هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
396 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، فَنَزَلَتْ : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وَآيَةُ الحِجَابِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُنَّ : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ) ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
396 حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وافقت ربي في ثلاث : فقلت يا رسول الله ، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وآية الحجاب ، قلت : يا رسول الله ، لو أمرت نساءك أن يحتجبن ، فإنه يكلمهن البر والفاجر ، فنزلت آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه ، فقلت لهن : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) ، فنزلت هذه الآية قال أبو عبد الله : وحدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : حدثني حميد ، قال : سمعت أنسا بهذا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن  عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ، فَنَزَلَتْ : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } وَآيَةُ الحِجَابِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُنَّ : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ) ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.

Narrated `Umar (bin Al-Khattab):

My Lord agreed with me in three things: -1. I said, O Allah's Messenger (ﷺ), I wish we took the station of Abraham as our praying place (for some of our prayers). So came the Divine Inspiration: And take you (people) the station of Abraham as a place of prayer (for some of your prayers e.g. two rak`at of Tawaf of Ka`ba). (2.125) -2. And as regards the (verse of) the veiling of the women, I said, 'O Allah's Messenger (ﷺ)! I wish you ordered your wives to cover themselves from the men because good and bad ones talk to them.' So the verse of the veiling of the women was revealed. -3. Once the wives of the Prophet (ﷺ) made a united front against the Prophet (ﷺ) and I said to them, 'It may be if he (the Prophet) divorced you, (all) that his Lord (Allah) will give him instead of you wives better than you.' So this verse (the same as I had said) was revealed. (66.5).

0402 Anas dit : Umar a dit : Mon avis a coïncidé avec les prescriptions de mon Seigneur en trois reprises: la première fut lorsque j’avais suggéré au Messager de Dieu de faire de la Station d’Abraham un oratoire. En effet, Adoptez la station d’Abraham comme oratoire fut aussitôt révélé; la deuxième, lorsque j’avais dit : « O Messager de Dieu ! pourquoi n’ordonnes-tu pas à tes femmes de se voiler, car il y a le pieux comme il y a le pervers qui leur adressent la parole » Et aussitôt dit, le verset du voile fut révélé, quant à la troisième fois, elle fut lorsque quelques épouses du Prophète eurent un comportement jaloux… Je leur dit alors : « S’il vous répudie, il se peut que son Seigneur lui donne en échange de meilleures épouses que vous ! » Après quoi, ce verset (S’il vous répudie, il se peut que son Seigneur lui donne en échange de meilleur épouses que vous ! (sourate 66, verset 5)) fut révélé. Directement d’ibn Abu Maryam, directement de Yahya ben Ayyub, directement de Humayd qui dit : J’ai entendu cela de Anas.  

":"ہم سے عمرو بن عون نے بیان کیا ، کہا ہم سے ہشیم نے حمید کے واسطہ سے ، انھوں نے انس بن مالک رضی اللہ عنہ کے واسطہ سے کہ عمر رضی اللہ عنہ نے فرمایا کہمیری تین باتوں میں جو میرے منہ سے نکلا میرے رب نے ویسا ہی حکم فرمایا ۔ میں نے کہا تھا کہ یا رسول اللہ ! اگر ہم مقام ابراہیم کو نماز پڑھنے کی جگہ بنا سکتے تو اچھا ہوتا ۔ اس پر یہ آیت نازل ہوئی ۔ ’’ اور تم مقام ابراہیم کو نماز پڑھنے کی جگہ بنا لو ‘‘ دوسری آیت پردہ کے بارے میں ہے ۔ میں نے کہا تھا کہ یا رسول اللہ کاش ! آپ اپنی عورتوں کو پردہ کا حکم دیتے ، کیونکہ ان سے اچھے اور برے ہر طرح کے لوگ بات کرتے ہیں ۔ اس پر پردہ کی آیت نازل ہوئی اور ایک مرتبہ آنحضور صلی اللہ علیہ وسلم کی بیویاں جوش و خروش میں آپ کی خدمت میں اتفاق کر کے کچھ مطالبات لے کر حاضر ہوئیں ۔ میں نے ان سے کہا کہ ہو سکتا ہے کہ اللہ پاک تمہیں طلاق دلا دیں اور تمہارے بدلے تم سے بہتر مسلمہ بیویاں اپنے رسول صلی اللہ علیہ وسلم کو عنایت کریں ، تو یہ آیت نازل ہوئی «عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن‏» اور سعید ابن ابی مریم نے کہا کہ مجھے یحییٰ بن ایوب نے خبر دی ، کہا کہ ہم سے حمید نے بیان کیا ، کہا میں نے حضرت انس رضی اللہ عنہ سے یہ حدیث سنی ۔

0402 Anas dit : Umar a dit : Mon avis a coïncidé avec les prescriptions de mon Seigneur en trois reprises: la première fut lorsque j’avais suggéré au Messager de Dieu de faire de la Station d’Abraham un oratoire. En effet, Adoptez la station d’Abraham comme oratoire fut aussitôt révélé; la deuxième, lorsque j’avais dit : « O Messager de Dieu ! pourquoi n’ordonnes-tu pas à tes femmes de se voiler, car il y a le pieux comme il y a le pervers qui leur adressent la parole » Et aussitôt dit, le verset du voile fut révélé, quant à la troisième fois, elle fut lorsque quelques épouses du Prophète eurent un comportement jaloux… Je leur dit alors : « S’il vous répudie, il se peut que son Seigneur lui donne en échange de meilleures épouses que vous ! » Après quoi, ce verset (S’il vous répudie, il se peut que son Seigneur lui donne en échange de meilleur épouses que vous ! (sourate 66, verset 5)) fut révélé. Directement d’ibn Abu Maryam, directement de Yahya ben Ayyub, directement de Humayd qui dit : J’ai entendu cela de Anas.  

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [402] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ عَنْ كَبِيرٍ .

     قَوْلُهُ  وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ أَيْ وَقَائِعَ وَالْمَعْنَى وَافَقَنِي رَبِّي فَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِ مَا رَأَيْتُ لَكِنْ لِرِعَايَةِ الْأَدَبِ أَسْنَدَ الْمُوَافَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ إِلَى حُدُوثِ رَأْيهِ وَقِدَمِ الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصِهِ الْعَدَدَ بِالثَّلَاثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ الْمُوَافَقَةُ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ هَذِهِ مِنْ مَشْهُورِهَا قِصَّةُ أُسَارَى بَدْرٍ وَقِصَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ من حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ.

     وَقَالَ  فِيهِ عُمَرُ إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى كَثْرَةِ مُوَافَقَتِهِ وَأَكْثَرُ مَا وَقَفْنَا مِنْهَا بِالتَّعْيِينِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَنْقُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَعَلَى مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِلَخْ وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ زِيَادَةً يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ كَانَ اللَّائِقُ إِيرَادَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَالْجَوَاب أَنه عدل عَنهُ إِلَى حَدِيث بن عُمَرَ لِلتَّنْصِيصِ فِيهِ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ.

.
وَأَمَّا مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ فَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ بِالْكَعْبَةِ فَظَاهِرٌ أَوْ بِالْحَرَمِ كُلِّهِ فَمن فِي قَوْله من مقَام إِبْرَاهِيم لِلتَّبْعِيضِ وَمُصَلًّى أَيْ قِبْلَةً أَوْ بِالْحَجَرِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَيَكُونَ تَعَلُّقُهُ بالمتعلق بالقبلة لَا بِنَفس الْقبْلَة.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَعَلُّقَ الْحَدِيثِ بِالتَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ لِأَنَّ عُمَرَ اجْتَهَدَ فِي أَنِ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلَّى إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هُوَ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ فَاخْتَارَ إِحْدَى جِهَاتِ الْقِبْلَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَحَصَلَتْ مُوَافَقَتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيبِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ وَلَا يخفى مَا فِيهِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [402] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ".
[الحديث أطرافه في: 4483، 4790، 4916] .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا.
وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن عون) بالنون أبو عثمان الواسطي البزاز بزايين نزيل البصرة، المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة وسكون المثناة ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة ( عن حميد) الطويل ( عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك ( قال) : ( قال عمر) بن الخطاب وللأصيلي رضي الله عنه: ( وافقت ربي في ثلاث) أي وافقني ربي فيما أردت أن يكون شرعًا، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه كذا قال العيني كابن حجر وغيره، لكن قال صاحب اللامع: لا يحتاج إلى ذلك، فإن مَن وافقك فقد وافقته انتهى.
قال في الفتح: أو أشار به إلى حدث رأيه وقدم الحكم، وقوله في ثلاث أي قضايا أو أمور ولم يؤنّث مع أن الأمر مذكر لأن التمييز إذا لم يكن مذكورًا جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة، فقد روي عنه موافقات بلغت الخمسة عشر: أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وتحريم الخمر.
ويحتمل أن يكون ذلك قبل الموافقة في غير الثلاث، ونوزع فيه لأن عمر أخبر بهذا بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يتجه ما ذكر من ذلك.
( قلت) ولغير الأربعة فقلت: ( يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى) بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده بحذف جواب لو أو هي للتمني فلا تفتقر إلى جواب، وعند ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني ( فنزلت { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وآية الحجاب) برفع آية على الابتداء والخبر محذوف أي كذلك أو على العطف على مقدر أي هو اتخاذ مصلّى، وآية الحجاب وبالنصب على الاختصاص وبالجرّ عطفًا على مقدّر، أي اتخاذ مصلّى من مقام إبراهيم وهو بدل من قوله ثلاث( قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلّمهنّ البرّ) بفتح الموحدة صفة مشبهة ( والفاجر) الفاسق وهو مقابل البر ( فنزلت آية الحجاب) : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنّ} [الأحزاب: 59] ( واجتمع نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغيرة عليه) بفتح الغين المعجمة وهي الحمية والأنفة ( فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ) ليس في ما يدل على أن في النساء خيرًا منهن لأن المعلّق بما لم يقع لا يجب وقوعه ( فنزلت هذه الآية) .
وبه قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم كذا في رواية كريمة ولأبي ذر عن المستملي، قال أبو عبد الله أي المؤلّف: وحدّثنا ابن أبي مريم، ولابن عساكر قال محمد أي المؤلّف أيضًا.
وقال ابن أبي مريم، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقال ابن أبي مريم: ( أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( حميد) الطويل ( قال: سمعت أنسًا) أي ابن مالك ( بهذا) أي بالحديث المذكور سندًا ومتنًا، وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس، فحصل الأمن من تدليسه، واستشكل بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري، وإن خرّج له في المتابعات.
وأُجيب: بأن هذه من جملة المتابعات ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور، فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدّثنا أنس قاله في الفتح.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [402] حدثنا عمرو بن عون: ثنا هشيم، عن حميد، عن انس، قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] ، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نسائك أن يحتجبن؛ فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغيرة عليه، فقلت لهن: { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} [التحريم:5] ، فنزلت هذه الآية.
وقال ابن أبي مريم: أبنا يحيى بن أيوب: حدثني حميد، قال: سمعت أنسا - بهذا.
هذا الحديث مشهور عن حميد، عن انس، وقد خرجه البخاري - أيضا - في ( ( التفسير) ) من حديث يحيى بن سعيد، عن حميد.
ورواه - أيضا - يزيد بن زريع وابن علية وابن أبي عدي وحماد بن سلمة وغيرهم، عن حميد، عن انس.
وإنما ذكر البخاري رواية يحيى بن أيوب: حدثني حميد، قال: سمعت أنسا؛ ليبين به أن حميدا سمعه من انس؛ فإن حميدا يروي عن انس كثيرا.
وروي عن حماد بن سلمة، أنه قالَ: أكثر حديث حميد لم يسمعه من انس، إنما سمعه من ثابت، عنه.
وروي عن شعبة، أنه لم يسمع من انس إلا خمسة أحاديث.
وروي عنه، أنه لم يسمع منه إلا بضعة وعشرين حديثا.
وقد سبق القول في تسامح يحيى بن أيوب والمصريين والشاميين فيلفظة: ( ( ثنا) ) -: كما قاله الإسماعيلي.
وقال علي بن المديني في هذا الحديث: هو من صحيح الحديث.
ولم يخرج مسلم هذا الحديث، إنما خرج من رواية سعيد بن عامر، عن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: وافقت ربي في ثلاث: في الحجاب، وفي أسارى بدر، وفي مقام إبراهيم.
وقد أعله الحافظ أبو الفضل ابن عمار الشهيد - رحمه الله - بأنه روى عن سعيد بن عامر، عن جويرية، عن رجل، عن نافع، أن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث.
فدخل في إسناده رجل مجهول، وصار منقطعا.
وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: سمعت جابرا يحدث عن حجة الوداع، قال: لما طاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له عمر: هذا مقام إبراهيم؟ قال: ( ( نعم) ) ، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] .
وهذا غريب، وهو يدل على أن هذا القول كان في حجة الوداع، وأنالآية نزلت بعد ذلك، وهو بعيد جدا، وعبد الوهاب ليس بذاك المتقن.
وقد خالفه الحفاظ، فرووا في حديث حجة الوداع الطويل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى إلى المقام، وقرا: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] ثُمَّ صلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت.
وروى الوليد بن مسلم عن مالك، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، قال: لما وقف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] ؟ قال: ( ( نعم) ) .
قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثك؟ قال: نعم.
وقد خرجه النسائي بمعناه.
والوليد، كثير الخطأ -: قاله أبو حاتم وأبو داود وغيرهما.
وذكر فتح مكة فيه غريب أو وهم؛ فإن هذه قطعة من حديث جابر في حجة الوداع.
وقد روي حديث انس، عن عمر من وجه آخر: خرجه أبو داود الطيالسي: ثنا حماد بن سلمة: ثنا علي بن زيد، عن انس، قال: عمر:وافقت ربي في أربع - فذكر الخصال الثلاث المذكورة في حديث حميد، إلا أنه قال في الحجاب: فأنزل الله: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] ، قال: ونزلت هذه الآية: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] ، فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين، فنزل: { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14] .
وقول عمر: ( ( وافقت ربي في ثلاث) ) ، ليس بصيغة حصر، فقد وافق في أكثر من هذه الخصال الثلاث والأربع.
ومما وافق فيه القرآن قبل نزوله: النهي عن الصلاة على المنافقين.
وقوله لليهود: من كان عدوا لجبريل، فنزلت الآية.
وقوله للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما اعتزل نساءه ووجد عليهن: يا رسول الله، أن كنت طلقتهن، فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك.
قال عمر: وقل ما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلارجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، فنزلت آية التخيير: { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} [التحريم:5] الآية.
وقد خرج هذا الأخير مسلم من حديث ابن عباس، عن عمر.
وأما موافقته في النهي عن الصلاة على المنافقين؛ فمخرج في ( ( الصحيحين) ) من حديث ابن عباس، عن عمر - أيضا.
وأما موافقته في قوله: { مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97] ، فرواه: أبو جعفر الرازي، عن حصين بن عبد الرحمان، عن ابن أبي ليلى، عن عمر ورواه: داود، عن الشعبي، عن عمر، وهما منقطعان.
وقد روي موافقته في خصال آخر، وقد عد الحافظ أبو موسى المديني من ذلك اثنتي عشرة خصلة.
وتخريج البخاري لهذا الحديث في هذا الباب: يدل على أنه فسر قولهتعالى: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] بالأمر بالصلاة إلى البيت الذي بناه إبراهيم، وهو الكعبة، والأكثرون على خلاف ذلك، كما سبق ذكره.
الحديث الثاني: قال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ)
أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ إِذا تبين خَطؤُهُ فروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا تَجِبُ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يُعِيدُ إِذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ مُطْلَقًا وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْأَوَّلِينَ لَكِنْ قَالَ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ لَكِنَّ .

     قَوْلُهُ  وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ لَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْصُولًا لَكِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ أبي سُفْيَان مولى بن أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة وَوهم بن التِّينِ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ طرف من حَدِيث بن مَسْعُود الْمَاضِي لِأَن حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَمُنَاسَبَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى الصَّلَاةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ اسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةَ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ سَاهِيًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ

[ قــ :396 ... غــ :402] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ عَنْ كَبِيرٍ .

     قَوْلُهُ  وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ أَيْ وَقَائِعَ وَالْمَعْنَى وَافَقَنِي رَبِّي فَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِ مَا رَأَيْتُ لَكِنْ لِرِعَايَةِ الْأَدَبِ أَسْنَدَ الْمُوَافَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ إِلَى حُدُوثِ رَأْيهِ وَقِدَمِ الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصِهِ الْعَدَدَ بِالثَّلَاثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ الْمُوَافَقَةُ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ هَذِهِ مِنْ مَشْهُورِهَا قِصَّةُ أُسَارَى بَدْرٍ وَقِصَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ من حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ.

     وَقَالَ  فِيهِ عُمَرُ إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى كَثْرَةِ مُوَافَقَتِهِ وَأَكْثَرُ مَا وَقَفْنَا مِنْهَا بِالتَّعْيِينِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَنْقُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَعَلَى مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِلَخْ وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ زِيَادَةً يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ كَانَ اللَّائِقُ إِيرَادَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَالْجَوَاب أَنه عدل عَنهُ إِلَى حَدِيث بن عُمَرَ لِلتَّنْصِيصِ فِيهِ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ.

.
وَأَمَّا مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ فَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ بِالْكَعْبَةِ فَظَاهِرٌ أَوْ بِالْحَرَمِ كُلِّهِ فَمن فِي قَوْله من مقَام إِبْرَاهِيم لِلتَّبْعِيضِ وَمُصَلًّى أَيْ قِبْلَةً أَوْ بِالْحَجَرِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَيَكُونَ تَعَلُّقُهُ بالمتعلق بالقبلة لَا بِنَفس الْقبْلَة.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَعَلُّقَ الْحَدِيثِ بِالتَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ لِأَنَّ عُمَرَ اجْتَهَدَ فِي أَنِ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلَّى إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هُوَ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ فَاخْتَارَ إِحْدَى جِهَاتِ الْقِبْلَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَحَصَلَتْ مُوَافَقَتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيبِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ وَلَا يخفى مَا فِيهِ
قَوْله.

     وَقَالَ  بن أبي مَرْيَم فِي رِوَايَة كَرِيمَة حَدثنَا بن أَبِي مَرْيَمَ وَفَائِدَةُ إِيرَادِ هَذَا الْإِسْنَادِ مَا فِيهِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِسَمَاعِ حُمَيْدٍ مِنْ أَنَسٍ فَأُمِنَ مِنْ تَدْلِيسِهِ وَقَولُهُ بِهَذَا أَيْ إِسْنَادًا وَمَتْنًا فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ لَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَائِدَةُ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحُ حُمَيْدٍ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَسٍ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ خَرَّجَ لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَأَقُولُ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَابَعَاتِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بِالتَّصْرِيحِ الْمَذْكُورِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزُّهْرَانِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب ما جاء في القبلة، ومن لم ير الإعادة على من سها
فصلى إلى غير القبلة
وقد سلم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ركعتي الظهر، فأقبل على الناس بوجهه، ثم أتم ما بقي.

خرج فيه ثلاث أحاديث:
الحديث الأول:
قال:
[ قــ :396 ... غــ :402 ]
- حدثنا عمرو بن عون: ثنا هشيم، عن حميد، عن انس، قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] ، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نسائك أن يحتجبن؛ فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الغيرة عليه، فقلت لهن: { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} [التحريم:5] ، فنزلت هذه الآية.

وقال ابن أبي مريم: أبنا يحيى بن أيوب: حدثني حميد، قال: سمعت أنسا -
بهذا.
هذا الحديث مشهور عن حميد، عن انس، وقد خرجه البخاري - أيضا - في ( ( التفسير) ) من حديث يحيى بن سعيد، عن حميد.

ورواه - أيضا - يزيد بن زريع وابن علية وابن أبي عدي وحماد بن سلمة
وغيرهم، عن حميد، عن انس.

وإنما ذكر البخاري رواية يحيى بن أيوب: حدثني حميد، قال: سمعت أنسا؛ ليبين به أن حميدا سمعه من انس؛ فإن حميدا يروي عن انس كثيرا.

وروي عن حماد بن سلمة، أنه قالَ: أكثر حديث حميد لم يسمعه من انس، إنما سمعه من ثابت، عنه.

وروي عن شعبة، أنه لم يسمع من انس إلا خمسة أحاديث.

وروي عنه، أنه لم يسمع منه إلا بضعة وعشرين حديثا.

وقد سبق القول في تسامح يحيى بن أيوب والمصريين والشاميين في لفظة: ( ( ثنا) ) -: كما قاله الإسماعيلي.

وقال علي بن المديني في هذا الحديث: هو من صحيح الحديث.

ولم يخرج مسلم هذا الحديث، إنما خرج من رواية سعيد بن عامر، عن
جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، قال: وافقت ربي في ثلاث: في
الحجاب، وفي أسارى بدر، وفي مقام إبراهيم.

وقد أعله الحافظ أبو الفضل ابن عمار الشهيد - رحمه الله - بأنه روى عن سعيد بن عامر، عن جويرية، عن رجل، عن نافع، أن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث.
فدخل في إسناده رجل مجهول، وصار منقطعا.

وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: سمعت جابرا يحدث عن حجة الوداع، قال: لما طاف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له عمر: هذا مقام إبراهيم؟ قال: ( ( نعم) ) ، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] .

وهذا غريب، وهو يدل على أن هذا القول كان في حجة الوداع، وأن الآية نزلت بعد ذلك، وهو بعيد جدا، وعبد الوهاب ليس بذاك المتقن.

وقد خالفه الحفاظ، فرووا في حديث حجة الوداع الطويل، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه، عن جابر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتى إلى المقام، وقرا: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] ثُمَّ صلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت.

وروى الوليد بن مسلم عن مالك، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، قال: لما وقف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة: 125] ؟ قال: ( ( نعم) ) .

قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثك؟ قال: نعم.

وقد خرجه النسائي بمعناه.

والوليد، كثير الخطأ -: قاله أبو حاتم وأبو داود وغيرهما.

وذكر فتح مكة فيه غريب أو وهم؛ فإن هذه قطعة من حديث جابر في حجة الوداع.

وقد روي حديث انس، عن عمر من وجه آخر:
خرجه أبو داود الطيالسي: ثنا حماد بن سلمة: ثنا علي بن زيد، عن انس، قال: عمر: وافقت ربي في أربع - فذكر الخصال الثلاث المذكورة في حديث حميد، إلا أنه قال في الحجاب: فأنزل الله: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] ، قال: ونزلت هذه الآية: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ
طِينٍ}
[المؤمنون:12] ، فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين، فنزل:
{ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14] .

وقول عمر: ( ( وافقت ربي في ثلاث) ) ، ليس بصيغة حصر، فقد وافق في أكثر من هذه الخصال الثلاث والأربع.

ومما وافق فيه القرآن قبل نزوله: النهي عن الصلاة على المنافقين.

وقوله لليهود: من كان عدوا لجبريل، فنزلت الآية.

وقوله للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما اعتزل نساءه ووجد عليهن: يا رسول الله، أن كنت
طلقتهن، فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك.
قال عمر: وقل ما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، فنزلت آية التخيير: { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنّ} [التحريم:5] الآية.

وقد خرج هذا الأخير مسلم من حديث ابن عباس، عن عمر.

وأما موافقته في النهي عن الصلاة على المنافقين؛ فمخرج في ( ( الصحيحين) ) من حديث ابن عباس، عن عمر - أيضا.

وأما موافقته في قوله: { مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ} [البقرة:97] ، فرواه: أبو جعفر الرازي، عن حصين بن عبد الرحمان، عن ابن أبي ليلى، عن عمر ورواه: داود، عن الشعبي، عن عمر، وهما منقطعان.

وقد روي موافقته في خصال آخر، وقد عد الحافظ أبو موسى المديني من ذلك اثنتي عشرة خصلة.

وتخريج البخاري لهذا الحديث في هذا الباب: يدل على أنه فسر قوله تعالى:
{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125] بالأمر بالصلاة إلى البيت الذي بناه إبراهيم، وهو الكعبة، والأكثرون على خلاف ذلك، كما سبق ذكره.


قال:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لاَ يَرَى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكْعَتَىِ الظُّهْرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ.

( باب ما جاء في القبلة) غير ما ذكر ( ومن لا يرى الإعادة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ومن لم يرَ الإعادة ( على من سها فصلّى إلى غير القبلة) الفاء تفسيرية لأنه تفسير لقوله سها

قاله البرماوي كالكرماني وتعقبه العيني فقال فيه بعد، والأولى أن تكون للسببية كقوله تعالى: { فتصبح الأرض مخضرّة} [الحج: 63] وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا صلّى به فتيقن الخطأ في الجهة في الوقت أو بعده فإنه يقضي على الأظهر، والثاني لا يجب القضاء لعذره بالاجتهاد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي والثوري، لأن جهة تحرّيه هي التي خوطب باستقبالها حالة الاشتباه فأتى بالواجب عليه فلا يعيدها، وقال المالكية يعيد في الوقت المختار وهو مذهب المدوّنة، وقال أبو الحسن المرداوي من الحنابلة في تنقيح المقنع: ومَن صلّى بالاجتهاد سفرًا فأخطأ لم يعد.
أهـ.

فلو تيقن الخطأ في الصلاة وجب استئنافها عند الشافعية والمالكية ويستدير إلى جهة القبلة ويبني على ما مضى عند الحنفية وهو قول للشافعية، لأن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة استداروا في الصلاة إليها.

( وقد سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ركعتي الظهر) وللأصيلي ركعتين من الظهر ( وأقبل على الناس بوجهه)
الشريف، ( ثم أتمّ ما بقي) من الركعتين الأخيرتين.

وهذا التعليق قطعة من حديث أبي هريرة فى قصة اليدين المشهور، ووجه ذكره في الترجمة أنه عليه الصلاة والسلام بانصرافه وإقباله على الناس بوجهه بعد سلامه كان وهو عند نفسه الشريفة في غير صلاة، فلما مضى على صلاته كان وقت استدبار القبلة في حكم المصلّي، فيؤخذ منه أن من اجتهد ولم يصادف القبلة لا يعيد.



[ قــ :396 ... غــ : 402 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وَآيَةُ الْحِجَابِ،.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ".
[الحديث 402 - أطرافه في: 4483، 4790، 4916] .

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا.

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن عون) بالنون أبو عثمان الواسطي البزاز بزايين نزيل البصرة، المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين ( قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة وسكون المثناة ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة ( عن حميد) الطويل ( عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك ( قال) :

( قال عمر) بن الخطاب وللأصيلي رضي الله عنه: ( وافقت ربي في ثلاث) أي وافقني ربي فيما أردت أن يكون شرعًا، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه كذا قال العيني كابن حجر وغيره، لكن قال صاحب اللامع: لا يحتاج إلى ذلك، فإن مَن وافقك فقد وافقته انتهى.

قال في الفتح: أو أشار به إلى حدث رأيه وقدم الحكم، وقوله في ثلاث أي قضايا أو أمور ولم يؤنّث مع أن الأمر مذكر لأن التمييز إذا لم يكن مذكورًا جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة، فقد روي عنه موافقات بلغت الخمسة عشر: أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وتحريم الخمر.
ويحتمل أن يكون ذلك قبل الموافقة في غير الثلاث، ونوزع فيه لأن عمر أخبر بهذا بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يتجه ما ذكر من ذلك.

( قلت) ولغير الأربعة فقلت: ( يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى) بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده بحذف جواب لو أو هي للتمني فلا تفتقر إلى جواب، وعند ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني ( فنزلت { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وآية الحجاب) برفع آية على الابتداء والخبر محذوف أي كذلك أو على العطف على مقدر أي هو اتخاذ مصلّى، وآية الحجاب وبالنصب على الاختصاص وبالجرّ عطفًا على مقدّر، أي اتخاذ مصلّى من مقام إبراهيم وهو بدل من قوله ثلاث ( قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلّمهنّ البرّ) بفتح الموحدة صفة مشبهة ( والفاجر) الفاسق وهو مقابل البر ( فنزلت آية الحجاب) : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنّ} [الأحزاب: 59] ( واجتمع نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغيرة عليه) بفتح الغين المعجمة وهي الحمية والأنفة ( فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ) ليس في ما يدل على أن في النساء خيرًا منهن لأن المعلّق بما لم يقع لا يجب وقوعه ( فنزلت هذه الآية) .

وبه قال: ( حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم كذا في رواية كريمة ولأبي ذر عن المستملي، قال أبو عبد الله أي المؤلّف: وحدّثنا ابن أبي مريم، ولابن عساكر قال محمد أي المؤلّف أيضًا.
وقال ابن أبي مريم، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقال ابن أبي مريم: ( أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( حميد) الطويل ( قال: سمعت أنسًا) أي ابن مالك ( بهذا) أي بالحديث المذكور سندًا ومتنًا، وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس، فحصل الأمن من تدليسه، واستشكل بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري، وإن خرّج له في المتابعات.
وأُجيب: بأن هذه من جملة المتابعات ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور، فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدّثنا أنس قاله في الفتح.


هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ مَا جاءَ فِي القِبْلَةِ وَمَنْ لاَ يَرَى الإِعادَةَ عَلى منْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي أَمر الْقبْلَة، وَهُوَ بِخِلَاف مَا تقدم قبل هَذَا الْبابُُ، فَإِن ذَاك فِي حكم التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة، وَهَذَا فِي حكم من سَهَا فصلى إِلَى غير الْقبْلَة.
وَأَشَارَ إِلَى حكم هَذَا بقوله: وَمن لم ير الْإِعَادَة.
إِلَى آخِره.
وَهَذَا بابُُ فِيهِ الْخلاف، وَهُوَ أَن الرجل إِذا اجْتهد فِي الْقبْلَة فصلى إِلَى غَيرهَا فَهَل يُعِيد أم لَا؟
فَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَعَطَاء وَسَعِيد بن الْمسيب وَحَمَّاد: لَا يُعِيد، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَإِلَيْهِ ذهب البُخَارِيّ.
وَعَن مَالك كَذَلِك، وَعنهُ: يُعِيد فِي الْوَقْت اسْتِحْسَانًا..
     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر؛ وَهُوَ قَول الْحسن وَالزهْرِيّ،.

     وَقَالَ  الْمُغيرَة: يُعِيد أبدا.
وَعَن حميد بن عبد الرَّحْمَن وطاووس وَالزهْرِيّ: يُعِيد فِي الْوَقْت..
     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِن فرغ من صلَاته ثمَّ بَان لَهُ أَنه صلى إِلَى الْمغرب اسْتَأْنف الصَّلَاة، وَإِن لم يبن لَهُ ذَلِك إلاَّ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ.
وَفِي (التَّوْضِيح) :.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِن لم يتَيَقَّن الْخَطَأ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ، وَإِلَّا أعَاد وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أَنه قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِي فِي سفر فغيمت السَّمَاء وأشكلت علينا الْقبْلَة فصليناه وَأَعْلَمنَا، فَلَمَّا طلعت الشَّمْس إِذا نَحن قد صلينَا إِلَى غير الْقبْلَة، فَذَكرنَا ذَلِك للنَّبِي فَأنْزل اتعالى { فإينما توَلّوا فثم وَجه ا} (الْبَقَرَة: 511)) .
وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) من حَدِيث جَابر: (أَنهم صلوا فِي لَيْلَة مظْلمَة كل رجل مِنْهُم على حياله، فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: (مَضَت صَلَاتكُمْ) ، وَنزلت { فأينما توَلّوا فثم وَجه ا} (الْبَقَرَة: 511) ويحتج بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين لما ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَمن تبعه فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة.
فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ..
     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث جَابر ضَعِيف قلت: رُوِيَ حَدِيث جَابر من ثَلَاث طرق: إِحْدَاهَا أخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَن مُحَمَّد بن سَالم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَنهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَمُحَمّد بن سَالم لَا أعرفهُ بعدالة وَلَا جرح..
     وَقَالَ  الواحدي: مَذْهَب ابْن عمرَان: الْآيَة نازلة فِي التَّطَوُّع بالنافلة..
     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس، رَضِي اتعالى عَنْهُمَا: لما توفّي النَّجَاشِيّ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِي، فَقَالَ: إِن النَّجَاشِيّ توفّي فصل عَلَيْهِ.
فَقَالَ الصَّحَابَة فِي أنفسهم: كَيفَ نصلي على رجل مَاتَ وَلم يصلِّ إِلَى قبلتنا؟ وَكَانَ النَّجَاشِيّ يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس إِلَى أَن مَاتَ، فَنزلت الْآيَة..
     وَقَالَ  قَتَادَة: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} (الْبَقَرَة: 441) وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (وَمن لم ير الْإِعَادَة) ، وَفِي بعض النّسخ (وَمن لم يرى الْإِعَادَة) ، وَهُوَ عطف على قَوْله: (فِي الْقبْلَة) أَي: وَبابُُ مَا جَاءَ فِيمَن لَا يرى إِعَادَة الصَّلَاة على من سَهَا فصلى إِلَى غير الْقبْلَة..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فصلى تَفْسِير لقَوْله: سَهَا، وَالْفَاء، تفسيرية.
قلت: وَفِيه: بعد، وَالْأولَى إِن تكون للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { ألم تَرَ أَن اأنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} (الْحَج: 36) وَلَو قَالَ: بِالْوَاو، لَكِن أحسن على مَا لَا يخفى.

وقَد سَلَّمَ النبيُّ فِي رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ وأقْبَلَ عَلى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أتَمَّ مَا بَقِيّ.

مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ عدم وجوب الْإِعَادَة على من صلى سَاهِيا إِلَى غير الْقبْلَة، وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ، فِي حَال إقباله على النَّاس دَاخل فِي حكم الصَّلَاة، وَأَنه فِي ذَلِك الزَّمَان ساهٍ مصلَ إِلَى غير الْقبْلَة؛ وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي اتعالى عَنهُ، فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ، وَزعم ابْن بطال وَابْن التِّين أَنه طرف من حَدِيث ابْن مَسْعُود الَّذِي سلف، وَهَذَا وهم مِنْهُمَا، لِأَن حَدِيث ابْن مَسْعُود لَيْسَ فِي شَيْء من طرقه أَنه سلم من رَكْعَتَيْنِ.


[ قــ :396 ... غــ :402]
- (حَدثنَا عَمْرو بن عون قَالَ حَدثنَا هشيم عَن حميد عَن أنس قَالَ قَالَ عمر وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث فَقلت يَا رَسُول الله لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى فَنزلت وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى وَآيَة الْحجاب قلت يَا رَسُول الله لَو أمرت نِسَاءَك أَن يحتجبن فَإِنَّهُ يكلمهن الْبر والفاجر فَنزلت آيَة الْحجاب وَاجْتمعَ نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْغيرَة عَلَيْهِ فَقلت لَهُنَّ عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن فَنزلت هَذِه الْآيَة) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الأول وَهُوَ قَوْله " لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى " وَالْمرَاد من مقَام إِبْرَاهِيم الْكَعْبَة على قَول وَهِي قبْلَة وَالْبابُُ فِيمَا جَاءَ فِي الْقبْلَة وعَلى قَول من فسر مقَام إِبْرَاهِيم بِالْحرم فالحرم كُله قبْلَة فِي حق الأفاقيين وَالْبابُُ فِي أُمُور الْقبْلَة وَأما على قَول من فسر الْمقَام بِالْحجرِ الَّذِي وقف عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتكون الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة مُتَعَلقَة بالمتعلق بالقبلة لَا بِنَفس الْقبْلَة.
(ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول عَمْرو بن عون أَبُو عُثْمَان الوَاسِطِيّ الْبَزَّاز بالزاي المكررة نزيل الْبَصْرَة مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ.
الثَّانِي هشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن بشير بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَقد مر ذكره فِي أول كتاب التَّيَمُّم.
الثَّالِث حميد الطَّوِيل وَقد تكَرر ذكره.
الرَّابِع أنس بن مَالك.
الْخَامِس عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه القَوْل.
وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين واسطي وبصري وَفِيه رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ.
(ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن عون وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن حميد بِقصَّة الْحجاب فَقَط وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن منيع عَن هشيم بالقصة الأولى وَعَن عبد بن حميد عَن حجاج وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد عَن يحيى بن زَائِدَة عَن حميد بالقصة الأولى وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن حميد بالقصة الثَّانِيَة قصَّة الْحجاب وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن هشيم بالقصة الثَّالِثَة اجْتمع نساؤه فِي الْغيرَة وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن هشيم بالقصة الأولى.
(ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " وَافَقت رَبِّي " من الْمُوَافقَة من بابُُ المفاعلة الَّتِي تدل على مُشَاركَة اثْنَيْنِ فِي فعل ينْسب إِلَى أَحدهمَا مُتَعَلقا بِالْآخرِ وَالْمعْنَى فِي الأَصْل وَافقنِي رَبِّي فَأنْزل الْقُرْآن على وفْق مَا رَأَيْت وَلكنه رَاعى الْأَدَب فأسند الْمُوَافقَة إِلَى نَفسه لَا إِلَى الرب جلّ وَعز قَوْله " فِي ثَلَاث " أَي فِي ثَلَاثَة أُمُور وَإِنَّمَا لم يؤنث الثَّلَاث مَعَ أَن الْأَمر مُذَكّر لِأَن الْمُمَيز إِذا لم يكن مَذْكُورا جَازَ فِي لفظ الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث (فَإِن قلت) حصلت الْمُوَافقَة لَهُ فِي أَشْيَاء غير هَذِه الثَّلَاث.
مِنْهَا فِي أُسَارَى بدر حَيْثُ كَانَ رَأْيه أَن لَا يفدون فَنزل { مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} وَمِنْهَا فِي منع الصَّلَاة على الْمُنَافِقين فَنزل { وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} وَمِنْهَا فِي تَحْرِيم الْخمر.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا عَليّ بن زيد " عَن أنس قَالَ عمر وَافَقت رَبِّي فِي أَربع " وَذكر مَا فِي البُخَارِيّ قَالَ " وَنزلت { وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين} إِلَى قَوْله { ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} فَقلت أَنا { تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ} فَنزلت كَذَلِك ".
وَمِنْهَا فِي شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " لما قَالَ أهل الْإِفْك مَا قَالُوا فَقَالَ يَا رَسُول الله من زوجكها فَقَالَ الله تَعَالَى قَالَ أفتنظر أَن رَبك دلّس عَلَيْك فِيهَا { سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} فَأنْزل الله ذَلِك " ذكره الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه وَقد ذكر أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ أَن الْمُوَافقَة فِي أحد عشر موضعا (قلت) يشْهد لذَلِك مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححا من حَدِيث ابْن عمر " مَا نزل بِالنَّاسِ أَمر قطّ فَقَالُوا فِيهِ.

     وَقَالَ  فِيهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا نزل فِيهِ الْقُرْآن على نَحْو مَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا يدل على كَثْرَة مُوَافَقَته فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف نَص على الثَّلَاث فِي الْعدَد (قلت) التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي الزَّائِد وَقيل يحْتَمل أَنه ذكر ذَلِك قبل أَن يُوَافق فِي أَربع وَمَا زَاد وَفِيه نظر لِأَن عمر أخبر بِهَذَا بعد موت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا يتَّجه مَا ذكر من ذَلِك وَيُقَال يحْتَمل أَن الرَّاوِي اعتنى بِذكر الثَّلَاث دون مَا سواهَا لغَرَض لَهُ قَوْله " قلت " ويروى " فَقلت " قَوْله " لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى " جَوَاب لَو مَحْذُوف وَيجوز أَن يكون لَو لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ ابْن الصَّائِغ وَابْن هِشَام هِيَ قسم برأسها لَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب كجواب الشَّرْط وَلَكِن قد يُؤْتى لَهَا بِجَوَاب مَنْصُوب كجواب لَيْت.

     وَقَالَ  بَعضهم هِيَ لَو الشّرطِيَّة أشربت معنى التَّمَنِّي.

     وَقَالَ  ابْن مَالك هِيَ لَو المصدرية أغنت عَن فعل التَّمَنِّي قَوْله " وَآيَة الْحجاب " هِيَ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك وبناتك وَنسَاء الْمُؤمنِينَ يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} وَآيَة الْحجاب كَلَام إضافي يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب والجر أما الرّفْع فَيحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا بِالِابْتِدَاءِ مَحْذُوف الْخَبَر تَقْدِيره وَآيَة الْحجاب كَذَلِك وَالْآخر أَن يكون مَعْطُوفًا على مُقَدّر تَقْدِيره هُوَ اتِّخَاذ الْمصلى وَآيَة الْحجاب وَأما النصب فعلى الِاخْتِصَاص وَأما الْجَرّ فعلى أَنه مَعْطُوف على مجرور وَهُوَ بدل من ثَلَاث وَالتَّقْدِير فِي ثَلَاث اتِّخَاذ الْمصلى وَآيَة الْحجاب قَوْله " الْبر " بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة صفة مشبهة من بررت أبر من بابُُ علم يعلم فَأَنا بر وبار وَيجمع الْبر على أبرار والبار على البررة وَالْبر مُقَابل الْفَاجِر من الْفُجُور قَالَ الْجَوْهَرِي فجر فجورا أَي فسق وفجر أَي كذب وَأَصله الْميل والفاجر المائل قَوْله " فِي الْغيرَة " بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهِي الحمية والأنفة يُقَال رجل غيور وَامْرَأَة غيور بِلَا هَاء لِأَن فعولًا يشْتَرك فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى يُقَال غرت على أَهلِي أغار غيرَة فَأَنا غائر وغيور للْمُبَالَغَة (ذكر استنباط الْأَحْكَام) وَهِي على ثَلَاثَة أَنْوَاع كَمَا صرح بهَا فِي الحَدِيث.
الأول سُؤال عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يتَّخذ من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ سَأَلَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يَجْعَل ذَلِك الْحجر الَّذِي فِيهِ أثر مقَامه مصلى بَين يَدي الْقبْلَة يقوم الإِمَام عِنْده فَنزلت الْآيَة.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ فَإِن قيل مَا السِّرّ فِي أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يقنع بِمَا فِي شرعنا حَتَّى طلب الاستنان بِملَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَقد نَهَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن مثل هَذَا حِين أَتَى بأَشْيَاء من التَّوْرَاة فَالْجَوَاب أَن عمر لما سمع قَوْله تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم { إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} ثمَّ سمع { أَن اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم} على أَن الائتمام بِهِ مَشْرُوع فِي شرعنا دون غَيره ثمَّ رأى أَن الْبَيْت مُضَاف إِلَيْهِ وَأَن أثر قدمه فِي الْمقَام كرقم اسْم الْبَانِي فِي الْبناء ليذكر بِهِ بعد مَوته فَرَأى الصَّلَاة عِنْد الْمقَام كَقِرَاءَة الطَّائِف بِالْبَيْتِ اسْم من بناه انْتهى وَلم تزل آثَار قدمي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ظَاهِرَة فِيهِ مَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا وَلِهَذَا قَالَ أَبُو طَالب فِي قصيدته اللامية الْمَعْرُوفَة
(وموطىء إِبْرَاهِيم فِي الصخر رطبَة ... على قَدَمَيْهِ حافيا غير ناعل)
وَقد أدْرك الْمُسلمُونَ ذَلِك فِيهِ أَيْضا كَمَا قَالَ عبد الله بن وهب أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب أَن أنس بن مَالك حَدثهمْ قَالَ رَأَيْت الْمقَام فِيهِ أَصَابِعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخْمص قَدَمَيْهِ غير أَنه أذهبه مسح النَّاس بِأَيْدِيهِم.

     وَقَالَ  ابْن جرير حَدثنَا بشر بن معَاذ حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة { وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} إِنَّمَا أمروا أَن يصلوا عِنْده وَلم يؤمروا بمسحه وَلَقَد تكلفت هَذِه الْأمة شَيْئا مَا تكلفته الْأُمَم قبلهَا وَلَقَد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فِيهَا فَمَا زَالَت هَذِه الْأمة يمسحونه حَتَّى اخلولق وانمحى.
الثَّانِي الْحجاب فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَارِيا فِيهِ على عَادَة الْعَرَب وَلم يكن يخفى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن حجبهن خير من غَيره لكنه كَانَ ينْتَظر الْوَحْي بِدَلِيل أَنه لم يُوَافق عمر حِين أَشَارَ بذلك قَالَه الْقُرْطُبِيّ وَكَانَ الْحجاب فِي السّنة الْخَامِسَة فِي قَول قَتَادَة وَقيل فِي السّنة الثَّالِثَة قَالَه أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى وَعند ابْن سعد فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَنه لما تزوج زَيْنَب بنت جحش أولم عَلَيْهَا فَأكل جمَاعَة وَهِي مولية بوجهها إِلَى الْحَائِط وَلم يخرجُوا فَخرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يخرجُوا وَعَاد وَلم يخرجُوا فَنزلت آيَة الْحجاب.

     وَقَالَ  عِيَاض أما الْحجاب الَّذِي خص بِهِ زَوْجَات النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهُوَ فرض عَلَيْهِنَّ بِلَا خلاف فِي الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يجوز لَهُنَّ كشف ذَلِك لشهادة وَلَا لغَيْرهَا وَلَا إِظْهَار شخصهن إِذا خرجن كَمَا فعلت حَفْصَة يَوْم مَاتَ أَبوهَا ستر شخصها حِين خرجت وبنيت عَلَيْهَا قبَّة لما توفيت قَالَ تَعَالَى { وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجاب} .
الثَّالِث اجْتِمَاع نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْغيرَة عَلَيْهِ وَهُوَ مَا ذكره البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة حَدثنَا مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد عَن حميد عَن أنس قَالَ " قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث أَو وَافقنِي رَبِّي فِي ثَلَاث فَقلت يَا رَسُول الله لَو اتَّخذت من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى وَقلت يَا رَسُول الله يدْخل عَلَيْك الْبر والفاجر فَلَو أمرت أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بالحجاب فَأنْزل الله آيَة الْحجاب قَالَ وَبَلغنِي معاتبة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعض نِسَائِهِ فَدخلت عَلَيْهِنَّ قلت إِن انتهيتن أَو ليبدلن الله رَسُوله خيرا مِنْكُن حَتَّى أتيت إِحْدَى نِسَائِهِ فَقَالَت يَا عمر أما فِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يعظ نِسَاءَهُ حَتَّى تعظهن أَنْت فَأنْزل الله تَعَالَى { عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن مسلمات} " الْآيَة وَأخرج فِي سُورَة التَّحْرِيم.

     وَقَالَ  حَدثنَا عَمْرو بن عون حَدثنَا هشيم عَن حميد عَن أنس قَالَ " قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اجْتمع نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْغيرَة عَلَيْهِ فَقلت لَهُنَّ { عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} فَنزلت الْآيَة " وأصل هَذِه الْقَضِيَّة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا صلى الْغَدَاة دخل على نِسَائِهِ امْرَأَة امْرَأَة وَكَانَت قد أهديت لحفصة بنت عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عكة من عسل فَكَانَت إِذا دخل عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُسلما حَبسته وسقته مِنْهَا وَأَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنْكرت احتباسه عِنْدهَا فَقَالَت لجويرية عِنْدهَا حبشية يُقَال لَهَا خضرَة إِذا دخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على حَفْصَة فادخلي عَلَيْهَا فانظري مَاذَا تصنع فَأَخْبَرتهَا الْخَبَر وشأن الْعَسَل فغارت فَأرْسلت إِلَى صواحبها.

     وَقَالَ ت إِذا دخل عليكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقُلْنَ إِنَّا نجد مِنْك ريح مَغَافِير وَهُوَ صمغ العرفط كريه الرَّائِحَة وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكره ويشق عَلَيْهِ أَن يُوجد مِنْهُ ريح مُنْتِنَة لِأَنَّهُ يَأْتِيك الْملك فَدخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على سَوْدَة قَالَت فَمَا أردْت أَن أَقُول ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ إِنِّي فرقت من عَائِشَة فَقلت يَا رَسُول الله مَا هَذِه الرّيح الَّتِي أَجدهَا مِنْك أكلت المغافير قَالَ لَا وَلَكِن حَفْصَة سقتني عسلا ثمَّ دخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على امْرَأَة امْرَأَة وَهن يقلن لَهُ ذَلِك ثمَّ دخل على عَائِشَة فَأخذت بأنفها فَقَالَ لَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا شَأْنك قَالَت أجد ريح المغافير أأكلتها يَا رَسُول الله قَالَ لَا بل سقتني حَفْصَة عسلا قَالَت جرست إِذا نحله العرفط فَقَالَ لَهَا وَالله لَا أطْعمهُ أبدا فحرمه على نَفسه قَالُوا وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قسم الْأَيَّام بَين نِسَائِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم حَفْصَة قَالَت يَا رَسُول الله إِن لي إِلَى أبي حَاجَة نَفَقَة لي عِنْده فَأذن لي أَن أَزورهُ وَآتِي بهَا فَأذن لَهَا فَلَمَّا خرجت أرسل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى جَارِيَته مَارِيَة الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم وَكَانَ قد أهداها لَهُ الْمُقَوْقس فَأدْخلهَا بَيت حَفْصَة فَوَقع عَلَيْهَا فَأَتَت حَفْصَة فَوجدت الْبابُُ مغلقا فَجَلَست عِنْد الْبابُُ فَخرج رَسُول الله وَوَجهه يقطر عرقا وَحَفْصَة تبْكي فَقَالَ مَا يبكيك فَقَالَت إِنَّمَا أَذِنت لي من أجل هَذَا أدخلت أمتك بَيْتِي ثمَّ وَقعت عَلَيْهَا فِي يومي وعَلى فِرَاشِي أما رَأَيْت لي حُرْمَة وَحقا مَا كنت تصنع هَذَا بِامْرَأَة مِنْهُنَّ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَلَيْسَ هِيَ جاريتي قد أحلهَا الله لي اسكتي فَهِيَ عَليّ حرَام ألتمس بِذَاكَ رضاك فَلَا تُخْبِرِي بِهَذَا امْرَأَة مِنْهُنَّ وَهُوَ عنْدك أَمَانَة فَلَمَّا خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قرعت حَفْصَة الْجِدَار الَّذِي بَينهَا وَبَين عَائِشَة فَقَالَت أَلا أُبَشِّرك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد حرم عَلَيْهِ أمته مَارِيَة فقد أراحنا الله مِنْهَا وأخبرت عَائِشَة بِمَا رَأَتْ وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سَائِر أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يزل نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى حلف أَن لَا يقربهَا فَأنْزل الله تَعَالَى { يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك} يَعْنِي الْعَسَل ومارية ثمَّ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما بلغه ذَلِك دخل على نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فوعظهن وزجرهن وَمن جملَة مَا قَالَ { عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فَهَذَا من جملَة مَا وَافق عمر ربه عز وَجل وَوَافَقَهُ ربه..
     وَقَالَ  صَاحب الْكَشَّاف (فَإِن قلت) كَيفَ يكون المبدلات خيرا مِنْهُنَّ وَلم يكن على وَجه الأَرْض نسَاء خير من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ (قلت) إِذا طلقهن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعصيانهن لَهُ وإيذائهن إِيَّاه لم يبْقين على تِلْكَ الصّفة وَكَانَ غَيْرهنَّ من الموصوفات بِهَذِهِ الْأَوْصَاف مَعَ الطَّاعَة لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النُّزُول على هَوَاهُ وَرضَاهُ خيرا مِنْهُنَّ وَإِنَّمَا أخليت الصِّفَات كلهَا عَن العاطف ووسط بَين الثيبات والأبكار لِأَنَّهُمَا صفتان متنافيتان لَا يجتمعن فيهمَا اجتماعهن فِي سَائِر الصِّفَات فَلم يكن بُد من الْوَاو.

     وَقَالَ  النَّسَفِيّ الْآيَة وَارِدَة فِي الْإِخْبَار عَن الْقُدْرَة لَا عَن الْكَوْن فِي الْوَقْت لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ إِن طَلَّقَكُن وَقد علم أَنه لَا يُطَلِّقهُنَّ وَهَذَا كَقَوْلِه { وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} الْآيَة فَهَذَا إِخْبَار عَن الْقُدْرَة وتخويف لَهُم لَا أَن فِي الْوُجُود من هُوَ خير من أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ ابْن أبي مَرْيَم قَالَ أخبرنَا يحيى بن أَيُّوب قَالَ حَدثنِي حميد قَالَ سَمِعت أنسا بِهَذَا) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَابْن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم الْمَعْرُوف بِابْن أبي مَرْيَم وَيحيى بن أَيُّوب الغافقي أَو حميد الطَّوِيل وَهَذَا ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا هَهُنَا وَفِي التَّفْسِير أَيْضا وَنَصّ عَلَيْهِ أَيْضا خلف وَصَاحب الْمُسْتَخْرج وَهُوَ الظَّاهِر وَوَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم وَهُوَ غير ظَاهر لِأَن البُخَارِيّ لم يحْتَج بِيَحْيَى بن أَيُّوب وَإِنَّمَا ذكره فِي الاستشهاد والمتابعة (فَإِن قلت) قَالَ ابْن بطال خرج لَهُ الشَّيْخَانِ (قلت) فِيهِ نظر لِأَنَّهُ نقض كَلَام نَفسه بِنَفسِهِ بِذكرِهِ لَهُ تَرْجَمَة فِي إِفْرَاد مُسلم (فَإِن قلت) مَا فَائِدَة ذكر البُخَارِيّ لَهُ إِذا كَانَ الْأَمر كَمَا ذكرت (قلت) ليُفِيد تَصْرِيح حميد فِيهِ بِسَمَاعِهِ إِيَّاه من أنس فَحصل الْأَمْن من تدليسه.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي إِنَّمَا اسْتشْهد بِهَذَا الطَّرِيق للتقوية دفعا لما فِي الْإِسْنَاد السَّابِق من ضعف عنعنة هشيم إِذْ قيل أَنه مُدَلّس (قلت) فِيهِ نظر لِأَن معنعنات الصَّحِيحَيْنِ كلهَا مَقْبُولَة مَحْمُولَة على السماع وَكَلَامه يدل على هَذَا فَحِينَئِذٍ ذكره كَمَا ذكرنَا هُوَ الْوَاقِع فِي مَحَله ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) لم مَا عكس بِأَن يَجْعَل هَذَا الْإِسْنَاد أصلا (قلت) لما فِي يحيى من سوء الْحِفْظ وَلِأَن ابْن أبي مَرْيَم مَا نَقله بِلَفْظ النَّقْل والتحديث بل ذكره على سَبِيل المذاكرة وَلِهَذَا قَالَ البُخَارِيّ قَالَ ابْن أبي مَرْيَم (قلت) يُعَكر على مَا قَالَه رِوَايَة كَرِيمَة حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم كَمَا ذَكرْنَاهُ وَالظَّاهِر أَن الْكرْمَانِي لَو اطلع على هَذِه الرِّوَايَة لما قَالَ مَا ذكره قَوْله " بِهَذَا " أَي بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور سندا ومتنا فَهُوَ من رِوَايَة أنس عَن عمر لَا من رِوَايَة أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَافْهَم