هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4009 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَّامٍ الْجُمَحِيُّ ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، قَالُوا جَمِيعًا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ هَذَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4009 حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي ، حدثنا الربيع يعني ابن مسلم ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبرداه ، إذ خسف به الأرض ، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة ، وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، ح وحدثنا محمد بن بشار ، عن محمد بن جعفر ، ح وحدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، قالوا جميعا : حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Huraira reported that Allah's Messenger (ﷺ) said that there was a person who used to walk with pride because of his thick hair and fine mantles. He was made to sink in the earth and he would go on sinking in the earth until the Last Hour would come.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي، قد أعجبته جمته وبرداه، إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل في الأرض حتى تقوم الساعة.


المعنى العام

يقول الله تعالى: { { ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } } [الإسراء: 37] مسكين ابن آدم، كرمه الله فاغتر، وظن نفسه فوق المخلوقات، أعطاه قطرة من بحار العلم فظن نفسه فوق العالمين، مع أنه يقرأ كل يوم قوله { { وفوق كل ذي علم عليم } } [يوسف: 76] وقوله { { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } } [الإسراء: 85] وقوله { { وقل رب زدني علماً } } [طه: 114] وما علم موسى عليه السلام بشيء أمام علم عبد من عباده آتاه رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علما، وما علم موسى وعلم العبد الصالح وعلم جميع البشر أمام علم الله إلا كقطرة أخذها العصفور بمنقاره من بحر يمده من بعده سبعة أبحر.

أعطاه ذرة من القوة الجسمية فظن نفسه قاهر الملكوت، ونسي أنه من أضعف المخلوقات، نسي الأسد وغيره من السباع التي يخافها، بل نسي الميكروب والفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة كيف يفترسه ويعجزه ويقعده، بل ويميته دون حول له ولا قوة.

أعطاه حكماً وسلطاناً على بعض خلقه، فبغى وطغى وتجبر وتكبر عليهم، حتى قال لهم: أنا ربكم الأعلى، ليس لكم إله غيري، ونسي مالك الملك الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، إنه على كل شيء قدير.

نسي أن البشر جميعهم لا يشغلون من سطح الأرض أكثر من عشرها وأن في الجبال أمماً أمثالنا، وفي البحار أمماً أكثر منا، وفي الفضاء المحيط بالأرض أمما أعجب من أممنا، بل نسي أن الأرض كلها في الكواكب والأجرام لا تمثل ذرة رمل في صحراء، لكن من جهله وغروره يضرب الأرض برجله إذا مشي، كأنه سيخرق الأرض بقدمه، ويرفع رأسه شامخاً متعالياً، كأنه يبلغ الجبال طولاً.

من هنا كانت الحكمة الأولية، وأول درس يلقى على الإنسان في كلمة واحدة، هي: اعرف نفسك.
لو عرف الإنسان نفسه، بداية ومصيراً وما بينهما ما جر ثوبه خيلاء، وما أطال ثوبه كبراًَ أو بطراً وعلواً، إن الله تعالى حكيم، ومن حكمته أن يعاقب في الدنيا والآخرة بنقيض القصد، ونقيض المتعة غير المشروعة، فمن تعالى على الناس أذله الله، وجعله عبرة لأمثاله في الدنيا والآخرة، ولنا في قارون عبرة دنيوية، فقد كان من قوم موسى، فبغى عليهم، وآتاه الله من الكنوز ما يعجز الخيل عن حمل مفاتيح خزائنه.
نسي الله المنعم، وقال: { { قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون* فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم* وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن ءامن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون* فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين* وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون* تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين } } [القصص: 78-83] .

لنا في قارون هذه العبرة الدنيوية، أما في الآخرة فعقابه أشد، يحتقره الله ويهمله، ويغضب عليه، ولا ينظر إليه، ولا يكلمه، ولا يطهره من ذنوبه، وله عذاب أليم.

ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر مقته وأذله في الدنيا والآخرة، وعلى المؤمن أن يتواضع في غير ذلة، ويترفع في غير كبر، وتكفينا وصية لقمان لابنه { { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور* واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } } [لقمان: 18، 19] .

المباحث العربية

( لا ينظر الله) أي لا يرحمه، فالنظر إذا أضيف إلى الله تعالى كان مجازاً، وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية -أي لفظ أطلق، وأريد منه لازم معناه، مع صحة إرادة المعنى الأصلي- قال بعض العلماء: عبر عن المعنى الحاصل عند النظر بالنظر، لأن من نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر، فالنظر في جانب الله مجاز مرسل مراد به الرحمة، من إطلاق السبب وإرادة المسبب، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي أن النظر في الأصل تقليب الحدقة، والله منزه عن ذلك، ويحتمل أن يراد به نظر رحمة، من باب تقييد المطلق، مجازاً مرسلاً أيضاً، ويحتمل -كما يقول السلف- أن يكون على الحقيقة، نظراً يليق بجلاله من غير تجسيم ولا تشبيه، والمراد لازمه أيضاً من الإهمال والمقت، فقد أخرج الطبراني إن رجلاً ممن كان قبلكم لبس بردة، فتبختر فيها، فنظر الله إليه، فمقته، فأمر الأرض فأخذته.

( إلى من جر ثوبه خيلاء) في الرواية الثانية إن الذي يجر ثيابه من الخيلاء وفي الرواية الثالثة من جر ثوبه من الخيلاء وفي الرواية الرابعة من جر إزاره، لا يريد بذلك إلا المخيلة وفي الرواية السابعة إلى من يجر إزاره بطراً وأكثر الطرق جاءت بلفظ الإزار، قال الطبري: إنما ورد الخبر بلفظ الإزار لأن أكثر الناس في عهده صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الإزار والرداء، فلما لبس الناس القميص وغيره كان حكمها حكم الإزار.
اهـ قال ابن بطال: هذا قياس صحيح، لو لم يأت النص بالثوب، فإنه يشمل جميع ذلك.
اهـ ولا قياس مع النص، وروايتنا الأولى والثانية والثالثة تنص على الثوب والثياب، ولابس الإزار والثوب حامله، وما زاد على المحمول يعتبر مجروراً، فجر الشيء جذبه وسحبه، وأما الإسبال فهو الإرخاء، يقال: أسبل الشيء، وأسبل الثوب، أرسله وأرخاه، وهل المراد هنا مجرد الإسبال؟ أو الجر على الأرض؟ سيأتي في بيان القدر المطلوب، والخيلاء بالمد، والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر كلها بمعنى واحد، كذا قال النووي، وقال الحافظ ابن حجر: أصل البطر الطغيان عند النعمة، واستعمل بمعنى التكبر، وقال الراغب: أصل البطر دهش يعتري المرء عند هجوم النعمة، يحول بينه وبين القيام بحقها، وبطراً في روايتنا السابعة رويت بفتح الطاء على المصدر، وبكسرها على الحال من فاعل يجر أي يجره تكبراً وطغياناً، ومن في قوله من الخيلاء في روايتنا الثانية والثالثة سببية، أي بسبب الخيلاء، وهل هذا التقييد للاحتراز؟ أو لا؟ سيأتي تفصيله والخلاف فيه، في فقه الحديث.

( يوم القيامة) التقييد بيوم القيامة للإشارة إلى أنه محل الرحمة المستمرة الدائمة، بخلاف رحمة الدنيا، فإنها قد تنقطع بما يحدث من الحوادث، فالتخويف بفقدها أعظم.

( وفي إزاري استرخاء) أي طول نحو الأرض، ناشئ من عدم شده في الوسط.

( ثم قال: زد، فزدت) مفعولاً زد محذوفان للعلم بهما، أي زد إزارك رفعاً، فزدته رفعاً.

( فمازلت أتحراها بعد) أي فمازلت منذ سمعته أتحرى الحالة التي رفعت إليها إزاري كلما لبسته.

( إلى أين؟) أي إلى أين رفعت إزارك؟

( أنصاف الساقين) أنصاف بالجر، بحرف جر محذوف، متعلق بمحذوف، أي رفعته إلى أنصاف الساقين.

( فجعل يضرب الأرض برجله، وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير.
جاء الأمير)
في ملحق الرواية كان مروان يستخلف أبا هريرة وكان أبو هريرة يستخلف على المدينة وعند أحمد كان مروان يستعمل أبا هريرة على المدينة، فكان إذا رأى إنساناً يجر إزاره ضرب برجله، ثم يقول: قد جاء الأمير.
قد جاء الأمير، ثم يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً وعند أحمد أيضاً كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة، فيضرب برجله، فيقول: خلو الطريق خلوا الطريق، قد جاء الأمير.
قد جاء الأمير.

وكان عمر قد استعمله على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فحاسبه عمر عليها ثم عزله، ثم دعاه ليستعمله، فأبى، ثم أراد علي رضي الله عنه أن يستعمله، فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة حتى مات بها سنة تسع وخمسين على أرجح الأقوال.

فقوله في روايتنا وهو أمير على البحرين معناه: وقد كان قبل ذلك أميراً على البحرين، وأما قوله خلوا الطريق أو قوله قد جاء الأمير أو ضربه الأرض برجله فقد كان منه من قبيل التهيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لبعث الرهبة في نفوس المأمورين، للسمع والطاعة، ولم يكن للفخر والخيلاء والتعالي، فأبو هريرة معروف من هو.

( بينما رجل يمشي، قد أعجبته جمته وبرداه، إذ خسف به الأرض) الجمة بضم الجيم وتشديد الميم المفتوحة، هي مجتمع الشعر المتدلي من الرأس إلى المنكبين، وإلى أكثر من ذلك، وفي رواية للبخاري مرجل جمته بضم الميم وفتح الراء وتشديد الجيم، وترجيل الشعر تسريحه ودهنه، وبرداه ثوباه، وفي الرواية التاسعة يتبختر، يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه وفي ملحقها يتبختر في بردين وفي ملحقها الآخر يتبختر في حلة وقد سبق أن الحلة إنما تكون من ثوبين.

قال النووي: قيل: يحتمل أن هذا الرجل من هذه الأمة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا سيقع، وقيل: بل هو إخبار عمن قبل هذه الأمة، وهذا هو الصحيح، وهو معنى إدخال البخاري للحديث في باب ذكر بني إسرائيل.
اهـ

وفي ملحق الرواية التاسعة إن رجلاً ممن كان قبلكم وكذا أخرجه أحمد وأبو يعلى من حديث أنس، قال الحافظ ابن حجر: وأما ما أخرجه أبو يعلى من طريق كريب، قال: كنت أقود ابن عباس، فقال: حدثني العباس قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل رجل يتبختر في ثوبين... فهو ظاهر في أنه وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فسنده ضعيف، والأول صحيح، ويحتمل التعدد، أو الجمع بأن المراد من كل قبل المخاطبين بذلك، كأبي هريرة، فقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى، وأصله عند أحمد ومسلم أن رجلاً من قريش أتى أبا هريرة في حلة يتبختر فيها، فقال: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ فقال: والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ما حدثتكم بشيء، سمعت... الحديث، وقال في آخره: فوالله ما أروي؟ لعله كان من قومك.

وقد أخرج الطبري في التاريخ أن هذا الرجل هو قارون، لأنه لبس حلة، فاختال فيها، فخسف به الأرض، وروى الطبري عن قتادة قال: ذكر لنا أنه خسف بقارون كل يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.

والمراد من إعجابه بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال، مع نسيان نعمة الله، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم.

( فهو يتجلجل في الأرض، حتى تقوم الساعة) في الرواية التاسعة فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة والتجلجل بجيمين التحرك، وقيل: الجلجلة الحركة مع صوت، وقال ابن فارس: التجلجل أن يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد، ويندفع من شق إلى شق.

وحكى عياض أنه روى يتجلل بجيم واحدة ولام ثقيلة، وهو بمعنى يتغطى، أي تغطيه الأرض، وحكي عن بعض الروايات أيضاً يتخلخل بخاءين، واستبعدها، إلا أن يكون من قولهم: خلخلت العظم، إذا أخذت ما عليه من اللحم، وجاء في غير الصحيحين يتحلحل بحاءين.
قال الحافظ ابن حجر: والكل تصحيف، إلا الأول.

فقه الحديث

سبق الكلام عن هذا الموضوع في كتاب الإيمان، عند شرح حديث ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب وكان فيما قلناه.

المسبل إزاره، المرضى له، إما أن يكون إسباله لمجرد العرف والعادة، وإما أن يكون لستر عيب، وإما أن يكون لغير قصد، وإما أن يكون بدافع الكبر والخيلاء.

ولا شك أن المقصود في الحديث هو الأخير، يدل على ذلك التقييد في روايتنا الأولى والثانية والثالثة والخامسة بالخيلاء، وفي الرابعة لا يريد بذلك إلا المخيلة، وفي السابعة وعند البخاري التقييد بقوله بطراً وفي رواية البخاري فقال: أبو بكر: يا رسول الله، إن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لست ممن يصنعه خيلاء وكان أبو بكر رجلاً نحيفاً، لا يكاد يمسك إزاره بوسطه.

ففي هذه الأحاديث دلالة على أن التحريم لإسبال الثوب قاصر على ما إذا كان على وجه التكبر والخيلاء، أما الإسبال لغير خيلاء فظاهر الروايات المطلقة أنه حرام أيضاً، لكن التقييد فيما ذكرنا من الأحاديث الصحيحة يدل على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد، فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء.

وقد نص الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير الخيلاء، وقال: والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهة ما تحت نصف الساق إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع منع تحريم إن كان للخيلاء، وإلا فمنع تنزيه، لأن الأحاديث المطلقة الواردة في الزجر عن الإسبال يجب تقييدها بالإسبال للخيلاء.
اهـ

وفي حديث صلاة الكسوف عند البخاري فقام يجر ثوبه مستعجلاً فإن فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي، فيشعر بأن النهي يختص بما كان للخيلاء.

أما من كره الإسبال والجر مطلقاً فإنه يرى أن فيه إسرافاً، وتشبهاً بالنساء، وتعريضاً للنجاسة، كما أن فيه مظنة الخيلاء.

ولا يخفى أن جر الثوب خيلاء ما هو إلا مظهر من مظاهر الكبر المذموم، وقد عقد له باب خاص في كتاب الإيمان، وشرحنا فيه حديث لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق -أي إبطال الحق والبعد عنه ترفعاً وتجبراً، قيل: الكبر العظمة، يقال: تكبر بمعنى تعاظم، وقيل: الكبر غير العظمة، إذ الكبر يقتضي متكبراً عليه، والعظمة لا تقتضي متعاظماً عليه، فقد يتعاظم الإنسان في نفسه.

فالتقييد بجر الثياب خرج مخرج الغالب في مظاهر الكبر، لكن الذم موجه في الحقيقة إلى البطر والتبختر، ولو لمن شمر ثوبه.

أما الإعجاب بالثياب الذي تشير إليه الرواية الثامنة والتاسعة فالمقصود به الإعجاب الذي يصاحبه الكبر والخيلاء، وليس من قبيل الكبر لبس الجميل من الثياب، وتحسين الهيئة والصورة، ما لم يصحبه عجب في النفس، وخيلاء في الإحساس والشعور، وفي ذلك يقول الله تعالى: { { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } } [الأعراف: 32] ويقول { { يا بني ءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } } [الأعراف: 31] ويقول صلى الله عليه وسلم -فيما رواه البخاري كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة ويقول ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف ومخيلة.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحسن إظهار نعمة الله عليه، مستحضراً لها، شاكراً عليها، غير محتقر لمن ليس له مثله، لا يضره ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة، فقد أخرج الترمذي إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده أما من أحب ذلك ليتعاظم به على الآخرين فهو المذموم، وقد أخرج الطبري من حديث علي رضي الله عنه إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قوله تعالى { { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } } [القصص: 83] .

فمدار الذم الكبر والعجب والخيلاء، لا جمال الثوب أو نفاسته، بل إن التجمل والتطيب، ولبس أحسن ما عند المرء من الثياب من مقاصد الشرع الحنيف عند المجتمعات، كالجمع والأعياد ولقاء الوفود والكبراء، ففي الحديث ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته، سوى ثوبي مهنته إذ بذلك تقبل النفوس، وتجتمع القلوب، وتتآلف الناس، ويترابط المجتمع، وليست مجالسة نافخ الكير كمجالسة حامل المسك، فقد أخرج النسائي وأبو داود عن عوف بن مالك عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له -ورآه رث الثياب- إذا آتاك الله مالاً فلير أثره عليك.

فالسنة أن يلبس المرء ثياباً تليق بحاله من النفاسة والنظافة، ليعرفه المحتاجون للطلب منه، مع مراعاة القصد، وترك الإسراف، اللهم إلا إذا أثار هذا اللباس في الناس مظنة الكبر والخيلاء عند صاحبه، فيحسن التخلي عنه، لرفع الاتهام.

وليست مظاهر الكبر وبواعثه محصورة في الثياب وحسن الهيئة، فقد يغتر، ويزهو العالم بعلمه، والغني بغناه، وذو الجاه بجاهه، والقوي بسواعده وعضلاته، فالشعور النفسي بالخيلاء والزهو حرام على كل حال.

هذا، والرواية السادسة تبين حدود الإسبال، وقد أخرج أبو داود والنسائي وصححه الحاكم ارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين وفي رواية الإزار إلى أنصاف الساقين، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فمن وراء الساقين، ولا حق للكعبين في الإزار.

وعند البخاري ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار؟ قال الخطابي: يريد أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار، فكني بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة.
اهـ ويستثنى من ذلك الوعيد النساء، وقد نقل القاضي عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال، دون النساء، وقد ظنت أم سلمة -رضي الله عنها- أن من في قوله من جر ثوباً خيلاء تشمل الرجال والنساء، فقالت: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبراً، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعاً، لا يزدن عليه.
أخرجه النسائي وصححه الترمذي.

والله أعلم