هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3958 وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَافَهُ ضَيْفٌ وَهُوَ كَافِرٌ ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَهُ ، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا ، ثُمَّ أَمَرَ بِأُخْرَى ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ ، وَالْكَافِرُ يَشْرَبُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
3958 وحدثني محمد بن رافع ، حدثنا إسحاق بن عيسى ، أخبرنا مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت ، فشرب حلابها ، ثم أخرى فشربه ، ثم أخرى فشربه ، حتى شرب حلاب سبع شياه ، ثم إنه أصبح فأسلم ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ، فشرب حلابها ، ثم أمر بأخرى ، فلم يستتمها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن يشرب في معى واحد ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported that Allah's Messenger (ﷺ) invited a non-Muslim. Allah's Messenger (ﷺ) commanded that a goat be milked for him. It was milked and he drank its milk. Then the second one was milked and he drank its milk, and then the other one was milked and he drank its milk. till he drank the milk of seven goats. On the next morning he embraced Islam. And Allah's Messenger (ﷺ) commanded that a goat should be milked for him and he drank its milk and then another was milked but he did not finish it, whereupon Allah's Messenger (ﷺ) said:

A believer drinks In one intestine whereas a non-believer drinks in seven intestines.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف، وهو كافر، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت.
فشرب حلابها.
ثم أخرى فشربه.
ثم أخرى فشربه.
حتى شرب حلاب سبع شياه.
ثم إنه أصبح فأسلم.
فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة.
فشرب حلابها.
ثم أمر بأخرى.
فلم يستتمها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن يشرب في معي واحد.
والكافر يشرب في سبعة أمعاء.


المعنى العام

جاء الإسلام والعرب يكرمون الضيف، ويحتفلون به، بل ويعلنون عن أنفسهم لاستضافة من يرغب في الضيافة، ويعدون إكرام الضيف من مفاخرهم، ومن أمهات مكارم أخلاقهم، والرسالات السابقة وفي مقدمتها شريعة إبراهيم -عليه السلام- اهتمت بالضيف، وحثت على الإحسان إليه، وامتدحت من يكرمه، فهذا القرآن الكريم يقول: { { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين* إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون* فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين* فقربه إليهم } } [الذاريات: 24- 27] وجاء الإسلام فأكد هذه الشريعة، وجعلها من الإيمان، فيقول صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ولم يكتف بهذا، بل جعل الضيافة حقاً واجباً للضيف على من ينزل به، فقد روى البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله، إنك تبعثنا فننزل بقوم، فلا يقروننا.
فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم بل قعد للضيافة قواعد وقوانين، ففي الصحيح جائزة الضيف يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما زاد بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه أي إكرامه حق يوماً وليلة، فيتحفه صاحب البيت، ويتكلف له في اليوم الأول، ويقدم له طعام البيت العادي وما حضر يومين، فإذا قضى الثلاث فقد قضى حقه، فما زاد وعليها مما يقدمه له يكون صدقة، وإذا كان هذا واجب صاحب البيت فواجب الضيف أن يكون خفيف الظل، لا يقيم فوق الحاجة، ولا يتطلع إلى زيادة الإتحاف، ولا إلى عورات البيت الذي يؤويه، وقد سبقت بعض آداب الضيافة في الباب الماضي، وفي هذا الباب حقوق أخرى.

فعلى الرغم من ضيق حال المسلمين في أوائل الإسلام كانوا يؤثرون الضيف على أنفسهم وعلى صغارهم، فهذا الأنصاري، قد علم أن ضيفاً حاول الرسول صلى الله عليه وسلم استضافته، فلم يجد في بيت من بيوت أمهات المؤمنين سوى الماء، فتقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض استضافته، وينطلق به إلى رحله وبيته، فيسأل زوجته: ماذا عندك من طعام لضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتجيبه: ليس عندنا سوى ما يكفينا وصبيتنا مع التضييق علينا وعليهم، ولو قدمناه للضيف وحده ما كفاه، وكيف نفعل مع أولادنا الصغار الجياع؟ فقال لها زوجها: عللي الأطفال ومنيهم بالطعام، وضعي ماء على النار، توهمينهم أنه طعام ينضج، حتى يناموا بدون الطعام، وأوقدي المصباح، لنستقبل الضيف في نور لا يحس معه ضيق الحال، فإذا دخل مكان الطعام فأطفئي المصباح، كأن الهواء أطفأه، ثم أوقديه، ثم أطفئيه، فأقول لك: لا داعي للمصباح مادام الهواء لا يبقيه، ثم ضعي الطعام في الظلام بين يدي الضيف، ولنقعد مع الضيف أنا وأنت نمثل من يأكل ولا نأكل، حتى يشبع الضيف، وتم للأنصاري ما أراد، ونام هو وزوجته وأطفاله من غير عشاء، فلما أصبح ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الوحي قد نزل بأن الله قد عجب لحيلة الأنصاري مع ضيفه في هذه الليلة، وأنزل الله تعالى فيه: { { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } } [الحشر: 9] .

وحادثة أخرى يحكيها المقداد بن الأسود، لقد ضاق به وبقومه الحال، حتى عاشوا يومين بل ثلاثة دون طعام، فآووا إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو واثنان من أصحابه، يختلون بواحد واحد من المصلين، يشكون له جوعهم، ويطلبون منه الطعام، فقد ضاعت أسماعهم وضعفت أبصارهم من الجوع، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، كان كل واحد ممن عرضوا أنفسهم عليهم لا يملك الطعام لنفسه، فضلاً عن ضيفه، فلجئوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذهم إلى بيت من بيوت أمهات المؤمنين، وفيه ثلاثة أعنز، كان أحد الأنصار الأغنياء قد منحه إياها، ليحلب لبنها ويشربه أياماً، ثم يعيدها، فقال لهم: احتلبوا لبن هذه الأعنز كل ليلة، وقسموه بيني وبينكم، لكل ربعه، فكانوا يحلبون ويشرب كل منهم نصيبه ويحتفظون للنبي صلى الله عليه وسلم بنصيبه، حتى يعود بعد صلاة العشاء فيشربه، ووسوس الشيطان ذات ليلة للمقداد، وقد شرب نصيبه فلم يشبع، وطمع في شرب نصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت له نفسه وشيطانه: محمد صلى الله عليه وسلم يعتز به الأنصار، ويتبركون باستضافته، ويتقربون بإكرامه، فلن يجوع إذا شربت نصيبه، فشرب نصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استقر اللبن في بطنه، وقضى الأمر، أخذ الشيطان يلومه، ويخوفه من فعلته، لا ليستغفر منها، ويندم عليها، ولكن ليوقعه في معصية أخرى، فزين له أن يعالج الخطأ بخطأ أكبر، يعالج ضياع جرعة اللبن التي فقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذبح العنز الذي تسقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله كل يوم، ثم هي ليست ملكاً له، ولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هي أمانة ومنيحة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى مالك العنز عن ذبح الحلوب، فكيف بمن لا يملكها؟ كيف يذبحها؟ لكن للشيطان أساليبه، لقد غرر به أن ذبح العنز إنما هو من أجل إطعام الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سمعه يقول: اللهم أطعم من أطعمني لكن العناية الإلهية ردت كيد الشيطان، لقد ذهب يتحسس في الظلام أي الأعنز أسمن ليذبحها، وفي يده السكين، لكنه فوجئ بيده تلمس ضرعاً مليئاً باللبن، وتحسس العنز الأخرى فإذا ضرعها يكاد ينفجر من انتفاخه باللبن، ثم الثالثة كذلك.
ضرع الأعنز مليء باللبن، ولم يمض على حلبها ساعات؟ إنها لأمر خارق للعادة، فليبحث عن إناء كبير يحلب فيه، ووجده وحلب حتى ملأه، ووصل زبد اللبن إلى حافته، وذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرب، صلى الله عليه وسلم، ثم ناوله الإناء فشرب، ثم شرب، حتى أتى على اللبن كله، ثم استلقى على الأرض ضاحكاً، وفهم صلى الله عليه وسلم أن في الأمر سراً، فقال: إنك يا مقداد -لا محالة- فعلت فعلة فما هي؟ فقص عليه غواية الشيطان، فقال صلى الله عليه وسلم: إنها رحمة الله.
أدركتك، وأدركتني، وقد كان عليك أن تخبرني قبل أن ينفد اللبن لنوقظ صاحبينا، فيشاركانا شربه.
قال: يا رسول الله، لا يهمني أصحابي، بل لا تهمني الدنيا بعد أن حصلت على دعوتك، فأطعمتك وسقيتك.

قصة ثالثة تؤكد عناية الإسلام بالضيافة، وتكافل المسلمين، ومسارعتهم لاستضافة المحتاجين، كانت الصفة، المكان المظلل، خلف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مأوى الفقراء والمحتاجين والأضياف الغرباء الذين لا يعرفون أحداً من أهل المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعرضهم بعد صلاة المغرب، فيطلب من المصلين القادرين أن يصحب كل واحد منهم واحداً من أهل الصفة يستضيفه، وكان يقول: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، فطعام الاثنين يكفي ثلاثة مع البركة والقناعة، ومن كان عنده طعام ثلاثة فليذهب برابع، فطعام الثلاثة كافي الأربعة، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، فطعام الأربعة يكفي خمسة، ومن كان عنده طعام خمسة فليذهب بسادس، فطعام الخمسة يكفي ستة.

وفي ليلة من ليالي الجدب والقحط كثر أهل الصفة، حتى فاض العدد عن المصلين، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة، وأخذ أبو بكر ثلاثة، أوصلهم إلى بيته، وقال لابنه عبد الرحمن وامرأته أم رومان: قوموا بواجب الضيافة والإكرام وأتحفوهم حتى أعود، فإن معي شغلاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عبد الرحمن وأمه وزوجته وخادمتهم بإعداد الطعام، ثم قدموه إلى الأضياف، فقال الأضياف: أين صاحب البيت؟ أين الرجل الكبير ليأكل معنا؟ إننا ما فرحنا بهذه الضيافة إلا لنتبرك بالأكل مع أبي بكر، والله لا نأكل حتى يحضر ويأكل معنا.
قال لهم عبد الرحمن: أرجوكم وأتوسل إليكم أن تأكلوا طعامكم، فإن صاحب البيت رجل شديد في واجبات الضيوف، وأخشى أن يصيبني منه ما أكره إن لم تأكلوا، إنه سيظن بي تقصيراً في إكرامكم، فلم يسمعوا توسلاته، ولم يأكلوا.

وجاء أبو بكر بعد ما مضى كثير من الليل، فكان أول شيء تكلم به أن سأل عن ضيوفه، قال لامرأته: هل عشيتم الضيوف؟ قالت له: ما أخرك عن ضيوفك؟ قال: أقول: هل عشيتموهم؟ قالت: أبوا وحاولنا معهم، فغلبونا، وأصروا على عدم الأكل حتى تأكل معهم، أما عبد الرحمن فقد اختبأ من أبيه، يخشى غضبه، نادى أبوه: يا عبد الرحمن.
فلم يرد.
يا عبد الرحمن.
فلم يرد.
يا عبد الرحمن.
أقسمت عليك إلا جئت إن كنت تسمع ندائي، وجاء يرتجف، يقول: والله ما لي ذنب، هؤلاء ضيوفك فسلهم، قد قدمنا لهم الطعام، فأبوا أن يأكلوا حتى تأكل معهم، توجه إليهم أبو بكر يقول: ما لكم لم تقبلوا طعامنا؟ ما لكم لم تأكلوا؟ قالوا: لن نأكل حتى تأكل معنا.
قال أبو بكر -وقد اشتد به الغضب- فوالله لن آكل هذا الطعام الليلة، قال الأضياف: ونحن والله لن نذوقه حتى تأكل معنا.
وسكت أبو بكر يكظم غيظه، ويهدئ غضبه، ويستعيذ من الشيطان الرجيم، وفضل أن يتراجع، وأن يكفر عن يمينه، فدعا بالطعام، وجلس يأكل معهم، ونزلت البركة من الله في الطعام كرامة لأبي بكر، فأكلوا حتى شبعوا والقصعات كما هي، كلما رفعت منها لقمة زادت القصعة مثلها، قال أبو بكر لامرأته: يا أم رومان.
ماذا أرى؟ هل ترين ما أرى؟ قالت: نعم القصعتان كما هما، بل أكثر مما كانا.

أصبح أبو بكر يحمل القصعتين وخبرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جيش المسلمين يستعد لغزوة مجتمعا يقوده اثنا عشر قائداً، فوضعت القصعتان بين يدي الجنود فأكلوا منها جميعاً حتى شبعوا، وكانت بركة النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزة من معجزاته المشهورة في تكثير الطعام.
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن عامة على القناعة وعدم الشره في الطعام، فأشار إلى أن المؤمن يأكل بقناعة، ويبارك له في أكله، أما الكافر فيأكل بشره كالأنعام، حتى يملأ بطنه، فقال: المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء.

وإذا كان الشرع قد عني بالضيف وحقه لدى المضيف فقد حث الضيف على أن يرضى بما يقدم إليه، ولا يعيبه، فما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، كان إذا قدم إليه طعام، إن اشتهاه وقبلته نفسه أكله، وإن لم يشتهه، ولم تقبل عليه نفسه سكت وتركه، ولم يعبه، فما لا تشتهيه نفسك قد تشتهيه نفس غيرك.

فما أجمل آداب الإسلام، وما أعظم المسلمين الأولين.

المباحث العربية

( فقال: إني مجهود) أي أصابني الجهد، بفتح الجيم وسكون الهاء، وهو المشقة والجوع، يقال: جهد فلان يجهد، بفتح الهاء فيهما، جهداً بفتح الجيم إذا بلغ المشقة، وجهد الناس، بضم الجيم وكسر الهاء، أجدبوا، فهم مجهودون، ويقال جهد العيش بفتح الجيم وكسر الهاء يجهد بفتح الهاء، جهداً بفتح الهاء، أي ضاق واشتد، والجهد بضم الجيم وسكون الهاء الوسع والطاقة.

( فأرسل إلى بعض نسائه) أي إلى إحدى نسائه، والمرسل من أجله محذوف للعلم به من المقام، أي أرسل إليها، يسألها عما عندها من طعام أو شراب.

( حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا.
والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء)
لا والذي بعثك بالحق... إلى أخره تفسير لقوله مثل ذلك فهو بدل.

( من يضيف هذا الليلة رحمه الله) يضيف بضم الياء، من الرباعي، يقال: ضاف فلاناً، يضيفه، بفتح الياء، إذا نزل عنده ضيفاً، وأضاف فلاناً إذا أنزله ضيفاً عنده، فالمعنى من ينزل هذا عنده الليلة ضيفاً؟ وجملة رحمه الله خبرية لفظاً، دعائية معنى، أي أسأل الله له الرحمة، ويجوز أن تكون من موصولة، مبتدأ، وجملة رحمه الله خبر، وسواء كانت خبرية لفظاً ومعنى، أو دعائية معنى، ولفظ ضيف يكون واحداً وجمعاً، وجمع الكثرة ضيوف وضيفان.

( فقال رجل من الأنصار) قال الحافظ ابن حجر: زعم ابن التين أنه ثابت بن قيس بن شماس، ولكن سياق قصة قيس يشعر بأنها قصة أخرى، لأن لفظها أن رجلاً من الأنصار مر عليه ثلاثة أيام، لا يجد ما يفطر عليه، ويصبح صائماً، حتى فطن له رجل من الأنصار، يقال له ثابت بن قيس....
القصة.

وهذا لا يمنع من التعدد في الصنيع مع الضيف، وفي نزول الآية، وقيل: هو عبد الله بن رواحة.
قال: والصواب الذي يتعين الجزم به في حديث أبي هريرة ما وقع عند مسلم [روايتنا الثالثة] بلفظ فقام رجل من الأنصار، يقال له: أبو طلحة... وبذلك جزم الخطيب، لكنه قال: أظنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور، وكأنه استبعد ذلك من وجهين: أحدهما أن أبا طلحة زيد بن سهل مشهور، لا يحسن أن يقال فيه فقام رجل يقال له أبو طلحة والثاني أن سياق القصة يشعر بأنه لم يكن عنده ما يتعشى به هو وأهله، حتى احتاج إلى إطفاء السراج، وأبو طلحة زيد بن سهل كان أكثر أنصار المدينة مالاً، فيبعد أن يكون بتلك الصفة من التقلل، ويمكن الجواب عن الاستبعادين.
اهـ

ويمكن الجواب عن الاستبعاد الأول باحتمال كون الرجل المشهور عند الناس غير مشهور عند أبي هريرة، وأبو هريرة في ذلك الوقت كان جديداً على أهل المدينة، وعن الاستبعاد الثاني باحتمال أن يكون بيت الغني خالياً في ليلة لأمر ما.
والله أعلم.

( فانطلق به إلى رحله) أي إلى منزله، ورحل الإنسان هو منزله الذي يرحل إليه بعد السعي والتنقل، سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر، وفي كتب اللغة: الرحل مسكن الإنسان.

( إلا قوت صبياني) لم تذكر نفسها وزوجها، ربما لأنهما كانا قد تعشيا، وكان صبيانهما حين عشائهما في شغلهم أو نياماً، فأخرا لهم ما يكفيهم، ويحتمل أنها نسبت العشاء إلى الصبية لأنهم أشد طلباً إليه، قال الحافظ: وهذا هو المعتمد، لقوله في رواية ونطوي بطوننا الليلة وفي آخر هذه الرواية فأصبحا طاويين وعند مسلم -روايتنا الثانية فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه.

( قال: فعلليهم بشيء) في الرواية الثانية نومي الصبية يقال علله بشيء إذا شغله به وألهاه.
والمعنى اشغليهم عن طلب الطعام حتى يناموا.

( فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج، حتى تطفئيه) في الرواية الثانية نومي الصبية، وأطفئي السراج، وقربي للضيف ما عندك وفي رواية البخاري هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، أي أوقديه -ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان والحاصل أنها أوقدت السراج، ليدخل الضيف في النور، وقدمت الطعام بين يديه، ثم قامت إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته، ثم تظاهرت بأنها تحاول إصلاحه فلا يصلح، فيقول لها زوجها: دعيه وتعالي نأكل، فيتظاهران بالأكل في الظلام ولا يأكلان.

( فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم) أي أصبح إليه، وبكر للقائه.

( قد عجب الله من صنيعكما -الليلة) في رواية بصنيعكما فالباء للسببية، وفي رواية للبخاري ضحك الله الليلة -أو عجب من فعالكما قال الحافظ ابن حجر: نسبة الضحك والتعجب إلى الله مجازية، والمراد بهما الرضا بصنيعهما.
اهـ وقال القاضي عياض: المراد بالعجب من الله الرضا، وقد يكون المراد: عجبت ملائكة الله، وأضافه إليه سبحانه وتعالى تشريفاً، ويقول السلف: ضحك تعالى وعجب ضحكاً وعجباً يليق بجلاله عز وجل، والكلام في الصفات كالكلام في الذات، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل { { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } } [الشورى: 11] .

فنزلت هذه الآية { { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } } هذا هو الأصح في سبب نزول الآية، وعند ابن مردويه عن ابن عمر أهدي لرجل رأس شاة، فقال: إن أخي وعياله أحوج منا إلى هذا، فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر، حتى رجعت إلى الأول بعد سبعة، فنزلت ويحتمل أن يتعدد السبب لنازل واحد.

( أقبلت أنا وصاحبان لي) أي من محل إقامتنا إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبدو أن هذا القدوم كان في وقت مجاعة، فإن المقداد بن الأسود كان فارساً يوم بدر، حتى لم يثبت أن أحداً كان على فرس يوم بدر غيره.

( فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) جعل هنا من أفعال الشروع، أي أخذنا وشرعنا نعرض أنفسنا جياعا، نطلب أن يضيفنا أحد منهم.

( فليس أحد منهم يقبلنا) لعدم امتلاكه قراناً وطعامنا، وهذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به.

( فانطلق بنا إلى أهله) أي إلى بيت إحدى أمهات المؤمنين، والجملة معطوفة على محذوف، أي فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه بحالنا، فانطلق بنا.

( فإذا ثلاثة أعنز) جمع عنز، أي فاجأنا في بيته ثلاثة من العنز.

( احتلبوا هذا اللبن بيننا) الإشارة إلى اللبن في ضرع الأعنز، أي احتلبوه، واجعلوه بيننا، أنا وأنتم الثلاثة، كل واحد منا له شرب، والظاهر أنه لم يشرك في هذا اللبن زوجه صاحبة البيت، ويبدو أنهم أقاموا في جانب من هذا البيت، يشربون من ألبان الأعنز ليالي وأياماً.

( ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه) أي ونحتفظ له بنصيبه حتى يعود ليلاً.

( فيجيء من الليل، فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقطان، ثم يأتي المسجد، فيصلي، ثم يأتي شرابه) الظاهر أن المجيء الأول كان في أول الليل من شغله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قبل صلاة العشاء، وكان يؤخرها أحياناً، فينام بعض الناس.

( فأتاني الشيطان ذات ليلة) أي وسوس لي، وفي القرآن الكريم على لسان إبليس { { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } } [الأعراف: 17] .

( فقال) أي فقال الشيطان في وسوسته لي:

( محمد يأتي الأنصار) أي كرماء الأنصار وأغنياءهم، زائراً، أو مدعوا، أو لمصلحة.

( فيتحفونه) أي يكرمونه، ويقدمون له أعز ما عندهم من طعام وشراب، حباً وتقديراً وتبركاً.

( فيصيب عندهم) المفعول محذوف، أي فيصيب طعاماً وشراباً عندهم.

( ما به حاجة إلى هذه الجرعة) من اللبن، والجرعة بضم الجيم وفتحها مع سكون الراء حكاهما ابن السكيت وغيره، وهي حثوة قدر ما يملأ الفم، والفعل منه جرع يجرع من باب فتح، وجرع يجرع من باب علم.

( فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل) يقال: وغل في الشيء بفتح الغين يغل بكسرها وغولاً أمعن فيه، ودخل فيه وتوارى وتمكن، والمعنى: فلما دخلت الجرعة بطني وتمكنت، ولم يعد لي عليها سبيل، وقضي الأمر، ولا أستطيع الرجوع فيها.

( ندمني الشيطان) بتشديد الدال، أي أخذ يثير الندم في نفسي، ويؤنبني، ويتخلى عني، وهكذا هو، يقول تعالى: { { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي } } [إبراهيم: 22] -أي ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي.

( وعلى شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النوم) جعل هنا للصيرورة، والنوم اسمها مؤخر، ولا يجيئني خبرها مقدم، أي وصار النوم لا يجيئني، بسبب قلقي وخوفي وتفكيري، وبسبب غطائي القاصر، والشملة كساء من صوف أو شعر، يتغطى به، ويتلفف به.

( وأما صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت) حتى يصيبهما القلق مثلي.

( ثم أتى شرابه) أي إناء شرابه.

( اللهم أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني) التعبير بالماضي بدل المضارع، والمراد: اللهم أطعم من يطعمني، واسق من يسقيني، وسقى الثلاثي لازم ومتعد، أما أسقى الرباعي فهو متعد.

( فعمدت إلى الشملة، فشددتها علي) معطوف على محذوف، أي فقمت ووقفت وقصدت الشملة فالتففت بها.

( فانطلقت إلى الأعنز.
أيها أسمن فأذبحها)
أي قاصداً معرفة الأسمن منها فأذبحها.
أو قائلاً في نفسي: أيها أسمن؟.

( فإذا هي حافلة، وإذا هن حفل كلهن) هي ضمير العنز الأسمن وضمير هن للأعنز وحفل بضم الحاء وتشديد الفاء المفتوحة، والعنز الحافلة باللبن هي التي اجتمع اللبن الكثير في ضرعها.

( ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه) أي ما كانوا يحلبون فيه، لأنه كبير الحجم واللبن الذي يحلب من الأعنز قليل بالنسبة له.

( فحلبت فيه، حتى علته رغوة) بفتح الراء وضمها وكسرها، ثلاث لغات مشهورات، ويقال: رغاوة بكسر الراء، وحكي ضمها، ويقال: رغاية بالضم، وحكي الكسر، وهي زبد اللبن الذي يعلوه.

( فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى، وأصبت دعوته ضحكت، حتى ألقيت إلى الأرض) روي بفتح الراء وكسر الواو وفتح الياء، يروى بفتح الواو، رياً بكسر الراء وفتحها مع تشديد الياء، وروى بكسر الراء وفتح الواو مقصور، شرب حتى شبع، وهو ريان، وهي ريانة ورياً بفتح الراء فيهما.
والمراد من دعوته صلى الله عليه وسلم هنا قوله اللهم أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني والمعنى أنه كان حزيناً حزناً شديداً بعد ما شرب جرعة اللبن، خوفاً من أن يدعو عليه صلى الله عليه وسلم، فلما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي وأجيبت دعوته، وأدركها وحصل عليها المقداد، فرح وضحك حتى سقط على الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه سروراً، ولتعجبه من قبح فعله أولاً، وحسنه آخراً، ومعنى حتى ألقيت إلى الأرض بضم الهمزة، مبني للمجهول، أي حتى ألقاني الضحك على الأرض.

( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إحدى سوءاتك يا مقداد) أي لا بد أنك فعلت سوءة من سوآتك يا مقداد.
فما الأمر؟.

( ما هذه إلا رحمة من الله) الإشارة إلى إحداث اللبن في الأعنز في غير وقته، وعلى غير عادته، والمراد رحمة عظيمة ظاهرة، وإلا فجميع الأمور والنعم بفضل الله ورحمته.

( أفلا كنت آذنتني؟ فنوقظ صاحبينا، فيصيبان منها؟) الاستفهام إنكاري توبيخي، بمعنى نفي الانبغاء، دخل على نفي، ونفي النفي إثبات، أي كان ينبغي أن تعلمني بالأمر في حينه، قبل أن أشرب، لأدعو بالبركة عليه، فيكفينا وصاحبينا؟ والضمير المؤنث في منها يعود إلى الرحمة.

( ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس) أي لا يهمني ولا أعبأ بمن تصيب هذه الرحمة مادمت أنت قد أصبتها، ومادمت أنا قد أصبتها.

( ثم جاء رجل مشرك) قال الحافظ ابن حجر: كان هذا الأعرابي وثنياً.

( مشعان طويل) بضم الميم وسكون الشين وتشديد النون، قيل: هو الطويل، فيحتمل أن يكون لفظ طويل تفسيراً لمشعان، وقيل: هو الطويل جداً، فوق الطول المعروف، وقيل: هو الطويل شعث الرأس، وقيل: هو الجافي الثائر الرأس.

( أبيع؟ أم عطية) المراد من العطية الهبة، كما جاء في شك الراوي.

( قال: لا.
بل بيع)
لا.
أي ليس عطية.

( فاشترى منه شاة) في رواية فاشترى منها شاة أي من الغنم.

( فصنعت) أي فذبحت وسلخت، وأخرج كرشها وصنف.

( وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى) سواد البطن هو الكبد، أو كل ما في البطن من كبد ورئتين وقلب وكليتين وغير ذلك.

( ما من الثلاثين ومائة إلا حز له رسول الله صلى الله عليه وسلم حزة حزة من سواد بطنها) الحزة بضم الحاء القطعة من اللحم وغيره، يقال: حزه، يحزه حزاً قطعه ولم يفصله.

( إن كان شاهداً أعطاه) المفعول الثاني محذوف أي إن كان حاضراً القطع أعطاه قطعة، وفي رواية للبخاري إن كان شاهداً أعطاها إياه قال الحافظ ابن حجر: وهو من القلب، أي جعل المفعول الثاني أولاً، والأول ثانياً، وأصله أعطاه إياها.

( فأكلنا منهما أجمعون) يحتمل أن يكونوا اجتمعوا على القصعتين، فيكون فيه معجزة أخرى، لكونهما وسعتا أيدي القوم، ويحتمل أن يريد أنهم أكلوا كلهم من القصعتين في الجملة، أعم من الاجتماع والافتراق.

( وفضل في القصعتين، فحملته على البعير) أي وفضل في القصعتين طعام، فحمله في القصعتين، وفي رواية للبخاري ففضلت القصعتان فحملناه ومعناها: وفضلت القصعتان فيهما طعام، فالضمير أيضاً للطعام الباقي فيهما، ولو أراد القصعتين لقال: حملناهما.

( أو كما قال) شك من الراوي في بعض الألفاظ، أهي بلفظها أم بمعناها؟

( إن أصحاب الصفة كانوا ناساً فقراء) الصفة مكان كان في مؤخر المسجد النبوي، مظلل، أعد لنزول الغرباء فيه، ممن لا مأوى له ولا أهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلون، بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر، وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية، فزادوا على المائة، وكان منهم أبو هريرة، كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بالمدينة عريف نزل عليه، فإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة، يقول أبو هريرة، وكنا إذا أمسينا حضرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل، فينصرف برجل أو أكثر، فيبقى من يبقى، عشرة أو أقل أو أكثر، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه، فنتعشى معه، قال: فإذا فرغنا قال: ناموا في المسجد.

( من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة) أي من أهل الصفة المذكورين.
وهكذا هي في رواية مسلم فليذهب بثلاثة قال عياض: وهو غلط، والصواب رواية البخاري، فليذهب بثالث لموافقتها لسياق باقي الحديث، وقال القرطبي: إن حمل على ظاهره فسد المعنى، لأن الذي عنده طعام اثنين -أي عنده ما يكفي اثنين، وعنده في بيته اثنان- إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله خمسة، وحينئذ لا يكفيهم، ولا يسد رمقهم، بخلاف ما إذا ذهب بواحد، فإنه يأكله ثلاثة، ويؤيده قوله في الحديث الآخر -روايتنا الثامنة- طعام الاثنين كافي الثلاثة، طعام الثلاثة كافي الأربعة أي القدر الذي يشبع الاثنين يسد رمق ثلاثة، أو أربعة، ووجه النووي رواية مسلم بأن التقدير: فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة، أو فليذهب بتمام ثلاثة.

( ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس.
بسادس)
أي فليذهب بخامس إن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك، وإلا فليذهب بسادس مع الخامس إن كان عنده أكثر من ذلك، والحكمة في كونه يزيد كل أحد واحداً فقط أن عيشهم في ذلك الوقت لم يكن متسعاً، فمن كانت عنده مثلاً ثلاثة أنفس لا يضيق عليه أن يطعم الرابع من قوتهم، وكذلك الأربعة فما فوقها، بخلاف ما لو زيدت الأضياف بعدد العيال فإنما يصلح الاكتفاء به عند اتساع الحال، وفي رواية فليذهب بخامس أو سادس وأو فيها للتنويع، أو للتخيير، ويحتمل أن يكون معنى أو سادس أي وإن كان عنده طعام خمس فليذهب بسادس، فيكون من عطف الجملة على الجملة.

وفي الرواية التاسعة والعاشرة طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي ثمانية فزيدت الكفاية إلى الضعف، ولعل الأمر يختلف باختلاف الإيثار والزهد والقناعة والبركة.
والله أعلم.

( وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة) يحكى عن مرة من مرات توزيع أهل الصفة قال الحافظ ابن حجر: عبر عن أبي بكر بلفظ المجيء لبعد منزله من المسجد، وعن النبي صلى الله عليه وسلم بالانطلاق لقربه.
اهـ وليس بظاهر، والأولى أن يقال: عبر عن أبي بكر بلفظ المجيء لأنه وصل بالأضياف إلى المتكلم عبد الرحمن، وكأنه قال: جاءنا، وعن النبي صلى الله عليه وسلم بالانطلاق لبعده عن المتكلم.

( وأبو بكر بثلاثة) معطوف على قوله وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة وليس مكرراً مع قوله وإن أبا بكر جاء بثلاثة فالانطلاق تعبير عن أول الخروج والذهاب، والمجيء تعبير عن الوصول، وفي رواية للبخاري وأبو بكر ثلاثة قال الحافظ ابن حجر: بنصب ثلاثة.

( فهو وأنا وأبي وأمي) رواية البخاري فهو أنا وأبي وأمي بدون عطف أنا على فهو وهي الصواب، وهو هنا ضمير الحال والشأن، وأنا وما بعدها مبتدأ، خبره محذوف، يدل عليه السياق، وتقديره: في الدار، والجملة خبر ضمير الشأن.

( ولا أدري.
هل قال: وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر؟)
في رواية للبخاري وخادمي بدل خادم والقائل هل قال هو أبو عثمان الراوي عن عبد الرحمن، كأنه شك في ذلك، وقوله بين بيتنا ظرف متعلق بمحذوف صفة خادم أي خدمتها مشتركة بين بيتنا وبيت أبي بكر، وأم عبد الرحمن هي أم رومان، مشهورة بكنيتها، واسمها زينب وقيل: وعلة، بنت عامر بن عويمر، من ذرية الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، كانت قبل أبي بكر عند الحارث بن سخبرة الأزدي، فقدم مكة، فمات، وخلف منها ابنه الطفيل، فتزوجها أبو بكر، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وأسلمت أم رومان قديماً وهاجرت ومعها عائشة، وأما عبد الرحمن فتأخر إسلامه وهجرته إلى هدنة الحديبية.

( وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صليت العشاء، ثم رجع، فلبث حتى نعس رسول الله، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله) في الرواية السابعة قال عبد الرحمن: نزل علينا أضياف لنا، وكان أبي يتحدث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق، وقال: يا عبد الرحمن.
افرغ من أضيافك وعند أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: نزل بنا أضياف، وكان أبو بكر يتحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا أرجع إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء وفي رواية إن أبا بكر تضيف رهطاً، فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء فهذا يدل على أن أبا بكر أحضرهم إلى منزله، وأمر أهله أن يضيفوهم، ورجع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: والحاصل أن أبا بكر تأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صلى العشاء، ثم تأخر حتى نعس النبي صلى الله عليه وسلم وقام لينام، فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته.
اهـ وعلى هذا فمعنى إن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم أي قضى العشية، وليس من أكل الليل.

( قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ أو قالت: ضيفك؟) سبق القول بأن ضيف يطلق على المفرد والجمع، والمراد هنا الجمع، وهذا القول منها مشعر بأنهم لم يقروا بعد، لذا قال:

( أو ما عشيتهم؟) الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة، والتقدير: أقصرت في إكرامهم؟ وما عشيتهم؟ وفي رواية عشيتيهم بإشباع الكسرة.

( قالت: أبوا حتى تجيء، قد عرضوا عليهم، فغلبوهم) في الرواية السابعة قال عبد الرحمن: فلما أمسيت جئنا بقراهم، قال: فأبوا، فقالوا: حتى يجيء أبو منزلنا -أي صاحبه- فيطعم معنا، قال: فقلت لهم: إنه رجل حديد -أي فيه قوة وصلابة، ويغضب لانتهاك الحرمات، والتقصير في حق ضيفه- وإنكم إن لم تفعلوا خفت أن يصيبني منه أذى.

وفي رواية فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا.
قالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا.
قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه -أي شراً- فأبوا، وإنما امتنعوا من الأكل حتى يحضر أبو بكر أدباً في ظنهم، لأنهم ظنوا أنه لن يبقى له عشاء إذا هم أكلوا، ومعنى عرضوا عليهم فغلبوهم أي عرض الخدم أو الأهل على الأضياف العشاء، فأبى الأضياف، فحاولوا معهم، وجادلوهم، فامتنعوا حتى غلبوهم، ففي رواية قد عرضنا عليهم، فامتنعوا.

( فذهبت أنا فاختبأت) خوفاً من خصام أبي بكر وتعنيفه وتغليظه علي، وفي الرواية السابعة فلما جاء لم يبدأ بشيء أول منهم -أي قبل السؤال عنهم- فقال: أفرغتم من أضيافكم؟ قال: قالوا: لا.
والله ما فرغنا.
قال: ألم آمر عبد الرحمن؟ قال: وتنحيت عنه، فقال: يا عبد الرحمن: قال: فتنحيت....
وفي رواية فعرفت أنه يجد علي -أي يغضب- فلما جاء تغيبت عنه، فقال -أي نادي- يا عبد الرحمن.
فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن.
فسكت.

( وقال: يا غنثر، فجدع، وسب) غنثر بضم الغين وسكون النون وفتح الثاء.
هذه هي الرواية المشهورة، وحكي ضم الثاء، وحكى القاضي عياض عن بعض شيوخه فتح الغين مع فتح الثاء، وحكاه الخطابي بلفظ عنتر بلفظ اسم الشاعر المشهور، وغنثر قيل: معناه الذباب، سمي بذلك لصوته، فشبهه به، حيث أراد تحقيره وتصغيره، وقيل: معناه الثقيل الوخم، وقيل: الجاهل، وقيل: السفيه، وقيل: اللئيم، ومعنى جدع بفتح الجيم وتشديد الدال المفتوحة، أي دعا بجدع الأنف وغيره من الأعضاء، والسب الشتم.

وفي الرواية السابعة فقال: يا غنثر.
أقسمت عليك، إن كنت تسمع صوتي إلا جئت، قال: فجئت، فقلت: والله ما لي ذنب.
هؤلاء أضيافك، فسلهم، قد أتيتهم بقراهم، فأبوا أن يطعموا حتى تجيء.

( وقال: كلوا.
لا هنيئاً)
أي لا أكلتم هنيئاً، وهو دعاء عليهم لما حصل له من الحرج والغيظ، وقيل: خبر، أي لم تهنئوا به أول نضجه، وقيل: إنما خاطب بذلك أهله، لا الأضياف.

( وقال: والله لا أطعمه أبداً) في الرواية السابعة فقال: ما لكم ألا تقبلون عنا قراكم؟ قال: فقال أبو بكر: فوالله لا أطعمه الليلة.
قال: فقالوا: فوالله لا نطعمه، قال: فما رأيت كالشر كالليلة قط إذ قال لهم مغضباً: ويلكم ما لكم أن لا تقبلوا عنا قراكم، قال: فجيء بالطعام، فسمى، فأكل وأكلوا.

( قال: فايم الله.
ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها)
إلا ربا أي إلا زاد، وقوله من أسفلها أي من أسفل الموضع الذي أخذت منه، وقوله أكثر منها ضبطوه الثاء والباء، وايم الله همزته همزة وصل عند الجمهور، وقيل: يجوز القطع، وهو مبتدأ، خبر محذوف، أي أيم الله قسمي، وأصله أيمن الله فالهمزة حينئذ همزة قطع، لكنها لكثرة الاستعمال خففت فوصلت، وحكي فيها لغات: أيمن الله.
مثلثة النون.
رفعاً ونصباً وجراً، حسب العامل، ومن الله مختصرة من الأولى، مثلثة النون أيضاً، وايم الله كذلك، وم الله كذلك، وبكسر الهمزة أيضاً، وأم الله قال ابن مالك: وليست أيمن جمع يمين خلافاً للكوفيين.

( وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك) الضمير في صارت للجفنة، أي ما فيها، أو للبقية.

( فإذا هي كما هي أو أكثر) أي فإذا الجفنة كما كانت أولاً أو أكثر، وفي رواية للبخاري فإذا شيء أو أكثر أي فإذا هي الشيء السابق أو أكثر.

( يا أخت بني فراس.
ما هذا؟)
انظري ما هذا الذي أرى؟ هل ترين الجفنة تنقض؟ يخاطب أبو بكر امرأته، متعجباً، يكاد لا يصدق عينيه، وبنو فراس، بكسر الفاء وتخفيف الراء، ابن غنم بن مالك بن كنانة، والعرب تطلق على من كان منتسباً إلى قبيلة أنه أخوهم، وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحارث بن غنم، وهو أخو فراس بن غنم، فلعل أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث، ويقع في النسب كثير من ذلك، وقال النووي: التقدير: يا من هي من بني فراس، وفيه نظر، لأنها -كما تقدم ليست من بني فراس، وقيل: المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، ولا شك أن الحارث أخو فراس، فأولاد كل منهما إخوة للآخرين، لكونهم في درجتهم.
قال الحافظ ابن حجر: وحكى عياض أنه قيل في أم رومان: إنها من بني فراس بن غنم، لا من بني الحارث، وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل.
ولم أر في كتاب ابن سعد لها نسباً إلا إلى بني الحارث بن غنم، مع أنه ساق لها نسبين مختلفين.

( قالت: لا.
وقرة عيني، لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار)
في رواية البخاري لهي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار.

قال النووي: قال أهل اللغة: قرة العين يعبر بها عن المسرة، ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه قيل: إنما قيل ذلك لأن عينه تقر، لبلوغه أمنيته، فلا يستشرف لشيء، فيكون مأخوذ من القرار، وقيل: مأخوذاً من القر، بالضم، وهو البرد، أي عينه باردة لسرورها، وعدم مقلقها، قال الأصمعي وغيره: أقر الله عينه، أي أبرد دمعته، لأن دمعة الفرح باردة، ودمعة الحزن حارة، ولهذا يقال في ضده: أسخن الله عينه.
قال الداودي: أرادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم، فأقسمت به، ولفظة لا في قولها لا.
وقرة عيني زائدة، ولها نظائر مشهورة، ويحتمل أنها نافية، وفيه محذوف، أي لا شيء غير ما أقول، وهو وقرة عيني لهي أكثر منها.

( فأكل منها أبو بكر، وقال: إنما كان ذلك من الشيطان -يعني يمينه) أي إنما كان الشيطان الحامل لي على أن أحلف، وأبعد من قال: إن الإشارة للقمة التي أكلها، أي هذه اللقمة آكلها لقمع الشيطان وإرغامه، لأنه قصد بتزيينه لي اليمين إيقاع الوحشة بيني وبين أضيافي، فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير، ومعنى هذا أن من في من الشيطان للتعليل، فسبب أكله على هذا إرغام الشيطان، وقيل: إن سبب أكله ما رآه من البركة في الطعام، وهو بعيد أيضاً، إذ البركة ظهرت بالأكل، لا قبله، على أن البخاري أخرج في الأدب فحلفت المرأة لا تطعمه حتى تطعموه، فقال أبو بكر: كأن هذه من الشيطان، فدعا بالطعام، فأكل، وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون اللقمة إلا ربا من أسفلها قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون أبو بكر أكل لأجل تحليل يمينهم شيئاً، ثم لما رأى البركة الظاهرة عاد، فأكل منها، لتحصل له.
اهـ فمفعول أكل منها أبو بكر محذوف، أي لقمة، وبهذا يجمع بين قوله فأكل منها أبو بكر، وقال: إنما كان ذلك من الشيطان وبين قوله بعد ثم أكل منها لقمة والظاهر الراجح أن سبب أكله لجاج الأضياف، وحلفهم أنهم لا يطعمون إلا إذا طعم، مستعملاً مكارم الأخلاق في إكرام ضيفانه، ولكونه أقدر منهم على الكفارة إذا حنث نفسه.

( ثم حملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصبحت عنده) أي حمل الجفنة بما فيها من طعام بعد أكلهم، وفي الرواية السابعة فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم.

( وكنا بيننا وبين قوم عقد...إلخ) مقصوده الدخول على أكل الجيش من الجفنة المباركة.

( فعرفنا اثنا عشر رجلاً، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل؟ إلا أنه بعث معهم) قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ فعرفنا بالعين وتشديد الراء، أي جعلنا عرفاء للعساكر، وفي كثير من النسخ ففرقنا بالفاء المكررة في أوله، وبقاف، من التفريق، أي جعلنا مع كل رجل من الاثنى عشر فرقة، وقوله اثنا عشر مفعول عرفنا أو فرقنا وهكذا هو في معظم الأصول، وفي نادر منها اثنى عشر قال النووي: وكلاهما صحيح، والأول جار على لغة من جعل المثنى بالألف في الرفع والنصب والجر، وهي لغة أربع قبائل من العرب.
قال شاعرهم:

إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها

وقوله الله أعلم كم مع كل رجل يعني أنه تحقق أنه جعل عليهم اثنا عشر عريفاً، لكنه لا يدري كم كان تحت يد كل عريف منهم، لكنه يجزم بأنه بعث ناس مع كل عريف.

( فأكلوا منها أجمعون) أي أكل جميع الجيش من تلك الجفنة، التي أرسل بها أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم لأن الذي وقع فيها في بيت أبي بكر ظهور أول البركة فيها، وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كلهم فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روى أحمد والترمذي والنسائي عن سمرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثريد، فأكل وأكل القوم، فما زالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر، يأكل قوم، ثم يقومون، ويجيء قوم، فيتعاقبونهم، فقال رجل: هل كانت تمد بطعام؟ قال: أما من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تمد من السماء قال بعض العلماء: يحتمل أن تكون هذه القصعة هي التي وقع فيها في بيت أبي بكر ما وقع.

( بروا، وحنثت) أي بروا في يمينهم ألا يطعموا إلا أن أطعم معهم، وحنثت في يميني أن لا أطعم.

( بل أنت أبرهم وأخيرهم) أي أكثرهم طاعة، وخير منهم، لأنك حنثت في يمينك حنثاً مندوباً إليه مرغوباً فيه، فأنت أفضل منهم.

قال النووي: وأخيرهم هكذا هو في جميع النسخ، بالألف، وهي لغة.

( الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد) المعي بكسر الميم، مقصور، وفي لغة بسكون العين بعدها ياء، والجمع أمعاء، ممدود، وهي المصارين، قال أبو حاتم السجستاني المعي مذكر، ولم أسمع من أثق به يؤنثه، فيقول: معي واحدة، لكن قد رواه من لا يوثق به.
وفي الرواية الرابعة عشرة المؤمن يشرب في معي واحد، والكافر يشرب في سبعة أمعاء وفي رواية للبخاري يأكل المسلم في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء وفيه أيضاً شك الراوي فيما سمع، هل قال: الكافر؟ أو قال المنافق.

قال الحافظ ابن حجر: واختلف في معنى الحديث، فقيل: ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مثل، ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء، ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا، والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهر [وكأنه من قبيل الكناية، التي هي لفظ أطلق، وأريد منه لازم معناه، لا معناه الحقيقي] .

وقيل: المعنى أن المؤمن يأكل الحلال، والكافر يأكل الحرام، والحلال أقل من الحرام في الوجود، نقله ابن التين.

وقيل: المراد حض المؤمن على قلة الأكل، إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر، ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى: { { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام } } [محمد: 12] .

وقيل: بل هو على ظاهره، ثم اختلفوا في ذلك على أقوال:

( أ) أحدها أنه ورد في شخص بعينه، واللام عهدية، لا جنسية، جزم بذلك ابن عبد البر، فقال: لا سبيل إلى حمله على العموم، لأن المشاهدة ترفعه، فكم من كافر يكون أقل أكلاً من مؤمن، وعكسه، وكم من كافر أسلم، فلم يتغير مقدار أكله، قال: وحديث أبي هريرة [روايتنا الرابعة عشرة] يدل على أنه ورد في رجل بعينه، فكأنه قيل: هذا إذ كان كافراً كان يأكل في سبعة أمعاء، فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه، فكفاه جزء من سبعة أجزاء، مما كان يكفيه وهو كافر، وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي في مشكل الآثار، فقال: قيل: إن هذا الحديث كان في كافر مخصوص، وهو الذي شرب حلاب السبع شياه.

قال الحافظ ابن حجر: وقد تعقب هذا الحمل بأن ابن عمر، راوي الحديث [روايتنا الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة] فهم منه العموم، فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيراً من الدخول عليه، واحتج بالحديث، ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما ترجح من تعدد الواقعة، وإيراد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها؟.

( ب) القول الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب، وليست حقيقة العدد مرادة، وتخصيص السبعة للمبالغة في التكثير، كما في قوله تعالى: { { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } } [لقمان: 27] والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الدنيا ومن الأكل، لاشتغاله بأسباب العبادة، ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع، ويمسك الرمق، ويعين على العبادة، ولخشيته أيضاً من حساب ما زاد على ذلك، والكافر بخلاف ذلك كله، فإنه لا يقف عند مقصود الشرع، بل هو تابع لشهوة نفسه، مسترسل فيها، غير خائف من تبعات الحرام، فصار أكل المؤمن -لما ذكر- إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه، ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر، فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيراً إما بحسب العادة، وإما لعارض يعرض له، من مرض أو غيره، ويكون في الكفار من يأكل قليلاً، إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة على رأي الرجحان، وإما لعارض، كضعف المعدة.

( ج) القول الثالث: أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان، لأن من حسن إسلامه، وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده، فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوتها، وقد ورد في الحديث من كثر تفكره قل طعمه، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه فدل على أن المراد بالمؤمن من يقتصد في مطعمه، وأما الكافر فمن شأنه الشره، فيأكل بالنهم، كما تأكل البهيمة.

وقد رده الخطابي، فقال: قد جاء عن غير واحد من أفاضل السلف الأكل الكثير، فلم يكن ذلك نقصاً في إيمانهم.

( د) الرابع أن المراد أن المؤمن يسمي الله تعالى عند طعامه وشرابه، فلا يشركه الشيطان، فيكفيه القليل، والكافر لا يسمي، فيشركه الشيطان.

( هـ) الخامس أن المؤمن يقل حرصه على الطعام، فيبارك له فيه، فيشبع من القليل، والكافر طامح البصر إلى المأكل، كالأنعام، فلا يشبعه القليل.
وهذا يمكن ضمه إلى الذي قبله، ويجعلان جواباً واحداً مركباً.

( و) السادس: قال النووي: المختار أن المراد أن أكثر المؤمنين يأكل في معي واحد، وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء، ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن.
اهـ

قال الحافظ ابن حجر: ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره القاضي عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها، متصلة بها، البواب، ثم الصائم، ثم الرقيق والثلاث رقاق، ثم الأعور، والقولون، والمستقيم، وكلها غلاظ، فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشراهة لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة، والمؤمن يشبعه ملء معي واحد.

( ز) السابع: قال النووي: يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات، هي: الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن، والواحد في المؤمن سد خلة.

( ح) الثامن: قال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع.

قال ابن التين: قيل: إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات: طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع، فحسب، وطائفة يجوعون أنفسهم، يقصدون بذلك قمع شهوة النفس، وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق.
قال الحافظ ابن حجر: وهو صحيح، لكنه لم يتعرض لتنزيل الحديث عليه، وهو لائق بالقول الثاني.

( رأى ابن عمر مسكيناً، فجعل يضع بين يديه، ويضع بين يديه، فجعل يأكل أكلاً كثيراً) في رواية للبخاري عن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين، يأكل معه، فأدخلت رجلاً يأكل معه، فأكل كثيراً، فقال: يا نافع: لا تدخل هذا علي....
الحديث وفي رواية له كان أبو نهيك -بفتح النون وكسر الهاء- رجلاً أكولاً، فقال له ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، فقال: فأنا أومن بالله ورسوله وعند الحميدي قيل لابن عمر: إن أبا نهيك رجل من أهل مكة، يأكل أكلاً كثيراً فالظاهر من الروايات أن ابن عمر لما سمع بأبي نهيك أراد أن يرى، فدعاه ليأكل معه، فلما رأى منه ما رأى قال لنافع: لا تدخل هذا علي مرة أخرى، وأسمع أبا نهيك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف، وهو كافر) قال الحافظ ابن حجر: هذا الرجل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري، فقد أخرج ابن شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني من طريق جهجاه أنه قدم في نفر من قومه، يريدون الإسلام، فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فلما سلم قال: ليأخذ كل رجل بيد جليسه، فلم يبق غيري، فكنت رجلاً عظيماً طويلاً، لا يقدم علي أحد، فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله، فحلب لي عنزاً، فأتيت عليه، ثم حلب لي آخر، حتى حلب سبعة أعنز، فأتيت عليها، ثم أتيت بصنيع برمة، فأتيت عليها، فقالت أم أيمن: أجاع الله من أجاع رسول الله، فقال: مه يا أم أيمن، أكل رزقه، ورزقنا على الله، فلما كانت الليلة الثانية، وصلينا المغرب، صنع ما صنع في الليلة التي قبلها، فحلب لي عنزاً، ورويت، وشبعت، فقالت أم أيمن: أليس هذا ضيفنا؟ قال: إنه أكل في معي واحد الليلة، وهو مؤمن، وأكل قبل ذلك في سبعة أمعاء، الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد.

وأخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمر، قال جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال، فأخذ كل رجل من الصحابة رجلاً، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو غزوان.
قال: فحلب له سبع شياه، فشرب لبنها كله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك يا أبا غزوان أن تسلم؟ قال: نعم.
فأسلم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، فلما أصبح حلب له شاة واحدة، فلم يتم لبنها.
فقال: مالك يا أبا غزوان؟ قال: والذي بعثك نبياً لقد رويت.
قال: إنك أمس كان لك سبعة أمعاء، وليس لك اليوم إلا معي واحد.

وذكر ابن إسحاق في السيرة من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال، أنه لما أسر، ثم أسلم وقعت له قصة شبيهة، ولا مانع من التعدد.

( ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً) أي مباحاً، أما الحرام فكان يعيبه ويذمه، وينهى عنه، وفي الرواية السادسة عشرة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاماًً قط ونفي العلم أدق من نفي الوقوع.

( قط) بفتح القاف وتشديد الطاء، ظرف زمان، لاستغراق ما مضى، وتختص بالنفي في الماضي، واشتقاقه من قططت الشيء، أي قطعته، والعامة يقولون: لا أفعله قط، وهو لحن.
وهي مبنية على الضم في أفصح اللغات وقد تكسر، وقد تتبع قافه طاءه، في الضم، وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها.

( كان إذا اشتهى شيئاً أكله) أي إن اشتهي شيئاً قدم إليه، وفي الرواية السادسة عشرة كان إذا اشتهاه أكله أي أكل منه.

( وإن كرهه تركه) وفي الرواية السادسة عشرة وإن لم يشتهه سكت أي سكت عن عيبه.

فقه الحديث

يؤخذ من الأحاديث

1- من الرواية الأولى، من قول أمهات المؤمنين جميعهن والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأهل بيته من الزهد في الدنيا، والصبر على الجوع وضيق الحال.

2- ومن سؤاله صلى الله عليه وسلم أزواجه عن طعام للضيف، ثم عرضه على أصحابه، أنه ينبغي لكبير القوم أن يبدأ في مواساة الضيف بنفسه، فيواسيه من ماله أولاً إن تيسر، فإن لم يتيسر له طلب له من أصحابه المواساة، على سبيل التعاون على البر والتقوى.

3- ومشروعية المواساة في حال الشدائد، وهو مأخذ مشترك بين الرواية الأولى وأغلب الروايات.

4- ومن فعل الأنصاري بضيفه إكرام الضيف وإيثاره.

5- ومن رضي الله عنه وعن امرأته منقبة عظيمة لهما.

6- والاحتيال في إكرام الضيف، لقوله أطفئي السراج، وأريه أنا نأكل وذلك عند الحاجة إلى الاحتيال، فإن الضيف ربما امتنع عن الأكل، رفقاً بأهل المنزل، إذا علم قلة الطعام.

7- ومشروعية إيثار الضيف على الصغار ومن يعولهم المسلم، قال النووي: وهذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل، وإنما تطلبه أنفسهم على عادة الصبيان، من غير جوع يضرهم، فإنهم لو كانوا على حاجة، بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجباً، ويجب تقديمه على الضيافة، وقد أثنى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل وامرأته، فدل على أنهما لم يتركا واجباً، بل أحسنا وأجملا رضي الله عنهما، وأما الرجل وامرأته فآثراه على أنفسهما، برضاهما، مع حاجتهما وخصاصتهما، فمدحهما الله تعالى، وأنزل فيهما { { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } } [الحشر: 9] .

ثم قال النووي: وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من أمور الدنيا وحظوظ النفوس، أما القربات فالأفضل ألا يؤثر بها، لأن الحق فيها لله تعالى.

8- وفي الحديث دليل على نفوذ فعل الأب في الابن الصغير، وإن كان مطوياً على ضرر خفيف، إذا كان في ذلك مصلحة دينية أو دنيوية، وهو محمول على ما إذا عرف بالعادة من الصغير الصبر على مثل ذلك.

9- ومن حال المقداد وصاحبه في الرواية الرابعة، وموقف الصحابة منهم ما كان عليه الصحابة من ضيق الحال، والصبر على الشدائد.

10- ومن عدم قبول الصحابة للمقداد وصاحبيه وإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، أن المقل لا تلزمه المواساة، قال النووي: عدم قبولهم محمول على أنهم كانوا مقلين، ليس عندهم شيء يواسون به.

11- ومن تسليمه صلى الله عليه وسلم أدب الإسلام في التسليم على قوم فيهم نيام، وأنه يكون سلاماً متوسطاً بين الرفع والمخافتة، بحيث يسمع الأيقاظ، ولا يهوش على غيرهم.

12- ومن موقف الشيطان من الرجل أسلوبه في الإغواء، وفي السخرية بعد الوقوع، ليزيد الوقوع في الآثام.

13- ومن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من شرب الصحابي لنصيبه من اللبن ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم والأخلاق العالية وكرم النفس والصبر والإغضاء عن حقوقه، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن نصيبه من اللبن.

14- ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم اللهم أطعم من أطعمني استحباب الدعاء للمحسن والخادم ولمن سيفعل خيراً.

15- ومن إحداث اللبن في الأعنز في غير وقته معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

16- ومن تكثير سواد البطن حتى وسع هذا العدد معجزة أخرى.

17- ومن تكثير الصاع، ولحم الشاة؛ حتى شبع الجميع وفضلت منه فضلة، معجزة ثالثة.

18- وفي قصة شراء الشاة من المشعان مواساة الرفقة فيما يعرض لهم.

19- ومن تخبئة نصيب الغائب مشروعية واستحباب ذلك.

20- قال الحافظ ابن حجر: في هذا الحديث قبول هدية المشرك، لأنه سأله: هل يبيع أو يهدي؟ وكذا استدل البخاري بالحديث، ووضعه تحت: باب قبول الهدية من المشركين، وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك، فقد أخرج موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فأهدى له، فقال: إني لا أقبل هدية مشرك قال الحافظ ابن حجر: الحديث رجاله ثقات، إلا أنه مرسل، وقد وصله بعضهم على الزهري، ولا يصح.
قال: وفي الباب حديث عياض بن حماد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما، عن عياض قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة، فقال: أسلمت؟ قلت: لا.
قال: إني نهيت عن زبد المشركين والزبد بفتح الزاي وسكون الباء الرفد، صححه الترمذي وابن خزيمة.

وجمع الطبري بأن الامتناع فيما أهدى له خاصة، والقبول فيما أهدى للمسلمين، وقيل: يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب، والرد على من كان من أهل الأوثان، ورد هذا بأن هذا الأعرابي كان وثنياً، وقيل: إن القبول من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ويمتنع ذلك لغيره من الأمراء، وقيل: إن أحاديث القبول نسخت المنع، وقيل: إن أحاديث المنع نسخت أحاديث القبول، وأقوى أوجه الجمع أن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة، والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام.

21- وفي الحديث ظهور البركة في الاجتماع على الطعام.

22- وفيه القسم لتأكيد الخبر، وإن كان المخبر صادقاً، وذلك إذا كان الخبر غريباً.

23- ومن قوله فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا جواز الشبع، وقد مر الكلام على الشبع وحدوده وحكمه في المأخذ رقم [43] في باب: الضيف يتبعه غير من دعي وتكثير الطعام ببركة النبي صلى الله عليه وسلم.

24- ومن الرواية السادسة والسابعة، حديث، ضيف أبي بكر أنه إذا حضر ضيفان كثيرون فينبغي للجماعة أن يتوزعوهم، ويأخذ كل واحد منهم من يحتمله.

25- وأنه ينبغي لكبير القوم أن يأمر أصحابه بذلك.

26- وأن كبير القوم يأخذ من يمكنه منهم.

27- وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بأفضل الأمور، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسبق إلى السخاء والجود، فإن عيال النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قريباً من عدد ضيفانه هذه الليلة، فأتى بنصف طعامه أو نحوه، وأتى أبو بكر رضي الله عنه بثلث طعامه أو أكثر، وأتى الباقون بدون ذلك.

28- وفي إرسال أبي بكر للأضياف، وذهابه للنبي صلى الله عليه وسلم جواز ذهاب من عنده ضيفان إلى أشغاله ومصالحه، إذا كان له من يقوم بأمورهم، ويسد مسده.

29- وفيه ما كان عليه أبو بكر رضي الله عنه من الحب للنبي صلى الله عليه وسلم، والانقطاع إليه، وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل والأولاد والضيفان وغيرهم.

30- وفيه جواز امتناع الضيف عن الطعام حتى يشاركه فيه صاحب البيت، قال النووي: قال العلماء: الصواب للضيف ألا يمتنع مما أراده المضيف من تعجيل طعام وتكثيره وغير ذلك من أموره، إلا أن يعلم أنه يتكلف ما يشق، حياء منه، فيمنعه برفق، ومتى شك لم يعترض عليه، ولم يمتنع، فقد يكون للمضيف عذر أو غرض في ذلك لا يمكنه إظهاره، فتلحقه المشقة بمخالفة الأضياف.

31- وفي سب أبي بكر ابنه جواز ذلك إذا وقع من الابن ما لا يرضاه أبوه، وذلك على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير وتعاطيه.

32- ومن قوله كلوا لا هنيئاً جواز الدعاء على من لم يحصل منه الإنصاف، ولاسيما عند الحرج والتغيظ، وذلك أنهم تحكموا على رب المنزل بالحضور معهم، ولم يكتفوا بولده، مع إذنه لهم في ذلك، وكأن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التبرك بمؤاكلته.

33- ومن أهل الصفة جواز التجاء الفقراء إلى المساجد، عند الاحتياج إلى المواساة، إذا لم يكن في ذلك إلحاح، ولا إلحاف، ولا تشويش على المصلين.

34- واستحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط.

35- وفي موقف أم رومان في هذه القصة تصرف المرأة فيما تقدم للضيف، والإطعام بغير إذن خاص من الرجل.

36- وفيه جواز الحلف على ترك المباح.

37- قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز الحنث بعد عقد اليمين.

38- وفيه أن من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها فعل ذلك، وكفر عن يمينه، قال النووي: كما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
اهـ وسيأتي قريباً مزيد لهذه المسألة.

39- قال الحافظ ابن حجر: استدل بقوله ولم تبلغني كفارة على أنه لا تجب كفارة في يمين اللجاج والغضب، ولا حجة فيه، لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوجود، فلمن أثبت الكفارة أن يتمسك بعموم قوله تعالى: { { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين... } } [المائدة: 89] قال: ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل مشروعية الكفارة في الأيمان، لكن يعكر عليه حديث عائشة أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين، حتى نزلت الكفارة وقال النووي: قوله ولم تبلغني كفارة يعني أنه لم يكفر قبل الحنث، فأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه.
كذا قال، وقال غيره: يحتمل أن يكون أبو بكر لما حلف أن لا يطعمه أضمر وقتاً معيناً، أو صفة مخصوصة، أي لا أطعمه الآن، أو لا أطعمه عند الغضب، وهو مبني على أن اليمين تقبل التقييد في النفس، وفي ذلك خلاف، على أن قول أبي بكر والله لا أطعمه أبداً يمين مؤكدة، ولا تحتمل أن تكون من لغو الكلام، ولا من سبق اللسان، ولا الاستثناء النفسي.

40- وفي الحديث التبرك بطعام الأولياء والصلحاء.

41- وفيه عرض الطعام الذي تظهر فيه البركة على الكبار، وقبولهم ذلك.

42- قال الحافظ ابن حجر: وفيه العمل بالظن الغالب، لأن أبا بكر ظن أن عبد الرحمن فرط في أمر الأضياف، فبادر إلى سبه، وقوى القرينة عنده اختباؤه منه.

43- وفيه وقوع لطف الله بأوليائه، وذلك أن خاطر أبي بكر تشوش، وكذلك ولده وأهله وأضيافه، بسبب امتناع الأضياف من الأكل، وتكدر خاطر أبي بكر من ذلك، فتدارك الله ذلك، ورفعه عنه بالكرامة التي أبداها له، فانقلب ذلك الكدر صفاء، والنكد سروراً.

44- وفيه حمل المشقة لإكرام الضيف، وإذا تعارض حنثه وحنثهم حنث نفسه، لأن حقهم عليه آكد.

45- وفيه كرامة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه.

46- وفيه إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة.

47- قال النووي: وفي هذا الحديث دليل لجواز تفريق العرفاء على العساكر ونحوها، لما فيه من مصلحة الناس، ولتيسر ضبط الجيوش ونحوها على الإمام باتخاذ العرفاء، وفي سنن أبي داود العرافة حق وأما حديث العرفاء في النار فمحمول على العرفاء المقصرين في ولايتهم، المرتكبين فيها ما لا يجوز، كما هو معتاد لكثير منهم.

48- ومن قوله فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بعد ما مضي من الليل ما شاء الله إلخ ترجم البخاري في أبواب الصلاة: باب السمر مع الضيف والأهل وأخذه من كون أبي بكر رجع إلى أهله وضيفانه بعد أن صلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدار بينهم وبينه ما ذكر في الحديث.

49- وضع البخاري هذا الحديث تحت باب: ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف، واستنبطه من غضب أبي بكر عند أضيافه، ثم تحنيثه نفسه، والعودة إلى إرضائهم، وقوله إنما كان ذلك من الشيطان.

50- كما وضعه تحت باب: قول الضيف لصاحبه: والله لا آكل حتى يأكل.

51- ومن الرواية الثامنة والتاسعة والعاشرة أن الطعام القليل يكفي الكثير.

52- والحض على مكارم الأخلاق، والتقنع بالكفاية والمواساة.

53- وأن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة.

54- وفيه أنه لا ينبغي للمرء أن يستحقر ما عنده، فيمتنع من تقديمه، فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء، بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية، لا حقيقة الشبع.

55- قال ابن المنذر: يؤخذ من حديث أبي هريرة -روايتنا الثامنة- استحباب الاجتماع على الطعام، وأن لا يأكل المرء وحده.

56- ومن الرواية الخامسة عشرة والسادسة عشرة قال النووي: ومن آداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب، كقوله: مالح أو حامض، أو غليظ، أو رقيق، أو غير ناضج، ونحو ذلك.
وقال الحافظ ابن حجر: وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصفة لم يكره، لأن صنعة الله لا تعاب، وصنعة الآدميين تعاب، والذي يظهر التعميم، فإن في عيب الصفة كسر قلب الصانع.

57- من قوله وإن كرهه تركه قال ابن بطال: هذا من حسن الأدب، لأن المرء قد لا يشتهي الشيء، ويشتهيه غيره، وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب.

والله أعلم