هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3275 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ ، أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ - قَالَ : وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ : تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ عَمَلِي عِنْدِي - فَقَالَ عَطَاءٌ : قَالَ صَفْوَانُ ، قَالَ يَعْلَى : كَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إِنْسَانًا ، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الْآخَرِ - قَالَ : لَقَدْ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الْآخَرَ - فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ ، فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ ، وَحَدَّثَنَاهُ عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال : وكان يعلى يقول : تلك الغزوة أوثق عملي عندي فقال عطاء : قال صفوان ، قال يعلى : كان لي أجير فقاتل إنسانا ، فعض أحدهما يد الآخر قال : لقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر فانتزع المعضوض يده من في العاض ، فانتزع إحدى ثنيتيه ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأهدر ثنيته ، وحدثناه عمرو بن زرارة ، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، بهذا الإسناد نحوه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك قال: وكان يعلى يقول تلك الغزوة أوثق عملي عندي.
فقال عطاء: قال صفوان: قال يعلى: كان لي أجير فقاتل إنسانًا فعض أحدهما يد الآخر ( قال لقد أخبرني صفوان أيهما عض الآخر)فانتزع المعضوض يده من في العاض فانتزع إحدى ثنيتيه، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فأهدر ثنيته.


المعنى العام

حماية الإنسان من الإنسان شريعة الله منذ قديم الزمان، فقد اعتدى هابيل على قابيل، من أجل ذلك كتب الله على بني آدم في التوراة { { أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص } } [المائدة: 45] وقال في القرآن الكريم { { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } } [النحل: 126] وقال { { ولكم في القصاص حياة } } [البقرة: 179] وقال { { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } } [البقرة: 194] وكان في هذا القانون الإلهي، وفي تطبيقه حصر دائرة الجناية على نفس الآدمي وأعضائه في أضيق الحدود، لكن من كان قبل الإسلام أسرفوا الشفاعات في حدود الله، والمجاملات والمحاباة في توقيع العقوبات، فكانوا إذا جنى فيهم الشريف تركوه، وإذا جنى فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، فحسم الإسلام هذا الداء بقانونه الخالد: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها وهذه أم الربيع، من أشراف العرب، ضربت جارية على وجهها، فسقطت سن من أسنانها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القصاص.
القصاص.
كتاب الله يأمر بالقصاص، وعظم على أهل الشريفة الجميلة أن تكسر سنتها فتشفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لا شفاعة في حكم الله.
فلم يزد على قوله: القصاص.
القصاص.

وتشفعوا عند أهل المجني عليها، وعرضوا عليهم من المال عوضًا ما عرضوا، فتمسكوا بالقصاص، فقال أخوها: والله يا رسول الله لا تكسر سنة أم الربيع أبدًا.
إننا نطمع في شفاعتك، وفي عفو المجني عليها، فيقول صلى الله عليه وسلم: سبحان الله.
لماذا التلكؤ في تنفيذ حكم الله؟ القصاص.
القصاص، ويطمئن أهل المجني عليها على ثبوت الحق، والقدرة على الجانية، ومن باب العفو عند القدرة يتنازلون عن القصاص، ويرضون بالدية، ويعجب صلى الله عليه وسلم من يمين أخ الجانية أن أبره الله، ولم يحنثه فيه، فيقول: إن من عباد الله من يجيب الله دعاءه، ويبر قسمه.

لكن الجناية أحيانًا لا تكون مقصودة للجاني، أو تكون دفاعًا عن النفس، أو ردًا على جناية سابقة، فهل الجناية على المعتدي تعتبر اعتداء يقتص لها؟ هذا ما تصوره قصة الأحاديث الأولى، يعلى بن أمية، الصحابي الجليل، يختلف مع رجل، قد استأجره يعلى، ليساعده على بعض أموره، يغضبان، فيتدافعان بأيديهما، فيقضم يعلى يد الأجير فيتألم الأجير، فينتزع يده بقوة من فم يعلى، فتسقط سن من أسنان يعلى، فيرفع الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليحكم له بالقصاص، أو بدية السن، فيحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة الأجير، لأنه كان في حالة الدفاع عن النفس، فيقول: لا دية ولا قصاص.

المباحث العربية

( باب الصائل) يقال: صال يصول صولاً وصولانًا، سطا عليه ليقهره.

( قاتل يعلى ابن منية أو ابن أمية) منية بضم الميم وسكون النون وفتح الياء وهي أم يعلى، وقيل: جدته، والأول هو المعتمد.
وبعض الرواة صحفها إلى منبه بالباء، وهو خطأ، وأمية اسم أبيه، فيصح أن يقال: يعلى بن أمية، ويعلى بن منية، أسلم يوم الفتح، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ما بعدها، كحنين والطائف وتبوك.

( رجلاً، فعض أحدهما صاحبه) وفي الرواية الثالثة عن صفوان بن يعلى أن أجيرًا ليعلى بن منية، عض رجل ذراعه وهذه الرواية مرسلة، فصفوان تابعي، وهي تفيد أن المعضوض أجير يعلى، وفي رواية أن رجلاً من بني تميم قاتل رجلاً، فعض يده ويعلى من بني تميم، والأجير ليس من بني تميم، فهي تشير أن العاض يعلى، ومن هنا يرى الحافظ ابن حجر أن الرجلين المبهمين يعلى وأجيره، وأن يعلى أبهم نفسه، لأنه العاض، وأنكر القرطبي أنك يكون يعلى هو العاض فقال: يظهر من هذه الرواية أن يعلى هو الذي قاتل الأجير وفي الرواية الأخرى أن أجيرًا ليعلى عض يد رجل وهذا هو الأولى والأليق، إذا لا يليق ذلك الفعل بيعلى، مع جلالته وفضله، اهـ قال الحافظ ابن حجر: لم يقع في شيء من الطرق أن الأجير هو العاض، وأما استبعاده أن يقع ذلك من يعلى مع جلالته فلا معنى له مع ثبوت التصريح به في الخبر الصحيح، فيحتمل أن يكون ذلك صدر منه في أوائل إسلامه، فلا استبعاد.

وقال النووي: أما أن في بعض الروايات أن يعلى هو المعضوض، وفي بعضها أن المعضوض أجير ليعلى، لا يعلى، فقال الحفاظ: الصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى، لا يعلى، ويحتمل أنهما قضيتان، جرتا ليعلى ولأجيره، في وقت أو وقتين.
وتعقبه الترمذي بأنه ليس في رواية مسلم ولا رواية غيره في الكتب الستة ولا غيرها أن المعضوض هو يعلى، لا صريحًا ولا إشارة، فيتعين على هذا أن يعلى هو العاض.

وفي روايات مسلم أن المعضوض يد أو ذراع ولا تعارض، لكن المشكل رواية البخاري في الإجارة فعض إصبع صاحبه، فانتزع إصبعه قال الحافظ ابن حجر: وفي الجمع بين الذراع والإصبع عسر، ويبعد الحمل على تعدد القصة، لاتحاد المخرج، لأن مدارها على عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه، فالذي يترجح الذراع، وانفراد ابن علية عن ابن جريج بلفظ الإصبع، لا يقاوم الروايات المتعاضدة على الذراع.
اهـ

قلت: يحتمل أن يعلى عض إصبع الرجل، فانتزعه بسرعة لصغره، فأمسك بذراعه فعضه، فحصل ما حصل، فهذا الاحتمال خير من رد رواية صحيحة.

( فجذبه، فسقطت ثنيته) أي فجذب المعضوض ذراعه، كذا في الرواية الثانية فجذبه بالتذكير، مع أن الذراع مؤنث عند جمهور أهل اللغة، فإعادة الضمير عليه مذكرًا باعتباره عضوًا، وعند الجوهري: ذراع اليد يذكر ويؤنث، وذراع الآدمي من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى.

والثنية إحدى الأسنان الأربع التي في مقدم الفم، ثنتان من فوق، وثنتان من تحت، وفي الرواية الخامسة فسقطت ثنيتاه بالتثنية، وفي الرواية الرابعة ثنيته أو ثناياه قال الحافظ ابن حجر: وقد تترجح رواية التثنية، لأنه يمكن حمل الرواية التي بصيغة الجمع عليها، على رأي من يجيز في الاثنين صيغة الجمع، ورد الرواية التي بالإفراد إليها، على إرادة الجنس، وقول من يقول بالتعدد بعيد، لاتحاد المخرج.

( فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم) من المتبادر أن الذي رفع الأمر هو يعلى الذي سقطت ثنيتاه، يقوي هذا قوله في الرواية الرابعة فسقطت ثنيته، فاستعدى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي استعانه واستنصره، وكان الخطاب له في ما تأمرني؟ تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك....
إلخ.

وفي الرواية السادسة فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ولعل من سقطت ثنيته أخذ من أسقطها، وانضم إليهما بعض أهلهما فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، ففي بعض الروايات عند البخاري فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

( أيعض أحدكم كما يعض الفحل؟) يقال: عض يعض بفتح العين، والفحل الذكر من الإبل، ويطلق على الذكر من غير الإبل من الدواب، والاستفهام إنكاري توبيخي، أي لا ينبغي أن يعض أحدكم.. وفي الرواية الرابعة والخامسة أن تقضمه كما يقضم الفحل يقال: قضم يقضم بفتح الضاد على اللغة الفصيحة، والقضم الأكل بأطراف الأسنان.
وفي الرواية الثانية أردت أن تأكل لحمه؟ وفي الرواية الخامسة أردت أن تقضمه، كما يقضم الفحل؟ وفي الرواية الرابعة ما تأمرني؟ تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك، تقضمها، كما يقضم الفحل، ادفع يدك حتى يعضها، ثم انتزعها قال النووي: ليس المراد بهذا أمره بدفع يده ليعضها، وإنما معناه الإنكار عليه، أي إنك لا تدع يدك في فيه يعضها، فكيف تنكر عليه أن ينتزع يده من فيك؟ وتطالبه بما جنى في جذبه لذلك؟

( لا دية له) أي لا دية له عن ثنيته، ومن باب أولى لا قصاص.
وفي الرواية الثانية فأبطله أي فأبطل طلب الدية، وفي الرواية الثالثة والخامسة فأبطلها أي أبطل قصاصها وديتها، وفي الرواية السادسة فأهدر ثنيته أي جعلها هدرًا لا دية لها.

( أن أخت الربيع - أم حارثة، جرحت إنسانًا) قال النووي: هذه رواية مسلم، وخالفه البخاري في روايته، فقال: عن أنس بن مالك أن عمته الربيع - بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء المكسورة - كسرت ثنية جارية، فطلبوا إليها العفو، فعرضوا الأرش، فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنية الربيع؟ لا.
والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس، كتاب الله القصاص، فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره هذا لفظ رواية البخاري، فحصل الاختلاف في الروايتين من وجهين:

أحدهما: أن في رواية مسلم، أن الجارحة الجانية أخت الربيع، وفي رواية البخاري أنها الربيع بنفسها.

والثاني: أن في رواية مسلم أن الحالف لا تكسر ثنيتها أم الربيع، في رواية البخاري أنه أنس بن النضر، قال العلماء: المعروف في الروايات رواية البخاري، وقد ذكرها من طرقه الصحيحة، وكذا رواه أصحاب كتب السنن، قال النووي: قلت: إنهما قضيتان، أما الربيع الجارحة في رواية البخاري وهي أخت الجارحة في رواية مسلم فهي بضم الراء وفتح الباء وتشديد الياء، وأما أم الربيع الحالفة في رواية مسلم فبفتح الراء وكسر الباء وتخفيف الياء.
اهـ.

قال الكرماني: القول بأن هذه امرأة أخرى لم ينقل عن أحد، والصواب أن الربيع جرحت إنسانًا بحذف لفظة أخت ومال الحافظ ابن حجر إلى قول النووي، وأضاف وجهًا ثالثًا للاختلاف بين الروايتين وهو: هل الجناية كسر الثنية أو الجراحة؟ وقال: وجزم ابن حزم بأنهما قصتان صحيحتان، وقعتا لامرأة واحدة، إحداهما أنها جرحت إنسانًا، فقضي عليها بالضمان، والأخرى أنها كسرت ثنية جارية، فقضي عليها بالقصاص، وحلفت أمها في الأولى - فالمقصود من أم الربيع ليست الكنية، وإنما والدة الربيع، والجانية في المرتين هي الربيع - وحلف أخوها في الثانية، وقال البيهقي بعد أن أورد الروايتين: ظاهر الخبرين يدل على أنهما قصتان، فإن قبل هذا الجمع، قبل، وإلا فثابت ( الراوي عن أنس عند مسلم) أحفظ من حميد ( الراوي عن أنس عند البخاري) .

( القصاص.
القصاص)
منصوب على الإغراء، مفعول به لفعل محذوف، أي الزموا القصاص.

( أيقتص من فلانة؟ واللَّه لا يقتص منها) وفي رواية البخاري: قال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنية الربيع؟ لا.
والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها وسواء كان القائل أنسًا، أو أم الربيع، أو هما، فليس معناه رد حكم النبي صلى الله عليه وسلم، بل المراد به الرغبة إلى مستحق القصاص أن يعفو، وإلى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة إليهم في العفو، وإنما حلف أنس أو أم الربيع ثقة بهم ألا يحنثوه، أو ثقة بفضل الله ولطفه ألا يحنثه، بل يلهمهم العفو، وقد وقع الأمر على ما أراد.

( القصاص كتاب اللَّه) المشهور على أنهما مرفوعان، مبتدأ وخبر، ويحتمل نصبهما على الإغراء، والمراد بالكتاب الحكم، أي الزموا القصاص، الزموا حكم الله، ويحتمل تقدير مضاف، أي الزموا حكم كتاب الله، والمقصود به قوله تعالى: { { فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } } وقيل: قوله تعالى { { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص } }

( فمازالت حتى قبلوا الدية) أي فمازالت ترجو مستحق القصاص وتشفع لهم حتى عفوا عن القصاص، وقبلوا دية السن، وفي رواية البخاري فرضي القوم وعفوا وفي رواية له فرضي القوم، وقبلوا الأرش وفي رواية فرضي أهل المرأة بأرش أخذوه، فعفوا.

( إن من عباد اللَّه من لو أقسم على الله لأبره) أي لأبر قسمه، ولم يحنثه.
وفي رواية للبخاري فعجب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ووجه تعجبه أن أنس بن النضر أقسم على نفي فعل غيره، مع إصرار ذلك الغير على إيقاع ذلك الفعل، فكان قضية ذلك في العادة أن يحنث في يمينه، فألهم الله الغير العفو، فبر قسم أنس، وأشار بقوله إن من عباد الله إلى أن هذا الاتفاق، إنما وقع إكرامًا من الله لأنس، ليبر بيمينه، وإنه من جملة عباد الله الذين يجيب دعاءهم، ويعطيهم طلبهم.

فقه الحديث

في هذه الأحاديث نقطتان رئيستان:

الأولى: هل على المعضوض إذا أسقط أسنان العاض - في مثل هذه القصة المروية في الروايات الست قصاص؟ أو دية؟

الثانية: وهي الخاصة بالرواية السابعة القصاص في السن، وما في معناها.

أما النقطة الأولى: فقد أخذ بظاهر هذه القصة الشافعية والحنفية والجمهور، فقالوا: لا يلزم المعضوض قصاص ولا دية، لأن العاض في حكم الصائل، واحتجوا أيضًا بالإجماع على أن من شهر على آخر سلاحًا، ليقتله، فدفع عن نفسه، فقتل الشاهر، أنه لا شيء عليه، فكذا لا يضمن سنه، بدفعه إياه، قالوا: ولو جرحه المعضوض في موضع آخر، لم يلزمه شيء، وشرط الإهدار أن يتألم المعضوض، وأن لا يمكنه التخلص بغير ذلك من ضرب في شدقيه، أو فك لحيته، ومهما أمكن التخلص بدون ذلك، فعدل عنه إلا الأثقل، لم يهدر.
وعند الشافعية وجه أن يهدر على الإطلاق، ووجه أنه لو دفعه بغير ذلك ضمن، وإن كان بأخف.

وعن مالك روايتان، أشهرهما يجب الضمان، وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أن يكون سبب الإنذار شدة العض، لا النزع، فيكون سقوط ثنية العاض بفعله، لا بفعل المعضوض، إذ لو كان من فعل صاحب اليد لأمكنه أن يخلص يده من غير قلع، ولا يجوز الدفع بالأثقل مع إمكان الأخف، وقال بعض المالكية: العاض قصد العضو نفسه، والذي استحق في إتلاف ذلك العضو، غير ما فعل به، فوجب أن يكون كل منهما ضامنًا ما جناه على الآخر، كمن قلع عين رجل، فقطع الآخر يده.
وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد.
وقال بعضهم: لعل أسنانه كانت تتحرك، فسقطت عقب النزع، وسياق الحديث يدفع هذا الاحتمال.
وتمسك بعضهم بأنها واقعة عين، ولا عموم لها وتعقب بأن البخاري أخرج في الإجارة، عقب حديث يعلى هذا، من طريق أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وقع عنده مثل ما وقع عند النبي صلى الله عليه وسلم وقضى فيه بمثله.

وقد نبه ابن دقيق العيد على أن القيود التي وضعها الجمهور ليست في الحديث، وإنما أخذها الجمهور من القواعد الكلية، وكذا إلحاق عضو آخر غير الفم بالفم، فإن النص إنما ورد في صورة مخصوصة.
قال ابن بطال: لم يقع هذا الحديث لمالك، وإلا لما خالفه، وقال الداودي: لم يروه مالك، لأنه من رواية أهل العراق، وقال أبو عبد الملك: كأنه لم يصح الحديث عنده، لأنه أتى من قبل المشرق.

ولم يقبل الحافظ ابن حجر هذا الاعتذار عن مالك، فقال: إن سلم هذا في حديث عمران فلا يسلم في طريق يعلى بن أمية، فقد رواها أهل الحجاز، وحملها عنهم أهل العراق.

واعتذر بعض المالكية بفساد الزمان.

وأما النقطة الثانية: فقد قال ابن بطال: أجمعوا على قلع السن بالسن في العمد، واختلفوا في سائر عظام الجسد، فقال مالك: فيها القود، إلا ما كان مجوفًا، ففيه الدية، واحتج بالآية، ووجه الدلالة منها أن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا ورد على لسان الشارع بغير إنكار، وقد دل قوله ( السن بالسن) على أجراء القصاص في العظم، لأن السن عظم، إلا ما أجمعوا على أن لا قصاص فيه، إما لخوف ذهاب النفس، وإما لعدم الاقتدار على المماثلة فيه.

وقال الشافعي والليث والحنفية: لا قصاص في العظم، غير السن، لأن دون العظم حائلاً، من جلد ولحم وعصب، يتعذر معه المماثلة، فلو أمكنت لحكمنا بالقصاص، ولكنه لا يصل إلى العظم، حتى ينال ما دونه، مما لا يعرف قدره.

وقال الطحاوي: اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس، فيلتحق به سائر العظام.
وتعقب بأنه قياس مع وجود النص، فإن في حديث الباب أنها كسرت الثنية، فأمرت بالقصاص، مع أن الكسر لا تطرد فيه المماثلة.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- استدل بعضهم بقوله في الرواية الرابعة ادفع يدك حتى يعضها، ثم انتزعها على إجراء القصاص في العضة، وقد يقال: إن العض هنا إنما أذن فيه للتوصل إلى القصاص في قلع السن.
والجواب السديد، أن هذا الأمر أمر تهديد.

2- استدل بالقصة على التحذير من الغضب، وأن عاقبة الانسياق معه، والتصرف بدوافعه عاقبة وخيمة لأنه أدى إلى سقوط ثنية الغضبان، لأن يعلى غضب من أجيره، فعضه يعلى، فنزع الأجير يده، فسقطت ثنية يعلى، ولولا الاسترسال مع الغضب لسلم من ذلك، فينبغي لمن غضب أن يكظم غيظه.

3- استدل بالرواية السادسة، بقول يعلى عن غزوة تبوك كان لي أجير على جواز استئجار الحر، للخدمة وكفاية مؤنة العمل في الغزو، لا ليقاتل عنه.

4- وفيه رفع الجناية إلى الحاكم من أجل الفصل، وأن المرء لا يقتص لنفسه.

5- وأن المتعدي بالجناية يسقط ما ثبت له بسببها من جناية، إذا ترتبت الثانية على الأولى.

6- ومن قوله كما يعض الفحل جواز تشبيه فعل الآدمي بفعل البهيمة، إذا وقع في مقام التنفير عن مثل ذلك الفعل، وفي الحديث الراجع في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه.

7- ومن إنكار يعلى نفسه، أن من وقع له أمر يأنفه، أو يحتشم من نسبته إليه إذا حكاه، كنى عن نفسه بأن يقول: فعل رجل، أو إنسان، أو نحو ذلك، كذا وكذا.
وقد وقع لعائشة - رضي الله عنها - مثل ذلك، حيث قالت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه فقال لها عروة: هل هي إلا أنت؟ فتبسمت.

8- وفيه إشارة إلى تحريم العض، وقبحه، وأنه لا يليق بأهل المروءات.

9- ومن قوله في الرواية الرابعة ما تأمرني؟ تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك، تقضمها كما يقضم الفحل تنبيه الجاني إلى حيثيات الحكم ليقتنع به.

10- ومن الرواية السابعة قال النووي: فيها إثبات القصاص بين الرجل والمرأة، وفيه ثلاثة مذاهب: أحدها: مذهب عطاء والحسن، أنه لا قصاص بينهما، في نفس ولا طرف، تعلقا بقوله تعالى { { والأنثى بالأنثى } } [البقرة: 178] .

الثاني: مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم، ثبوت القصاص بينهما في النفس، وفيما دونها، مما يقبل القصاص، واحتجوا بقوله تعالى { { النفس بالنفس.. } } إلى آخر الآية.

الثالث: وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه: يجب القصاص بين الرجال والنساء في النفس، ولا يجب فيما دونها.
اهـ.

كذا قال النووي.
ولست أرى دلالة في الحديث على ما قال: وإنما يستدل على المسألة بحديث اليهودي والجارية السابقة.

11- وفيه وجوب القصاص في السن، وهو مجمع عليه، إذا قلعها كلها، فإن كسر بعضها ففيه في كسر سائر العظام خلاف.

12- وجواز الحلف فيما يظنه الإنسان.

13- والثناء على من لا يخاف عليه الفتنة بالثناء.

14- واستحباب العفو عن القصاص.

15- واستحباب الشفاعة في العفو.

16- وأن الخيرة بين القصاص والدية إلى مستحقه.

17- وأن كل من وجب له القصاص في النفس أو دونها، فعفا على مال، فرضوا به جاز.

واللَّه أعلم