هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3806 حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ : أَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ (ينقع) فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا وشرابا مسكرا> وَالنَّقِيرِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْحَنْتَمُ وَالْمَزَادَةُ الْمَجْبُوبَةُ ، وَلَكِنِ اشْرَبْ فِي سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3806 حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، أخبرنا نوح بن قيس ، حدثنا ابن عون ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس : أنهاكم عن الدباء والحنتم (ينقع) فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا وشرابا مسكرا> والنقير والمقير والحنتم والمزادة المجبوبة ، ولكن اشرب في سقائك وأوكه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير والحنتم والمزادة المجبوبة.
ولكن اشرب في سقائك وأوكه.


المعنى العام

إن التحذير من شرب الخمر في الشريعة الإسلامية له أهمية خاصة، وأساليب متعددة، ومر بنا في الباب رقم 552 التحذير من تخليلها، ومن تعاطيها كدواء، وفي الباب رقم 553 أن كل ما يخامر العقل من الأنبذة يسمى خمراً، ويأخذ حكمها، وفي الباب رقم 554 كراهية انتباذ خليطين، لئلا يسارع إلى الخليط التخمر، وفي هذا الباب حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبيذ في أوعية صماء كثيفة، تخفي التخمر، فيقع المسلم في شرب الخمر، وهو لا يدري أنها خمر.

وهكذا نجد الشريعة الإسلامية تسد منافذ الخمر، ومنافذ القرب منها سداً محكماً منيعاً، ويروي البخاري بهذا الصدد قوله صلى الله عليه وسلم ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف وعند أبي داود ليشربن ناس الخمر، يسمونها بغير اسمها وفي رواية ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها.

إن العرب كانوا يحبون النبيذ من التمر والزبيب والحنطة والشعير، ينقعونه في الماء، ويتركونه حتى يفرغ حلاوته في الماء، وحتى يتغير طعمه من حلو إلى لاذع، يستعذبون هذا الطعم الجديد، وقد أباح الشرع الحنيف هذا الشراب، لأنه لا يسكر، ولا يطغى على العقل، فجعل حده أن لا يشتد لذعه، وأن لا يرغي ويخرج زبداً على وجهه، ولما كان هذا الحد لا يتبين إذا نبذ النقيع في مسمط سميك، وخشي على الشارب أن يشربه بعد أن تخمر وأسكر، وهو لا يدري أنه يسكر نهي عن النبيذ في الجرار وفي جذع النخلة المنقور، وفي الأواني المطلية وفي الأواني المتخذة من القرع، وبعد أن أدرك الناس الحد الفاصل بين النبيذ غير المسكر والنبيذ المسكر، وأصبحوا يعرفون المسكر من غير المسكر وإن نبذ في هذه الأدعية الكثيفة أذن لهم في الانتباذ في أي إناء، ماداموا يميزون بين المسكر وغير المسكر.
وأصبح النهي والمنع مرتبطاً بالمسكرات.

المباحث العربية

( نهى عن الدباء) بضم الدال وتشديد الباء، وفي الكلام مضاف محذوف، أي نهي عن الانتباذ في الدباء، وقد ظهر هذا المحذوف في الرواية الأولى نفسها، على هيئة البدل بلفظ أن ينبذ فيه.
وفي الرواية الثالثة لا تنبذوا في الدباء وفي السادسة نهى أن ينتبذ في الدباء وفي السابعة نهانا أن ننتبذ في الدباء وفي التاسعة فنهاهم أن ينتبذوا في الدباء والدباء القرع، والمراد نوع منه يكون جوفه مفرغاً بعد أن يجف، يشبه القلة، غليظ من جهة ورفيع من الأخرى، يستخدم وعاء، وفي الرواية الثامنة والعشرين نهى عن الدباء، وهي القرعة.

( والمزفت) أي نهى عن الانتباذ في الإناء المزفت، بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الفاء المفتوحة أي المطلي بالزفت من الداخل أو من الخارج أو منهما، والزفت هو القار، فهو المراد بقوله في الرواية الخامسة والحادية عشرة والمقير وفي الرواية الثامنة والعشرين وعن المزفت، وهو المقير.

( واجتنبوا الحناتم) ظاهر الرواية الثالثة أن هذه العبارة من أبي هريرة، ليست مرفوعة، ولكن صرح برفعها في الرواية التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والخامسة والعشرين والسابعة والعشرين والتاسعة والعشرين والحنتم بفتح الحاء وسكون النون وفتح التاء، واحدته حنتمة، قيل: هو الجرار كلها، بجميع أنواعها، وقيل: جرار مقيرات الأجواف، وقيل: جرار أفواهها في جنوبها، يجلب فيها الخمر من الطائف، وكان الناس ينتبذون فيها، وقيل جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم، قال النووي: وأصح الأقوال وأقواها أنها جرار خضر، وبه قال كثيرون من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء.
اهـ وقد فسرها أبو هريرة بالجرار الخضر في الرواية الرابعة، وأطلقت الرواية الرابعة عشرة والسابعة والعشرون والثامنة والعشرون لفظ الجر وفسرته الرواية الثامنة عشرة بكل إناء يصنع من المدر وهو التراب، وأشارت الرواية الثامنة والثلاثون إلى أنه يطلق على المزفت وغير المزفت، ولفظها فأرخص لهم في الجر غير المزفت وعلى هذا فعطف الجر على المحنتم في الرواية السابعة عطف تفسير، وفي رواية للبخاري عن الشيباني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجر الأخضر.
قلت: أنشرب في الأبيض؟ قال: لا قال الحافظ ابن حجر: يعني أن حكم الأبيض حكم الأخضر، فدل على أن الوصف بالخضرة لا مفهوم له، وكأن الجرار الخضر كانت حينئذ شائعة بينهم، فكأنه ذكر الأخضر لبيان الواقع، لا للاحتراز، وقد أخرج الشافعي عن ابن أبي أوفى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر وقد خص جماعة النهي عن الجر بالجرار الخضر، عملاً بروايتنا الرابعة.

وفي ملحق الرواية الخامسة والحنتم المزادة المجبوبة قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ ببلادنا، وكذا نقله القاضي عن جماهير رواة صحيح مسلم ومعظم النسخ، قال: وقع في بعض النسخ والحنتم والمزادة المجبوبة قال: وهذا هو الصواب، والأولى تغيير ووهم.
قال: وكذا ذكره النسائي، ولفظه وعن الحنتم، وعن المزادة المجبوبة وفي سنن أبي داود والحنتم والدباء والمزادة المجبوبة قال: وضبطناه في جميع هذه الكتب المجبوبة بالجيم وبالباء، وقد رواه بعضهم المخنوثة بخاء ثم نون آخرها ثاء، كأنه أخذه من اختناث الأسقية، وهذه الرواية ليست بشيء، والصواب أنها بالجيم، قيل: وهي التي قطع رأسها، فصارت كهيئة الدن، وأصل الجب القطع، وقيل: هي التي قطع رأسها، وليست لها عزلاء من أسفلها -أي ليس لها مصب من أسفلها- يتنفس بشراب منها، فيصير شرابها مسكراً، ولا يدري به، فهي نوع آخر، غير الحنتم.

( والنقير) جاء تفسيره في الرواية الثامنة والعشرين، بلفظ وهي النخلة تنسح نسحاً، وتنقر نقراًً قال النووي: هكذا هو في معظم الروايات، والنسح بسين وحاء، أي تقشر، ثم تنقر، فتصير نقيراً، ووقع لبعض الرواة في بعض النسخ تنسج بالجيم، قال القاضي وغيره: هو تصحيف وادعى بعض المتأخرين أنه وقع في نسخ صحيح مسلم وفي الترمذي بالجيم، وليس كما قال، بل معظم نسخ مسلم بالحاء.
اهـ

وقد فسر النقير مرفوعاً في روايتين في مسلم في كتاب الإيمان -باب وفد عبد القيس، ولفظ الأولى قالوا: يا نبي الله، ما علمك بالنقير؟ قال: بلى.
جذع تنقرونه، فتقذفون فيه من القطيعاء -أو قال: من التمر- ثم تصبون فيه من الماء، حتى إذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف.

ولفظ الثانية لا تشربوا في النقير.
قالوا: يا نبي الله، جعلنا الله فداءك.
أو تدري ما النقير؟ قال: نعم.
الجذع ينقر وسطه.

( ولكن اشرب في سقائك وأوكه) اشتهر عرفاً اختصاص اسم الأسقية بما يتخذ من الجلد المدبوغ، وهو المعروف بالقربة، قال ابن السكيت: السقاء يكون للبن والماء، والوطب يكون للبن خاصة، والنحي بكسر النون وسكون الحاء يكون للسمن.

قال النووي: قال العلماء: إن السقاء إذا أوكي -أي إذا ربط ربطاً محكماً- أمنت مفسدة الإسكار، لأنه متى تغير نبيذه، واشتد، وصار مسكراً، شق الجلد الموكى، فما لم يشقه لا يكون مسكراً، بخلاف الدباء والحنتم والمزادة المجبوبة والمزفت وغيرها من الأوعية الكثيفة، فإنه قد يصير فيها مسكراً، ولا يعلم.

( وأن يخلط البلح بالزهو) مضى الكلام عليه في الباب رقم 554.

( قال: قد زعموا ذاك) هذا الأسلوب غالباً يكون ظاهره إنكار ما قيل، مع أن الروايات الآتية تنقل عن ابن عمر القول به، لا إنكاره، من هنا قال بعضهم: لعله كان قد نسي، ثم تذكر، ويحتمل أن كون هذا الأسلوب جاء على غير الغالب، فقد يستعمل للأمر المحقق، كما في حديث زعم جبريل... وكأن المعنى: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعه الناس.

( نبذ له في تور من حجارة) التور بفتح التاء، هو قدح كبير كالقدر، يتخذ تارة من الحجارة، وتارة من النحاس أو غيره، وتور الحجارة أشد كثافة من الدباء والحنتم.

( نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها) قال القاضي: في هذه الرواية تغيير، وصوابها فاشربوا في الأوعية كلها لأن الأسقية وظروف الأدم، لم تزل مباحة، مأذوناً فيها، وإنما نهي عن غيرها من الأوعية.

( كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم) قال القاضي: هذه الرواية فيها تغيير من بعض الرواة، وصوابه كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فحذف لفظة إلا التي للاستثناء، ولا بد منها.

( عن عبد الله بن عمرو) قال النووي: هكذا هو في النسخ المعتمدة ببلادنا ومعظم النسخ عن عبد الله بن عمرو بفتح العين، ووقع في بعضها ابن عمر بضم العين، قال علي الغساني: المحفوظ ابن عمرو بن العاص وكذا ذكره البخاري وأبو داود، وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، ونسبه إلى رواية البخاري ومسلم، وكذا ذكره جمهور المحدثين، وهو الصحيح.

( لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ في الأوعية) قال النووي: هذا هو الصواب، ووقع في غير مسلم عن النبيذ في الأسقية وكذا نقله الحميدي في الجمع بين الصحيحين.
قال الحميدي: ولعله نقص منه، فيكون عن النبيذ إلا في الأسقية.

فقه الحديث

قال النووي: كان الانتباذ في هذه الأوعية منهياً عنه في أول الإسلام، خوفاً من أن يصير مسكراً فيها، ولا نعلم بإسكاره لكثافتها، فتتلف ماليته، وربما شربه الإنسان ظاناً أنه لم يصر سكراً، فيصير شارباً للمسكر، وكان العهد قريباً بإباحة المسكر، فلما طال الزمان، واشتهر تحريم المسكر، وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك، وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء، بشرط أن لا يشربوا مسكراً، وهذا صريح قوله في روايتنا الخامسة والثلاثين وما بعدها كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء، فاشربوا في كل وعاء، غير ألا تشربوا مسكراً.
اهـ

وهذا توجيه الشافعية ومن وافقهم، وقال الخطابي: وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأدعية باق، منهم ابن عمر وابن عباس، وبه قال مالك وأحمد وإسحق.
اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: وقال الشافعي والثوري وابن حبيب من المالكية: يكره ذلك، ولا يحرم، وقال سائر الكوفيين: يباح، وعن أحمد روايتان، وقد أسند الطبري عن عمر ما يؤيد قول مالك، وهو قوله: لأن أشرب من قمقم محمي، فيحرق ما أحرق، ويبقى ما أبقى، أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر وعن ابن عباس لا يشرب نبيذ الجر ولو كان أحلى من العسل وأسند النهي إلى جماعة من الصحابة، وقال ابن بطال: النهي عن الأوعية إنما كان قطعاً للذريعة، فلما قالوا: لا نجد بداً من الانتباذ في الأوعية قال: انتبذوا، وكل مسكر حرام وهكذا الحكم في كل شيء نهي عنه بمعنى النظر إلى غيره، فإنه يسقط للضرورة، كالنهي عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا: لا بد لنا منها، قال: فأعطوا الطريق حقها قال الحافظ ابن حجر: وكأن من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ، وقال الحازمي: لمن نصر قول مالك أن يقول: ورد النهي عن الظروف كلها، ثم نسخ منها ظروف الأدم والجرار غير المزفتة، واستمر ما عداها على المنع، ثم تعقب ذلك بما ورد التصريح به في حديث بريدة، روايتنا الخامسة والثلاثين وما بعدها، قال: وطريق الجمع أن يقال: لما وقع النهي عاماً شكوا إليه الحاجة، فرخص لهم في ظروف الأدم، ثم شكوا إليه أن ليس كلهم يجد ذلك، فرخص لهم في الظروف كلها.

والله أعلم