هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4125 حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ أَبَا مُوسَى ، أَتَى بَابَ عُمَرَ ، فَاسْتَأْذَنَ ، فَقَالَ عُمَرُ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ عُمَرُ : ثِنْتَانِ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ عُمَرُ : ثَلَاثٌ ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَتْبَعَهُ فَرَدَّهُ ، فَقَالَ : إِنْ كَانَ هَذَا شَيْئًا حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَا ، وَإِلَّا ، فَلَأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَأَتَانَا فَقَالَ : أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ ؟ قَالَ : فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ ، قَالَ فَقُلْتُ : أَتَاكُمْ أَخُوكُمُ الْمُسْلِمُ قَدْ أُفْزِعَ ، تَضْحَكُونَ ؟ انْطَلِقْ فَأَنَا شَرِيكُكَ فِي هَذِهِ الْعُقُوبَةِ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : هَذَا أَبُو سَعِيدٍ . حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، وَسَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَا : سَمِعْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، بِمَعْنَى حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُفَضَّلٍ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4125 حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا بشر يعني ابن مفضل ، حدثنا سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، أن أبا موسى ، أتى باب عمر ، فاستأذن ، فقال عمر واحدة ، ثم استأذن الثانية ، فقال عمر : ثنتان ، ثم استأذن الثالثة ، فقال عمر : ثلاث ، ثم انصرف فأتبعه فرده ، فقال : إن كان هذا شيئا حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فها ، وإلا ، فلأجعلنك عظة ، قال أبو سعيد : فأتانا فقال : ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الاستئذان ثلاث ؟ قال : فجعلوا يضحكون ، قال فقلت : أتاكم أخوكم المسلم قد أفزع ، تضحكون ؟ انطلق فأنا شريكك في هذه العقوبة ، فأتاه فقال : هذا أبو سعيد . حدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، ح وحدثنا أحمد بن الحسن بن خراش ، حدثنا شبابة ، حدثنا شعبة ، عن الجريري ، وسعيد بن يزيد ، كلاهما عن أبي نضرة ، قالا : سمعناه يحدث عن أبي سعيد الخدري ، بمعنى حديث بشر بن مفضل ، عن أبي مسلمة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أبي سعيد رضي الله عنه أن أبا موسى أتى باب عمر، فاستأذن.
فقال عمر: واحدة.
ثم استأذن الثانية.
فقال عمر: ثنتان.
ثم استأذن الثالثة.
فقال عمر: ثلاث.
ثم انصرف.
فأتبعه، فرده.
فقال: إن كان هذا شيئاً حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فها، وإلا فلأجعلنك عظة.
قال أبو سعيد: فأتانا.
فقال: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الاستئذان ثلاث؟ قال: فجعلوا يضحكون.
قال: فقلت: أتاكم أخوكم المسلم قد أفزع تضحكون.
انطلق فأنا شريكك في هذه العقوبة.
فأتاه فقال: هذا أبو سعيد.

المعنى العام

ما أروع آداب الإسلام، وما أروع حمايته لأحاسيس الفرد والمجتمع، ووقايته لحرمات البيوت، وحصانته لحرماتها، وتأمينه لساكنيها، يتمثل ذلك في قوله تعالى: { { يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } } [النور: 27] وقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الله الإذن من أجل البصر وقوله صلى الله عليه وسلم من اطلع في بيت قوم، بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه وقوله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له، فليرجع.

وقد تجلت روعة هذه الآداب في التزام الصحابة بها -رضوان الله عليهم- أجمعين، ولا تظهر روعة القوانين إلا بتطبيقها، والسير على دربها، ودقة تنفيذها، والحق يقال: كان الصحابة في سلوكهم إسلاماً بشرائعه، يمشي على الأرض، علماً وعملاً، نظراً وسلوكاً.

هذا عبد الله بن قيس، أبو موسى الأشعري، الرجل اليمني، الذي هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلصاً يعرف عمر رضي الله عنه فضله وقدره، فيوليه الكوفة، ولصلاحه ودقته كان بطيء الإنجاز لقضايا الناس، فكانوا يقفون كثيراً على بابه، ينتظرون دورهم، فدعاه عمر، فجاء إلى بابه، فطرقه ونادى: السلام عليكم.
هذا عبد الله بن قيس يستأذن، وسمعه عمر وهو مشغول بأمر مهم من أمور الدولة، من الخطر أن يقطعه، فقال في نفسه: هذا استئذان أول، فليستأذن كثيراً، حتى أفرغ من القضية التي أبحثها مع خاصتي، قال في نفسه: فليقف على بابي قليلاً، حتى يحس بالذين يقفون على بابه كثيراًً، وبعد لحظة طرق الباب ثانية، ونادى: السلام عليكم.
هذا أبو موسى يستأذن.
قال عمر في نفسه: هذا هو الاستئذان الثاني، فلندعه حتى يكثر، وبعد لحظة طرق الباب ثالثة، ونادى: السلام عليكم.
هذا الأشعري يستأذن.
قال عمر في نفسه: وهذا هو الاستئذان الثالث، فماذا سيكون بعده؟ وانتظر عمر لحظات، فلم يسمع طرقاً أو نداء، فقال لمن معه: ألم نسمع صوت عبد الله بن قيس؟ افتحوا له وائذنوا له بالدخول، فتحوا الباب، فلم يجدوه، قالوا: إنه رجع وانصرف.
قال: أدركوه، وردوه إلي، فاتبعوه، فلم يحصلوا عليه، وفي اليوم الثاني ذهب أبو موسى إلى عمر، فطرق الباب واستأذن، فأذن له، فدخل، قال له: ما حملك على ما صنعت أمس؟ طلبتك فلم أجدك؟ قال: جئت بالأمس، فاستأذنت ثلاثاً، فلم يؤذن لي، فانصرفت ورجعت، قال: لماذا لم تكرر الاستئذان حتى يؤذن لك؟ يا أبا موسى.
اشتد عليك أن تحتبس على بابي؟ وأنا أعلم أن الناس يحتبسون على بابك؟ قال أبو موسى: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعلت، وقال إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له، فليرجع وكان هذا الحديث قد غاب عن عمر، وخفي عليه، فخشي أن يكون الموقف الخطير قد ألجأ أبا موسى بالتخلص، أو خشي أن تتخذ الأحاديث وسيلة للتخلص من المضايق، فيلجأ ضعاف الإيمان والمنافقون لوضعها في المناسبات، فأراد حسم هذا الأسلوب، وإغلاق الباب على وضعة الحديث، فقال: يا أبا موسى.
هات شاهداً يشهد بأنه سمع مثلك هذا الحديث، وإلا ضربتك على جنبك وبطنك وظهرك ضرباً موجعاً.
فخرج وهو يرتجف، فدخل على مجلس من مجالس الأنصار، فزعاً مذعوراً، قالوا له: ما لك؟ فقال: هل منكم من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له فليرجع؟ قالوا: وأي شيء في هذا؟ قال: حصل بيني وبين عمر كذا وكذا، فأخذ بعضهم ينظر إلى بعض ويضحكون، ومن أجل هذا تفزع؟ لا تخف فلن يمسك سوء.
إن هذا حديث مشهور، سمعناه كلنا، قال أبي بن كعب -وهو صاحب الدار: وما كان لعمر أن يشك فيه، وينذرك هذا الإنذار، لن يشهد لك إلا أصغرنا.
قم يا أبا سعيد، فاشهد لأبي موسى عند عمر.
فذهب معه أبو سعيد، فشهد أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أستغفر الله، لقد ضاعت مني أحاديث بسبب التجارة والضرب في الأسواق، والتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقابله أبي بن كعب، فقال له: يا ابن الخطاب.
لا تشتد ولا تكن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك فيهم وفي صدقهم، ولا تتوعدهم بمثل هذا الوعيد، قال له عمر: يا سبحان الله!! ما أخطأت.
سمعت شيئاً لم أحفظه، فأردت أن أتثبت.
ماذا حصل؟ أنا لم أتهم أبا موسى بالكذب، والله إن أبا موسى لأمين على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهت القضية بالحفاظ على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً.

المباحث العربية

( كنت جالساً بالمدينة، في مجلس الأنصار) أي في مجلس جماعة من الأنصار، ففي الرواية الرابعة إلى مجلس من الأنصار والظاهر أنهم كانوا في بيت أبي بن كعب، وفي رواية الحميدي إني لفي حلقة، فيها أبي بن كعب.

( فأتانا أبو موسى فزعاً أو مذعوراً.
قلنا: ما شأنك؟ قال...
)
في الرواية الثانية فأتى أبو موسى الأشعري مغضباً، حتى وقف، فقال...
وفي رواية البخاري فجاء أبو موسى، كأنه مذعور، فقال....

( إن عمر أرسل إلي أن آتيه، فأتيت بابه، فسلمت ثلاثاً، فلم يرد علي، فرجعت) في رواية فلم ترد بضم التاء، بالبناء للمجهول، أي فلم ترد كلماتي، أي لم يردوا علي، وفي الرواية الثانية استأذنت على عمر بن الخطاب، أمس ثلاث مرات، فلم يؤذن لي، فرجعت وهل استأذن أبو موسى، كما في الرواية الثانية؟ أو سلم، كما في الرواية الأولى؟ أو جمع بينهما، كما في الرواية الخامسة؟ الظاهر الأخير.

( فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيتك، فسلمت على بابك ثلاثاً، فلم يردوا علي، فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثاً، فلم يؤذن له، فليرجع) وفي الرواية الثانية استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات، فلم يؤذن لي، فرجعت، ثم جئته اليوم، فدخلت عليه، فأخبرته أني جئت أمس، فسلمت ثلاثاً، ثم انصرفت، قال: قد سمعناك، ونحن حينئذ على شغل، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك؟ قال: استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لوما بمنزلة لولا وهي هنا للتوبيخ والتنديم، أي هلا كررت الاستئذان، فوق الثلاث، حتى يؤذن لك؟ كان ينبغي أن تفعل ذلك، وفي الرواية الثالثة أن أبا موسى أتى عمر، فاستأذن، فقال عمر: واحدة، ثم استأذن الثانية، فقال عمر: ثنتان، ثم استأذن الثالثة، فقال عمر: ثلاث، ثم انصرف، فأتبعه أي أرسل خلفه فرده وفي الرواية الرابعة أن أبا موسى استأذن على عمر ثلاثاً، فكأنه وجده مشغولاً، فرجع، فقال عمر: ألم تسمع صوت عبد الله بن قيس؟ أي قال لمن معه: لقد سمعنا صوت أبي موسى، فالاستفهام إنكاري بمعنى النفي، دخل على نفي، ونفي النفي إثبات ائذنوا له.
فدعى له، فقال: ما حملك على ما صنعت، قال: إنا كنا نؤمر بهذا وفي الرواية الخامسة جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب، فقال: السلام عليكم، هذا عبد الله بن قيس، فلم يأذن له، فقال: السلام عليكم، هذا أبو موسى.
السلام عليكم، هذا الأشعري، ثم انصرف، فقال: ردوا علي، ردوا علي، فجاء، فقال: يا أبا موسى.
ما ردك؟ كنا في شغل: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.....
فذهب أبو موسى، قال عمر: إن وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية، وإن لم يجد بينة فلم تجدوه.
فلما أن جاء بالعشي وجدوه وفي رواية للبخاري أن أبا موسى الأشعري، استأذن على عمر بن الخطاب، فلم يؤذن له، وكأنه كان مشغولاً، فرجع أبو موسى، ففزع عمر، فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له، قيل: إنه رجع.

وفي ظاهر هذه الروايات تغاير، فبعضها يقتضي أنه لم يرجع إلى عمر إلا في اليوم الثاني، وبعضها يفيد أنه أرسل إليه في الحال، قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بينها بأن عمر، لما فرغ من الشغل الذي كان فيه تذكره، فسأل عنه، فأخبر برجوعه، فأرسل إليه يرده، فلم يجده الرسول في ذلك الوقت، وجاء هو إلى عمر في اليوم التالي.
اهـ

والتحقيق أن التغاير في هذا الحديث متعدد، ففي الرواية الأولى ما يوحي بأن عمر لم يشعر باستئذان أبي موسى حيث قال ما منعك أن تأتينا وفي الرواية الثانية والثالثة تصريح بأنه سمعه قال: قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك؟

وفي الروايات أن الذي شهد له أبو سعيد، وفي الرواية الخامسة أن الذي شهد له عند عمر أبي بن كعب، وأجاب الحافظ ابن حجر باحتمال أن يكون أبي بن كعب جاء بعد أن شهد أبو سعيد، فشهد، اهـ ويبعد هذا الجمع أن أبا موسى في الرواية الخامسة حينما سئل عن شاهده أجاب بأبي بن كعب، ولم يتعرض لأبي سعيد، مع أنه في الرواية الثالثة يقول: هذا أبو سعيد وعند البخاري في الأدب المفرد أن الذي شهد لأبي موسى عند عمر أبو سعيد الخدري أو أبو مسعود، بالشك، وفي الروايات أن أبا سعيد حدث بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الرواية الثانية قال أبو سعيد: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا وفي الرابعة يقول أبو سعيد كنا نؤمر بهذا وقال الداودي: روى أبو سعيد حديث الاستئذان عن أبي موسى، وهو يشهد له عند عمر، فأدى إلى عمر ما قال أهل المجلس، قال: وكأنه نسي أسماءهم بعد ذلك، فحدث به عن أبي موسى وحده، لكونه صاحب القصة، وتعقبه ابن التين بأنه مخالف لما في رواية الصحيح، لأنه قال فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله واشتد إنكار ابن عبد البر على من زعم أن هذا الحديث إنما رواه أبو سعيد عن أبي موسى، وقال: إن الذي وقع في الموطأ وهم من النقلة، لاختلاط الحديث عليهم.

فالأولى أن يقال: إن هذا التغير سببه اختلاط القصة على الرواة، ويرجح بينها برواية الأوثق.
والله أعلم.

( فقال عمر: أقم عليه البينة، وإلا أوجعتك) أي هات شاهداً يشهد معك على صدور هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا ضربتك ضرباً موجعاً، وفي الرواية الثانية فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك، أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا وفي الرواية الثالثة إن كان هذا شيئاً حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فها، وإلا فلأجعلنك عظة أي فهات من يشهد لك، وفي الرواية الرابعة لتقيمن على هذا بينة، أو لأفعلن وفي الرواية الخامسة لتأتيني على هذا ببينة، وإلا فعلت وفعلت، وفي رواية فلأجعلنك نكالاً أي لأفعلن بك هذا الوعيد، إن تبين لي أنك كاذب متعمد.

( فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم) في الرواية الثانية فقال أبي بن كعب: فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سناً.
قم يا أبا سعيد وفي الرواية الرابعة لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا قال ذلك أبي بن كعب إنكاراً لموقف عمر من معاملته لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد أن هذا الحديث مشهور بيننا، معروف لكبارنا وصغارنا، حتى إن أصغرنا يحفظه، وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( ألهاني عنه الصفق بالأسواق) أي التجارة والمعاملة في الأسواق، وأصل الصفق الضرب باليد ضرباً يسمع له صوت، والصفقة ضرب اليد عند البيع علامة على إنفاذه، وتطلق على البيعة، فيقال: صفقة رابحة أو خاسرة، وفي الرواية الخامسة سبحان الله إنما سمعت شيئاً، فأحببت أن أتثبت وفي بعض الطرق أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال عمر لأبي موسى: والله إن كنت لأميناً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أحببت أن أتثبت قال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالإسلام، فخشي أن أحدهم يختلق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرغبة والرهبة طلباً للمخرج مما يدخل فيه، فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئاً من ذلك، ينكر عليه حتى يأتي بالمخرج.
اهـ فهو من قبيل: إياك أعني واسمعي يا جارة.

( فجعلوا يضحكون) قال النووي: سبب ضحكهم التعجب من فزع أبي موسى وذعره وخوفه من العقوبة، مع أنهم قد أمنوا أن يناله عقوبة أو غيرها، لقوة حجته، وسماعهم ما أنكر عليه.

( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدعوت) أي استأذنت وناديت، وفي رواية البخاري أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب وفي رواية فضربت الباب، وفي الرواية السابعة استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم.

( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ قلت: أنا، فخرج وهو يقول: أنا أنا!!) في ملحق الرواية السابقة كأنه كره ذلك قال المهلب: إنما كره قول: أنا، لأنه ليس فيه بيان، إلا إن كان المستأذن ممن يعرف المستأذن عليه بصوته، ولا يلتبس بغيره، والغالب الالتباس، وقيل: إنما كره ذلك لأن جابراً لم يستأذن بلفظ السلام، وفيه نظر، لأنه ليس في سياق حديث جابر أنه طلب الدخول، وإنما جاء في حاجته، فدق الباب، ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمجيئه، فلذلك خرج له، وقال الداودي: إنما كرهه لأنه أجابه بغير ما سأله عنه، لأنه لما ضرب الباب عرف أن هناك ضارباً، فلما قال: أنا كأنه أعلمه أن هناك ضارباً، فلم يزده على ما عرف من ضرب الباب، قال الخطابي: وكان حق الجواب أن يقال: أنا جابر، ليقع تعريف الاسم الذي وقعت المسألة عنه، وذكر ابن الجوزي أن السبب في كراهة قول أنا أن فيها نوعاً من الكبر، كأن قائلها يقول: أنا الذي لا أحتاج أن أذكر اسمي ولا نسبي، وتعقب بأن هذا لا يتأتى في حق جابر، في مثل هذا المقام، وبأنه لو كان ذلك كذلك لعلمه، لئلا يستمر عليه ويعتاده.

( أن رجلاً اطلع في جحر، في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الرواية العاشرة أن رجلاً اطلع من بعض جحر النبي صلى الله عليه وسلم جحر بضم الجيم وسكون الحاء، وهو كل ثقب مستدير، في أرض أو حائط، وحجر بضم الحاء وفتح الجيم، جمع حجرة، وهي ناحية البيت، ووقع في رواية من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم بالإفراد.

( ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى، يحك به رأسه) المدرى بكسر الميم وسكون الدال وفتح الراء، مقصور، حديدة يسوي بها شعر الرأس، وقيل: هو شبه المشط، وقيل: أعواد تحدد، تجعل شبه المشط، وقيل: هو عود تسوي به المرأة شعرها، وجمعه مدارى ويقال في الواحد مدراة أيضاً، ومدراية أيضاً، يقال: تدريت بالمدرى، والمدرى تذكر وتؤنث، وفي رواية للبخاري يحك بها رأسه وفي روايتنا التاسعة يرجل به رأسه وهذا يؤيد من قال: إنه مشط، أو يشبه المشط، ولا منافاة بين يحك ويرجل إذ كان يحك ويرجل.

( لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك) وفي الرواية التاسعة لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك قال النووي: هكذا في بعض النسخ تنظرني وفي أكثر النسخ تنتظرني قال القاضي: تنتظرني رواية الجمهور، والصواب تنظرني ويحمل الأول عليه.

( إنما جعل الإذن من أجل البصر) في الرواية التاسعة إنما جعل الله الإذن من أجل البصر معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به، لئلا يقع البصر على الحرام، فلا يحل لأحد أن ينظر في ثقب باب ولا غيره، مما يعرض البصر للوقوع على محرم، وفي رواية إنما جعل الإذن من قبل البصر بكسر القاف وفتح الباء، أي من جهة البصر.

( فقام إليه بمشقص أو مشاقص) المشقص بكسر الميم وسكون الشين وفتح القاف نصل السيف، إذا كان طويلاً غير عريض، وقيل: هو نصل عريض للسهم، والشك من الراوي، هل قال شيخه، بالإفراد أو بالجمع.

( فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله، ليطعنه) يختله بفتح الياء وسكون الخاء وكسر التاء، أي يراوغه ويستغفله ليطعنه، وطعن يطعن من باب فتح، وكتب، قال النووي: وضم العين في المضارع أشهر، وفي رواية البخاري فكأني أنظر إليه، يختل الرجل ليطعنه.

( لو أن رجلاً اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة، ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح) فخذفته بالخاء والذال، يقال: خذفه بالحصاة، أي رماه بها، بأن جعل الحصاة بين إصبعيه ورمى بها، وحذفه بالحاء رماه وضربه، والجناح هنا الحرج، وعند أبي عاصم ما كان عليك من حرج وفي رواية له ما كان عليك من ذلك شيء وحمل بعضهم الجناح هنا على الإثم، ليرتب عليه وجوب الدية، إذ لا يلزم من رفع الإثم رفع الدية، وسيأتي تفصيل المسألة في فقه الحديث.

( عن نظر الفجاءة) بضم الفاء وفتح الجيم وبالمد، ويقال بفتح الفاء وإسكان الجيم والقصر، لغتان، وهي البغتة، ومعنى نظر الفجأة أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد.

( فأمرني أن أصرف بصري) أي لا أديم نظرة الفجاءة لحظة أخرى.

فقه الحديث

قال النووي: أجمع العلماء على أن الاستئذان مشروع، وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة.

قال: والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاثاً، فيجمع بين السلام والاستئذان، كما صرح به في القرآن.
اهـ فقد قال تعالى: { { يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } } [النور: 27] أي حتى تستأذنوا وتسلموا، فجمعت الآية بينهما، والمراد من الاستئذان ما يدل على طلب الإذن صريحاً والمشهور في ذلك لفظ أأدخل؟ وجوز أن يكون بما يفهم منه ذلك مطلقاً، وجعلوا منه التسبيح والتكبير ونحوهما، مما يحصل به إيذان أهل البيت، فقد روي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قلنا: يا رسول الله، ما الاستئناس؟ فقال: يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة، يتنحنح، يؤذن أهل البيت ثم قال النووي: واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام على الاستئذان؟ أو تقديم الاستئذان على السلام؟ والصحيح الذي جاءت به السنة، وقاله المحققون أنه يقدم السلام، فيقول: السلام عليكم، أأدخل؟.

والقول الثاني: يقدم الاستئذان، والثالث، وهو اختيار الماوردي من أصحابنا، التفصيل: إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله، قدم السلام، وإلا قدم الاستئذان، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان، في تقديم السلام.
اهـ

بل أكثر من حديثين فقد أخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام قبل الكلام وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد، عن أبي هريرة، فيمن يستأذن قبل أن يسلم، قال: لا يؤذن له حتى يسلم وأخرج ابن أبي شيبة، وابن وهب في كتاب المجالس، عن زيد بن أسلم قال: أرسلني أبي إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فجئته، فقلت: أألج؟ فقال: ادخل، فلما دخلت قال: مرحباً يا ابن أخي.
لا تقل: أألج؟ ولكن قل: السلام عليكم، فإذا قيل: وعليك، فقل: أأدخل؟ فإذا قالوا: ادخل فادخل وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر في التمهيد, عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام على رسول الله.
السلام عليكم.
أيدخل عمر؟.

والحكمة في الاستئذان أن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره، واطلع على ما لم يحب صاحب البيت الاطلاع عليه، قال الحافظ ابن حجر: وقد ورد التصريح بذلك فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث ثوبان، رفعه لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل أي صار في حكم الداخل.
اهـ

وروايتانا الثامنة والتاسعة توضحان الحكمة صراحة، وفيهما إنما جعل الإذن من أجل البصر وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال من كان يشهد أني رسول الله فلا يدخل على أهل بيت، حتى يستأذن ويسلم، فإذا نظر في قعر البيت، فقد دخل.

وفي الكشاف: إنما شرع الاستئذان لئلا يقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم، ويتحفظون من اطلاع أحد عليها، ولم يشرع لئلا يطلع الداخل على العورة فقط، ولا إلى ما لا يحل النظر إليه فقط، وعليه فقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الاستئذان من أجل النظر خارج مخرج الغالب، فعلى الأعمى أن يستأذن، كراهة اطلاعه -بواسطة السمع أو غيره على ما لا يحب أهل البيت أن يطلع عليه.

وظاهر الآية مشروعية الاستئذان إذا أريد الدخول على المحارم، وقد أخرج مالك في الموطأ، عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأستأذن على أمي؟ قال: نعم.
قال: ليس لها خادم غيري؟ أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال الرجل: لا قال: فاستأذن عليها.

وسأل رجل حذيفة أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره والاستئذان أيضاً مشروع للنساء، إذا أردن الدخول على نساء، والحكمة حماية أسرار أهل البيت من أن يطلع عليها من لا يحبن الاطلاع عليها.

وهل يحتاجه المرء في دخوله منزله الذي لا يسكنه غيره؟ قيل: لا، لفقد العلة التي من أجلها شرع الاستئذان، وقيل: إن احتمل أن يتجدد فيه ما يحتاج معه إلى الإذن شرع له.

والحكمة في كون الاستئذان ثلاثاً جاءت في حديث أخرجه البيهقي في الشعب وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال: كان يقال: الاستئذان ثلاث، أما الأولى فليسمع أهل البيت، وأما الثانية فليأخذوا حذرهم ويستعدوا، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا، وإن شاءوا لم يأذنوا.

واختلف العلماء في الزيادة على الثلاث، قال ابن عبد البر: فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا تجوز الزيادة على الثلاث، وقال بعضهم: إذا لم يسمع فلا بأس أن يزيد، وروي عن مالك لا أحب أن يزيد على الثلاث إلا من علم أنه لم يسمع، قال الحافظ ابن حجر: وهو الأصح عند الشافعية.
قال ابن عبد البر: وقيل: تجوز الزيادة مطلقاً، بناء على أن الأمر بالرجوع بعد الثلاث للإباحة والتخفيف عن المستأذن، فمن استأذن أكثر فلا حرج عليه، قال النووي: إذا استأذن ثلاثاً، فلم يؤذن له، وظن أنه لم يسمعه، ففيه ثلاثة مذاهب: أشهرها أنه ينصرف، ولا يعيد الاستئذان، والثاني يزيد فيه، والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده، وإن كان بغيره أعاده، فمن قال بالأظهر، فحجته قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فلم يؤذن له فليرجع ومن قال بالثاني حمله على من علم، أو ظن أنه سمعه، فلم يأذن.

ويؤخذ من أحاديث الباب فوق ما تقدم

1- من أحاديث أبي موسى وعمر -رضي الله عنهما- أخذ بعضهم أنه لا يحتج بخبر الواحد، وزعم أن عمر رضي الله عنه رد حديث أبي موسى هذا، لكونه خبر واحد.
قال النووي: وهذا مذهب باطل، وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد، ووجوب العمل به، ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن تحصر.

قال: وأما قول عمر لأبي موسى: أقم عليه البينة، فليس معناه رد خبر الواحد، من حيث هو خبر الواحد، ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يتقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل، وأن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثاً على النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد سد الباب، خوفاً من غير أبي موسى، لا شكاً في رواية أبي موسى، فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، بل أراد زجر غيره بطريقه، فإن من دون أبي موسى، إذا رأى هذه القضية، أو بلغته، وكان في قلبه مرض، أو أراد وضع حديث، خاف من مثل قضية أبي موسى، فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين، ومما يدل على أن عمر لم يرد رد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر، حتى يعمل بالحديث، ومعلوم أن خبر الاثنين خير من خبر واحد، وكذا ما زاد، حتى يبلغ التواتر، فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد، ومما يؤيده أيضاً ما ذكره مسلم في الرواية الخامسة أن أبيا رضي الله عنه قال: يا ابن الخطاب فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سبحان الله!! إنما سمعت شيئاً، فأحببت أن أتثبت.
اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: وقد استشكل ابن العربي إنكار عمر على أبي موسى حديثه المذكور، مع كونه وقع له مثل ذلك، مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في حديث ابن عباس الطويل، في هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في المشربة، فإن فيه أن عمر استأذن مرة بعد مرة، فلما لم يؤذن له في الثالثة رجع، حتى جاءه الإذن، قال: والجواب عن ذلك أنه لم يقض فيه بعلمه، أو لعله نسي ما كان وقع له، ويؤيده قوله شغلني الصفق بالأسواق قال الحافظ ابن حجر: والصورة التي وقعت لعمر ليست مطابقة لما رواه أبو موسى، بل استأذن في كل مرة، فلم يؤذن له، فرجع، فلما رجع في الثالثة استدعى، فأذن له.

2- واستدل به من ادعى أن خبر العدل بمفرده لا يقبل، حتى ينضم إليه غيره، كما في الشهادة، قال ابن بطال: وهو خطأ من قائله، وجهل بمذهب عمر، فقد جاء في بعض طرقه أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكن أردت أن لا يتجرأ أحد على الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- أخذ منه الجمهور التثبت من خبر الواحد، لما يجوز عليه من السهو وغيره.

4- ويؤخذ منه أن لصاحب البيت -إذا سمع الاستئذان- أن لا يأذن، سواء سلم مرة أو مرتين أو ثلاثاًً، إذا كان في شغل له، ديني أو دنيوي، أو كان له مقصد صحيح في عدم الإذن، فقد قيل: إن عمر رضي الله عنه تعمد أن يقف أبو موسى على بابه طويلاً، إيلاماً له، وتأديباً، لما بلغه أن أبا موسى يحبس الناس على بابه، في حال إمرته، وقد كان عمر استخلفه على الكوفة، فعند البخاري في الأدب المفرد فقال عمر: يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس على بابي؟ اعلم أن الناس كذلك، يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك.

5- وفيه أن العالم المتبحر، قد يخفى عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه، ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه.

6- ومن ضحكهم في الرواية الثالثة أن من تحقق من براءة الشخص مما يخشى منه، وأنه لا يناله بسبب ذلك مكروه، له أن يمازحه، ولو كان قبل إعلامه بما يطمئن به خاطره مما هو فيه، لكن بشرط أن لا يطول الفصل، لئلا يكون سبباًَ في طول تأذي الغير.

7- ومن إنكار أبي سعيد لضحكهم المبادرة إلى إزالة ما يقع من الهم بالممازحة.

8- استدل بالرواية الرابعة، بعبارة إنا كنا نؤمر بهذا أن قول الصحابي مثل ذلك يحمل على الرفع، ويقوي ذلك إذا ساقه مساق الاستدلال.

9- ومن قول عمر ألهاني عنه الصفق بالأسواق في الرواية الرابعة إطلاق اللهو على الاشتغال بالتجارة، لأنها ألهته عن طول ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم، حتى سمع غيره منه ما لم يسمعه، وأصل اللهو في اللغة ما يلهي، سواء كان حراماً أو حلالاً، وفي الشرع ما يحرم فقط.

10- ومن حالة أبي موسى بعد إنذاره من عمر رهبة الصحابة من عمر -رضي الله عنهم- أجمعين.

11- ومن قول أبي بن كعب لعمر: فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية الخامسة قوة الصحابة في الحق، ولو في نصح عمر -رضي الله عنهم أجمعين.

12- ومن الرواية السادسة والسابعة كراهة قول أنا في جواب من؟ قال النووي: الكراهة لهذا الحديث ولأنه لا يحصل بقوله أنا فائدة.
بل ينبغي أن يقول: فلان، باسمه، ولا بأس أن يقول: أنا أبو فلان، أو أنا القاضي فلان، أو أنا الشيخ فلان، إذا لم يحصل التعريف بالاسم المجرد، قال: والأحسن أن يقول: أنا فلان، المعروف بكذا.

13- ومن الرواية الثامنة والتاسعة استحباب الترجيل قال النووي: قال العلماء: فالترجيل مستحب للنساء مطلقاً، وللرجل بشرط ألا يفعله كل يوم، أو كل يومين، ونحو ذلك.
اهـ وهو غير مسلم، ولا دليل له.

14- وجواز استعمال المدرى.

15- وإبقاء شعر الرأس وتربيته، واتخاذ آلة يزيل بها عنه الهوام، ويحك بها لدفع الوسخ.

16- ومشروعية الاستئذان على من يكون في بيت مغلق الباب.

17- ومنع التطلع عليه من خلل الباب.

18- قال الحافظ ابن حجر: وفيه دليل على جواز رمي من يتجسس، ولو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل، وأنه إن أصيب نفسه أو بعضه فهو هدر، وذهب المالكية إلى القصاص وأنه لا يجوز قصد العين ولا غيرها، واعتلوا بأن المعصية لا تدفع بالمعصية، وأجاب الجمهور بأن المأذون فيه -إذا ثبت الإذن- لا يسمى معصية، وإن كان الفعل لو تجرد عن هذا السبب يعد معصية، وقد اتفقوا على جواز دفع الصائل، ولو أتى على نفس المدفوع، وهو بغير السبب المذكور معصية، فهذا ملحق به، مع ثبوت النص فيه.
وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل التغليظ والإرهاب، قال بعضهم: لعل مالكاً لم يبلغه الحديث.

ثم قال: وهل يشترط الإنذار قبل الرمي؟ وجهان، وأصحهما لا، لقوله في الرواية العاشرة يختله وقال: وفي حكم المتطلع من خلل الباب الناظر من فتحة في الدار، وكذا من وقف في الشارع، فنظر إلى حريم غيره، أو إلى شيء في دار غيره، وقيل: المنع مختص بمن كان في ملك المنظور إليه.

ثم قال: وهل يلتحق الاستماع بالنظر؟ وجهان، الأصح لا، لأن النظر إلى العورة أشد من استماع ذكرها، وشرط القياس المساواة، أو أولوية المقيس، وهنا بالعكس.

19- قال الحافظ ابن حجر: واستدل به على اعتبار قدر ما يرمى به بحصي الخذف، المقدم بيانها في كتاب الحج، لقوله في حديث الباب فخذفته فلو رماه بحجر يقتل، أو سهم، تعلق به القصاص، وفي وجه: لا ضمان مطلقاً، ولو لم يندفع إلا بذلك جاز.

ثم قال: ولو قصر صاحب الدار، بأن ترك الباب مفتوحاً، وكان الناظر مجتازاً، فنظر غير قاصد، لم يجز رميه، فإن تعمد النظر فوجهان، أصحهما لا.

قال: ويلتحق بهذا من نظر من سطح بيته، ففيه الخلاف.

20- واستدل بقوله إنما جعل الإذن من أجل البصر في الروايتين الثامنة والتاسعة على مشروعية القياس والعلل، فإنه دل على أن التحريم والتحليل يتعلق بأشياء، متى وجدت في شيء وجب الحكم عليه.

21- ومن الرواية الثالثة عشرة أن من وقع منه النظر من غير قصد لا حرج عليه، وأن النهي إنما هو عن النظر المتعمد، وعن إطالة النظر الذي كان من غير قصد، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الثانية.

22- قال القاضي: وفي هذا الحديث حجة أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال، إلا لغرض صحيح شرعي، كما في حالة الشهادة والمداواة وإرادة الخطبة أو المعاملة بالبيع والشراء ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة، دون ما زاد.

والله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :4125 ... بـ :2153]
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُفَضَّلٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى أَتَى بَابَ عُمَرَ فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ عُمَرُ وَاحِدَةٌ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ عُمَرُ ثِنْتَانِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ عُمَرُ ثَلَاثٌ ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَتْبَعَهُ فَرَدَّهُ فَقَالَ إِنْ كَانَ هَذَا شَيْئًا حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَا وَإِلَّا فَلَأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَتَانَا فَقَالَ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ قَالَ فَقُلْتُ أَتَاكُمْ أَخُوكُمْ الْمُسْلِمُ قَدْ أُفْزِعَ تَضْحَكُونَ انْطَلِقْ فَأَنَا شَرِيكُكَ فِي هَذِهِ الْعُقُوبَةِ فَأَتَاهُ فَقَالَ هَذَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَا سَمِعْنَاهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِمَعْنَى حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مُفَضَّلٍ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ
قَوْلُهُ : ( فَهَا وَإِلَّا فَلَأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً ) .
أَيْ فَهَاتِ الْبَيِّنَةَ .

قَوْلُهُ : ( يَضْحَكُونَ ) سَبَبُ ضَحِكِهِمُ التَّعَجُّبُ مِنْ فَزِعِ أَبِي مُوسَى وَذُعْرِهِ وَخَوْفِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا أَنْ يَنَالَهُ عُقُوبَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِقُوَّةِ حُجَّتِهِ ، وَسَمَاعِهِمْ مَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .