هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3277 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : الثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، ح وحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ ، قَالَا : أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3277 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص بن غياث ، وأبو معاوية ، ووكيع ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم ، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة حدثنا ابن نمير ، حدثنا أبي ، ح وحدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ، وعلي بن خشرم ، قالا : أخبرنا عيسى بن يونس ، كلهم عن الأعمش ، بهذا الإسناد مثله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

'Abdullah (b. Mas'ud) reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

It is not permissible to take the life of a Muslim who bears testimony (to the fact that there is no god but Allah, and I am the Messenger of Allah, but in one of the three cases: the married adulterer, a life for life, and the deserter of his Din (Islam), abandoning the community.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.


المعنى العام

{ { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } } [البقرة: 30] .

وخلق آدم وحواء، وأنزلهما من الجنة إلى الأرض، وأنزل معهما إبليس عدوهما، وحذرهما منه، بل حذر ذريتهما منه، فقال: { { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما } } [الأعراف: 27] وكان سفك الدماء البشرية على هذه الأرض نتيجة مهمة من نتائج كفاح إبليس مع ابن آدم، فهو أكبر إفساد في الأرض، وقد بدأ في حياة آدم عليه السلام، ومع ولدين من أولاده، قابيل وهابيل، ووضحت مسالك البشر في دنياهم مناظرتهما ومجادلتهما، بشر يحترمون الآدميين، ويخافون الله، ويجتنبون الآثام، ليبتعدوا عن نار يوم القيامة، وبشر لا يخافون الله، ولا يحترمون الآدميين، ويستهينون بالقتل، وإراقة الدماء، ويذكرنا الله بعد حين من الدهر بمناقشتهم وجدالهم، فيقول { { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أبا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين * من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا } } [المائدة: 27 وما بعدها] ومن أجل ذلك كان على ابن آدم القاتل لأخيه نصيب من ذنب كل من يقتل مسلمًا، فهو الذي سن القتل وابتدعه في بني آدم ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

وجاءت الشرائع السماوية كلها، شريعة بعد شريعة، تعظم إراقة دماء البشر، وتحذر من اعتداء الإنسان على أخيه الإنسان، وتغلظ حرمة الدماء والأموال والأعراض، وكم حذر رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وكم أنذر، فقال: إن أول خصمين يوم القيامة، يقفان في ساحة القضاء، بين يدي أحكم الحاكمين، قاتل ومقتول، قاتل يقف مكتوف اليدين مغلولهما، مقيد الرجلين، في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا، مطرق الرأس ذليلاً، ومقتول يحمل بين يديه رأسه، يسيل الدم ويتدفق من عروقه وأوداجه، يقول المقتول رب: سل هذا القاتل.
فيم قتلني؟ منظر رهيب، وقضاء عادل، يوم يقتص للشاة من شاة كانت نطحتها في الدنيا.

كم حذر صلى الله عليه وسلم من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وكم حذر القرآن الكريم، حتى كانت الوصية الأخيرة التي قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، في حجة الوداع، فكان فيها: أيها الناس.
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، يوم النحر، في شهركم هذا الذي حرمه الله، في بلدكم هذه التي حرمها ربكم.
هذا بلاغي عن ربي لكم، فبلغوه لمن وراءكم.
ألا هل بلغت.
اللهم فاشهد أنني قد بلغت.
فسلام الله عليك يا رسول الله نشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة وكشفت الغمة، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين.

فصلى الله وسلم وبارك عليك وعلى آلك وأصحابك ومن اتبع هداك إلى يوم الدين.

المباحث العربية

( لا يحل دم امرئ مسلم) وفي الرواية الثانية لا يحل دم رجل مسلم والمراد لا يحل إراقة دم امرئ مسلم أي إراقة دمه كله، وهو كناية عن قتله.

( يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه) هذه صفة ثانية، ذكرت لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين أو حال مقيدة للموصوف، إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدماء، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم لأسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله؟ فهي صفة مفسرة لقوله مسلم وليست قيدًا فيه، إذ لا يكون مسلمًا إلا بذلك.

( إلا بإحدى ثلاث) استثناء من عموم الأحوال، أي لا يحل دم امرئ مسلم في حال من الأحوال إلا في حالة من أحوال ثلاث أو من عموم العلل والأسباب، أي لا يحل دم امرئ مسلم لسبب من الأسباب ولخصلة من الخصال إلا بخصلة من ثلاث وفي الرواية الثانية إلا ثلاثة نفر أي لا يحل دم أي رجل من المسلمين إلا ثلاثة رجال.

