351 و حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا زُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ ، مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ |
351 و حدثني حرملة بن يحيى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني حيوة ، قال : حدثني أبو يونس ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا زمرة واحدة ، منهم على صورة القمر |
Abu Huraira reported:
The Messenger of Allah (ﷺ) said: Seventy thousand (persons) would enter Paradise as one group and among them (there would be people) whom faces would be bright like the moon.
شرح الحديث من شرح النووى على مسلم
[ سـ :351 ... بـ :217]
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا زُمْرَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ : احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ مَكْرُوهٌ ، وَمُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنَافِعِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَطْعِمَةِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْقُسْطِ وَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدَاوَى ، وَبِإِخْبَارِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِكَثْرَةِ تدَاوِيهِ وَبِمَا عُلِمَ مِنَ الِاسْتِشْفَاءِ بِرُقَاهُ ، وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَخَذُوا عَلَى الرُّقْيَةِ أَجْرًا ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حُمِلَ مَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ نَافِعَةٌ بِطَبْعِهَا وَلَا يُفَوِّضُونَ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيثِ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّأْوِيلُ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ وَفَضِيلَةٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، وَبِأَنَّ وُجُوهَهُمْ تُضِيءُ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ لَمَا اخْتُصَّ هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ ; لِأَنَّ تِلْكَ هِيَ عَقِيدَةُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنِ اعْتَقَدَ خِلَافَ ذَلِكَ كَفَرَ .
وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَعَانِي عَلَى هَذَا ; فَذَهَبَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ : مَنْ تَرَكَهَا تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاءً بِقَضَائِهِ وَبَلَائِهِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَهَذِهِ مِنْ أَرْفَعِ دَرَجَاتِ الْمُحَقِّقِينَ بِالْإِيمَانِ قَالَ : وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ سَمَّاهُمْ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَيِّ وَالرُّقَى وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الطِّبِّ .
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ أَنْ يَتَّخِذَ التَّمَائِمَ وَيَسْتَعْمِلَ الرُّقَى ، وَأَمَّا مَنْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ مِمَّنْ بِهِ مَرَضٌ فَهُوَ جَائِزٌ .
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَخْصِيصِ الرُّقَى وَالْكَيِّ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ الطِّبِّ لِمَعْنًى وَأَنَّ الطِّبَّ غَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ ، إِذْ تَطَبَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفُضَلَاءُ مِنَ السَّلَفِ .
وَكُلُّ سَبَبٍ مَقْطُوعٌ بِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْغِذَاءِ وَالرِّيِّ لَا يَقْدَحُ التَّوَكُّلَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْفَ عَنْهُمُ التَّطَبُّبُ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلُوا الِاكْتِسَابَ لِلْقُوتِ وَعَلَى الْعِيَالِ قَادِحًا فِي التَّوَكُّلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَتُهُ فِي رِزْقِهِ بِاكْتِسَابِهِ وَكَانَ مُفَوِّضًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْكَلَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطِّبِّ وَالْكَيِّ يَطُولُ ، وَقَدْ أَبَاحَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا ، لَكِنِّي أَذْكُرُ مِنْهُ نُكْتَةً تَكْفِي وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطَبَّبَ فِي نَفْسِهِ وَطَبَّبَ غَيْرَهُ ، وَلَمْ يَكْتَوِ وَكَوَى غَيْرَهُ ، وَنَهَى فِي الصَّحِيحِ أُمَّتَهُ عَنِ الْكَيِّ وَقَالَ : " مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ " .
هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا اخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَحَاصِلُهُ : أَنَّ هَؤُلَاءِ كَمُلَ تَفْوِيضُهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي دَفْعِ مَا أَوْقَعَهُ بِهِمْ .
وَلَا شَكَّ فِي فَضِيلَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَرُجْحَانِ صَاحِبِهَا .
وَأَمَّا تَطَبُّبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَهُ لِيُبَيِّنَ لَنَا الْجَوَازَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ ، فَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا : لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ التَّوَكُّلِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِطْ قَلْبَهُ خَوْفٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ حَتَّى يَتْرُكَ السَّعْيَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ثِقَةً بِضَمَانِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ رِزْقَهُ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : حَدُّهُ الثِّقَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْإِتْقَانُ بِأَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ وَاتِّبَاعُ سُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّعْي فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدُوِّ كَمَا فَعَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيُّ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَصْحَابِ عِلْمِ الْقُلُوبِ وَالْإِشَارَاتِ .
وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إِلَى نَحْوِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمُ اسْمُ التَّوَكُّلِ مَعَ الِالْتِفَاتِ وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَى الْأَسْبَابِ ، بَلْ فِعْلُ الْأَسْبَابِ سُنَّةُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ وَالثِّقَةُ بِأَنَّهُ لَا يَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ ضَرًّا وَالْكُلُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ .
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - : اعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ ، وَأَمَّا الْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ بِالْقَلْبِ بَعْدَ مَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ أَنَّ الثِّقَةَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَقْدِيرِهِ ، وَإِنْ تَيَسَّرَ فَبِتَيْسِيرِهِ .
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : التَّوَكُّلُ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيدُ .
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْجَبَّرِيُّ : التَّوَكُّلُ الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ تَعَالَى مَعَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : التَّوَكُّلُ أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِكْثَارُ وَالتَّقَلُّلُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .