هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
395 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ : لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ، قَالُوا : صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَثَنَى رِجْلَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ، قَالَ : إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال إبراهيم : لا أدري زاد أو نقص فلما سلم قيل له : يا رسول الله ، أحدث في الصلاة شيء ؟ قال : وما ذاك ، قالوا : صليت كذا وكذا ، فثنى رجليه ، واستقبل القبلة ، وسجد سجدتين ، ثم سلم ، فلما أقبل علينا بوجهه ، قال : إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به ، ولكن إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ، وإذا شك أحدكم في صلاته ، فليتحر الصواب فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم يسجد سجدتين
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إِبْرَاهِيمُ : لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ ؟ قَالَ : وَمَا ذَاكَ ، قَالُوا : صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا ، فَثَنَى رِجْلَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ ، قَالَ : إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي ، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ .

Narrated `Abdullah:

The Prophet (ﷺ) prayed (and the sub-narrator Ibrahim said, I do not know whether he prayed more or less than usual), and when he had finished the prayers he was asked, O Allah's Messenger (ﷺ)! Has there been any change in the prayers? He said, What is it?' The people said, You have prayed so much and so much. So the Prophet (ﷺ) bent his legs, faced the Qibla and performed two prostration's (of Sahu) and finished his prayers with Taslim (by turning his face to right and left saying: 'As-Salamu `Alaikum- Warahmat-ullah'). When he turned his face to us he said, If there had been anything changed in the prayer, surely I would have informed you but I am a human being like you and liable to forget like you. So if I forget remind me and if anyone of you is doubtful about his prayer, he should follow what he thinks to be correct and complete his prayer accordingly and finish it and do two prostrations (of Sahu).

0401 Alqama dit : Abd-ul-Lâh a dit : Une fois, le Prophète fit une prière (Ibrahim : Je ne sais pas si le nombre de ra’ka était de plus ou de moins) et après le teslim, on lui dit : « O Messager de Dieu ! est-il arrivé quelque chose pendant la prière ? » « Mais pour quelle raison dites-vous cela ?« , demanda le Prophète, « Tu viens de prier tant et tant de ra’ka. » Sur ce, le Prophète ploya les jambes, se tourna de nouveau du côté de la qibla, fit deux prosternations et prononça enfin le teslim. Après quoi, il nous redonna du visage et dit : « S’il était arrivé quelque chose pendants la prière, je vous l’aurais aussitôt dite. Toutefois, je ne suis qu’un être humain comme vous : j’oublie comme vous oubliez. Si cela arrive, rappelez-le-moi ! D’autre part, si l’un de vous doute de sa prière durant cette dernière, qu’il fasse de son effort pour se rappeler de ce qui a été parfaitement accompli puis complète sa prière, fasse le teslim avant de faire deux prosternations.«   

":"ہم سے عثمان بن ابی شیبہ نے بیان کیا ، کہا ہم سے جریر نے منصور کے واسطے سے ، انھوں نے ابراہیم سے ، انھوں نے علقمہ سے ، کہ عبداللہ بن مسعود رضی اللہ عنہما نے فرمایا کہنبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے نماز پڑھائی ۔ ابراہیم نے کہا مجھے نہیں معلوم کہ نماز میں زیادتی ہوئی یا کمی ۔ پھر جب آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے سلام پھیرا تو آپ صلی اللہ علیہ وسلم سے کہا گیا کہ یا رسول اللہ ! کیا نماز میں کوئی نیا حکم آیا ہے ؟ آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا آخر کیا بات ہے ؟ لوگوں نے کہا آپ نے اتنی اتنی رکعتیں پڑھی ہیں ۔ یہ سن کر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے اپنے دونوں پاؤں پھیرے اور قبلہ کی طرف منہ کر لیا اور ( سہو کے ) دو سجدے کئے اور سلام پھیرا ۔ پھر ہماری طرف متوجہ ہوئے اور فرمایا کہ اگر نماز میں کوئی نیا حکم نازل ہوا ہوتا تو میں تمہیں پہلے ہی ضرور کہہ دیتا لیکن میں تو تمہارے ہی جیسا آدمی ہوں ، جس طرح تم بھولتے ہو میں بھی بھول جاتا ہوں ۔ اس لیے جب میں بھول جایا کروں تو تم مجھے یاد دلایا کرو اور اگر کسی کو نماز میں شک ہو جائے تو اس وقت ٹھیک بات سوچ لے اور اسی کے مطابق نماز پوری کرے پھر سلام پھیر کر دو سجدے ( سہو کے ) کر لے ۔

0401 Alqama dit : Abd-ul-Lâh a dit : Une fois, le Prophète fit une prière (Ibrahim : Je ne sais pas si le nombre de ra’ka était de plus ou de moins) et après le teslim, on lui dit : « O Messager de Dieu ! est-il arrivé quelque chose pendant la prière ? » « Mais pour quelle raison dites-vous cela ?« , demanda le Prophète, « Tu viens de prier tant et tant de ra’ka. » Sur ce, le Prophète ploya les jambes, se tourna de nouveau du côté de la qibla, fit deux prosternations et prononça enfin le teslim. Après quoi, il nous redonna du visage et dit : « S’il était arrivé quelque chose pendants la prière, je vous l’aurais aussitôt dite. Toutefois, je ne suis qu’un être humain comme vous : j’oublie comme vous oubliez. Si cela arrive, rappelez-le-moi ! D’autre part, si l’un de vous doute de sa prière durant cette dernière, qu’il fasse de son effort pour se rappeler de ce qui a été parfaitement accompli puis complète sa prière, fasse le teslim avant de faire deux prosternations.«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [401] قَوْله عَن مَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَإِبْرَاهِيم هُوَ بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ غَيْرُهُ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ إِبْرَاهِيمُ أَيِ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ شَكَّ فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ الْمَذْكُورِ هَلْ كَانَ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى خَمْسًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالزِّيَادَةِ فَلَعَلَّهُ شَكَّ لَمَّا حَدَّثَ مَنْصُورًا وَتَيَقَّنَ لَمَّا حَدَّثَ الْحَكَمَ وَقَدْ تَابَعَ الْحَكَمُ عَلَى ذَلِكَ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ وَطَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ وَغَيْرَهُمَا وَعَيَّنَ فِي رِوَايَةِ الْحَكَمِ أَيْضًا وَحَمَّادٍ أَنَّهَا الظُّهْرُ وَوَقَعَ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  أَحَدَثَ بِفَتَحَاتٍ وَمَعْنَاهُ السُّؤَالُ عَنْ حُدُوثِ شَيْءٍ مِنَ الْوَحْيِ يُوجِبُ تَغْيِيرَ حُكْمِ الصَّلَاةِ عَمَّا عَهِدُوهُ وَدَلَّ اسْتِفْهَامُهُمْ عَنْ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّعُونَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ وَمَا ذَاكَ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شُعُورٌ مِمَّا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ السَّهْوِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْأَفْعَال قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالنُّظَّارِ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ السَّهْوُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ وَلِقَوْلِهِ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي أَيْ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ وَفِي قَوْلِهِ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهَ فَثَنَى رِجْلَهُ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ رِجْلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ تَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى رُجُوعِ الْإِمَامِ إِلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَذَكَّرَ عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَوْ أَنَّ سُؤَالَهُمْ أَحْدَثَ عِنْدَهُ شَكًّا فَسَجَدَ لِوُجُودِ الشَّكِّ الَّذِي طَرَأَ لَا لِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ فَلْيَقْصِدْ وَالْمُرَادُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا مَعَ بَقِيَّةِ مَبَاحِثِهِ فِي أَبْوَابِ السَّهْوِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ) أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ إِذا تبين خَطؤُهُ فروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا تَجِبُ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يُعِيدُ إِذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ مُطْلَقًا وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْأَوَّلِينَ لَكِنْ قَالَ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ لَكِنَّ .

     قَوْلُهُ  وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ لَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْصُولًا لَكِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ أبي سُفْيَان مولى بن أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة وَوهم بن التِّينِ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ طرف من حَدِيث بن مَسْعُود الْمَاضِي لِأَن حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَمُنَاسَبَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى الصَّلَاةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ اسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةَ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ سَاهِيًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [401] حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَىْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا.
فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ.
فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَىْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ».
[الحديث أطرافه في: 404، 1226، 6671، 7249] .
وبه قال: ( حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة ( قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن إبراهيم) بن يزيد النخعي ( عن علقمة) بن قيس النخعي ( قال) : ( قال عبد الله) بن مسعود ولأبي ذر عن عبد الله لكنه ضبب عليه في الفرع ( صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الظهر أو العصر ( قال إبراهيم) النخعي: ( لا أدري زاد) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاته، ولابن عساكر: أزاد بالهمزة ( أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث) بهمزة الاستفهام وفتح الحاء والدال أي أوقع ( في الصلاة شيء) من الوحي يوجب تغييرها بزيادة أو نقص؟ ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( وما ذاك) سؤال مَن لم يشعر بما وقع منه، ( قالوا: صلّيت كذا وكذا) كناية عمّا وقع أما زائد على المعهود أو ناقص عنه، ( فثنى) عليه الصلاة والسلام بتخفيف النون أي عطف ( رجله) بالأفراد بأن جلس كهيئة قعود المتشهد، وللكشميهني والأصيلي رجليه بالتثنية ( واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم) لم يكن سجوده عليه الصلاة والسلام عملاً بقولهم، لأن المصلّي لا يرجع إلى قول غيره، بل لما سألهم بقوله: وما ذاك تذكر فسجد أو أن قول السائل: أحدث شكًّا فسجد لحصول الشك الذي طرأ له لا لمجرّد إخبارهم، ( فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبّأتكم) أي لأخبرتكم ( به) أي بالحدوث وحذف لدلالة قوله لو حدث في الصلاة، واللام في لنبأتكم لام الجواب، ومفعوله الأول ضمير المخاطبين، والثاني به، والثالث محذوف، وفيه أنه كان يجب عليه تبليغ الأحكام إلى الأمة، ( ولكن إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الاطّلاع على بواطن المخاطبين لا بالنسبة إلى كل شيء ( أنسى كما تنسون) بهمزة مفتوحة وسين مخفّفة.
قال الزركشي: ومن قيده بضم أوّله وتشديد ثالثه لم يناسب التشبيه، ( فإذا نسيتُ فذكروني) في الصلاة بالتسبيح ونحوه، ( وإذا شك أحدكم) بأن استوى عنده طرفا العلم والجهل ( في صلاته فليتحرّ الصواب) أي فليجتهد وعن الشافعي فليقصد الصواب أي: فليأخذ باليقين وهو البناء على الأقل.
وقال أبو حنيفة: معناه البناء على غالب الظن.
ولا يلزم بالاقتصار على الأقل، ولمسلم فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب ( فليتم) بناءً ( عليه ثم يسلم) وجوبًا ( ثم يسجد) للسهو أي ندبًا ( سجدتين) لا واحدة كالتلاوة وعبّر بلفظ الخبر في هذين الفعلين، وبلفظ الأمر في السابقين وهما: فليتحرّ وليتم لأنهما كانا ثابتين يومئذ بخلاف التحرّي والإتمام، فإنهما ثبتا بهذا الأمر، ولأبى ذر: يسلم بغير لام الأمر، وللأصيلي وليسجد بلام الأمر وهو محمول على الندب وعليه الإجماع في المسألتين.
ودلالة الحديث على الترجمة منقوله فثنى رجليه واستقبل القبلة.
واستنبط منه جواز النسخ عند الصحابة وأنهم كانوا يتوقعونه، وعلى جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال وعليه عامّة العلماء والنظّار كما قاله الشيخ تقي الدين.
ورواته الستة كلهم كوفيون أئمة أجلاء، وإسناده من أصحّ الأسانيد، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في النذور ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة.
ولما فرغ المؤلّف من حكم التوجّه إلى القبلة شرع يذكر حكم مَن سها فصلّى إلى غير القبلة فقال: 32 - باب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لاَ يَرَى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكْعَتَىِ الظُّهْرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ.
( باب ما جاء في القبلة) غير ما ذكر ( ومن لا يرى الإعادة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ومن لم يرَ الإعادة ( على من سها فصلّى إلى غير القبلة) الفاء تفسيرية لأنه تفسير لقوله سها قاله البرماوي كالكرماني وتعقبه العيني فقال فيه بعد، والأولى أن تكون للسببية كقوله تعالى: { فتصبح الأرض مخضرّة} [الحج: 63] وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا صلّى به فتيقن الخطأ في الجهة في الوقت أو بعده فإنه يقضي على الأظهر، والثاني لا يجب القضاء لعذره بالاجتهاد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي والثوري، لأن جهة تحرّيه هي التي خوطب باستقبالها حالة الاشتباه فأتى بالواجب عليه فلا يعيدها، وقال المالكية يعيد في الوقت المختار وهو مذهب المدوّنة، وقال أبو الحسن المرداوي من الحنابلة في تنقيح المقنع: ومَن صلّى بالاجتهاد سفرًا فأخطأ لم يعد.
أهـ.
فلو تيقن الخطأ في الصلاة وجب استئنافها عند الشافعية والمالكية ويستدير إلى جهة القبلة ويبني على ما مضى عند الحنفية وهو قول للشافعية، لأن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة استداروا في الصلاة إليها.
( وقد سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ركعتي الظهر) وللأصيلي ركعتين من الظهر ( وأقبل على الناس بوجهه) الشريف، ( ثم أتمّ ما بقي) من الركعتين الأخيرتين.
وهذا التعليق قطعة من حديث أبي هريرة فى قصة اليدين المشهور، ووجه ذكره في الترجمة أنه عليه الصلاة والسلام بانصرافه وإقباله على الناس بوجهه بعد سلامه كان وهو عند نفسه الشريفة في غير صلاة، فلما مضى على صلاته كان وقت استدبار القبلة في حكم المصلّي، فيؤخذ منه أن من اجتهد ولم يصادف القبلة لا يعيد.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [401] حدثنا عثمان: ثنا جرير: عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قال عبد الله: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص -، فلما سلم، قيل: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال:( ( وما ذاك؟) ) قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجله، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه قال: ( ( أنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين) ) .
المقصود من هذا الحديث هاهنا: أن من سها في صلاته وسلم وهو ناس، ثم ذكر بعد سلامه، فإنه يسجد للسهو ويستقبل القبلة، فإن سجود السهو من تمام الصلاة، ولو كان بعد السلام فهو جزء من الصلاة، فيشترط له استقبال القبلة كالصلاة.
ويؤخذ من ذلك: أنه لا يسجد للتلاوة ولا للشكر إلا إلى القبلة، وهذا على قول من اعتبر الطهارة لذلك - وهم جمهور المسلمين - ظاهر، وأما من لم يعتبر الطهارة له - كما سيأتي في موضعه -، فإنه لا يوجب استقبال القبلة له - أيضا - وكذلك صلاة الجنازة.
وقد حكي أن بعض المتقدمين كان يرى أنها دعاء، فلا يشترط لها الوضوء، فقيل له: فتفعل إلى غير القبلة؟ فرجع عن قوله.
32 - باب ما جاء في القبلة، ومن لم ير الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة وقد سلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ركعتي الظهر، فأقبل على الناس بوجهه، ثم أتم ما بقي.
خرج فيه ثلاث أحاديث: الحديث الأول: قال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :395 ... غــ :401] قَوْله عَن مَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَإِبْرَاهِيم هُوَ بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ غَيْرُهُ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ إِبْرَاهِيمُ أَيِ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ شَكَّ فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ الْمَذْكُورِ هَلْ كَانَ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِهِ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى خَمْسًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالزِّيَادَةِ فَلَعَلَّهُ شَكَّ لَمَّا حَدَّثَ مَنْصُورًا وَتَيَقَّنَ لَمَّا حَدَّثَ الْحَكَمَ وَقَدْ تَابَعَ الْحَكَمُ عَلَى ذَلِكَ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ وَطَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ وَغَيْرَهُمَا وَعَيَّنَ فِي رِوَايَةِ الْحَكَمِ أَيْضًا وَحَمَّادٍ أَنَّهَا الظُّهْرُ وَوَقَعَ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  أَحَدَثَ بِفَتَحَاتٍ وَمَعْنَاهُ السُّؤَالُ عَنْ حُدُوثِ شَيْءٍ مِنَ الْوَحْيِ يُوجِبُ تَغْيِيرَ حُكْمِ الصَّلَاةِ عَمَّا عَهِدُوهُ وَدَلَّ اسْتِفْهَامُهُمْ عَنْ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّعُونَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ وَمَا ذَاكَ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شُعُورٌ مِمَّا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ السَّهْوِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْأَفْعَال قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالنُّظَّارِ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ السَّهْوُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ وَلِقَوْلِهِ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي أَيْ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ وَفِي قَوْلِهِ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهَ فَثَنَى رِجْلَهُ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ رِجْلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ تَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى رُجُوعِ الْإِمَامِ إِلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَذَكَّرَ عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَوْ أَنَّ سُؤَالَهُمْ أَحْدَثَ عِنْدَهُ شَكًّا فَسَجَدَ لِوُجُودِ الشَّكِّ الَّذِي طَرَأَ لَا لِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ فَلْيَقْصِدْ وَالْمُرَادُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا مَعَ بَقِيَّةِ مَبَاحِثِهِ فِي أَبْوَابِ السَّهْوِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :395 ... غــ :401 ]
- حدثنا عثمان: ثنا جرير: عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قال عبد الله: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص -، فلما سلم، قيل: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: ( ( وما ذاك؟) ) قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجله، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه قال: ( ( أنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين) ) .

