هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3844 وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ شَرَابًا يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ ، فَقَالَ : كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3844 وحدثنا قتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن إبراهيم ، واللفظ لقتيبة ، قالا : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، إن شرابا يصنع بأرضنا يقال له المزر من الشعير ، وشراب يقال له البتع من العسل ، فقال : كل مسكر حرام
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل إلى اليمن.
فقلت: يا رسول الله، إن شراباً يصنع بأرضنا يقال له المزر من الشعير، وشراب يقال له البتع من العسل؟ فقال كل مسكر حرام.


المعنى العام

إن الله تعالى حد حدوداً، وشرع عقوبات دنيوية على بعض الكبائر، ومنها الخمر، وقد سبق حد شربها في كتاب الحدود -أربعين جلدة أو ثمانين- وإقامة هذا الحد على الشارب مكفر لذنب الشرب عند جمهور العلماء، على أساس أن الحدود جوابر، وأن الله تعالى أكرم من أن يعاقب على الذنب في الدنيا والآخرة.
فإقامة الحد في حكم التوبة المقبولة إن شاء الله.

أما الذي يشرب الخمر، ولا يحد، ويدمن شربها، ولا يقلع عنها حتى يموت، ولا يتوب من شربها توبة نصوحاً خالصة مقبولة فإن عقوبته في الآخرة مستحقة، وهي عقوبة من جنس المعصية، كما هو الشأن في عقوبات الآخرة، لقد تمتع شارب الخمر بخمرة في الدنيا، فعقوبته عدم التمتع بشربها في الآخرة، وفي الجنة أنهار من خمر لذة للشاربين، فمن تمتع بها في الدنيا بلذة عاجلة قصيرة سنوات مثلاً، فسوف يحرم من اللذة الكبيرة المستمرة أبداً، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون، تمتع بها فأذهب عقله، وانحطت آدميته، وأتى مهازل وسقطات، وسخر منه من حوله، وسوف يحرم منها، وليس فيها غول، ولا ضعف عقل، ولا سقوط تصرف، بل قمة في التمتع والتلذذ، من غير أضرار أو أخطار.

فالخاسر من باع آخرته بدنياه، واستبدل بالنعيم الحقيقي الدائم تنعم حقير عاجل سريع الزوال.

المباحث العربية

( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع) بكسر الباء وسكون التاء وقد تفتح، وهي لغة يمانية، وهو نبيذ العسل، كان أهل اليمن يشربونه، والظاهر أن السائل هو أبو موسى الأشعري، ففي الرواية الثالثة والرابعة والخامسة عن أبي موسى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع، وفي الرواية الرابعة إن لهم شراباً من العسل، يطبخ حتى يعقد بفتح الياء وسكون العين وكسر القاف، يقال: عقد السائل بفتح العين والقاف، فعل لازم يعقد عقداً، إذا غلظ، وفي الرواية الخامسة البتع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد.

( بعثني النبي صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ إلى اليمن) سبق بيان مهمتهما وزمنها في كتاب الإيمان في الجزء الأول.

( والمزر يصنع من الشعير) بكسر الميم وسكون الزاي، بعدها راء، وفي الرواية الخامسة والمزر، وهو من الذرة والشعير، ينبذ حتى يشتد وفي الرواية السادسة من الذرة ولا تعارض، فهو يصنع من كل من الذرة والشعير والحنطة.

( بشرا ويسرا، وعلما ولا تنفرا -وأراه قال: وتطاوعا) في الرواية الخامسة بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا وفيها الأمر بالشيء، والنهي عن نقيضه، للتأكيد والتقوية، والمفعول به محذوف، أي بشرا الناس وأملاهم في الخير، ولا تنفراهم ولا تخوفاهم بتوقع الشر، ويسرا عليهم أداء واجباتهم، ولا تعسرا عليهم في فرض ما تفرضون عليهم، وليطع كل منكما صاحبه، ولا تختلفا، ولا تتعارض أوامركما وحكمكما.

( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى جوامع الكلم بخواتمه) جوامع الكلم من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي الكلم الجوامع، أي اللفظ القليل، المفيد للمعاني الكثيرة جداً، وقوله بخواتمه بما يفيد آخر مراد المخاطب، ويستوفي مطالبه ومقاصده، فالباء للمصاحبة.

( أنهى عن كل مسكر) أي كل ما من شأنه أن يسكر كثيره، وفي الرواية السادسة كل مسكر حرام أي كل ما من شأنه أن يسكر، وليس كل مسكر بالفعل، وإلا لقال: كل سكر حرام.

( إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال) ربط العقوبة بالشرب، ولم يربطها بالإسكار، وطينة الخبال اسم لعرق أهل النار، أو عصارة أهل النار، كما فسر في الحديث.

( فلم يتب منها) أي لم يتب من شربها.

فقه الحديث

يتكون فقه الحديث من نقطتين أساسيتين:

بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، وقد سبقت هذه النقطة وافية في الباب رقم 551.

النقطة الثانية العقوبة الأخروية لشارب الخمر، والوعيد في الرواية السادسة أن يسقيه الله من عرق أهل النار، وهذه العقوبة لم يحدد فيها قدر، ولا زمن، فقد يكون جرعة في لحظة.

أما العقوبة في الرواية السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة فهي الحرمان من شربها في الآخرة.

قال الخطابي: معنى الحديث لا يدخل الجنة، لأن الخمر شراب أهل الجنة، فإذا حرم شربها دل على أنه لا يدخل الجنة.

وقال ابن عبد البر: هذا وعيد شديد، يدل على حرمان دخول الجنة، لأن الله تعالى أخبر أن في الجنة أنهار الخمر لذة للشاربين، وأنهم لا يصدعون عنها، ولا ينزفون، فلو دخلها -وقد علم أن فيها خمراً، أو أنه حرمها عقوبة له -لزم وقوع الهم والحزن في الجنة، ولا هم فيها، ولا حزن، وإن لم يعلم بوجودها، ولا أنه حرمها عقوبة له، لم يكن عليه في فقدها ألم، فلهذا قال بعض من تقدم أنه لا يدخل الجنة أصلاً.
قال: وهو مذهب غير مرضي، قال: ويحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها، ولا يشرب الخمر فيها، إلا إن عفا الله عنه.
كما في بقية الكبائر، وهو في المشيئة، فعلى هذا، فمعنى الحديث: جزاؤه في الآخرة أن يحرمها، لحرمانه دخول الجنة، إلا إن عفا الله عنه، قال: وجائز أن يدخل الجنة بالعفو، ثم لا يشرب فيها خمراً، ولا تشتهيها نفسه، وإن علم بوجودها فيها، ويؤيده حديث أبي سعيد، مرفوعاً من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة، ولم يلبسه هو قال الحافظ: أخرجه الطيالسي وصححه ابن حبان.
وقريب منه حديث عبد الله بن عمرو، رفعه من مات من أمتي، وهو يشرب الخمر، حرم الله عليها شربها في الجنة أخرجه أحمد بسند حسن، وقد لخص عياض كلام ابن عبد البر، وزاد احتمالاً آخر، وهو أن المراد بحرمانه شربها، أنه يحبس عن الجنة مدة، إذا أراد الله عقوبته، ومثله الحديث الآخر لم يرح رائحة الجنة قال: ومن قال: لا يشربها في الجنة، بأن ينساها، أو لا يشتهيها، يقول: ليس عليه في ذلك حسرة، ولا يكون ترك شهوته إياها عقوبة في حقه، بل هو نقص نعيم بالنسبة إلى من هو أتم نعيماً منه، كما تختلف درجاتهم، ولا يلحق من هو أنقص درجة حينئذ، بمن هو أعلى درجة منه، استغناء بما أعطي، واغتباطاً له.

وقال ابن العربي: ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة، ولا يلبس الحرير فيها، وذلك لأنه استعجل ما أمر بتأخيره، ووعد به، فحرمه عند ميقاته، كالوارث، فإنه إذا قتل مورثه فإنه يحرم ميراثه، لاستعجاله.
وبهذا قال نفر من الصحابة والعلماء، وهو موضع احتمال، والله أعلم كيف يكون الحال.

وفصل بعض المتأخرين بين من يشربها مستحلاً، فهو الذي لا يشربها أصلاً، لأنه لا يدخل الجنة أصلاً، وعدم الدخول يستلزم حرمانها، وبين من يشربها عالماً بتحريمها، فهو محل الخلاف.
وفي الحديث أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر، وهو في التوبة من الكفر قطعي، لقوله تعالى: { { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } } [الأنفال: 38] وفي غير الكفر من الذنوب خلاف بين أهل السنة، هل هو قطعي؟ أو ظني؟ قال النووي: الأقوى أنه ظني، وقال القرطبي: من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعاً، وللتوبة الصادقة شروط.

ويمكن أن يستدل بحديث الباب على صحة التوبة من بعض الذنوب، دون بعض، وفيه أن الوعيد يتناول من شرب الخمر، وإن لم يحصل له السكر، لأنه رتب الوعيد في الحديث على مجرد الشرب، من غير قيد، قال الحافظ ابن حجر: وهو مجمع عليه في الخمر المتخذ من عصير العنب، أما ما لا يسكر من غيرها فالأمر فيه كذلك عند الجمهور.

والله أعلم