هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3507 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ ، وَقَالُوا : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، فَقَالَ : رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ ، قَالُوا : اسْتَخْلِفْ ، فَقَالَ : أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا ، لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الْكَفَافُ ، لَا عَلَيَّ وَلَا لِي ، فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  يعني أبا بكر وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عبد الله : فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It has been narrated on the authority of 'Abdullah b. 'Umar who said:

I was present with my father when he was wounded. People praised him and said: May God give you a noble recompense! He said: I am hopeful (of God's mercy) as well as afraid (of His wrath) People said: Appoint anyone as your successor. He said: Should I carry the burden of conducting your affairs in my life as well as in my death? (So far as Caliphate is concerned) I wish I could acquit myself (before the Almighty) in a way that there is neither anything to my credit nor anything to my discredit. If I would appoint my successor, (I would because) one better than me did so. (He meant Abu Bakr.) If I would leave You alone, (I would do so because) one better than me, i. e. the Messenger of Allah (ﷺ), did so. 'Abdullah says: When he mentioned the Messenger of Allah (ﷺ) I understood that he would not appoint anyone as Caliph.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه، وقالوا جزاك الله خيرا.
فقال: راغب وراهب.
قالوا: استخلف.
فقال: أتحمل أمركم حيا وميتا.
لوددت أن حظي منها الكفاف لا علي ولا لي.
فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر.
وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني، رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الله: فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مستخلف.


المعنى العام

كان عمر رضي الله عنه قبل أن يصلي بالناس إماما، وهو خليفة المسلمين يمر بين الصفين، ويقول: استووا، فإن رأى رجلا متقدما من الصف، أو متأخرا ضربه بالدرة، حتى إذا لم ير في الصفوف خللا تقدم فكبر، وفي يوم الحادثة، وفي صلاة الفجر تقدم، فكبر، فطعنه أبو لؤلؤة ثلاث طعنات، إحداهن تحت السرة، قد خرقت الصفاق، وكان أبو لؤلؤة -واسمه فيروز- عبدا للمغيرة بن شعبة، يجيد الصناعة، حدادا، نقاشا، نجارا، فأطلقه المغيرة في المدينة يصنع لأهلها على أن يدفع للمغيرة كل شهر مائة درهم، وقبل الحادث بأيام دخل أبو لؤلؤة بيت عمر، ليصلح له ضبة، فشكا إليه شدة الخراج، وطلب منه أن يأمر المغيرة بأن يضع عنه شيئا من خراجه، فقال له عمر -وفي نيته أن يلقى المغيرة، فيكلمه، فيخفف عنه- اتق الله وأحسن إليه، إنك لتكسب كسبا كثيرا، ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل، فاصبر، فانصرف العبد ساخطا على عمر، وقال لأصحابه: وسع الناس عدله غيري، وأضمر في نفسه قتله، فاشتمل على خنجر مسموم ذي رأسين، وكمن في الفجر في زاوية من زوايا المسجد في الغلس، فلما وقف عمر للصلاة دنا منه، فطعنه في كتفه، وفي خاصرته، وفي بطنه أسفل سرته، فسقط عمر ممسكا بثقب بطنه، وحاول الصحابة الإمساك بأبي لؤلؤة، لكنه طار فيهم بخنجره، لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه، وأخذ عمر يد عبد الرحمن بن عوف، فقدمه يصلي بالناس، وكان أكثر من في المسجد لا يعلم شيئا، إلا الصف الأول، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، بأقصر سورتين في القرآن { { إنا أعطيناك الكوثر } } و { { إذا جاء نصر الله والفتح } } فلما انصرفوا من الصلاة قال: يا ابن عباس، انظر من قتلني؟ قال: الصانع أبو لؤلؤة، غلام المغيرة.
قال: الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له، لا تعجلوا على الذي قتلني.
فقيل له: إنه قتل نفسه، فاسترجع عمر، وظن عمر أن عليه ذنبا إلى الناس لا يعلمه، وأن جماعة وراء هذا الجاني، فقال: يا ابن عباس، اخرج فناد في الناس، هل منكم من أعان هذا؟ فخرج، لا يمر بملأ من الناس يسألهم إلا وهم يبكون، كأنما فقدوا أبكار أولادهم، يقولون: معاذ الله، ما علمنا ولا اطلعنا، ثم غلب عمر النزف، حتى غشي عليه، فاحتمله ابنه في رهط حتى أدخله بيته، فلم يزل في غشيته حتى أسفر الصبح، فنظر في وجوه القوم، فقال: أصلى الناس؟ قالوا: نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم توضأ وصلى الصبح، وتساند إلى ابنه، وجرحه يثغب دما، وقال: إني لأضع إصبعي الوسطى فما تسد الجرح، أرسلوا إلى طبيب ينظر إلى جرحي، فأرسلوا إلى طبيب من العرب، فسقاه ماء تمر وزبيب، لينظر هل سيخرج الشراب من الجرح فتكون الطعنة قد وصلت المعدة؟ فخرج النبيذ من الجرح، لم يتبين الطبيب أنه صديد أو النبيذ، فسقاه لبنا، فخرج اللبن من الطعنة أبيض، فعرف أنه الموت، فقال: أوص يا أمير المؤمنين، فإني لا أظنك إلا ميتا من يومك أو من غد.
فقال: الحمد لله.

وتوافد الناس يبكون ويثنون، ويقولون: هنيئا لك الشهادة، هنيئا لك الجنة، كنت كذا وكذا وكذا، فقال: والله إن المغرور من تغرونه، إني لأرجو أن ألقى الله كفافا من الخلافة، لا لي ولا علي، يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين، فحسبوه، فوجدوه ستة وثمانين ألفا، فقال: يا عبد الله، أقسمت عليك بحق الله وحق عمر، إذا أنا مت فدفنتني أن لا تغسل رأسك حتى تبيع من أملاك آل عمر بثمانين ألفا، فتضعها في بيت مال المسلمين، وكان عمر قد استدان هذا المال فأنفقه في نوائب لبعض المسلمين.
ثم قال: يا عبد الله بن عمر، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام -ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا- وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه؟ فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنه به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء.
قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك يا عبد الله؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، قد أذنت.
قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم لي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب؟ فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين.
فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف.
قال: أأحمل هم الخلافة حيا وميتا؟ وفهم ابن عمر من هذا ومن كلام أخته حفصة له: إن أباك لن يستخلف، فهم أنه يحب أن لا يستخلف.
فقال له: يا أمير المؤمنين، لو كان لك راعي إبل، أو راعي غنم، ثم جاءك وتركها، دون أن يقيم عليها حارسا آخر، رأيت أنه قد تسبب في ضياعها، وأنه مسئول عما يحدث لها من أضرار، وأنت إذا لم تستخلف قد تتسبب في فرقة الأمة وضياعها؟ فأعجب هذا القول عمر، ثم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على أن يستخلف، لكنه لم يستخلف، وإن أبا بكر اعتمد على عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف، فإن لم أستخلف فقد اقتديت بالنبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإن أستخلف فقد اقتديت بعزم النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر، وسكت قليلا، ثم قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن.
قال: ويشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، فلما فرغوا من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فبويع عثمان، رضي الله عن الصحابة أجمعين.

المباحث العربية

( الاستخلاف) أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو تعيينه جماعة، ليتخيروا منهم واحدا.

( حضرت أبي حين أصيب) أي حين طعنه أبو لؤلؤة طعنة الموت، والمراد بعد أن أصيب، وليس لحظة الإصابة، فالرواية الثانية تصرح بأن هذا الحضور الذي حدث فيه هذا التقاول كان بعد يوم أو أكثر من الإصابة، وبعد أن سمع من أخته أن أباه غير مستخلف.

( فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرا) كانت الطعنة نافذة قاضية، لم تترك مجالا عندهم لظن الحياة بعدها، بحكم خبرتهم، فقالوا ما قالوا، وقد جاء أن من أثنى عليه ابن عباس، وأنه قال: ألست قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعز الله بك الدين والمسلمين، إذ يخافون بمكة؟ فلما أسلمت كان إسلامك عزا؟ وظهر بك الإسلام؟ وهاجرت فكانت هجرتك فتحا؟ ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين؟ ثم قبض وهو عنك راض؟ ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فضربت من أدبر بمن أقبل؟ ثم قبض الخليفة وهو عنك راض؟ ثم وليت بخير ما ولي الناس؟ مصر الله بك الأمصار، وجبا بك الأموال؟ ونفى بك العدو؟ وأدخل بك على أهل بيت من سيوسعهم في دينهم وأرزاقهم؟ ثم ختم لك بالشهادة، فهنيئا لك.
فقال: والله إن المغرور من تغرونه.
أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ فقال: نعم.
فقال: اللهم لك الحمد.
وكان ممن أثنى أيضا عبد الرحمن بن عوف والمغيرة، وطوائف الداخلين عليه من الصحابة وأهل المدينة وأهل الشام وأهل العراق.

( فقال راغب وراهب) راغب وراهب معمولهما محذوف، وهما خبر لمبتدأ محذوف، وقد ذهب العلماء مذاهب في تقدير هذا المحذوف، فقال ابن بطال: يحتمل أمرين: أحدهما: أنتم الذين أثنيتم علي راغب في حسن رأيي فيه، وتقربي له، وراهب من إظهار ما يضمره من كراهته، أو المعنى: راغب فيما عندي، وراهب مني -فالمبتدأ على المعنيين واحد، والاختلاف في معمول اسم الفاعل- أو المراد الناس راغب في الخلافة، وراهب منها، فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها، وإن وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها- فالمبتدأ على هذا غيره في المعنيين السابقين، والمعمول كذلك -وقال القاضي عياض: إنهما وصفان لعمر- أي المبتدأ ضمير المتكلم عمر، أي أنا راغب فيما عند الله، راهب من عقابه، فلا أعول على ثنائكم، وذلك يشغلني عن الاهتمام بالاستخلاف عليكم.

( فقالوا: استخلف) أي عين الخليفة بعدك.

( فقال: أتحمل أمركم حيا وميتا؟) استفهام إنكاري بمعنى النفي، حذف منه حرف الاستفهام، وعند البخاري لا أتحملها حيا وميتا أي لا أتحمل مسئولية الخلافة حيا وميتا.

( لوددت أن حظي منها الكفاف) بفتح الكاف وتخفيف الفاء، أي مكفوفا عني شرها وخيرها، وقد فسرها بقوله لا علي ولا لي أي سواء بسواء، أي خيري منها يساوي إساءتي فيها.

( فإن أستخلف...إلخ) هذا القول سمعه ابن عمر في زيارة من زياراته لأبيه بعد إصابته، وبعد أن سمع من حفصة، وبعد ما ضرب له الغنم مثلا، كما سيأتي في الرواية الثانية.

( فعرفت أنه -حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم- غير مستخلف) أي غير معين لخليفة على التحديد، وعرف ذلك من المقارنة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر، ففي الرواية الثانية فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف.

( دخلت على حفصة) بنت عمر، أخت عبد الله بن عمر، أي بعد طعنة أبيها، وطلب الناس منه أن يستخلف، وبعد أن قال لهم عمر ما سيقوله لابنه عبد الله، فالواضح أنه تكرر من الصحابة طلب الاستخلاف وتكرر من عمر هذا الجواب.

( ما كان ليفعل) أي ما كان ليترك الاستخلاف، فالترك وهو كف النفس فعل.

( فسكت حتى غدوت ولم أكلمه.
قال: فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا)
كان ابن عمر يعود أباه بين الحين والحين، وكلما دخل يريد مكالمته في الخلافة لم يجد المناسبة، حتى أصبح في اليوم الثاني مبكرا إليه، ليتخلص من هم ما يحمل من أمر المسلمين، وليبر في حلفه أن يكلمه في ذلك.

( فسألني عن حال الناس وأنا أخبره) فيه التعبير عن الماضي بالمضارع لإفادة استحضار الصورة وتجديد الأخبار وتعددها.

( فآليت أن أقولها لك) يقال: ألى إيلاء، أي أقسم.

( رأيت أن قد ضيع) أن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير محذوف وقد ضيع بفتح الضاد والياء المشددة، خبر أن أي قد أهمل، وتسبب في ضياعها.

( فوافقه قولي) أي فرضي عنه، إذ وافق عنده قناعة وقبولا.

( فوضع رأسه ساعة) أي فترة من الزمن، وليس المقصود ما هو معروف منها -ستين دقيقة- وكان عمر رضي الله عنه قد وضع خده ساعة على فخذ ابن عباس، فلما دخل ابن عمر قال له عمر: ألصق خدي بالأرض يا عبد الله بن عمر، فوضعه ابن عباس من فخذه على ساقه، فقال: ألصق خدي بالأرض فوضعه حتى ألصق خده ولحيته بالأرض.

فقه الحديث

يتعرض الحديث إلى نقاط:

1- ماذا فعل صلى الله عليه وسلم بشأن الاستخلاف؟

2- وماذا فعل أبو بكر رضي الله عنه؟.

3- وماذا فعل عمر رضي الله عنه؟

4- وما حكم عقد الخلافة من الإمام المتولي لغيره بعده؟.

5- وما حكم نصب الخليفة بصفة عامة؟

النقطة الأولى: ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بشأن الاستخلاف:

أما عن النقطة الأولى فيقول النووي: هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة، وهو إجماع أهل السنة وغيرهم.
قال القاضي: وخالف في ذلك بكر ابن أخت عبد الواحد، فزعم أنه نص على أبي بكر، وقال ابن راوندي: نص على العباس، وقالت الشيعة والرافضة: نص على علي.
وهذه دعاوى باطلة، وجسارة على الافتراء، ووقاحة في مكابرة الحس، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر، وعلى تنفيذ عهده إلى عمر، وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى، ولم يخالف في شيء من هذا أحد، ولم يدع علي ولا العباس ولا أبو بكر وصية في وقت من الأوقات، وقد اتفق علي والعباس على جميع هذا، من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت، فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ، واستمرارها عليه، وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال؟ ولو كان شيء لنقل، فإنه من الأمور المهمة.
اهـ.

وقد تابع الطبري بكر ابن أخت عبد الواحد، واحتج بما أخرجه بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم، قال: رأيت عمر يجلس الناس، ويقول: اسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعهما في ذلك ابن حزم.

والحق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أبا بكر بعده صراحة، لكن إشاراته إلى ذلك كثيرة، منها:

1- روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي.

2- وعن جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ -كأنها تقول: الموت -قال صلى الله عليه وسلم: إن لم تجديني فأتي أبا بكر.

3- وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة.
فقال: من الرجال؟ قال: أبوها: قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب.

وفي مرض موته صلى الله عليه وسلم أنابه للصلاة بالناس.

وهم أن يكتب وصاية له بالخلافة بعده، ولكنه رجع، وقال: يأبى الله، ويدفع المؤمنون.

وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: ادعي لي أباك وأخاك، حتى أكتب كتابا.

وفي آخره ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وعند مسلم ادعي لي أبا بكر، أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر.

وأفرط المهلب، فقال: فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر.

لكن حديثنا يفيد جزما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين صراحة من يكون خليفة بعده، ولعله قد أعلمه ربه أن الأمة ستجتمع على أبي بكر، فترك التعيين لتثاب الأمة على الاجتهاد والاختيار، وليشرع الشورى واختيار أهل الحل والعقد لخليفتهم.

النقطة الثانية: ماذا فعل أبو بكر رضي الله عنه؟

أما أبو بكر رضي الله عنه فحين حضرته الوفاة كانت جيوش المسلمين في حرب طاحنة مع أعداء الإسلام، فخشي الفتنة، والظروف لا تسمح بالتفرق، وفهم من عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الكتابة والاستخلاف جوازه، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يعزم إلا على جائز، فعين عمر خليفة من بعده رضي الله عنهما واتفق الناس على قبول هذا التعيين.

النقطة الثالثة: ماذا فعل عمر رضي الله عنه؟

أما عمر رضي الله عنه فقد أشكل عليه الفعل والترك، فالفعل دليله عزم النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر، والترك دليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم والذي يظهر من كلام عمر أنه رجح عنده الترك، لأنه الذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم لكنه رأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين، فسلك في هذا الأمر مسلكا متوسطا، خشية الفتنة، فخص الأمر بستة من فضلاء الصحابة، وأمرهم أن يختاروا منهم واحدا، فجعل الأمر معقودا موقوفا على الستة، فأخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم طرفا، وهو ترك التعيين، ومن فعل أبي بكر طرفا، وهو العقد لأحد الستة، وإن لم ينص عليه.

وأما عن النقطة الرابعة والخامسة:

فيقول النووي وغيره: أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان، حيث لا يكون هناك استخلاف غيره، وعلى جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين عدد محصور، أو غيره، وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة، وخالف في ذلك الأصم، فقال: لا يجب، واحتج ببقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور يوم السقيفة، وأيام الشورى بعد وفاة عمر رضي الله عنه، ولا حجة له في ذلك، لأن الصحابة في هاتين الفترتين لم يكونوا تاركين لنصب الخليفة، بل كانوا ساعين في النظر في أمر من يعقد له.

قال النووي: وأجمعوا على أن وجوب نصب الخليفة بالشرع لا بالعقل، وخالف في ذلك بعض المعتزلة، فقالوا: وجوبه بالعقل، لا بالشرع، وفساد قولهم ظاهر، لأن العقل لا مدخل له في الإيجاب والتحريم، ولا التحسين والتقبيح، وإنما يقع ذلك بحسب العادة، لا بذاته.

وفي الحديث

1- فضيلة عمر رضي الله عنه، وحرصه على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه.

2- تواضعه رضي الله عنه وهضمه نفسه، وخشيته وخوفه من ربه عن فترة حكمه، وهو المشهور بالزهد وتحري العدالة.

3- ذكاء عبد الله بن عمر في فهمه من عبارة أبيه ما فهم.

4- عقلية ابن عمر وحكمته وقوة حجته في تمثيله بالغنم وراعيها.

والله أعلم.