هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
32 حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، ح قَالَ : وحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ العَسْكَرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
32 حدثنا أبو الوليد ، قال : حدثنا شعبة ، ح قال : وحدثني بشر بن خالد أبو محمد العسكري ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : لما نزلت : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أينا لم يظلم ؟ فأنزل الله عز وجل : { إن الشرك لظلم عظيم }
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } .

Narrated 'Abdullah:

When the following Verse was revealed: It is those who believe and confuse not their belief with wrong (worshipping others besides Allah.) (6:83), the companions of Allah's Messenger (ﷺ) asked, Who is amongst us who had not done injustice (wrong)? Allah revealed: No doubt, joining others in worship with Allah is a great injustice (wrong) indeed. (31.13)

0032 Abd-ul-Lâh dit : A la révélation de Ceux qui croient et n’ont pas obscurci leur for d’iniquité, ceux-là ont la sécurité, ce sont eux qui bien se dirigent (Sourate Al Anam, verset 82), les Compagnons du Messager de Dieu dirent : « Mais qui d’entre nous n’a pas commis d’injustice ! » Sur ce, Dieu révéla : Certes, le polythéisme est une grande injustice. (sourate Luqmân, verset 13).

":"ہمارے سامنے ابوالولید نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے شعبہ نے بیان کیا ( دوسری سند ) اور امام بخاری رحمہ اللہ نے کہا کہ ہم سے ( اسی حدیث کو ) بشر نے بیان کیا ، ان سے محمد نے ، ان سے شعبہ نے ، انھوں نے سلیمان سے ، انھوں نے علقمہ سے ، انھوں نے عبداللہ بن مسعود رضی اللہ عنہما سےجب سورۃ الانعام کی یہ آیت اتری جو لوگ ایمان لائے اور انھوں نے اپنے ایمان میں گناہوں کی آمیزش نہیں کی تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم کے اصحاب نے کہا یا رسول اللہ ! یہ تو بہت ہی مشکل ہے ۔ ہم میں کون ایسا ہے جس نے گناہ نہیں کیا ۔ تب اللہ پاک نے سورۃ لقمان کی یہ آیت اتاری «إن الشرك لظلم عظيم‏» کہ بیشک شرک بڑا ظلم ہے ۔

0032 Abd-ul-Lâh dit : A la révélation de Ceux qui croient et n’ont pas obscurci leur for d’iniquité, ceux-là ont la sécurité, ce sont eux qui bien se dirigent (Sourate Al Anam, verset 82), les Compagnons du Messager de Dieu dirent : « Mais qui d’entre nous n’a pas commis d’injustice ! » Sur ce, Dieu révéla : Certes, le polythéisme est une grande injustice. (sourate Luqmân, verset 13).

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [32] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُصَحَّحَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قبلهَا صُورَة ح فَإِن كَانَت مِنْ أَصْلِ التَّصْنِيفِ فَهِيَ مُهْمَلَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّحْوِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ كَانَتْ مَزِيدَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُهْمَلَةً كَذَلِكَ أَوْ مُعْجَمَةً مَأْخُوذَةً مِنَ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهَا رَمْزُهُ أَي قَالَ البُخَارِيّ وحَدثني بشر وَهُوَ بن خَالِد العسكري وَشَيْخه مُحَمَّد هُوَ بن جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي شُعْبَةَ وَلِهَذَا أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ رِوَايَتَهُ مَعَ كَوْنِهِ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَالِيًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَاللَّفْظُ الْمُسَاقُ هُنَا لَفْظُ بِشْرٍ وَكَذَلِكَأخرج النَّسَائِيّ عَنهُ وَتَابعه بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْعَامِ.

.
وَأَمَّا لَفْظُ أَبِي الْوَلِيدِ فَسَاقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قِصَّةِ لُقْمَانَ بِلَفْظِ أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ وَزَادَ فِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ بَعْدَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الشِّرْكَ لظلم عَظِيم فَطَابَتْ أَنْفُسُنَا وَاقْتَضَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ هَذِهِ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي لُقْمَانَ لَكِنْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ سُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْهُ فَقَالُوا أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ لُقْمَانُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي لُقْمَانَ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ وَلِذَلِكَ نَبَّهَهُمْ عَلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا وَقَعَ فِي الْحَالِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ نَبَّهَهُمْ فَتَلْتَئِمُ الرِّوَايَتَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ الشِّرْكُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ أَكْبَرَ مِنْ أَنْ يُلَقَّبَ بِالظُّلْمِ فَحَمَلُوا الظُّلْمَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا عَدَاهُ يَعْنِي مِنَ الْمَعَاصِي فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُمْ حَمَلُوا الظُّلْمَ عَلَى عُمُومِهِ الشِّرْكَ فَمَا دُونَهُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ صَنِيعُ الْمُؤَلِّفِ وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِظُلْمٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَكِنَّ عُمُومَهَا هُنَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إِنْ دَخَلَ عَلَى النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مَا يُؤَكِّدُ الْعُمُومَ وَيُقَوِّيهِ نَحْوَ مِنْ فِي قَوْلِهِ مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ أَفَادَ تَنْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِلَّا فَالْعُمُومُ مُسْتَفَادٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَمَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ هُوَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ فَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ أَعْلَى أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الشِّرْكُ فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ لَبَسَ الْإِيمَانَ بِظُلْمٍ لَا يَكُونَ آمِنًا وَلَا مُهْتَدِيًا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِمْ وَالسِّيَاقُ إِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الظُّلْمُ فَهُوَ آمِنٌ وَمُهْتَدٍ فَمَا الَّذِي دَلَّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ الظُّلْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ أَوْ مُسْتَفَادٌ مِنَ الِاخْتِصَاصِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَقْدِيمِ لَهُمْ عَلَى الْأَمْنِ أَيْ لَهُمُ الْأَمْنُ لَا لِغَيْرِهِمْ كَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى إياك نعْبد.

     وَقَالَ  فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلهَا تَقْدِيمُ هُوَ عَلَى قَائِلِهَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ أَيْ هُوَ قَائِلُهَا لَا غَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أَنَّ غَيْرَ الشِّرْكِ لَا يَكُونُ ظُلْمًا فَالْجَوَابُ أَن التَّنْوِين فِي قَوْله لظلم عَظِيم وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالُ الشَّارِعِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَالتَّقْدِيرُ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ عَظِيمٍ أَيْ بِشِرْكٍ إِذْ لَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَفْظُهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بشرك أَو لم تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ فَذَكَرَ الْآيَةَ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمَازِرِيُّ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَنَازَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَكْلِيفُ عَمَلٍ بَلْ تَكْلِيفُ اعْتِقَادٍ بِتَصْدِيقِ الْخَبَرِ وَاعْتِقَادُ التَّصْدِيقِ لَازِمٌ لِأَوَّلِ وُرُودِهِ فَمَا هِيَ الْحَاجَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُعْتَقَدَاتُ أَيْضًا تَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ فَلَمَّا أَجْمَلَ الظُّلْمَ حَتَّى تَنَاوَلَ إِطْلَاقُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي شَقَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى وَرَدَ الْبَيَانُ فَمَا انْتَفَتِ الْحَاجَةُ وَالْحَقُّ أَنَّ فِي الْقِصَّةِ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُمْ حَيْثُ احْتَاجُوا إِلَيْهِ لَمْ يَتَأَخَّرْ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَلْبِسُوا أَيْ لَمْ يَخْلِطُوا تَقُولُ لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ أَلْبِسُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ خَلَطْتُهُ وَتَقُولُ لَبِسْتُ الثَّوْبَ أَلْبَسُهُ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَالْفَتْحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ فِي شَرحه خلط الْإِيمَان بالشرك لايتصور فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُمُ الصِّفَتَانِ كُفْرٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إِيمَانٍ مُتَقَدِّمٍ أَيْ لَمْ يَرْتَدُّوا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَيْ لَمْ يُنَافِقُوا وَهَذَا أَوْجَهُ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِبَابِ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ تَرْتِيبِهِ ثُمَّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَهُمُ الْأَعْمَشُ عَنْ شَيْخِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَالنَّخَعِيِّ عَنْ خَالِهِ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ وَالثَّلَاثَةُ كُوفِيُّونَ فُقَهَاءُ وَعَبْدُ اللَّهِ الصَّحَابِيُّ هُوَ بن مَسْعُودٍ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ أَحَدُ مَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ وَالْأَعْمَشُ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ الَّتِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ عَنْهُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا إِلَّا فِي هَذَا الطَّرِيقِ وَفِي الْمَتْنِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَأَنَّ الْخَاصَّ يَقْضِي عَلَى الْعَام والمبين على الْمُجْمَلِ وَأَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ لِمَصْلَحَةِ دَفْعِ التَّعَارُضِ وَأَنَّ دَرَجَاتِ الظُّلْمِ تَتَفَاوَتُ كَمَا تَرْجَمَ لَهُ وَأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُسَمَّى شِرْكًا وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا فَلَهُ الْأَمْنُ وَهُوَ مُهْتَدٍ فَإِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي قَدْ يُعَذَّبُ فَمَا هُوَ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ آمِنٌ مِنَ التَّخْلِيدِ فِي النَّارِ مُهْتَدٍ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أعلم ( قَولُهُ بَابُ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ) لَمَّا قَدَّمَ أَنَّ مَرَاتِبَ الْكُفْرِ مُتَفَاوِتَةٌ وَكَذَلِكَ الظُّلْمُ أَتْبَعَهُ بِأَنَّ النِّفَاقَ كَذَلِكَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ كَمَا أَنَّ الطَّاعَةَ تَزِيدُهُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْبَابِ لِكِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ النِّفَاقَ عَلَامَةُ عَدَمِ الْإِيمَانِ أَوْ لِيُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّ بَعْضَ النِّفَاقِ كُفْرٌ دُونَ بَعْضٍ وَالنِّفَاقُ لُغَةً مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ فَهُوَ نِفَاقُ الْكُفْرِ وَإِلَّا فَهُوَ نِفَاقُ الْعَمَلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [32] حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
ح.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نفسه؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
[الحديث أطرافه في: 3360، 3428، 3429، 4629، 4776، 6918، 6937] .
وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي الباهلي البصري السابق ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( ح) مهملة ( قال: وحدّثني) بالإفراد ( بشر) كذا في فرع اليونينية كهي، وفي بعض الأصول وهو لكريمة ح.
وحدّثني بشر قال في الفتح: فإن كانت -يعني الحاء المفردة- من أصل التصنيف فهي مهملة مأخوذة من التحويل على المختار، وإن كانت مزيدة من بعض الرواة فيحتمل أن تكون مهملة كذلك أو معجمة مأخوذة من البخاري لأنها رمزه، أي قال البخاري: وحدْثني بشر، لكن في بعض الروايات المصححة وحدّثني بواو العطف من غير حاء قبلها، وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وفي رواية ابن عساكر بن خالد أبو محمد العسكري كما في فرع اليونينية كهي المتوفى أبو بشر المذكور سنة ثلاث وخمسين ومائتين ( قال: حدّثنا محمد) وفي رواية ابن عساكر محمد بن جعفر كما في الفرع أيضًا كاليونينية الهذلي البصري المعروف بغندر المتوفى فيما قاله أبو داود سنة ثلاث وتسعين ومائة ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن سليمان) بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي الكوفي، ولد يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وعند المؤلف سنة ستين المتوفى سنة ثمان ومائة ( عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه الثقة، وكان يرسل كثيرًا، المتوفى وهو مُختَفٍ من الحجاج سنة ست وتسعين وهو من الخامسة ( عن علقمة) بن قيس بن عبد الله، المتوفى سنة اثنتين وستين، وقيل: وسبعين ( عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.
( قال لما نزلت) زاد الأصيلي قال: لما نزلت هذه الآية: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} { أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} [الأنعام: 82] وقوله: بظلم أي عظيم أي لم يخلطوه بشرك إذ لا أعظم من الشرك، وقد ورد التصريح بذلك عند المؤلف من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه: قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون بل لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك ألم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية الآتية، لكن منع التيمي تصوّر خلط الإيمان بالشرك وحمله على عدم حصول الصفتين لهم كفر متأخر عن إيمان متقدّم.
أي: لم يرتدوا أو المراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا أي لم ينافقوا وهذا أوجه.
( قال أصحاب رسول الله) وللأصيليّ النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا لم يظلم نفسه) مبتدأ وخبر والجملة مقول القول ( فأنزل الله) ولأبي ذر والأصيلي، فأنزل الله عز وجل عقب ذلك ( إن الشرك لظلم عظيم) إنما حملوه على العموم لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي، لكن عمومهاهنا بحسب الظاهر.
قال المحققون: إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم ويقوّيه نحو: من في قوله: ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبيّن لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ظاهره غير مراد، بل هو من العام الذي أريد به الخاص، والمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك، وإنما فهموا حصر الأمن والاهتداء فيمن لم يلبس إيمانه حتى ينتفيا عمن لبس من تقديم لهم على الأمن في قوله لهم الأمن أي: لهم لا لغيرهم ومن تقديم وهم على مهتدون.
وفي الحديث أن المعاصي لا تسمى شركًا وأن من لم يشرك بالله شيئاًً فله الأمن وهو مهتدٍ.
لا يقال: إن العاصي قد يعذب فما هذا الأمن والاهتداء الذي حصل له؟ لأنه أجيب بأنه آمن من التخليد في النار مهتدِ إلى طريق الجنة انتهى.
وفيه أيضًا: أن درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له، وأن العامّ يطلق ويراد به الخاصّ، فحمل الصحابة ذلك على جميع أنواع الظلم، فبين الله تعالى أن المراد نوع منه، وأن المفسر يقضي على المجمل، وأن النكرة في سياق النفي تعم، وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض.
وفي إسناده رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم: الأعمش عن شيخه إبراهيم النخعي عن خاله علقمة بن قيس والثلاثة كوفيون فقهاء، وهذا أحد ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد، وأمن تدليس الأعمش بما وقع عند المؤلف فيما مرّ في رواية حفص بن غياث عنه حدّثنا إبراهيم، وفيه التحديث بصورة الجمع والإفراد والعنعنة، وأخرج متنه المؤلف أيضًا في باب أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي التفسير، ومسلم في الإيمان والترمذي.
ولما فرغ المؤلف من بيان مراتب الكفر والظلم وأنها متفاوتة عقبه بأن النفاق كذلك فقال: 24 - باب عَلاَمَةِ الْمُنَافِقِ هذا ( باب علامات المنافق) جمع علامة وهي ما يستدل به على الشيء، وعدل عن التعبير بآيات المنافق المناسب للحديث المسوق هنا للعلامات موافقة لما ورد في صحيح أبي عوانة، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي، والجمع في العلامات رواية الأربعة.
والنفاق لغة مخالفة الظاهر للباطن فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه، ولفظ المنافق من باب المفاعلة وأصلها أن تكون بين اثنين لكنها هنا من باب خادع وطارق.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [32] حدّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ ح قَالَ وحدّثني بِشْرٌ قَالَ حدّثنا مُحَمَّدٌ عَن شُعْبَةَ عَن سُلَيْمَانَ عَن إبْراهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ عَن عبدِ اللَّهِ قالَ لَمَّا نَزَلَت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ فأنْزَلَ {اللَّهُ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .. مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لما علم أَن الظُّلم على أَنْوَاع، وَأَن بعض أَنْوَاع الظُّلم كفر وَبَعضهَا لَيْسَ بِكفْر، فَيعلم من ذَلِك ضَرُورَة أَن بَعْضهَا دون بعض، وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين إِحْدَاهمَا: عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.
وَالْأُخْرَى: عَن بشر بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.
فَإِن قلت: الحَدِيث عَال فِي الطَّرِيق الأولى لِأَن رجالها خَمْسَة، وَرِجَال الثَّانِيَة سِتَّة، فلِمَ لم يكتف بِالْأولَى؟ قلت: إِنَّمَا أخرجه بِالطَّرِيقِ الثَّانِيَة أَيْضا لكَون مُحَمَّد بن جَعْفَر أثبت النَّاس فِي شُعْبَة، وَأَرَادَ بِهَذَا التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: اللَّفْظ الَّذِي سَاقه لِمَنْ من شيخيه؟ قلت: اللَّفْظ لبشر بن خَالِد.
وَكَذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ، وَتَابعه ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ فِي تَفْسِير الْأَنْعَام.
وَأما لفظ ابْن الْوَلِيد فساقه البُخَارِيّ فِي قصَّة لُقْمَان بِلَفْظ: ( أَيّنَا لم يلبس إيمَانه بظُلْم) ؟ وَزَاد فِيهِ أَبُو نعيم فِي ( مستخرجه) من طَرِيق سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة بعد قَوْله: {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ( لُقْمَان: 13) فطابت أَنْفُسنَا.
بَيَان رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة.
الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، وَقد مر ذكره.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد مر ذكره أَيْضا.
الثَّالِث: بشر، بِكَسْر الْبَاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، ابْن خَالِد العسكري أَبُو مُحَمَّد الفارض، روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ : ثِقَة، وَمُحَمّد بن يحيى بن مَنْدَه وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة.
توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن جَعْفَر الْهُذلِيّ، مَوْلَاهُم، الْبَصْرِيّ صَاحب الكراديس الْمَعْرُوف بغندر، وَسمع السفيانين وَشعْبَة وجالسه نَحوا من عشْرين سنة، وَكَانَ شُعْبَة زوج أمه، روى عَنهُ أَحْمد وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَبُنْدَار وَخلق كثير، صَامَ خمسين سنة يَوْمًا وَيَوْما،.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: كَانَ من أصح النَّاس كتابا..
     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَدُوق، وَهُوَ فِي شُعْبَة: ثِقَة، وغندر لقب لَهُ لقبه بِهِ ابْن جريج لما قدم الْبَصْرَة، وَحدث عَن الْحسن؟ فَجعل مُحَمَّد يكثر التشغيب عَلَيْهِ، فَقَالَ: أسكت يَا غنْدر.
وَأهل الْحجاز يسمون المشغب: غندراالاقرار وَالْإِنْكَار أَو السُّكُوت، فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار وَكَانَ اختياريا فَهُوَ إِيمَان الْمُقَلّد، وَهُوَ صَحِيح، خلافًا للْبَعْض.
وَإِن كَانَ اضطراريا فَهَذَا يفرع على الصُّورَة الأولى، فَإِن حكمنَا هُنَاكَ بالأيمان وَجب أَن نحكم هَهُنَا بالنفاق، وَهُوَ الْقسم الْخَامِس.
السَّادِس: أَن يكون مَعَه السُّكُوت، فَحكمه حكم الْقسم الثَّالِث اضطراريا أَو اختياريا.
السَّابِع: الانكار القلبي، فإمَّا أَن يُوجد مَعَه الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار أَو السُّكُوت، فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار فَإِن كَانَ اضطراريا فَهُوَ مُنَافِق، وَإِن كَانَ اختياريا فَهُوَ كفر الْجُحُود والعناد، وَهُوَ أَيْضا قسم من النِّفَاق وَهُوَ الْقسم الثَّامِن.
التَّاسِع: أَن يُوجد الْإِنْكَار بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِنْكَار القلبي، فَهَذَا كَافِر.
الْعَاشِر: القلبي الْخَالِي فَإِن كَانَ مَعَه الْإِقْرَار فَإِن كَانَ اختياريا يخرج من الْكفْر، وَإِن كَانَ اضطراريا لم يكفر.
الْحَادِي عشر: الْقلب الْخَالِي مَعَ الْإِنْكَار بِاللِّسَانِ فَحكمه على الْعَكْس مَعَ حكم الْقسم الْعَاشِر.
الثَّانِي عشر: الْقلب الْخَالِي مَعَ اللِّسَان الْخَالِي، فَهَذَا إِن كَانَ فِي مهلة النّظر فَذَاك هُوَ الْوَاجِب، وَإِن كَانَ خَارِجا عَن مهلة النّظر وَجب تكفيره، وَلَا يحكم بالنفاق الْبَتَّةَ؛ وَقد ظهر من هَذَا النِّفَاق الَّذِي لَا يُطَابق ظَاهره بَاطِنه، فَافْهَم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [32] ابن مسعود قال: لما نزلت { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} [الأنعام: 82] قال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أينا لم يظلم نفسه ، فأنزل الله { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] معنى هذا: أن الظلم يختلف: فيه ظلم، ينقل عن الملة كقوله تعالى { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] فإن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأعظم ذلك: أن يوضع المخلوق في مقام الخالق ويجعل شريكا له في الربوبية وفي الإلهية سبحانه وتعالى عما يشركون.
وأكثر ما يرد في القرآن وعيد الظالمين يراد به الكفار كقوله تعالى { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون} الآيات [إبراهيم: 42] ، وقوله { وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيل} الآيات [الشورى: 44] ومثل هذا كثير.
ويراد بالظلم: ما لا ينقل عن الملة، كقوله تعالى { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات} [فاطر: 32] وقوله { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} [البقرة: 229] .
وحديث ابن مسعود هذا صريح في أن المراد بقوله تعالى { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} أن الظلم هو الشرك، وجاء في بعض رواياته زيادة: قال " إنما هو الشرك " .
وروى حمادة بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ، فدخل ذات يوم فقرأ فأتى على هذه الآية { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} إلى آخر الآية فانتعل وأخذ رداءه ثم أتى أبي ابن كعب فقال: يا أبا المنذر! أتيت قبل على هذه الآية { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} وقد ترى أنا نظلم ونفعل، فقال: يا أمير المؤمنين! إن هذا ليس بذلك، يقول الله تعالى { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
-، إنما ذلك الشرك.
خرجه محمد بن نصر المروزي .
وخرجه - أيضا - من طريق حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن عمر أتى على هذه الآية، فذكره .
وحماد بن سلمه مقدم على حماد بن زيد في علي بن زيد خاصة .
وروي - أيضا - بإسناده، عن سفيان، عن ( 200 - أ/ف) ابن جريج، عن عطاء قال: كفر دون كفر وظلم دون ظلم، وفسوق دون فسق .
يعني: أن الفسق قد يكون ناقلا عن الملة كما قال في حق إبليس { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّه} [الكهف: 50] وقال {.
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}
[السجدة: 20] .
وقد لا يكون الفسق ناقلا عن الملة كقوله تعالى { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة: 282] ، وقوله في الذين يرمون المحصنات { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وقوله: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَج} [البقرة: 197] ، وفسرت الصحابة الفسوق في الحج بالمعاصي كلها، ومنهم من خصها بما ينهى عنه في الإحرام خاصة.
وكذلك الشرك: منه ما ينقل عن الملة، واستعماله في ذلك كثير في الكتاب والسنة.
ومنه: ما لا ينقل، كما جاء في الحديث: " من حلف بغير الله فقد أشرك " ِ ، وفي الحديث: " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل " ، وسمي الرياء: شركا.
وتأول ابن عباس على ذلك قوله تعالى { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون} [يوسف: 106] قال: إن أحدهم يشرك حتى يشرك بكلبه: لولا الكلب لسرقنا الليلة، قال تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .
وقد روي أنها نزلت في الرياء في العمل.
وقيل للحسن: يشرك بالله؟ قال: لا؛ ولكن أشرك بذلك العمل عملا يريد به الله والناس، فذلك يرد عليه.
29 - فصل خرج الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة وعن ابن عباس قال: قيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأديان أحب على الله؟ قال:: الحنيفية السمحة " .
وخرجه الطبراني ولفظه: أي الإسلام أفضل؟ .
وخرجه البزار في " مسنده ولفظه: أي الإسلام - أو أي الإيمان - أفضل؟ .
وهذا الإسناد ليس على شرط البخاري؛ لأنه لا يحتج بابن إسحاق ولا بروايات داود بن الحصين، عن عكرمة فإنها مناكير عند ابن المديني، والبخاري لا يخالف في ذلك وإن كان قد خرج لهما منفردين.
وخرج البزار هذا الحديث من وجه آخر؛ لكن إسناده لا يصح ( 5) .
وخرجه الطبراني من وجه ثالث، ولا يصح إسناده - أيضا .
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم يوم زفن الحبشة في المسجد: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة؛ إني أرسلت بحنيفية سمحة " .
وخرج - أيضا - من رواية معان بن رفاعة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية؛ ولكني بعثت بالحنيفية السمحة " .
إسناده ضعيف.
وخرج البخاري من حديث:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ ظُلْمٍ دُونَ ظُلْمٍ دُونَ)
يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى غَيْرَ أَيْ أَنْوَاعُ الظُّلْمِ مُتَغَايِرَةٌ أَوْ بِمَعْنَى الْأَدْنَى أَيْ بَعْضُهَا أَخَفُّ مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا من طَرِيق طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ تَرْجَمَةً وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ بِظُلْمٍ عُمُومَ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَهُوَ الشِّرْكُ عَلَى مَا سَنُوَضِّحُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلظُّلْمِ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةً وَمُنَاسَبَةُ إِيرَادِ هَذَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمعاصِي غير الشّرك لاينسب صَاحِبُهَا إِلَى الْكُفْرِ الْمُخْرِجِ عَنِ الْمِلَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ ظَاهِرَةٌ

[ قــ :32 ... غــ :32] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُصَحَّحَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قبلهَا صُورَة ح فَإِن كَانَت مِنْ أَصْلِ التَّصْنِيفِ فَهِيَ مُهْمَلَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّحْوِيلِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ كَانَتْ مَزِيدَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُهْمَلَةً كَذَلِكَ أَوْ مُعْجَمَةً مَأْخُوذَةً مِنَ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهَا رَمْزُهُ أَي قَالَ البُخَارِيّ وحَدثني بشر وَهُوَ بن خَالِد العسكري وَشَيْخه مُحَمَّد هُوَ بن جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي شُعْبَةَ وَلِهَذَا أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ رِوَايَتَهُ مَعَ كَوْنِهِ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَالِيًا عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَاللَّفْظُ الْمُسَاقُ هُنَا لَفْظُ بِشْرٍ وَكَذَلِكَ أخرج النَّسَائِيّ عَنهُ وَتَابعه بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي تَفْسِيرِ الْأَنْعَامِ.

.
وَأَمَّا لَفْظُ أَبِي الْوَلِيدِ فَسَاقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قِصَّةِ لُقْمَانَ بِلَفْظِ أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ وَزَادَ فِيهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ بَعْدَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الشِّرْكَ لظلم عَظِيم فَطَابَتْ أَنْفُسُنَا وَاقْتَضَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ هَذِهِ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي لُقْمَانَ لَكِنْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ سُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْهُ فَقَالُوا أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ لُقْمَانُ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي لُقْمَانَ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ وَلِذَلِكَ نَبَّهَهُمْ عَلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا وَقَعَ فِي الْحَالِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ نَبَّهَهُمْ فَتَلْتَئِمُ الرِّوَايَتَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ الشِّرْكُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ أَكْبَرَ مِنْ أَنْ يُلَقَّبَ بِالظُّلْمِ فَحَمَلُوا الظُّلْمَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا عَدَاهُ يَعْنِي مِنَ الْمَعَاصِي فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُمْ حَمَلُوا الظُّلْمَ عَلَى عُمُومِهِ الشِّرْكَ فَمَا دُونَهُ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ صَنِيعُ الْمُؤَلِّفِ وَإِنَّمَا حَمَلُوهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِظُلْمٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَكِنَّ عُمُومَهَا هُنَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إِنْ دَخَلَ عَلَى النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مَا يُؤَكِّدُ الْعُمُومَ وَيُقَوِّيهِ نَحْوَ مِنْ فِي قَوْلِهِ مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ أَفَادَ تَنْصِيصَ الْعُمُومِ وَإِلَّا فَالْعُمُومُ مُسْتَفَادٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَمَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ هُوَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ فَالْمُرَادُ بِالظُّلْمِ أَعْلَى أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الشِّرْكُ فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ لَبَسَ الْإِيمَانَ بِظُلْمٍ لَا يَكُونَ آمِنًا وَلَا مُهْتَدِيًا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِمْ وَالسِّيَاقُ إِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الظُّلْمُ فَهُوَ آمِنٌ وَمُهْتَدٍ فَمَا الَّذِي دَلَّ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ الظُّلْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ أَوْ مُسْتَفَادٌ مِنَ الِاخْتِصَاصِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَقْدِيمِ لَهُمْ عَلَى الْأَمْنِ أَيْ لَهُمُ الْأَمْنُ لَا لِغَيْرِهِمْ كَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى إياك نعْبد.

     وَقَالَ  فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلهَا تَقْدِيمُ هُوَ عَلَى قَائِلِهَا يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ أَيْ هُوَ قَائِلُهَا لَا غَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ أَنَّ غَيْرَ الشِّرْكِ لَا يَكُونُ ظُلْمًا فَالْجَوَابُ أَن التَّنْوِين فِي قَوْله لظلم عَظِيم وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالُ الشَّارِعِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَالتَّقْدِيرُ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ عَظِيمٍ أَيْ بِشِرْكٍ إِذْ لَا ظُلْمَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَفْظُهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ قَالَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بشرك أَو لم تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ فَذَكَرَ الْآيَةَ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمَازِرِيُّ جَوَازَ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَنَازَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَكْلِيفُ عَمَلٍ بَلْ تَكْلِيفُ اعْتِقَادٍ بِتَصْدِيقِ الْخَبَرِ وَاعْتِقَادُ التَّصْدِيقِ لَازِمٌ لِأَوَّلِ وُرُودِهِ فَمَا هِيَ الْحَاجَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُعْتَقَدَاتُ أَيْضًا تَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ فَلَمَّا أَجْمَلَ الظُّلْمَ حَتَّى تَنَاوَلَ إِطْلَاقُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي شَقَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى وَرَدَ الْبَيَانُ فَمَا انْتَفَتِ الْحَاجَةُ وَالْحَقُّ أَنَّ فِي الْقِصَّةِ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُمْ حَيْثُ احْتَاجُوا إِلَيْهِ لَمْ يَتَأَخَّرْ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَلْبِسُوا أَيْ لَمْ يَخْلِطُوا تَقُولُ لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ أَلْبِسُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ خَلَطْتُهُ وَتَقُولُ لَبِسْتُ الثَّوْبَ أَلْبَسُهُ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَالْفَتْحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ فِي شَرحه خلط الْإِيمَان بالشرك لايتصور فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُمُ الصِّفَتَانِ كُفْرٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إِيمَانٍ مُتَقَدِّمٍ أَيْ لَمْ يَرْتَدُّوا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَيْ لَمْ يُنَافِقُوا وَهَذَا أَوْجَهُ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِبَابِ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ تَرْتِيبِهِ ثُمَّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَهُمُ الْأَعْمَشُ عَنْ شَيْخِهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ عَنْ خَالِهِ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ وَالثَّلَاثَةُ كُوفِيُّونَ فُقَهَاءُ وَعَبْدُ اللَّهِ الصَّحَابِيُّ هُوَ بن مَسْعُودٍ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ أَحَدُ مَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ وَالْأَعْمَشُ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ الَّتِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ عَنْهُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا إِلَّا فِي هَذَا الطَّرِيقِ وَفِي الْمَتْنِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَأَنَّ الْخَاصَّ يَقْضِي عَلَى الْعَام والمبين على الْمُجْمَلِ وَأَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ لِمَصْلَحَةِ دَفْعِ التَّعَارُضِ وَأَنَّ دَرَجَاتِ الظُّلْمِ تَتَفَاوَتُ كَمَا تَرْجَمَ لَهُ وَأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تُسَمَّى شِرْكًا وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا فَلَهُ الْأَمْنُ وَهُوَ مُهْتَدٍ فَإِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي قَدْ يُعَذَّبُ فَمَا هُوَ الْأَمْنُ وَالِاهْتِدَاءُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ آمِنٌ مِنَ التَّخْلِيدِ فِي النَّارِ مُهْتَدٍ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ وَاللَّهُ أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  23 - فصل
خرج البخاري ومسلم من حديث:
[ قــ :32 ... غــ :32 ]
- ابن مسعود قال: لما نزلت { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} [الأنعام: 82] قال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أينا لم يظلم نفسه ، فأنزل الله { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
معنى هذا: أن الظلم يختلف: فيه ظلم، ينقل عن الملة كقوله تعالى { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] فإن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأعظم ذلك: أن يوضع المخلوق في مقام الخالق ويجعل شريكا له في الربوبية وفي الإلهية سبحانه وتعالى عما يشركون.
وأكثر ما يرد في القرآن وعيد الظالمين يراد به الكفار كقوله تعالى { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون} الآيات [إبراهيم: 42] ، وقوله { وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيل} الآيات [الشورى: 44] ومثل هذا كثير.

ويراد بالظلم: ما لا ينقل عن الملة، كقوله تعالى { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات} [فاطر: 32] وقوله { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} [البقرة: 229] .

وحديث ابن مسعود هذا صريح في أن المراد بقوله تعالى { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} أن الظلم هو الشرك، وجاء في بعض رواياته زيادة: قال " إنما هو الشرك " .

وروى حمادة بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ، فدخل ذات يوم فقرأ فأتى على هذه الآية { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} إلى آخر الآية فانتعل وأخذ رداءه ثم أتى أبي ابن كعب فقال: يا أبا المنذر! أتيت قبل على هذه الآية { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْم} وقد ترى أنا نظلم ونفعل، فقال: يا أمير المؤمنين! إن هذا ليس بذلك، يقول الله تعالى { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
-، إنما ذلك الشرك.
خرجه محمد بن نصر المروزي .
وخرجه - أيضا - من طريق حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن عمر أتى على هذه الآية، فذكره .
وحماد بن سلمه مقدم على حماد بن زيد في علي بن زيد خاصة .
وروي - أيضا - بإسناده، عن سفيان، عن ( 200 - أ/ف) ابن جريج، عن عطاء قال: كفر دون كفر وظلم دون ظلم، وفسوق دون فسق .

يعني: أن الفسق قد يكون ناقلا عن الملة كما قال في حق إبليس { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّه} [الكهف: 50] وقال {.
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}
[السجدة: 20] .

وقد لا يكون الفسق ناقلا عن الملة كقوله تعالى { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة: 282] ، وقوله في الذين يرمون المحصنات { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وقوله: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَج} [البقرة: 197] ، وفسرت الصحابة الفسوق في الحج بالمعاصي كلها، ومنهم من خصها بما ينهى عنه في الإحرام خاصة.
وكذلك الشرك: منه ما ينقل عن الملة، واستعماله في ذلك كثير في الكتاب والسنة.
ومنه: ما لا ينقل، كما جاء في الحديث: " من حلف بغير الله فقد أشرك " ِ ، وفي الحديث: " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل " ، وسمي الرياء: شركا.
وتأول ابن عباس على ذلك قوله تعالى { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون} [يوسف: 106] قال: إن أحدهم يشرك حتى يشرك بكلبه: لولا الكلب لسرقنا الليلة، قال تعالى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .

وقد روي أنها نزلت في الرياء في العمل.
وقيل للحسن: يشرك بالله؟ قال: لا؛ ولكن أشرك بذلك العمل عملا يريد به الله والناس، فذلك يرد عليه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ
هذا ( باب) بالتنوين ( ظلم دون ظلم) أي بعضه أخف من بعض، وهذه الترجمة لفظ رواية حديث رواه الإمام أحمد من كتاب الإيمان من حديث عطاء.



[ قــ :32 ... غــ : 32 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
ح.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نفسه؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
[الحديث 32 - أطرافه في: 3360، 3428، 3429، 4629، 4776، 6918، 6937] .

وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي الباهلي البصري السابق ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( ح) مهملة ( قال: وحدّثني) بالإفراد ( بشر) كذا في فرع اليونينية كهي، وفي بعض الأصول وهو لكريمة ح.
وحدّثني بشر قال في الفتح: فإن كانت -يعني الحاء المفردة- من أصل التصنيف فهي مهملة مأخوذة من التحويل على المختار، وإن كانت مزيدة من بعض الرواة فيحتمل أن تكون مهملة كذلك أو معجمة مأخوذة من البخاري لأنها رمزه، أي قال البخاري: وحدْثني بشر، لكن في بعض الروايات المصححة وحدّثني بواو العطف من غير حاء قبلها، وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وفي رواية ابن عساكر بن خالد أبو محمد العسكري كما في فرع اليونينية كهي المتوفى أبو بشر المذكور سنة ثلاث وخمسين ومائتين ( قال: حدّثنا محمد) وفي رواية ابن عساكر محمد بن جعفر كما في الفرع أيضًا كاليونينية الهذلي البصري المعروف بغندر المتوفى فيما قاله أبو داود سنة ثلاث وتسعين ومائة ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن سليمان) بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي الكوفي، ولد يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وعند المؤلف سنة ستين المتوفى سنة ثمان ومائة ( عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه الثقة، وكان يرسل كثيرًا، المتوفى وهو مُختَفٍ من الحجاج سنة ست وتسعين وهو من الخامسة ( عن علقمة) بن قيس بن عبد الله، المتوفى سنة اثنتين وستين، وقيل: وسبعين ( عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.

( قال لما نزلت) زاد الأصيلي قال: لما نزلت هذه الآية: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} { أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} [الأنعام: 82] وقوله: بظلم أي عظيم أي لم يخلطوه بشرك إذ لا أعظم من الشرك، وقد ورد التصريح بذلك عند المؤلف من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه: قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون بل لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك ألم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية الآتية، لكن منع التيمي تصوّر خلط الإيمان بالشرك وحمله على عدم حصول الصفتين لهم كفر متأخر عن إيمان متقدّم.
أي: لم يرتدوا أو المراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا أي لم ينافقوا وهذا أوجه.
( قال أصحاب رسول الله) وللأصيليّ النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا لم يظلم نفسه) مبتدأ وخبر والجملة مقول القول ( فأنزل الله) ولأبي ذر والأصيلي، فأنزل الله عز وجل عقب ذلك ( إن الشرك لظلم عظيم) إنما حملوه على العموم لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي، لكن عمومها هنا بحسب الظاهر.
قال المحققون: إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم
ويقوّيه نحو: من في قوله: ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبيّن لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ظاهره غير مراد، بل هو من العام الذي أريد به الخاص، والمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك، وإنما فهموا حصر الأمن والاهتداء فيمن لم يلبس إيمانه حتى ينتفيا عمن لبس من تقديم لهم على الأمن في قوله لهم الأمن أي: لهم لا لغيرهم ومن تقديم وهم على مهتدون.
وفي الحديث أن المعاصي لا تسمى شركًا وأن من لم يشرك بالله شيئاًً فله الأمن وهو مهتدٍ.
لا يقال: إن العاصي قد يعذب فما هذا الأمن والاهتداء الذي حصل له؟ لأنه أجيب بأنه آمن من التخليد في النار مهتدِ إلى طريق الجنة انتهى.

وفيه أيضًا: أن درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له، وأن العامّ يطلق ويراد به الخاصّ، فحمل الصحابة ذلك على جميع أنواع الظلم، فبين الله تعالى أن المراد نوع منه، وأن المفسر يقضي على المجمل، وأن النكرة في سياق النفي تعم، وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض.


وفي إسناده رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم: الأعمش عن شيخه إبراهيم النخعي عن خاله علقمة بن قيس والثلاثة كوفيون فقهاء، وهذا أحد ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد، وأمن تدليس الأعمش بما وقع عند المؤلف فيما مرّ في رواية حفص بن غياث عنه حدّثنا إبراهيم، وفيه التحديث بصورة الجمع والإفراد والعنعنة، وأخرج متنه المؤلف أيضًا في باب أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي التفسير، ومسلم في الإيمان والترمذي.

ولما فرغ المؤلف من بيان مراتب الكفر والظلم وأنها متفاوتة عقبه بأن النفاق كذلك فقال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ)

الْكَلَام فِيهِ على وَجْهَيْن.
الأول: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ أَن الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول هُوَ أَن الله تَعَالَى سمى الْبُغَاة مُؤمنين، وَلم ينف عَنْهُم اسْم الْإِيمَان مَعَ كَونهم عصاة، وَأَن الْمعْصِيَة لَا تخرج صَاحبهَا عَن الْإِيمَان، وَلَا شكّ أَن الْمعْصِيَة ظلم، وَالظُّلم فِي ذَاته مُخْتَلف، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ الْإِشَارَة إِلَى أَنْوَاع الظُّلم حَيْثُ قَالَ: ظلم دون ظلم،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: مَقْصُود الْبابُُ أَن تَمام الْإِيمَان بِالْعَمَلِ، وَأَن الْمعاصِي ينقص بهَا الْإِيمَان وَلَا تخرج صَاحبهَا إِلَى كفر، وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ فِيهِ على قدر صغر الْمعاصِي وكبرها.

الثَّانِي: قَوْله: ( بابُُ) لَا يعرب إلاَّ بِتَقْدِير مُبْتَدأ قبله، لأَنا قد قُلْنَا غير مرّة إِن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد التَّرْكِيب، وَلَا يُضَاف إِلَى مَا بعده، وَالتَّقْدِير فِي الْحَقِيقَة: هَذَا بابُُ يبين فِيهِ ظلم دون ظلم، وَهَذَا لفظ أثر رَوَاهُ أَحْمد فِي كتاب الْإِيمَان من حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح وَغَيره، أَخذه البُخَارِيّ وَوَضعه تَرْجَمَة، ثمَّ رتب عَلَيْهِ الحَدِيث الْمَرْفُوع.
وَلَفظه: دون، إِمَّا بِمَعْنى: غير، يَعْنِي: أَنْوَاع الظُّلم مُخْتَلفَة مُتَغَايِرَة؛ وَإِمَّا بِمَعْنى: الْأَدْنَى، يَعْنِي: بَعْضهَا أَشد فِي الظلمية وَسُوء عَاقبَتهَا.



[ قــ :32 ... غــ :32 ]
- حدّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ ح قَالَ وحدّثني بِشْرٌ قَالَ حدّثنا مُحَمَّدٌ عَن شُعْبَةَ عَن سُلَيْمَانَ عَن إبْراهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ عَن عبدِ اللَّهِ قالَ لَمَّا نَزَلَت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ فأنْزَلَ {اللَّهُ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لما علم أَن الظُّلم على أَنْوَاع، وَأَن بعض أَنْوَاع الظُّلم كفر وَبَعضهَا لَيْسَ بِكفْر، فَيعلم من ذَلِك ضَرُورَة أَن بَعْضهَا دون بعض، وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين إِحْدَاهمَا: عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.
وَالْأُخْرَى: عَن بشر بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله.
فَإِن قلت: الحَدِيث عَال فِي الطَّرِيق الأولى لِأَن رجالها خَمْسَة، وَرِجَال الثَّانِيَة سِتَّة، فلِمَ لم يكتف بِالْأولَى؟ قلت: إِنَّمَا أخرجه بِالطَّرِيقِ الثَّانِيَة أَيْضا لكَون مُحَمَّد بن جَعْفَر أثبت النَّاس فِي شُعْبَة، وَأَرَادَ بِهَذَا التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: اللَّفْظ الَّذِي سَاقه لِمَنْ من شيخيه؟ قلت: اللَّفْظ لبشر بن خَالِد.
وَكَذَلِكَ أخرجه النَّسَائِيّ عَنهُ، وَتَابعه ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ فِي تَفْسِير الْأَنْعَام.
وَأما لفظ ابْن الْوَلِيد فساقه البُخَارِيّ فِي قصَّة لُقْمَان بِلَفْظ: ( أَيّنَا لم يلبس إيمَانه بظُلْم) ؟ وَزَاد فِيهِ أَبُو نعيم فِي ( مستخرجه) من طَرِيق سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة بعد قَوْله: {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ( لُقْمَان: 13) فطابت أَنْفُسنَا.

بَيَان رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة.
الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ، وَقد مر ذكره.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج، وَقد مر ذكره أَيْضا.
الثَّالِث: بشر، بِكَسْر الْبَاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، ابْن خَالِد العسكري أَبُو مُحَمَّد الفارض، روى عَنهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ،.

     وَقَالَ : ثِقَة، وَمُحَمّد بن يحيى بن مَنْدَه وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة.
توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن جَعْفَر الْهُذلِيّ، مَوْلَاهُم، الْبَصْرِيّ صَاحب الكراديس الْمَعْرُوف بغندر، وَسمع السفيانين وَشعْبَة وجالسه نَحوا من عشْرين سنة، وَكَانَ شُعْبَة زوج أمه، روى عَنهُ أَحْمد وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَبُنْدَار وَخلق كثير، صَامَ خمسين سنة يَوْمًا وَيَوْما،.

     وَقَالَ  يحيى بن معِين: كَانَ من أصح النَّاس كتابا..
     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: صَدُوق، وَهُوَ فِي شُعْبَة: ثِقَة، وغندر لقب لَهُ لقبه بِهِ ابْن جريج لما قدم الْبَصْرَة، وَحدث عَن الْحسن؟ فَجعل مُحَمَّد يكثر التشغيب عَلَيْهِ، فَقَالَ: أسكت يَا غنْدر.
وَأهل الْحجاز يسمون المشغب: غندرا وَزعم أَبُو جَعْفَر النّحاس فِي كتاب ( الِاشْتِقَاق) أَنه من الْغدر، وَأَن نونه زَائِدَة، وَالْمَشْهُور فِي داله الْفَتْح، وَحكى الْجَوْهَرِي ضمهَا.
مَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة، قَالَه أَبُو دَاوُد، وَقيل: سنة أَربع،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ.
وَقد تلقب عشرَة أنفس بغندر.
الْخَامِس: سُلَيْمَان بن مهْرَان، أَبُو مُحَمَّد الْأَسدي الْكَاهِلِي، مَوْلَاهُم، الْكُوفِي الْأَعْمَش.
وكاهل هُوَ أَسد بن خُزَيْمَة، يُقَال: أَصله من طبرستان من قَرْيَة يُقَال لَهَا دباوند، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْألف وَفتح الْوَاو وَسُكُون النُّون وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، ولد بهَا الْأَعْمَش وَجَاء بِهِ أَبوهُ حميلاً إِلَى الْكُوفَة، فَاشْتَرَاهُ رجل من بني أَسد فَأعْتقهُ،.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ فِي ( جَامِعَة) فِي بابُُ الاستتار عِنْد الْحَاجة، عَن الْأَعْمَش أَنه قَالَ: كَانَ أبي حميلا فورثه مَسْرُوق.
فالحميل على هَذَا أَبوهُ، والحميل: الَّذِي يحمل من بَلَده صَغِيرا وَلم يُولد فِي الْإِسْلَام، وَظهر للأعمش أَرْبَعَة ألآف حَدِيث، وَلم يكن لَهُ كتاب، وَكَانَ فصيحا لم يلحن قطّ، وَكَانَ أَبوهُ من سبي الديلم، يُقَال: إِنَّه شهد قتل الْحُسَيْن، رَضِي الله عَنهُ، وَأَن الْأَعْمَش ولد يَوْم قتل الْحُسَيْن، يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ..
     وَقَالَ  البُخَارِيّ: ولد سنة سِتِّينَ، وَمَات سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة، رأى أنسا، قيل: وَأَبا بكرَة، وروى عَن عبد الله بن أبي أوفى،.

     وَقَالَ  الشَّيْخ قطب الدّين فِي ( شَرحه) : رأى أنس بن مَالك وَعبد الله بن أبي أوفى وَلم يثبت لَهُ سَماع من أَحدهمَا، وَسمع أَبَا وَائِل ومعرورا ومجاهدا وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ والتيمي وَالشعْبِيّ وخلقا، روى عَنهُ السبيعِي وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَالثَّوْري وَشعْبَة وَيحيى الْقطَّان وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَخلق سواهُم..
     وَقَالَ  يحيى الْقطَّان: الْأَعْمَش من النساك المحافظين على الصَّفّ الأول، وَكَانَ عَلامَة الْإِسْلَام،.

     وَقَالَ  وَكِيع: بَقِي الْأَعْمَش قَرِيبا من سبعين سنة لم تفته التَّكْبِيرَة الأولى، وَكَانَ شُعْبَة إِذا ذكر الْأَعْمَش قَالَ: الْمُصحف الْمُصحف، سَمَّاهُ الْمُصحف لصدقه، وَكَانَ يُسمى: سيد الْمُحدثين، وَكَانَ فِيهِ تشيع، وَنسب إِلَى التَّدْلِيس، وَقد عنعن هَذَا الحَدِيث عَن إِبْرَاهِيم، وَلم ير فِي جَمِيع الطّرق الَّتِي فِيهَا رِوَايَة الْأَعْمَش للْبُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا أَنه صرح بِالتَّحْدِيثِ أَو الْإِخْبَار إلاَّ فِي رِوَايَة حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش، الحَدِيث الْمَذْكُور فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، على مَا سَيَجِيءُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى: فَإِن قلت: المعنعن إِذا كَانَ مدلسا لَا يحمل حَدِيثه على السماع، إِلَّا أَن يبين، فَيَقُول: حَدثنَا، أَو أخبرنَا، أَو سَمِعت، أَو مَا يدل على التحديث.
قلت: قَالَ ابْن الصّلاح وَغَيره: مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من ذَلِك عَن المدلسين: كالسفيانين وَالْأَعْمَش وَقَتَادَة وَغَيرهم، فَمَحْمُول على ثُبُوت السماع عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم من طَرِيق آخر، وَقد ذكر الْخَطِيب عَن بعض الْحفاظ، أَن الْأَعْمَش يُدَلس عَن غير الثِّقَة، بِخِلَاف سُفْيَان فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُدَلس عَن ثِقَة.
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا بُد أَن يبين حَتَّى يعرف، وَالله أعلم، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
السَّادِس: إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن قيس بن الْأسود بن عَمْرو بن ربيعَة بن ذهل بن سعد بن مَالك بن النخع، النَّخعِيّ أَبُو عمرَان الْكُوفِي، فَقِيه أهل الْكُوفَة، دخل على عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، وَلم يثبت مِنْهَا لَهُ سَماع..
     وَقَالَ  الْعجلِيّ: أدْرك جمَاعَة من الصَّحَابَة وَلم يحدث من أحد مِنْهُم، وَكَانَ ثِقَة.
مفتي أهل زَمَانه هُوَ وَالشعْبِيّ، وَسمع عَلْقَمَة وَالْأسود بن زيد وخالدا ومسروقا وخلقا كثيرا، روى عَنهُ الشّعبِيّ وَمَنْصُور وَالْأَعْمَش وَغَيرهم، وَكَانَ أَعور،.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ: لما مَاتَ إِبْرَاهِيم مَا ترك أحدا أعلم مِنْهُ وَلَا أفقه، فَقيل لَهُ: وَلَا الْحسن وَابْن سِيرِين؟ قَالَ: وَلَا هما، وَلَا من أهل الْبَصْرَة، وَلَا من أهل الْكُوفَة والحجاز.
وَفِي رِوَايَة: وَلَا بِالشَّام.
قَالَ الْأَعْمَش: كَانَ إِبْرَاهِيم صيرفي الحَدِيث، مَاتَ وَهُوَ مختف من الْحجَّاج، وَلم يحضر جنَازَته إلاَّ سَبْعَة أنفس سنة سِتّ وَتِسْعين، وَهُوَ ابْن تسع، وَقيل: ثَمَان وَخمسين.
قيل: ولد سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ، وَقيل: سنة خمسين، فَيكون على هَذَا توفّي ابْن سِتّ وَأَرْبَعين، روى لَهُ الْجَمَاعَة.
السَّابِع: عَلْقَمَة بن قيس بن عبد الله بن عَلْقَمَة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عَوْف بن النَّخعِيّ، أَبُو شبْل الْكُوفِي، عَم الْأسود وَعبد الرَّحْمَن ابْني يزِيد، خَالِي إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ لِأَن أم إِبْرَاهِيم مليكَة ابْنة يزِيد، وَهِي أُخْت الْأسود وَعبد الرَّحْمَن ابْني يزِيد، روى عَن أبي بكر، رَضِي الله عَنهُ، وَسمع عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم، وروى عَنهُ أَبُو وَائِل وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَغَيرهم، اتّفق على جلالته وتوثيقه،.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: كَانَ عَلْقَمَة يشبه عبد الله بن مَسْعُود..
     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاق: كَانَ عَلْقَمَة من الربانيين..
     وَقَالَ  أَبُو قيس: رَأَيْت إِبْرَاهِيم آخِذا بركاب عَلْقَمَة.
مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَقيل: وَسبعين، وَلم يُولد لَهُ قطّ، روى لَهُ الْجَمَاعَة إلاَّ ابْن مَاجَه.
الثَّامِن: عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله عَنهُ، وَقد مر ذكره فِي أول كتاب الْإِيمَان.
وَفِي الصَّحَابَة ثَلَاثَة عبد لله بن مَسْعُود أحدهم: هَذَا وَالثَّانِي: أَبُو عَمْرو الثَّقَفِيّ، أَخُو أبي عُبَيْدَة، اسْتشْهد يَوْم الجسر.
وَالثَّالِث: غفاري، لَهُ حَدِيث.
وَفِيهِمْ رَابِع: اخْتلف فِي إسمه فَقيل: ابْن مسْعدَة، وَقيل: ابْن مَسْعُود الْفَزارِيّ.
بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصُورَة الْجمع وَصُورَة الْإِفْرَاد والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ ثَلَاثَة من التَّابِعين الْكُوفِيّين يروي بَعضهم عَن بعض: الْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم وعلقمة، وَهَذَا الْإِسْنَاد أحد مَا قيل فِيهِ إِنَّه أصح الْأَسَانِيد.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم حفاظ أَئِمَّة أجلاء.
وَمِنْهَا: أَن فِي بعض النّسخ قبل قَوْله: ( وحَدثني بشر) صُورَة: ح، أَشَارَ إِلَى التَّحْوِيل حَائِلا بَين الإسنادين، فَهَذَا إِن كَانَ من المُصَنّف، فَهِيَ تدل على التَّحْوِيل قطعا، وَإِن كَانَ من بعض الروَاة قد زَادهَا فَيحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا، أَن تكون مُهْملَة دَالَّة على التَّحْوِيل كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَالْآخر: أَن تكون مُعْجمَة دَالَّة على البُخَارِيّ بطرِيق الرَّمْز، أَي: قَالَ البُخَارِيّ: وحَدثني بشر، وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة بواو الْعَطف.
فَافْهَم.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة، وَعَن بشر بن خَالِد عَن غنْدر عَن شُعْبَة، وَفِي التَّفْسِير عَن بنْدَار عَن ابْن عدي عَن شُعْبَة، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، عَن ابْن حَفْص بن غياث عَن أَبِيه، وَعَن إِسْحَاق عَن عِيسَى بن يُونُس، وَفِي التَّفْسِير واستتابة الْمُرْتَدين عَن قُتَيْبَة عَن جرير.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر عَن ابْن إِدْرِيس، وَأبي مُعَاوِيَة ووكيع، وَعَن إِسْحَاق وَابْن خشرم عَن عِيسَى، وَعَن منْجَاب عَن عَليّ بن مسْهر، وَعَن أبي كريب عَن ابْن إِدْرِيس كلهم عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَفِي بعض طرق البُخَارِيّ: لما نزلت الْآيَة شقّ ذَلِك على أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: أَيّنَا لم يلبس إِيمَانًا بظُلْم؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه لَيْسَ كَذَلِك، أَلا تَسْمَعُونَ إِلَى قَول لُقْمَان {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ( لُقْمَان: 13) وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا.

بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب: قَوْله: ( لم يلبسوا) من بابُُ: لبست الْأَمر ألبسهُ، بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي، وَالْكَسْر فِي الْمُسْتَقْبل، إِذا خلطته؛ وَفِي: لبس الثَّوْب بضده يَعْنِي، بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي، وَالْفَتْح فِي الْمُسْتَقْبل.
والمصدر من الأول: لبس، بِفَتْح اللَّام، وَمن الثَّانِي: لبس بِالضَّمِّ.
وَفِي ( الْعبابُ) : قَالَ الله تَعَالَى: {وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ} ( الْأَنْعَام: 9) أَي شبهنا عَلَيْهِم وأضللناهم كَمَا ضلوا، قَالَ ابْن عَرَفَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ} ( الْبَقَرَة: 42) أَي: لَا تخلطوه بِهِ، وَقَوله تَعَالَى: {أويلبسكم شيعًا} ( الْأَنْعَام: 65) أَي يخلط أَمركُم خلط اضْطِرَاب لَا خلط اتِّفَاق.
وَقَوله جلّ ذكره: {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} ( الْأَنْعَام: 82) أَي: لم يخلطوه بشرك، قَالَ العجاج:
( ويفصلون اللّبْس بعد اللّبْس ... من الْأُمُور الربس بعد الربس)

واللبس أَيْضا: اخْتِلَاط الظلام، وَفِي الْأَمر لبسة، بِالضَّمِّ، أَي: شُبْهَة وَلَيْسَ بواضح.
قَوْله: ( بظُلْم) ، الظُّلم فِي أصل الْوَضع: وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، يُقَال: ظلمه يَظْلمه ظلما ومظلمة والظلامة والظليمة والمظلمة: مَا تطلبه عِنْد الْمَظَالِم، وَهُوَ اسْم مَا أَخذ مِنْك.
وتظلمني فلَان أَي: ظَلَمَنِي مَالِي.
قَوْله: ( لما) ، بِمَعْنى: حِين، وَقَوله: ( قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) جَوَابه.
قَوْله: ( نزلت) : فعل وفاعله، قَوْله: ( {الَّذين آمنُوا} ( الْأَنْعَام: 82) ) الْآيَة، والتأنيث بِاعْتِبَار الْآيَة، وَالتَّقْدِير: لما نزلت هَذِه الْآيَة: ( {الَّذين آمنُوا} ( الْأَنْعَام: 82) ) إِلَى آخرهَا.
قَوْله: ( أَيّنَا) ، كَلَام إضافي مُبْتَدأ، وَقَوله: ( لم يظلم) خَبره، وَالْجُمْلَة مقول القَوْل، قَوْله: ( فَأنْزل الله) عطف على: قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْفَاء مَعْنَاهَا التعقيب، وَقد تكون بِمَعْنى: ثمَّ، يَعْنِي للتراخي، وَالَّذِي تَقْتَضِيه الْحَال أَنَّهَا هَهُنَا على أَصْلهَا.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( أَيّنَا لم يظلم) ، وَفِي بعض النّسخ: ( أَيّنَا لم يظلم نَفسه) ، بِزِيَادَة: نَفسه، وَالْمعْنَى: إِن الصَّحَابَة فَهموا الظُّلم على الْإِطْلَاق، فشق عَلَيْهِم ذَلِك، فَبين الله تَعَالَى أَن المُرَاد الظُّلم الْمُقَيد، وَهُوَ الظُّلم الَّذِي لَا ظلم بعده..
     وَقَالَ  الْخطابِيّ: إِنَّمَا شقّ عَلَيْهِم لِأَن ظَاهر الظُّلم الافتيات بِحُقُوق النَّاس، والافتيات السَّبق إِلَى الشَّيْء، وَمَا ظلمُوا بِهِ أنفسهم من ارْتِكَاب الْمعاصِي، فظنوا أَن المُرَاد هَهُنَا مَعْنَاهُ الظَّاهِر، فَأنْزل الله تَعَالَى الْآيَة.
وَمن جعل الْعِبَادَة وَأثبت الربوبية لغير الله تَعَالَى فَهُوَ ظَالِم، بل أظلم الظَّالِمين..
     وَقَالَ  التَّيْمِيّ: معنى الْآيَة: لم يفسدوا إِيمَانهم ويبطلوه بِكفْر، لِأَن الْخَلْط بَينهمَا لَا يتَصَوَّر، أَي: لم يخلطوا صفة الْكفْر بِصفة الْإِيمَان فَتحصل لَهُم صفتان إِيمَان مُتَقَدم وَكفر مُتَأَخّر بِأَن كفرُوا بعد إِيمَانهم، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: ينافقوا فيجمعوا بَينهمَا ظَاهرا وَبَاطنا، وَإِن كَانَا لَا يَجْتَمِعَانِ.
قلت: اخْتلفت أَلْفَاظ الحَدِيث فِي هَذَا، فَفِي رِوَايَة جرير عَن الْأَعْمَش: ( فَقَالُوا أَيّنَا لم يلبس إيمَانه بظُلْم؟ فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِك، أَلا تَسْمَعُونَ إِلَى قَول لُقْمَان) ؟ وَفِي رِوَايَة وَكِيع عَنهُ: ( فَقَالَ لَيْسَ كَمَا تظنون) .
وَفِي رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَنهُ: ( إِنَّمَا هُوَ الشّرك، ألم تسمعوا مَا قَالَ لُقْمَان؟) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَنهُ مَا مضى ذكره هَهُنَا، فَبين رِوَايَة شُعْبَة عَنهُ وَبَين رِوَايَات جرير ووكيع وَعِيسَى بن يُونُس اخْتِلَاف، والتوفيق بَينهمَا أَن يَجْعَل إِحْدَاهمَا مبينَة لِلْأُخْرَى، فَيكون الْمَعْنى: لما شقّ عَلَيْهِم أنزل الله تَعَالَى {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ( لُقْمَان: 13) فأعلمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الظُّلم الْمُطلق فِي إِحْدَاهمَا يُرَاد بِهِ الْمُقَيد فِي الْأُخْرَى، وَهُوَ الشّرك.
فالصحابة، رَضِي الله عَنْهُم، حملُوا اللَّفْظ على عُمُومه، فشق عَلَيْهِم إِلَى أَن أعلمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا ظننتم، بل كَمَا قَالَ لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام.
فَإِن قلت: من أَيْن حملوه على الْعُمُوم؟ قلت: لِأَن قَوْله: ( بظُلْم) نكرَة فِي سِيَاق النَّفْي، فاقتضت التَّعْمِيم.
فَإِن قلت: من أَيْن لزم أَن من لبس الْإِيمَان بظُلْم لَا يكون آمنا وَلَا مهتديا حَتَّى شقّ عَلَيْهِم؟ قلت: من تَقْدِيم: لَهُم، على الْأَمْن، فِي قَوْله: {أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن} ( الْأَنْعَام: 82) أَي: لَهُم الْأَمْن لَا لغَيرهم، وَمن تَقْدِيم {وهم} على {مهتدون} ( الْأَنْعَام: 82) فِي قَوْله: {وهم مهتدون} ( الْأَنْعَام: 82) .

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ فِي: {كلمة هُوَ قَائِلهَا} ( الْمُؤْمِنُونَ: 100) إِنَّه: للتخصيص، أَي: هُوَ قَائِلهَا لَا غَيره.
فَإِن قلت: لَا يلْزم من قَوْله تَعَالَى: {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} ( لُقْمَان: 13) إِن غير الشّرك لَا يكون ظلما.
قلت: التَّنْوِين فِي: بظُلْم، للتعظيم، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم عَظِيم، فَلَمَّا تبين أَن الشّرك ظلم عَظِيم، علم أَن المُرَاد: لم يلبسوا إِيمَانهم بشرك، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا عِنْد البُخَارِيّ من طَرِيق حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش، وَلَفظ: ( قُلْنَا: يَا رَسُول الله أَيّنَا لم يظلم نَفسه؟ قَالَ: لَيْسَ كَمَا تَقولُونَ، لم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم بشرك، أولم تسمعوا إِلَى قَول لُقْمَان) ؟ فَذكر الْآيَة.
فَإِن قلت: لِمَ ينْحَصر الظُّلم الْعَظِيم على الشّرك؟ قلت: عَظمَة هَذَا الظُّلم مَعْلُومَة بِنَصّ الشَّارِع، وعظمة غَيره غير مَعْلُومَة، وَالْأَصْل عدمهَا.

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: إِن الْعَام يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْخَاص، بِخِلَاف قَول أهل الظَّاهِر، فَحمل الصَّحَابَة ذَلِك على جَمِيع أَنْوَاع الظُّلم، فَبين الله تَعَالَى أَن المُرَاد نوع مِنْهُ، وَحكى الْمَاوَرْدِيّ فِي الظُّلم فِي الْآيَة قَوْلَيْنِ.
أَحدهمَا: أَن المُرَاد مِنْهُ الشّرك، وَهُوَ قَول أبي بن كَعْب وَابْن مَسْعُود عملا بِهَذَا الحَدِيث.
قَالَ: وَاخْتلفُوا على الثَّانِي، فَقيل: إِنَّهَا عَامَّة، وَيُؤَيِّدهُ مَا وَرَاه عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ ( أَن رجلا سَأَلَ عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسكت حَتَّى جَاءَ رجل فَأسلم، فَلم يلبث قَلِيلا حَتَّى اسْتشْهد.
فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا مِنْهُم، من الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم)
.
وَقيل: إِنَّهَا خَاصَّة نزلت فِي إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَيْسَ فِي هَذِه الْآيَة فِيهَا شَيْء، قَالَه عَليّ، رَضِي الله عَنهُ.
وَقيل: إِنَّهَا فِيمَن هَاجر إِلَى الْمَدِينَة.
قَالَه عِكْرِمَة.
قلت: جعل صَاحب ( الْكَشَّاف) هَذِه الْآيَة جَوَابا عَن السُّؤَال، أَعنِي قَوْله: {فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بالأمن إِن كُنْتُم تعلمُونَ} ( الْأَنْعَام: 81) وَأَرَادَ بالفريقين فريقي الْمُشْركين والموحدين، وَفسّر الشّرك بالمعصية.
فَقَالَ: أَي لم يخلطوا إِيمَانهم بِمَعْصِيَة تفسقهم، ثمَّ قَالَ: وأبى تَفْسِير الظُّلم بالْكفْر لفظ اللّبْس، وَهَذَا لَا يمشي إلاَّ على قَول من قَالَ: إِنَّهَا خَاصَّة نزلت فِي إِبْرَاهِيم.
الثَّانِي: إِن الْمُفَسّر يقْضِي على الْمُجْمل.
الثَّالِث: إِثْبَات الْعُمُوم.
الرَّابِع: عُمُوم النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي لفهم الصَّحَابَة وَتَقْرِير الشَّارِع عَلَيْهِ وَبَيَانه لَهُم التَّخْصِيص، وَأنكر القَاضِي الْعُمُوم، فَقَالَ: حملوه على أظهر مَعَانِيه، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ يُطلق على الْكفْر وَغَيره لُغَة وَشرعا، فَعرف الِاسْتِعْمَال فِيهِ الْعُدُول عَن الْحق فِي غير الْكفْر، كَمَا أَن لفظ الْكفْر يُطلق على معَان من: جحد النعم والستر، لَكِن الْغَالِب عِنْد مُجَرّد الْإِطْلَاق حمله على ضد الْإِيمَان، فَلَمَّا ورد لفظ الظُّلم من غير قرينَة حمله الصَّحَابَة على أظهر وجوهه، فَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة الْعُمُوم.
قلت: يرد هَذَا مَا ذَكرْنَاهُ من أَن النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم، وَرِوَايَة البُخَارِيّ أَيْضا.
الْخَامِس: استنبط مِنْهُ الْمَازرِيّ وَالنَّوَوِيّ وَغَيرهمَا تَأْخِير الْبَيَان إِلَى وَقت الْحَاجة.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض فِي الرَّد على ذَلِك بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِه الْقَضِيَّة تَكْلِيف عمل، بل تَكْلِيف اعْتِقَاد بِتَصْدِيق الْخَبَر، واعتقاد بِتَصْدِيق لَازم لأوّل وُرُوده، فَمَا هِيَ الْحَاجة المؤخرة إِلَى الْبَيَان؟ لكِنهمْ لما أشفقوا بَين لَهُم المُرَاد..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَيُمكن أَن يُقَال: المعتقد أَيْضا يحْتَاج إِلَى الْبَيَان فَمَا انْتَفَت الْحَاجة، وَالْحق أَن فِي الْقَضِيَّة تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْخطاب لأَنهم حَيْثُ احتاجوا إِلَيْهِ لم يتَأَخَّر.
قلت: لَو فهم هَذَا الْقَائِل كَلَام القَاضِي لما استدرك عَلَيْهِ بِمَا قَالَه، فَالْقَاضِي يَقُول: اعْتِقَاد التَّصْدِيق لَازم ... الخ، فَالَّذِي يفهم هَذَا الْكَلَام كَيفَ يَقُول: فَمَا انْتَفَت الْحَاجة.
وَقَوله: وَالْحق أَن فِي الْقِصَّة تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْخطاب، لَيْسَ بِحَق، لِأَن الْآيَة لَيْسَ فِيهَا خطاب، وَالْخطاب من بابُُ الْإِنْشَاء، وَالْآيَة إِخْبَار.
على أَن تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْخطاب مُمْتَنع عِنْد جمَاعَة.
وَقيد الْكَرْخِي جَوَازه فِي الْمُجْمل على مَا عرف فِي مَوْضِعه.
السَّادِس: أَن الْمعاصِي لَا تكون كفرا، وَهُوَ مَذْهَب أهل الْحق، وَأَن الظُّلم مُخْتَلف فِي ذَاته كَمَا عَلَيْهِ تَرْجَمته.
السَّابِع: احْتج بِهِ من قَالَ: الْكَلَام حكمه الْعُمُوم حَتَّى يَأْتِي دَلِيل الْخُصُوص.
الثَّامِن: أَن اللَّفْظ يحمل على خلاف ظَاهره لمصْلحَة تَقْتَضِي ذَلِك، فَافْهَم.