المقصود من هذا الحديث هاهنا: أن من سها في صلاته وسلم وهو ناس، ثم ذكر بعد سلامه، فإنه يسجد للسهو ويستقبل القبلة، فإن سجود السهو من تمام الصلاة، ولو كان بعد السلام فهو جزء من الصلاة، فيشترط له استقبال القبلة كالصلاة.

ويؤخذ من ذلك: أنه لا يسجد للتلاوة ولا للشكر إلا إلى القبلة، وهذا على قول من اعتبر الطهارة لذلك - وهم جمهور المسلمين - ظاهر، وأما من لم يعتبر الطهارة له - كما سيأتي في موضعه -، فإنه لا يوجب استقبال القبلة له - أيضا - وكذلك صلاة الجنازة.

وقد حكي أن بعض المتقدمين كان يرى أنها دعاء، فلا يشترط لها الوضوء، فقيل له: فتفعل إلى غير القبلة؟ فرجع عن قوله.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :395 ... غــ : 401 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَىْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا.
فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ.
فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَىْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ».
[الحديث 401 - أطرافه في: 404، 1226، 6671، 7249] .

وبه قال: ( حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة ( قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن إبراهيم) بن يزيد النخعي ( عن علقمة) بن قيس النخعي ( قال) :
( قال عبد الله) بن مسعود ولأبي ذر عن عبد الله لكنه ضبب عليه في الفرع ( صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الظهر أو العصر ( قال إبراهيم) النخعي: ( لا أدري زاد) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاته، ولابن عساكر: أزاد بالهمزة ( أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث) بهمزة الاستفهام وفتح الحاء والدال أي أوقع ( في الصلاة شيء) من الوحي يوجب تغييرها بزيادة أو نقص؟ ( قال) عليه الصلاة والسلام: ( وما ذاك) سؤال مَن لم يشعر بما وقع منه، ( قالوا: صلّيت كذا وكذا) كناية عمّا وقع أما زائد على المعهود أو ناقص عنه، ( فثنى) عليه الصلاة والسلام بتخفيف النون أي عطف ( رجله) بالأفراد بأن
جلس كهيئة قعود المتشهد، وللكشميهني والأصيلي رجليه بالتثنية ( واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم) لم يكن سجوده عليه الصلاة والسلام عملاً بقولهم، لأن المصلّي لا يرجع إلى قول غيره، بل لما سألهم بقوله: وما ذاك تذكر فسجد أو أن قول السائل: أحدث شكًّا فسجد لحصول الشك الذي طرأ له لا لمجرّد إخبارهم، ( فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبّأتكم) أي لأخبرتكم ( به) أي بالحدوث وحذف لدلالة قوله لو حدث في الصلاة، واللام في لنبأتكم لام الجواب، ومفعوله الأول ضمير المخاطبين، والثاني به، والثالث محذوف، وفيه أنه كان يجب عليه تبليغ الأحكام إلى الأمة، ( ولكن إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الاطّلاع على بواطن المخاطبين لا بالنسبة إلى كل شيء ( أنسى كما تنسون) بهمزة مفتوحة وسين مخفّفة.
قال الزركشي: ومن قيده بضم أوّله وتشديد ثالثه لم يناسب التشبيه، ( فإذا نسيتُ فذكروني) في الصلاة بالتسبيح ونحوه، ( وإذا شك أحدكم) بأن استوى عنده طرفا العلم والجهل ( في صلاته فليتحرّ الصواب) أي فليجتهد وعن الشافعي فليقصد الصواب أي: فليأخذ باليقين وهو البناء على الأقل.
وقال أبو حنيفة: معناه البناء على غالب الظن.
ولا يلزم بالاقتصار على الأقل، ولمسلم فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب ( فليتم) بناءً ( عليه ثم يسلم) وجوبًا ( ثم يسجد) للسهو أي ندبًا ( سجدتين) لا واحدة كالتلاوة وعبّر بلفظ الخبر في هذين الفعلين، وبلفظ الأمر في السابقين وهما: فليتحرّ وليتم لأنهما كانا ثابتين يومئذ بخلاف التحرّي والإتمام، فإنهما ثبتا بهذا الأمر، ولأبى ذر: يسلم بغير لام الأمر، وللأصيلي وليسجد بلام الأمر وهو محمول على الندب وعليه الإجماع في المسألتين.

ودلالة الحديث على الترجمة من قوله فثنى رجليه واستقبل القبلة.

واستنبط منه جواز النسخ عند الصحابة وأنهم كانوا يتوقعونه، وعلى جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال وعليه عامّة العلماء والنظّار كما قاله الشيخ تقي الدين.

ورواته الستة كلهم كوفيون أئمة أجلاء، وإسناده من أصحّ الأسانيد، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في النذور ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة.

ولما فرغ المؤلّف من حكم التوجّه إلى القبلة شرع يذكر حكم مَن سها فصلّى إلى غير القبلة فقال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :395 ... غــ :401]
- حَدَّثَنَا عُثْمانُ قَالَ حدّثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهيمَ عنْ عَلْقَمَة قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلى النَّبيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَ أدْرِي زَادَ أوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسولَ اللَّهِ أحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ قالَ (وَمَا ذَاكَ) قالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاستَقْبَلَ القِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أقَبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ لإِنَّهُ لوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكنْ إِنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإذَا شكَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عليهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) .
(الحَدِيث 104 أَطْرَافه فِي: 404، 6221، 1766، 9427) .


مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَثنى رجلَيْهِ واستقبل الْقبْلَة) لِأَنَّهُ اسْتَقْبلهَا بعد أَن سلم سَلام الْخُرُوج من الصَّلَاة.

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة.
الأول: عُثْمَان بن أبي شيبَة.
الثَّانِي: جرير بن عبد الحميد.
الثَّالِث: مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر.
الرَّابِع: إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ.
الْخَامِس: عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ.
السَّادِس: عبد ابْن مَسْعُود، رَضِي اعنه.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون وأئمة إجلاء وَإِسْنَاده من أصح الْأَسَانِيد.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النذور عَن إِسْحَاق.
وَأخرجه مُسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن يحيى وَأبي كريب وَمُحَمّد بن حَاتِم وَعبد ابْن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ وَمُحَمّد بن الْمثنى وَيحيى بن يحيى.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد االمخزومي وَعَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل وَعَن سُوَيْد بن نصر وَعَن مُحَمَّد بن رَافع.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه: قَوْله: (صلى النَّبِي) هَذِه الصَّلَاة قيل: الظّهْر، وَقيل: الْعَصْر.
وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث طَلْحَة بن مصرف عَن إِبْرَاهِيم بِهِ: أَنَّهَا الْعَصْر، فنقص فِي الرَّابِعَة وَلم يجلس حَتَّى صلى الْخَامِسَة.
وَمن حَدِيث شُعْبَة عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهَا الظّهْر وَأَنه صلاهَا خمْسا.
قَوْله: (قَالَ إِبْرَاهِيم) أَي: النَّخعِيّ الْمَذْكُور.
قَوْله: (لَا أَدْرِي زَاد أَو نقص) مدرج، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَلَا أَدْرِي) ، أَي: فَلَا أعلم هَل زَاد النَّبِي فِي صلَاته أَو نقص، وَالْمَقْصُود أَن إِبْرَاهِيم شكّ فِي سَبَب سُجُود السَّهْو الْمَذْكُور، هَل كَانَ لأجل الزِّيَادَة أَو النُّقْصَان؟ وَهُوَ مُشْتَقّ من النَّقْص الْمُتَعَدِّي لَا من النُّقْصَان اللَّازِم، وَالصَّحِيح كَمَا قَالَ الْحميدِي: إِنَّه زَاد.
قَوْله: (أحدث؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، وَمَعْنَاهُ السُّؤَال عَن حُدُوث شَيْء من الْوَحْي يُوجب تَغْيِير حكم الصَّلَاة بِالزِّيَادَةِ على مَا كَانَت معهودة، أَو بِالنُّقْصَانِ عَنهُ.
قَوْله: (حدث) بِفَتْح الدَّال مَعْنَاهُ: وَقع، وَأما: حدث، بِضَم الدَّال فَلَا يسْتَعْمل فِي شَيْء من الْكَلَام إلاَّ فِي قَوْلهم: أَخَذَنِي مَا قدُم وَمَا حدُث، للازدواج.

قَوْله: (وَمَا ذَاك؟) سُؤال من لم يشْعر بِمَا وَقع مِنْهُ وَلَا يَقِين عِنْده وَلَا غَلَبَة ظن، وَهُوَ خلاف مَا عِنْدهم حَيْثُ قَالَ: صليت كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ إِخْبَار من يتَحَقَّق مَا وَقع.
وَقَوله: (كَذَا وَكَذَا) ، كِنَايَة عَمَّا وَقع إِمَّا زَائِدا على الْمَعْهُود أَو نَاقِصا.
قَوْله: (فَثنى) ، بتَخْفِيف النُّون، مُشْتَقّ من الثني أَي: عطف، وَالْمَقْصُود مِنْهُ: فَجَلَسَ كَمَا هوهيئة الْقعُود للتَّشَهُّد.
قَوْله: (رجله) بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي: (رجلَيْهِ) بالتثنية.
قَوْله: (لنبأتكم بِهِ) : لأخبرتكم بِهِ، وَهَذَا من بابُُ؛ نبأ، بتَشْديد الْبَاء، وَهُوَ مِمَّا ينصب ثَلَاثَة مفاعيل، وَكَذَلِكَ: أنبأ، منبابُ أفعل، والثلاثي: نبأ، والمصدر، النبأ، مَعْنَاهُ الْخَبَر.
تَقول نبأ وأنبأ ونبأ، أَي: أخبر، وَمِنْه أَخذ النَّبِي لِأَنَّهُ أنبأ عَن اتعالى، وللام فِيهِ لَام الْجَواب.
وتفيد التَّأْكِيد أَيْضا، وَزعم بَعضهم أَن: اللَّام، بعد: لَو، جَوَاب قسم مُقَدّر.

فَإِن قلت: أَيْن المفاعيل الثَّلَاثَة هَهُنَا؟ قلت: الأول: ضمير المخاطبين، وَالثَّانِي: الْجَار وَالْمَجْرُور، أَعنِي لَفْظَة: بِهِ، وَالضَّمِير يه يرجع إِلَى الْحُدُوث الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: (لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء) ، كَمَا فِي قَوْله: { أعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: 8) .
وَالثَّالِث: مَحْذُوف.
قَوْله: (وَلَكِن إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ) لَا نزاع أَن كلمة؛ إِنَّمَا، للحصر، لَكِن تَارَة تَقْتَضِي الْحصْر الْمُطلق، وَتارَة حصراً مَخْصُوصًا، وَيفهم ذَلِك بالقرائن والسياق، وَمعنى الْحصْر فِي الحَدِيث بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإطلاع على بوانط المخاطبين لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل شَيْء، فَإِن لرَسُول الله أوصافاً أخر كَثِيرَة.

قَوْله: (أنسى كَمَا تنسون) ، النسْيَان فِي اللُّغَة خلاف الذّكر ولحفظ، وَفِي الِاصْطِلَاح: النيسان غَفلَة الْقلب عَن الشَّيْء، وَيَجِيء النسْيَان بمنى التّرْك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { نسوا افنسيهم} (وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم) (التَّوْبَة: 76، وَالْبَقَرَة: 732) .
قَوْله: (فذكروني) أَي: فِي الصَّلَاة بالتسبيح وَنَحْوه.
قَوْله: (وَإِذا شكّ أحدكُم) الشَّك فِي اللُّغَة خلاف الْيَقِين، وَفِي الِاصْطِلَاح الشَّك: مَا يَسْتَوِي فِيهِ طرف الْعلم وَالْجهل، وَهُوَ الْوُقُوف بَين الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يمِيل إِلَى أَحدهمَا، فاذا قوي أَحدهمَا وترجح على الآخر، وَلم يَأْخُذ بِمَا رجح وَلم يطْرَح الآخر فَهُوَ الظَّن، وَإِذا عقد الْقلب على أَحدهمَا وَترك الآخر فَهُوَ أكبر الظَّن، وغالب الرَّأْي، فَيكون الظَّن أحد طرقي الشَّك بِصفة الرجحان.
قَوْله: (فليتحرَّ) الصَّوَاب التَّحَرِّي: الْقَصْد وَالِاجْتِهَاد فِي الطّلب والعزم على تَخْصِيص الشَّيْء بِالْفِعْلِ وَالْقَوْل، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (فَينْظر أَحْرَى ذَلِك إِلَى الصَّوَاب) .
وَفِي رِوَايَة: (فليتحر أقرب ذَلِك إِلَى الصَّوَاب) .
وَفِي رِوَايَة: (فليتحر الَّذِي يرى أَنه صَوَاب.
وَيعلم من هَذَا أَن التَّحَرِّي طلب أحد الْأَمريْنِ، وأولاهما بِالصَّوَابِ.
قَوْله: (فليتم عَلَيْهِ) أَي: فليتم بانياً عَلَيْهِ، وَلَوْلَا تضمين الْإِتْمَام معنى الْبناء لما جَازَ اسْتِعْمَاله بِكَلِمَة الاستعلاء، وَقصد الصَّوَاب فِي الْبناء على غَالب الظَّن عِنْد أبي حنيفَة وَعند الشَّافِعِي: الْأَخْذ بِالْيَقِينِ.
قَوْله: (ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ) ، ويروى: (ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ) يَعْنِي للسَّهْو.

ذكر استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا على جَوَاز النّسخ وَجَوَاز توقع الصَّحَابَة ذَلِك، دلّ على ذَلِك استفهامهم حَيْثُ قيل لَهُ: أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء؟ وَمِنْهَا: أَن فِيهِ جَوَاز وُقُوع السَّهْو من الْأَنْبِيَاء.
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي الْأَفْعَال..
     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء والنظار، وشذت طَائِفَة فَقَالُوا: لَا يجوز على النَّبِي السَّهْو، وَهَذَا الحَدِيث يرد عَلَيْهِم.
قلت: هم منعُوا السَّهْو عَلَيْهِ فِي الْأَفْعَال البلاغية، وَأَجَابُوا عَن الوظاهر الْوَارِدَة فِي ذَلِك بِأَن السَّهْو لَا يُنَاقض النُّبُوَّة وَإِذا لم يقر عَلَيْهِ لم تحل مِنْهُ مفْسدَة بل تحصل فِيهِ فَائِدَة، وَهُوَ بَيَان أَحْكَام النَّاس وَتَقْرِير الْأَحْكَام، وَإِلَيْهِ مَال أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني،.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز السَّهْو عَلَيْهِ فِي الْأُمُور الَّتِي لَا تتَعَلَّق بالبلاغ وَبَيَان أَحْكَام الشَّرْع من أَفعاله وعاداته وأذكار قلبه، فجوزه الْجُمْهُور.
وَأما السَّهْو فِي الْأَقْوَال البلاغية فَأَجْمعُوا على مَنعه كَمَا أَجمعُوا على امْتنَاع تَعَمّده.
وَأما السَّهْو فِي الْأَقْوَال الدُّنْيَوِيَّة، وَفِيمَا لَيْسَ سَبيله الْبَلَاغ من الْكَلَام الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ وَلَا أَخْبَار الْقِيَامَة وَمَا يتَعَلَّق بهَا، وَلَا يُضَاف إِلَى وَحي فجوزه قوم، إِذْ لَا مفْسدَة فِيهِ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَالْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ تَرْجِيح قَول من منع ذَلِك على الْأَنْبِيَاء فِي كل خبر من الْأَخْبَار، كَمَا لَا يجوز عَلَيْهِم خلف فِي خبر لَا عمدا وَلَا سَهوا، لَا فِي صِحَة وَلَا فِي مرض، وَلَا رضى وَلَا غضب.
وَأما جَوَاز السَّهْو فِي الاعتقادات فِي أُمُور الدُّنْيَا فَغير مُمْتَنع.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ جَوَاز النسْيَان فِي الْأَفْعَال على الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَاتَّفَقُوا على أَنهم لَا يقرونَ عَلَيْهِ بل يعلمهُمْ اتعالى بِهِ..
     وَقَالَ  الْأَكْثَرُونَ: شَرطه تنبيهه على الْفَوْر أَي مُتَّصِلا بالحادثة، وجوزت طَائِفَة تَأْخِير مُدَّة حَيَاته.
فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين السَّهْو وَالنِّسْيَان؟ قيل: النسْيَان غَفلَة الْقلب عَن الشَّيْء، والسهو غَفلَة الشَّيْء عَن الْقلب، فَفِي هَذَا قَالَ قوم: كَانَ النَّبِي لَا يسهو وَلَا ينسى، فَلذَلِك نفى عَن نَفسه النسْيَان فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ، (بقوله: لم أنس) ، لِأَن فِيهِ غَفلَة، وَلم يغْفل..
     وَقَالَ  الْقشيرِي: يبعد الْفرق بَينهمَا فِي اسْتِعْمَال اللُّغَة، وَكَأَنَّهُ يتلوح من اللَّفْظ على أَن النيسان عدم الذّكر لأمر لَا يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ، والسهو عدم الذّكر لَا لأجل الْإِعْرَاض..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: لَا نسلم الْفرق، وَلَئِن سلم فقد أضَاف النسْيَان إِلَى نَفسه فِي غير مَا مَوضِع كَقَوْلِه: (إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسيت فذكروني) ..
     وَقَالَ  القَاضِي: إِنَّمَا أنكر: نسيت الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ قد نهى عَن هَذَا بقوله: (بئْسَمَا لأحدكم أَن يَقُول: نسيت كَذَا، وَلكنه نسِّي) ، وَقد قَالَ أَيْضا: (لَا أنسى) على النَّفْي، (وَلَكِن أُنسَّى (.
وَقد شكّ بعض الروَاة فِي رِوَايَته فَقَالَ: (أنسى أَو أنسَّى) .
وَإِن: أَو، للشَّكّ أَو للتقسيم، وَإِن هَذَا يكون مِنْهُ مرّة من قبل شغله، وَمرَّة يغلب وَيجْبر عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَأَلَهُ السَّائِل بذلك فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ أنكرهُ،.

     وَقَالَ : كل ذَلِك لم يكن، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (لم أنس وَلم تقصر) ، أما الْقصر فبيِّن، وَكَذَلِكَ: لم أنس حَقِيقَة من قبل نَفسِي، وَلَكِن اأنساني.
وسنتكلم فِي هَذَا كَمَا هُوَ الْمَطْلُوب فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى.

وَمِنْهَا: أَن بَعضهم احْتج بِهِ على أَن كَلَام النَّاسِي لَا يبطل الصَّلَاة..
     وَقَالَ  أَبُو عمر: ذهب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه إِلَى أَن الْكَلَام وَالسَّلَام سَاهِيا فِي الصَّلَاة لَا يُبْطِلهَا، كَقَوْل مَالك وَأَصْحَابه سَوَاء، وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهمَا أَن مَالِكًا يَقُول: لَا يفْسد الصَّلَاة تعمد الْكَلَام فِيهَا إِذا كَانَ فِي شَأْنهَا وإصلاحها، وَهُوَ قَول ربيعَة وَابْن الْقَاسِم إلاَّ مَا رُوِيَ عَنهُ فِي الْمُنْفَرد، وَهُوَ قَول أَحْمد، ذكر الْأَثْرَم عَنهُ أَنه قَالَ: مَا تكلم بِهِ الْإِنْسَان فِي صلَاته لإصلاحها لم يفْسد عَلَيْهِ صلَاته، فَإِن تكلم لغير ذَلِك فَسدتْ عَلَيْهِ.
وَذكر الْخرقِيّ عَنهُ: أَن مذْهبه فِيمَن تكلم عَامِدًا أَو سَاهِيا بطلت صلَاته إلاَّ الإِمَام خَاصَّة، فَإِنَّهُ إِذا تكلم لمصْلحَة صلَاته لم تبطل صلَاته..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي وَأَصْحَابه وَمن تَابعهمْ من أَصْحَاب مَالك وَغَيرهم: إِن من تعمد الْكَلَام وَهُوَ يعلم أَنه لم يتم الصَّلَاة وَأَنه فِيهَا أفسد صلَاته، فَإِن تكلم نَاسِيا أَو تكلم وَهُوَ يظنّ أَنه لَيْسَ فِي الصَّلَاة لَا تبطل، وَأَجْمعُوا على أَن الْكَلَام عَامِدًا إِذا كَانَ الْمُصَلِّي يعملم أَنه فِي الصَّلَاة وَلم يكن ذَلِك لإِصْلَاح صلَاته أَنه يفْسد الصَّلَاة إلاَّ مَا رُوِيَ عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه: من تكلم لإحياء نفس أَو مثل ذَلِك من الْأُمُور الجسام لم تفْسد بذلك صلَاته، وَهُوَ قَول ضَعِيف فِي النّظر.
وَفِي (الْمُغنِي) :.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر مَا ملخصه: إِن الْكَلَام لغير مصلحَة الصَّلَاة يَنْقَسِم خَمْسَة أَقسَام:
الأول: الْكَلَام جَاهِلا بِتَحْرِيمِهِ فِيهَا.
قَالَ القَاضِي فِي (الْجَامِع) : لَا أعرف عَن أحد نصا فِيهِ، وَيحْتَمل أَن لَا تبطل.

الثَّانِي: الْكَلَام نَاسِيا وَهُوَ على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: أَن ينسى أَنه فِي الصَّلَاة، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: لَا تبطل، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ.
وَالْأُخْرَى: تبطل، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَقَتَادَة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَالنَّوْع الآخر: أَن يظنّ أَن صلَاته تمت فيتكلم، فَإِن كَانَ سَلاما لَا تبطل رِوَايَة وَاحِدَة، وإلاَّ فالمنصوص عَن أَحْمد: إِن كَانَ لأمر الصَّلَاة لَا تبطل، وَإِن كَانَ لغير أمرهَا مثل: إسقني يَا غُلَام مَاء، تبطل.
وَعنهُ رِوَايَة ثَانِيَة أَنَّهَا تفْسد بِكُل حَال، وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَاب الرَّأْي، وَفِيه رِوَايَة ثَالِثَة: أَنَّهَا لَا تبطل بالْكلَام فِي تِلْكَ الْحَال بِحَال، سَوَاء كَانَ من شَأْن الصَّلَاة أَو لم يكن، إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما، وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ.
وَتخرج رِوَايَة رَابِعَة وَهُوَ أَن الْمُتَكَلّم إِن كَانَ إِمَامًا تكلم لمصْلحَة الصَّلَاة لم تفْسد، وَإِن تكلم غَيره فَسدتْ.

الْقسم الثَّالِث: أَن يتَكَلَّم مَغْلُوبًا على الْكَلَام، وَهُوَ ثَلَاثَة: أَنْوَاع: أَحدهَا: بِأَن تخرج الْحُرُوف من فِيهِ بِغَيْر اخْتِيَاره، مثل: إِن تثاوب فَقَالَ: آه، أَو تنفس فَقَالَ: آه، أَو يسعل فينطق فِي السعلة بحرفين وَمَا أشبه هَذَا، أَو يغلط فِي الْقِرَاءَة فيعدل إِلَى كلمة من غير الْقُرْآن، أَو يَجِيئهُ بكاء فيبكي وَلَا يقدر على رده، فَهَذَا لَا تفْسد صلَاته، نَص عَلَيْهِ أَحْمد..
     وَقَالَ  القَاضِي: فِيمَن تثاوب فَقَالَ: آه، آه، فَسدتْ صلَاته: النَّوْع الثَّانِي: أَن ينَام فيتكلم، فقد توقف أَحْمد عَن الْجَواب فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَن لَا تبطل.
النَّوْع الثَّالِث: أَن يكره على الْكَلَام، فَيحْتَمل أَن يخرج على كَلَام النَّاسِي، وَالصَّحِيح إِن شَاءَ اأن هَذَا تفْسد صلَاته.

الْقسم الرَّابِع: أَن يتَكَلَّم بِكَلَام وَاجِب، مثل أَن يخْشَى على صبي أَو ضَرِير الْوُقُوع فِي هلكة، أَو يرى حَيَّة وَنَحْوهَا تقصد غافلاً أَو نَائِما، أَو يرى نَارا يخَاف أَن تشتعل فِي شَيْء وَنَحْو هَذَا، فَلَا يُمكنهُ التَّنْبِيه بالتسبيح، فَقَالَ أَصْحَابنَا: تبطل الصَّلَاة بِهَذَا، وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي، وَيحْتَمل أَن لَا تبطل، وَهُوَ ظَاهر قَول أَحْمد، وَهَذَا ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي.

الْقسم الْخَامِس: أَن يتَكَلَّم لإِصْلَاح الصَّلَاة، وَجُمْلَته أَن من سلم من نقص فِي صلَاته يظنّ نها قد تمت، ثمَّ تكلم فَفِيهِ ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهَا: لَا تفْسد إِذا كَانَ لشأن الصَّلَاة.
وَالثَّانيَِة: تفْسد، وَهُوَ قَول الْخلال وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَالثَّالِثَة: صَلَاة الإِمَام لَا تفْسد، وَصَلَاة الْمَأْمُوم الَّذِي تكلم تفْسد انْتهى.

وَمذهب أَصْحَابنَا أَنه: لَا يجوز الْكَلَام فِي الصَّلَاة إلاَّ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيح والتهليل وَقِرَاءَة الْقُرْآن، وَلَا يجوز أَن يتَكَلَّم فِيهَا لأجل شَيْء حدث من الإِمَام فِي الصَّلَاة، وَالْكَلَام يبطل الصَّلَاة سَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا، وَسَوَاء كَانَ إِمَامًا أَو مُنْفَردا، وَهُوَ مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَقَتَادَة، وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَعبد ابْن وهب وَابْن نَافِع من أَصْحَاب مَالك، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ أخرجه مُسلم مطولا، وَفِيه: (إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا، وَهَذَا نَص صَرِيح على تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة سَوَاء كَانَ عَامِدًا أَو نَاسِيا، لحَاجَة أَو غَيرهَا، وَسَوَاء كَانَ لمصْلحَة الصَّلَاة أَو غَيرهَا.
فَإِن احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيه إِمَام وَنَحْوه سبح إِن كَانَ رجلا، وصفقت إِن كَانَت امْرَأَة، وَذَلِكَ لقَوْله: (من نابه شَيْء فِي الصَّلَاة فَلْيقل: سُبْحَانَ ا، وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء وَالتَّسْبِيح للرِّجَال) ، رَوَاهُ سهل بن سعد، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَنهُ، وَأخرجه البُخَارِيّ مطولا، وَلَفظه: (أَيهَا النَّاس مَا لكم حِين نابكم شَيْء فِي الصَّلَاة أَخَذْتُم فِي التصفيق؟ وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء، من نابه شَيْء فِي صلَاته فَلْيقل: سُبْحَانَ ا، فَإِنَّهُ لَا يسمعهُ أحد حِين يَقُول: سُبْحَانَ ا، إِلَّا الْتفت) .
وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ.

قَوْله: (من نابه) أَي من نزل بِهِ شَيْء من الْأُمُور المهمة، وَالْمرَاد من التصفيق ضرب ظَاهر إِحْدَى يَدَيْهِ على بَاطِن الْأُخْرَى، وَقيل: بإصبعين من أَحدهمَا على صفحة الْأُخْرَى للإنذار والتنبيه..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: إِن هَذَا الحَدِيث دلّ على أَن كَلَام ذِي الْيَدَيْنِ لرَسُول الله بِمَا كَلمه بِهِ فِي حَدِيث عمرَان وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة، رَضِي اتعالى عَنْهُم، كَانَ قبل تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا على أَن سُجُود السَّهْو سَجْدَتَانِ، وَهُوَ قَول عَامَّة الْفُقَهَاء، وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه يلْزمه لكل سَهْو سَجْدَتَانِ، وَكَذَا حُكيَ عَن ابْن أبي ليلى..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَفِيه حَدِيث ضَعِيف.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا عل أَن سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي وَمن تبعه فِي أَنَّهُمَا قبل السَّلَام، وَفِي (الْمُغنِي) : السُّجُود كُله عِنْد أَحْمد قبل السَّلَام إلاَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذين ورد النَّص بسجودهما بعد السَّلَام، وهما: إِذا سلم من نقص فِي صلَاته، أَو تحرى الإِمَام فَبنى على غَالب ظَنّه، وَمَا عداهما يسْجد لَهُ قبل السَّلَام، نَص على هَذَا فِي رِوَايَة الْأَثْرَم، وَبِه قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد وَأَبُو خَيْثَمَة وَابْن الْمُنْذر.
وَحكى أَبُو الْخطاب عَن أَحْمد رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ: إِحْدَاهمَا: إِن السُّجُود كُله قبل السَّلَام، وَالثَّانيَِة: أَنَّهَا قبل السَّلَام إِن كَانَت لنَقص، وَبعد السَّلَام إِن كَانَت لزِيَادَة، وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَأبي ثَوْر، وَبِمَا قَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَابْن أبي ليلى وَالْحسن الْبَصْرِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد ابْن مَسْعُود وَعبد ابْن عَبَّاس وعمار بن يَاسر وَعبد ابْن الزبير وَأنس بن مَالك، رَضِي اعنهم: فَإِن قلت: لَو سجد للسَّهْو قبل السَّلَام كَيفَ يكون حكمه عَن الْحَنَفِيَّة.
قلت: قَالَ الْقَدُورِيّ: لَو سجد للسَّهْو قبل السَّلَام جَازَ عندنَا، هَذَا فِي رِوَايَة الْأُصُول، وَرُوِيَ عَنْهُم أَنه: لَا يجوز، لِأَنَّهُ أَدَّاهُ قبل وقته.
وَفِي (الْهِدَايَة) : وَهَذَا الْخلاف فِي الْأَوْلَوِيَّة، وَكَذَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ فِي (الْحَاوِي) وَابْن عبد الْبر وَغَيرهم.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ الرُّجُوع إِلَى الْمَأْمُومين، وَفِيه إِشْكَال على مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَن عِنْدهم أَنه لَا يجوز للْمُصَلِّي الرُّجُوع فِي قدر صلَاته إِلَى قَول غَيره إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما، وَلَا يعْمل إلاَّ على يَقِين نَفسه، وَاعْتذر النَّوَوِيّ عَن هَذَا بِأَنَّهُ سَأَلَهُمْ ليتذكر، فَلَمَّا ذَكرُوهُ تذكر، فَعلم السَّهْو فَبنى عَلَيْهِ لَا أَنه رَجَعَ إِلَى مُجَرّد قَوْلهم، وَلَو جَازَ ترك يَقِين نَفسه وَالرُّجُوع إِلَى قَول غَيره لرجع ذُو الْيَدَيْنِ حِين قَالَ: (لم تقصر وَلم أنس) .
قلت: هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب مخلص لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن الرُّجُوع، سَوَاء كَانَ رُجُوعه للتذكر أَو لغيره، وَعدم رُجُوع ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ لأجل كَلَام الرَّسُول لَا لأجل يَقِين نَفسه.
فَافْهَم..
     وَقَالَ  ابْن الْقصار: اخْتلفت الرِّوَايَة فِي هَذَا عَن مَالك، فَمرَّة قَالَ: يرجع إِلَى قَوْلهم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ قَالَ: يبْنى على غَالب ظَنّه..
     وَقَالَ  مرّة أُخْرَى: يعْمل على يقينه وَلَا يرجع إِلَى قَوْلهم، كَقَوْل الشَّافِعِي.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دلَالَة على أَن الْبَيَان لَا يُؤَخر عَن وَقت الْحَاجة لقَوْله: (لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء لنبأتكم بِهِ) .

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ حجَّة لأبي حنيفَة وَلغيره من أهل الْكُوفَة على أَن: من شكّ فِي صلَاته فِي عدد ركعاتها تحرى لقَوْله: (فليتحر الصَّوَاب) ، وَيَبْنِي على غَالب ظَنّه وَلَا يلْزمه الِاقْتِصَار على الْأَقَل، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي وَمن تبعه فِي قَوْلهم فِيمَن شكّ: هَل صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا مثلا؟ لزمَه الْبناء على الْيَقِين، وَهُوَ الْأَقَل فَيَأْتِي بِمَا بَقِي وَيسْجد للسَّهْو.
فَإِن قلت: أَمر الشَّارِع بِالتَّحَرِّي وَهُوَ الْقَصْد بِالصَّوَابِ، وَهُوَ لَا يكون إلاَّ بِالْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ الْيَقِين، على مَا بَينه فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول ا: (إِذا صلى أحدكُم فَلم يدر أَثلَاثًا صلى أم أَرْبعا فليبن على الْيَقِين ويدع الشَّك) الحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة.
قلت: هَذَا مَحْمُول على مَا إِذا تحرى وَلم يَقع تحريه على شَيْء، فَفِي هَذَا نقُول: يَبْنِي على الْأَقَل لِأَن حَدِيثه ورد فِي الشَّك، وَهُوَ مَا اسْتَوَى طرفاه وَلم يتَرَجَّح لَهُ أحد الطَّرفَيْنِ، فَفِي هَذَا يبْنى على الْأَقَل بِالْإِجْمَاع، فَإِن قلت: قَالَ النَّوَوِيّ فِي دفع هَذَا: إِن تَفْسِير الشَّك هَكَذَا اصْطِلَاح طَار للأصوليين، وَأما فِي اللُّغَة فالتردد بَين وجود الشَّيْء وَعَدَمه كُله يُسمى شكا، سَوَاء المستوي وَالرَّاجِح والمرجوح، والْحَدِيث يحمل على اللُّغَة مَا لم يكن هُنَاكَ حَقِيقَة شَرْعِيَّة، أَو عرفية، فَلَا يجوز حمله على مَا يطْرَأ للمتأخرين من الِاصْطِلَاح.
قلت: هَذَا غير مجدٍ وَلَا دافعٍ، لِأَن المُرَاد الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة، وَهِي أَن: الشَّك مَا اسْتَوَى طرفاه، وَلَئِن سلمنَا أَن يكون المُرَاد مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ فَلَيْسَ معنى الشَّك فِي اللُّغَة مَا ذكره، لِأَن صَاحب (الصِّحَاح) فسر الشَّك فِي بابُُ: الْكَاف، فَقَالَ: الشَّك خلاف الْيَقِين، ثمَّ فسر الْيَقِين فِي بابُُ: النُّون، فَقَالَ: الْيَقِين الْعلم، فَيكون الشَّك ضد الْعلم، وضد الْعلم الْجَهْل، وَلَا يُسمى المتردد بَين وجود الشَّيْء وَعَدَمه جَاهِلا، بل يُسمى شاكاً، فَعلم، أَن قَوْله: وَأما فِي اللُّغَة فالتردد بَين وجود الشَّيْء وَعَدَمه يُسمى شكا هُوَ الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة لَا اللُّغَوِيَّة.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا على أَن سُجُود السَّهْو يتداخل وَلَا يَتَعَدَّد بِتَعَدُّد أَسبابُُه، فَإِن النَّبِي تكلم بعد أَن سَهَا، وَاكْتفى فِيهِ بسجدتين، وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور من الْفُقَهَاء، وَمِنْهُم من قَالَ: يَتَعَدَّد السُّجُود بِتَعَدُّد السَّهْو.

وَمِنْهَا: أَن فِيهِ دَلِيلا على أَن سُجُود السَّهْو فِي آخر الصَّلَاة: لِأَنَّهُ لم يَفْعَله إلاَّ كَذَلِك، وَقيل: فِي حكمته: إِنَّه أخر لاحْتِمَال سَهْو آخر فَيكون جَابِرا للْكُلّ، وَفرع الْفُقَهَاء على أَنه لَو سجد ثمَّ تبين أَنه لم يكن آخر الصَّلَاة لزمَه إِعَادَته فِي آخرهَا، وصوروا ذَلِك فِي صُورَتَيْنِ.
إِحْدَاهمَا: أَن يسْجد للسَّهْو فِي الْجُمُعَة ثمَّ يخرج الْوَقْت وَهُوَ فِي السُّجُود الْأَخير فَيلْزمهُ إتْمَام الظّهْر وَيُعِيد السُّجُود.
وَالثَّانيَِة: أَن يكون مُسَافِرًا فَيسْجد للسَّهْو وَتصل بِهِ السَّفِينَة إِلَى الوطن أَو يَنْوِي الْإِقَامَة فَيتم ثمَّ يُعِيد السُّجُود.

الأسئلة والأجوبة مِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَوْله: (وَسجد سَجْدَتَيْنِ) دَلِيل على أَنه لم ينقص شَيْئا من الرَّكْعَات وَلَا من السجدات وَإِلَّا لتداركها فَكيف صَحَّ أَن يَقُول إِبْرَاهِيم: لَا أَدْرِي؟ بل تعين أَنه زَاد إِذْ النُّقْصَان لَا يجْبر بالسجدتين، بل لَا بُد من الْإِتْيَان بالمتروك أَيْضا؟ قلت: كل نُقْصَان لَا يسْتَلْزم الْإِتْيَان بِهِ بل كثير مِنْهُ ينجبر بِمُجَرَّد السَّجْدَتَيْنِ، وَلَفظ: نقص، لَا يُوجب النَّقْص فِي الرَّكْعَة وَنَحْوهَا.
قلت: قد ذكرنَا فِيمَا مضى عَن الْحميدِي أَنه قَالَ: بل زَاد، وَكَانَت زِيَادَته أَنه صلى الظّهْر خمْسا.
كَمَا ذكره الطَّبَرَانِيّ، فحينئذٍ كَانَ سُجُوده لتأخير السَّلَام ولزيادته من جنس الصَّلَاة، وَقَوله: إِذْ النُّقْصَان لَا ينجبر بالسجدتين، غير مُسلم، لِأَن النُّقْصَان إِذا كَانَ فِي الْوَاجِبَات أَو فِي تَأْخِيرهَا عَن محلهَا أَو فِي تَأْخِير ركن من الْأَركان ينجبر بالسجدتين.
وَقَوله: بل لَا بُد من الْإِتْيَان بالمتروك، إِنَّمَا يجب إِذا كَانَ الْمَتْرُوك ركنا، وَأما إِذا كَانَ من الْوَاجِبَات وَمن السّنَن الَّتِي هِيَ فِي قُوَّة الْوَاجِب فَلَا يلْزمه الْإِتْيَان بِمثلِهِ، وَإِنَّمَا ينجبر بالسجدتين.

وَمِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَيْضا: فَإِن قلت: الصَّوَاب غير مَعْلُوم، وإلاَّ لما كَانَ ثمَّة شكّ، فَكيف يتحَرَّى الصَّوَاب؟ قلت: المُرَاد مِنْهُ: المتحقق والمتيقن، أَي: فليأخذ بِالْيَقِينِ.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه بِنَاء على مَذْهَب إِمَامه، فَإِنَّهُ فسر الصَّوَاب بِالْأَخْذِ بِالْيَقِينِ، وَأما عِنْد أبي حنيفَة: المُرَاد مِنْهُ الْبناء على غَالب الظَّن وَالْيَقِين فِي أَيْن هَهُنَا؟ وَمِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَيْضا.
فَإِن قلت: كَيفَ رَجَعَ إِلَى الصَّلَاة بانياً عَلَيْهَا وَقد تكلم بقوله: وَمَا ذَاك؟ قلت: إِنَّه كَانَ قبل تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة، أَو أَنه كَانَ خطابا للنَّبِي وجواباً، وَذَلِكَ لَا يبطل الصَّلَاة، أَو كَانَ قَلِيلا وَهُوَ فِي حكم الساهي أَو النَّاسِي، لِأَنَّهُ كَانَ يظنّ أَنه لَيْسَ فِيهَا.
قلت: مَذْهَب إِمَامه أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ نَاسِيا أَو سَاهِيا لَا يُبْطِلهَا، فَلَا فَائِدَة حينئذٍ فِي قَوْله: إِنَّه كَانَ قبل تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة.
وَالْجَوَاب الثَّانِي: لَا يمشي بعد النَّبِي.
وَالْجَوَاب الثَّالِث: غير موجه لِأَنَّهُ قَوْله: (وَمَا ذَاك؟) غير قَلِيل على مَا لَا يخفى.

وَمِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَيْضا.
فَإِن قيل: كَيفَ رَجَعَ النَّبِي إِلَى قَول غَيره، وَلَا يجوز للْمُصَلِّي الرُّجُوع فِي حَال صلَاته إلاَّ إِلَى علمه ويقين نَفسه؟ فَجَوَابه: أَن النَّبِي سَأَلَهُمْ ليتذكر، فَلَمَّا ذَكرُوهُ تذكر فَعلم السَّهْو فَبنى عَلَيْهِ، لَا أَنه رَجَعَ إِلَى مُجَرّد قَول الْغَيْر، أَو أَن قَول السَّائِل أحدث شكا عِنْد رَسُول الله فَسجدَ بِسَبَب حُصُول الشَّك لَهُ، فَلَا يكون رُجُوعا إِلَّا إِلَى حَال نَفسه قلت: هَذَا كَلَام فِيهِ تنَاقض، لِأَن قَوْله: سَأَلَهُمْ إِلَى قَوْله: فَبنى عَلَيْهِ، رُجُوع إِلَى الْغَيْر بِلَا نزاع، وَقَوله: لَا أَنه رَجَعَ إِلَى مُجَرّد قَول الْغَيْر، يُنَاقض ذَلِك.
وَقَوله: فَسجدَ بِسَبَب حُصُول الشَّك، غير مُسلم، لِأَن سُجُوده إِنَّمَا كَانَ للزِّيَادَة لَا للشَّكّ الْحَاصِل من كَلَامهم، لِأَنَّهُ لَو شكّ لَكَانَ تردداً، إِذْ مُقْتَضى الشَّك التَّرَدُّد، فحين سمع قَوْلهم: صليت كَذَا وَكَذَا ثنى رجلَيْهِ واستقبل الْقبْلَة وَسجد سَجْدَتَيْنِ.

وَمِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَيْضا.
فَإِن قلت: آخر الحَدِيث يدل على سُجُود السَّهْو بعدالسلام وأوله على عَكسه.
قلت: مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه يسن قبل السَّلَام، وَتَأَول آخر الحَدِيث بِأَنَّهُ قَول، وَالْأول فعل، وَالْفِعْل مقدم على القَوْل لِأَنَّهُ أدل على الْمَقْصُود، أَو أَنه أَمر بِأَن يسْجد بعد السَّلَام بَيَانا للْجُوَاز، وَفعل نَفسه قبل السَّلَام لِأَنَّهُ أفضل.
قلت: لَا نسلم أَن الْفِعْل مقدم على القَوْل، لِأَن مُطلق القَوْل يدل على الْوُجُوب، على أَنا نقُول: يحْتَمل أَن يكون سلم قبل أَن يسْجد سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ سلم سَلام سُجُود السَّهْو، فالراوي اخْتَصَرَهُ، وَلِأَن فِي السُّجُود بعد السَّلَام تضَاعف الْأجر، وَهُوَ الْأجر الْحَاصِل من سَلام الصَّلَاة وَمن سَلام سُجُود السَّهْو، وَلِأَنَّهُ شرع جبرا للنقص أَو للزِّيَادَة الَّتِي فِي غير محلهَا وَهِي أَيْضا نقص كالإصبع الزَّائِدَة، والجبر لَا يكون إلاَّ بعد تَمام المجبور، وَمَا بَقِي عَلَيْهِ سَلام الصَّلَاة، فَهُوَ فِي الصَّلَاة.

وَمِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَيْضا.
فَإِن قلت: لم عدل عَن لفظ الْأَمر إِلَى الْخَبَر وَغير أسلوب الْكَلَام؟ قلت: لَعَلَّ السَّلَام وَالسُّجُود كَانَا ثابتين يومئذٍ، فَلهَذَا أخبر عَنْهُمَا، وَجَاء بِلَفْظ الْخَبَر بِخِلَاف التَّحَرِّي والإتمام، فَإِنَّهُمَا ثبتا بِهَذَا الْأَمر، أَو للإشعار بِأَنَّهُمَا ليسَا بواجبين كالتحري والإتمام.
قلت: الفصاحة من التفنن فِي أساليب الْكَلَام، وَالنَّبِيّ أفْصح النَّاس لَا يجارى فِي فَصَاحَته، وَقَوله: أَو للإشعار بِأَنَّهُمَا ليسَا بواجبين، غير مُسلم، بل هما واجبان لمقْتَضى الْأَمر الْمُطلق، وَهُوَ قَوْله: (من شكّ فِي صلَاته فليسجد سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يسلم) ، وَالصَّحِيح من الْمَذْهَب هُوَ الْوُجُوب، ذكره فِي (الْمُحِيط) و (الْمَبْسُوط) و (الذَّخِيرَة) و (الْبَدَائِع) وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد، وَعند الْكَرْخِي من أَصْحَابنَا: أَنه سنة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي.
وعَلى رِوَايَة: (فليتحر الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ ثمَّ ليسلم ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ) ، لَا يرد هَذَا السُّؤَال فَلَا يحْتَاج إِلَى الْجَواب.

وَمِنْهَا مَا قَالَه الْكرْمَانِي أَيْضا.
فَإِن قلت: السَّجْدَة مُسلم أَنَّهَا لَيست بواجبة، لَكِن السَّلَام وَاجِب.
قلت: وُجُوبه بِوَصْف كَونه قبل السَّجْدَتَيْنِ مَمْنُوع، وَأما نفس وُجُوبه فمعلوم من مَوضِع آخر.
قلت: قَوْله: مُسلم، غير مُسلم لما ذكرنَا الْآن، وَقَوله: مَمْنُوع، غير مَمْنُوع أَيْضا لِأَن مَحل السَّلَام الَّذِي هُوَ للصَّلَاة فِي آخرهَا مُتَّصِلا بهَا فَوَجَبَ بِهَذَا الْوَصْف، وَلَا يمْتَنع أَن يكون الشَّيْء وَاجِبا من جِهَتَيْنِ.

وَمِنْهَا مَا قيل: إِن التَّحَرِّي فِي حَدِيث الْبابُُ مَحْمُول على الْأَخْذ بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ الْيَقِين، لِأَن التَّحَرِّي هُوَ الْقَصْد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { تحروا رشدا} (الْجِنّ: 41) وَمعنى قَوْله (فليتحر الصَّوَاب) : فليتقصد الصَّوَاب فليعمل بِهِ، وَقصد الصَّوَاب هُوَ مَا بَينه فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ مُسلم، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلَا يدْرِي كم صلى ثَلَاثًا أم أَرْبعا؟ فليطرح الشَّك وليبن على الْيَقِين) الحَدِيث.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ مَحْمُول على مَا إِذا تحرى وَلم يَقع تحريه على شَيْء، فحينئذٍ نقُول: إِنَّه يَبْنِي على الْأَقَل، وَلَا يُخَالف هَذَا لما قُلْنَا.

وَمِنْهَا مَا قيل: الْمصير إِلَى التَّحَرِّي لضَرُورَة، وَلَا ضَرُورَة هَهُنَا، لِأَنَّهُ يُمكنهُ إِدْرَاك الْيَقِين بِدُونِهِ بِأَن يَبْنِي على الْأَقَل.
فَلَا حَاجَة إِلَى التَّحَرِّي؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ قد يتَعَذَّر عَلَيْهِ الْوُصُول إِلَى مَا اشْتبهَ عَلَيْهِ بِدَلِيل من الدَّلَائِل، والتحري عِنْد عدم الْأَدِلَّة مَشْرُوع كَمَا فِي أَمر الْقبْلَة.
فَإِن قيل: يسْتَقْبل.
قلت: لَا وَجه لذَلِك لِأَنَّهُ عَسى أَن يَقع لَهُ ثَانِيًا.
وَثَانِيا إِلَى مَا لَا يتناهى، فَإِن قلت: يبنيه على الْأَقَل.
قلت: لَا وَجه لذَلِك أَيْضا، لِأَن ذَلِك لَا يوصله إِلَى مَا عَلَيْهِ، فَلَا يَبْنِي على الْأَقَل إلاّ عِنْد عدم وُقُوع تحريه على شَيْء، كَمَا ذكرنَا.