هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4023 وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى ، قَالَا : حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الزُّرَقِيُّ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ ، وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4023 وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وعباد بن موسى ، قالا : حدثنا طلحة بن يحيى وهو الأنصاري ثم الزرقي ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه ، فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه ، وحدثني زهير بن حرب ، حدثني إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني سليمان بن بلال ، عن يونس بن يزيد ، بهذا الإسناد مثل حديث طلحة بن يحيى
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فص حبشي.
كان يجعل فصه مما يلي كفه.


المعنى العام

كان الرجال والنساء من الفرس والروم يتحلون بالذهب، وكان الأكاسرة والقياصرة وذوو الجاه والأموال يلبسون الأساور الذهبية العريضة التي تملأ الساعد، ويتخذون القلائد والتيجان والسلاسل الذهبية كمظهر من مظاهر الزينة والفخر والخيلاء والكبر والعلو في الأرض، وكما سبق كانوا يأكلون ويشربون في أواني الذهب والفضة، ومثل ذلك وأكثر كان الفراعنة في مصر يفعلون، وما الآثار الذهبية لتوت عنخ آمون إلا رمز لهذه المظاهر، أما العرب فكانوا يعيشون في البوادي، وحضرهم أقرب إلى البادية منها إلى قصور الفرس والروم، كانوا يسمعون عن حلي الذهب أو يرون ولا يملكون، ويوم أن لمسوا ثوباً من الحرير تعجبوا لحسنه انبهاجاً وانبهاراً، حتى قال لهم صلى الله عليه وسلم: لا تعجبوا فمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا، وقد وعدهم الله هذه الحلي في الجنة، فقال { { يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً } } [الحج: 23] وفطمهم صلى الله عليه وسلم عن التطلع إليها في الدنيا، فقال: هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة وكان صلى الله عليه وسلم يعلم بما أوحى الله إليه أن العرب سيملكون ملك كسرى وقيصر، وأن الدنيا ستفتح عليهم وأن الذهب سيفيض بين أيديهم، وخشي صلى الله عليه وسلم على رجال أمته أن ينعموا وينصرفوا إلى زينة النساء، فيضعفوا ويخضعوا، ويذلوا، فاتجه إلى أقل وأحقر شيء في لبس الذهب، وهو الخاتم، الخاتم الذي يوضع في إصبع من أصابع اليد، ولا يكاد يرى فحرمه، حرمه عملاً وقولاً، لبس خاتم الذهب ثلاثة أيام، فبادر المسلمون واتخذوا مثله خواتم من ذهب، فصعد المنبر، وخطبهم، ورفع يده أمامهم وخلع الخاتم من إصبعه، ورماه، وأسمع من لم ير، فقال: إني كنت قد لبست خاتماً من ذهب في يميني، فوالله لا ألبسه أبداً، إن من يلبس في إصبعه خاتماً من ذهب فكأنه يضع جمرة من النار في يده، فنزع المسلمون خواتمهم الذهبية من أيديهم، ومضت أيام وشهور، وعقدت هدنة الحديبية، وأمن المسلمون كفار قريش، فاتجه صلى الله عليه وسلم إلى دعوة الملوك، كسرى وقيصر والنجاشي، وقرر إرسال كتب إليهم، فقيل له: إنهم لا يعتمدون كتاباً غير مختوم بخاتم مرسله، فصنع له خاتم من فضة، نقش عليه: محمد رسول الله، وفي يوم وليلة انتشر في أيدي الصحابة خواتم، منقوش عليها محمد رسول الله؛ تبركاً وإعلاناً وتشرفاً، وكان في هذا تضييعاً للهدف من النقش، وأنه للختم به على الرسائل، فغضب صلى الله عليه وسلم، ورمى بخاتمه، وقال لهم: لا ينقش أحد منكم على خاتمه مثل نقشي، فرمى الصحابة بخواتيمهم المنقوشة باسمه، فسكن غضبه، وعاد إلى خاتمه المنقوش باسمه، يلبسه تارة، ويختم به تارة، ويحفظه عند أمين تارة.
أما الصحابة فقد اتخذوا خواتيم أخرى من فضة، بعضهم لم ينقش عليها، وبعضهم نقش عليها اسمه، أو ذكر الله تعالى.
رضي الله عنهم أجمعين.

المباحث العربية

( نهى عن خاتم الذهب) في الكلام مضاف محذوف، وهناك قيد ملاحظ من أدلة أخرى، في الكلام مضاف محذوف، والتقدير: نهى عن لبس خاتم الذهب للرجال، والإضافة بمعنى من أي خاتم من الذهب.

( فنزعه، فطرحه) أي أخرجه من إصبع يد الرجل، فرماه.

( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار، فيجعلها في يده) في الكلام مجاز مرسل من إطلاق المسبب وإرادة السبب، أو استعارة تصريحية، بتشبيه الخاتم بجمرة من النار، بجامع إيذاء كل.

( خذ خاتمك، انتفع به) بالبيع أو الهبة، أو إعطائه إحدى نسائك.

( والله لا آخذه أبداً، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم) جملة وقد طرحه حالية.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتماً من ذهب) أي جعل صانعاً يصنعه له، وفي الخاتم ثمان لغات: فتح التاء وكسرها وبتقديم التاء على الألف مع كسر الخاء ختام وخيتوم وختم بفتح الخاء وسكون التاء، وخاتام بألف بعد الخاء، وألف بعد التاء، وخاتيام بزيادة ياء عما قبلها، وبحذف الألف الأولى خيتام.

قال الحافظ ابن حجر: والحق أن الختم والختام مختص بما يختم به، وأما ما يتزين به فليس فيه إلا ستة.

وخاتم يجمع على خواتم وخواتيم وعلى خياتيم وخياتم.

( فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه) الفص بفتح الفاء، وحكي كسرها وضمها.
والمعنى كان يجعل فصه في جهة باطن كفه، وهذا هو المراد من قوله في الرواية نفسها وأجعل فصه من داخل وفي الرواية الخامسة وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه وفي الرواية الثالثة عشرة كان يجعل فصه مما يلي كفه وذلك ليكون أبعد من التزين.

( فصنع الناس) المفعول محذوف، أو فصنع الناس خواتم مثله، من ذهب، ولبسوها.

( ثم إنه جلس على المنبر، فنزعه، فقال....
)
جلوسه على المنبر وقوله وفعله صلى الله عليه وسلم لظهور مقارنة القول للفعل، للأهمية.

( فنبذ الناس خواتيمهم) أي نزعوها، وألقوها بعيدة عن أصابع أيديهم.

( اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق) في الرواية الخامسة اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، ثم ألقاه، ثم اتخذ خاتماً من ورق وفي الرواية السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة اتخذ خاتماً من فضة أي بعد أن ألقى خاتم الذهب، والورق بفتح الواو، وكسر الراء ويجوز إسكانها بعدها قاف وحكي كسر أوله مع السكون الفضة، وقيل: يختص بالمصكوك من الفضة، وفي الرواية التاسعة خاتماً حلقة فضة قال النووي: الحلقة ساكنة اللام، على المشهور، وفتحها لغة شاذة ضعيفة، وقال: هكذا هو في جميع الأصول حلقة فضة بنصب حلقة على البدل من خاتم وليس فيها هاء ضمير.
اهـ قيل: إنه لا يسمى خاتماً إلا إذا كان له فص، فإن كان بلا فص فهو حلقة، وقيل: لا يقال له خاتم إلا إذا كان له فص من غيره، أما إن كان فصه منه فهو حلقة أيضاً وفي الرواية العاشرة عن أنس بن مالك أنه أبصر في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق، يوماً واحداً، قال: فصنع الناس الخواتم من ورق، فلبسوه، فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتمهم فهذه الرواية وما بعدها تفيد طرح خاتم الفضة.

قال النووي: قال القاضي: قال جميع أهل الحديث: هذا وهم من ابن شهاب -الراوي عن أنس- والمعروف من روايات أنس، من غير طريق ابن شهاب اتخاذه صلى الله عليه وسلم خاتم فضة، ولم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب، كما ذكره مسلم في باقي الأحاديث، قال: ومنهم من تأول حديث ابن شهاب، وجمع بينه وبين الروايات، فقال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم تحريم خاتم الذهب اتخذ خاتم فضة، فلما لبس خاتم فضة أراه الناس في ذلك اليوم، ليعلمهم إباحته، ثم طرح خاتم الذهب، وأعلمهم تحريمه، فطرح الناس خواتيمهم من الذهب، فيكون قوله فطرح الناس خواتمهم أي خواتم الذهب.
قال النووي: وهذا التأويل هو الصحيح، وليس في الحديث ما يمنعه.
قال: وأما قوله فصنع الناس الخواتم من الورق فلبسوه ثم قال فطرح خاتمه فطرحوا خواتمهم فيحتمل أنهم لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم يصطنع لنفسه خاتم فضة اصطنعوا لأنفسهم خواتيم فضة، وبقيت معهم خواتيم الذهب، كما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن طرح خاتم الذهب، واستبدل به الفضة.
اهـ

وقال الإسماعيلي: إن كان الخبر عن ابن شهاب محفوظاً فينبغي أن يكون تأويله أنه اتخذ خاتماً من ورق على لون من الألوان، وكره أن يتخذ غيره مثله، فلما اتخذوه رمى به، حتى رموا به، ثم اتخذ بعد ذلك ما اتخذه، ونقش عليه نقش، ليختم به، ثم أشار الإسماعيلي إلى تأويل آخر، وأنه اتخذه للزينة، فلما تبعه الناس فيه رمى به، فلما احتاج إلى الختم اتخذه ليختم به، قال المحب الطبري: وهذا متكلف، وقيل: يخدشه أنه يستلزم اتخاذ خاتم الورق مرتين.

وقال ابن بطال: خالف ابن شهاب رواية قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب، في كون الخاتم الفضة، فوجب الحكم للجماعة، واعتبار الزهري واهماً فيه، وقال المهلب: قد يمكن أن يتأول لابن شهاب ما ينفي عنه الوهم، وإن كان الوهم أظهر.

أما قول أنس في الرواية العاشرة أنه أبصر في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق، يوماً واحداً فيحمل على أنه رآه كذلك في يوم، واستمر في يده صلى الله عليه وسلم أكثر من اليوم، فقوله يوماً واحداً ظرف لرؤية أنس، لا لمدة اللبس، وما عند النسائي عن ابن عمر اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، فلبسه ثلاثة أيام ظرف لمدة اللبس، وإن قلنا: إن رواية ابن شهاب لا وهم فيها، وجمعنا بما تقدم، فمدة لبس خاتم الذهب ثلاثة أيام، كما في حديث ابن عمر هذا، ومدة لبس خاتم الورق الأول كانت يوماً واحداً، كما في حديث أنس، ثم لما رمى الناس الخواتيم التي نقشوها على نقشه، عاد فلبس خاتم الفضة، واستمر إلى أن مات.

( ونقش فيه: محمد رسول الله) في الكلام مجاز مرسل، أي أمر الصانع أن ينقش فيه، وفيه مضاف محذوف، أي في فصه، وقد روى البخاري عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، رسول سطر، والله سطر قال ابن بطال: ليس كون نقش الخاتم ثلاثة أسطر أو سطرين أفضل من كونه سطراً واحداً، قال الحافظ ابن حجر: قد يظهر أثر الخلاف في أنه إذا كان سطراً واحداً يكون الفص مستطيلاً، فإذا تعددت الأسطر أمكن كونه مربعاً أو مستديراً، وكل منهما أولى من المستطيل.
اهـ ورواية البخاري السابقة صريحة في أن النقش ثلاثة أسطر، ولما كانت الأسطر تقرأ عادة من الأعلى، ثم السطر الذي أسفله وهكذا، كان ظاهر الرواية أن لفظ محمد كان في أعلى الأسطر، ولفظ الجلالة في ثالث الأسطر، هكذا ( محمد رسول الله) ** وظاهر رواية الإسماعيلي تفيد ذلك، ففيها محمد سطر، والسطر الثاني رسول، والسطر الثالث الله قال الحافظ ابن حجر: وأما قول بعض الشيوخ: إن كتابته كانت من أسفل السطور إلى فوق، يعني لفظ الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة، ومحمد في أسفلها هكذا ( محمد رسول الله) ** فلم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث.
اهـ

وعلى هذا القول الأخير لا يليق أن تقرأ الكلمات من السطر الأعلى إلى الأسفل [الله.
رسول.
محمد]
بل القراءة حينئذ تكون من الأسفل إلى الأعلى، ولك أن تقرأ رسول بالتنوين وعدمه، والله بالرفع وبالجر، لكن الجر أولى.

ولا يخفى أن الختم بهذه الكلمات يقتضي أن تكتب الأحرف المنقوشة مقلوبة، ليخرج الختم على هيئة القراءة السليمة.

هذا هو التحقيق في نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم، أما ما جاء عند أبي الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس قال: كان فص خاتم النبي صلى الله عليه وسلم حبشياً، مكتوباً عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهو ضعيف، وهذه الزيادة شاذة، وكذا ما ذكره ابن سعد من مرسل ابن سيرين من أن الخاتم كان عليه: بسم الله محمد رسول الله فإنه لم يتابع على هذه الزيادة، وكذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه أخرج لهم خاتماً، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسه، فيه تمثال أسد ففيه مع إرساله ضعف.

( وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا) وفي الرواية السادسة اتخذ خاتماً من فضة ونقش فيه: محمد رسول الله.
وقال للناس: إني اتخذت خاتماً من فضة، ونقشت فيه: محمد رسول الله، فلا ينقش أحد على نقشه والظاهر أن الصحابة كانوا قد بادروا بنقش محمد رسول الله على خواتيمهم اعتزازاً بالشهادة، فلما قرر أن يختم به لزم أن لا يشركه أحد على نقشه، فرمى به، ليرموا بخواتيمهم المنقوشة على اسمه، ونهى الناس أن ينقشوا نقشه، فلما عدمت خواتيمهم برميها رجع إلى خاتمه الخاص به، فصار يختم به.

أما الصحابة فقد نقش بعضهم نقوشاً أخرى، وبعضهم لم ينقش شيئاً، فعند ابن أبي شيبة أن ابن عمر نقش على خاتمه: عبد الله بن عمر، وكذا القاسم بن محمد، ونقش كل من حذيفة وأبي عبيدة الحمد لله ونقش علي والله الملك ونقش بعضهم بالله وبعضهم بسم الله وبعضهم العزة لله وكان مالك يقول: من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتمهم.

( فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان) أي في حيازة كل منهم في إصبع يدهم، أو في ملكهم وتصرفهم، وفي رواية ابن سعد عن الأنصاري معيقيب ثم كان في يد عثمان ست سنين، فلما كان في الست الباقية كنا معه على بئر أريس...

( حتى وقع منه في بئر أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء، على وزن عظيم، وهي في حديقة بالقرب من مسجد قباء، وظاهر هذه الرواية أن الخاتم وقع في البئر من عثمان رضي الله عنه، وفي ملحق الرواية الرابعة حتى وقع في بئر أريس ولم تذكر منه وفي الرواية الخامسة وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس وفي رواية للبخاري حتى وقع من عثمان في بئر أريس وفي رواية للبخاري فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، فأخرج الخاتم، فجعل يعبث به، فسقط، قال أنس: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان، فننزح البئر، فلم نجده.

وفي رواية ابن سعد فجعل يحوله في يده...فطلبناه مع عثمان ثلاثة أيام، فلم نقدر عليه وعند أبي داود والنسائي فاتخذ عثمان خاتماً، ونقش فيه: محمد رسول الله، فكان يختم به قال الحافظ ابن حجر يحتمل أن نسبة سقوطه إلى عثمان نسبة مجازية، أو بالعكس، يحتمل أن عثمان طلبه من معيقيب، فختم به شيئاً، واستمر في يده، وهو يفكر في شيء، يعبث به، فسقط في البئر، ويحتمل أنه رده إلى معيقيب فسقط منه، والأول هو الموافق لحديث أنس.
اهـ وهو الظاهر، لأنه لم يرد في الروايات تأنيباً أو لوما لمعيقيب، ولو كان هو المقصر لوجدنا لوماً وتعنيفاً.

ومعيقيب مولى سعيد بن أبي العاص، وعند أبي داود والنسائي كان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم يعني كان أميناً عليه، واتخذه عثمان أميناً وكاتباً لما كثرت الأعمال، فكان الخاتم أحياناً عنده، يختم به أوامر الخليفة، كما يحتفظ اليوم بخاتم الدولة في الإدارات الحكومية عند الكاتب الأول.

( لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم) في الرواية الثامنة كان إذا أراد أن يكتب إلى العجم وفي الرواية التاسعة أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي وفي رواية للبخاري أراد أن يكتب إلى رهط -أو أناس- من الأعاجم وقد جزم أبو الفتح اليعمري أن اتخاذ الخاتم كان في السنة السابعة، وجزم غيره بأنه كان في السادسة ويجمع بأنه كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبة الملوك، وكان إرساله إلى الملوك في مدة الهدنة، وكانت في ذي القعدة سنة ست، ورجع إلى المدينة في ذي الحجة، ووجه الرسل في المحرم من السابعة، وكان اتخاذه الخاتم قبل إرساله الرسل إلى الملوك.

( قالوا: إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً) في الرواية الثامنة فقيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتاباً عليه خاتم وفي الرواية التاسعة فقيل: إنهم لا يقبلون كتاباًَ إلا بخاتم وعند ابن سعد أن قريشاً هم الذين قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد اتصلوا بهؤلاء الملوك أثناء رحلتي الشتاء والصيف.

( كأني أنظر إلى بياضه في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية البخاري فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه والوبيص هو البريق وزناً ومعنى.

( فصنع الناس الخواتم من ورق فلبسوه) أي فلبسوا هذا المصنوع، وفي روايتنا الحادية عشرة ورواية البخاري فلبسوها.

( ثم إن الناس اضطربوا الخواتم من ورق) أي حركوا خواتم الفضة في أيديهم على غير نظام.

( وكان فصه حبشياً) في الرواية الثالثة عشرة فيه فص حبشي وفي رواية للبخاري كان خاتمه من فضة، وكان فصه منه وعند أبي داود من فضة كله قال الحافظ ابن حجر: لا يعارضه ما أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن أنس كان فصه حبشياً لأنه إما أن يحمل على التعدد -على معنى تعدد الخاتم، فكان خاتم فصه منه، وكان الآخر فصه حبشي وحينئذ فمعنى قوله حبشي أي كان حجراً من بلاد الحبشة، أو لونه لون الحبشة، أو كان جزعاً أو عقيقاً، لأن ذلك قد يؤتى به من بلاد الحبشة، ويحتمل أن يكون هو الذي فصه منه، ونسب إلى الحبشة لصفة فيه، إما الصياغة، وإما النقش.

فقه الحديث

قال النووي: أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء، وأجمعوا على تحريمه على الرجال، إلا ما حكي عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن محمد بن حزم أنه أباحه، وعن بعض أنه مكروه، لا حرام، وهذان النقلان باطلان، فقائلهما محجوج بهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم، مع إجماع من قبله على تحريمه، مع قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها قال أصحابنا: ويحرم سن الخاتم إذا كان ذهباً وإن كان باقيه فضة، وكذا لو موه خاتم الفضة بالذهب، فهو حرام.
اهـ

وقال ابن دقيق العيد: ظاهر النهي التحريم، وهو قول الأئمة، واستقر الأمر عليه، وما نقل عن أبي بكر بن محمد بن حزم من تختمه بالذهب فشذوذ، والأشبه أنه لم تبلغه السنة فيه، فالناس بعده مجمعون على خلافه، وكذا ما روي فيه عن خباب، وقد قال له ابن مسعود: أما آن لهذا الخاتم أن يلقى؟ فقال: إنك لن تراه على بعد اليوم فكأنه ما كان بلغه النهي، فلما بلغه رجع.
قال: وقد ذهب بعضهم إلى أن لبسه للرجال مكروه كراهة تنزيه، لا تحريم، كما قال مثل ذلك في الحرير.
قال ابن دقيق العيد: هذا يقتضي إثبات الخلاف في التحريم، وهو يناقض القول بالإجماع على التحريم، ولا بد من اعتبار وصف كونه خاتماً.
قال الحافظ ابن حجر: والتوفيق بين الكلامين ممكن، بأن يكون القائل بكراهة التنزيه انقرض، واستقر الإجماع بعده على التحريم، وقد جاء عن جماعة من الصحابة لبس خاتم الذهب، ومن ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن إسماعيل أنه رأى ذلك على سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وصهيب، وذكر ستة أو سبعة، وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن حذيفة وعن جابر بن سمرة وعبد الله بن يزيد الخطمي نحوه، ومن طريق حمزة بن أبي أسيد نزعنا من يدي أبي أسيد خاتماً من ذهب وأغرب ما ورد من ذلك ما جاء عن البراء الذي روى النهي.
فأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي السفر، قال: رأيت على البراء خاتماً من ذهب وأخرج أحمد من طريق محمد بن مالك قال: رأيت على البراء خاتماً من ذهب، فقال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً، فألبسنيه، فقال: البس ما كساك الله ورسوله قال الحازمي: إسناده ليس بذاك، ولو صح فهو منسوخ، قال الحافظ ابن حجر: لو ثبت النسخ عند البراء ما لبسه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي حديث النهي المتفق على صحته عنه، فالجمع بين روايته وفعله إما أن يكون حمله على التنزيه، أو فهم الخصوصية له من قوله البس ما كساك الله ورسوله، وهذا أولى من قول الحازمي: لعل البراء لم يبلغه النهي، ويؤيد أنه فهم الخصوصية ما جاء عند أحمد كان الناس يقولون للبراء: لم تتختم بالذهب؟ وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيذكر لهم هذا الحديث، ثم يقول: كيف تأمرونني أن أضع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البس ما كساك الله ورسوله؟ اهـ.

هذا وأحاديث الباب -وبخاصة روايتنا الثانية- تؤكد تحريم خاتم الذهب على الرجال، أما إباحته للنساء فبالإجماع، وقد أخرج ابن أبي شيبة من حديث عائشة أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلية، فيها خاتم من الذهب، فأخذه، وإنه لمعرض عنه، ثم دعا أمامة، بنت ابنته، فقال: تحلى به.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- استدل به على تحريم الذهب على الرجال، قليله وكثيره، للنهي عن التختم، وهو قليل، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التحريم يتناول ما هو في قدر الخاتم وما فوقه، فأما ما هو دونه فلا دلالة من الحديث عليه.

2- تناول النهي عن لبس الخاتم جميع الأحوال، فلا تستثنى حالة الحرب أو الحكة، كما استثنيت في الحرير، لأنه لا علاقة له بالحرب، بخلاف ما على السيف أو الترس أو المنطقة، من حلية الذهب، فإنه لو فجأه الحرب جاز له الضرب بذلك السيف، فإذا انقضت الحرب لم يستعمله، لأنه والحالة هذه من متعلقات الحرب، بخلاف الخاتم.

3- ومن الرواية الثانية المبالغة في امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، واجتناب نهيه، فإن الرجل ترك الخاتم لمن يأخذه من الفقراء أو غيرهم، وكان يمكنه أخذه والتصرف فيه بالبيع وغيره، لكنه تورع عن أخذه، مبالغة في امتثال الأمر.

4- ومن نزع الرسول صلى الله عليه وسلم الخاتم من يد الرجل إزالة المنكر باليد، لمن قدر عليها.

5- ومن ترك الرجل للخاتم -وقد أخذه بعض الحاضرين أو تصدق به- جواز التصرف في مال الغير إذا تبين إعراضه عنه، وإباحته للغير.

6- ومن نبذ الناس خواتمهم، حين نزع النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه ما كانت عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من المبادرة إلى امتثال أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به في أفعاله.

7- ومن اتخاذه واتخاذ أصحابه خاتم الفضة جوازه، قال النووي: أجمع المسلمون على جواز خاتم الفضة للرجال، وكره بعض علماء الشام المتقدمين لبسه لغير ذي سلطان، ورووا فيه أثراً، وهذا شاذ مردود.
اهـ

والأثر الذي أشار إليه النووي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي ريحانة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان وأحاديثنا ترد عليه، فقد جاء أن جماعة من الصحابة والتابعين كانوا يلبسون الخواتم، وهم ليس لهم سلطان، قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى، لأنه ضرب من التزين، واللائق بالرجال خلافه، وقد سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضعفه.

قال الخطابي: ويكره للنساء خاتم الفضة، لأنه من شعار الرجال، قال: فإن لم تجد خاتم ذهب فلتصفره بزعفران وشبهه.
قال النووي: وهذا الذي قاله ضعيف أو باطل لا أصل له، والصواب أنه لا كراهة في لبسها خاتم الفضة.

8- ومن الرواية الرابعة التبرك بآثار الصالحين، ولبس لباسهم.

9- وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث، إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته، بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من آثاره الضرورية صدقة للمسلمين، يصرفها ولي الأمر حيث رأى من المصالح، فجعل القدح عند أنس، إكراماً له لخدمته، ومن أراد التبرك به لم يمنعه، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين، واتخذ الخاتم عنده للحاجة التي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم لها، فإنها موجودة في الخليفة بعده، ثم الخليفة الثاني، ثم الثالث.
كذا قال النووي، وتعقب باحتمال أن الخاتم كان من بيت مال المسلمين، فيئول للحاكم بعده، ولا دخل له بالميراث.

10- قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السر شيء مما كان في خاتم سليمان -عليه السلام- لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان.
كذا قيل، وقد بينا قبل ذلك أن عثمان رضي الله عنه حكم بعد ضياع الخاتم ست سنين.

11- ومن الروايات الأخرى لضياع الخاتم قال ابن بطال: يؤخذ أن يسير المال إذا ضاع يجب البحث في طلبه، والاجتهاد في تفتيشه، قال الحافظ ابن حجر وفيه نظر، لأن الذي يظهر أنه إنما بالغ في التفتيش عليه لكونه أثر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد لبسه، واستعمله، وختم به، ومثل ذلك يساوي في العادة قدراً عظيماً من المال، وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى الله عليه وسلم لاكتفى بطلبه بدون ذلك، وبالضرورة يعلم قدر المئونة التي حصلت في الأيام الثلاثة، وأنها تزيد على قيمة الخاتم، لكن اقتضت صفته عظم قدره، فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال.

12- قال ابن بطال: وفيه أن من فعل الصالحين العبث بخواتيمهم وما يكون بأيديهم، وليس ذلك بعائب لهم.
قال الحافظ: وإنما كان كذلك لأن ذلك من مثلهم إنما ينشأ عن فكر، وفكرهم إنما هو في الخير.

13- قال ابن بطال: وفيه أن من طلب شيئاً، ولم ينجح فيه بعد ثلاثة أيام، له أن يتركه، ولا يكون بعد الثلاث مضيعاً، وأن الثلاث حد يقع بها العذر في تعذر المطلوبات.

14- ومن قوله خاتم فضة في يمينه في الرواية الثالثة عشرة، وقوله وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى في الرواية الرابعة عشرة، وضع الخاتم في إحدى اليدين، ووضعه في إحدى الأصابع.
قال النووي: أما التختم في اليد اليمنى أو اليسرى فقد جاء فيه هذان الحديثان، وهما صحيحان، وقال الدارقطني: لم يتابع سليمان على زيادة في يمينه قال: وخالفه الحفاظ عن يونس، مع أنه لم يذكرها أحد من أصحاب الزهري.
قال النووي: لم ينفرد بهذه الزيادة سليمان بن بلال، فقد اتفق طلحة وسليمان عليها، وكون الأكثرين لم يذكروها لا يمنع صحتها، فإن زيادة الثقة مقبولة.
أما حكم المسألة عند الفقهاء فأجمعوا على جواز التختم في اليمين، وعلى جوازه في اليسار، ولا كراهة في واحد منهما، واختلفوا أيتهما أفضل؟ فتختم كثيرون من السلف في اليمين، وكثيرون في اليسار، واستحب مالك اليسار، وكره اليمين، وفي مذهبنا وجهان لأصحابنا، الصحيح أن اليمين أفضل، لأنه زينة، واليمين أشرف وأحق بالزينة والإكرام.
اهـ

واستعرض الحافظ ابن حجر كثيراً من أحاديث وضع الخاتم في اليمين، وكثيراً من أحاديث وضع الخاتم في اليسار، فذكر:

روايتنا الثالثة عشرة، وما أخرجه الترمذي وابن سعد صنع النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، فتختم به في يمينه، ثم جلس على المنبر، فقال: إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني، ثم نبذه، وعند الطبراني في الأوسط عن ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه ونحوه عند أبي الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وعند أبي داود من طريق ابن إسحاق قال رأيت على الصلت بن عبد الله خاتماً في خنصره اليمين، فسألته، فقال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فصه على ظهرها، ولا إخال ابن عباس إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وعند الترمذي رأيت ابن عباس يتختم في يمينه، ولا إخاله إلا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وأخرج أبو داود والنسائي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه وفي الباب عن جابر وعائشة وأبي أمامة وأبي هريرة.

قال الحافظ: وورد في التختم في اليسار حديث ابن عمر، وحديث أنس، روايتنا الرابعة عشرة، وعند أبي الشيخ من حديث أبي سعيد كان يلبس خاتمه في يساره وعند البيهقي في الأدب كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين يتختمون في اليسار.

قال الحافظ ابن حجر: وأما دعوى الداودي أن العمل على التختم في اليسار، فكأنه توهمه من استحباب مالك للتختم في اليسار، وهو يرجح عمل أهل المدينة، وفيه نظر، لأنه ظن أن ذلك عمل كل أهل المدينة، فقد جاء عن أبي بكر وعمر وجمع جم من الصحابة والتابعين بعدهم من أهل المدينة وغيرهم التختم في اليمين، قال البيهقي في الأدب: يجمع بين هذه الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة، وجمع غيره بأن لبس الخاتم أولاً في يمينه ثم حوله إلى يساره، فقد أخرج أبو الشيخ وابن عدي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه، ثم إنه حوله في يساره فلو صح هذا لكان قاطعاً للنزاع، ولكن سنده ضعيف.
وأخرج ابن سعد طرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمة الذهب، ثم تختم خاتماً من ورق، فجعله في يساره وهذا مرسل أو معضل، وقد جمع البغوي في شرح السنة بذلك، وأنه تختم أولاً في يمينه، ثم تختم في يساره، وكان ذلك آخر الأمرين.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك، فقال: لا يثبت هذا ولا ذاك، ولكن في يمينه أكثر.
قال الحافظ ابن حجر: يظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللبس للتزين به فاليمين أفضل، وإن كان للتختم به فاليسار أولى، لأنه كالمودع فيها، ويحصل تناوله منها باليمين، ويترجح التختم باليمين مطلقاً، لأن اليسار آلة الاستنجاء، فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة، ويترجح التختم في اليسار بما أشرت إليه من التناول، وجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث.
والله أعلم.

أما في أي الأصابع يكون الخاتم فيقول النووي: وأجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر، أما المرأة فتتخذ خواتيم في أصابع، قالوا: والحكمة في كونه في الخنصر أنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد، لكونه طرفاً، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها، بخلاف غير الخنصر، قال: ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها أي السبابة للحديث روايتنا السادسة عشرة -وهي كراهة تنزيه.
اهـ

15- وفي الأحاديث جواز نقش الخاتم، فعن الحسن والحسين: لا بأس بنقش ذكر الله على الخاتم قال النووي: وهو قول الجمهور، ونقل عن ابن سيرين وبعض أهل العلم كراهته، وقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين أنه لم يكن يرى بأساً أن يكتب الرجل في خاتمه: حسبي الله، ونحوها، فهذا يدل على أن الكراهة عنه لم تثبت، ويمكن الجمع بأن الكراهة حيث يخاف عليه حمله للجنب والحائض والاستنجاء بالكف التي هو فيها، والجواز حيث حصل الأمن من ذلك، فلا تكون الكراهة لذلك، بل من جهة ما يعرض لذلك.

والله أعلم