( النفس بالنفس) ذكرت أولاً في رواية البخاري، وذكرت ثانيًا في روايتنا الأولى، وثالثًا في روايتنا الثانية.

والمراد به القصاص بشروطه، أي يحل دم النفس القاتلة عمدًا بغير حق بسبب قتلها النفس الأخرى وفي رواية للبزار من قتل نفسًا ظلمًا.

( الثيب الزان) قال النووي: هكذا هو في النسخ الزان من غير ياء بعد النون، وهي لغة صحيحة قرئ بها في السبع، كما في قوله تعالى { { الكبير المتعال } } [الرعد: 9] والأشهر في اللغة إثبات الياء.

والمراد رجمه بالحجارة حتى يموت، أي فيحل قتله، وعند النسائي ورجل زنى بعد إحصان.

( والتارك لدينه، المفارق للجماعة) وفي الرواية الثانية التارك الإسلام بنصب الإسلام مفعول التارك والمفارق للجماعة بلام الجر، أو المفارق الجماعة بنصب الجماعة مفعول المفارق والواو في الرواية الثانية الداخلة على المفارق واو تفسيرية، فالمراد من المفارق للجماعة التارك لدينه، وإلا لصارت الخصال أربعًا، والمراد بالجماعة جماعة المسلمين.

( إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سن القتل) يشير بذلك إلى القصة التي قصها القرآن عن ابني آدم، إذ قتل أحدهما أخاه، واختلف في القاتل، قال الحافظ ابن حجر: والمشهور قابيل والمقتول هابيل، وقيل غير ذلك، وقيل في سبب القتل أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن من ولده، بأنثى البطن الآخر، وأن أخت قابيل كانت أحسن من أخت هابيل، فأراد قابيل أن يستأثر بأخته، فمنعه آدم، فلما ألح عليه أمرهما أن يقربا قربانًا، فقرب قابيل حزمة من زرع، وكان صاحب زرع، وقرب هابيل بقرة سمينة، وكان صاحب ضرع، فنزلت نار، فأكلت قربان هابيل، دون قابيل.
هذا هو المشهور.

والكفل بكسر الكاف الجزء والنصيب، وقال الخليل: هو الضعف، والمناسب هنا الأول، والمراد من سن بفتح السين وتشديد النون، ابتدع، فالسنة لغة الطريقة المبتدعة، غير المسبوقة.

( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) في الدماء متعلق بمحذوف، أي يقضى في الدماء التي وقعت بين الناس في الدنيا، أي أول القضايا التي تعرض يوم القيامة قضايا الدماء، وفي ملحق الرواية أول ما يحكم بين الناس في الدماء زاد في رواية ويأتي كل قتيل، قد حمل رأسه، فيقول: يا رب سل هذا.
فيم قتلني؟ وفي رواية يأتي المقتول معلقًا رأسه بإحدى يديه، ملببًا قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه دمًا، حتى يقف بين يدي الله ولا يعارض هذا حديث أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة إذ الأولية في كل منهما مقيدة، فهناك الأولية بالنسبة لمعاملات الخلق، والأولية بالنسبة لمعاملة الخالق.

( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا) المراد بالزمان السنة، ولفظ الزمان في الأصل يطلق على القليل والكثير من الوقت، والمراد باستدارته إلى الوضع الذي كان عليه يوم خلق السموات والأرض وقوع تاسع ذي الحجة في شهر مارس، وهو آذار،وهو برمهات بالقبطية، وفيه يستوي الليل والنهار، عند حلول الشمس برج الحمل.
وفي رواية عند ابن مردويه إن الزمان قد استدار، فهو اليوم، كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض والكاف في كهيئته صفة لمصدر محذوف، تقديره: استدارة مشبهة وضعه يوم خلق الله السموات والأرض.

قال النووي: قال العلماء: معناه أنهم في الجاهلية كانوا يتمسكون بملة إبراهيم عليه السلام في تحريم الأشهر الحرم، وكان يشق عليهم منع القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال، أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده، فيغيرون الأسماء، يسمون المحرم صفرًا، وصفر المحرم، ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة، حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وسلم رجوع المحرم إلى موضعه.
اهـ.

فكان نتيجة ذلك أن تغيرت الأشهر الحرم عن مكانها الحقيقي، حتى كادت تصبح أربعة مطلقة من السنة والمراد من السنة في الحديث السنة الهجرية، أي العربية الهلالية اثنا عشر شهرًا.
قال الله تعالى { { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب اللَّه } } أي في اللوح المحفوظ { { يوم خلق السماوات والأرض } } [التوبة: 36] أي في ابتداء إيجاد العالم.

والشهر العربي القمري يرتبط برؤية الهلال شرعًا بالشرط المعروف في الفقه، وحقيقة يرتبط باجتماع القمر مع الشمس في نقطة، وعوده بعد المفارقة إليها، ولا دخل للخروج من تحت الشعاع، إلا في إمكان الرؤية، بحسب العادة الشائعة، ومدة ما ذكر ( 29 - ) تسعة وعشرون يومًا، ومائة وواحد وتسعون جزءًا من ثلاثمائة وستين جزءًا لليوم بليلته، وتكون السنة القمرية ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا، وخمس يوم وسدسه وثانية، وذلك أحد عشر جزءًا من ثلاثين جزءًا من اليوم بليلته ( 354 - يومًا) وكانوا إذا اجتمع من هذه الأجزاء أكثر من نصف عدده حسبوه يومًا كاملاً، وزادوه في الأيام، وتكون تلك السنة حينئذ كبيسة، وتكون أيامها ( 355) ثلاثمائة وخمسة وخمسين يومًا.

ولما كان مدار الشهر الشرعي على الرؤية اختلفت الأشهر، فكان بعضها ثلاثين يومًا، وبعضها تسعة وعشرين يومًا، ولا يتعين شهر للكمال، وشهر للنقصان، بل قد يكون الشهر ثلاثين يومًا في بعض السنين وتسعة وعشرين يومًا في بعض آخر منها، أما ما في الصحيحين، من قوله صلى الله عليه وسلم شهرا عيد لا ينقصان.
رمضان وذو الحجة فمحمول على معنى لا ينقص أجرهما وثوابهما، وقيل: معناه لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة غالبًا.

( منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم ورجب شهر مضر، الذي بين جمادى وشعبان) كان العرب قبل الإسلام يؤرخون بالحوادث الكبيرة، فيقال: عام الفيل، وعام موت هشام بن المغيرة، ونحو ذلك ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ كثير من المسلمين هجرته مبدأ لتاريخهم، وكانت في ربيع الأول وتناسوا ما قبله، وسموا السنوات بأسماء الحوادث الكبرى، كعام الحديبية، وعام الفتح، وعام العسرة، وظل الأمر على هذا المنوال إلى خلافة عمر رضي الله عنه حيث روي أنه - رضي الله عنه - رفع إليه صك مؤرخ بشعبان، فقال: أي شعبان هو؟ وجمع أهل الرأي، وطلب منهم أن يضعوا للناس تاريخًا، يتعاملون عليه، ويضبط أوقاتهم، حيث اتسعت بلادهم، وكثرت أموالهم ومعاملاتهم، فذكروا له تاريخ اليهود، فما ارتضاه، وذكروا له تاريخ الفرس، فما ارتضاه، فاستحسنوا تاريخ الهجرة، وجعلوا أول شهورها المحرم، فأصبحت الأشهر الحرم الثلاثة المتوالية ( القعدة والحجة والمحرم) من سنتين، وكانت قبل من سنة واحدة.

وإنما أضيف رجب إلى مضر، لأنهم كانوا متمسكين بحرمته وتعظيمه، بخلاف غيرهم الذين نقلوه إلى شعبان ونقلوا شعبان مكانه، فسموا شعبان رجبًا، وسموا رجبًا بشعبان، فوصف بكونه بين جمادى وشعبان في الحديث تأكيدًا لمكانه بين الشهور، وذو القعدة بفتح القاف، وذو الحجة بكسر الحاء في اللغة المشهورة، ويجوز في لغة قليلة كسر القاف وفتح الحاء.

( أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم) إلخ.
قال النووي: هذا السؤال والسكوت والتفسير، أراد به التفخيم والتقرير والتنبيه على عظم مرتبة هذا الشهر والبلد واليوم، ليبنى على هذا التعظيم والتفخيم تعظيم شأن المشبه، وهو الدماء والأموال والأعراض، وقولهم: الله ورسوله أعلم فوضوا علم الشهر والبلد واليوم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنهم يعلمونها حق العلم، لأنهم فهموا أنه صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه أنهم يعرفون الجواب، ففهموا أنه ليس المراد الإخبار بالأسماء، وأن المراد من السؤال شيء آخر، ففوضوا العلم به.

( أليس البلدة؟) ال فيها للكمال، أي البلدة الجامعة للخير، المستحقة لجمع فضائل هذا الاسم.

( فلا ترجعن بعدي كفارًا - أو ضلالاً - يضرب بعضكم رقاب بعض) ترجعن بضم العين، ونون التوكيد، وفي ملحق الرواية فلا ترجعوا ومعنى بعدي بعد فراقي من موقفي هذا، أي بعد الآن، أو من ورائي وخلفي، أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الذي أمرتكم به، أو بعد مماتي، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم، قد تحقق أن هذا لا يكون في حياته، فنهاهم عنه بعد مماته، وفي لفظ للبخاري لا ترتدوا.

ويضرب روي بالجزم، وروي بالرفع، وضرب الرقاب كناية عن القتل، فالمعنى لا يقاتل فيقتل بعضكم بعضًا، وقال الخطابي: المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه، وقيل: معناه لا يكفر بعضكم بعضًا، فتستحلوا قتال بعض.

( ألا ليبلغ الشاهد الغائب) المراد من الشاهد الحاضر السامع.

( لما كان ذلك اليوم) أي يوم حجة الوداع، وفي منى.

( قعد على بعيره) الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم يسبق له ذكر، للعلم به، كقوله تعالى { { حتى توارت بالحجاب } } [ص: 32] .

( وأخذ إنسان بخطامه) أي خطام البعير، وهو بكسر الخاء الزمام، وهو الحبل الذي يوضع على أنف البعير ليقاد به.
والقصد هنا من إمساكه والأخذ به، منعه من الحركة والاضطراب.

( ثم انكفأ إلى كبشين أملحين) انكفأ بهمز في آخره، أي انقلب، والأملح هو الذي فيه بياض وسواد، والبياض أكثر.

( وإلى جزيعة من الغنم، فقسمها بيننا) الجزيعة بضم الجيم وفتح الزاي، ورواه بعضهم بفتح الجيم وكسر الزاي، وكلاهما صحيح، والأول هو المشهور، وهي القطعة من الغنم، وأصلها القليل من الشيء وكأنه قسم مجموعة قليلة من الشياه على أصحابه الذين لا يملكون ذبائح، ليذبحوها.

فقه الحديث

يؤخذ من الحديث

1- تغليظ حرمة الدماء، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة، المترتبة عليه، وتفويت المصلحة الناتج عنه، وإراقة دم الإنسان غاية في ذلك.

2- وفي قوله الثيب الزاني دليل على قتل الزاني المحصن بالرجم، قال النووي: وهذا بإجماع المسلمين.

3- وبقوله النفس بالنفس استدل أصحاب أبي حنيفة على قتل المسلم بالذمي، والحر بالعبد، وجمهور العلماء - مالك والشافعي والليث وأحمد - على خلافه.

4- استدل بقوله التارك لدينه على أن الردة عن الإسلام سبب لإباحة دم المسلم، وهو محل إجماع في الرجل، أما في المرأة ففيها خلاف.

5- استدل بهذا الحديث الجمهور على أن المرأة في الردة حكمها حكم الرجل، لاستواء حكمهما في الزنا، وتعقب بأنها دلالة اقتران، وهي ضعيفة.

6- استدل بقوله المفارق للجماعة على إباحة دم المخالف والخارج على الإجماع، فيكون متمسكًا لمن يقول: مخالف الإجماع كافر، قال ابن دقيق العيد: وقد نسب ذلك إلى بعض الناس.
قال: وليس ذلك بالهين، فإن المسائل الإجماعية، تارة يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب الشرع، كوجوب الصلاة مثلاً، وتارة لا يصحبها التواتر، فالأول يكفر جاحده، لمخالفة التواتر، لا لمخالفة الإجماع، والثاني لا يكفر به، قال في شرح الترمذي: الصحيح في تكفير منكر الإجماع، تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة، كالصلوات الخمس.

7- واستدل به على إباحة دم كل خارج عن الجماعة ببدعة، كالروافض والخوارج وغيرهم قاله النووي.
قال الحافظ ابن حجر: والقول في القدرية وسائر المبتدعة مفرع على القول بتكفيرهم.

8- قال بعضهم: إن حصر ما يباح دمهم في هذه الثلاثة من قبيل العام المخصوص، فهناك غيرهم ممن يباح دمهم، كالصائل، فإنه يباح دمه في الدفع، وقد يجاب عن هذا بأنه داخل في المفارق للجماعة، أو يكون المراد: لا يحل تعمد قتله، بمعنى أنه لا يحل قتله إلا مدافعة، بخلاف الثلاثة.

وكالبغاة: لقوله تعالى { { فقاتلوا التي تبغي } } [الحجرات: 9] وقد يجاب بأن الآية تبيح القتال، وليس القتل، بدليل أنه لو استسلم لم يقتل.

وكالزنديق: وقد يجاب بأن قتله استصحاب لكفره، فإن تاب لم يقتل.

وكمانعي الزكاة: وقد يجاب بأنها تؤخذ منه قهرًا، فإن نصب القتال قوتل، وليس بقتل.

وكتارك الصلاة: عند من لا يكفره، وقد اختلف فيه، فذهب أحمد وإسحق وبعض المالكية، ومن الشافعية ابن خزيمة وغيره إلى أنه يكفر بذلك، ولو لم يجحد وجوبها، وذهب الجمهور إلى أنه يقتل حدًا، وذهب الحنفية ووافقهم المزني إلى أنه لا يكفر، ولا يقتل.

9- وفي الحديث جواز وصف الشخص بما كان عليه، ولو انتقل عنه، لاستثنائه المرتد من المسلمين، وهو باعتبار ما كان.

10- ومن الرواية الثالثة أن كل من ابتدع شيئًا من الشر كان عليه مثل وزر كل من اقتدى به في ذلك العمل، إلى يوم القيامة، ومثله من ابتدع شيئًا من الخير، كان له مثل أجر كل من يعمل به إلى يوم القيامة، وهو موافق للحديث الصحيح من سن سنة حسنة... ومن سن سنة سيئة... وللحديث الصحيح من دل على خير، فله مثل أجر فاعله.

11- ومن الرواية الخامسة وما بعدها أن الأشهر الحرم أربعة، وقد أجمع على ذلك المسلمون، ولكن اختلفوا في الأدب المستحب في كيفية عدها فقالت طائفة من أهل الكوفة وأهل الأدب: يقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، ليكون الأربعة من سنة واحدة، وقال علماء المدينة والبصرة وجماهير العلماء: هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد.
قال النووي: وهذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة.

12- ومن قول الصحابة الله ورسوله أعلم أدب الصحابة، ودقة فهمهم، وحسن جوابهم.

13- ومن قوله ليبلغ الشاهد الغائب وجوب تبليغ العلم، وهو فرض كفاية، وقد يتعين في حق بعض الناس.

14- ومن قوله فلعل بعض من يبلغه، يكون أوعى له من بعض من سمعه جواز رواية الفضلاء وغيرهم، من الشيوخ الذين لا علم لهم ولا فقه، إذا ضبط ما يحدث به.

15- قال المهلب: فيه أنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم، ما ليس لمن تقدمه، إلا أن ذلك يكون في الأقل.

16- وفيه دلالة على جواز تحمل الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به، ويجوز وصفه بأنه من أهل العلم.

17- ومن خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم على بعيره استحباب الخطبة على موضع عال، من منبر وغيره، سواء خطبة الجمعة والعيدين وغيرهما، وحكمته أنه كلما ارتفع كان أبلغ في إسماعه الناس، ورؤيتهم إياه، ووقوع كلامه في نفوسهم.

18- ومن قوله أليس البلدة؟ أن المطلق قد يحمل على الكامل، فهو اسم خاص بمكة، وهي المرادة بقوله تعالى { { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة } } [النمل: 91] .

19- ومن قوله أي شهر هذا إلخ تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ما يمكن من تكراره ونحوه.

20- وفيه مشروعية ضرب المثل، وإلحاق النظير بالنظير، ليكون أوضح للسامع.
وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد، لأن المخاطبين بذلك كانوا يعظمون هذه الأشياء، ولا يرون هتك حرمتها، ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، فقدم السؤال عنها تذكيرًا لحرمتها، وتقريرًا لما ثبت في نفوسهم، ليبني عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد.

واللَّه أعلم