هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3675 وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِعْرَاضِ ، فَقَالَ : إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ ، فَلَا تَأْكُلْ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3675 وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض ، فقال : إذا أصاب بحده فكل ، وإذا أصاب بعرضه فقتل ، فإنه وقيذ ، فلا تأكل
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض؟ فقال: إذا أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فقتل، فإنه وقيذ فلا تأكل وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلب؟ فقال: إذا أرسلت كلبك، وذكرت اسم الله، فكل، فإن أكل منه، فلا تأكل، فإنه إنما أمسك على نفسه قلت: فإن وجدت مع كلبي كلبا آخر، فلا أدري أيهما أخذه؟ قال: فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره.


المعنى العام

يقول الله تعالى { { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } } [المائدة: 1] وكانت للعرب مع الأنعام عادة وهمية خيالية، فكانوا يشقون أذن الناقة التي أبطنت خمسة أبطن، ويخلونها بلا راع، ويوهب لبنها للطواغيت، فلا يحتلبها أحد من الناس، ولا يركب ظهرها، ولا يجز وبرها، ويطلقون عليها بحيرة، وكانوا يسيبون الناقة المنذورة في الخلاء، ويسمونها سائبة، وكانوا يسيبون الفحل من الإبل في الصحراء، ويجعلون عليه ريش الطواويس، ويطلقون عليه الحامي، وكانوا يطلقون الشاة إذا ولدت سبعة أبطن، فلا تذبح، ويجعلون لحمها حراما على النساء، فأنزل الله تعالى { { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون } } [المائدة: 103] والأنعام الإبل والبقر والغنم الشاة والماعز، ومن كل ذكر وأنثى فهي ثمانية أزواج، وحرم الله على اليهود كل ذي ظفر، كالإبل والنعام والأوز والبط، أي ما ليس منفرج الأصابع، وحرم عليهم من البقر والغنم شحومهما، جزاء لبغيهم، وأحل الله للمسلمين الأنعام، واستثنى بعضها بقوله { { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة } } أي التي تموت خنقا { { والموقوذة } } التي تموت بضرب مثقل كالحجر والعصا والحديد { { والمتردية } } التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت { { والنطيحة } } التي تموت بنطح دون أن تذكى { { وما أكل السبع } } أي بقايا ما أكله الأسد والنمر والذئب وغيرها { { إلا ما ذكيتم } } أي إلا ما أدركتموه حيا، فذبحتموه { { وما ذبح على النصب } } [المائدة: 3] أي ما ذبح عند الأصنام، وأهل به لغير الله، وأنزل جل شأنه { { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } } [الأنعام: 145] ولما كانت الحيوانات مستأنسة وغير مستأنسة، شرعت الذكاة والذبح للمستأنسة المقدور على ذبحها، وشرع الصيد لغير المستأنس، وأنزل الله تعالى { { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب } } [المائدة: 4] وأخذ الصائدون يستفسرون عن حل ما يعملون، وعلى رأسهم عدي بن حاتم الطائي، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب، فأرشده إلى شرط أن يكون معلما وأن يرسله صاحبه ويسمي على الصيد، وأن لا يأكل الكلب من الصيد، فإن أكل منه لم يحل الصيد، فإن شارك كلبه كلب آخر لم يعرف أنه معلم وأنه مرسل من أهل الذكاة لم يحل الصيد إن قتله، فإن أدرك حيا وذكى حل، سأله عن صيد المعراض وهو خشبة مدبب طرفاها، غليظ وسطها تقذف على الصيد، فتصيبه، فتقتله، وأجيب بأن هذه الخشبة أو أصابت بالطرف المدبب ونفذ الطرف في جسم الصيد، فقتله، فهو حلال، فإن كان القتل بالعرض وبالجزء الغليظ فالقتل بمثقل لا يحل، سأله عن رمي القوس، وعن قتل السهم، فأجيب بأنه إذا ذكر اسم الله عند إطلاقه فهو حلال، فإن غاب الصيد بعد ضربه بالسهم، ووجده مقتولا بعد يوم أو يومين أو أكثر وفيه أثر سهمه حل، فإن وجده غريقا، ولم يعلم أقتل بالسهم أم بالغرق لم يحل، ويسأل الأسئلة نفسها أبو ثعلبة الخشني، ويجاب بالإجابة نفسها، ويزيد سؤالا عن استعمال المسلمين لأواني أهل الكتاب، ويجاب بأن لا يأكل فيها المسلم إذا وجد غيرها، فإن لم يجد غيرها غسلها وأكل فيها.

