هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3865 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ الْبَرَاءَ ، يَقُولَ : لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتْبَعَهُ سُراقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ، قَالَ : فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ فَرَسُهُ ، فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ ، قَالَ : فَدَعَا اللَّهَ ، قَالَ : فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ : فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3865 حدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار ، واللفظ لابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق الهمداني ، يقول : سمعت البراء ، يقول : لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فأتبعه سراقة بن مالك بن جعشم ، قال : فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت فرسه ، فقال : ادع الله لي ولا أضرك ، قال : فدعا الله ، قال : فعطش رسول الله صلى الله عليه وسلم فمروا براعي غنم ، قال أبو بكر الصديق : فأخذت قدحا فحلبت فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثبة من لبن ، فأتيته به فشرب حتى رضيت
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن البراء رضي الله عنه قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فأتبعه سراقة بن مالك بن جعشم.
قال: فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فساخت فرسه.
فقال: ادع الله لي ولا أضرك.
قال: فدعا الله.
قال: فعطش رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمروا براعي غنم.
قال أبو بكر الصديق: فأخذت قدحاً فحلبت فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثبة من لبن.
فأتيته به، فشرب حتى رضيت.

المعنى العام

يقول الله تعالى: { { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } } [النحل: 66] حقاً إنها لعبرة، وأي عبرة، لبن أبيض، يضرب به المثل في البياض والنقاء والطهارة يخرج وينفصل بقدرة الله تعالى وحده من بين الفرث، وهي الفضلات في كرش الحيوان ودم الحيوان، في ساعات يتحول غذاء البهيمة وعلفها في كرشها إلى عجين، كريه المنظر، كريه الرائحة، ثم يتحول هذا العجين إلى دم نجس أحمر يجري في العروق، ولبن طاهر أبيض يجري في أنابيب خاصة إلى الضرع، ويبقى الفرث في الكرش، حتى يخرج فضلات تعرف بالزبل أو السرجين أو الجلة.
سبحانك اللهم، ولك الحمد والمنة، أن خلقت ويسرت لنا ما نحتاجه في حياتنا.

إن الغنم والبقر والإبل وسيلة الحياة، منذ هبط آدم إلى الأرض { { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم } } [النحل: 5-7] .
{ { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم } } [النحل: 18] .

لقد عرف العرب وغيرهم هذه النعم، وعبروا عن شكرهم لها بتيسيرها للقانع والمعتر، فجعلوا من حقها أن يحلبها المحتاج وهي في المرعى أو وهي تشرب، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر في الهجرة من مكة إلى المدينة، يعطش النبي صلى الله عليه وسلم، فيرى أبو بكر غنماً، فيأخذ إناء، ويذهب إلى الراعي، فيستأذنه في حلب شاة، فيأخذ اللبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشرب حتى يروى.

ومن قبل ذلك، في رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه بالإسراء، ثم المعراج، كانت تحية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم اللبن، إذ جاءه جبريل بثلاثة أقداح أو أربعة.
قدح فيه لبن، وقدح فيه خمر، وقدح فيه عسل، وقدح فيه ماء، فنظر صلى الله عليه وسلم إلى الأقداح وما فيها، فاختار منها -بهداية الله- قدح اللبن، فشرب فقال جبريل: هداك الله إلى رمز الإسلام، فالحمد لله رب العالمين.

المباحث العربية

( قال أبو بكر: لما خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة) هذه الرواية صريحة في أنها من مسند أبي بكر، والرواية الثانية من مسند البراء، إلى قوله قال أبو بكر الصديق...
وفي الرواية الثانية لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة والمراد لما بدأ الهجرة من مكة إلى المدينة.

( مررنا براع) قال النووي: في بعض الأصول براعي بالياء، وهي لغة قليلة، والأشهر براع وفي الرواية الثانية فمروا براعي غنم وظاهر الرواية الثانية أن قصة الراعي واللبن كانت بعد قصة سراقة، وكذا ظاهر بعض الروايات، لكن في البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ارتحلنا من مكة ليلتنا، ويومنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري، هل أرى من ظل؟ فآوى إليه؟، فإذا صخرة، أتيتها، فنظرت بقية ظل لها، فسويته، ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله.
فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت أنظر ما حولي، هل أرى من الطلب أحداًً، فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا، فسألته، فقلت لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش.
سماه، فعرفته، فقلت هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم.
قلت: فهل أنت حالب لنا؟ قال: نعم.
فأمرته، فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فحلب لي كثبة من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة، على فمها خرقة، فصببت على اللبن [أي ماء من الإداوة] حتى برد أسفله، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله.
فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله؟ قال: بلى، فارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم، غير سراقة بن مالك بن جعشم، على فرس له، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله.
فقال: لا تحزن.
إن الله معنا فظاهر هذه الرواية أن قصة الراعي واللبن كانت قبل قصة سراقة، ويؤكدها رواية أخرى للبخاري، وفيها بعد قصة اللبن فارتحلنا بعد ما مالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك...
وهو الذي نميل إليه.

( فحلبت له كثبة من لبن) الكثبة بضم الكاف وإسكان الثاء، وهي الشيء القليل، والمراد هنا قيل: قدر قدح، وقيل: حلبة خفيفة، وهي في الأصل تطلق على القليل من الماء واللبن، وعلى الجرعة تبقى في الإناء، وعلى القليل من الطعام والشراب وغيرهما من كل مجتمع.

وظاهر الرواية أن أبا بكر باشر هنا الحلب بنفسه، لكن رواية البخاري السابقة تجعل الفعل هنا على المجاز، أي فأمرت أن يحلب له.

( فشرب حتى رضيت) أي شرب حتى علمت أنه شرب حاجته وكفايته.

( فاتبعه سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم وسكون العين، وكنيته أبو سفيان، ونسبه المدلجي، بضم الميم وسكون الدال، من بني مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة.

وقد ذكرت روايات البخاري سبب اتباعه وتفصيله، وفيها عن سراقة قال: جاءنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، دية كل واحد منهما، لمن قتله أو أسره [أي يجعلون لمن يقتل واحداً منهما أو يأسره دية رجل، وهي مائة ناقة] فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم، حتى قام علينا، ونحن جلوس، فقال: يا سراقة [وكان فارساً مشهوراً] إني قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل [جمع سواد، أي أشخاصاً] أراها [أي أظنها] محمداً وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلاناً وفلاناً، انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت، فدخلت، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة، فتحبسها علي، وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت، حتى أتيت فرسي، فركبتها، فأسرعت بها، حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم؟ أم لا؟ فخرج الذي أكره [أي لا تضرهم] فركبت فرسي، وعصيت الأزلام، حتى سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، فساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان [في رواية ابن إسحق: فناديت القوم: أنا سراقة بن مالك بن جعشم.
أنظروني أكلمكم، فوالله لا آتيكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه، وفي رواية وأنا لكم نافع غير ضار، وإني لا أدري لعل الحي فزعوا لركوبي، وأنا راجع، ورادهم عنكم]
فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيتهم، وحين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني [أي لم ينقصاني شيئاً مما معي] ولم يسألاني [في رواية فقلت: هذه كنانتي، فخذ سهماً منها، فإنك تمر على إبلي وغنمي، بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك.
فقال لي: لا حاجة لنا في إبلك وفي رواية قلت: يا نبي الله، مرني بما شئت.
قال: فقف مكانك، لا تتركن أحداً يلحق بنا]
فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أدم.
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية فجعل لا يلقى أحداً إلا رده، وقال له: قد كفيتم ما ههنا وفي رواية فرجعت، فسئلت، فلم أذكر شيئاً مما كان، حتى إذا فرغ من حنين، بعد فتح مكة، خرجت لألقاه، ومعي الكتاب، فلقيته بالجعرانة، حتى دنوت منه، فرفعت يدي بالكتاب، فقلت: يا رسول الله، هذا كتابك.
فقال: يوم وفاء وبر.
ادن.
فأسلمت.

