هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3868 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَسْقَى ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَلَا نَسْقِيكَ نَبِيذًا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَسْعَى ، فَجَاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَّا خَمَّرْتَهُ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا ، قَالَ : فَشَرِبَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3868 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، واللفظ لأبي كريب ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى ، فقال رجل : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألا نسقيك نبيذا ؟ فقال : بلى ، قال : فخرج الرجل يسعى ، فجاء بقدح فيه نبيذ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا خمرته ولو تعرض عليه عودا ، قال : فشرب
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Jabir b 'Abdullah reported:

We were with Allah's Messenger (ﷺ) and lie asked for water. A person said: Allah's Messenger, may we not give you Nabidh to drink? He (the Holy Prophet) said: Yes (you may). He (the narrator) said: Then that person went out speedily and brought a cup containing Nabidh, whereupon Allah's Messenger (ﷺ) said: Why did you not cover it? - even if it is with a wood. He said that then he drank it.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى.
فقال رجل: يا رسول الله ألا نسقيك نبيذا؟ فقال: بلى قال: فخرج الرجل يسعى، فجاء بقدح فيه نبيذ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا خمرته ولو تعرض عليه عوداً قال: فشرب.


المعنى العام

آية من آيات الله على أن الإسلام دين جاء لخير الإنسانية في الدنيا والآخرة، جاء لعمارة الأرض، وحماية الإنسان من الأضرار التي قد تصيبه من مخلوقات محيطة به، جاء ليحفظ النفس، ويحذرها من أن تلقي بيدها إلى ما يؤذيها، جاء يرشد ابن آدم إلى ما ينفعه، ويحذره مما يضره، فليس الإسلام دين صلاة وصيام وحج وزكاة فحسب، بل هناك من الأعمال الدنيوية ما هو طاعة يثاب عليها، فحماية النفس، وحماية البيئة، وحماية الأموال مطلب شرعي، ونفع مادي، وها هي الأوامر والإرشادات في هذه الأحاديث تؤكد أن الإسلام للدنيا والدين.

خمروا وغطوا أوانيكم بما فيها من طعام أو شراب، تحفظونها وتحفظون ما فيها من التراب والأذى والهوام الزاحفة والطائرة، واربطوا فم القربة التي تحفظ لكم الماء واللبن، لئلا يدخلها ما تكرهونه، وتحقق ما خافه صلى الله عليه وسلم في حينه، إذ أصبح أحد الصحابة فوجد في قربته التي تركها دون أن يشد حبلاً على فمها، وجد ثعباناً بها، إن تغطية الآنية وقاية وحماية حتى من الأوبئة.
والميكروبات التي تنتشر في الجو في كل حين دون أن نراها بأبصارنا، والخبراء يقولون: إن هناك في بعض مواسم العام يكثر انتشار الميكروبات المعينة في الجو، فلا يوجد إناء مكشوف به طعام أو شراب في هذا الموقع إلا دخلته، ولوثت الطعام والشراب، وعرضت آكله أو شاربه إلى الأمراض، وقد سبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخبراء بأربعة عشر قرناًَ حيث قال: إن في السنة ليلة، ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن الله تعالى.

خمروا آنيتكم، واربطوا فم قربتكم، وغطوا أواني شرابكم، واذكروا الله عليها يحفظها الله، ويحفظكم من أضرارها، وأغلقوا أبوابكم في الليل وعند النوم، فالباب المغلق يعرقل الشرور، يعطل اللص، ويمنع الأذى، ويستر العورات، ويهب النائم الأمن والاطمئنان فإن شياطين الإنس والجن والمؤذيات من المفترسات والهوام لا تفتح بسهولة باباً مغلقاً، واذكروا اسم الله عند إغلاق الأبواب، تتدخل العناية الإلهية مع الأخذ بالأسباب.

وأطفئوا السراج عند النوم، وأطفئوا النيران عند النوم، فإن النار من أخطر أعدائكم يخشى عليكم أن تشتعل فتحرق البيت وتحرقكم وأنتم غارقون في نومكم، فإن الفأرة قد تجر النار من أماكنها إلى الفراش، وقد فعلت مثل ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وامنعوا صبيانكم ومواشيكم وما تخافون عليه من متحركات أموالكم من الخروج في مدخل الليل، فإن الأخطار في هذا الوقت أكثر وقوعاً منها في غيره، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان جنح الليل فاحبسوا أولادكم، فإن الله يبث من خلقه باليل، ما لا يبثه بالنهار، وإن للشياطين انتشاراً أو خطفة وإن الصبيان لا يملكون الدفاع عن النفس، فليسوا كالكبار.

المباحث العربية

( بقدح لبن) الإضافة على معنى من وقد صرح بها في الرواية الثالثة، وفي الرواية الثانية فجاء بقدح فيه نبيذ فهو نبيذ من لبن.

( من النقيع) قال النووي: روي بالنون، وبالباء، حكاهما القاضي عياض، والصحيح الأشهر الذي قاله الخطابي والأكثرون بالنون، وهو موضع بوادي العقيق، وهو الذي حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعي النعم، اهـ وقال ابن التين: رواه بعضهم بالباء، وهو تصحيف، فإن البقيع مقبرة المدينة، وقال القرطبي: الأكثرون على النون، وهو من ناحية العقيق على عشرين فرسخاً من المدينة.

وكان وادياً يجتمع فيه الماء، والماء الناقع هو المجتمع، وعن الخليل: النقيع الوادي الذي يكون فيه الشجر.

وفي الرواية الثانية قال جابر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى، فقال رجل: يا رسول الله، ألا نسقيك نبيذا؟ فقال: بلى.
قال: فخرج يسعى، فجاء بقدح، فيه نبيذ وفي الرواية الثالثة جاء رجل يقال له: أبو حميد، بقدح من لبن من النقيع فالنبيذ من لبن، تغير، ولم يشتد، ولم يصر مسكراً وظاهر هذه الروايات أن سبب الإتيان بقدح اللبن هو عطش الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلبه أن يسقى، وأن الرجل المبهم في الرواية الثانية هو أبو حميد الساعدي، وأن جابرا حضرها، فرواها، عن مشاهدته، كما هو ظاهر الرواية الثانية والثالثة، فأبهم الرجل في الثانية، وصرح به في الثالثة، لكن ظاهر الرواية الأولى أن جابراً حمل القصة ورواها عن أبي حميد، ولا مانع من اجتماع الروايتين لجابر عن قصة واحدة، وهو ما نميل إليه، لكن الحافظ ابن حجر يميل إلى أنهما قصتان، إذ قال: والذي يظهر أن قصة اللبن كانت لأبي حميد، وأن جابراً حضرها، وأن قصة النبيذ حملها جابر عن أبي حميد.

( ليس مخمراً، فقال: ألا خمرته؟) أي ليس القدح أو اللبن أو النبيذ مغطى، والتخمير التغطية، ومنه الخمر، لأنه يغطي العقل، وخمار المرأة غطاء رأسها، ألا بفتح الهمزة والتشديد، بمعنى هلا وهي حرف تحضيض، إذا دخلت على المضارع أفادت الطلب بحث، وإذا دخلت على الماضي أفادت اللوم والتوبيخ، كما هو هنا، وأما ألا في قوله في الرواية الثانية فهي بتخفيف اللام، ومعناها العرض، وهو الطلب برفق ولين.

( ولو تعرض عليه عوداً) قال النووي: المشهور في ضبطه تعرض بفتح التاء وضم الراء، وهكذا قاله الأصمعي والجمهور، ورواه أبو عبيد بكسر الراء، والصحيح الأول، ومعناه تمده عليه عرضاً، أي خلاف الطول.
اهـ والمعنى إن لم تتيسر التغطية بكمالها فلا أقل من وضع عود على عرض الإناء، وجواب لو محذوف، أي لكان كافياًَ.

( إنما أمر بالأسقية أن توكى ليلاً) أمر بضم الهمزة، مبني للمجهول، أي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوكى بضم التاء وفتح الكاف مبني للمجهول، يقال: وكى السقاء والصرة، يكيها وكياً، وأوكى السقاء والصرة إذا شدها بالوكاء، وهو الخيط الذي تشد به القربة أو الكيس أو الصرة ونحوها والمصدر في أن توكى بدل من الأسقية أي أمر بوكي الأسقية، والسقاء إناء الماء، والفرق بينه وبين القربة أن القربة للماء غالباً، والسقاء للماء واللبن غالباً، والمراد هنا ما يعم إناء الماء واللبن وكل سائل.

وفي الأصول التي تحت يدي أن توكأ بالهمزة، وتوجيهه بعيد، لأن معنى وكأ توكأ على الشيء، واعتمد عليه، ومنه المتكأ، وتوكأ على عصاه.

( غطوا الإناء) الإناء وعاء الطعام والشراب، فهو أعم من السقاء، وقد تخص الأسقية بظروف الماء واللبن، ذات الفم الضيق الذي يربط، والآنية بالطروف ذات الفم الواسع الذي يغطي.

وفي الرواية الخامسة وخمروا آنيتكم وفي ملحق الرواية الرابعة وأكفئوا الإناء، أو خمروا الإناء بالشك، يقال: كفأ الإناء وأكفأه قلبه.

( وأوكوا السقاء) في رواية للبخاري وأوكئوا السقاء بالهمزة، والصحيح ما في روايتنا، لما سبق في معنى وكى ووكأ والمقصود تغطية الإناء الذي به الطعام أو الشراب، وليس الإناء الفارغ، إذ الهدف حماية الطعام والشراب، لا حماية الإناء، وإن كانت حماية الإناء مطلوبة بوجه ما، وكذا يقال في وكي السقاء، وفي رواية للبخاري وخمروا الطعام والشراب.

( وأغلقوا الباب) ال في الباب للجنس الصادق على كثيرين، وفي الرواية الخامسة وأغلقوا الأبواب وفيها مقابلة الجمع بالجمع المقتضي للقسمة آحاداً، أي ليغلق كل واحد منكم بابه.
وأغلقوا بهمزة قطع من الرباعي، ولا يقال بهمزة وصل من الثلاثي، لأن الثلاثي لا يتعدى بنفسه، إلا في لغة نادرة، فالثلاثي يقال فيه: غلق الباب، بكسر اللام، ورفع الباب على الفاعلية، يغلق بفتح اللام، غلقاً بفتح اللام، إذا عسر فتحه، أما أغلق الباب فمعناه أوثقه بالغلق، بفتح اللام، وفي رواية للبخاري وغلقوا الأبواب بتشديد اللام، وفي رواية له وأجيفوا الأبواب أي أغلقوها.

( وأطفئوا السراج) في الرواية الخامسة وأطفئوا مصابيحكم وفي الرواية الثامنة لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون وفي الرواية التاسعة إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم.
قال النووي: هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، أما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها، فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك، كما هو الغالب، فالظاهر أنه لا بأس بها، لانتفاء العلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق، بأن الفويسقة تضرم النار على أهل البيت، فإذا انتفت العلة زال المنع.
اهـ أقول: إن العلة لم تنحصر في النار، فالأولى أن يقال: إذا أمن الضرر والخطر من جميع الوجوه زال المنع، والأمان الحقيقي في اتباع هذه الإرشادات.

( فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم) في ملحق الرواية الرابعة تضرم على أهل البيت ثيابهم وفي ملحقها الثاني والفويسقة تضرم البيت على أهله والمراد بالفويسقة الفأرة، وتطلق الفأرة على الواحد من الفيران ذكراً أو أنثى، وقيل: يطلق الفأر على المذكر، والفأرة على المؤنث، والفأر يطلق على الكبير والصغير، وتخفف الهمزة، فيقال: فار، والجمع فئران وفيران وفئرة.

وأصل الفسق في اللغة الخروج، ومنه: فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وقوله تعالى: { { ففسق عن أمر ربه } } [الكهف: 50] أي خرج، وسمي الفاسق فاسقاً لخروجه عن طاعة ربه، والفأرة فاسقة لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، والتصغير فيها للتحقير، لا لتقليل فسقها، وعند ابن ماجه: قيل لأبي سعيد: لم قيل للفأرة فويسقة؟ فقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها، وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت.

وتضرم بضم التاء مع إسكان الضاد، أي تحرق سريعاً، يقال: ضرمت النار، بكسر الراء تضرم بفتحها من الثلاثي اللازم، أي اتقدت، وأضرم النار أوقدها وأشعلها.

والفاء في فإن الفويسقة فاء التعليل، والجملة مرتبطة بإغلاق الباب وإطفاء السراج، كتعليل آخر، مع تعليل الشيطان.
فإغلاق الباب يمنع الفويسقة من الدخول، وإطفاء السراج وكل نار يحول دون الإحراق في الليل، وإذا كانت الأحاديث قد أشارت إلى أن خطر الفويسقة الإحراق فليس فيها ما يقصر خطرها على ذلك، فمن أخطارها قرض الثياب والأمتعة وأكل الطعام ونقل الأوبئة والأمراض، وإثارة الذعر والفزع والتقزز عند كثير من الناس.

( فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح باباً، ولا يكشف إناء) المراد من الشيطان هنا الهوام والحشرات الخبيثة والمؤذيات، فإن الشيطان هو الروح الخبيثة، وكل متمرد مفسد.

( إذا كان جنح الليل) بضم الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، أي إذا أقبل ظلام الليل واختلاطه وأصل الجنوح الميل، وجنح الليل مال إلى ذهاب أو مجيء، وهو هنا ميل إلى المجيء، وكان تامة، وجنح الليل فاعل، وفي رواية البخاري إذا استجنح الليل وفي رواية إذا استنجع الليل وهي تصحيف، وفي رواية إذا كان أول الليل.

( فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ) أي امنعوهم من الخروج إلى طرقات الصحاري والجبال، وفي الرواية السادسة لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس، حتى تذهب فحمة العشاء والفواشي كل ما ينتشر من المال، كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها، وهي جمع فاشية، لأنها تفشو، أي تنتشر في الأرض، وفحمة العشاء ظلمتها وسوادها، وفسرها بعضهم هنا بإقباله، وأول ظلامه، ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء: الفحمة، والتي بين العشاء والفجر: العسعسة.

قال النووي: المراد جنس الشيطان، ومعناه أنه يخاف على الصبيان ذلك الوقت من إيذاء الشياطين، لكثرتهم حينئذ، وقال الحافظ ابن حجر: قال ابن الجوزي: إنما خيف على الصبيان في تلك الساعة، لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالباً، والذكر الذي يحرز منهم مفقود من الصبيان غالباً، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها في النهار لهم.
اهـ

وتميل هذه الأقوال إلى حمل الشياطين على شياطين الجن، وأميل إلى أن المراد من الشياطين في الحديث كل متمرد مؤذ من شياطين الجن وشياطين الإنس كاللصوص والفسقة والفجرة وشياطين المخلوقات الأخرى كالأفاعي والوحوش والهوام، والفواشي من الإبل والغنم وسائر البهائم ونحوها لا تحمي نفسها، والصبيان أقل الإنس دفاعاً عن النفس، ووقاية من الأخطار.
والله أعلم.

( فإن في السنة ليلة، ينزل فيها وباء) في ملحق الرواية إن في السنة يوماً ولا تعارض، فقد ينزل هذا الوباء في يوم وليلة، أي في 24 ساعة وليس في ذكر أحدهما نفي للآخر، وقد ينزل في سنة يوماً، وفي سنة ليلة، والوباء بالمد، ويقصر، لغتان، حكاهما الجوهري، وغيره، والقصر أشهر، قال الجوهري: جمع المقصور أوباء، وجمع الممدود أوبية، قالوا: والوباء مرض عام يفضي إلى الموت غالباً.

ولعل هذا الوباء من نوع خاص، فإن الأوبئة بصفة عامة كثيرة، وتنزل في كل يوم وليلة في مناطق مختلفة.

( فالأعاجم -عندنا- يتقون ذلك في كانون الأول) يقال: اتقى الشيء إذا خافه، وجعل بينه وبينه وقاية، وحذره وتجنبه، فالمعنى كانوا يخافون وقوع ذلك الوباء، ويحذرونه، ويبالغون في تغطية طعامهم وشرابهم في شهر كانون الأول، وهو الشهر المعروف، ويعرف بشهر ديسمبر وكانون ممنوع من الصرف، للعلمية والعجمة.

( إن هذه النار إنما هي عدو لكم) هكذا جاء بصيغة الحصر، مبالغة وتأكيد، وإلا ففيها مصالح العباد ومنافع لهم، قال ابن العربي: معنى كون النار عدواً لنا أنها تنافي أبداننا وأموالنا منافاة العدو، وإن كانت لنا بها منفعة، فأطلق أنها عدو لنا لوجود معنى العداوة فيها.

فقه الحديث

تتعرض هذه الأحاديث إلى إرشادات لحماية الإنسان والبيئة من الأضرار هي:

1- تغطية إناء الطعام والشراب.

2- إغلاق الأبواب ليلاً.

3- إطفاء السراج عند النوم.

4- إطفاء النار عند النوم.

5- كف الصبيان والدواب من الانتشار ليلاً.

6- ذكر الله تعالى عند كل ذلك.

1- أما تغطية إناء الطعام والشراب حتى ساعة الأكل والشرب فالمقصود منه أولاً -وبالذات- حماية ما في الإناء من الطعام والشراب من التلوث والأضرار الصحية التي تنتشر في الجو، والتي تحملها الحشرات الطائرة والزاحفة من الذباب والناموس والنمل والصراصير وغيرها، ومن الميكروبات والفيروسات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة، والتي عبرت عنها الرواية السابعة بالوباء ينزل على الإناء غير المغطى، ومن الروائح الكريهة والمغيرة للطعام والشراب التي تنتشر في الأجواء المحيطة بالطعام والشراب.
هذا هدف أول من تغطية الإناء، الهدف الثاني حفظ الإناء نفسه نظيفاًً من الداخل، حتى يحين وضع الطعام فيه، وإلى ذلك أشار ملحق الرواية الرابعة، إذ جاء بلفظ وأكفئوا الإناء ويتمثل هذا الإرشاد في الغطاء المحكم المعد لذلك في هذه الأيام للأواني ذات الفوهة الواسعة، وللأواني وأسقية الشراب من المعادن أو الزجاج أو البلاستيك ذات الفوهة الضيقة، كما كانت تتمثل قديماً في ربط فم القربة بخيط يسد فتحتها.

لكن الروايات الأولى والثانية والثالثة والخامسة أمرت أن يخمر ولو بعود يوضع على عرض الإناء، إن لم يجد غطاء، وهذا الأمر مشكل، إذ العود لا يحقق الهدف المنشود من التغطية، وللعلماء في توجيه هذا التعبير اتجاهان.

الأول: أنه من قبيل المبالغة في الطلب، غير مقصود لفظه، كحديث اتقوا النار ولو بشق تمرة وحديث من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة على أن ما لا يدرك كله لا يترك كله.

الاتجاه الثاني الأخذ في الاعتبار بالقيد الذي صرحت به الرواية الرابعة من ذكر الله عند عرض العود، ومن هنا يقول الحافظ ابن حجر: وأظن السر في الاكتفاء بعرض العود أن تعاطي التغطية أو العرض يقترن بالتسمية، فيكون العرض علامة على التسمية، فتمتنع الشياطين من الدنو منه، ويقول: فذكر اسم الله يحول بينه وبين فعل هذه الأشياء، ومقتضاه أنه يتمكن من كل ذلك إذا لم يذكر اسم الله وسيأتي قريباً مزيد لهذه المسألة.

ويقول ابن بطال: أخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيطان لم يعط قوة على شيء من ذلك، وإن كان أعطي ما هو أعظم منه، وهو دخوله في الأماكن التي لا يقدر الآدمي أن يدخل فيها.

2- وأما إغلاق الأبواب ليلاً فقد قال ابن دقيق العيد: فيه من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد، ولا سيما الشياطين، وأما قوله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان، وخصه بالتعليل تنبيهاً على ما يخفى، مما لا يطلع عليه إلا من جانب النبوة، قال: والحديث يدل على منع دخول الشيطان الخارج، فأما الشيطان الذي كان داخلاً فلا يدل الخبر على خروجه، قال: فيكون ذلك لتخفيف المفسدة، لا رفعها، ويحتمل أن تكون التسمية عند الإغلاق تقتضي طرد من في البيت من الشياطين، وعلى هذا فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الإغلاق إلى تمامه.
اهـ أي ليخرج من في الداخل أثناء الإغلاق.

3- وأما إطفاء السراج فقد قال ابن دقيق العيد: إذا كانت العلة في إطفاء السراج الحذر من جر الفويسقة الفتيلة فمقتضاه أن السراج إذا كان على هيئة لا تصل إليه الفأرة [أو المكان لا تصل إليه فأرة] لا يمنع إيقاده، كما لو كان على منارة من نحاس أملس، لا يمكن الفأرة الصعود إليه، أو يكون مكانه بعيداً عن موضع يمكنها أن تثب منه إلى السراج.
اهـ فإذا استوثق، بحيث يؤمن معه الإحراق زال الحكم بزوال علته، وقد صرح النووي بذلك في القنديل مثلاً، لأنه يؤمن معه الضرر الذي لا يؤمن مثله في السراج.

4- وأما إطفاء النار عند النوم فقد قال القرطبي: إن الواحد إذا بات ببيت ليس فيه غيره، وفيه نار، فعليه أن يطفئها قبل نومه، أو يفعل بها ما يؤمن معه الاحتراق، وكذا إن كان في البيت جماعة، فإنه يتعين على بعضهم، وأحقهم بذلك آخرهم نوماً، فمن فرط في ذلك كان للسنة مخالفاً ولأدائها تاركاً.

5- وأما كف الصبيان والدواب من الانتشار ليلاً، فقد مضى عنها في المباحث العربية ما فيه الكفاية.

6- وأما ذكر الله فإنه يحول بين المخلوقات المؤذية وبين وقوع الأذى، وهو وقاية من كل سوء، وقد أخرج مسلم والأربعة عن جابر رضي الله عنه رفعه إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا.
كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان، ولو بوجه ما، ففي الحديث الحث على ذكر الله تعالى على كل أمر ذي بال، وكذلك حمد الله تعالى في نهاية كل أمر ذي بال، وقد جعل الله تعالى هذه الأسباب أسباباً للسلامة من الإيذاء.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- قال النووي تعليقاً على ما جاء في الرواية الأولى من قوله قال أبو حميد: إنما أمر بالأسقية أن توكى ليلاً، وبالأبواب أن تغلق ليلاً قال النووي: هذا الذي قاله أبو حميد من تخصيصهما بالليل ليس في اللفظ ما يدل عليه، والمختار عند الأكثرين من الأصوليين، وهو مذهب الشافعي وغيره -رضي الله عنهم- أن تفسير الصحابي، إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة، ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره، وأما إذا لم يكن في ظاهر الحديث ما يخالفه، بأن كان مجملاً، فيرجع إلى تأويله، ويجب الحمل عليه، لأنه إذا كان مجملاً لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف، وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي، عند الشافعي والأكثرين، والأمر بتغطية الإناء عام، فلا يقبل تخصيصه بمذهب الراوي، بل يتمسك بالعموم.
والله أعلم.

2- قال القرطبي: الأمر والنهي في هذا الحديث للإرشاد، قال: وقد يكون للندب، وجزم النووي بأنه للإرشاد، لكونه لمصلحة دنيوية، وتعقب بأنه قد يفضي إلى مصلحة دينية، وهي حفظ النفس المحرم قتلها، والمال المحرم تبذيره، وقال ابن دقيق العيد: هذه الأوامر لم يحملها الأكثرون على الوجوب، ويلزم أهل الظاهر حملها على الوجوب، قال: وهذا لا يختص بالظاهري، بل الحمل على الظاهر إلا لمعارض ظاهر، يقول به أهل القياس، وإن كان أهل الظاهر أولى بالالتزام به، لكونهم لا يلتفتون إلى المفهومات والمناسبات.

قال: وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها، فمنها ما يحمل على الندب، وهو التسمية على كل حال، ومنها ما يحمل على الندب والإرشاد معاً، كإغلاق الأبواب، من أجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، لأن الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه، وإن كان تحته مصالح دنيوية، كالحراسة، وكذا إيكاء السقاء، وتخمير الإناء.

3- استنبط بعضهم من الأمر بإغلاق الأبواب مشروعية إغلاق الفم عند التثاؤب، لدخوله في عموم الأبواب مجازاً.

4- في ذكر الأسباب عند الأوامر، استحباب تعليل الأمر، وذكر حكمته، ليكون أدخل في الاعتبار، وأسرع إلى الإجابة.

5- أخذ بعضهم من هذه الأوامر أن التعرض للفتن مما لا ينبغي، وأن الاحتراس منها أحزم، وإن كان الله بالغاً أمره، قد جعل لكل شيء قدراً.

والله أعلم