المباحث العربية

( الصيد والذبائح) الصيد مصدر صاد يصيد، فهو صائد، وذاك مصيد، وقد يطلق الصيد على المصيد، تسمية بالمصدر، ومنه قوله تعالى { { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } } [المائدة: 95] والذبائح جمع ذبيحة، بمعنى مذبوحة.

( عدي بن حاتم) بن عبد الله بن سعد الطائي، الجواد ابن الجواد، أسلم سنة الفتح، وثبت هو وقومه على الإسلام، نزل الكوفة، وشهد الفتوح بالعراق، ثم كان مع علي بن أبي طالب، ومات بالكوفة سنة ثمان وستين، وهو ابن عشرين ومائة سنة.

( إني أرسل الكلاب المعلمة) أي أرسلها نحو الصيد، وأحرضها عليه، والمراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته، وإذا زجرها انزجرت، وإذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها، وفي هذا الوصف الثالث خلاف بين الفقهاء، واختلف متى يعلم ذلك منها، فقيل: أقله ثلاث مرات، وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين، والجمهور على عدم تحديد المرات، لاختلاف العرف، واختلاف طباع الكلاب وذكائها.

وفي الرواية الثانية إنا قوم نصيد بهذه الكلاب أي المعلمة.

( وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن) جواب الشرط فيهما محذوف للعلم به.

( ما لم يشركها كلب ليس معها) قال النووي: المراد كلب آخر استرسل بنفسه، أو أرسله من ليس من أهل الذكاة، أو شككنا في ذلك.
اهـ.
وفي الرواية الثانية وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل لأنك لا تدري.
أهي مرسلة من أهل الذكاة أم لا؟ وفي الرواية الثالثة فإن وجدت مع كلبي كلبا آخر، فلا أدري أيهما أخذه؟ قال: فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك وأرسلته ولم تسم على غيره ولم ترسله، ولم تعلم حاله.
وفي الرواية الرابعة فإن وجدت عنده كلبا آخر، فخشيت أن يكون أخذه معه، وقد قتله، فلا تأكل.

( فإني أرمي بالمعراض الصيد) المعراض بكسر الميم وسكون العين، قال النووي: هي خشبة ثقيلة، أو عصا في طرفها حديدة، وقد تكون بغير حديدة، هذا هو الصحيح في تفسيره، وقال الهروي: هو سهم لا ريش له ولا نصل، وقال ابن دريد: هو سهم طويل، له أربع قذذ رقاق -القذة بضم القاف وتشديد الذال ريش كريش الطائر يركب في السهم- فإذا رمي به اعترض، وقيل: هو عود رقيق الطرفين، غليظ الوسط، إذا رمي به ذهب مستويا.

( إذا رميت بالمعراض فخزق فكله) خزق بفتح الخاء والزاي، بعدها قاف، ومعناه نفذ، وقد تبدل الزاي سينا، وقيل: معناه خدش، ولم يثبت في الصيد، أي إذا أصاب المعراض الصيد بحده حل.

( وإن أصابه بعرضه فلا تأكله) عرضه بفتح العين وسكون الراء، أي وسطه غير الطرف المحدد، وفي الرواية الثالثة إذا أصاب بحده أي طرفه المدبب فكل، وإذا أصاب بعرضه فقتل المعراض الصيد فإنه وقيذ، فلا تأكل والوقيذ بمعنى موقوذ، وهو الذي يقتل بغير محدد، من عصا أو حجر أو غيرهما، وأصل الوقذ الكسر والرض، والتقييد في هذه الرواية بقوله فقتل احتراز من إدراكه حيا فيذكى.

( فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه) يقول الله تعالى { { فكلوا مما أمسكن عليكم } } أي وإن كانت معلمة وفي الرواية الثالثة فإن أكل منه فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه وسيأتي الخلاف في ذلك في فقه الحديث.

( فإن ذكاته أخذه) وفي رواية البخاري فإن أخذ الكلب ذكاة أي حكمه حكم التذكية، فيحل أكله، كما يحل أكل المذكاة.

( وكان لنا جارا ودخيلا وربيطا بالنهرين) قال أهل اللغة: الدخيل والدخال الذي يداخل الإنسان ويخالطه في أموره، والربيط هنا بمعنى الرابط، وهو الملازم، والرباط هنا الملازمة، قالوا: والمراد هنا أنه ربط نفسه على العبادة، وعلى الزهد في الدنيا.

( عن أبي ثعلبة الخشني) اختلف في اسمه، فقيل: جرثوم، وهو قول الأكثر، وقيل: جرهم، وقيل: جرثم، وقيل: جرثومة، وقيل: غرنوق، وقيل: ناشر، وقيل: لاثر، واختلف في اسم أبيه، فقيل: عمرو، وقيل: ناشب، وقيل: ناسب، وقيل: لاشن، وقيل: حمير، وتجمع من اسمه واسم أبيه بالتركيب أقوال كثيرة جدا، وكان إسلامه قبل خيبر، وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه، فأسلموا.

( إنا بأرض قوم من أهل الكتاب) يعني بالشام، وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام، وتنصروا، منهم آل غسان، وتنوخ، وبهز، وبطون من قضاعة، منهم بنو خشين، آل أبي ثعلبة.

( نأكل في آنيتهم؟) بحذف همزة الاستفهام، وهي مذكورة في رواية البخاري، والآنية جمع إناء، والأواني جمع آنية، قال النووي: والمراد بالآنية في حديث أبي ثعلبة آنية من يطبخ فيها لحم الخنزير، ويشرب فيها الخمر، كما وقع التصريح به في رواية أبي داود إنا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر.

( فكله ما لم ينتن) قال أهل اللغة: نتن بفتح النون والتاء، ينتن بكسر التاء، نتنا بسكونها، خبثت رائحته، فهو نتن بفتح النون وكسر التاء، ويقال: نتن بفتح النون وضم التاء، ينتن بضم التاء، نتنا بسكونها، ونتانة، ويقال: أنتن ينتن بمعنى نتن، فهو منتن وعليه روايتنا، ويقال: نتن بتشديد التاء بمعنى نتن، ويتعدى فيقال نتن الشيء جعله منتنا.

فقه الحديث

تنحصر نقاط الحديث في أربع:

1- صيد الكلب، وما يلحق به من الجوارح.

2- صيد المعراض والسهام، وما يلحق بها من البندقية ونحوها.

3- آنية أهل الكتاب.

4- مستخرجات على هذه النقاط.

وهذا هو التفصيل:

1- أما صيد الكلب فيه مسائل

الأولى: أن يكون معلما، فإن أرسل كلبا غير معلم لم يحل ما قتله.
قال النووي: وهذا مجمع عليه، وذكر الكلب مطلقا يتناول أي لون كان، أبيض أو أسود أو أحمر، فيجوز بأي لون كان، ففيه حجة على أحمد وإسحق، حيث قالا: لا يحل الصيد بالكلب الأسود، لأنه شيطان.

الثانية: أن يرسله من هو أهل للتذكية، قال النووي: لو استرسل المعلم بلا إرسال فلا يحل ما قتله عندنا وعند العلماء كافة، إلا ما حكي عن الأصم من إباحته، وإلا ما حكاه ابن المنذر عن عطاء والأوزاعي، أنه يحل إن كان صاحبه أخرجه للاصطياد.

وظاهر قوله في الرواية الأولى إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل اشتراط تسمية المرسل على الصيد، وكذا في الروايات الأخرى فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره قال النووي: في هذا الأمر بالتسمية على إرسال الصيد، وقد أجمع المسلمون على التسمية عند الإرسال على الصيد، وعند الذبح والنحر، واختلفوا في أن ذلك واجب أم سنة؟ فمذهب الشافعي وطائفة أنها سنة، فلو تركها سهوا أو عمدا حل الصيد والذبيحة، وهي رواية عن مالك وأحمد، وقال أهل الظاهر: إن تركها عمدا أو سهوا لم يحل، وهو الصحيح عن أحمد في صيد الجوارح، وهو مروي عن ابن سيرين وأبي ثور، واستدلوا بجعلها شرطا في حديث عدي، ولإيقاف الإذن في الأكل عليها، في حديث أبي ثعلبة، والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم، ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة، وما أذن فيه منها تراعي صفته، فالمسمى عليها وافق الوصف، وغير المسمى عليها باق على التحريم، وقال أبو حنيفة ومالك والثوري وجماهير العلماء: إن تركها سهوا حلت الذبيحة والصيد، وإن تركها عمدا فلا، وعلى مذهب أصحابنا: يكره تركها، وقيل: لا كراهة، بل هو خلاف الأولى، والصحيح الكراهة.

قال: واحتج من أوجبها بقوله تعالى { { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } } [الأنعام: 121] وبهذه الأحاديث، واحتج أصحابنا بقوله تعالى { { حرمت عليكم الميتة....
}
}
إلى قوله { { إلا ما ذكيتم } } [المائدة: 3] فأباح بالتذكية من غير اشتراط التسمية ولا وجوبها، فإن قيل: التذكية لا تكون إلا بالتسمية، قلنا: هي في اللغة الشق والفتح.
وبقوله تعالى { { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } } [المائدة: 5] وهم لا يسمون، وبحديث عائشة أنهم قالوا: يا رسول الله، إن قوما حديث عهدهم بالجاهلية، يأتوننا بلحمان، لا ندري أذكروا اسم الله؟ أم لم يذكروا؟ أفنأكل منها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سموا وكلوا رواه البخاري، فهذه التسمية هي المأمور بها عند أكل كل طعام، وشرب كل شراب، وأجابوا عن قوله تعالى { { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } } أن المراد ما ذبح للأصنام، كما قال تعالى في الآية الأخرى { { وما ذبح على النصب } } و { { ما أهل به لغير الله } } أي ما ذبح على اسم غير الله من صنم أو وثن أو طاغوت أو غير ذلك من سائر المخلوقات، ولأن الله تعالى قال { { وإنه لفسق } } وقد أجمع المسلمون على أن من أكل متروك التسمية ليس بفاسق، فوجب حملها على ما ذكرناه، ليجمع بينها وبين الآيات السابقات وحديث عائشة، وحملها بعض أصحابنا على كراهة التنزيه، وأجابوا عن الأحاديث في التسمية أنها للاستحباب.

الثالثة: إذا أكل الكلب من الصيد، قال النووي: اختلف العلماء فيه، فقال الشافعي في أصح قوليه: إن قتلته الجارحة المعلمة من الكلاب والسباع، وأكلت منه فهو حرام، وبه قال أكثر العلماء، منهم ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والشعبي والنخعي وعكرمة وقتادة وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وداود.
اهـ.

وقال سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وابن عمر ومالك: يحل، وهو قول ضعيف للشافعي، واحتج هؤلاء بحديث أبي ثعلبة الخشني عند أبي داود، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: كل وإن أكل منه قال ابن حزم: هذا حديث لا يصح، وإن سلم به فهو لا يقاوم الذي في الصحيح، ولا يقاربه، وقيل: إن حديث أبي ثعلبة محمول على ما إذا أكل منه بعد أن قتله وخلاه وفارقه، ثم عاد فأكل منه، فهذا لا يضر، ومنهم من حمله على الجواز، وحديث عدي على التنزيه، لأنه كان موسعا عليه، فأفتاه بالكف تورعا وأبو ثعلبة كان محتاجا، فأفتاه بالجواز.

واحتج الأولون بروايات عدي، وهي صريحة مقرونة بالتعليل، ففي الرواية الثانية إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وفي الرواية الثالثة فإن أكل منه فلا تأكل، فإنه إنما أمسك على نفسه.

كما احتجوا بقوله تعالى { { فكلوا مما أمسكن عليكم } } ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما احتيج إلى زيادة عليكم ويرد ابن القصار على هذا بأن مجرد إرسال الكلب إمساك علينا، لأن الكلب لا نية له، ولا يصح منه ميزها، فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه، واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية، وهو مرسله، فإذا أرسله فقد أمسك عليه، وإذا لم يرسله لم يمسك عليه، كذا قال، وهو بعيد، ومصادم لسياق الحديث الصحيح، وقد قال الجمهور: إن معنى قوله { { أمسكن عليكم } } صدق لكم، وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه، لا لصاحبه، فلا يعدل عن ذلك، فعند ابن أبي شيبة إن شرب من دمه فلا تأكل، فإنه لم يعلم ما علمته ففي هذا الحديث إشارة إلى أن الأكل دليل على أنه ليس بمعلم التعليم المشترط، ثم إن الأصل التحريم، وشرط الإباحة أن نعلم أنه أمسك علينا، قال النووي: وأما جوارح الطير إذا أكلت مما صادته فالأصح عند أصحابنا، والراجح من قول الشافعي تحريمه، وقال سائر العلماء بإباحته، لأنه لا يمكن تعليمها ذلك، بخلاف السباع.
قال: وأصحابنا يمنعون هذا الدليل.

الرابعة: إذا شارك الكلب المعلم المرسل كلب أو كلاب غير معلمة، أو معلمة غير مرسلة، أو مرسلة ممن ليس من أهل الذكاة، أو شككنا في شيء من ذلك فإنه لا يحل، أما إذا تحققنا أن الكلاب المشاركة معلمة مرسلة ممن هو أهل للذكاة فإنه يحل، ثم ينظر، فإن أرسلاهما معا فهو لهما، وإلا فللأول.

وهذا كله فيما إذا وجد الصيد مقتولا، أما إذا وجد به رمق، وبه حياة مستقرة، وأدرك ذكاته، لم يحل إلا بالتذكية، فلو لم يذبحه مع الإمكان حرم، سواء كان عدم الذبح اختيارا أو اضطرارا، كعدم وجود آلة الذبح.

الخامسة: يلحق بالكلب فيما ذكر ما علم من الباز والصقور والعقاب والباشق والشاهين ونحوها من الطيور.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم.
والله أعلم.

2- وأما صيد المعراض

فقال النووي: مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والجماهير أنه إذا اصطاد بالمعراض فقتل الصيد بحده حل، وإن قتله بعرضه لم يحل، لهذا الحديث، وقال مكحول والأوزاعي وغيرهما من فقهاء الشام: يحل مطلقا، وكذا قال هؤلاء وابن أبي ليلى: أنه يحل ما قتله بالبندقة، وحكي أيضا عن سعيد بن المسيب، وقال الجماهير: لا يحل صيد البندقة مطلقا، لحديث المعراض، لأنه كله رض ووقذ، وهو معنى قوله في الرواية الثالثة والرابعة فإنه وقيذ أي مقتول بغير محدد، والموقوذة المقتولة بالعصا ونحوها.
اهـ.

قال البخاري: وقال ابن عمر في المقتولة بالبندقة: تلك الموقوذة، وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن، وكره الحسن رمي البندقية في القرى والأمصار، ولا يرى به بأسا فيما سواه.
اهـ.

ولمالك في الموطأ أنه بلغه أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق كان يكره ما قتل بالمعراض والبندقة.

أما الحسن البصري فقال -فيما رواه ابن أبي شيبة- إذا رمى الرجل الصيد بالجلاهقة فلا تأكل، إلا أن تدرك ذكاته، والجلاهقة بضم الجيم وتشديد اللام وكسر الهاء، بعدها قاف، هي البندقة بالفارسية، والجمع جلاهق.

وأما صيد القوس والسهام فعنه تقول الرواية السادسة وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن غاب عنك يوما، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك، فكل إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل وتقول الرواية السابعة إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل، فكل، إلا أن تجده قد وقع في ماء، فإنك لا تدري الماء قتله؟ أم سهمك؟ وتقول الرواية التاسعة إذا رميت بسهمك فغاب عنك، فأدركته، فكله، ما لم ينتن؟ وقد تمسك بالرواية السادسة والسابعة من أوجب التسمية على الصيد وعلى الذبيحة، وقد مر البحث في ذلك قريبا.

وعند أبي داود وأفتني في قوس؟ قال: كل ما ردت عليك قوسك، ذكيا وغير ذكي، قال: وإن تغيب عني؟ قال: وإن تغيب عنك، ما لم يصل بكسر الصاد وتشديد اللام، أي ينتن أو تجد فيه أثرا غير سهمك.

وعند البخاري عن عدي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يرمي الصيد، فيفتقر أثره اليومين والثلاثة، ثم يجده ميتا، وفيه سهمه؟ قال: يأكل إن شاء.

وعند الترمذي والنسائي إذا وجدت سهمك فيه، ولم تجد به أثر سبع، وعلمت أن سهمك قتله، فكل منه قال الرافعي: يؤخذ منه أنه لو جرحه، ثم غاب، ثم جاء، فوجده ميتا، أنه لا يحل، وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر، قال النووي: الحل أصح دليلا.

أما عدم الأكل مما وقع في الماء فقد بينت الرواية السابعة علة هذا الحكم، وهي التردد فيما قتل، أهو السهم؟ أم الغرق؟ قال النووي: إذا وجد الصيد غريقا في الماء حرم بالاتفاق، اهـ.
فالحل بعد الغياب مبني على ما إذا علم أن سهمه هو الذي قتل.

والرواية التاسعة والعاشرة تجعل الغاية أن ينتن الصيد، وليس الغياب يومين أو ثلاثة، فلو وجده مثلا بعد ثلاث ولم ينتن حل، وإن وجده قبل الثلاث وقد أنتن فلا، هذا ظاهر الحديث، وقد حرم المالكية أكل اللحم النتن مطلقا، وقال النووي: إن النهي عن أكل اللحم النتن للتنزيه، لا للتحريم، وكذا سائر الأطعمة المنتنة، يكره أكلها، ولا يحرم، إلا أن يخاف منها الضرر خوفا معتمدا.
قال: وقال بعض أصحابنا: يحرم اللحم المنتن مطلقا، وهو ضعيف.

3- أما آنية أهل الكتاب

فظاهر الرواية الثامنة فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها، وكلوا فيها ظاهر هذا أن جواز استعمال آنية أهل الكتاب موقوف على شرطين، أن لا يجد غيرها، وأن يغسلها، فإن وجد غيرها لم يجز استعمالها ولو غسلها، وإن لم يجد غيرها لا يجوز استعمالها قبل غسلها، وبهذا الظاهر قال ابن حزم.

والفقهاء يقولون: الأصل أن آنية أهل الكتاب وكذا المجوس طاهرة، حتى يثبت استعمالها في النجاسة، في الخمر والخنزير والذبائح المحرمة وغيرها، فإن سحبنا الحكم عليها جميعها مطلقا -كما قال بعض الفقهاء- فقد رجحنا الظن الغالب على الظن المستفاد من الأصل، وعليه فالمراد من آنية أهل الكتاب في الحديث جميعها، فمجهولة استعمالهم لها يكره استعمالها إذا وجد غيرها، ولا يرفع الكراهة غسلها، لا لأنها نجسة، ولكن لاستقذارها، وكونها معدة غالبا للنجاسات، كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة، ورجح بعض العلماء الظن المستفاد من الأصل، فقالوا: إن الحكم للأصل، فهي طاهرة، حتى تتحقق النجاسة، وعليه فالمراد من آنية أهل الكتاب في الحديث آنيتهم التي كانوا يطبخون فيها لحم الخنزير، ويشربون فيها الخمر، كما صرح به في رواية أبي داود، وهذه الآنية يكره استعمالها إن وجد غيرها، ويجب غسلها، ولا تزول كراهة استعمالها بعد غسلها، لاستقذارها، وغسلها يطهرها، ويرى المالكية أن غسلها لا يطهرها، بل يتعين كسرها، كما جاء في كسر آنية الخمر على كل حال، والأمر بغسلها في الحديث لا لتطهيرها، بل رخصة للأكل فيها للضرورة، قالوا: لو كان الغسل مطهرا لها، لما كان للتفصيل في الحديث معنى، ورد هذا القول بأن التفصيل لا ينحصر في كون العين تصير نجسة، بحيث لا تطهر أبدا، بل يحتمل أن يكون التفصيل للأخذ بالأولى.

فإن الإناء الذي يطبخ فيه الخنزير يستقذر، ولو غسل، فالأمر بالغسل عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل، والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها، كما في حديث الأمر بكسر القدور التي طبخت فيها الميتة، فقال رجل: أو نغسلها؟ فقال: أو ذاك فأمر بالكسر للمبالغة في التنفير عنها، ثم أذن في الغسل ترخيصا، فكذلك يتجه هذا هنا.
والله أعلم.

4- ويستخرج على هذه النصوص ما يلي

أ- إباحة الاصطياد، قال النووي: وقد أجمع المسلمون عليه، وتظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة والإجماع، قال القاضي عياض: وهو مباح لمن اصطاد للاكتساب والحاجة، والانتفاع به بالأكل وثمنه، قال: واختلفوا فيمن اصطاد للهو، ولكن قصد تذكيته والانتفاع به، فكرهه مالك، وأجازه الليث وابن عبد الحكيم، فإن فعله بغير نية التذكية فهو حرام، لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثا.
اهـ.

وقال ابن المنير: الاشتغال بالصيد لمن هو عيشه به مشروع، ولمن عرض له ذلك، وعيشه بغيره مباح، وأما التصيد لمجرد اللهو فهو محل الخلاف.

وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة، ونهى أيضا عن الإكثار من الصيد، فروى الترمذي من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا من سكن البادية فقد جفا، ومن اتبع الصيد فقد غفل، ومن لزم السلطان افتتن وقال: حسن غريب، وأعله بعضهم بأحد رواته، لكن الإكثار من التصيد للهو كثيرا ما يشغل عن بعض الواجبات، وعن كثير من المندوبات.

ب- جواز اقتناء الكلب المعلم للصيد، وقد روى البخاري من اقتنى كلبا، إلا كلبا ضاريا لصيد، أو كلب ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان واختلفوا في سبب نقصان الأجر، باقتناء الكلب، فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته، وقيل: لما يلحق المارين من الأذى، وقيل: لما يبتلى به من ولوغه في الإناء عند غفلة صاحبه.

جـ- واستدل به على جواز بيع كلب الصيد، للإضافة في قوله كلبك وأجاب من منع بأنها إضافة اختصاص.

د- واستدل به على طهارة سؤر كلب الصيد، دون غيره من الكلاب، للإذن في الأكل من الموضع الذي قبض منه، ولم يذكر الغسل، ولو كان واجبا لبينه، لأنه وقت الحاجة إلى البيان، وقال بعض العلماء: يعفي عن معض الكلب، ولو كان نجسا، لهذا الحديث، وأجاب من قال بنجاسته بأن وجوب الغسل كان قد اشتهر عندهم وعلم، فاستغنى عن ذكره، قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر، وقد يتقوى القول بالعفو، لأنه بشدة الجري يجف ريقه، فيؤمن معه ما يخشى من إصابة لعابه موضع العض.

هـ- واستدل بقوله في الرواية الثانية فكل مما أمسكن عليك بأنه لو أرسل كلبه على صيد، فاصطاد غيره، حل للعموم الذي في قوله ما أمسكن وهذا قول الجمهور، وقال مالك: لا يحل، وهو رواية عن الشافعي.

و- يستخرج على قوله كله ما لو قطع من الصيد يد أو رجل، فماذا يؤكل؟ وماذا لا يؤكل؟ عند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن قال في رجل ضرب صيدا، فأبان منه يدا أو رجلا، وهو حي، ثم مات، قال: لا تأكله، ولا تأكل ما بان منه، إلا أن تضربه، فتقطعه، فيموت من ساعته، فإذا كان كذلك فليأكله، وعند ابن أبي شيبة أيضا عن إبراهيم عن علقمة إذا ضرب الرجل الصيد، فبان منه عضو، ترك ما سقط، وأكل ما بقي قال ابن المنذر: اختلفوا في هذه المسألة، فقال ابن عباس وعطاء: لا تأكل العضو منه، وذك الصيد وكله.
وقال عكرمة: إن عدا حيا بعد سقوط العضو منه فلا تأكل العضو، وذلك الصيد، وكله، وإن مات الصيد حين الضربة، فكله كله، وقال الشافعي: لا فرق أن ينقطع قطعتين أو أقل، إذا مات من تلك الضربة، وعن الثوري وأبي حنيفة: إن قطعه نصفين أكلا جميعا، وإن قطع الثلث مما يلي الرأس فكذلك، ومما يلي العجز أكل الثلثين مما يلي الرأس، ولا يأكل الثلث الذي يلي العجز.
والله أعلم.