هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3924 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ ، قَالَ : وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ ، وَكُنَّا نَأْكُلُ فَيَمُرُّ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ وَنَحْنُ نَأْكُلُ ، فَيَقُولُ : لَا تُقَارِنُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ ، إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ ، - قَالَ شُعْبَةُ : لَا أُرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلَّا مِنْ كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ يَعْنِي الِاسْتِئْذَانَ - وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا قَوْلُ شُعْبَةَ ، وَلَا قَوْلُهُ : وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال شعبة : لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر يعني الاستئذان وحدثناه عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، ح وحدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، كلاهما عن شعبة بهذا الإسناد ، وليس في حديثهما قول شعبة ، ولا قوله : وقد كان أصاب الناس يومئذ جهد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Jabala b. Suhaim reported:

Ibn Zubair used to provide us with dates during the time that the people were hard pressed because of famine (Once) as we were busy in eating there happened to appear before us Ibn 'Umar. He said: Don't eat two dates together, for Allah's Messenger (ﷺ) forbade eating them together but only after seeking permission from his brother (partner). Shu'ba said: I do not think these words pertaining to seeking permission but from the words of Ibn 'Umar.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [2045] فِيهِ شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قال كان بن الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ وَكَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمئِذٍ جَهْدٌ فَكُنَّا نَأْكُلُ فَيَمُرُّ علينا بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَحْنُ نَأْكُلُ فَيَقُولُ لاتقارنوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أخاه قال شعبة لاأرى هذه الكلمة إلامن كلمة بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي الِاسْتِئْذَانَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَبَلَةَ عَنِ بن عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ هَذَا النَّهْيُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمْ فَإِذَا أَذِنُوا فَلَا بَأْسَ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ فَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بينهم فالقران حرام إلابرضاهموَيَحْصُلُ الرِّضَا بِتَصْرِيحِهِمْ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ مِنْ قَرِينَةِ حَالٍ أَوْ إِدْلَالٍ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِهِ وَمَتَى شَكَّ فِي رِضَاهُمْ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِمْ أولأحدهم اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَحْدَهُ فَإِنْ قَرَنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولايجب وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ ضَيَّفَهُمْ بِهِ فلايحرم عَلَيْهِ الْقِرَانُ ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ فَحَسَنٌ أَلَّا يَقْرِنَ لِتَسَاوِيهِمْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ فَلَا بَأْسَ بِقِرَانِهِ لَكِنِ الْأَدَبُ مُطْلَقًا التَّأَدُّبُ فِي الْأَكْلِ وَتَرْكِ الشره الاأن يَكُونَ مُسْتَعْجِلًا وَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِشُغْلٍ آخَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زَمَنِهِمْ وَحِينَ كَانَ الطَّعَامُ ضيقا فأما اليوم مع اتساع الحال فلاحاجة إِلَى الْإِذْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الصَّوَابُ ماذكرنا من التفصيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ لابخصوص السَّبَبِ لَوْ ثَبَتَ السَّبَبُ كَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ أَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ يَعْنِي قِلَّةً وَحَاجَةً وَمَشَقَّةً وَقَولُهُ يَقْرِنُ أَيْ يَجْمَعُ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقَولُهُ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ الْقِرَانُ يُقَالُ قَرَنَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ أَقْرَنَ وَقَولُهُ قَالَ شعبة لاأرى هذه الكلمة إلا من كلمة بن عمر يعني بالكلمة الكلام وهذا شَائِعٌ مَعْرُوفٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شُعْبَةُ لَا يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الِاسْتِئْذَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَفَاهُ بِظَنٍّ وَحُسْبَانٍ وَقَدْ أَثْبَتَهُ سُفْيَانُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فثبتوَيَحْصُلُ الرِّضَا بِتَصْرِيحِهِمْ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ مِنْ قَرِينَةِ حَالٍ أَوْ إِدْلَالٍ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِهِ وَمَتَى شَكَّ فِي رِضَاهُمْ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِمْ أولأحدهم اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَحْدَهُ فَإِنْ قَرَنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولايجب وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ ضَيَّفَهُمْ بِهِ فلايحرم عَلَيْهِ الْقِرَانُ ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ فَحَسَنٌ أَلَّا يَقْرِنَ لِتَسَاوِيهِمْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ فَلَا بَأْسَ بِقِرَانِهِ لَكِنِ الْأَدَبُ مُطْلَقًا التَّأَدُّبُ فِي الْأَكْلِ وَتَرْكِ الشره الاأن يَكُونَ مُسْتَعْجِلًا وَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِشُغْلٍ آخَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زَمَنِهِمْ وَحِينَ كَانَ الطَّعَامُ ضيقا فأما اليوم مع اتساع الحال فلاحاجة إِلَى الْإِذْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الصَّوَابُ ماذكرنا من التفصيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ لابخصوص السَّبَبِ لَوْ ثَبَتَ السَّبَبُ كَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ أَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ يَعْنِي قِلَّةً وَحَاجَةً وَمَشَقَّةً وَقَولُهُ يَقْرِنُ أَيْ يَجْمَعُ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقَولُهُ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ الْقِرَانُ يُقَالُ قَرَنَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ أَقْرَنَ وَقَولُهُ قَالَ شعبة لاأرى هذه الكلمة إلا من كلمة بن عمر يعني بالكلمة الكلام وهذا شَائِعٌ مَعْرُوفٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شُعْبَةُ لَا يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الِاسْتِئْذَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَفَاهُ بِظَنٍّ وَحُسْبَانٍ وَقَدْ أَثْبَتَهُ سُفْيَانُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فثبتوَيَحْصُلُ الرِّضَا بِتَصْرِيحِهِمْ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ مِنْ قَرِينَةِ حَالٍ أَوْ إِدْلَالٍ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِهِ وَمَتَى شَكَّ فِي رِضَاهُمْ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِمْ أولأحدهم اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَحْدَهُ فَإِنْ قَرَنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فحرام ويستحب أن يستأذن الآكلين معه ولايجب وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ ضَيَّفَهُمْ بِهِ فلايحرم عَلَيْهِ الْقِرَانُ ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ فَحَسَنٌ أَلَّا يَقْرِنَ لِتَسَاوِيهِمْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ فَلَا بَأْسَ بِقِرَانِهِ لَكِنِ الْأَدَبُ مُطْلَقًا التَّأَدُّبُ فِي الْأَكْلِ وَتَرْكِ الشره الاأن يَكُونَ مُسْتَعْجِلًا وَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِشُغْلٍ آخَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زَمَنِهِمْ وَحِينَ كَانَ الطَّعَامُ ضيقا فأما اليوم مع اتساع الحال فلاحاجة إِلَى الْإِذْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الصَّوَابُ ماذكرنا من التفصيل فإن الاعتبار بعموم اللفظ لابخصوص السَّبَبِ لَوْ ثَبَتَ السَّبَبُ كَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ أَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ يَعْنِي قِلَّةً وَحَاجَةً وَمَشَقَّةً وَقَولُهُ يَقْرِنُ أَيْ يَجْمَعُ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقَولُهُ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ الْقِرَانُ يُقَالُ قَرَنَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ أَقْرَنَ وَقَولُهُ قَالَ شعبة لاأرى هذه الكلمة إلا من كلمة بن عمر يعني بالكلمة الكلام وهذا شَائِعٌ مَعْرُوفٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شُعْبَةُ لَا يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الِاسْتِئْذَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَفَاهُ بِظَنٍّ وَحُسْبَانٍ وَقَدْ أَثْبَتَهُ سُفْيَانُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فثبت(بَابٌ فِي ادِّخَارِ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ)

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [2045] نهى عَن الإقران اخْتلف هَل هُوَ نهي كَرَاهَة أَو تَحْرِيم يقرن بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا أَي يجمع

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن جبلة بن سحيم قال: كان ابن الزبير يرزقنا التمر.
قال: وقد كان أصاب الناس يومئذ جهد.
وكنا نأكل، فيمر علينا ابن عمر ونحن نأكل.
فيقول: لا تقارنوا؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران، إلا أن يستأذن الرجل أخاه.
قال شعبة: لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر يعني الاستئذان.

المعنى العام

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وأدبه في حياته بآداب يفضل بها عن الحيوان، أدبه بآداب في سلوكه وتصرفاته يرتفع بها عن البدائية والحقارة والهبوط بالعقل والكرامة، قال تعالى: { { ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } } [الإسراء: 70] أدبه بآداب في لباسه، وفي مشيه، وفي جلوسه، وفي نومه، وفي إتيانه شهوته، وفي أكله وشربه، قد يظن الجاهلون أن الذي يحكم في هذه الأمور العرف والعادات، وتلك نظرة سطحية، مجانبة للحق، بعيدة عن التحقيق، العرف قد يبيح لباس المتكبرين المتجبرين ومشيتهم، والقرآن الكريم يقول { { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا* كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } } [الإسراء: 37، 38] ويقول { { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور* واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } } [لقمان: 18، 19] .

وفي هذه الأحاديث مجموعة من آداب الأكل والشرب حين يجتمع الآكلون والشاربون، كيف يجلس الآكل حين الأكل؟ وكيف يدار الطعام والشراب على الآكلين؟ وكيف لو يجمع الآكل بين تمرتين أو لقمتين في دفعة واحدة؟ وكيف يرضى بالقليل ويحمد عليه، تمر، أو كسر من الخبز، أو خل، وكيف يحرص على التجمع على الطعام، ويدعو إليه، ويشرك غيره في طعامه ولو كان قليلاً؟ وكيف ينزل الناس منازلهم، ويكرم كرماءهم؟ وكيف يتحاشى في طعامه أطعمة كريهة الرائحة، أو ذات أثر كريه، كالثوم والبصل والكرات إذا كان سيجتمع بالناس، لمناسبة من المناسبات.

وهكذا نجد الإسلام يرسم الطريق الصحيح لبناء مجتمع متكامل، يسوده التواد والمحبة والتلاقي والقبول وعدم الاشمئزاز والنفور.

يربي أبناءه على القناعة وعدم الشره، والإيثار وعدم الأثره، ليدوم التآلف والوئام بين المسلمين.

المباحث العربية

( عبد الله بن بسر) بضم الباء وسكون السين، السلمي، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، هو وابناه وابنته، نزل النبي صلى الله عليه وسلم عنده، فقدم له طعاماً.

( فقدمنا إليه طعاماً ووطبة) قال النووي: هكذا رواية الأكثرين وطبة بفتح الواو، وسكون الطاء، بعدها باء، وهكذا رواه النضر بن شميل، راوي هذا الحديث عن شعبة، والنضر إمام من أئمة اللغة، وفسره النضر، فقال: والوطبة الحيس، يجمع التمر البرني والأقط المدقوق والسمن، وكذا ضبطه أبو مسعود الدمشقي البرقاني وآخرون، وهكذا هو عندنا في معظم النسخ، وفي بعضها رطبة بالراء المضمومة وفتح الطاء، وكذا ذكره الحميدي وقال: هكذا جاء فيما رأيناه من نسخ مسلم رطبة بالراء، قال: وهو تصحيف من الراوي، وإنما هو بالواو.
قال النووي: وهذا الذي ادعاه على نسخ مسلم هو فيما رآه هو، وإلا فأكثرها بالواو، وكذا نقله الأكثرون عن نسخ مسلم، ونقل القاضي عياض عن رواية بعضهم في مسلم وطئة بفتح الواو، وكسر الطاء، بعدها همزة، وادعى أنه الصواب، وهكذا ادعاه آخرون، والوطئة بالهمز عند أهل اللغة طعام يتخذ من التمر، كالحيس.
قال النووي: هذا ما ذكروه، ولا منافاة بين هذا كله، فيقبل ما صحت به الروايات وهو صحيح في اللغة.
اهـ والظاهر أن الواو في ووطبة لعطف التفسير، والمعنى: قدمنا إليه طعاماً أي وطبة، ويحتمل أنه من عطف الخاص على العام، إذا كان قد قدم له مع الوطبة خبز ولحم وغيرهما.

( ثم أتي بتمر، فكان يأكله، ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى) الصورة المتبادرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ التمرة من الإناء بأصابعه الثلاث، الإبهام والسبابة والوسطى، كما سبق توضيحه، فيقضم التمرة، ويأكلها، ويخرج نواتها، ممسكاً بالنواة بين إصبعيه السبابة والوسطى، فيلقي بها خارج الإناء، ولا يلقيها في إناء التمر لئلا تختلط بالتمر، أما قول النووي: وقيل: كان يجمعه على ظهر الإصبعين، ثم يرمي به، فهو قول بعيد، لصعوبة الجمع على ظهر الإصبعين.

( قال شعبة: هو ظني، وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين) أي قال شعبة عبارة إلقاء النوى بين إصبعين أشك في كونها مروية في الحديث، أو هي من استنباطي وفهمي، وأرجح أنها منه إن شاء الله، فهو متردد شاك، وفي الطريق الثاني، ملحق الرواية الأولى جزم بإثبات هذا القول في الحديث، ولم يشك، قال النووي: فهو ثابت بهذه الرواية، وأما رواية الشك فلا تضر، سواء تقدمت على هذه، أو تأخرت، لأنه تيقن في وقت، وشك في وقت، فاليقين ثابت، ولا يمنعه النسيان في وقت آخر.

( فقال أبي -وأخذ بلجام دابته- ادع الله لنا) جملة وأخذ بلجام دابته معترضة بين القول والمقول، وقد جاء أن دابة الرسول في ذاك الوقت كانت بغلة يسمونها حمارة شامية.

( يأكل القثاء بالرطب) القثاء بكسر القاف، هذا المشهور، وفيه لغة بضمها، ولغة بفتحها، مع تشديد الثاء في كل، وهي نبات معروف، يشبه الخيار، لكنه أطول، أي يقطع بأسنانه قطعة من القثاء، ويلحقها في فمه برطبة، أي ثمرة نخل نضجت قبل أن تصير تمراً، وروي أنه كان يقول: يكسر حر هذا برد هذا.

( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعياً يأكل تمراً) أي جالساً على إليتيه، ناصباً ساقيه وفخذيه.

( فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقسمه) أي يفرقه على من يراه أهلاً لذلك، قال النووي: وهذا التمر كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرع بتفريقه صلى الله عليه وسلم، فلهذا كان يأكل منه.

( وهو محتفز) أي مستعجل، يقال: حفزه إلى الأمر إذا حثه عليه، وتحفز في جلسته انتصب فيها غير مطمئن، واحتفز أي تحفز، قال النووي: وهو بمعنى قوله متعباً وهو أيضاً معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر، في صحيح البخاري وغيره لا آكل متكئاً على ما فسره الإمام الخطابي، فإنه قال: المتكئ هنا المتمكن في جلوسه، من التربع وشبهه، المعتمد على الوطاء تحته، قال: وكل من استوى قاعداً على وطاء فهو متكئ، ومعناه: لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام، ويقعد له متمكناً، بل أقعد مستوفزاً، وآكل قليلاً.

( يأكل منه أكلاً ذريعاً) في ملحق الرواية أكلا حثيثاً وهما بمعنى، وفي كتب اللغة: الذروع والذريع الخفيف السير، واسع الخطو من الإبل والخيل، والحثوث والحثيث السريع الجاد في أمره، وفي القرآن الكريم { { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً } } [الأعراف: 54] ويقال: ولى حثيثاً، أي مسرعاً حريصاً، وإنما كان صلى الله عليه وسلم مستعجلاً لانشغاله بأمور أخرى، فأسرع في الأكل، ليقضي حاجته منه، ويرد جوعته، فيذهب إلى ذلك الشغل.

( وقد كان أصاب الناس يومئذ جهد) بفتح الجيم المشقة، وبضمها الوسع والطاقة، فالفتح أولى.

( لا تقارنوا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل أخاه) في الرواية السادسة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين يقال: قرن البسر جمع بين الإرطاب والإبسار وقرن الشيء بالشيء قرناً وقراناً جمع بينهما، وأقرن فلان جمع بين شيئين، والمراد هنا النهي عن جمع تمرتين عند إدخالهما الفم، وهو مظهر من مظاهر الجشع، والمراد بالأخ الرفيق الذي اشترك معه في ذلك التمر، وفي الرواية السادسة حتى يستأذن أصحابه أي الذين يشاركونه ذلك الطعام.

( قال شعبة: لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر -يعني الاستئذان) لا أرى بضم الهمزة، أي لا أظن، ولفظ كلمة يطلق على الكلمة الواحدة، وعلى الكلام الكثير، فيقال: ألقى فلان كلمة، ويراد خطبة، فالمعنى شك شعبة في جملة إلا أن يستأذن الرجل أخاه هل هي من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي مرفوعة؟ أو هي من كلام ابن عمر فهي موقوفة؟ قال النووي: وهذا الذي قاله شعبة لا يؤثر في رفع الاستئذان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نفاه بظن وحسبان، وقد أثبته سفيان في الرواية الثانية فثبت، أي في الرواية السادسة، فسندها عن سفيان عن جبلة بن سحيم قال: سمعت ابن عمر يقول: إلخ.

( لا يجوع أهل بيت عندهم التمر) النفي نفي انبغاء، أي لا ينبغي أن يجوعوا، فعندهم زادهم، ولا يعتبرون جياعاً، وإن جاعوا، فسبب الجوع غالباً فقدان الطعام، وهم غير فاقدين، وفي الرواية الثامنة بيت لا تمر فيه جياع أهله وهو من قبيل الادعاء والمبالغة، أي إن التمر هو القوت، وكأن غيره من الأقوات لا يعتد به، فالقوت موجود ما وجد التمر، والقوت منعدم ما انعدم التمر.

( من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح) الضمير للمدينة، واللابة الحرة من الأرض، وهي الأرض ذات الحجارة السود، وللمدينة لابتان، والمقصود مما بين حدودها من جميع الجهات، من تمر نخلها.

( لم يضره سم حتى يمسي) السم معروف، وهو بفتح السين وضمها وكسرها، والفتح أفصح.

( إن في عجوة العالية شفاء، أو إنها ترياق، أول البكرة) العالية ما كان من الحدائق والزروع والبيوت والقرى من جهة المدينة العليا، مما يلي نجد، والسافلة من الجهة الأخرى، مما يلي تهامة، قال القاضي: وأدنى العالية ثلاثة أميال، وأبعدها ثمانية أميال.
اهـ

وهذا التقدير على أساس المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد دخلت العالية والسافلة اليوم في صلب مباني المدينة.

والترياق بكسر التاء وضمها، لغتان، ويقال: درياق، وطرياق أيضاً، وكله فصيح.

وهو ما يمنع المعدة والأمعاء من امتصاص السم والتأثر به، وأول البكرة بنصب أول على الظرفية، والبكرة بضم الباء، أول النهار إلى طلوع الشمس وهو المراد من قوله في الرواية العاشرة من تصبح وفي التاسعة حين يصبح، والعامة يسمون يوم الغد كله بكرة.

( الكمأة من المن) في الرواية الثالثة عشرة من المن الذي أنزل الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل وفي الرواية الرابعة عشرة من المن الذي أنزل الله على موسى والكمأة بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة مفتوحة، قال الخطابي: والعامة لا يهمزونه.
اهـ وجمعها كم، بفتح الكاف وتشديد الميم، مثل تمرة وتمر، وعكس ابن الأعرابي، فقال: الكمأة جمع الكم، الواحد على غير قياس، قال: ولم يقع في كلامهم نظير هذا سوى خبأة وخب، وقيل: الكمأة قد تطلق على الواحدة وعلى الجمع، وقد جمعوها على أكمؤ، وهي نبات لا ورق لها ولا ساق، أرضية، تؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها، تشبه البطاطس، أو هي البطاطس، وبعض العرب يسميها جدري الأرض، ونبات الرعد، وهي كثيرة بأرض العرب، وتوجد بالشام ومصر، وأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء، ومنها صنف قتال، بضرب لونه إلى الحمرة، وعند الطبري كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامتنع قوم من أكلها، وقالوا: هي جدري الأرض، فبلغه ذلك، فقال: إن الكمأة ليست من جدري الأرض، ألا إن الكمأة من المن.

والمن هنا لبس مصدر من، وإنما هو بمعنى اسم المفعول، أي ممنون به، ونعم الله تعالى كلها ممنون بها من الله عليهم، لكن بعض النعم لا صنع لبني آدم فيها، فغلب اسم المن عليها، لأنها من محض، والكمأة في أرض العرب وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت توجد في الأرض من غير أن تزرع، ومن غير كلفة ولا علاج ولا سقي ولا غيره، والمن الذي أنزله الله تعالى على بني إسرائيل كان أنواعاً، بعضه نبات يوجد عفواً دون جهد ولا مشقة، كالكمأة، وهي تقوم مقام الخبز، وبعضه طير يسقط عليهم دون صيد، طير سمين مثل الحمام يشبه السمان، أو هو السمان، وهو السلوى، في قوله تعالى: { { وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى } } [البقرة: 57] فعطفه على المن من قبيل عطف الخاص على العام، فكان يمثل عندهم في التيه الأدم، ويقوم مقام اللحم، وبعضه طل يسقط على الشجر كالصمغ، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وهو المعروف بالترنجبين، فاكتمل لهم بالتيه عفواً خبزهم وأدمهم وحلواهم، فما يقوم مقام الخبز، وهو الكمأة نوع من أنواع المن الذي أنزل على بني إسرائيل، وهذا معنى قوله الكمأة من المن فهي منه حقيقة، وقيل: إن المراد بالمن الذي أنزل على بني إسرائيل الصمغ الحلو الذي كان ينزل على الشجر، ومعنى الكمأة من المن على هذا أنها تشبهه، في كون كل منهما يحصل بلا مشقة ولا مكلفة، أي الكمأة تشبه ما كان من المن، قال الخطابي: ليس المراد أنها نوع من المن الذي أنزل على بني إسرائيل، فإن الذي أنزل على بني إسرائيل كان كالترنجبين الذي يسقط على الشجر، وإنما المعنى أن الكمأة شيء ينبت من غير تكلف، فهو من قبيل المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل، فيقع على الشجر، فيتناولونه.

( وماؤها شفاء للعين) كذا عند مسلم وعند الأكثر، وفي رواية شفاء من العين أي شفاء من داء العين.

وفي المراد بكون مائها شفاء للعين أقوال:

الأول: أن ماءها صرفاً، دون خلط، إذا عصرت وجعل الماء في العين، فإنها تبرأ بإذن الله.
قال النووي: وقد رأيت أنا وغيري في زماننا من كان أعمى وذهب بصره حقيقة، فكحل عينه بماء الكمأة مجرداًَ، فشفي، وعاد إليه بصره، فالصواب أن ماءها شفاء للعين مطلقاً.
اهـ وقد أخرج الترمذي في جامعه، بسند صحيح إلى قتادة، قال: حدثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمؤ، أو خمساً أو سبعاً، فعصرتهن، فجعلت ماءهن في قارورة، فكحلت به جارية لي، فبرئت.

الثاني: كالأول مع التقييد بقوة الاعتقاد في هذا الحديث، والعمل به، ومن أشار إليه النووي كان صاحب صلاح ورواية للحديث، وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث، وتبركاً به، فنفعه الله به.

الثالث: أن ماءها صرفاً، دون خلط، يضر ولا يشفي، وقد حكى إبراهيم الحربي عن صالح وعبد الله ابني أحمد بن حنبل أنهما اشتكت أعينهما، فأخذا كمأة، وعصراها، واكتحلا بمائها، فهاجت أعينها ورمداً، وقال ابن الجوزي: حكى شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي أن بعض الناس عصر ماء كمأة، فاكتحل به، فذهبت عينه.

الرابع: أن ماءها بارداً يابساً لا يفيد، وإنما تؤخذ، فتشق، وتوضع على الجمر، حتى يغلي ماؤها، ثم يكتحل بمائها، وهو فاتر، فيشفى بإذن الله.

الخامس: أن يخلط ماؤها في الأدوية التي نكتحل بها، فيفيد بإذن الله، وقد حكى أبو عبيد أن بعض الأطباء قالوا: أكل الكمأة يجلو البصر.

السادس: أن المراد من ماء الكمأة ماؤها الذي نبت به، فإنه أول مطر يقع في الأرض، حكاه ابن الجوزي.
قال ابن القيم: وهذا أضعف الوجوه.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يزيل الإشكال عن هذا الاختلاف أن الكمأة وغيرها من المخلوقات خلقت في الأصل سليمة من المضار، ثم عرضت لها الآفات بأمور أخرى، من مجاورة أو امتزاج أو غير ذلك من الأسباب التي أرادها الله تعالى، فالكمأة في الأصل نافعة، لما اختصت به من وصفها بأنها من الله، وإنما عرضت لها المضار بالمجاورة، واستعمال كل ما وردت به السنة بصدق ينتفع به من يستعمله، ويدفع الله عنه الضرر بنيته، والعكس بالعكس.
اهـ وقال الخطابي: إنما اختصت الكمأة بهذه الفضيلة لأنها الحلال المحض يجلو البصر، والعكس بالعكس.
اهـ

والحق أن كلام الحافظ ابن حجر والخطابي لا يقبل أخذهما على إطلاقهما، فماء المطر من الحلال المحض، الذي ليس في اكتسابه شبهة، وكثير من الحشائش من الله، والأولى أن نقول: إن بعض الأعشاب لها خصائص الشفاء، وترتبط هذه الخصائص بالتربة والنوع والكمية، وقد تشفي عين شخص، ولا تشفي عين آخر، وقد تشفي مرض عين، ولا تشفي مرضاً آخر، وقد تتغير خصائصها من وقت لآخر، فتشفى في زمن ولا تشفي في آخر، فحاصل معنى الحديث: ماء كمأتكم في هذا الزمن شفاء لبعض أمراض عيونكم.
والله أعلم.

( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران) مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء، والظهران على نسق تثنية ظهر مكان معروف، على مرحلة من مكة.

( ونحن نجني الكباث) بفتح الكاف، وتخفيف الباء، آخرها ثاء، وهو ثمر شجر الأراك، ويسمى البرير، على وزن الحرير، قبل أن يسود، فإذا اسود فهو الكباث، وعكس ابن بطال، فقال: الكباث ثمر الأراك الغصن منه، والبرير ثمره الرطب واليابس، والذي في اللغة أنه ثمر الأراك، وقيل: هو نضيجه، فإذا كان طرياً فهو موز، وقيل عكس ذلك، وأن الكباث الطري، وقال أبو زياد: يشبه التين، يأكله الناس والإبل والغنم، وقال أبو عمرو: هو حار، كأن فيه ملحاً، ومعنى نجني نقتطف.

( كأنك رعيت الغنم) في الكلام اختصار، والتقدير: كأنك رعيت الغنم، حتى عرفت أطيب الكباث، لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار، لطلب المرعى منها، والاستظلال تحتها.

( نعم الأدم -أو الإدام- الخل) الأدم بضم الهمزة والدال، ويجوز إسكانها، جمع إدام، وقيل: الأدم بضم الهمزة وإسكان الدال المفرد، كالإدام وبضم الدال الجمع، والإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به، أي ما يستمرأ ويستساغ به الخبز، أي الغموس من أي صنف.

( عن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به، فجعل يأكل به) أي يغمس ويأتدم به، ويقول إلخ، وتمام الصورة في الروايتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، إذ كان جابر جالساً في داره، وكانت الدور لا باب لها، أو كان فناؤها يراه المار، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه كان يعلم حاجة جابر إلى الطعام، فأشار إليه، أن أقبل، فأقبل إليه، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد جابر، وسار به، حتى أتى به بيت إحدى أمهات المؤمنين، ولعلها عائشة، فهي الراوية للرواية السادسة عشرة، فدخل صلى الله عليه وسلم، وترك جابراً على الباب، وكان الحجاب قد فرض على أمهات المؤمنين، ثم خرج فأذن لجابر بالدخول، قال جابر: فدخلت الحجاب عليها، قال النووي: معناه دخلت الحجاب، إلى الموضع الذي فيه المرأة، وليس فيه أنه رأى بشرتها.
اهـ وكان الحجاب ستراً يسدل بين الداخل وبين أم المؤمنين، فإذا كانت هي في داخل حجرتها محجبة مغطاة تغطية كاملة صح دخول الأجنبي إلى حجرتها، متخطياً الحجاب المسدل، فهذا معنى قول جابر: فدخلت الحجاب عليها، فقال صلى الله عليه وسلم لزوجه: هل من غذاء؟ قالت: نعم.
فأخرج إليه فلقاً من خبز قال النووي: هكذا هو في الأصول فأخرج إليه فلقاً وهو صحيح، ومعناه أخرج الخادم ونحوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقاً -جمع فلقة، وهي الكسرة.
اهـ فالضمير فاعل أخرج يعود على الخادم ونحوه مما هو غير مذكور، اعتماداً على المقام، ويحتمل أن يعود الضمير على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه أخرج من بيت زوجه إلى جابر فلقاً من خبز وهذا ظاهر ملحق الرواية الثامنة عشرة فلفظها عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده إلى منزله، فأخرج إليه فلقاً من خبز.. إلخ وهذه الفلق هي التي عبر عنها في الرواية التاسعة عشرة بقوله فأتى بثلاثة أقرصة، فوضعن على نبي قال النووي: هكذا هو في أكثر الأصول على نبي بنون مفتوحة، ثم باء موحدة مكسورة، ثم ياء مثناة تحت مشددة، وفسروه بمائدة من خوص، ونقل القاضي عياض عن كثير من الرواة أنه بتى بباء موحدة مفتوحة، ثم مثناة فوق مكسورة مشددة، ثم ياء مثناة من تحت مشددة، والبت كساء من وبر أو صوف، فلعله منديل وضع عليه الطعام، قال: ورواه بعضهم بضم الباء، وبعدها نون مكسورة مشددة، وهو طبق من خوص.

( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه، وبعث بفضله إلي) حكاية لما كان في فترة إقامته صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب عقب وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، ومعنى بعث بفضله علي أي رد باقي الطعام الذي صنعه أبو أيوب وأرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رده إلى أبي أيوب بعد أن يأكل منه ما يأكل، وقد فصلت الرواية الواحدة والعشرون نزول النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب، وذكر ابن سعد أن إقامته صلى الله عليه وسلم ببيت أبي أيوب كانت سبعة أشهر، حتى بنى بيوته صلى الله عليه وسلم.

( وإنه بعث إلي يوماً بفضلة) أي ببقية، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم أكل من بعض الطعام، ولم يأكل ما فيه ثوم، فكان فضلة بالنسبة لمجموع الطعام.

( لم يأكل منها لأن فيها ثوماً) بضم الثاء، والعامة تفتحها.

( نزل صلى الله عليه وسلم في السفل، وأبو أيوب في العلو) العلو بضم العين وكسرها مع سكون اللام، من كل شيء أرفعه، أما العلو بضم العين واللام مع تشديد الواو فهو العظمة والتبختر.

( فانتبه أبو أيوب ليلة) أي انتبه من غفلة، وليس من النوم.

( نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) الكلام على الاستفهام الإنكاري التوبيخي، وهو نفي الانبغاء، أي ما كان ينبغي، أو ما ينبغي.

( فتنحوا، فباتوا في جانب) أي تنحوا عن سقف يقيم صلى الله عليه وسلم تحته، إلى جانب آخر من البيت لا يقيم تحته.

( لا أعلو سقيفة أنت تحتها) السقيفة الظلة.

( فتحول النبي صلى الله عليه وسلم في العلو، وأبو أيوب في السفل) السفل والعلو بضم أولهما وكسره مع سكون ثانيهما، لغتان.

( إني أكره ما تكره) هذا من أوصاف المحق الصادق، أن يحب ما يحب محبوبه، ويكره ما يكره.

( فيتتبع موضع أصابعه) أي يبحث عن موضع أصابعه صلى الله عليه وسلم، فيأكل من مواضعها تبركاً.

( فقيل له: لم يأكل، ففزع) لخوفه أن يكون حدث منه أمر أوجب الامتناع من طعامه.

( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى) بضم الياء وسكون الهمزة وفتح الياء، أي يأتيه الوحي، فلا يناجي الوحي إلا بريح طيب.

فقه الحديث

يؤخذ من هذه الأحاديث:

1- من الرواية الأولى من قول شعبة، ما كان عليه الرواة من الدقة في الرواية.

2- وأن الشراب ونحوه يدار على اليمين.

3- واستحباب طلب الدعاء من الفاضل.

4- ودعاء الضيف للمضيف بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة، وقد جمع صلى الله عليه وسلم في دعائه خيرات الدنيا والآخرة.

5- ومن الرواية الثانية جواز أكل القثاء بالرطب.

6- وجواز أكل طعامين معاً.

7- قال القرطبي: يؤخذ منه جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها، واستعمالها على الوجه اللائق بها، على قاعدة الطب.

8- وفيه التوسع في الأطعمة، قال النووي: ولا خلاف بين العلماء في جواز هذا، وما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمحمول على كراهة اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية.
اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: وأما ما ورد عن عمر وغيره من السلف من إيثار أكل غير اللحم على اللحم فإما لقمع النفس عن تعاطي الشهوات، والإدمان عليها، وإما لكراهة الإسراف، والإسراع في تبذير المال، لقلة الشيء عندهم إذ ذاك.

والحق أن التوسع في الطعام أمر نسبي، لا يلحقه لوم أو كراهة إلا إذا زاد عن الحد والمستوى، ودخل في دائرة الإسراف أو التبذير، يؤكد ذلك قوله تعالى: { { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } } [الأعراف: 32] ؟ وحديث إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

9- وعن الرواية الثالثة والرابعة جواز الأكل مقعياً محتفزاً، وقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني لا آكل متكئاً واختلف في صفة الاتكاء، فقيل: أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان، وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد الشقين، ويتعلل هذا التفسير -على مذهب الطب- بأنه لا ينحدر الطعام في مجاريه سهلاً، ولا يساغ هنيئاً، وربما تأذى به.

قال الخطابي: تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه، وليس كذلك، بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، قال: ومعنى الحديث: إني لا أقعد متكئاً على الوطاء عند الأكل، فعل من يستكثر من الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد، فلذلك أقعد مستوفزاً.
اهـ وأخرج ابن عدي بسند ضعيف زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل وأخرج ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي، قال: كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة، مخافة أن تعظم بطونهم.

وقال البيهقي: إن الأكل متكئاً من فعل المتعظمين، وأصله مأخوذ من ملوك العجم اهـ

ويرشح هذا القول ما رواه ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن، عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: أهديت النبي صلى الله عليه وسلم شاة، فجثا على ركبتيه يأكل، فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: إن الله جعلني عبداًَ كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً قال ابن بطال: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعاً لله، ثم ذكر حديثاً مرسلاً أو معضلاً عن الزهري، وصل النسائي نحوه، ولفظه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك، لم يأته قبلها، فقال: إن ربك يخيرك بين أن تكون عبداً نبياً، أو ملكاً نبياً، قال: فنظر إلى جبريل، كالمستشير له، فأومأ إليه أن تواضع، فقال: بل عبداً نبياً، قال: فما أكل متكئاً.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز الأكل متكئاً مطلقاً.

قال الحافظ ابن حجر: وإذا ثبت كونه مكروهاً، أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب الرجل اليمنى، ويجلس على اليسرى.
اهـ وأميل إلى أن الآكل لا يتقيد بهيئة خاصة، بل يجلس أو يقف كيفما تيسر له، وكيفما يختار العرف، ما لم يكن في هيئته ضرر صحي يقره الأطباء العدول، وما لم يكن في مظهره كبر يحكم به العرف، وما لم يكن في هيئته سوء أدب أو أذى للغير.
والله أعلم.

10- ومن قوله في الرواية الرابعة أكلاً حثيثاًً أنه يجوز أن يسرع الإنسان في الأكل، ليلحق بشغل آخر، على أن لا يكون في ذلك إيذاء لمن معه، وأن يكون لغرض يقره الشرع.

11- ومن الرواية الخامسة النهي عن قرن تمرتين عند الأكل، وكذا الرطب والزبيب والعنب ونحوها، ومثله جمع لقمتين، أو تكبير اللقمة، وذلك لأنه من مظاهر الشره وفيه إيذاء للشركاء في الأكل، قال النووي: واختلفوا في أن هذا النهي على التحريم، أو الكراهة والأدب، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم، وعن غيرهم أنه للكراهة والأدب، والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل الرضا بتصريحهم به، أو بما يقوم مقام التصريح، من قرينة حال، أو إدلال عليهم كلهم: بحيث يعلم يقيناً أو ظناً قوياً أنهم يرضون به، ومتى شك في رضاهم فهو حرام، وإن كان الطعام لغيرهم، أو لأحدهم اشترط رضاه وحده، فإن قرن بغير رضاه فحرام، ويستحب أن يستأذن الآكلين معه، ولا يجب، وإن كان الطعام لنفسه، وقد ضيفهم به، فلا يحرم عليه القران، ثم إن كان في الطعام قلة فحسن ألا يقرن، لتساويهم، وإن كان كثيراً بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقاً التأني في الأكل، وترك الشره، إلا أن يكون مستعجلاً -استعجالاً مشروعاً- قال: وقال الخطابي: إنما كان هذا في زمنهم، وحين كان الطعام ضيقاً، فأما اليوم -مع اتساع الحال- فلا حاجة إلى الإذن، وليس كما قال، بل الصواب ما ذكرنا من التفصيل، فإن الاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، لو ثبت السبب، كيف وهو غير ثابت.
اهـ

وظاهر كلام النووي وكلام الخطابي أن الهدف من هذا النهي رفع الغبن عن الشركاء في الأكل، ومفهومه أنه لو أكل وحده من ملكه لا يدخل في هذا النهي، وسياق روايتنا الخامسة يوحي بهذا الهدف، وعلل هذا بأنهم في ملكهم لهذا الطعام سواء، ولا يجوز أن يستأثر أحد بمال غيره إلا بإذنه، وإنما تقع المكارمة في ذلك إذا قامت قرينة الرضا، وقال مالك: ليس بجميل أن يأكل أكثر من رفقته وهو متعقب بأن الناس يختلفون في مقدار الأكل، وفي الاحتياج إلى التناول من الشيء، ولو حمل الأمر على التساوي لضاق، ولما ساغ لمن لا يكفيه اليسير أن يتناول أكثر من نصيب من يشبعه اليسير، والعرف في هذا مبني على المسامحة، لا على المشاحة، ومن العلماء من قرر أن الهدف من هذا النهي البعد عن مظاهر الشره، قال ابن الأثير في النهاية: إنما وقع النهي عن القران لأن فيه شرهاً، وذلك يزري بصاحبه، وذكر أبو موسى المديني عن عائشة وجابر استقباح القران، لما فيه من الشره والطمع المزري بصاحبه.

ونميل إلى أنهما علتان للنهي، كل منهما كافية للمنع.
والله أعلم.

12- ومن الرواية السابعة والثامنة فضيلة التمر.

13- وجواز الادخار للعيال، والحث عليه.

14- ومن الرواية التاسعة والعاشرة والحادية عشرة: فضيلة تمر المدينة وعجوتها، قال الخطابي: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة، لا لخاصية في التمر، وقال ابن التين: يحتمل أن يكون المراد نخلاً خاصاً بالمدينة، لا يعرف الآن، ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بزمانه صلى الله عليه وسلم، أو خاصاً بأغلب أهل زمانه.
وقال القرطبي ظاهر الأحاديث خصوصية عجوة المدينة بدفع السم وإبطال السحر، وهو من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني.

15- وفضيلة التصبح بسبع تمرات.
قال النووي: وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها، واعتقاد فضلها، والحكمة فيها، وهذا كأعداد الصلوات، ونصب الزكاة وغيرها.
فهذا هو الصواب في هذا الحديث، وأما ما ذكره المازري والقاضي عياض فيه، فكلام باطل، فلا تلتفت إليه، ولا تعرج عليه، وقصدت بهذا التنبيه التحذير من الاغترار به.
اهـ والنووي يشير إلى قول المازري عن سبع تمرات المدينة: هذا مما لا يعقل معناه في طريقة علم الطب، ولو صح أن يخرج لمنفعة التمر في السم وجه من جهة الطب لم يقدر على إظهار وجه الاقتصار على هذا العدد الذي هو السبع، ولا على الاقتصار على هذا الجنس الذي هو العجوة، ولعل ذلك كان لأهل زمانه صلى الله عليه وسلم خاصة، أو لأكثرهم، إذا لم يثبت وقوع الشفاء في زماننا غالباً، وإن وجد ذلك في الأكثر حمل على أنه أراد وصف غالب الحال.
اهـ والتحقيق أن هذا القول لا يخرج عما ذكره النووي، وليس فيه ما يستدعي الإبطال، وأما ما يشير إليه من كلام القاضي عياض فهو قوله: تخصيصه ذلك بعجوة المدينة والعالية يرفع الإشكال، ويكون خصوصاً لها، كما وجد الشفاء لبعض الأدواء في الأدوية التي تكون في بعض تلك البلاد، دون ذلك الجنس في غيره، لتأثير يكون في ذلك من الأرض أو الهواء، وأما تخصيص هذا العدد فلجمعه بين الإفراد والإشفاع، لأنه زاد على نصف العشرة، وفيه إشفاع ثلاثة [وهي اثنان وأربعة وستة] وإيتار أربعة [وهي واحد وثلاثة وخمسة وسبعة] وهي من نمط غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، وقوله تعالى: { { سبع سنابل } } [البقرة: 261] وكما أن السبعين مبالغة في كثرة العشرات، والسبعمائة مبالغة في كثرة المئين.
اهـ

16- ومن الرواية الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة فضيلة الكمأة.

17- ومن الرواية الخامسة عشرة فضيلة رعاية الغنم.
قال النووي: قالوا: والحكمة في رعاية الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- لها، ليأخذوا أنفسهم بالتواضع، وتصفى قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالهداية والشفقة.

18- وفيها إباحة أكل تمر الشجر الذي لا يملك، قال ابن بطال: كان هذا في أوائل الإسلام، عند عدم الأقوات، فإذ قد أغنى الله عباده بالحنطة والحبوب الكثيرة وسعة الرزق فلا حاجة بهم إلى تمر الأراك.
قال الحافظ ابن حجر: إن أراد بهذا الكلام الإشارة إلى كراهة تناوله فليس بمسلم، ولا يلزم من وجود ما ذكر منع ما أبيح بغير ثمن، بل كثير من أهل الورع لهم رغبة في مثل هذه المباحات، أكثر من تناول ما يشترى.

19- ومن الرواية السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة فضيلة الخل.

20- وأنه يسمى إداماً، وأنه أدم فاضل.

21- واستحباب الحديث على الأكل، تأنيساً للآكلين.

22- قال الخطابي والقاضي عياض: فيه مدح الاقتصار في المأكل، ومنع النفس، من ملاذ الأطعمة، إذ المعنى: ائتدموا بالخل، وما في معناه، مما يخف مؤنته، ولا يعز وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين، مسقمة للبدن.
قال النووي: والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم، وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخرى.
والله أعلم.

23- ومن الرواية الثامنة عشرة والتاسعة عشرة جواز أخذ الإنسان بيد صاحبه في تماشيهما.

24- ومنقبة لجابر ( رضي الله عنه) .

25- واستحباب مواساة الحاضرين على الطعام، وأنه يستحب أن يجعل الخبز ونحوه بين أيديهم بالسوية.

26- وأنه لا بأس بوضع الأرغفة والأقراص صحاحاً، غير مكسورة.

27- ومن حديث أبي أيوب روايتنا المتمة للعشرين والواحدة والعشرين إشارة إلى حكم أكل الثوم، وقد روى البخاري ومسلم من أكل من هذه الشجرة -يعني الثوم- فلا يأتين المساجد أو فلا يقربن مسجدنا أو فلا يغشانا في مساجدنا أو فلا يقربنا أو فلا يصلين معنا وزاد في رواية حتى يذهب ريحها والكلام في هذه المسألة يتشعب إلى شعب:

( أ) حكم أكل الثوم ونحوه، وعلاقته بصلاة الجماعة.

( ب) علاقته بالمساجد ونحوها.

( ج) النيئ والمطبوخ وملحقات الثوم في الحكم.

( د) حكم أكله بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.

( هـ) حكمة هذا التشريع، أو علته.

( أ) أما عن الشعبة الأولى فيقول النووي: هذا النهي إنما هو عن حضور المسجد، لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما، فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به، وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها، لأنها تمنع حضور الجماعة، وحضور الجماعة عندهم فرض عين، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في روايتنا المتتمة للعشرين والواحدة والعشرين أحرام هو؟ قال: لا وفي بعض روايات البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب: كل فإني أناجي من لا تناجي اهـ وقال ابن دقيق العيد: اللازم أحد أمرين: إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحاً، فتكون صلاة الجماعة ليست فرض عين، أو يكون أكلها حراماً، فتكون صلاة الجماعة فرضاً، وجمهور الأمة على إباحة أكلها، فيلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين، وتقديره أن يقال أكل هذه الأمور جائز، ومن لوازمه ترك صلاة الجماعة، وترك الجماعة في حق آكلها جائز، ولازم الجائز جائز، وذلك ينافي الوجوب.

وأهل الظاهر يقولون: صلاة الجماعة فرض عين، ولا تتم إلا بترك أكل هذه الأمور، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فترك أكلها واجب، فيكون حراماً.

لكن ابن حزم -وهو من أئمة الظاهرية- صرح بأن أكلها حلال، مع قوله بأن الجماعة فرض عين، وتخلص عن اللزوم المذكور بأن المنع من أكلها مختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة، ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر، وهو في أصله مباح، لكن يحرم على من أنشأه بعد سماع النداء.

وقال الخطابي: توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لآكله على فعله، إذ حرم فضل الجماعة.

( ب) ومن الروايات التي ذكرناها يبدو ارتباط أكل الثوم بالمسجد، قال النووي: وهذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهذا مذهب العلماء كافة، إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات مسلم فلا يقربن مسجدنا وحجة الجمهور رواية فلا يقربن المساجد ويوجه الجمهور رواية مسجدنا بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد المكان الذي أعد ليصلي فيه مدة إقامته، عند توجهه إلى خيبر، أو عند عودته منها إلى المدينة وقتما قال هذا القول، أو المراد بالمسجد الجنس، والإضافة إلى المسلمين، أي فلا يقربن مسجد المسلمين.

وقد روى البخاري من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا قال الحافظ ابن حجر: ليس في هذا تقييد النهي بالمسجد، فيستدل بعمومه على إلحاق المجامع بالمساجد، كمصلى العيد، والجنازة، ومكان الوليمة، وقد ألحقها بعضهم بالقياس، لكن التمسك بهذا العموم أولى، ويؤكده قوله في بعض الروايات وليقعد في بيته.

( ج) وقد روى البخاري أن الراوي قيد النهي عن أكل الثوم بالنيئ منه، غير المطبوخ، وقد روى مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب في أواخر أيامه، فقال: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين، لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً أي فليمت رائحتهما بالطبخ، ليكسر قوتهما وحدتهما.
وقد يطلق النيئ على ما هو أعم من ذلك، وهو ما لم ينضج، فيدخل فيه ما طبخ قليلاًً، ولم يبلغ النضج، لكن ظاهر حديث أبي أيوب أن الثوم كان مطبوخا، وامتنع منه صلى الله عليه وسلم، فقيل: إنه لم يكن تام النضج، ظاهر الرائحة، ورد هذا بأنه صلى الله عليه وسلم قال لغيره: كل.
فلو كان نيئاً لم يأمر بأكله من سيحضر الجماعات.
قال الحافظ ابن حجر: ولا تعارض بين امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخاً، وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخاًً، فقد علل ذلك بقوله إني لست كأحد منكم وترجم ابن خزيمة على حديث أبي أيوب: ذكر ما خص الله نبيه به، من ترك أكل الثوم ونحوه مطبوخاً.

ويلحق بالثوم في حكم النهي عن أكله البصلة والكراث، فعند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكرات وفي الطبراني الصغير التنصيص على ذكر الفجل في الحديث، وعن مالك: الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم، وقيده القاضي عياض بالجشاء.

وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر، أو به جرح له رائحة، وألحق بعض الشافعية المجذوم بآكل الثوم في المنع من المسجد، وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع ذات الروائح الكريهة كالسماك وأصحاب العاهات، ومن يؤذي الناس بلسانه أو بحركاته، وأشار ابن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرض.

( د) وأما عن الشعبة الرابعة فيقول النووي: وقد اختلف أصحابنا في الثوم.
هل كان حراماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كان يتركه تنزهاً؟.
اهـ احتج القائلون بالتحريم بقوله صلى الله عليه وسلم فإني أناجي من لا تناجي فالعلة في المنع ملازمة الملك له صلى الله عليه وسلم، وما من ساعة إلا وملك يمكن أن يلقاه فيها، واحتج القائلون بالكراهة -وهو الأصح- بقوله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم- أيها الناس، إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها؟ وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب، روايتنا الواحدة والعشرين، حين قال له أبو أيوب: أحرام هو؟ قال لا.
ولكني أكرهه ومن قال بالتحريم يقول: المراد ليس لي أن أحرم على أمتي ما أحل الله لها، ويقول: أحرام هو علينا؟ قال: لا، أي ليس حراماً عليكم.
وهو تأويل بعيد.

( هـ) والحكمة في النهي عن الثوم ونحوه عند الجماعات حماية الجماعة من التأذي بالرائحة الكريهة، وهذا ظاهر من قوله فيعتزلنا وفلا يقربن مسجدنا وليقعد في بيته وقيل: كراهة تأذي الملائكة، فقد روى مسلم من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

والتعليل الأول أصح، فإن بعض الملائكة يلازم ابن آدم حين يأكل الثوم، وحين يعده للطهي.
والله أعلم.

28- ويؤخذ أيضاً من حديث أبي أيوب من قوله كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه، وبعث بفضله إلي أنه يستحب للآكل والشارب أن يفضل مما يأكل ويشرب، فضلة يواسي بها من بعده، لاسيما إن كان ممن يتبرك بفضلته، وكذا إذا كان في الطعام قلة، ولهم إليه حاجة، ويتأكد هذا في حق الضيف، لاسيما إذا كانت عادة أهل الطعام أن يخرجوا كل ما عندهم، وتنتظر عيالهم الفضلة، كما يفعله كثير من الناس، ونقلوا أن السلف كانوا يستحبون إفضال هذه الفضلة المذكورة.
قاله النووي.

29- وفيه منقبة عظيمة لأبي أيوب الأنصاري، حيث نزل صلى الله عليه وسلم عنده.

30- وأدب أبي أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث نزل إلى السفل، ووافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك أكل الثوم.

31- وفيه إجلال أهل الفضل، والمبالغة في الأدب معهم.

32- وفيه التبرك بآثار أهل الخير في الطعام وغيره.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب نَهْيِ الْآكِلِ مَعَ جَمَاعَةٍ عَنْ قِرَانِ تَمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فِي لُقْمَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهِ
[ سـ :3924 ... بـ :2045]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ جَبَلَةَ بْنَ سُحَيْمٍ قَالَ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ قَالَ وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ وَكُنَّا نَأْكُلُ فَيَمُرُّ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ وَنَحْنُ نَأْكُلُ فَيَقُولُ لَا تُقَارِنُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَالَ شُعْبَةُ لَا أُرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلَّا مِنْ كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ يَعْنِي الِاسْتِئْذَانَ وَحَدَّثَنَاه عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا قَوْلُ شُعْبَةَ وَلَا قَوْلُهُ وَقَدْ كَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ جَهْدٌ
فِيهِ : شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْزُقُنَا التَّمْرَ وَكَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَوْمئِذٍ جَهْدٌ فَكُنَّا نَأْكُلُ ، فَيَمُرُّ عَلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَحْنُ نَأْكُلُ فَيَقُولُ : لَا تُقَارِنُوا ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ ، قَالَ شُعْبَةُ : لَا أَرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلَّا مِنْ كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعْنِي الِاسْتِئْذَانَ ) .

وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَبَلَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ ) .
هَذَا النَّهْيُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمْ ، فَإِذَا أَذِنُوا فَلَا بَأْسَ .

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ ؟ فَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ ، وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ ، وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَالْقِرَانُ حَرَامٌ إِلَّا بِرِضَاهُمْ ، وَيَحْصُلُ الرِّضَا بِتَصْرِيحِهِمْ بِهِ ، أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ مِنْ قَرِينَةِ حَالٍ أَوْ إِدْلَالٍ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِهِ ، وَمَتَى شَكَّ فِي رِضَاهُمْ فَهُوَ حَرَامٌ ، وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لِأَحَدِهِمُ اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَحْدَهُ ، فَإِنْ قَرَنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَحَرَامٌ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْآكِلِينَ مَعَهُ وَلَا يَجِبُ .

وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ ضَيَّفَهُمْ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَانُ ، ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ فَحَسَنٌ أَلَّا يَقْرِنَ لِتَسَاوِيهِمْ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ فَلَا بَأْسَ بِقِرَانِهِ ، لَكِنِ الْأَدَبُ مُطْلَقًا : التَّأَدُّبُ فِي الْأَكْلِ وَتَرْكِ الشَّرَهِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْجِلًا ، وَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِشُغْلٍ آخَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ ،.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زَمَنِهِمْ ، وَحِينَ كَانَ الطَّعَامُ ضَيِّقًا ، فَأَمَّا الْيَوْمَ مَعَ اتِّسَاعِ الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِذْنِ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، بَلِ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّفْصِيلِ ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ ، لَوْ ثَبَتَ السَّبَبُ ، كَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : ( أَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ ) يَعْنِي قِلَّةً وَحَاجَةً وَمَشَقَّةً .

وَقَوْلُهُ : ( يَقْرِنُ ) أَيْ يَجْمَعُ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ .

وَقَوْلُهُ : ( نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ، وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ الْقِرَانُ ، يُقَالُ : قَرَنَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ ، قَالُوا : وَلَا يُقَالُ : أَقْرَنَ .

وَقَوْلُهُ : ( قَالَ شُعْبَةُ : لَا أَرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلَّا مِنْ كَلِمَةِ ابْنِ عُمَرَ ) يَعْنِي بِالْكَلِمَةِ الْكَلَامَ ، وَهُوَ شَائِعٌ مَعْرُوفٌ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شُعْبَةُ لَا يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الِاسْتِئْذَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ نَفَاهُ بِظَنٍّ وَحُسْبَانٍ ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ سُفْيَانُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَثَبَتَ .

بَابٌ فِي ادِّخَارِ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ فِيهِ قَوْلُهُ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ) : " لَا يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ " وَفِي الرِّوَايةِ الْأُخْرَى : " بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ " .
فِيهِ فَضِيلَةُ التَّمْرِ ، وَجَوَازُ الِادِّخَارِ لِلْعِيَالِ ، وَالْحَثُ عَلَيْهِ .

وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلَاءَ عَنْ أَبِي الرَّجَالِ مُحَمُّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِمْ عَائِشَةَ .
أَمَّا طَحْلَاءُ فَبِفَتْحِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ ،.

وَأَمَّا أَبُو الرِّجَالِ فَلَقَبٌ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ رِجَالٍ ، وَأُمُّهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ .