختلفت درجة الحض بين الصحيح والمريض.
ويؤكد ذلك فعل ابن عمر رضي الله عنهما.

(5) ومن قوله مكتوبة أعم أن تكون بخطه أو بغير خطه.

(6) ويستفاد منه أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة، لأنها أثبت من الضبط بالحفظ، لأنه يخون غالبًا.

(7) ومن فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - ملحق روايتنا الثانية منقبة لابن عمر، رضي الله عنهما، لمبادرته الامتثال لقول الشارع، ومواظبته عليه.

(8) وفيه الندب إلى التأهب للموت، والاحتراز قبل الفوات، لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت، لأنه ما من سن يفرض، إلا وقد مات فيه جمع كبير، وكل واحد بعينه معرض للموت في الحال، فينبغي أن يكون متأهبًا لذلك، فيكتب وصيته، ويجمع فيها ما يحصل له به الأجر، ويحبط عنه الوزر من حقوق الله، وحقوق عباده.

(9) ومن حديث سعد، من رواياتنا الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة استحباب عيادة المريض، وهي مستحبة للإمام، كاستحبابها لآحاد الناس، وتتأكد باشتداد المرض، وحاجة المريض إلى شخصية من يعوده.

(10) ومن قول سعد بلغني ما ترى من الوجع وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك جواز إخبار المريض بمرضه، وشدته، وقوة ألمه، إذا لم يقترن بذلك شيء مما يمنع أو يكره، من التبرم، وعدم الرضا، بل حيث يكون ذلك لطلب دعاء أو دواء، وأن ذلك لا ينافي الصبر المحمود.
وإذا جاز ذلك أثناء المرض كان الإخبار به بعد الشفاء أولى بالجواز، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه، فإنه يقدح في أجر مرضه.

(11) ومن قوله وأنا ذو مال دليل على جواز جمع المال، لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلا لمال كثير.

(12) ومن قوله اللهم اشف سعدًا) استحباب الدعاء للمريض.

(13) وفيه مراعاة العدل بين الورثة والوصية، قال بعض العلماء: إن كان الورثة أغنياء استحب أن يوصى بالثلث تبرعًا، وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص من الثلث.

(14) وفيه الشفقة على الورثة.

(15) والحث على صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب.

(16) وأن من فاته بعض أنواع البر أمكنه أن يعوضه بعمل بر آخر، وربما زاد على الأول، وذلك أن سعدًا خاف أن يموت بالدار التي هاجر منها، فيفوت عليه بعض أجر هجرته، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إن تخلف، فعمل عملاً صالحًا من حج أو جهاد أو غير ذلك كان له به أجر يعوضه ما فاته من الجهة الأخرى.

(17) ومن قوله تبتغي بها وجه الله أن الأعمال بالنيات.

(18) والحث على إخلاص النية، قال ابن دقيق العيد: فيه أن الثواب في الإنفاق مشروط بصحة النية، وابتغاء وجه الله، وسبق تخليص هذا المقصود مما يشوبه.

(19) وأن الواجبات إذا أديت على قصد أداء الواجب ابتغاء وجه الله أثيب عليها، فإن نفقة الزوجة واجبة ومع ذلك جعلت اللقمة لها صدقة.

(20) وأن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك لأن الزوجة هي من أخص حظوظ الإنسان الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة، ومع هذا أخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك، فغير هذه الحالة أولي بحصول الأجر، إذا أراد وجه الله تعالى، ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئًا أصله على الإباحة، وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه، وذلك كالأكل بنية التقوى على طاعة الله، والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطًا، والاستمتاع بزوجته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام قاله النووي.

(21) ومن قوله ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام الدعاء بطول العمر والعمل الصالح، ففي ذلك فضيلة.

(22) ومن قوله ونفقتك على عيالك صدقة أن الإنفاق على العيال يثاب عليه.
قال النووي: إذا قصد به وجه الله تعالى.

(23) ومن بكاء سعد خشية التخلف بمكة حرص المسلم على ما كسب من الخير أن ينقصه عمل، لأنه هاجر، وترك مكة وما كان له فيها لله تعالى، فالبقاء بعد ذلك بمكة كالرجوع في الهبة، قال القاضي: قيل: لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها، إذا كان لضرورة، وإنما يحبطه ما كان بالاختيار، وقال قوم: موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان، وقيل: لم تفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة، فمن هاجر إلى المدينة من غير أهل مكة لا يحبط هجرته البقاء بمكة.

(24) قال الحافظ ابن حجر: وفيه منع نقل الموتى من بلد إلى بلد، إذ لو كان ذلك مشروعًا لأمر بنقل سعد بن خولة.
قاله الخطابي.
اهـ وفيه نظر فقد يكون الإحباط بالموت في مكة، وليس بالدفن بها.

(25) وفي قوله ولا تردهم على أعقابهم سد للذرائع، لئلا يتذرع بالمرض أحد لأجل حب الوطن.

(26) وفي تقييد الوصية بالثلث تقييد لمطلق القرآن بالسنة، لقوله تعالى { { من بعد وصية يوصي بها أو دين } } [النساء: 12] فأطلق، وقيدت السنة، وتخصيص القرآن بالسنة قول جمهور الأصوليين، وهو الصحيح.

(27) وفيه جواز التصدق بجميع المال لمن عرف بالصبر، ولم يكن له من تلزمه نفقته.

(28) وفيه الاستفسار عن المحتمل، لأن سعدًا لما منع من الوصية بجميع المال احتمل عنده المنع من الكل والجواز فيما دونه، فاستفسر عما دون ذلك.

(29) وفيه أن خطاب الشرع لواحد يعم من كان بصفته من المكلفين، لإطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا.
ولقد أبعد من قال: إن ذلك يختص بسعد، ومن كان في مثل حاله ممن يخلف وارثًا ضعيفًا، أو كان ما يخلفه قليلاً، لأن البنت من شأنها أن يطمع فيها، وإن كانت بغير مال لم يرغب فيها.

(30) واستدل به بعضهم على فضل الغني على الفقير.

(31) واستدل بقوله ولا يرثني إلا ابنة من قال بالرد، وفيه نظر، للاحتمالات التي مرت في المباحث العربية.

(32) ومن الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة فضيلة الزواج، لرجاء الولد الصالح.

(33) من الرواية التاسعة كره بعض الناس موت الفجاءة، لما فيه من حرمان الوصية، وترك الاستعداد للموت وللمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة، وفي مصنف أبي شيبة، موت الفجأة راحة للمؤمن، وأسف على الفاجر.

(34) وفيه حث الأبناء أن يتصدقوا على الآباء والأمهات الذين ماتوا فجأة، وليستدركوا لهم من أعمال البر ما أمكنهم مما يقبل النيابة.

(35) وجواز الصدقة عن الميت، وأن ذلك ينفعه، بوصول ثواب الصدقة إليه، ولا سيما إن كان من الولد، وهو مخصص لعموم قوله تعالى: { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } }

(36) وفيه ما كان عليه الصحابة من استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين.

(37) ومن قوله وإني أظنها لو تكلمت تصدقت العمل بالظن الغالب.

(38) وفيه المبادرة إلى بر الوالدين.

(39) وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرًا من إخفائها.

(40) ومن الرواية الثانية عشرة فضيلة الوقف، وهو الصدقة الجارية.

(41) وفضيلة الإنفاق مما يحب.

(42) منقبة عظيمة وفضيلة كبيرة لعمر رضي الله عنه.

(43) ومشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور، وطرق الخير.

(44) واستدل به على أن خيبر فتحت عنوة، وأن الغانمين، ملكوها، وتقاسموها، واستقرت أملاكهم على حصصهم، ونفذت تصرفاتهم فيها.
كذا قال النووي، وهو مبني على ما أصاب عمر من أرض خيبر كان ذا طريقه.
وليس كذلك كما بينا من قبل.

(45) وفيه فضيلة صلة الأرحام والوقف عليهم.

(46) ومن قول ابن عمر: أصاب عمر أرضًا جواز ذكر الولد أباه باسمه المجرد، ومن غير كنية ولا لقب.

(47) وفيه أن المشير يشير بأحسن ما يظهر له في جميع الأمور.

(48) وصحة شروط الواقف، واتباعها والتزامها.

(49) وأن الوقف يكون فيما له أصل، يدوم الانتفاع به، فلا يصح وقف مالا يدوم الانتفاع به كالطعام.

(50) وفيه جواز الوقف على الأغنياء، لأن ذوي القربى والضيف لم يقيد بالحاجة، وهو الأصح عن الشافعية.

(51) قال الحافظ: وفيه أن للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف، لأن عمر شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف، ولم يستثن إن كان هو الناظر أو غيره، فدل على صحة الشرط، وإذا جاز في المبهم الذي تعينه العادة، كان فيما يعينه هو أجوز.

(52) ويستنبط منه صحة الوقف على النفس، وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه.
وقال به من المالكية، ابن شعبان، وجمهورهم على المنع، إلا إذا استثنى لنفسه شيئًا يسيرًا، بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته.

(53) استدل بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يهم إلا بحق أن كتابة الحديث جائزة وحق، وقد كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظًا، كما أخذوا حفظًا، لكن لما قصرت الهمم، وخشي الأئمة ضياع العلم دونوه، وكثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير.

(54) استدل بقوله دعوني فالذي أنا فيه خير في الرواية السادسة عشرة، ومن قوله قوموا بعد اختصامهم واختلافهم، كما جاء في الرواية الثامنة عشرة على أن الاختلاف قد يكون سببًا في حرمان الخير، كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما، فرفع تعيين ليلة القدر، بسبب ذلك.

(55) واستدل بعضهم بقوله قوموا ودعوني على أن الأمر بإتيان أدوات الكتابة لم يكن للوجوب، بل كان للإرشاد والاختيار، وقد عاش صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك، ولو كان واجبًا لم يتركه لاختلافهم.
قال الحافظ ابن حجر: قال القرطبي وغيره: ائتوني أمر، وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال، لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة - أنه ليس على الوجوب فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة، وظهر لطائفة أخرى أن الأولى أن يكتب، لما فيه من امتثال أمره، ثم قال: واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لهم لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا، وتمسك آخرون بظاهر الأمر، فلم يصلوا، فما عنف أحدًا منهم، من أجل الاجتهاد المسوغ، والمقصد الصالح.

(56) وفي الحديث أن الأمراض ونحوها لا تنافي النبوة، ولا تدل على سوء الحال.

(57) ويؤخذ من الأمر بإجازة الوفد حسن الضيافة وإكرام من يفد، تطييبًا لنفوسهم، وترغيبًا للمؤلفة قلوبهم.
قال العلماء: سواء كان الوفد مسلمين أو كفارًا.

والله أعلم