أما عامر بن فهيرة فقد كان مولداً من مولدي الأزد، أسود اللون، مملوكاً للطفيل بن عبد الله بن سخبرة، فأسلم وهو مملوك، فاشتراه أبو بكر وأعتقه، وكان حسن الإسلام، ودوره في الهجرة أنه كان يرعى الغنم، وهم في ثور، ويروح بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في الغار، وانطلق معهما.
شهد بدراً وأحداً، ثم قتل يوم بئر معونة، وهو ابن أربعين سنة.

( فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساخت فرسه) بالسين ثم خاء، أي نزلت في الأرض، وقبضتها الأرض، وكان في أرض يابسة، وفي رواية فارتطمت به فرسه في الأرض إلى بطنها وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفناه بما شئت وفي رواية فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم اصرعه.
فصرعه فرسه.

( ادع الله لي، ولا أضرك) قال النووي: وقع في بعض الأصول ادعوا الله بلفظ التثنية، للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، وفي بعضها ادع بلفظ الواحد، وكلاهما ظاهر.
والمدعو به محذوف للعلم به من المقام، أي أن ينجيني وينقذني من هذا السقوط، وفي رواية للبخاري فطلب إليه سراقة أن لا يدعو عليه وأن يرجع، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم.

( فدعا الله) له، زاد في رواية فانطلق.

( أتي ليلة أسري به بإيلياء بقدحين، من خمر ولبن) قوله من خمر ولبن على التوزيع، أي بقدح من خمر، وقدح من لبن، وأتي بضم الهمزة وكسر التاء مبني للمجهول، وإيلياء بالمد، ويقال بالقصر، ويقال: إلياء بحذف الياء الأولى، وهو بيت المقدس، وقوله بإيلياء متعلق بأتي، أي أتي وهو بإيلياء ليلة الإسراء بقدحين، وفي هذه الرواية محذوف، تقديره: أتي بقدحين، فقيل له: اختر أيهما شئت كما جاء مصرحاً به في البخاري، وفي رواية لمسلم في باب الإسراء فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن وظاهر روايتنا أن الإتيان بالإناءين كان بإيلياء، وأصرح منها في ذلك ما رواه مسلم بلفظ ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر، وإناء من لبن لكن في رواية للبخاري ومسلم أن الإتيان بالإناءين كان في المعراج في السماء، ولفظ البخاري ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل.

قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بين الاختلاف إما بحمل ثم على غير بابها من الترتيب، وإنما هي بمعنى الواو هنا، وإما بوقوع عرض الآنية مرتين، مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس، وسببه ما وقع من العطش، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى.

كما أن روايتنا تفيد أن الذي عرض عليه إناءان.
إناء من لبن، وإناء من خمر، وفي بعض روايات الصحيح ثلاثة بإضافة إناء من عسل، وفي حديث أبي سعيد عند ابن إسحق فصلى بهم -يعني بالأنبياء- ثم أتي بثلاثة آنية، إناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، وإناء فيه ماء، فأخذت اللبن.

قال الحافظ ابن حجر: وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها، فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر، والزيادة من الثقة مقبولة، وذكر الاثنين لا ينافي الثلاثة، وذكر الثلاثة لا ينافي الأربعة، ومجموعها أربعة آنية، وفيها أربعة أشياء، من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من سدرة المنتهى، فعند الطبري، لما ذكر سدرة المنتهى يخرج من بينها أنهار من ماء غير آسن ومن لبن لم يتغير طعمه ومن خمر لذة للشاربين ومن عسل مصفى فلعله عرض عليه من كل نهر إناء، وفي حديث أبي هريرة عن ابن عائذ، بعد ذكر إبراهيم، قال: ثم انطلقنا فإذا نحن بثلاثة آنية مغطاة، فقال جبريل: يا محمد، ألا تشرب مما سقاك ربك؟ فتناولت أحدها، فإذا هو عسل، فشربت منه قليلاً ثم تناولت الآخر، فإذا هو لبن، فشربت منه حتى رويت، فقال: ألا تشرب من الثالث؟ قلت: قد رويت.
قال: وفقك الله.

( فنظر إليهما، فأخذ اللبن) قال النووي: ألهمه الله تعالى اختيار اللبن، لما أراده سبحانه وتعالى من توفيق هذه الأمة واللطف بها.
اهـ قال ابن المنير: لم يذكر السر في عدوله عن العسل إلى اللبن، كما ذكر السر في عدوله عن الخمر، ولعل السر في ذلك كون اللبن أنفع، وبه يشتد العظم، وينبت اللحم، وهو بمجرده قوت، ولا يدخل في السرف بوجه، وهو أقرب إلى الزهد، ولا منافاة بينه وبين الورع بوجه، والعسل وإن كان حلالاً، لكنه من المستلذات التي قد يخشى على صاحبها أن يندرج في قوله تعالى: { { أذهبتم طيباتكم } } [الأحقاف: 20] قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون السر في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قد عطش، فآثر اللبن لما فيه من حصول حاجته، دون الخمر والعسل، فهذا هو السبب الأصلي في إيثار اللبن، وصادف مع ذلك رجحانه عليهما من عدة جهات.
اهـ

( الحمد لله الذي هداك للفطرة) قال النووي: المراد بالفطرة هنا الإسلام والاستقامة، وجعل اللبن علامة على ذلك لكونه سهلاً طيباً، طاهراً سائغاً للشاربين، سليم العاقبة، وأما الخمر فإنها أم الخبائث، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل.
اهـ

وقال القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة أنه أول شيء يدخل بطن المولود، ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه، دون غيره، لكونه كان مألوفاً له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة.
اهـ

وفي رواية للبخاري أن جبريل عليه السلام قال له: أصبت الفطرة أنت وأمتك.

( لو أخذت الخمر غوت أمتك) أي ضلت، وانهمكت في الشر.

فقه الحديث

ترجم النووي لهذه الأحاديث بباب جواز شرب اللبن، وترجم البخاري بباب شرب اللبن، وقول الله عز وجل { { يخرج من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } }

قال الحافظ ابن حجر: وقع بلفظ يخرج في أوله، في معظم النسخ، والذي في القرآن { { نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم } } [النحل: 66] وأما لفظ يخرج فهو في الآية الأخرى من السورة { { يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه } } [النحل: 69] ووقع حذف يخرج من أول الآية وأول الباب في بعض النسخ، فكأن زيادة لفظ يخرج ممن دون البخاري.

ثم قال: وهذه الآية صريحة في إحلال شرب لبن الأنعام، بجميع أنواعه، لوقوع الامتنان به، فيعم جميع ألبان الأنعام، في حال حياتها.

وقد زعم بعضهم أن اللبن إذا طال العهد به وتغير صار يسكر، قال الحافظ: وهذا ربما يقع نادراً، إن ثبت وقوعه، ولا يلزم منه تأثيم شاربه، إلا إن علم أن عقله يذهب به، فشربه لذلك، نعم يقع السكر باللبن إذا جعل فيه ما يصير باختلاطه معه مسكراً، فيحرم.
اهـ وقد بوب البخاري في الطهارة بباب هل يمضمض من اللبن؟ وساق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض، وقال: إن له دسماً قال الحافظ ابن حجر: فيه بيان العلة للمضمضة من اللبن، فيدل على استحبابها من كل شيء دسم.

هذا، والمشكل في هذه الأحاديث شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبن غنم لم يأذن صاحبها في حلبها؟ قال المهلب: إنما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة، أي جرياً على العادة المألوفة للعرب في إباحة ذلك، والإذن بالحلب للمار ولابن السبيل، فكان كل راع مأذوناً له في ذلك، وقال ابن العربي: كانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم من المسامحة في ذلك، بخلاف بلدنا.
اهـ

لكن روى البخاري لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته؟ فتكسر خزانته؟ فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع ماشيتهم أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه قال ابن عبد البر: في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم من المسلم شيئاً إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه، فنبه به على ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، إلا إن كان بإذن خاص، أو إذن عام، واستثنى كثير من السلف ما إذا علم طيب نفس صاحبه، وإن لم يقع منه إذن خاص ولا عام، وقد شرب صلى الله عليه وسلم لأنه علم أن صاحب اللبن لا يكره شربه صلى الله عليه وسلم منه.
وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقاً في الأكل والشرب، سواء علم بطيب نفسه، أو لم يعلم، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه مرفوعاً إذا أتى أحدكم على ماشية، فإن لم يكن صاحبها فيها فليصوت ثلاثاً، فإن أجاب فليستأذنه، فإن أذن له، وإلا فليحلب، وليشرب، ولا يحمل وله شاهد عند ابن ماجه، بلفظ إذا أتيت على راع، فناده ثلاثاً، فإن أجابك، وإلا فاشرب، من غير أن تفسد وعند الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً إذا مر أحدكم بحائط فليأكل، ولا يتخذ خبيئة لكن الترمذي استغربه، وقال البيهقي: لم يصح، وجاء من أوجه أخر غير قوية، قال الحافظ ابن حجر: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها.
اهـ

وقد أشار الحافظ بذلك إلى ما أخرجه ابن ماجه والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم بلفظ وإذا أتيت على حائط بستان فناد ثلاثاً، فإن أجابك، وإلا فاطعم من غير أن تفسد.

وللعلماء أمام أحاديث النهي وأحاديث الإذن مذاهب:

منهم من رجح أحاديث النهي، وأخذ بها، وترك أحاديث الإذن، بدعوى أن حديث النهي أصح، فهو أولى أن يعمل به، ولأن أحاديث الإذن تعارض القواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه.

ومن العلماء من جمع بين أحاديث النهي وأحاديث الإذن.

فقال بعضهم: تحمل أحاديث الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه، وأحاديث النهي على ما إذا لم يعلم.

وقال بعضهم: تخصص أحاديث الإذن بابن السبيل، أو بالمضطر، أو بحال المجاعة مطلقاًً.

وقال بعضهم: تخصص أحاديث الإذن ببيئة يغلب عليها التسامح والمواساة، كما كان الحال في زمنه صلى الله عليه وسلم، دون ما كان بعد زمنه صلى الله عليه وسلم من التشاح، فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار بأحاديث النهي إلى ما سيكون بعده.

وقال بعضهم: تحمل أحاديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار، لحديث أبي هريرة بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلاً مصرورة، فثبنا إليها، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين، هو قوتهم، أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم، فوجدتم ما فيها قد ذهب؟ قلنا: لا.
قال: فإن ذلك كذلك أخرجه أحمد وابن ماجه، واللفظ لابن ماجه، وفي لفظ أحمد فابتدرها القوم ليحلبوها قالوا: فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجاً، وحديث النهي على ما إذا كان محتاجاً.

وقال بعضهم: يحمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة، ويحمل النهي على ما إذا كانت مصرورة، لهذا الحديث.
لكن وقع عند أحمد في آخره فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا، ولا تحملوا فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره، لكن بقيد عدم الحمل، ولا بد منه.

وقال بعضهم: يقصر الإذن على المحتاج من المسافرين في الغزو.

وقال بعضهم: يقصر الإذن على ما كان لأهل الذمة، والنهي على ما كان للمسلمين، واستؤنس له بما شرطه الصحابة على أهل الذمة من ضيافة المسلمين، وصح ذلك عن عمر رضي الله عنه.

وقيد ذلك بعضهم بالزمن الماضي، فقد ذكر ابن وهب عن مالك في المسافر، ينزل بالذمي؟ قال: لا يأخذ منه شيئاً إلا بإذنه، قيل له: فالضيافة التي جعلت عليهم؟ قال: كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها، وأما الآن فلا.

وجنح بعضهم إلى نسخ الإذن، وحملوه على أنه كان قبل إيجاب الزكاة، قالوا: وكانت الضيافة حينئذ واجبة، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة.
قال الطحاوي: وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة، ثم نسخت، فنسخ ذلك الحكم.

وأمام هذه التوجيهات اختلف العلماء الفقهاء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية.
قال الجمهور والشافعية لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً، إلا في حال الضرورة، فيأخذ، ويغرم:

وقال بعض السلف: لا يلزمه شيء.

وقال أحمد: إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة، في أصح الروايتين، ولو لم يحتج لذلك.
وفي الرواية الأخرى: إذا احتاج، ولا ضمان عليه في الحالين.

هذا.
وقد أغرب من قال: إنما استجازه صلى الله عليه وسلم لأنه مال حربي، فيجوز الاستيلاء عليه، وهذا بعيد، لأن القتال لم يكن فرض بعد، ولا أبيحت الغنائم.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم:

1- في الأحاديث فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه.

2- وخدمة التابع الحر للمتبوع في يقظته.

3- والاجتهاد في مصالحه في نومه.

4- وشدة محبة أبي بكر للرسول صلى الله عليه وسلم.

5- وأدبه معه.

6- وإيثاره له على نفسه.

7- واستصحاب آلة السفر، كالقدح ونحوه، ولا يقدح ذلك في التوكل.

8- استدل به بعضهم على طهارة المني بقياسه على اللبن في طهارته، مع خروجه من بين فرث ودم.
وفي هذا الاستدلال بعد.

9- استدل به بعضهم على أن الشيء المستهلك يغتفر التقاطه، لأن المبيح للبن هنا أنه في حكم الضائع، إذ ليس مع الغنم في الصحراء سوى راع واحد، فالفاضل عن شربه مستهلك، وأعلى أحواله أن يكون كالشاة الملتقطة في الضيعة، وقد قال فيها هي لك أو لأخيك، أو للذئب وهو استدلال بعيد.

10- وفي قصة سراقة معجزة ظاهرة للرسول صلى الله عليه وسلم.

11- وفي حمد جبريل عليه السلام استحباب الحمد عند تجدد النعم، وحصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله، واندفاع ما كان يخاف وقوعه.

12- وفي اختيار اللبن توفيق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتوفيق هذه الأمة، واللطف بها.

13- ومن قوله لو أخذت الخمر غوت أمتك أن الخمر ينشأ عنها الغي، ولا يختص ذلك بقدر معين.

14- قال الحافظ ابن حجر: ومن عرض الآنية عليه صلى الله عليه وسلم إرادة إظهار التيسير عليه، وإشارة إلى تفويض الأمور إليه.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :3865 ... بـ :2009]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولَ لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتْبَعَهُ سُراقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ فَرَسُهُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ قَالَ فَدَعَا اللَّهَ قَالَ فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ
قَوْلُهُ : ( سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا ، وَيُقَالُ : بِفَتْحِ الشِّينِ ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنِ الْفَرَّاءِ ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ضَمُّهَا .

قَوْلُهُ : ( فَسَاخَتْ فَرَسُهُ ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَمَعْنَاهُ : نَزَلَتْ فِي الْأَرْضِ ، وَقَبَضَتْهَا الْأَرْضُ ، وَكَانَ فِي جِلْدٍ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .

وَقَوْلُهُ : ( فَقَالَ : ادْعُوا اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ فَدَعَا لَهُ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ : ( ادْعُوَا اللَّهَ ) بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي بَعْضِهَا ( ادْعُ ) بِلَفْظِ الْوَاحِدِ ، وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ ، وَقَوْلُهُ : فَدَعَا لَهُ ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ ) كَمَا جَاءَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ .
وَفِيهِ : مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .