هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
4179 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَكَانَ ، قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ ، حِينَ عَمِيَ ، قَالَ : سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ ، يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ ، تَبُوكَ ، قَالَ كَعْبٌ : لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا ، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ ، أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا ، كَانَ مِنْ خَبَرِي : أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ ، فِي تِلْكَ الغَزَاةِ ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ ، حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا ، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الغَزْوَةُ ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا ، وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ ، وَالمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ ، يُرِيدُ الدِّيوَانَ ، قَالَ كَعْبٌ : فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ ، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي : أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا ، فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ، ثُمَّ غَدَوْتُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الغَزْوُ ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ ، فَقَالَ : وَهُوَ جَالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ : مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ ، وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : بِئْسَ مَا قُلْتَ ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا حَضَرَنِي هَمِّي ، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الكَذِبَ ، وَأَقُولُ : بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا ، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي ، فَلَمَّا قِيلَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا ( يَزيحُ )> زَاحَ عَنِّي البَاطِلُ ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِمًا ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ، بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ المُخَلَّفُونَ ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلاَنِيَتَهُمْ ، وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ ، ثُمَّ قَالَ : تَعَالَ فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لِي : مَا خَلَّفَكَ ، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ . فَقُلْتُ : بَلَى ، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي ، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ ، لاَ وَاللَّهِ ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى ، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ . فَقُمْتُ ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي ، فَقَالُوا لِي : وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا ، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ المُتَخَلِّفُونَ ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، رَجُلاَنِ ، قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ ، فَقُلْتُ : مَنْ هُمَا ؟ قَالُوا : مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ العَمْرِيُّ ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ ، قَدْ شَهِدَا بَدْرًا ، فِيهِمَا أُسْوَةٌ ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ ، وَأَمَّا أَنَا ، فَكُنْتُ أَشَبَّ القَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ المُسْلِمِينَ ، وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي : هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَيَّ أَمْ لاَ ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ ، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَيَّ ، وَإِذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي ، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا قَتَادَةَ ، أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟ فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ ، فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ ، قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ المَدِينَةِ ، إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ ، يَقُولُ : مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ ، فَإِذَا فِيهِ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ ، وَلاَ مَضْيَعَةٍ ، فَالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ ، فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا : وَهَذَا أَيْضًا مِنَ البَلاَءِ ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا ، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ ، فَقُلْتُ : أُطَلِّقُهَا ؟ أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ ؟ قَالَ : لاَ ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا ، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي : الحَقِي بِأَهْلِكِ ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأَمْرِ ، قَالَ كَعْبٌ : فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ ؟ قَالَ : لاَ ، وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ . قَالَتْ : إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ، مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا ، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي : لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ ؟ فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ ؟ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلاَمِنَا ، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً ، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ ، قَالَ : فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ ، فَأَوْفَى عَلَى الجَبَلِ ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي ، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا ، بِبُشْرَاهُ وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا ، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ ، يَقُولُونَ : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ، قَالَ كَعْبٌ : حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ ، قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ : أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ، قَالَ : قُلْتُ : أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لاَ ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قُلْتُ : فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا ، مَا بَقِيتُ . فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي ، مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ } إِلَى قَوْلِهِ { وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلاَمِ ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ ، فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا - حِينَ أَنْزَلَ الوَحْيَ - شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ } إِلَى قَوْلِهِ { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقِينَ } ، قَالَ كَعْبٌ : وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَلَفُوا لَهُ ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ : { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا } . وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الغَزْوِ ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا ، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا ، عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال تبارك وتعالى : { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم } إلى قوله { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } ، قال كعب : وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله : { وعلى الثلاثة الذين خلفوا } . وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو ، إنما هو تخليفه إيانا ، وإرجاؤه أمرنا ، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Abdullah bin Ka`b bin Malik:

Who, from among Ka`b's sons, was the guide of Ka`b when he became blind: I heard Ka`b bin Malik narrating the story of (the Ghazwa of) Tabuk in which he failed to take part. Ka`b said, I did not remain behind Allah's Messenger (ﷺ) in any Ghazwa that he fought except the Ghazwa of Tabuk, and I failed to take part in the Ghazwa of Badr, but Allah did not admonish anyone who had not participated in it, for in fact, Allah's Messenger (ﷺ) had gone out in search of the caravan of Quraish till Allah made them (i.e. the Muslims) and their enemy meet without any appointment. I witnessed the night of Al-`Aqaba (pledge) with Allah's Messenger (ﷺ) when we pledged for Islam, and I would not exchange it for the Badr battle although the Badr battle is more popular amongst the people than it (i.e. Al-`Aqaba pledge). As for my news (in this battle of Tabuk), I had never been stronger or wealthier than I was when I remained behind the Prophet (ﷺ) in that Ghazwa. By Allah, never had I two she-camels before, but I had then at the time of this Ghazwa. Whenever Allah's Messenger (ﷺ) wanted to make a Ghazwa, he used to hide his intention by apparently referring to different Ghazwa till it was the time of that Ghazwa (of Tabuk) which Allah's Messenger (ﷺ) fought in severe heat, facing, a long journey, desert, and the great number of enemy. So the Prophet (ﷺ) announced to the Muslims clearly (their destination) so that they might get prepared for their Ghazwa. So he informed them clearly of the destination he was going to. Allah's Messenger (ﷺ) was accompanied by a large number of Muslims who could not be listed in a book namely, a register. Ka`b added, Any man who intended to be absent would think that the matter would remain hidden unless Allah revealed it through Divine Revelation. So Allah's Messenger (ﷺ) fought that Ghazwa at the time when the fruits had ripened and the shade looked pleasant. Allah's Messenger (ﷺ) and his companions prepared for the battle and I started to go out in order to get myself ready along with them, but I returned without doing anything. I would say to myself, 'I can do that.' So I kept on delaying it every now and then till the people got ready and Allah's Messenger (ﷺ) and the Muslims along with him departed, and I had not prepared anything for my departure, and I said, I will prepare myself (for departure) one or two days after him, and then join them.' In the morning following their departure, I went out to get myself ready but returned having done nothing. Then again in the next morning, I went out to get ready but returned without doing anything. Such was the case with me till they hurried away and the battle was missed (by me). Even then I intended to depart to take them over. I wish I had done so! But it was not in my luck. So, after the departure of Allah's Messenger (ﷺ), whenever I went out and walked amongst the people (i.e, the remaining persons), it grieved me that I could see none around me, but one accused of hypocrisy or one of those weak men whom Allah had excused. Allah's Messenger (ﷺ) did not remember me till he reached Tabuk. So while he was sitting amongst the people in Tabuk, he said, 'What did Ka`b do?' A man from Banu Salama said, 'O Allah's Messenger (ﷺ)! He has been stopped by his two Burdas (i.e. garments) and his looking at his own flanks with pride.' Then Mu`adh bin Jabal said, 'What a bad thing you have said! By Allah! O Allahs Apostle! We know nothing about him but good.' Allah's Messenger (ﷺ) kept silent. Ka`b bin Malik added, When I heard that he (i.e. the Prophet (ﷺ) ) was on his way back to Medina. I got dipped in my concern, and began to think of false excuses, saying to myself, 'How can I avoid his anger tomorrow?' And I took the advice of wise member of my family in this matter. When it was said that Allah's Messenger (ﷺ), had come near all the evil false excuses abandoned from my mind and I knew well that I could never come out of this problem by forging a false statement. Then I decided firmly to speak the truth. So Allah's Messenger (ﷺ) arrived in the morning, and whenever he returned from a journey., he used to visit the Mosque first of all and offer a two-rak`at prayer therein and then sit for the people. So when he had done all that (this time), those who had failed to join the battle (of Tabuk) came and started offering (false) excuses and taking oaths before him. They were something over eighty men; Allah's Messenger (ﷺ) accepted the excuses they had expressed, took their pledge of allegiance asked for Allah's Forgiveness for them, and left the secrets of their hearts for Allah to judge. Then I came to him, and when I greeted him, he smiled a smile of an angry person and then said, 'Come on.' So I came walking till I sat before him. He said to me, 'What stopped you from joining us. Had you not purchased an animal For carrying you?' I answered, Yes, O Allah's Messenger (ﷺ)! But by Allah, if I were sitting before any person from among the people of the world other than you, I would have avoided his anger with an excuse. By Allah, I have been bestowed with the power of speaking fluently and eloquently, but by Allah, I knew well that if today I tell you a lie to seek your favor, Allah would surely make you angry with me in the near future, but if I tell you the truth, though you will get angry because of it, I hope for Allah's Forgiveness. Really, by Allah, there was no excuse for me. By Allah, I had never been stronger or wealthier than I was when I remained behind you.' Then Allah's Messenger (ﷺ) said, 'As regards this man, he has surely told the truth. So get up till Allah decides your case.' I got up, and many men of Banu Salama followed me and said to me. 'By Allah, we never witnessed you doing any sin before this. Surely, you failed to offer excuse to Allah's Messenger (ﷺ) as the others who did not join him, have offered. The prayer of Allah's Messenger (ﷺ) to Allah to forgive you would have been sufficient for you.' By Allah, they continued blaming me so much that I intended to return (to the Prophet) and accuse myself of having told a lie, but I said to them, 'Is there anybody else who has met the same fate as I have?' They replied, 'Yes, there are two men who have said the same thing as you have, and to both of them was given the same order as given to you.' I said, 'Who are they?' They replied, Murara bin Ar-Rabi Al- Amri and Hilal bin Umaiya Al-Waqifi.' By that they mentioned to me two pious men who had attended the Ghazwa (Battle) of Badr, and in whom there was an example for me. So I did not change my mind when they mentioned them to me. Allah's Messenger (ﷺ) forbade all the Muslims to talk to us, the three aforesaid persons out of all those who had remained behind in that Ghazwa. So we kept away from the people and they changed their attitude towards us till the very land (where I lived) appeared strange to me as if I did not know it. We remained in that condition for fifty nights. As regards my two fellows, they remained in their houses and kept on weeping, but I was the youngest of them and the firmest of them, so I used to go out and witness the prayers along with the Muslims and roam about in the markets, but none would talk to me, and I would come to Allah's Messenger (ﷺ) and greet him while he was sitting In his gathering after the prayer, and I would wonder whether the Prophet (ﷺ) did move his lips in return to my greetings or not. Then I would offer my prayer near to him and look at him stealthily. When I was busy with my prayer, he would turn his face towards me, but when I turned my face to him, he would turn his face away from me. When this harsh attitude of the people lasted long, I walked till I scaled the wall of the garden of Abu Qatada who was my cousin and dearest person to me, and I offered my greetings to him. By Allah, he did not return my greetings. I said, 'O Abu Qatada! I beseech you by Allah! Do you know that I love Allah and His Apostle?' He kept quiet. I asked him again, beseeching him by Allah, but he remained silent. Then I asked him again in the Name of Allah. He said, Allah and His Apostle know it better.' Thereupon my eyes flowed with tears and I returned and jumped over the wall. Ka`b added, While I was walking in the market of Medina, suddenly I saw a Nabati (i.e. a Christian farmer) from the Nabatis of Sham who came to sell his grains in Medina, saying, 'Who will lead me to Ka`b bin Malik?' The people began to point (me) out for him till he came to me and handed me a letter from the king of Ghassan in which the following was written: To proceed, I have been informed that your friend (i.e. the Prophet (ﷺ) ) has treated you harshly. Anyhow, Allah does not let you live at a place where you feel inferior and your right is lost. So join us, and we will console you. When I read it, I said to myself, 'This is also a sort of a test.' Then I took the letter to the oven and made a fire therein by burning it. When forty out of the fifty nights elapsed, behold ! There came to me the messenger of Allah's Messenger (ﷺ) and said, 'Allah's Messenger (ﷺ) orders you to keep away from your wife,' I said, 'Should I divorce her; or else! what should I do?' He said, 'No, only keep aloof from her and do not cohabit her.' The Prophet (ﷺ) sent the same message to my two fellows. Then I said to my wife. 'Go to your parents and remain with them till Allah gives His Verdict in this matter. Ka`b added, The wife of Hilal bin Umaiya came to Apostle and said, 'O Allah's Messenger (ﷺ)! Hilal bin Umaiya is a helpless old man who has no servant to attend on him. Do you dislike that I should serve him? ' He said, 'No (you can serve him) but he should not come near you.' She said, 'By Allah, he has no desire for anything. By, Allah, he has never ceased weeping till his case began till this day of his.' (continued...) (continuing... 1): -5.702:... ... On that, some of my family members said to me, 'Will you also ask Allah's Messenger (ﷺ) to permit your wife (to serve you) as he has permitted the wife of Hilal bin Umaiya to serve him?' I said, 'By Allah, I will not ask the permission of Allah's Messenger (ﷺ) regarding her, for I do not know What Allah's Messenger (ﷺ) would say if I asked him to permit her (to serve me) while I am a young man.' Then I remained in that state for ten more nights after that till the period of fifty nights was completed starting from the time when Allah's Messenger (ﷺ) prohibited the people from talking to us. When I had offered the Fajr prayer on the 50th morning on the roof of one of our houses and while I was sitting in the condition which Allah described (in the Qur'an) i.e. my very soul seemed straitened to me and even the earth seemed narrow to me for all its spaciousness, there I heard the voice of one who had ascended the mountain of Sala' calling with his loudest voice, 'O Ka`b bin Malik! Be happy (by receiving good tidings).' I fell down in prostration before Allah, realizing that relief has come. Allah's Messenger (ﷺ) had announced the acceptance of our repentance by Allah when he had offered the Fajr prayer. The people then went out to congratulate us. Some bringers of good tidings went out to my two fellows, and a horseman came to me in haste, and a man of Banu Aslam came running and ascended the mountain and his voice was swifter than the horse. When he (i.e. the man) whose voice I had heard, came to me conveying the good tidings, I took off my garments and dressed him with them; and by Allah, I owned no other garments than them on that day. Then I borrowed two garments and wore them and went to Allah's Apostle. The people started receiving me in batches, congratulating me on Allah's Acceptance of my repentance, saying, 'We congratulate you on Allah's Acceptance of your repentance. Ka`b further said, When I entered the Mosque. I saw Allah's Messenger (ﷺ) sitting with the people around him. Talha bin Ubaidullah swiftly came to me, shook hands with me and congratulated me. By Allah, none of the Muhajirin (i.e. Emigrants) got up for me except him (i.e. Talha), and I will never forget this for Talha. Ka`b added, When I greeted Allah's Messenger (ﷺ) he, his face being bright with joy, said Be happy with the best day that you have got ever since your mother delivered you. Ka`b added, I said to the Prophet (ﷺ) 'Is this forgiveness from you or from Allah?' He said, 'No, it is from Allah.' Whenever Allah's Messenger (ﷺ) became happy, his face would shine as if it were a piece of moon, and we all knew that characteristic of him. When I sat before him, I said, 'O Allah's Messenger (ﷺ)! Because of the acceptance of my repentance I will give up all my wealth as alms for the Sake of Allah and His Apostle. Allah's Apostle said, 'Keep some of your wealth, as it will be better for you.' I said, 'So I will keep my share from Khaibar with me,' and added, 'O Allah's Messenger (ﷺ)! Allah has saved me for telling the truth; so it is a part of my repentance not to tell but the truth as long as I am alive. By Allah, I do not know anyone of the Muslims whom Allah has helped fortelling the truth more than me. Since I have mentioned that truth to Allah's Messenger (ﷺ) till today, I have never intended to tell a lie. I hope that Allah will also save me (from telling lies) the rest of my life. So Allah revealed to His Apostle the Verse:-- Verily, Allah has forgiven the Prophet, the Muhajirin (i.e. Emigrants (up to His Saying) And be with those who are true (in word and deed). (9.117-119) By Allah, Allah has never bestowed upon me, apart from His guiding me to Islam, a Greater blessing than the fact that I did not tell a lie to Allah's Messenger (ﷺ) which would have caused me to perish as those who have told a lie perished, for Allah described those who told lies with the worst description He ever attributed to anybody else. Allah said:-- They (i.e. the hypocrites) will swear by Allah to you when you return to them (up to His Saying) Certainly Allah is not pleased with the rebellious people-- (9.95-96) Ka`b added, We, the three persons, differed altogether from those whose excuses Allah's Apostle accepted when they swore to him. He took their pledge of allegiance and asked Allah to forgive them, but Allah's Messenger (ﷺ) left our case pending till Allah gave His Judgment about it. As for that Allah said):-- And to the three (He did for give also) who remained behind. (9.118) What Allah said (in this Verse) does not indicate our failure to take part in the Ghazwa, but it refers to the deferment of making a decision by the Prophet (ﷺ) about our case in contrast to the case of those who had taken an oath before him and he excused them by accepting their excuses.

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [4418] حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وعلىالثلاثة الَّذين خلفوا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ خُلِّفُوا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ كَذَا عِنْدَ الْأَكْثَرِوَوَقَعَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي بَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ هُنَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ نَفْسِهِ قَالَ أَحْمد بن صَالح فِيمَا أخرجه بن مَرْدَوْيهِ كَأَنَّ الزُّهْرِيَّ سَمِعَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ نَفْسِهِ وَسَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ مِنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ وَعَنْهُ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَوَقَعَ عِنْد بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ غَزَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوك وَهُوَ يُرِيد نصارىالعرب وَالرُّومِ بِالشَّامِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ تَبُوكَ أَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَلَقِيَهُ بِهَا وَفْدُ أَذَرْحَ وَوَفْدُ أَيْلَةَ فَصَالَحَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ ثُمَّ قَفَلَ مِنْ تَبُوكَ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة الْآيَةَ وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بِضْعَةٍ وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَلَمَّا رَجَعَ صَدَّقَهُ أُولَئِكَ وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَكَذَبَ سَائِرُهُمْ فَحَلَفُوا مَا حَبَسَهُمْ إِلَّا الْعُذْرُ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَنُهِيَ عَنْ كَلَامِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ هُنَا وَكَذَا لِابْنِ السَّكَنِ فِي الْجِهَادِ مِنْ بَيْتِهِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ وَالْأَوَّلُ هوالصواب وَفِي رِوَايَة معقل عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ أُصِيبَ بَصَرُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ قَوْمِهِ وَأَوْعَاهُمْ لِأَحَادِيثِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  حِينَ تَخَلَّفَ أَيْ زَمَانَ تَخَلُّفِهِ وَقَولُهُ عَنْ قِصَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُحَدِّثُ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ زَادَ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا مُوسَى بن عقبَة عَن بن شِهَابٍ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ وَمِثْلُهُ فِي زِيَادَاتِ الْمَغَازِي لِيُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ وَقَولُهُ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بِهَذَا السَّنَدِ وَلَمْ يُعَاتِبِ اللَّهُ أَحَدًا .

     قَوْلُهُ  تَوَاثَقْنَا بِمُثَلَّثَةٍ وَقَافٍ أَيْ أَخَذَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ الْمِيثَاقَ لَمَّا تَبَايَعْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ أَيْ أَنَّ لِي بَدَلَهَا .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ أَيْ أَعْظَمَ ذكرا وَفِي رِوَايَة يُونُس عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَكْثَرَ ذِكْرًا فِي النَّاسِ مِنْهَا وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ معمر عَن بن شِهَابٍ وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَدْرٌ .

     قَوْلُهُ  أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا أَيْ أَوْهَمَ غَيْرَهَا وَالتَّوْرِيَةُ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يُحْتَمَلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ مِنَ الْآخَرِ فَيُوهِمُ إِرَادَةَ الْقَرِيبِ وَهُوَ يُرِيدُ الْبَعِيدَ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَانَ يَقُولُ الْحَرْبُ خَدْعَةٌ تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْقِطْعَةُ مِنَ الْحَدِيثِ أُفْرِدَتْ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْجِهَادِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَلَّمَا كَانَ يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ وللنسائي من طَرِيق بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ فِي سَفَرِ جِهَادٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَخَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ .

     قَوْلُهُ  وَعَدُوًّا كَثِيرًا فِي رِوَايَةٍ وَغَزْوَ عَدُوٍّ كَبِيرٍ .

     قَوْلُهُ  فَجَلَّى بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا أَيْ أَوْضَحَ .

     قَوْلُهُ  أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أُهْبَةَ عَدُوِّهُمْ وَالْأُهْبَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرْبِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْإِضَافَةِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْقِلٍ يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا يَجْمَعُ دِيوَانٌ حَافِظٌ وَلِلْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا وبهذه الْعدة جزم بن إِسْحَاقوَأَوْرَدَهُ الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدٍ آخَرَ مَوْصُولٍ وَزَادَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ آلَافِ فَرَسٍ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ مَعْقِلٍ عَلَى إِرَادَةِ عَدَدِ الْفُرْسَانِ وَلِابْنِ مَرْدَوْيهِ وَلَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ حَافِظٌ يَعْنِي كَعْبٌ بِذَلِكَ الدِّيوَان يَقُول لايجمعهم دِيوَانٌ مَكْتُوبٌ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ التَّنْوِينَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَلَا تُخَالِفُ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي الْإِكْلِيلِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا جَبَرَ الْكَسْرَ وَقَولُهُ يُرِيدُ الدِّيوَانَ هُوَ كَلَامُ الزُّهْرِيِّ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ عَمَّا وَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ دَوَّنَ الدِّيوَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ كَعْبٌ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  فَمَا رَجُلٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَلَّ رَجُلٌ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا ظَنَّ أَنَّهُ سَيَخْفَى فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ سَيَخْفَى بِتَخْفِيفِ النُّونِ بِلَا هَاءٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ .

     قَوْلُهُ  حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بن عقبَة عَن بن شِهَابٍ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فِي لَيَالِي الْخَرِيفِ وَالنَّاسُ خَارِفُونَ فِي نَخِيلِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَازِ وَخِفَّةِ الْحَاذِ وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلَالِ وَالثِّمَارِ وَقَولُهُ الْحَاذِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْحَالُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَقَولُهُ أَصْغُو بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَمِيلُ وَيُرْوَى أَصْعُرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْملَة بعْدهَا رَاء وَفِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ فَالنَّاسُ إِلَيْهَا صُعُرٌ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى اشْتَدَّ النَّاسُ الْجِدَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الْجِدُّ فِي الشَّيْءِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ وَضَبَطُوا النَّاسَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَالْجِدَّ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيِ اشْتَدَّ النَّاس الاشتداد الْجد وَعند بن السَّكَنِ اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ بِرَفْعِ الْجِدِّ وَزِيَادَةِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ وَالْجِدُّ عَلَى هَذَا فَاعِلٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسلم وَعند بن مَرْدَوْيهِ حَتَّى شَمَّرَ النَّاسُ الْجِدَّ وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّوْجِيهَ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ من جهازي بِفَتْح الْجِيم وبكسرها وَعند بن أبي شيبَة وبن جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ كَعْبٍ فَأَخَذْتُ فِي جهازي فأمسيت وَلم أفرع فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ فِي غَدٍ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَسْرَعُوا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى شَرَعُوا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ زَادَ فِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ وَلَمْ أَفْعَلْ .

     قَوْلُهُ  وَتَفَارَطَ بِالْفَاءِ وَالطَّاءِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ فَاتَ وَسَبَقَ وَالْفَرْطُ السَّبْقُ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ حَتَّى أَمْعَنَ الْقَوْمُ وَأَسْرَعُوا فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِلتَّجْهِيزِ وَتَشْغَلُنِي الرِّجَالُ فَأَجْمَعْتُ الْقُعُودَ حِينَ سبقني الْقَوْم وَفِي رِوَايَة أحمدمن طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ كَعْبٍ فَقُلْتُ أَيْهَاتَ سَارَ النَّاسُ ثَلَاثًا فَأَقَمْتُ .

     قَوْلُهُ  مَغْمُوصًا بَالِغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَطْعُونًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ مُتَّهَمًا بِالنِّفَاقِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُسْتَحْقَرًا تَقُولُ غَمَصْتُ فُلَانًا إِذَا اسْتَحْقَرْتُهُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ بِغَيْرِ صَرْفٍ لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةٍ تَبُوكًا عَلَى إِرَادَةِ الْمَكَانِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مِنْ قَوْمِي وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَهَذَا غَيْرُ الْجُهَنِيِّ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَنِ اسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ السَّلَمِيَّ بِفَتْحَتَيْنِ فَهُوَ هَذَا وَالَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ اتِّفَاقًا إِلَّا مَا حَكَى الْوَاقِدِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَبُو قَتَادَةَ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ .

     قَوْلُهُ  حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفِهِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنْ حُسَنِهِ وَبَهْجَتِهِ وَالْعَرَبُ تَصِفُ الرِّدَاءَ بِصِفَةِ الْحُسْنِ وَتُسَمِّيهِ عِطْفًا لِوُقُوعِهِ عَلَى عِطْفَيِ الرَّجُلِ .

     قَوْلُهُ  فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُنْتَصِبًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَالْأَنْصَارِيُّ.

.

قُلْتُ وَاسْمُ أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ كَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ وَلَفْظُهُ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ حَائِطًا فَرَأَيْتُ عَرِيشًا قَدْ رُشَّ بِالْمَاءِ وَرَأَيْتُ زَوْجَتِي فَقُلْتُ مَا هَذَا بِإِنْصَافٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمُومِ وَالْحَرُورِ وَأَنَا فِي الظِّلِّ وَالنَّعِيمِ فَقُمْتُ إِلَى نَاضِحٍ لِي وَتَمَرَاتٍ فَخَرَجْتُ فَلَمَّا طَلَعْتُ عَلَى الْعَسْكَرِ فَرَآنِي النَّاسُ قَالَ النَّبِيُّ كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَجِئْتُ فَدَعَا لِي وَذَكَرَهُ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ مُرْسَلًا وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اسْمَهُ عبد الله بن خَيْثَمَة.

     وَقَالَ  بن شِهَابٍ اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذكر بن سَعْدٍ أَنَّ قُدُومَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَانَ فِي رَمَضَانَ .

     قَوْلُهُ  حَضَرَنِي هَمِّي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هَمَّنِي وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَثِّي بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ فَطَفِقْتُ أَعُدُّ الْعُذْرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ وَأُهَيِّئُ الْكَلَامَ .

     قَوْلُهُ  وَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ أَيْ جَزَمْتُ بِذَلِكَ وعقدت عَلَيْهِ قصدى وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يُنْجِينِي مِنْهُ إِلَّا الصِّدْقُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ هَذِهِ الْقِطْعَةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أُفْرِدَتْ فِي الْجِهَادِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيق بن جريج عَن بن شِهَابٍ بِلَفْظِ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا فِي الضُّحَى فَيَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيقْعد وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ وَفِي حَدِيث أبي ثَعْلَبَة عِنْد والطَّبَرَانِيُّ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُثَنِّي بِفَاطِمَةَ ثُمَّ يَأْتِي أَزْوَاجَهُ وَفِي لَفْظٍ ثُمَّ بَدَأَ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ ثُمَّ أَتَى بُيُوتَ نِسَائِهِ .

     قَوْلُهُ  جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هذاالعدد كَانَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ وَأَنَّ الْمُعَذِّرِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ كَانُوا أَيْضًا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَغَيْرِهِمْ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ كَانُوا مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَكَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا سلمت عَلَيْهِ تَبَسم تَبَسم الْمُغْضب وَعند بن عَائِذٍ فِي الْمَغَازِي فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لِمَ تُعْرِضْ عَنِّي فَوَاللَّهِ مَا نَافَقْتُ وَلَا ارْتَبْتُ وَلَا بَدَّلْتُ قَالَ فَمَا خَلَّفَكَ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا أَيْ فَصَاحَةً وَقُوَّةَ كَلَامٍ بِحَيْثُ أَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا يُنْسَبُ إِلَيَّ بِمَا يُقْبَلُ وَلَا يُرَدُّ .

     قَوْلُهُ  تَجِدُ عَلَيَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ تَغْضَبُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَمَضَيْتُ .

     قَوْلُهُ  وَثَارَ رِجَالٌ أَيْ وَثَبُوا .

     قَوْلُهُ  كَافِيكَ ذَنْبَكَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْضًا وَاسْتِغْفَارُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَعند بن عَائِذٍ فَقَالَ كَعْبٌ مَا كُنْتُ لِأَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْذِبُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ شَاعِرٌ جَرِيءٌ فَقَالَ أما علىالكذب فَلَا زَاد فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ كَمَا صَنَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِكَ فَقَبِلَ مِنْهُمْ عُذْرَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَقِيلَ لَهُمْ مثل مَا قيل لَك فِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ.

     وَقَالَ  لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ .

     قَوْلُهُ  يُؤَنِّبُونِي بِنُونٍ ثَقِيلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مِنَ التَّأْنِيبِ وَهُوَ اللَّوْمُ الْعَنِيفُ .

     قَوْلُهُ  مُرَارَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَرَاءَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ وَقَولُهُ الْعَمْرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ وَوَقَعَ لبَعْضهِم العامري وَهُوَ خطأ وَقَوله بن الرّبيع هُوَ الْمَشْهُور وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم بن رَبِيعَةَ وَفِي حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ عِنْدَ بن مَرْدَوْيهِ مُرَارَةُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَهُوَ خَطَأٌ وَكَذَا مَا وَقع عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ رَبِيعَ بْنَ مُرَارَةَ وَهُوَ مَقْلُوبٌ وَذُكِرَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ أَنَّ سَبَبَ تَخَلُّفِهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَائِطٌ حِينَ زُهِيَ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ قدغَزَوْتُ قَبْلَهَا فَلَوْ أَقَمْتُ عَامِي هَذَا فَلَمَّا تَذَكَّرَ ذَنْبَهُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ فِي سَبِيلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْآخَرَ يَعْنِي هِلَالًا كَانَ لَهُ أَهْلٌ تَفَرَّقُوا ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَقَالَ لَوْ أَقَمْتُ هَذَا الْعَامَ عِنْدَهُمْ فَلَمَّا تَذَكَّرَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ أَنْ لَا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ .

     قَوْلُهُ  وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي وَاقِفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ قَرَّرْتُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّهُمَا شَهِدَا بَدْرًا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَتعقبه بن الْجَوْزِيِّ وَنَسَبَهُ إِلَى الْغَلَطِ فَلَمْ يُصِبْ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَوْنِهِمَا لَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَهْجُرْهُ وَلَا عَاقَبَهُ مَعَ كَوْنِهِ جَسَّ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ لِعُمَرَ لَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ وَأَيْنَ ذَنْبُ التَّخَلُّفِ مِنْ ذَنْبِ الْجَسِّ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَدْرِيَّ عِنْدَهُ إِذَا جَنَى جِنَايَةً وَلَوْ كَبُرَتْ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهَذَا عُمَرُ مَعَ كَوْنِهِ الْمُخَاطَبَ بِقِصَّةِ حَاطِبٍ فَقَدْ جَلَدَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ الْحَدَّ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ وَهُوَ بَدْرِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا لَمْ يُعَاقِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبًا وَلَا هَجَرَهُ لِأَنَّهُ قَبِلَ عُذْرَهُ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَاتَبَ قُرَيْشًا خَشْيَةً عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ عِنْدَهُمْ يَدًا فَعَذَرَهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ تَخَلُّفِ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  لِي فِيهِمَا أُسْوَة بِكَسْر الْهمزَة وَيجوز ضمهَا قَالَ بن التِّينِ التَّأَسِّي بِالنَّظِيرِ يَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْآخِرَةِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظلمتم الْآيَة قَوْله فمضيت حِين ذكر وهما لِي فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا .

     قَوْلُهُ  وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ مُتَخَصِّصِينَ بِذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالَّتِي أَعْرِفُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِفُ وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمُ الَّذِينَ نَعْرِفُ وَهَذَا يَجِدُهُ الْحَزِينُ وَالْمَهْمُومُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى قَدْ يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوت فَلَا يصلىعلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَمُوتُ فَأَكُونُ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يكلمني أحد مِنْهُم وَلَا يصلىعلى وَعند بن عَائِذٍ حَتَّى وَجِلُوا أَشَدَّ الْوَجَلِ وَصَارُوا مِثْلَ الرُّهْبَانِ .

     قَوْلُهُ  هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ لَمْ يَجْزِمْ كَعْبٌ بِتَحْرِيكِ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَجَلِ .

     قَوْلُهُ  فَأُسَارِقُهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ أَيْ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي خُفْيَةٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُون الْفَاء أَي إعراضهم وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ وَطَفِقْنَا نَمْشِي فِي النَّاسِ لَا يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلَامًا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَسَوَّرْتُ أَيْ عَلَوْتُ سُوَرَ الدَّارِ .

     قَوْلُهُ  جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة وَهُوَ بن عمي وَأحب النَّاس إِلَى ذكر أَنه بن عَمِّهِ لِكَوْنِهِمَا مَعًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَلَيْسَ هُوَ بن عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ الْأَقْرَبِ وَقَولُهُ أَنْشُدُكَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَسْأَلُكَ وَقَولُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ لَيْسَ هُوَ تَكْلِيمًا لِكَعْبٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْحَائِطَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمْ أَمْلِكُ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا .

     قَوْلُهُ  إِذَا نَبَطِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ نِسْبَةٌ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَاءِ وَاسْتِخْرَاجِهِ وَهَؤُلَاءِ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَهْلَ الْفِلَاحَةِ وَهَذَا النَّبَطِيُّ الشَّامِيُّ كَانَ نَصْرَانِيًّا كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ إِذَا نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا النَّصْرَانِيِّ وَيُقَالُ إِنَّ النَّبَطَ يُنْسَبُونَ إِلَىنَبَطِ بْنِ هَانِبَ بْنِ أُمَيْمِ بْنِ لَاوِذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثَقِيلَةٍ هُوَ جبلة بن الْأَيْهَم جزم بذلك بن عَائِذٍ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شَمِرٍ وَيُقَال جبلة بن الايهم وَفِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ فَكَتَبَ إِلَيَّ كِتَابًا فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ حَيْثُ يضيع حَقك وَعند بن عَائِذٍ فَإِنَّ لَكَ مُتَحَوَّلًا بِالْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ مَكَانًا تَتَحَوَّلُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْمُوَاسَاةِ وَزَاد فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ فِي أَمْوَالِنَا فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ قَدْ طَمِعَ فِيَّ أَهْلُ الْكُفْرِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ مَرْدَوْيهِ .

     قَوْلُهُ  فَتَيَمَّمْتُ أَيْ قَصَدْتُ وَالتَّنُّورُ مَا يُخْبَزُ فِيهِ وَقَولُهُ فَسَجَرْتُهُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ أَي أوقدته وَأَنت الْكتاب على معنى الصَّحِيفَة وَفِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ فَعَمَدْتُ بِهَا إِلَى تَنُّورٍ بِهِ فَسَجَرْتُهُ بِهَا وَدَلَّ صَنِيعُ كَعْبٍ هَذَا عَلَى قُوَّةِ إِيمَانِهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِلَّا فَمَنْ صَارَ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الْهَجْرِ وَالْإِعْرَاضِ قَدْ يَضْعُفُ عَنِ احْتِمَالِ ذَلِكَ وَتَحْمِلُهُ الرَّغْبَةُ فِي الْجَاهِ وَالْمَالِ عَلَى هِجْرَانِ مَنْ هَجَرَهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ أَمْنِهِ مِنَ الْمَلِكِ الَّذِي اسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ أَنه لايكرهه عَلَى فِرَاقِ دِينِهِ لَكِنْ لَمَّا احْتُمِلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنَ الِافْتِتَانِ حَسَمَ الْمَادَّةَ وَأَحْرَقَ الْكِتَابَ وَمَنَعَ الْجَوَابَ هَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ طُبِعَتْ نُفُوسُهُمْ عَلَى الرَّغْبَةِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ الِاسْتِدْعَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنَ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَلَا سِيَّمَا وَالَّذِي اسْتَدْعَاهُ قَرِيبُهُ وَنَسِيبُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَغَلَبَ عَلَيْهِ دِينُهُ وَقَوِيَ عِنْدَهُ يَقِينُهُ وَرَجَّحَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النَّكَدِ وَالتَّعْذِيبِ عَلَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ حُبًّا فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَعند بن عَائِذٍ أَنَّهُ شَكَا حَالَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  مَا زَالَ إِعْرَاضُكَ عَنِّي حَتَّى رَغِبَ فِيَّ أَهْلُ الشِّرْكِ .

     قَوْلُهُ  إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ وَهُوَ الرَّسُولُ إِلَى هِلَالٍ وَمُرَارَةَ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ هِيَ عُمَيْرَةُ بِنْتُ جُبَيْرِ بْنِ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةُ أُمُّ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَمَعْبَدٍ وَيُقَالُ اسْمُ امْرَأَتِهِ الَّتِي كَانَتْ يَوْمَئِذٍ عِنْدَهُ خَيْرَةُ بِالْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَلَحِقَتْ بِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالٍ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ عَاصِمٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَيُشْكَلْ مَعَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ الثَّلَاثَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ بَعْضُ وَلَدِهِ أَوْ مِنَ النِّسَاءِ وَلَمْ يَقع النهى عَن كَلَام الثَّلَاثَة للنِّسَاء اللَّاتِي فِي بُيُوتِهِمْ أَوِ الَّذِي كَلَّمَهُ بِذَلِكَ كَانَ مُنَافِقًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ .

     قَوْلُهُ  فَأَوْفَى بِالْفَاءِ مَقْصُورٌ أَيْ أَشْرَفَ وَاطَّلَعَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مِنْ ذرْوَة سلع أَي أَعْلَاهُ وَزَاد بن مَرْدَوْيهِ وَكُنْتُ ابْتَنَيْتُ خَيْمَةً فِي ظَهْرِ سَلْعٍ فَكُنْتُ أَكُونُ فِيهَا وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَائِذٍ وَزَادَ أَكُونُ فِيهَا نَهَارًا .

     قَوْلُهُ  يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ كَعْبٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِذْ سَمِعْتُ رَجُلًا عَلَى الثَّنِيَّةِ يَقُولُ كَعْبًا كَعْبًا حَتَّى دَنَا مِنِّي فَقَالَ بَشِّرُوا كَعْبًا .

     قَوْلُهُ  فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَقد عرفت أَنه جَاءَ فرج وَعند بن عَائِذٍ فَخَرَّ سَاجِدًا يَبْكِي فَرِحًا بِالتَّوْبَةِ .

     قَوْلُهُ  وَآذَنَ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْلَمَ وللْكُشْمِيهَنِيِّ بِغَيْرِ مَدٍّ وَبِالْكَسْرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مُعْتَنِيَةً بِأَمْرِي فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ قَالَتْ أَفَلَا أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ قَالَ إِذًا يُحَطِّمُكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُوكُمُ النَّوْمَ سَائِرَاللَّيْلَةِ حَتَّى إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا .

     قَوْلُهُ  وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ .

     قَوْلُهُ  وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ هُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ وَعند بن عَائِذٍ أَنَّ اللَّذَيْنِ سَعَيَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَكِنَّهُ صَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ زَعَمُوا وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ وَكَانَ الَّذِي أَوْفَى عَلَى سَلْعٍ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَصَاحَ قَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى كَعْبٍ وَالَّذِي خَرَجَ عَلَى فَرَسِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَنِي فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ بِتَوْبَتِهِ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ وَخَرَجْتُ إِلَى بَنِي وَاقِفٍ فَبَشَّرْتُهُ فَسَجَدَ قَالَ سَعِيدٌ فَمَا ظَنَنْتُهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى تَخْرُجَ نَفْسُهُ يَعْنِي لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى كَانَ يُوَاصِلُ الْأَيَّامَ صَائِمًا وَلَا يَفْتُرُ مِنَ الْبُكَاءِ وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَ مُرَارَةَ بِتَوْبَتِهِ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَوْ سَلَمَةَ بْنَ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ يُرِيدُ مِنْ جِنْسِ الثِّيَابِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَاحِلَتَانِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً ثُمَّ وجدت فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فَفِيهَا وَوَاللَّهِ مَا أملك يَوْمئِذٍ ثَوْبَيْنِ غَيرهمَا وَزَاد بن عَائِذٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَلَبِسَهُمَا .

     قَوْلُهُ  وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ .

     قَوْلُهُ  وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَوْجًا فَوْجًا أَيْ جَمَاعَةً جَمَاعَةً قَوْله لِيَهنك بِكَسْر النُّون وَزعم بن التِّينِ أَنَّهُ بِفَتْحِهَا بَلْ قَالَ السَّفَاقُسِيُّ إِنَّهُ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ مِنَ الْهَنَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالُوا سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْحَةَ لَمَّا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ أَخَا الزُّبَيْرِ لَكِنْ كَانَ الزُّبَيْرُ أَخَا طَلْحَةَ فِي أُخُوَّةِ الْمُهَاجِرِينَ فَهُوَ أَخُو أَخِيهِ .

     قَوْلُهُ  أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ اسْتُشْكِلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ بِيَوْمِ إِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ خَيْرُ أَيَّامِهِ فَقِيلَ هُوَ مُسْتَثْنًى تَقْدِيرًا وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِعَدَمِ خَفَائِهِ وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ يَوْمَ تَوْبَتِهِ مُكَمِّلٌ لِيَوْمِ إِسْلَامِهِ فَيَوْمُ إِسْلَامِهِ بِدَايَةُ سَعَادَتِهِ وَيَوْمُ تَوْبَتِهِ مُكَمِّلٌ لَهَا فَهُوَ خَيْرُ جَمِيعِ أَيَّامِهِ وَإِنْ كَانَ يَوْمُ إِسْلَامِهِ خَيْرَهَا فَيَوْمُ تَوْبَتِهِ الْمُضَافُ إِلَى إِسْلَامِهِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ إِسْلَامِهِ الْمُجَرَّدِ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَا بَلْ مِنْ عِنْد الله زَاد فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ إِنَّكُمْ صَدَقْتُمُ اللَّهَ فَصَدَقَكُمْ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن رَاشد فِي التَّفْسِير حتىكأنه قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ وَيُسْأَلُ عَنِ السِّرِّ فِي التَّقْيِيدِ بِالْقِطْعَةِ مَعَ كَثْرَةِ مَا وَرَدَ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ مِنْ تَشْبِيهِ الْوَجْهِ بِالْقَمَرِ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْبِيهُهُمْ لَهُ بِالشَّمْسِ طَالِعَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَائِلَ هَذَا مِنْ شُعَرَاءِ الصَّحَابَةِ وَحَالُهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَة فَلَا بُدَّ فِي التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ مِنْ حِكْمَةٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِرَازِ مِنَ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُهُ بِمَا فِي الْقَمَرِ مِنَ الضِّيَاءِ وَالِاسْتِنَارَةِ وَهُوَ فِي تَمَامِهِ لَا يَكُونُ فِيهَا أَقَلَّ مِمَّا فِي الْقِطْعَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ تَوْجِيهَاتٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنَارَةِ وَهُوَ الْجَبِينُ وَفِيهِ يَظْهَرُ السُّرُورُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَكَأَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ عَلَى بَعْضِ الْوَجْهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُشَبَّهَ بِبَعْضِ الْقَمَرِ .

     قَوْلُهُ  وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِيهِ وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ كَمَالِ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ والفرح بِمَا يسرهم وَعند بن مَرْدَوْيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا نَزَلَتْ تَوْبَتِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْتُ يَدَهُ وَرُكْبَتَهُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي أَيْ أَخْرَجَ مِنْ جَمِيعِ مَالِي .

     قَوْلُهُ  صَدَقَةً هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مُتَصَدِّقًا أَوْ ضَمَّنَ أَنْخَلِعُ مَعْنَى أَتَصَدَّقُ وَهُوَ مَصْدَرٌ أَيْضًا وَقَولُهُ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَخْرُجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَدَقَةً قَالَ لَا.

.

قُلْتُ نِصْفُهُ قَالَ لَا.

.

قُلْتُ فَثُلُثُهُ قَالَ نعم وَلابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يُجزئ عَنْكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ فِي قِصَّةِ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يُجزئ عَنْكَ الثُّلُثُ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَقَولُهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي وَكَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ مَا أنعم الله علىمن نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي قَوْلِهِ أَحْسَنَ وَأَعْظَمَ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ يُورَدُ وَيُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْأَفْضَلِيَّةِ لَا الْمُسَاوَاةُ لِأَنَّ كَعْبًا شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ رَفِيقَانِ وَقَدْ نَفَى أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ حَصَلَ لَهُ أَحْسَنُ مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْمُسَاوَاةَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ لَا زَائِدَةٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ .

     قَوْلُهُ  وَكُنَّا تُخُلِّفْنَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ خُلِّفْنَا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ قَبْلَهَا .

     قَوْلُهُ  وَأَرْجَأَ مَهْمُوزًا أَيْ أَخَّرَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَحَاصِله أَن كَعْبًا فسر قَوْله تَعَالَى وعلىالثلاثة الَّذين خلفوا أَيْ أُخِّرُوا حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ خُلِّفُوا عَنِ الْغَزْوِ وَفِي تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى وعلىالثلاثة الَّذين خلفوا قَالَ خُلِّفُوا عَنِ التَّوْبَةِ وَلِابْنِ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيق قَتَادَة نَحوه قَالَ بن جَرِيرٍ فَمَعْنَى الْكَلَامِ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى الَّذِينَ أُخِّرَتْ تَوْبَتُهُمْ وَفِي قِصَّةِ كَعْبٍ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ طَلَبِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ ذَوِي الْحَرْبِ وَجَوَازُ الْغَزْوِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالتَّصْرِيحُ بِجِهَةِ الْغَزْوِ إِذَا لَمْ تَقْتَضِ الْمَصْلَحَةُ سَتْرَهُ وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا اسْتَنْفَرَ الْجَيْشَ عُمُومًا لَزِمَهُمُ النَّفِيرُ وَلَحِقَ اللَّوْمُ بِكُلِّ فَرد فَرْدٍ أَنْ لَوْ تَخَلَّفَ.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ إِنَّمَا اشْتَدَّ الْغَضَبُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْأَنْصَارِ خَاصَّةً فَرْضُ عَيْنٍ لِأَنَّهُمْ بَايَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ مْ وَهُمْ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا فَكَانَ تَخَلُّفُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَبِيرَةً لِأَنَّهَا كالنكث لبيعتهم كَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا غَيْرَ الَّذِي قَالَ.

.

قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرْتُ وَجْهًا غَيْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَعَلَّهُ أَقْعَدُ وَيُؤَيِّدهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الْآيَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّ الْجِهَادَ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى هَذَا فَيَتَوَجَّهُ الْعِتَابُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ مُطْلَقًا وَفِيهَا أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْخُرُوج بِنَفسِهِ أَو بِمَالِه لالوم عَلَيْهِ وَاسْتِخْلَافُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْإِمَامِ عَلَى أَهْلِهِ وَالضَّعَفَةِ وَفِيهَا تَرْكُ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ تَرْكُ قَتْلِ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَأَجَابَ مَنْ أَجَازَهُ بِأَنَّ التَّرْكَ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَفِيهَا عِظَمُ أَمْرِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ نَبَّهَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكَلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مَالًا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ أَصَابَهُمْ مَا سَمِعْتُمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَكَيْفَ بِمَنْ يُوَاقِعُ الْفَوَاحِشَ وَالْكَبَائِرَ وَفِيهَا أَنَّ الْقَوِيَّ فِي الدِّينِ يُؤَاخَذُ بِأَشَدِّ مِمَّا يُؤَاخَذُ الضَّعِيفُ فِي الدِّينِ وَجَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرْءِ عَنْ تَقْصِيرِهِ وَتَفْرِيطِهِ وَعَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ تَحْذِيرًا وَنَصِيحَةً لِغَيْرِهِ وَجَوَازُ مَدْحِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ إِذَا أُمِنَ الْفِتْنَةَ وَتَسْلِيَةُ نَفْسَهُ بِمَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِمَا وَقَعَ لِنَظِيرِهِ وَفَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْعَقَبَةِ وَالْحَلِفُ لِلتَّأْكِيدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَالتَّوْرِيَةُ عَنِ الْمَقْصِدِ وَرَدُّ الْغَيْبَةِ وَجَوَازُ تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَة مُدَّةوَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا لَاحَتْ لَهُ فُرْصَةٌ فِي الطَّاعَةِ فَحَقُّهُ أَنْ يُبَادِرَ إِلَيْهَا وَلَا يُسَوِّفُ بِهَا لِئَلَّا يُحْرَمَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أول مرّة وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا الْمُبَادَرَةَ إِلَى طَاعَتِهِ وَأَنْ لَا يَسْلُبَنَا مَا خَوَّلَنَا مِنْ نِعْمَتِهِ وَفِيهَا جَوَازُ تَمَنِّي مَا فَاتَ مِنَ الْخَيْرِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُهْمِلُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ بَلْ يَذْكُرُهُ لِيُرَاجِعَ التَّوْبَةَ وَجَوَازُ الطَّعْنِ فِي الرَّجُلِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى اجْتِهَادِ الطَّاعِنِ عَنْ حَمِيَّةٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِيهَا جَوَازُ الرَّدِّ عَلَى الطَّاعِنِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الرَّادِّ وَهْمُ الطَّاعِنِ أَوْ غَلَطُهُ وَفِيهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْقَادِمِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ قَبْلَ بَيْتِهِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَجْلِسُ لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَمَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ عَلَى الْقَادِمِ وَتَلَقِّيهِ وَالْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ وَقَبُولُ الْمَعَاذِيرِ وَاسْتِحْبَابُ بُكَاءِ الْعَاصِي أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهُ من الْخَيْر وفيهَا إِجْرَاء الْأَحْكَام علىالظاهر وَوُكُولُ السَّرَائِرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ أَذْنَبَ وَجَوَازُ هَجْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ.

.
وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْهَجْرِ فَوْقَ الثَّلَاثِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ هِجْرَانُهُ شَرْعِيًّا وَأَنَّ التَّبَسُّمَ قَدْ يَكُونُ عَنْ غَضَبٍ كَمَا يَكُونُ عَنْ تَعَجُّبٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِالسُّرُورِ وَمُعَاتَبَةُ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ وَمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهَا فَائِدَةُ الصِّدْقِ وَشُؤْمُ عَاقِبَةِ الْكَذِبِ وَفِيهَا الْعَمَلُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ إِذَا حَفَّتْهُ قَرِينَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَدَّثَهُ كَعْبٌ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ سِوَاهُ كَذَبَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ لِأَنَّ مُرَارَةَ وَهِلَالًا أَيْضًا قَدْ صَدَقَا فَيَخْتَصُّ الْكَذِبُ بِمَنْ حَلَفَ وَاعْتَذَرَ لَا بِمَنِ اعْتَرَفَ وَلِهَذَا عَاقَبَ مَنْ صَدَقَ بِالتَّأْدِيبِ الَّذِي ظَهَرَتْ فَائِدَتُهُ عَنْ قُرْبٍ وَأَخَّرَ مَنْ كَذَبَ لِلْعِقَابِ الطَّوِيلِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ عُقُوبَتَهُ فَيَرِدُ الْقِيَامَةَ بِذُنُوبِهِ قِيلَ وَإِنَّمَا غُلِّظَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله وَقَوْلُ الْأَنْصَارِ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا وَفِيهَا تَبْرِيدُ حَرِّ الْمُصِيبَةِ بِالتَّأَسِّي بِالنَّظِيرِ وَفِيهَا عِظَمُ مِقْدَارِ الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَتَعْلِيقُ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ شَرِّهِمَا بِهِ وَأَنَّ مِنْ عُوقِبَ بِالْهَجْرِ يُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ مُرَارَةَ وَهِلَالًا لَمْ يَخْرُجَا مِنْ بُيُوتِهِمَا تِلْكَ الْمُدَّةَ وَفِيهَا سُقُوطُ رَدِّ السَّلَامِ عَلَى الْمَهْجُورِ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إِذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَقُلْ كَعْبٌ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ وَفِيهَا جَوَازُ دُخُولِ الْمَرْءِ دَارَ جَارِهِ وَصَدِيقِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَمِنْ غَيْرِ الْبَابِ إِذَا عَلِمَ رِضَاهُ وَفِيهَا أَنَّ قَوْلَ الْمَرْءِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ لَيْسَ بِخِطَابٍ وَلَا كَلَامٍ وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يكلم الآخر إِذا لم ينوبه مُكَالَمَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو قَتَادَةَ ذَلِكَ لَمَّا ألح عَلَيْهِ كَعْب وَإِلَّا فقدتقدم أَنَّ رَسُولَ مَلِكِ غَسَّانَ لَمَّا سَأَلَ عَنْ كَعْبٍ جَعَلَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَى كَعْبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِقَوْلِهِمْ مَثَلًا هَذَا كَعْبٌ مُبَالَغَةً فِي هَجْرِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَفِيهَا أَنَّ مُسَارَقَةَ النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهَا وَإِيثَارُ طَاعَةِ الرَّسُولِ عَلَى مَوَدَّةِ الْقَرِيبِ وَخِدْمَةُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَالِاحْتِيَاطُ لِمُجَانَبَةِ مَا يُخْشَى الْوُقُوعُ فِيهِ وَجَوَازُ تَحْرِيقِ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ لِلْمَصْلَحَةِ وَفِيهَا مَشْرُوعِيَّةُ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالِاسْتِبَاقُ إِلَى الْبِشَارَةِ بِالْخَيْرِ وَإِعْطَاءُ الْبَشِيرِ أَنْفَسَ مَا يَحْضُرُ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْبِشَارَةِ وَتَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ وَالْقِيَامُ إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ وَاجْتِمَاعُ النَّاسِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَسُرُورُهُ بِمَا يَسُرُّ أَتْبَاعَهُ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْعَارِيَةِ وَمُصَافَحَةُ الْقَادِمِ وَالْقِيَامُ لَهُ وَالْتِزَامُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْخَيْرِ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَأَنَّ مَنْ نذر الصَّدَقَةبِكُلِّ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ جَمِيعِهِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ النَّذْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

     وَقَالَ  بن التِّينِ فِيهِ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ كَذَا قَالَ وَلَيْسَ كَعْبٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّمَا هُوَ من السَّابِقين من الْأَنْصَار ( قَولُهُ بَابُ نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الْحجر) بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وَهِي منَازِل ثَمُود زعم بَعضهم أَنه مر بِهِ وَلم ينزل وَيَردهُ التَّصْرِيح فِي حَدِيث بن عمر بِأَنَّهُ لما نزل الْحجر أَمرهم أَن لَا يشْربُوا وَقد تقدم حَدِيث بن عمر فِي بِئْر ثَمُود وَقد تقدّمت مباحثه فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء وَقَوله

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :4179 ... غــ :4418] حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وعلىالثلاثة الَّذين خلفوا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ خُلِّفُوا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ كَذَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَوَقَعَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي بَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ هُنَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ نَفْسِهِ قَالَ أَحْمد بن صَالح فِيمَا أخرجه بن مَرْدَوْيهِ كَأَنَّ الزُّهْرِيَّ سَمِعَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ نَفْسِهِ وَسَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ مِنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ وَعَنْهُ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَوَقَعَ عِنْد بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ غَزَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوك وَهُوَ يُرِيد نصارىالعرب وَالرُّومِ بِالشَّامِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ تَبُوكَ أَقَامَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَلَقِيَهُ بِهَا وَفْدُ أَذَرْحَ وَوَفْدُ أَيْلَةَ فَصَالَحَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ ثُمَّ قَفَلَ مِنْ تَبُوكَ وَلَمْ يُجَاوِزْهَا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة الْآيَةَ وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بِضْعَةٍ وَثَمَانِينَ رَجُلًا فَلَمَّا رَجَعَ صَدَّقَهُ أُولَئِكَ وَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَكَذَبَ سَائِرُهُمْ فَحَلَفُوا مَا حَبَسَهُمْ إِلَّا الْعُذْرُ فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَنُهِيَ عَنْ كَلَامِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ هُنَا وَكَذَا لِابْنِ السَّكَنِ فِي الْجِهَادِ مِنْ بَيْتِهِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ وَالْأَوَّلُ هوالصواب وَفِي رِوَايَة معقل عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ أُصِيبَ بَصَرُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ قَوْمِهِ وَأَوْعَاهُمْ لِأَحَادِيثِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  حِينَ تَخَلَّفَ أَيْ زَمَانَ تَخَلُّفِهِ وَقَولُهُ عَنْ قِصَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُحَدِّثُ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ زَادَ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا مُوسَى بن عقبَة عَن بن شِهَابٍ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ وَمِثْلُهُ فِي زِيَادَاتِ الْمَغَازِي لِيُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ وَقَولُهُ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ بِهَذَا السَّنَدِ وَلَمْ يُعَاتِبِ اللَّهُ أَحَدًا .

     قَوْلُهُ  تَوَاثَقْنَا بِمُثَلَّثَةٍ وَقَافٍ أَيْ أَخَذَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ الْمِيثَاقَ لَمَّا تَبَايَعْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ أَيْ أَنَّ لِي بَدَلَهَا .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ أَيْ أَعْظَمَ ذكرا وَفِي رِوَايَة يُونُس عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَكْثَرَ ذِكْرًا فِي النَّاسِ مِنْهَا وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ معمر عَن بن شِهَابٍ وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَدْرٌ .

     قَوْلُهُ  أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا أَيْ أَوْهَمَ غَيْرَهَا وَالتَّوْرِيَةُ أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يُحْتَمَلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ مِنَ الْآخَرِ فَيُوهِمُ إِرَادَةَ الْقَرِيبِ وَهُوَ يُرِيدُ الْبَعِيدَ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَكَانَ يَقُولُ الْحَرْبُ خَدْعَةٌ تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْقِطْعَةُ مِنَ الْحَدِيثِ أُفْرِدَتْ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْجِهَادِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَزَادَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَلَّمَا كَانَ يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ وللنسائي من طَرِيق بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ فِي سَفَرِ جِهَادٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَخَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ .

     قَوْلُهُ  وَعَدُوًّا كَثِيرًا فِي رِوَايَةٍ وَغَزْوَ عَدُوٍّ كَبِيرٍ .

     قَوْلُهُ  فَجَلَّى بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا أَيْ أَوْضَحَ .

     قَوْلُهُ  أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أُهْبَةَ عَدُوِّهُمْ وَالْأُهْبَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرْبِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالْإِضَافَةِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْقِلٍ يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا يَجْمَعُ دِيوَانٌ حَافِظٌ وَلِلْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفًا وبهذه الْعدة جزم بن إِسْحَاق وَأَوْرَدَهُ الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدٍ آخَرَ مَوْصُولٍ وَزَادَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ آلَافِ فَرَسٍ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ مَعْقِلٍ عَلَى إِرَادَةِ عَدَدِ الْفُرْسَانِ وَلِابْنِ مَرْدَوْيهِ وَلَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ حَافِظٌ يَعْنِي كَعْبٌ بِذَلِكَ الدِّيوَان يَقُول لايجمعهم دِيوَانٌ مَكْتُوبٌ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ التَّنْوِينَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَلَا تُخَالِفُ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي الْإِكْلِيلِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا جَبَرَ الْكَسْرَ وَقَولُهُ يُرِيدُ الدِّيوَانَ هُوَ كَلَامُ الزُّهْرِيِّ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ عَمَّا وَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ دَوَّنَ الدِّيوَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ كَعْبٌ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  فَمَا رَجُلٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَلَّ رَجُلٌ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا ظَنَّ أَنَّهُ سَيَخْفَى فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ سَيَخْفَى بِتَخْفِيفِ النُّونِ بِلَا هَاءٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ .

     قَوْلُهُ  حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بن عقبَة عَن بن شِهَابٍ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فِي لَيَالِي الْخَرِيفِ وَالنَّاسُ خَارِفُونَ فِي نَخِيلِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَازِ وَخِفَّةِ الْحَاذِ وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلَالِ وَالثِّمَارِ وَقَولُهُ الْحَاذِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْحَالُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَقَولُهُ أَصْغُو بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَمِيلُ وَيُرْوَى أَصْعُرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْملَة بعْدهَا رَاء وَفِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ فَالنَّاسُ إِلَيْهَا صُعُرٌ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى اشْتَدَّ النَّاسُ الْجِدَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الْجِدُّ فِي الشَّيْءِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ وَضَبَطُوا النَّاسَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَالْجِدَّ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيِ اشْتَدَّ النَّاس الاشتداد الْجد وَعند بن السَّكَنِ اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ بِرَفْعِ الْجِدِّ وَزِيَادَةِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ وَالْجِدُّ عَلَى هَذَا فَاعِلٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسلم وَعند بن مَرْدَوْيهِ حَتَّى شَمَّرَ النَّاسُ الْجِدَّ وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّوْجِيهَ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ من جهازي بِفَتْح الْجِيم وبكسرها وَعند بن أبي شيبَة وبن جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ كَعْبٍ فَأَخَذْتُ فِي جهازي فأمسيت وَلم أفرع فَقُلْتُ أَتَجَهَّزُ فِي غَدٍ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَسْرَعُوا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى شَرَعُوا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ زَادَ فِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ وَلَمْ أَفْعَلْ .

     قَوْلُهُ  وَتَفَارَطَ بِالْفَاءِ وَالطَّاءِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ فَاتَ وَسَبَقَ وَالْفَرْطُ السَّبْقُ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ حَتَّى أَمْعَنَ الْقَوْمُ وَأَسْرَعُوا فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِلتَّجْهِيزِ وَتَشْغَلُنِي الرِّجَالُ فَأَجْمَعْتُ الْقُعُودَ حِينَ سبقني الْقَوْم وَفِي رِوَايَة أحمدمن طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ كَعْبٍ فَقُلْتُ أَيْهَاتَ سَارَ النَّاسُ ثَلَاثًا فَأَقَمْتُ .

     قَوْلُهُ  مَغْمُوصًا بَالِغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَطْعُونًا عَلَيْهِ فِي دِينِهِ مُتَّهَمًا بِالنِّفَاقِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُسْتَحْقَرًا تَقُولُ غَمَصْتُ فُلَانًا إِذَا اسْتَحْقَرْتُهُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ بِغَيْرِ صَرْفٍ لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةٍ تَبُوكًا عَلَى إِرَادَةِ الْمَكَانِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مِنْ قَوْمِي وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَهَذَا غَيْرُ الْجُهَنِيِّ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَنِ اسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ السَّلَمِيَّ بِفَتْحَتَيْنِ فَهُوَ هَذَا وَالَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ اتِّفَاقًا إِلَّا مَا حَكَى الْوَاقِدِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَبُو قَتَادَةَ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ .

     قَوْلُهُ  حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفِهِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنْ حُسَنِهِ وَبَهْجَتِهِ وَالْعَرَبُ تَصِفُ الرِّدَاءَ بِصِفَةِ الْحُسْنِ وَتُسَمِّيهِ عِطْفًا لِوُقُوعِهِ عَلَى عِطْفَيِ الرَّجُلِ .

     قَوْلُهُ  فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ رَأَى رَجُلًا مُنْتَصِبًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ.

.

قُلْتُ وَاسْمُ أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ كَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ وَلَفْظُهُ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلْتُ حَائِطًا فَرَأَيْتُ عَرِيشًا قَدْ رُشَّ بِالْمَاءِ وَرَأَيْتُ زَوْجَتِي فَقُلْتُ مَا هَذَا بِإِنْصَافٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمُومِ وَالْحَرُورِ وَأَنَا فِي الظِّلِّ وَالنَّعِيمِ فَقُمْتُ إِلَى نَاضِحٍ لِي وَتَمَرَاتٍ فَخَرَجْتُ فَلَمَّا طَلَعْتُ عَلَى الْعَسْكَرِ فَرَآنِي النَّاسُ قَالَ النَّبِيُّ كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَجِئْتُ فَدَعَا لِي وَذَكَرَهُ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ مُرْسَلًا وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ اسْمَهُ عبد الله بن خَيْثَمَة.

     وَقَالَ  بن شِهَابٍ اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذكر بن سَعْدٍ أَنَّ قُدُومَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَانَ فِي رَمَضَانَ .

     قَوْلُهُ  حَضَرَنِي هَمِّي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هَمَّنِي وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَثِّي بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ فَطَفِقْتُ أَعُدُّ الْعُذْرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ وَأُهَيِّئُ الْكَلَامَ .

     قَوْلُهُ  وَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ أَيْ جَزَمْتُ بِذَلِكَ وعقدت عَلَيْهِ قصدى وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يُنْجِينِي مِنْهُ إِلَّا الصِّدْقُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ هَذِهِ الْقِطْعَةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أُفْرِدَتْ فِي الْجِهَادِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيق بن جريج عَن بن شِهَابٍ بِلَفْظِ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا فِي الضُّحَى فَيَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيقْعد وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ وَفِي حَدِيث أبي ثَعْلَبَة عِنْد والطَّبَرَانِيُّ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُثَنِّي بِفَاطِمَةَ ثُمَّ يَأْتِي أَزْوَاجَهُ وَفِي لَفْظٍ ثُمَّ بَدَأَ بِبَيْتِ فَاطِمَةَ ثُمَّ أَتَى بُيُوتَ نِسَائِهِ .

     قَوْلُهُ  جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هذاالعدد كَانَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ وَأَنَّ الْمُعَذِّرِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ كَانُوا أَيْضًا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَغَيْرِهِمْ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ كَانُوا مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ وَكَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا سلمت عَلَيْهِ تَبَسم تَبَسم الْمُغْضب وَعند بن عَائِذٍ فِي الْمَغَازِي فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لِمَ تُعْرِضْ عَنِّي فَوَاللَّهِ مَا نَافَقْتُ وَلَا ارْتَبْتُ وَلَا بَدَّلْتُ قَالَ فَمَا خَلَّفَكَ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا أَيْ فَصَاحَةً وَقُوَّةَ كَلَامٍ بِحَيْثُ أَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ مَا يُنْسَبُ إِلَيَّ بِمَا يُقْبَلُ وَلَا يُرَدُّ .

     قَوْلُهُ  تَجِدُ عَلَيَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ تَغْضَبُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ فَقُمْتُ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَمَضَيْتُ .

     قَوْلُهُ  وَثَارَ رِجَالٌ أَيْ وَثَبُوا .

     قَوْلُهُ  كَافِيكَ ذَنْبَكَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْضًا وَاسْتِغْفَارُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَعند بن عَائِذٍ فَقَالَ كَعْبٌ مَا كُنْتُ لِأَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْذِبُهُ فَقَالُوا إِنَّكَ شَاعِرٌ جَرِيءٌ فَقَالَ أما علىالكذب فَلَا زَاد فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ كَمَا صَنَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِكَ فَقَبِلَ مِنْهُمْ عُذْرَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَقِيلَ لَهُمْ مثل مَا قيل لَك فِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ.

     وَقَالَ  لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ .

     قَوْلُهُ  يُؤَنِّبُونِي بِنُونٍ ثَقِيلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مِنَ التَّأْنِيبِ وَهُوَ اللَّوْمُ الْعَنِيفُ .

     قَوْلُهُ  مُرَارَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَرَاءَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ وَقَولُهُ الْعَمْرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ وَوَقَعَ لبَعْضهِم العامري وَهُوَ خطأ وَقَوله بن الرّبيع هُوَ الْمَشْهُور وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم بن رَبِيعَةَ وَفِي حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ عِنْدَ بن مَرْدَوْيهِ مُرَارَةُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَهُوَ خَطَأٌ وَكَذَا مَا وَقع عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ رَبِيعَ بْنَ مُرَارَةَ وَهُوَ مَقْلُوبٌ وَذُكِرَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ أَنَّ سَبَبَ تَخَلُّفِهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَائِطٌ حِينَ زُهِيَ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ قد غَزَوْتُ قَبْلَهَا فَلَوْ أَقَمْتُ عَامِي هَذَا فَلَمَّا تَذَكَّرَ ذَنْبَهُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ فِي سَبِيلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْآخَرَ يَعْنِي هِلَالًا كَانَ لَهُ أَهْلٌ تَفَرَّقُوا ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَقَالَ لَوْ أَقَمْتُ هَذَا الْعَامَ عِنْدَهُمْ فَلَمَّا تَذَكَّرَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ أَنْ لَا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ .

     قَوْلُهُ  وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي وَاقِفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا هَكَذَا وَقَعَ هُنَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ قَرَّرْتُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّهُمَا شَهِدَا بَدْرًا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَتعقبه بن الْجَوْزِيِّ وَنَسَبَهُ إِلَى الْغَلَطِ فَلَمْ يُصِبْ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَوْنِهِمَا لَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَهْجُرْهُ وَلَا عَاقَبَهُ مَعَ كَوْنِهِ جَسَّ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ لِعُمَرَ لَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهُ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ وَأَيْنَ ذَنْبُ التَّخَلُّفِ مِنْ ذَنْبِ الْجَسِّ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَدْرِيَّ عِنْدَهُ إِذَا جَنَى جِنَايَةً وَلَوْ كَبُرَتْ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهَذَا عُمَرُ مَعَ كَوْنِهِ الْمُخَاطَبَ بِقِصَّةِ حَاطِبٍ فَقَدْ جَلَدَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ الْحَدَّ لَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ وَهُوَ بَدْرِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا لَمْ يُعَاقِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبًا وَلَا هَجَرَهُ لِأَنَّهُ قَبِلَ عُذْرَهُ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَاتَبَ قُرَيْشًا خَشْيَةً عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ عِنْدَهُمْ يَدًا فَعَذَرَهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ تَخَلُّفِ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  لِي فِيهِمَا أُسْوَة بِكَسْر الْهمزَة وَيجوز ضمهَا قَالَ بن التِّينِ التَّأَسِّي بِالنَّظِيرِ يَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْآخِرَةِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظلمتم الْآيَة قَوْله فمضيت حِين ذكر وهما لِي فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا .

     قَوْلُهُ  وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ مُتَخَصِّصِينَ بِذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالَّتِي أَعْرِفُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِفُ وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمُ الَّذِينَ نَعْرِفُ وَهَذَا يَجِدُهُ الْحَزِينُ وَالْمَهْمُومُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى قَدْ يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ وَزَادَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوت فَلَا يصلىعلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَمُوتُ فَأَكُونُ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يكلمني أحد مِنْهُم وَلَا يصلىعلى وَعند بن عَائِذٍ حَتَّى وَجِلُوا أَشَدَّ الْوَجَلِ وَصَارُوا مِثْلَ الرُّهْبَانِ .

     قَوْلُهُ  هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ لَمْ يَجْزِمْ كَعْبٌ بِتَحْرِيكِ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَجَلِ .

     قَوْلُهُ  فَأُسَارِقُهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ أَيْ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِي خُفْيَةٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُون الْفَاء أَي إعراضهم وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ وَطَفِقْنَا نَمْشِي فِي النَّاسِ لَا يُكَلِّمُنَا أَحَدٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا سَلَامًا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَسَوَّرْتُ أَيْ عَلَوْتُ سُوَرَ الدَّارِ .

     قَوْلُهُ  جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة وَهُوَ بن عمي وَأحب النَّاس إِلَى ذكر أَنه بن عَمِّهِ لِكَوْنِهِمَا مَعًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَلَيْسَ هُوَ بن عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ الْأَقْرَبِ وَقَولُهُ أَنْشُدُكَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَسْأَلُكَ وَقَولُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ لَيْسَ هُوَ تَكْلِيمًا لِكَعْبٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْحَائِطَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمْ أَمْلِكُ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا .

     قَوْلُهُ  إِذَا نَبَطِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ نِسْبَةٌ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَاءِ وَاسْتِخْرَاجِهِ وَهَؤُلَاءِ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَهْلَ الْفِلَاحَةِ وَهَذَا النَّبَطِيُّ الشَّامِيُّ كَانَ نَصْرَانِيًّا كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ إِذَا نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا النَّصْرَانِيِّ وَيُقَالُ إِنَّ النَّبَطَ يُنْسَبُونَ إِلَى نَبَطِ بْنِ هَانِبَ بْنِ أُمَيْمِ بْنِ لَاوِذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثَقِيلَةٍ هُوَ جبلة بن الْأَيْهَم جزم بذلك بن عَائِذٍ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شَمِرٍ وَيُقَال جبلة بن الايهم وَفِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ فَكَتَبَ إِلَيَّ كِتَابًا فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ حَيْثُ يضيع حَقك وَعند بن عَائِذٍ فَإِنَّ لَكَ مُتَحَوَّلًا بِالْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ مَكَانًا تَتَحَوَّلُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْمُوَاسَاةِ وَزَاد فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ فِي أَمْوَالِنَا فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ قَدْ طَمِعَ فِيَّ أَهْلُ الْكُفْرِ وَنَحْوُهُ لِابْنِ مَرْدَوْيهِ .

     قَوْلُهُ  فَتَيَمَّمْتُ أَيْ قَصَدْتُ وَالتَّنُّورُ مَا يُخْبَزُ فِيهِ وَقَولُهُ فَسَجَرْتُهُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ أَي أوقدته وَأَنت الْكتاب على معنى الصَّحِيفَة وَفِي رِوَايَة بن مَرْدَوْيهِ فَعَمَدْتُ بِهَا إِلَى تَنُّورٍ بِهِ فَسَجَرْتُهُ بِهَا وَدَلَّ صَنِيعُ كَعْبٍ هَذَا عَلَى قُوَّةِ إِيمَانِهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِلَّا فَمَنْ صَارَ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الْهَجْرِ وَالْإِعْرَاضِ قَدْ يَضْعُفُ عَنِ احْتِمَالِ ذَلِكَ وَتَحْمِلُهُ الرَّغْبَةُ فِي الْجَاهِ وَالْمَالِ عَلَى هِجْرَانِ مَنْ هَجَرَهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ أَمْنِهِ مِنَ الْمَلِكِ الَّذِي اسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ أَنه لايكرهه عَلَى فِرَاقِ دِينِهِ لَكِنْ لَمَّا احْتُمِلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنَ الِافْتِتَانِ حَسَمَ الْمَادَّةَ وَأَحْرَقَ الْكِتَابَ وَمَنَعَ الْجَوَابَ هَذَا مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ طُبِعَتْ نُفُوسُهُمْ عَلَى الرَّغْبَةِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ الِاسْتِدْعَاءِ وَالْحَثِّ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنَ الْجَاهِ وَالْمَالِ وَلَا سِيَّمَا وَالَّذِي اسْتَدْعَاهُ قَرِيبُهُ وَنَسِيبُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَغَلَبَ عَلَيْهِ دِينُهُ وَقَوِيَ عِنْدَهُ يَقِينُهُ وَرَجَّحَ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النَّكَدِ وَالتَّعْذِيبِ عَلَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ حُبًّا فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَعند بن عَائِذٍ أَنَّهُ شَكَا حَالَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  مَا زَالَ إِعْرَاضُكَ عَنِّي حَتَّى رَغِبَ فِيَّ أَهْلُ الشِّرْكِ .

     قَوْلُهُ  إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ وَهُوَ الرَّسُولُ إِلَى هِلَالٍ وَمُرَارَةَ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ هِيَ عُمَيْرَةُ بِنْتُ جُبَيْرِ بْنِ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةُ أُمُّ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَمَعْبَدٍ وَيُقَالُ اسْمُ امْرَأَتِهِ الَّتِي كَانَتْ يَوْمَئِذٍ عِنْدَهُ خَيْرَةُ بِالْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَلَحِقَتْ بِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالٍ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ عَاصِمٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَيُشْكَلْ مَعَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ الثَّلَاثَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ بَعْضُ وَلَدِهِ أَوْ مِنَ النِّسَاءِ وَلَمْ يَقع النهى عَن كَلَام الثَّلَاثَة للنِّسَاء اللَّاتِي فِي بُيُوتِهِمْ أَوِ الَّذِي كَلَّمَهُ بِذَلِكَ كَانَ مُنَافِقًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ .

     قَوْلُهُ  فَأَوْفَى بِالْفَاءِ مَقْصُورٌ أَيْ أَشْرَفَ وَاطَّلَعَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مِنْ ذرْوَة سلع أَي أَعْلَاهُ وَزَاد بن مَرْدَوْيهِ وَكُنْتُ ابْتَنَيْتُ خَيْمَةً فِي ظَهْرِ سَلْعٍ فَكُنْتُ أَكُونُ فِيهَا وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَائِذٍ وَزَادَ أَكُونُ فِيهَا نَهَارًا .

     قَوْلُهُ  يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ كَعْبٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِذْ سَمِعْتُ رَجُلًا عَلَى الثَّنِيَّةِ يَقُولُ كَعْبًا كَعْبًا حَتَّى دَنَا مِنِّي فَقَالَ بَشِّرُوا كَعْبًا .

     قَوْلُهُ  فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَقد عرفت أَنه جَاءَ فرج وَعند بن عَائِذٍ فَخَرَّ سَاجِدًا يَبْكِي فَرِحًا بِالتَّوْبَةِ .

     قَوْلُهُ  وَآذَنَ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْلَمَ وللْكُشْمِيهَنِيِّ بِغَيْرِ مَدٍّ وَبِالْكَسْرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مُعْتَنِيَةً بِأَمْرِي فَقَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ قَالَتْ أَفَلَا أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ قَالَ إِذًا يُحَطِّمُكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُوكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ حَتَّى إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا .

     قَوْلُهُ  وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ .

     قَوْلُهُ  وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ هُوَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ وَعند بن عَائِذٍ أَنَّ اللَّذَيْنِ سَعَيَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَكِنَّهُ صَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ زَعَمُوا وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ وَكَانَ الَّذِي أَوْفَى عَلَى سَلْعٍ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَصَاحَ قَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى كَعْبٍ وَالَّذِي خَرَجَ عَلَى فَرَسِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ قَالَ وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَنِي فَنَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ بِتَوْبَتِهِ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ وَخَرَجْتُ إِلَى بَنِي وَاقِفٍ فَبَشَّرْتُهُ فَسَجَدَ قَالَ سَعِيدٌ فَمَا ظَنَنْتُهُ يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى تَخْرُجَ نَفْسُهُ يَعْنِي لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى كَانَ يُوَاصِلُ الْأَيَّامَ صَائِمًا وَلَا يَفْتُرُ مِنَ الْبُكَاءِ وَكَانَ الَّذِي بَشَّرَ مُرَارَةَ بِتَوْبَتِهِ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَوْ سَلَمَةَ بْنَ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ يُرِيدُ مِنْ جِنْسِ الثِّيَابِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَاحِلَتَانِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً ثُمَّ وجدت فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فَفِيهَا وَوَاللَّهِ مَا أملك يَوْمئِذٍ ثَوْبَيْنِ غَيرهمَا وَزَاد بن عَائِذٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَلَبِسَهُمَا .

     قَوْلُهُ  وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ .

     قَوْلُهُ  وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَوْجًا فَوْجًا أَيْ جَمَاعَةً جَمَاعَةً قَوْله لِيَهنك بِكَسْر النُّون وَزعم بن التِّينِ أَنَّهُ بِفَتْحِهَا بَلْ قَالَ السَّفَاقُسِيُّ إِنَّهُ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ مِنَ الْهَنَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالُوا سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْحَةَ لَمَّا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ أَخَا الزُّبَيْرِ لَكِنْ كَانَ الزُّبَيْرُ أَخَا طَلْحَةَ فِي أُخُوَّةِ الْمُهَاجِرِينَ فَهُوَ أَخُو أَخِيهِ .

     قَوْلُهُ  أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ اسْتُشْكِلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ بِيَوْمِ إِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ خَيْرُ أَيَّامِهِ فَقِيلَ هُوَ مُسْتَثْنًى تَقْدِيرًا وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِعَدَمِ خَفَائِهِ وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ يَوْمَ تَوْبَتِهِ مُكَمِّلٌ لِيَوْمِ إِسْلَامِهِ فَيَوْمُ إِسْلَامِهِ بِدَايَةُ سَعَادَتِهِ وَيَوْمُ تَوْبَتِهِ مُكَمِّلٌ لَهَا فَهُوَ خَيْرُ جَمِيعِ أَيَّامِهِ وَإِنْ كَانَ يَوْمُ إِسْلَامِهِ خَيْرَهَا فَيَوْمُ تَوْبَتِهِ الْمُضَافُ إِلَى إِسْلَامِهِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ إِسْلَامِهِ الْمُجَرَّدِ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَا بَلْ مِنْ عِنْد الله زَاد فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ إِنَّكُمْ صَدَقْتُمُ اللَّهَ فَصَدَقَكُمْ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن رَاشد فِي التَّفْسِير حتىكأنه قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ وَيُسْأَلُ عَنِ السِّرِّ فِي التَّقْيِيدِ بِالْقِطْعَةِ مَعَ كَثْرَةِ مَا وَرَدَ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ مِنْ تَشْبِيهِ الْوَجْهِ بِالْقَمَرِ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْبِيهُهُمْ لَهُ بِالشَّمْسِ طَالِعَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَائِلَ هَذَا مِنْ شُعَرَاءِ الصَّحَابَةِ وَحَالُهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَة فَلَا بُدَّ فِي التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ مِنْ حِكْمَةٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِرَازِ مِنَ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُهُ بِمَا فِي الْقَمَرِ مِنَ الضِّيَاءِ وَالِاسْتِنَارَةِ وَهُوَ فِي تَمَامِهِ لَا يَكُونُ فِيهَا أَقَلَّ مِمَّا فِي الْقِطْعَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ تَوْجِيهَاتٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَوْضِعِ الِاسْتِنَارَةِ وَهُوَ الْجَبِينُ وَفِيهِ يَظْهَرُ السُّرُورُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَكَأَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ عَلَى بَعْضِ الْوَجْهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُشَبَّهَ بِبَعْضِ الْقَمَرِ .

     قَوْلُهُ  وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِيهِ وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ كَمَالِ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ والفرح بِمَا يسرهم وَعند بن مَرْدَوْيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا نَزَلَتْ تَوْبَتِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْتُ يَدَهُ وَرُكْبَتَهُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي أَيْ أَخْرَجَ مِنْ جَمِيعِ مَالِي .

     قَوْلُهُ  صَدَقَةً هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مُتَصَدِّقًا أَوْ ضَمَّنَ أَنْخَلِعُ مَعْنَى أَتَصَدَّقُ وَهُوَ مَصْدَرٌ أَيْضًا وَقَولُهُ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَخْرُجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَدَقَةً قَالَ لَا.

.

قُلْتُ نِصْفُهُ قَالَ لَا.

.

قُلْتُ فَثُلُثُهُ قَالَ نعم وَلابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يُجزئ عَنْكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ فِي قِصَّةِ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يُجزئ عَنْكَ الثُّلُثُ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَقَولُهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُذْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي وَكَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ مَا أنعم الله علىمن نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي قَوْلِهِ أَحْسَنَ وَأَعْظَمَ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ يُورَدُ وَيُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْأَفْضَلِيَّةِ لَا الْمُسَاوَاةُ لِأَنَّ كَعْبًا شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ رَفِيقَانِ وَقَدْ نَفَى أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ حَصَلَ لَهُ أَحْسَنُ مِمَّا حَصَلَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْمُسَاوَاةَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ لَا زَائِدَةٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ .

     قَوْلُهُ  وَكُنَّا تُخُلِّفْنَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ خُلِّفْنَا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ قَبْلَهَا .

     قَوْلُهُ  وَأَرْجَأَ مَهْمُوزًا أَيْ أَخَّرَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَحَاصِله أَن كَعْبًا فسر قَوْله تَعَالَى وعلىالثلاثة الَّذين خلفوا أَيْ أُخِّرُوا حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ خُلِّفُوا عَنِ الْغَزْوِ وَفِي تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَمَّنْ سَمِعَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى وعلىالثلاثة الَّذين خلفوا قَالَ خُلِّفُوا عَنِ التَّوْبَةِ وَلِابْنِ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيق قَتَادَة نَحوه قَالَ بن جَرِيرٍ فَمَعْنَى الْكَلَامِ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى الَّذِينَ أُخِّرَتْ تَوْبَتُهُمْ وَفِي قِصَّةِ كَعْبٍ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ طَلَبِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ ذَوِي الْحَرْبِ وَجَوَازُ الْغَزْوِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالتَّصْرِيحُ بِجِهَةِ الْغَزْوِ إِذَا لَمْ تَقْتَضِ الْمَصْلَحَةُ سَتْرَهُ وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا اسْتَنْفَرَ الْجَيْشَ عُمُومًا لَزِمَهُمُ النَّفِيرُ وَلَحِقَ اللَّوْمُ بِكُلِّ فَرد فَرْدٍ أَنْ لَوْ تَخَلَّفَ.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ إِنَّمَا اشْتَدَّ الْغَضَبُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْأَنْصَارِ خَاصَّةً فَرْضُ عَيْنٍ لِأَنَّهُمْ بَايَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ مْ وَهُمْ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا فَكَانَ تَخَلُّفُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَبِيرَةً لِأَنَّهَا كالنكث لبيعتهم كَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا غَيْرَ الَّذِي قَالَ.

.

قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرْتُ وَجْهًا غَيْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَعَلَّهُ أَقْعَدُ وَيُؤَيِّدهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الْآيَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّ الْجِهَادَ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى هَذَا فَيَتَوَجَّهُ الْعِتَابُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ مُطْلَقًا وَفِيهَا أَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْخُرُوج بِنَفسِهِ أَو بِمَالِه لالوم عَلَيْهِ وَاسْتِخْلَافُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْإِمَامِ عَلَى أَهْلِهِ وَالضَّعَفَةِ وَفِيهَا تَرْكُ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ تَرْكُ قَتْلِ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَأَجَابَ مَنْ أَجَازَهُ بِأَنَّ التَّرْكَ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَفِيهَا عِظَمُ أَمْرِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ نَبَّهَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكَلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مَالًا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ أَصَابَهُمْ مَا سَمِعْتُمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَكَيْفَ بِمَنْ يُوَاقِعُ الْفَوَاحِشَ وَالْكَبَائِرَ وَفِيهَا أَنَّ الْقَوِيَّ فِي الدِّينِ يُؤَاخَذُ بِأَشَدِّ مِمَّا يُؤَاخَذُ الضَّعِيفُ فِي الدِّينِ وَجَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرْءِ عَنْ تَقْصِيرِهِ وَتَفْرِيطِهِ وَعَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ تَحْذِيرًا وَنَصِيحَةً لِغَيْرِهِ وَجَوَازُ مَدْحِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ إِذَا أُمِنَ الْفِتْنَةَ وَتَسْلِيَةُ نَفْسَهُ بِمَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِمَا وَقَعَ لِنَظِيرِهِ وَفَضْلُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْعَقَبَةِ وَالْحَلِفُ لِلتَّأْكِيدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَالتَّوْرِيَةُ عَنِ الْمَقْصِدِ وَرَدُّ الْغَيْبَةِ وَجَوَازُ تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَة مُدَّة وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا لَاحَتْ لَهُ فُرْصَةٌ فِي الطَّاعَةِ فَحَقُّهُ أَنْ يُبَادِرَ إِلَيْهَا وَلَا يُسَوِّفُ بِهَا لِئَلَّا يُحْرَمَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أول مرّة وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا الْمُبَادَرَةَ إِلَى طَاعَتِهِ وَأَنْ لَا يَسْلُبَنَا مَا خَوَّلَنَا مِنْ نِعْمَتِهِ وَفِيهَا جَوَازُ تَمَنِّي مَا فَاتَ مِنَ الْخَيْرِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُهْمِلُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ بَلْ يَذْكُرُهُ لِيُرَاجِعَ التَّوْبَةَ وَجَوَازُ الطَّعْنِ فِي الرَّجُلِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى اجْتِهَادِ الطَّاعِنِ عَنْ حَمِيَّةٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَفِيهَا جَوَازُ الرَّدِّ عَلَى الطَّاعِنِ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الرَّادِّ وَهْمُ الطَّاعِنِ أَوْ غَلَطُهُ وَفِيهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْقَادِمِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ قَبْلَ بَيْتِهِ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَجْلِسُ لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَمَشْرُوعِيَّةُ السَّلَامِ عَلَى الْقَادِمِ وَتَلَقِّيهِ وَالْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ وَقَبُولُ الْمَعَاذِيرِ وَاسْتِحْبَابُ بُكَاءِ الْعَاصِي أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَهُ من الْخَيْر وفيهَا إِجْرَاء الْأَحْكَام علىالظاهر وَوُكُولُ السَّرَائِرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهَا تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى مَنْ أَذْنَبَ وَجَوَازُ هَجْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ.

.
وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْهَجْرِ فَوْقَ الثَّلَاثِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ هِجْرَانُهُ شَرْعِيًّا وَأَنَّ التَّبَسُّمَ قَدْ يَكُونُ عَنْ غَضَبٍ كَمَا يَكُونُ عَنْ تَعَجُّبٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِالسُّرُورِ وَمُعَاتَبَةُ الْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ وَمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهَا فَائِدَةُ الصِّدْقِ وَشُؤْمُ عَاقِبَةِ الْكَذِبِ وَفِيهَا الْعَمَلُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ إِذَا حَفَّتْهُ قَرِينَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَدَّثَهُ كَعْبٌ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ سِوَاهُ كَذَبَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ لِأَنَّ مُرَارَةَ وَهِلَالًا أَيْضًا قَدْ صَدَقَا فَيَخْتَصُّ الْكَذِبُ بِمَنْ حَلَفَ وَاعْتَذَرَ لَا بِمَنِ اعْتَرَفَ وَلِهَذَا عَاقَبَ مَنْ صَدَقَ بِالتَّأْدِيبِ الَّذِي ظَهَرَتْ فَائِدَتُهُ عَنْ قُرْبٍ وَأَخَّرَ مَنْ كَذَبَ لِلْعِقَابِ الطَّوِيلِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ عُقُوبَتَهُ فَيَرِدُ الْقِيَامَةَ بِذُنُوبِهِ قِيلَ وَإِنَّمَا غُلِّظَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله وَقَوْلُ الْأَنْصَارِ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا وَفِيهَا تَبْرِيدُ حَرِّ الْمُصِيبَةِ بِالتَّأَسِّي بِالنَّظِيرِ وَفِيهَا عِظَمُ مِقْدَارِ الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَتَعْلِيقُ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ شَرِّهِمَا بِهِ وَأَنَّ مِنْ عُوقِبَ بِالْهَجْرِ يُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ مُرَارَةَ وَهِلَالًا لَمْ يَخْرُجَا مِنْ بُيُوتِهِمَا تِلْكَ الْمُدَّةَ وَفِيهَا سُقُوطُ رَدِّ السَّلَامِ عَلَى الْمَهْجُورِ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إِذْ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَقُلْ كَعْبٌ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ وَفِيهَا جَوَازُ دُخُولِ الْمَرْءِ دَارَ جَارِهِ وَصَدِيقِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَمِنْ غَيْرِ الْبَابِ إِذَا عَلِمَ رِضَاهُ وَفِيهَا أَنَّ قَوْلَ الْمَرْءِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ لَيْسَ بِخِطَابٍ وَلَا كَلَامٍ وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يكلم الآخر إِذا لم ينوبه مُكَالَمَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو قَتَادَةَ ذَلِكَ لَمَّا ألح عَلَيْهِ كَعْب وَإِلَّا فقدتقدم أَنَّ رَسُولَ مَلِكِ غَسَّانَ لَمَّا سَأَلَ عَنْ كَعْبٍ جَعَلَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَى كَعْبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِقَوْلِهِمْ مَثَلًا هَذَا كَعْبٌ مُبَالَغَةً فِي هَجْرِهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَفِيهَا أَنَّ مُسَارَقَةَ النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهَا وَإِيثَارُ طَاعَةِ الرَّسُولِ عَلَى مَوَدَّةِ الْقَرِيبِ وَخِدْمَةُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَالِاحْتِيَاطُ لِمُجَانَبَةِ مَا يُخْشَى الْوُقُوعُ فِيهِ وَجَوَازُ تَحْرِيقِ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ لِلْمَصْلَحَةِ وَفِيهَا مَشْرُوعِيَّةُ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالِاسْتِبَاقُ إِلَى الْبِشَارَةِ بِالْخَيْرِ وَإِعْطَاءُ الْبَشِيرِ أَنْفَسَ مَا يَحْضُرُ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالْبِشَارَةِ وَتَهْنِئَةُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ وَالْقِيَامُ إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ وَاجْتِمَاعُ النَّاسِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَسُرُورُهُ بِمَا يَسُرُّ أَتْبَاعَهُ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْعَارِيَةِ وَمُصَافَحَةُ الْقَادِمِ وَالْقِيَامُ لَهُ وَالْتِزَامُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْخَيْرِ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَأَنَّ مَنْ نذر الصَّدَقَة بِكُلِّ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ جَمِيعِهِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ النَّذْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

     وَقَالَ  بن التِّينِ فِيهِ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ كَذَا قَالَ وَلَيْسَ كَعْبٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّمَا هُوَ من السَّابِقين من الْأَنْصَار

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]
( باب حديث كعب بن مالك) سقط لفظ باب في بعض النسخ ( وقول الله عز وجل:
{ وعلى الثلاثة} )
كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ( { الذين خلفوا} ) [التوبة: 118] عن غزوة تبوك.


[ قــ :4179 ... غــ : 4418 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ: كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَىْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؟ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ -أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ- وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبٌ».
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ
كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلاَنِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَ» فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ»؟ فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ» فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ.

.

قُلْتُ لَهُمْ، هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَاىَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ،.

.
وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَىَّ أَمْ لاَ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي أَقْبَلَ إِلَىَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَىَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَىَّ السَّلاَمَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَاىَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَىَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ.

فَقُلْتُ: لَمَّا قَرَأْتُهَا؟ وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَىَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأَمْرِ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ» قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَىْءٍ، وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَىَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ إِلَىَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَىَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ:.

.

قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».

.

قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [التوبة: 117] إِلَى قَوْلِهِ: { وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- { فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96] قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: { وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي بفتح الهمزة بعدها تحتية ساكنة ثم لام ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري الشاعر ( وكان) أي عبد الله ( قائد كعب) أبيه ( من) بين ( بنيه) بفتح الموحدة وكسر النون وسكون التحتية ( حين عمي) وكان بنوه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله ولابن السكن من بيته بالموحدة والتحتية الساكنة والفوقية قال ابن حجر.
والصواب الأوّل ( قال: سمعت) أبي ( كعب بن مالك يحدث) عن حديثه ( حين تخلف) مفعول به لا مفعول فيه ( عن قصة تبوك) متعلق بقوله يحدث ( قال كعب لم أتخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب) بكسر التاء مصححًا عليها في اليونينية مرقومًا عليها علامة أبي ذر في الفرع وأصله أي لم يعاتب الله ( أحدًا) ولأبي الوقت وأبي ذر: ولم يعاتب بفتح التاء مبنيًّا للمفعول أحد بالرفع ( تخلف عنها) عن غزوة بدر ( إنما خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى بدر ( يريد عير قريش) بكسر العين الإبل التي تحمل الميرة ( حتى جمع الله بينهم) أي بين المسلمين ( وبين عدوّهم) كفار قريش ( على غير ميعاد.
ولقد شهدت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة العقبة)
مع الأنصار ( حين تواثقنا) بالمثناة ثم المثلثة تعاهدنا وتعاقدنا ( على الإسلام) والإيواء والنصرة قبل الهجرة ( وما أحب أن لي بها) أي بدلها ( مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر) أي أعظم ذكرًا ( في الناس منها.
كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر)
أي مني كما في مسلم ( حين تخلفت عنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في تلك الغزاة) أي في غزوة تبوك ( والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد غزوة إلا ورّى بغيرها) بفتح الواو والراء المشددة أي أوهم غيرها والتورية أن تذكر لفظًا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد ( حتى كانت تلك الغزوة) أي غزوة تبوك ( غزاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حر
شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا)
بفتح الميم والفاء آخره زاي فلاة لا ماء فيها ( وعدوًّا كثيرًا) وذلك أن الروم قد جمعت جموعًا كثيرة وهرقل رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء ( فجلّى) بالجيم واللام المشددة ويجوز تخفيفها أوضح ( للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم) بضم الهمزة وسكون الهاء أي ما يحتاجون إليه في السفر والحرب ولأبي ذر عن الكشميهني أهبة عدوّهم بدل غزوهم ( فأخبرهم) صلوات الله وسلامه عليه ( بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثير ولا يجمعهم كتاب) بالتنوين ( حافظ) كذلك بالتنوين وفي مسلم بالإضافة قال: الزهري ( يريد الديوان) .
وزاد في رواية معقل يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان حافظ.
وفي الإكليل للحاكم من حديث معاذ: أنهم كانوا زيادة على ثلاثين ألفًا، وبهذه العدة جزم ابن إسحاق، وأورده الواقدي بإسناد آخر موصول وزاد: أنه كانت معهم عشرة آلاف فرس، فتحمل رواية معاذ على إرادة عدد الفرسان، ولابن مردويه لا يجمعهم ديوان حافظ وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفًا ولا تخالف الرواية التي في الإكليل أكثر من ثلاثين ألفًا لاحتمال أن يكون من قال: أربعين ألفًا جبرًا لكسر قاله في الفتح، وتعقبه شيخنا فقال: بل المروي عن أبي زرعة أنهم كانوا سبعين ألفًا.
نعم الحصر بالأربعين في حجة الوداع فكأنه سبق قلم أو انتقال نظر.

( قال كعب) بن مالك بالإسناد السابق ( فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنه ( سيخفى له) لكثرة الجيش ( ما لم ينزل) بفتح أوله وكسر ثالثه ( فيه وحي الله، وغزا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال) وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قيظ شديد في ليالي الخريف والناس خارفون في نخيلهم ( وتجهز رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون معه فطفقت) فأخذت ( أغدو) بالغين المعجمة ( لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئًا) من جهازي ( فأقول في نفسي أنا قادر عليه) متى شئت ( فلم يزل يتمادى بي) الحال ( حتى اشتد بالناس الجد) بكسر الجيم والرفع فاعلاً وهو الجهد في الشيء والمبالغة فيه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حتى اشتد الناس بالرفع على الفاعلية الجد بالنصب على نزع الخافض أو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجدّ ( فأصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئًا) بفتح الجيم ( فقلت: أتجهز بعده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت) بالغين المعجمة ( بعد أن فصلوا) بالصاد المهملة ( لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئًا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئًا فلم يزل بي حتى أسرعوا) ولأبي ذر عن الكشميهني شرعوا بالشين المعجمة.
قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف ( وتفارط الغزو) بالفاء والراء والطاء المهملتين أي فات وسبق ( وهممت أن أرتحل فأدركهم) بالنصب عطفًا على أتحل ( وليتني فعلت) ذلك ( فلم يقدر لي ذلك) فيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوّف بها لئلا يحرمها.

قال كعب: ( فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطفت فيهم أحزنني
أني لا أرى إلا رجلاً مغموصًا)
بفتح الميم وسكون العين المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو
فصاد مهملة ( عليه النفاق) أي يظن به النفاق ويتهم به وإني بفتح الهمزة.
قال الزركشي: على التعليل.
قال في المصابيح: ليس بصحيح إنما هي وصلتها فاعل أحزنني ( أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك) :
( ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة) : بكسر اللام وهو عبد الله بن أنيس السلمي بفتح السين واللام كما قال الواقدي قال في الفتح: وهو غير الجهني الصحابيّ المشهور ( يا رسول الله حبسه برداه) تثنية برد ( ونظره في عطفيه) بكسر العين المهملة والتثنية أي جانبيه كناية عن كونه معجبًا بنفسه ذا زهو وتكبر أو لباسه، أو كنى به عن حسنه وبهجته والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفًا لوقوعه في عطفي الرجل وفي نسخة باليونينية في عطفه بالإفراد.

( فقال معاذ بن جبل) -رضي الله عنه- له ( بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلاّ خيرًا فسكت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فبينما هو كذلك رأى رجلاً منتصبًا يزول به السراب فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كن أبا خيثمة" فإذا هو أبو خيثمة سعد بن أبي خيثمة الأنصاري، وعند الطبراني أنه قال: تخلفت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخلت حائطًا فرأيت عريشًا قد رش بالماء، ورأيت زوجتي فقلت: ما هذا بإنصاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السموم والحرّ وأنا في الظل والنعيم فقمت إلى ناضح لي وتمرات وخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كن أبا خيثمة" فجئت فدعا لي.

( قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( توجه قافلاً) أي راجعًا إلى المدينة ( حضرني همي فطفقت) أي أخذت ( أتذكر الكذب) وعند ابن أبي شيبة وطفقت أعدّ العذر لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جاء وأهيئ الكلام ( وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أظل قادمًا) أي دنا قدومه ( زاح) بالزاي المعجمة وبالحاء المهملة أي زال ( عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه) أي جزمت به وعقدت عليه قصدي ولابن أبي شيبة عرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق ( وأصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قادمًا) في رمضان كما قاله ابن سعد ( وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين) فركعهما ( ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون) الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم عن غزوة تبوك ( فطفقوا يعتذرون) أي يظهرون العذر ( إليه) صلوات الله وسلامه عليه ( ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلاً) من منافقي الأنصار قاله الواقدي، وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضًا اثنين وثمانين رجلاً من غفار وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه من غير هؤلاء وكانوا عددًا كثيرًا، والبضع بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة ما بين ثلاث إلى تسع على المشهور، وقيل إلى الخمس، وقيل ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع أو سبع وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع لا يقال بضع وعشرون أو يقال ذلك وهو مع المذكر بهاء ومع المؤنث بغير هاء بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأة ولا يعكس قاله في القاموس.

( فقبل منهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علانيتهم) أي ظواهرهم ( وبايعهم واستغفر لهم ووكل) بفتحات مع التخفيف ( سرائرهم إلى الله) .

قال كعب: ( فجئته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب) بفتح الضاد المعجمة ( ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه) وعند ابن عائذ في مغازيه فأعرض عنه فقال: يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت ( فقال لي: ما خلفك) عن الغزو ( ألم تكن قد ابتعت) أي اشتريت ( ظهرك) قال: ( فقلت: بلى إني والله لو) ولأبي ذر عن الكشميهني والله يا رسول الله لو ( جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً) بفتح الجيم والدال المهملة فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما ينسب إليّ مما يقبل ولا يرد ( ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك) اليوم ( حديث صدق تجد) بكسر الجيم أي تغضب ( عليّ فيه إنه لأرجو فيه عفو الله) عني ( لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك.
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما)
بتشديد الميم ( هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك) ما يشاء ( فقمت) فمضيت ( وثار رجال) بالمثلثة أي وثبوا ( من بني سلمة) بكسر اللام ( فاتبعوني) بوصل الهمزة وتشديد الفوقية ( فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما اعتذر إليه المتخلفون) بالفوقية وكسر اللام المشددة ولأبي ذر المخلفون بإسقاط الفوقية وفتح اللام ( قد كان كافيك) بفتح التحتية ( ذنبك) أي من ذنبك ( استغفار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لك) برفع استغفار بقوله كافيك لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله ( فوالله ما زالوا يؤنبونني) بالهمزة المفتوحة فنون مشددة فموحدة مضمومة ونونين أي يلومونني لومًا عنيفًا ولغير أبي ذر يؤنبوني ( حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع) بضم الميم وتخفيف الراءين ( العمري) بفتح العين المهملة وسكون الميم نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ( وهلال بن أمية الواقفي) بتقديم القاف على الفاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس.
وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين زها فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا فلما تذكر ذنبه قال: اللهم إني أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك.
وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم فلما تذكر ذنبه قال: اللهم لك عليّ أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي ( فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما إسوة) بضم الهمزة وكسرها.

وقد استشكل بأن أهل السير لم يذكروا واحدًا منهما فيمن شهد بدرًا ولا يعرف ذلك في غير هذا الحديث، وممن جزم بأنهما شهدا بدرًا الأثرم وهو ظاهر صنيع البخاري، وتعقب الأثرم
ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يصب.
قال: واستدلّ بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرًا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جسّ عليه بل قال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
قال: وأين ذنب التخلف من ذنب الجس؟ قال في الفتح: وليس ما استدلّ به بواضح لأنه يقتضي أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب قد جلد قدامة بن مظعون الحد لما شرب الخمر وهو بدري وإنما لم يعاقب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاطبًا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشًا خشية على أهله وولده بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلاً.

قال كعب: ( فمضيت حين ذكروهما لي) أي الرجلين ( ونهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه) بالرفع أي خصوصًا الثلاثة كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة قال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: أي منادى والثلاثة صفة له وإنما أوجبوا ذلك لأنه في الأصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص وكل ما نقل من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب ( فاجتتبنا الناس) بفتح الموحدة ( وتغيروا لنا حتى تنكرت) أي تغيرت ( في نفسي الأرض فما هي) الأرض ( التي أعرف) لتوحشها عليّ، وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى يجده في نفسه.
قال السهيلي: وإنما اشتدّ الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
فكان تخلفهم في هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم انتهى.
وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فلبثنا على ذلك خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا ( فأما صاحباي) مرارة وهلال ( فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم) أي أقواهم ( وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف) أي أدور ( في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا) إنما لم يجزم بتحريك شفتيه عليه الصلاة والسلام بالسلام لأنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل ( ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر) بالسين المهملة والقاف أي أنظر إليه في خفية ( فإذا أقبلت على صلاتي أقبل) عليه الصلاة والسلام ( إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس) بفتح الجيم وسكون الفاء أي من إعراضهم ( مشيت حتى تسوّرت) أي علوت ( جدار حائط أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- أي بستانه ( وهو ابن عمي) لأنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب ( وأحب الناس إليّ
فسلمت عليه فوالله ما ردّ عليّ السلام)
لعموم النهي عن كلامهم ( فقلت: يا أبا قتادة أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أسألك ( بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته) بفتح المعجمة فسألته بالله كذلك ( فسكت فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم) وليس ذلك تكليمًا لكعب لأنه لم ينو به ذلك لأنه منهي عنه بل أظهر اعتقاده فلو حلف لا يكلم زيدًا فسأله عن شيء فقال: الله أعلم ولم يرد جوابه ولا إسماعه لا يحنث ( ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار) للخروج من الحائط.

( قال: فبينا) بغير ميم ( أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي) بفتح النون والموحدة وكسر الطاء المهملة ( من أنباط أهل الشام) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة فلاح وكان نصرانيًا ولم يسم ( ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له) إليّ يعني ولا يتكلمون بقولهم مثلاً هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه ( حتى إذا جاءني دفع إليّ كتابًا من ملك غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة جبلة بن الأيهم أو هو الحارث بن أبي شمر وعند ابن مردويه فكتب إليّ كتابًا في سرقة من حرير ( فإذا فيه: أمّا بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة) بسكون الضاد المعجمة أي حيث يضيع حقك ( فالحق بنا) بفتح الحاء المهملة ( نواسك) بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة ( فقلت لما قرأتها) أي الصحيفة المكتوب فيها ( وهذا أيضًا من البلاء) وعند ابن أبي شيبة قد طمع فيّ أهل الكفر ( فتيممت) أي قصدت ( بها التنور) بفتح الفوقية الذي يخبز فيه ( فسجرته) بالسين المهملة المفتوحة والجيم أي أوقدته ( بها) .
وهذا يدل على قوّة إيمانه وشدّة محبته لله ورسوله على ما لا يخفى.
وعند ابن عائذ: أنه شكا حاله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب فيّ أهل الشرك ( حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الواقدي: هو خزيمة بن ثابت.
قال: وهو الرسول إلى مرارة وهلال بذلك، ولأبي ذر: إذا رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يأتيني فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن تعتزل امرأتك) عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة أو هي زوجته الأخرى خيرة بفتح الخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة ( فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها) بكسر الزاي مجزوم بالأمر ( ولا تقربها) معطوف عليه ( وأرسل إلى صاحبيّ) بتشديد الياء ( مئل ذلك فقلت لامرأتي: الحقي) بفتح الحاء ( بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله فيّ هذا الأمر) فلحقت بهم.

( قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية) خولة بنت عاصم ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا ولكن لا يقربك) بالجزم على النهي ( قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا) قال كعب: ( فقال لي بعض أهلي) :
قال في الفتح: لم أقف على اسمه.
واستشكل هذا مع نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس عن كلام الثلاثة.

وأجيب: بأنه عبّر عن الإشارة بالقول يعني فلم يقع الكلام اللساني وهو المنهي عنه قاله ابن الملقن.

قال في المصابيح: وهذا بناء منه على الوقوف عند اللفظ واطراح جانب المعنى، وإلاّ فليس المقصود بعدم المكالمة عدم النطق باللسان فقط، بل المراد هو وما كان بمثابته من الإشارة المفهمة لما يفهمه القول باللسان، وقد يجاب بأن النهي كان خاصًّا بمن عدا زوجة هلال وغشيانه إياها، وقد أذن لها في خدمته، ومعلوم أنه لا بدّ في ذلك من مخالطة وكلام، فلم يكن النهي شاملاً لكل أحد، وإنما هو شامل لمن لا تدعو حاجة هؤلاء إلى مخالطته وكلامه من زوجة وخادم ونحو ذلك، فلعل الذي قال لكعب من أهله:
( لو استأذنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في امرأتك) لتخدمك ( كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه) كان ممن لم يشمله النهي.
قال كعب ( فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يدريني ما يقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب) قوي على خدمة نفسي ( فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت) بفتح الميم ( لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كلامنا) أيها الثلاثة ( فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا) بغير ميم ( أنا جالس على الحال التي) قد ( ذكر الله قد ضاقت عليّ نفسي) أي قلبي لا يسعه أنس ولا سرور من فرط الوحشة والغم ( وضاقت عليّ الأرض بما رحبت) برحبها أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمره كأنه لا يجد فيها مكانًا يقرّ فيه قلقًا وجزعًا، وإذا كان هؤلاء لم يأكلوا مالاّ حرامًا ولا سفكوا دمًا حرامًا ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما أصابهم فكيف بمن واقع الفواحش والكبائر وجواب بينا قوله: ( سمعت صوت صارخ أوفى) بالفاء مقصورًا أي أشرف ( على جبل سلع) بفتح السين المهملة وسكون اللام ( بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر) بهمزة قطع.
وعند الواقدي وكان الذي أوفى على سلع أبا بكر الصديق فصاح: قد تاب الله على كعب ( قال) كعب: ( فخررت ساجدًا) شكرًا لله ( وعرفت أن قد جاء فرج وآذن) بالمد أي أعلم ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا) ، أيها الثلاثة بتوبة الله علينا ( وذهب قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( صاحبيّ) مرارة وهلال ( مبشرون) يبشرونهما ( وركض إليّ) بتشديد الياء أي استحث ( رجل فرسًا) للعدو وعند الواقدي أنه الزبير بن العوّام ( وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل) ، هو حمزة بن عمرو الأسلمي رواه الوقدي.
وعند ابن عائذ أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- لكنه صدره بقوله زعموا ( وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته) هو حمزة الأسلمي ( يبشرني نزعت له ثوبي) بتشديد الياء بالتثنية ( فكسوته إياهما ببشراه) لي بتوبة الله عليّ ( والله ما أملك) من الثياب ( غيرهما يومئذ) وقد كان له مال غيرهما كما صرح به فيما يأتي ( واستعرت ثوبين) أي من أبي قتادة كما عند الواقدي ( فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا) جماعة جماعة ( يهنوني) ولأبي ذر: يهنونني ( بالتوبة يقولون: لتهنك) بكسر النون ( توبة الله عليك.
قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس حوله الناس فقام إليّ)
بتشديد الياء ( طلحة بن عبيد الله) بضم العين أحد العشرة المبشرة بالجنة ( يهرول) أي يسير بين المشي والعدو ( حتى صافحني وهناني والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره) وكانا أخوين آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما كذا قاله البرماوي كغيره، وتعقب بأن الذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير أخًا في أخوة المهاجري فهو أخو أخيه ( ولا أنساها لطلحة) أي هذه الخصلة وهي بشارته إياي بالتوبة أي لا أزال أذكر إحسانه إليّ بذلك وكنت رهين مسرته ( قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يبرق وجهه من السرور) :
( أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى يوم إسلامه وهو مستثنى تقديرًا، وإن لم ينطق به أوان يوم توبته مكمل ليوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته، ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها ( قال) كعب: ( قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله) زاد ابن أبي شيبة أنتم صدقتم الله فصدقكم.

( وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سرّ) بضم السين وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول ( استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) قيل: قال قطعة قمر احترازًا من السواد الذي في القمر أو إشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين الذي فيه يظهر السرور.
قالت عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكان التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر ( وكنا نعرف ذلك منه) أي الذي يحصل له من استنارة وجهه عند السرور ( فلما جلست بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع) أخرج ( من) جميع ( مالي صدقة) قال الزركشي وتبعه البرماوي وابن حجر وغيرهما: هي مصدر فيجوز انتصابه بانخلع لأن معنى انخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي متصدقًا، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن الصدقة مصدر، وإنما هي اسم لما يتصدق به ومنه قوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] وفي الصحاح: الصدقة ما تصدق به على الفقراء فعلى هذا يكون نصبها على الحال من مالي ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي صدقة خالصة لله ولرسول الله، فإلى بمعنى اللام، ولأبي ذر إلى رسوله ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : له خوفًا عليه من تضرره بالفقر وعدم صبره على الإضافة:
( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت: أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت) بكسر القاف ( فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله) بالموحدة الساكنة أي أنعم عليه ( في صدق الحديث منه ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن مما أبلاني) أي مما أنعم عليّ، وفيه الأفضلية لا نفي المساواة لأنه شاركه في ذلك هلال ومرارة.
( ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يومي هذا كذبًا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { لقد تاب الله على
النبي}
)
[التوبة: 43] أي تجاوز عنه إذنه للمنافقين في التخلف كقوله: { عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم} [التوبة: 43] ( { والمهاجرين والأنصار} ) ثبت لأبي ذر والأنصار وفيه حث للمؤمنين على التوبة وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين والأنصار ( إلى قوله: { وكونوا مع الصادقين} [التوية: 117] ) في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا ( فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن) ولأبي ذر عن الكشميهني: بعد إذ ( هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا كون) أي أن أكون ( كذبته) فلا زائدة كقوله تعالى: { ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12] ( فأهلك) بكسر اللام والنصب أي فإن أهلك ( كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد) أي قال: قولا شرّ ما قال بالإضافة.
أي شر القول الكائن لأحد من الناس ( فقال تبارك وتعالى: { سيحلفون بالله لك إذا انقلبتم} ) إذا رجعتم إليهم من الغزو ( إلى قوله: { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} ) [التوبة: 95، 96] أي فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطًا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وأجلها.

( قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين حلفوا له) أن تخلفهم كان لعذر ( فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ) بالجيم والهمزة آخره أي أخّر ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا) أيها الثلاثة ( حتى قضى الله فيه) بالتوبة ( فبذلك قال الله) تعالى: ( { وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118] ) بضم الخاء وكسر اللام المشددة وسكون الفاء ( عن الغزو وإنما) بالواو ولأبي الوقت ولغيره إنما ( هو تخليفه) بالخاء المعجمة ( إيانا وإرجاؤه) أي تأخيره ( أمرنا عمن حلف له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( واعتذر إليه فقبل منه) عليه الصلاة والسلام اعتذاره، والمراد على قوله: أنهم حلفوا عن التوبة لا عن الغزو.

وقد أخرج المؤلّف -رحمه الله تعالى- حديث غزوة تبوك وتوبة الله على كعب في عشرة مواضع مطوّلاً ومختصرًا، وسبق بعضها، ويأتي منها إن شاء الله تعالى في الاستئذان والأحكام، وأخرجه مسلم في التوبة، وأبو داود في الطلاق وكذا النسائي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُ فِي حديثِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ)

أَي: هَذَا فِي بَيَان حَدِيث كَعْب بن مَالك بن أبي كَعْب، واسْمه عَمْرو بن الْقَيْن بن كَعْب بن سَواد بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة بن سعد بن عدي بن أَسد بن ساردة بن يزِيد بن جشم بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ، يكنى أَبَا عبد الله، شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وَاخْتلف فِي شُهُوده بَدْرًا، وَشهد أحدا والمشاهد كلهَا حاشا تَبُوك، فَإِنَّهُ تخلف عَنْهَا، وَكَانَ أحد الشُّعَرَاء فِي الْجَاهِلِيَّة، وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين، وَقيل: ثَلَاث وَخمسين، وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين، وَكَانَ قد عمي فِي آخر عمره، ويعد فِي الْمَدَنِيين، وروى عَنهُ جمَاعَة من التَّابِعين.

وقَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: { وعَلى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} ( التَّوْبَة: 118) .

أَي: وَفِي بَيَان قَول الله عز وَجل: { وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} ( التَّوْبَة: 118) وَالثَّلَاثَة هم: كَعْب بن مَالك الْمَذْكُور، وهلال بن أُميَّة، ومرارة بن الرّبيع، تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك فَتَابَ الله عَلَيْهِم وَعذرهمْ، وَأنزل فِي حَقهم { وعَلى الثَّلَاثَة خلفوا} أَي: عَن غَزْوَة تَبُوك، أَي: وَتَابَ الله على الثَّلَاثَة، وَهُوَ عطف على مَا قبله، وَهُوَ قَوْله: ( لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار) إِلَى قَوْله: { رؤوف رَحِيم} ( التَّوْبَة: 117) ثمَّ عطف عَلَيْهِ قَوْله: ( وعَلى الثَّلَاثَة) ، قَالَ مُجَاهِد قَوْله: { لقد تَابَ الله} ( التَّوْبَة: 117) الْآيَة نزلت فِي غَزْوَة تَبُوك، وَاخْتلف فِي معنى التَّوْبَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل: هُوَ مِفْتَاح كَلَام، لِأَنَّهُ لما كَانَ سَبَب تَوْبَة التائبين ذكر مَعَهم كَقَوْلِه: { فَإِن لله خَمْسَة وَلِلرَّسُولِ} ( الْأَنْفَال: 41) .

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: تَابَ الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَقَوْلِه: { ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} ( الْفَتْح: 2) وَمثل قَوْله: { واستغفر لذنبك} ( غَافِر: 55، مُحَمَّد: 19) وَقيل: مَعْنَاهُ تَابَ الله عَلَيْهِ من إِذْنه لِلْمُنَافِقين فِي التَّخَلُّف عَنهُ، كَقَوْلِه: عَفا الله عَنْك.



[ قــ :4179 ... غــ :4418 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عبْدِ الرَّحْمان بنِ عبْدِ الله بنِ كَعبِ بنِ مالِكٍ أنَّ عبْدَ الله بنَ كَعْب بنِ مالِكٍ وكانَ قائِدَ كَعْبٍ منْ بنِيهِ حِين عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أتَخَلَّفْ عَنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاها إلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غيْرَ أنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ولَمْ يِعاتِبْ أحَداً تَخَلَّفَ عَنْها إنَّما خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حتَّى جَمَعَ الله بَيْنَهُمْ وبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعادٍ ولَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ توَاثَقْنا عَلَى الإسْلاَمِ وَمَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِها مَشْهَدَ بَدْر وإنْ كانَتْ بدْرٌ أذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْها كانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أكُنْ قَطُّ أقْوَي ولاَ أيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْهُ فِي تِلْكَ الغَزَاةِ وَالله مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حتّى جَمَعْتُهُما فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ ولَمْ يَكُنْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إلاَّ ورَّى بِغَيْرِها حَتَّى كانَتْ تِلْكَ الغزْوَةُ غزَاها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ واسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً ومَفازاً وعَدُوًّا كَثِيراً فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ لِيتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهمْ فأخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ والمُسْلِمُونَ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثِيرٌ ولاَ يَجْمَعُهُمْ كِتابٌ حافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ وإنَ قَالَ كَعْبٌ فَما رجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلاَّ ظَنَّ أنْ سَيَخْفَى لهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وحْيُ الله وغَزَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْغَزْوَة حِينَ طابَتِ الثِّمارُ والظِّلاَلُ وتَجَهَّزَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أغْدُو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فأرْجِعُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً فأقُولُ فِي نَفْسِي أَنا قادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَي بِي حَتَّى اشْتَدَّ بالنَّاسِ الجِدُّ فأصْبَحَ رسَولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمُسْلِمُونَ مَعَهُ ولَمْ أقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئاً فَقُلْتُ أتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ ألْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أنْ فَصَلُوا لأِتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً فَلَمْ يَزَلْ بِي حتَّى أسْرَعُوا وتَفارَطَ الغَزْوُ وهَمَمْتُ أنْ أرْتَحلَ فأدْرِكُهُمْ ولَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذلِكَ فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطُفْتُ فِيهِمْ أحْزَنَنِي أنِّي لَا أرَى إلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْهِ النِّفاقُ أوْ رَجلاً مِمَّنْ عَذَرَ الله مِنَ الضُّعَفاءُ ولَمْ يَذْكُرْنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَلَغَ تبُوكَ فَقَالَ وهُوَ جالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رجلٌ مِنْ بني سَلَمَة يَا رسُولَ الله حَبسَهُ بُرْدَاهُ ونَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَالله يَا رسُولَ الله مَا عَلمْنا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرَاً فَسَكَتَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كعْبُ بنُ مالِكٍ فَلمَّا بَلَغَنِي أنَّهُ تَوَجَهَ قافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي وَطفِقْتُ أتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وأقُولُ بماذَا أخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَداً واسْتَعَنْتُ عَلى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِن رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أظَلَّ قادِماً زَاحَ عَنِّي الباطِلُ وعَرَفْتُ أنِّي لَنْ أخْرُجَ مِنْهُ أبَدَاً بَشْيءٍ فِيهِ كَذِبٌ فأجْمَعْتُ صِدْقَةُ وأصْبَحَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قادِماً وَكَانَ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ بَدَأ بالمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ للنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جاءَهُ المُخَلَّفُونَ فَطَفقُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ ويَحْلِفُونَ لهُ وكانُوا بِضْعَةً وثَمانِينَ رجُلاً فَقِبلَ مِنْهُمْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلاَنِيَتَهُمْ وبايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوكَلَ سَرَائِرِهمْ إِلَى الله فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعالَ فَجِئْتُ أمْشي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ ألْم تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرُكَ فقُلْتُ بَلى إنِّي وَالله لوْ جَلَسْتُ عنْدَ غيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيا لرَأيْتُ أنْ سأخْرُجُ مِنْ سَخَطٍ بِعُذْرٍ ولَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً ولَكِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حدَّثْتُكَ اليَوْمَ حدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَي بهِ عَنِّي ليُوشِكَنَّ الله أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَليَّ فِيهِ إنِّي لأرْجُو فِيهِ عَفْوَ الله لَا وَالله مَا كانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَالله مَا كُنْتُ قَطُّ أقْوَى وَلَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْكَ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا هَذا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ الله فِيكَ فَقُمْتُ وثارَ رِجالٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ فاتَّبَعُونِي فَقالُوا لِي وَالله مَا عَلمْناكَ كُنْتَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قَبْلَ هَذا ولَقَدْ عَجَزْتَ أنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا اعْتَذَرَ إليْهِ المتَخَلِّفُونَ قَدْ كانَ كافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفارُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكَ فَوَالله مَا زَالوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتى أرَدْتُ أنْ أرْجِعَ فأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ.

.

قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أحَدٌ قَالُوا نَعَمْ رجُلاَنِ قالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقيلَ لَهُما مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُما قالُوا مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيعِ العَمْريُّ وهِلاَلُ بنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً فِيهِما أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي ونَهَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُسْلِمِينَ عنْ كَلاَمِنا أيُّها الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ منْ تَخَلَّفَ عنْهُ فاجْتَنَبَنا النَّاسُ وتَغَيَّرُوا لَنا حَتى تَنَكَّرَتْ فِي نفْسِي الأرْضُ فَما هِيَ الَّتِي أعْرِفُ فلبِثْنا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فأمَّا صِاحبايَ فاسْتَكانا وقَعَدَا فِي بُيُوتِهِما يَبْكِيانِ وأمَّا أَنا فكُنْتُ أشبَّ القَوْمِ وأجْلَدَهُمْ فكُنْتُ أخْرُجُ فأشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ المُسْلِمِينَ وأطُوفُ فِي الأسْوَاقِ وَلاَ يُكَلِّمُنِي أحَدٌ وآتِي رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَة فأقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَيَّ أمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيباً مِنْهُ فأسارِقُهُ النَّظَرَ فإذَا أقْبلْتُ عَلَى صلاَتي أقْبَلَ إلَيَّ وإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذا طَال عَليَّ ذلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حائِطِ أبي قتادَةَ وهْوَ ابنُ عَمِّي وأحَبُّ النَّاسِ إليَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَالله مَا رَدَّ عَليَّ السَّلاَمَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتادَةَ أنْشُدُكَ بِاللَّه هَلْ تَعْلَمُني أُحِبُّ الله ورسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ الله ورسولُهُ أعْلَمُ ففاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجدَارَ قَالَ فَبَيْنَا أَنا أمْشِي بِسُوق المَدِينَةِ إِذا نَبَطِي مِنْ أنْباطِ أهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعامِ يَبِيعُهُ بالمَدِينَةِ يَقُولُ منْ يَدُلُّ علَى كَعْبِ بنِ مالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لهُ حَتَّى إذَا جاءَنِي دَفَعَ إلَيَّ كِتاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فإذَا فِيهِ أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أنَّ صاحِبَكَ قَدْ جَفاكَ ولَمْ يَجْعَلْكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ ولاَ مَضْيَعَةٍ فالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لمَّا قَرَأتُها وهَذَا أيْضاً مِنَ البَلاَءِ فَتَيَمَّمْتُ بِها التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِها حَتَّى إذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ إذَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِيني فَقَالَ إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُها أمْ ماذَا أفْعَلُ قَالَ لاَ بَلِ اعْتَزِلْها وَلَا تَقْرَبْها وأرْسَلَ إلَى صاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فقُلْتُ لامْرَأتِي الحقِي بأهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حتَّى يَقْضِيَ الله فِي هاذَا الأمْرِ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتِ امْرَأةُ هِلاَلِ بنِ أُمَيةَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضائِعٌ لَيْسَ لهُ خادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدْمَهُ قَالَ لاَ ولاكِنْ لَا يَقْرَبْكِ قالَتْ إنَّهُ وَالله مَا بهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَالله مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِنْ أمْرِهِ مَا كانَ إِلَى يوْمِهِ هَذا فَقَالَ لِي بَعْضُ أهْلِي لَو اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأتِكَ كَما أذِنَ لامْرَأةِ هِلال بنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَالله لَا استَأْذِنُ فِيها رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتأْذَنْتَه فِيها وَأَنا رجُلٌ شابٌّ فلبِثْت بَعْدَ ذَلِكَ عشْرَ لَيال حتَّى كَمَلَتْ لَنا خَمسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ كَلاَمِنا فَلمَّا صَلَّيْتُ صَلاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنا على ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنا فبَيْنا أَنا جالِسٌ على الحَالِ التَّي ذَكَرَ الله قدْ ضاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وضاقَتْ عَليَّ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صارِخٍ أوْفَى على جَبَلِ سَلْعٍ بأعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بنَ مالِكٍ أبْشرْ قَالَ فخَرَرْتُ سَاجِدا وعَرَفْتُ أنْ قدْ جاءَ فَرَجٌ وآذَنَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَوبَةِ الله علَيْنا حِينَ صَلى صلاَةَ الفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وذَهَبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مبَشِّرُونَ ورَكَضَ إلَيَّ رجُلٌ فَرَساً وسَعَى ساعٍ مِنْ أسْلَمَ فأوْفَى عَلَى الجَبل وكانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ فلمَّا جاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صوْتهُ يُبَشِّرُني نَزَعْتُ لهُ ثَوْبَيِّ فكَسَوْتُهُ إيَّاهُما ببُشْراهُ وَالله مَا أمْلِكُ غَيْرَهُما يوْمَئِذٍ واسْتَعرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُما وانْطَلقْتُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنُّوني بالتَّوبْةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَة الله عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ حتَّى دَخَلْتُ المَسْجدَ فإذَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إليَّ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ الله يُهَرْوِلُ حتَّى صافَحَني وهَنَّاني وَالله مَا قامَ إليَّ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ غَيْرُهُ ولاَ أنْساها لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور أبْشِرْ بخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَليْكَ مُنْذُ وَلَدَتَكَ أُمُّكَ قَالَ.

.

قُلْتُ أمِنْ عندِكَ يَا رسولُ الله أم منْ عِنْدِ الله قَالَ لاَ بَلْ مِنْ عِنْدِ الله وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ حَتَّى كأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وكُنَّا نَعْرِفُ ذالِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْن يَدَيْهِ.

.

قُلْتُ يَا رسُولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ أنخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى الله وَإِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْض مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ.

.

قُلْتُ فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رسُولَ الله إنَّ الله إنَّما نَجَّاني بالصِّدْق وإنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ لاَ أُحَدِّثَ إلاَّ صِدْقاً مَا بَقِيتُ فوَاللَّه مَا أعْلَمُ أحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ أبْلاَهُ الله فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْسَنَ مِمَّا أبْلاَنِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذالِكَ لرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيّ يَوْمِي هاذَا كَذِباً وإنِّي لأرْجُو أنْ يَحْفظَنِي الله فِيما بَقِيتُ وأنْزَلَ الله تَعالى على رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقَدْ تابَ الله عَلى النبيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ إِلَى قَوْلِهِ وكانُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فَوَالله مَا أنْعَمَ الله عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أنْ هَدَانِي لِلإسْلاَمِ أعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ لاَ أكُونَ كَذَبْتُهُ فأهْلِكَ كمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فإنَّ الله تَعالى قَالَ للَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأحدٍ فَقَالَ تبارَكَ وَتَعَالَى سَيَحْلِفُونَ بِاللَّه لَكُمْ إِذا انْقَلَبْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ فإنَّ الله لاَ يَرْضَي عنِ القَوْمِ الفاسقِينَ قَالَ كَعْبٌ وكُنَّ تَخَلَّفْنا أيُّها الثَّلاثَةُ عنْ أمْر أُولائِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ حَلَفُوا لهُ فبايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهُمْ وأرْجأ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْرَنا حَتَّى قَضَى الله فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ الله وعَلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خَلِّفُوا ولَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ الله مِمَّا خُلِّفْنا عنِ الغَزْوِ وإنَّما تَخْلِيفُهُ إيَّانا وإرْجاؤهُ أمْرَنَا عَمنْ حَلَفَ لهُ واعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة أظهر مَا يكون وَقد أخرج البُخَارِيّ غَزْوَة تَبُوك وتوبة الله على كَعْب بن مَالك فِي عشرَة مَوَاضِع مطولا ومختصراً: فِي الْوَصَايَا وَفِي الْجِهَاد وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي وُفُود الْأَنْصَار وَفِي موضِعين من الْمَغَازِي وَفِي موضِعين من التَّفْسِير وَفِي الاسْتِئْذَان وَفِي وَالْأَحْكَام.
وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي الطَّاهِر بِطُولِهِ وَعَن مُحَمَّد بن رَافع.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن أبي الطَّاهِر وَسليمَان بن دَاوُد.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَغَيره.

قَوْله: ( عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب) ، كَذَا وَقع عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد الزُّهْرِيّ فِي بعض هَذَا الحَدِيث رِوَايَة: عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك، وَهُوَ عَم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الَّذِي حدث بِهِ عَنهُ هُنَا، وَفِي رِوَايَة: عَن عبد الله بن كَعْب، نَفسه.
قَالَ أَحْمد بن صَالح فِيمَا أخرجه ابْن مرْدَوَيْه: كَانَ الزُّهْرِيّ سمع هَذَا الْقدر من عبد الله بن كَعْب نَفسه، وَسمع الحَدِيث بِطُولِهِ من وَلَده عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب، وَعنهُ أَيْضا فِي رِوَايَة: عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب عَن عَمه عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ وَوَقع عِنْد ابْن جرير من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ فِي أول الحَدِيث بِغَيْر إِسْنَاد قَالَ الزُّهْرِيّ: غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة تَبُوك الحَدِيث.
قَوْله: ( وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر النُّون بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ وَكَذَا لِابْنِ السكن فِي الْجِهَاد: من بَيته، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا تَاء مثناة من فَوق.
قَوْله: ( حِين تخلف) ، مفعول بِهِ لَا مفعول فِيهِ.
قَوْله: ( عَن قصَّة) يتَعَلَّق بقوله: يحدث قَوْله: ( يُعَاتب أحدا) أَي: لم يُعَاتب الله أحدا، ويروى: لم يُعَاتب، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأحد بِالرَّفْع.
قَوْله: ( تخلف عَنْهَا) أَي: عَن غَزْوَة بدر.
قَوْله: ( عير قُرَيْش) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهِي الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة.
قَوْله: ( لَيْلَة الْعقبَة) وَهِي: الَّتِي بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا الْأَنْصَار على الْإِسْلَام والإيواء والنصر، وَذَلِكَ قبل الْهِجْرَة، والعقبة هِيَ الَّتِي فِي طرف منى الَّتِي تُضَاف إِلَيْهَا جَمْرَة الْعقبَة، وَكَانَت بيعَة الْعقبَة مرَّتَيْنِ كَانُوا فِي السّنة الأولى اثْنَي عشر، وَفِي الثَّانِيَة سبعين كلهم من الْأَنْصَار.
قَوْله: ( حِين تواثقنا) أَي: تعاهدنا وتعاقدنا.
قَوْله: ( وَمَا أحب إِن لي بهَا مشْهد بدر) أَي: أزلي بدلهَا.
قَوْله: ( وَإِن كَانَت بدر) ، أَي: غَزْوَة بدر ( أذكر) أَي: أعظم ذكرا فِي ( فِي النَّاس) أَي: بَين النَّاس، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس بن عَن شهَاب: وَإِن كَانَت بدر أَكثر ذكرا فِي النَّاس مِنْهَا، وَلَفظ: أذكر، على وزن أفعل التَّفْضِيل.
قَوْله: ( وَأقوى وَلَا أيسر) ، وَزَاد مُسلم لَفْظَة: مني.
قَوْله: ( إلاَّ ورى) ، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء أَي: أوهم ( بغَيْرهَا) وَهُوَ من التورية، وَهِي: أَن يذكر لفظ يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا: أقرب من الآخر فيوهم إِرَادَة الْقَرِيب وَهُوَ يُرِيد الْبعيد.
قَوْله: ( فَجلى) ، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد اللَّام، أَي: كشف وأوضح، وَيجوز بتَخْفِيف اللَّام أَيْضا.
قَوْله: ( أهبة) الأهبة، بِضَم الْهمزَة تجهيزها مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.
قَوْله: ( غزوهم) ، ويروى: عدوهم.
قَوْله: ( والمسلمون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير) ، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه كَانَ مَعَه أَرْبَعُونَ ألفا وَقيل: سَبْعُونَ ألفا.
قَوْله: ( وَلَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ) بِالتَّنْوِينِ فيهمَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم بِالْإِضَافَة، وَزَاد فِي رِوَايَة مُغفل: يزِيدُونَ على عشرَة آلَاف وَلَا يجمعهُمْ ديوَان حَافظ.
قَوْله: ( يُرِيد الدِّيوَان) ، من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَأَرَادَ بِهِ: أَن المُرَاد من قَوْله: ( كتاب حَافظ) هُوَ الدِّيوَان، وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يجمع فِيهِ الْحساب، وَهُوَ يكسر الدَّال وَقيل بِفَتْحِهَا أَيْضا، وَهُوَ مُعرب، وَقيل: عَرَبِيّ.
قَوْله: ( قَالَ كَعْب) ، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: ( فَمَا رجل) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: قل رجل، قَوْله: ( إلاَّ ظن أَنه سيخفى) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن سيخفى، بتَخْفِيف نون: أَن، بِلَا هَاء، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَن ذَلِك سيخفى لَهُ.
قَوْله: ( فطفقت أعدو) ، بِالطَّاءِ وبالفاء وَالْقَاف، وَهُوَ من أَفعَال المقاربة مَعْنَاهُ: أخذت فِي الْفِعْل قَوْله: ( حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجد) ، بِكَسْر الْجِيم، وَهُوَ: الْجهد فِي الشَّيْء وَالْمُبَالغَة فِيهِ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: وَضبط فِي بعض الْكتب بِرَفْع: النَّاس، على أَنه فَاعل، وَيكون: الْجد، مَنْصُوبًا بِإِسْقَاط الْخَافِض، أَو هُوَ نعت لمصدر مَحْذُوف أبي: اشْتَدَّ النَّاس الاشتداد الْجد، وَعند ابْن السكن: اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجد، بِرَفْع: الْجد، وَزِيَادَة: الْبَاء الْمُوَحدَة فِي النَّاس، وَهُوَ رِوَايَة أَحْمد وَمُسلم، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه: حَتَّى شمر النَّاس الْجد.
قَوْله: ( من جهازي) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَهُوَ: الأهبة.
قَوْله: ( حَتَّى أَسْرعُوا) ، من الْإِسْرَاع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى شرعوا، بالشين الْمُعْجَمَة من الشُّرُوع، قيل: هُوَ تَصْحِيف.
قَوْله: ( وتفارط الْغَزْو) أَي: فَاتَ وَسبق من الفرط وَهُوَ السَّبق، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: حَتَّى أمعن الْقَوْم وأسرعوا.
قَوْله: ( وليتني فعلت) ، فِيهِ تمني مَا فَاتَ فعله.
قَوْله: ( مغموصاً) ، بالغين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة، أَي: مطعوناً عَلَيْهِ فِي دينه مُتَّهمًا بالنفاق، وَقيل: مَعْنَاهُ مستحقراً، تَقول: غمصت فلَانا إِذا استحقرته، وَكَذَلِكَ: اغمصته.
قَوْله: ( حَتَّى بلغ تَبُوك) ، بِغَيْر صرف للعلمية والتأنيث، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين.
ويروي: تَبُوكا، بِالصرْفِ على إِرَادَة الْمَكَان أَو الْموضع.
قَوْله: ( من بني سَلمَة) ، بِكَسْر اللَّام، وَفِي رِوَايَة معمر: من قومِي، وَهُوَ عبد الله بن أنيس، كَذَا قَالَه الْوَاقِدِيّ قَوْله: ( حَبسه برْدَاهُ) تَثْنِيَة، برد.
قَوْله: ( وَالنَّظَر) ، أَي وحبسه النّظر ( فِي عطفيه) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة أَي: جانبيه، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى إعجابه بِنَفسِهِ ولباسه، وَقيل: كنى بذلك عَن حسنه وبهجته، وَالْعرب تصف الرِّدَاء بِصفة الْحسن وتسميه عطفا لوُقُوعه على عطفي الرجل قَوْله: ( فَلَمَّا بَلغنِي أَنه) أَي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم.
قَوْله: ( قَافِلًا) أَي: رَاجعا من سَفَره إِلَى الْمَدِينَة،.

     وَقَالَ  ابْن سعد: كَانَ قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فِي رَمَضَان.
قَوْله: ( حضرني همي) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حضرني هم قَوْله: ( قد أظل قادماً) أَي: قددنا قدومه إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: ( زاح) ، بالزاي وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: زَالَ.
قَوْله: ( فأجمعت صدقه) أَي: جزمت بذلك وعقدت عَلَيْهِ قصدي، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: وعزمت أَنه لَا ينجيني إِلَّا الصدْق.
قَوْله: ( الْمُخَلفُونَ) ، أَي: الَّذين تَأَخَّرُوا عَن الذّهاب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فطفقوا) أَي: أخذُوا ( يَعْتَذِرُونَ) أَي: يظهرون الْعذر.
قَوْله: ( وَكَانُوا بضعَة وَثَمَانِينَ) ، وَقد مر غير مرّة أَن: الْبضْعَة فِي الْعدَد، مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة، وَقيل: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة، وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء، وَحكي الْفَتْح أَيْضا، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْعدَد كَانَ من منافقي الْأَنْصَار وَأَن المعذرين من الْأَعْرَاب كَانُوا أَيْضا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رجلا من بني غفار وَغَيرهم، وَأَن عبد الله بن أبي وَمن أطاعه من قومه كَانُوا من غير هَؤُلَاءِ، وَكَانُوا عددا كثيرا.
قَوْله: ( علانيتهم) ، أَي: ظَاهِرهمْ.
قَوْله: ( تَبَسم الْمُغْضب) ، أَي: كتبسم الْمُغْضب، بِفَتْح الضَّاد، وَفِي ( مغازي ابْن عَائِذ) : فَأَعْرض عَنهُ، فَقَالَ: يَا نَبِي الله! لِمَ تعرض عني؟ فوَاللَّه مَا نافقت وَلَا ارتبت وَلَا بدلت.
قَالَ: فَمَا خَلفك؟ .
قَوْله: ( ابتعت ظهرك) ، أَي: اشْتريت راحلتك.
قَوْله: ( أَعْطَيْت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( جدلاً) ، أَي: فصاحة وَقُوَّة كَلَام بِحَيْثُ أخرج من عُهْدَة مَا ينتسب إِلَيّ مِمَّا يقبل وَلَا يرد قَوْله: ( ليوشكن الله) أَي: ليعجلن الله على بسخط مِنْك.
قَوْله: ( تَجِد) ، بِكَسْر الْجِيم، أَي: تغْضب.
قَوْله: ( وثار رجال) أَي: وَثبُوا.
قَوْله: ( قد كَانَ كافيك ذَنْبك) ، أَي: من ذَنْبك وحذفت كلمة: من، قَوْله: ( اسْتِغْفَار) ، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ مَرْفُوع بقوله: ( كافيك) لِأَن اسْم الْفَاعِل يعْمل عمل فعله.
قَوْله: ( يؤنبوني) ، ويروى: يؤنبونني، من التأنيب وَهُوَ اللوم العنيف.
قَوْله: ( مرَارَة) ، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الراءين: ابْن الرّبيع، وَيُقَال: ابْن ربيعَة الْعمريّ نِسْبَة إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات العامري، أنكرهُ الْعلمَاء وَقَالُوا: صَوَابه الْعمريّ.
قلت: لِأَنَّهُ كَانَ من بني عَمْرو بن عَوْف شهد بَدْرًا.
قَوْله: ( وهلال بن أُميَّة) الْأنْصَارِيّ ( الوَاقِفِي) من بني وَاقِف ابْن امرىء الْقَيْس بن مَالك بن الْأَوْس شهد بَدْرًا.
قَوْله: ( إسوة) ، بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: التأسي بالنظير ينفع فِي الدُّنْيَا بِخِلَاف الْآخِرَة، قَالَ الله تَعَالَى: { وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم} ( الزخرف: 39)
الْآيَة.
قَوْله: ( أَيهَا الثَّلَاثَة) ، بِالرَّفْع وَهُوَ فِي مَوضِع نصب على الِاخْتِصَاص، أَي: متخصصين بذلك دون بَقِيَّة النَّاس.
قَوْله: ( فَاجْتَنَبَنَا النَّاس) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا نون الْمُتَكَلّم، وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول.
وَقَوله: ( النَّاس) ، بِالرَّفْع فَاعله.
قَوْله: ( تنكرت) ، أَي: تَغَيَّرت.
قَوْله: ( فَمَا هِيَ الَّتِي أعرف) ، أَي: تغير كل شَيْء عَليّ حَتَّى الأَرْض فَإِنَّهَا توحشت وَصَارَت كَأَنَّهَا أَرض لم أعرفهَا لتوحشها عَليّ.
قَوْله: ( وأطوف) أَي: أدور.
قَوْله: ( فأسارقه النّظر) ، وبالقاف أَي: أنظر إِلَيْهِ فِي خُفْيَة.
قَوْله: ( من جفوة النَّاس) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْفَاء أَي: من جفائهم وإعراضهم.
قَوْله: ( حَتَّى تسورت) ، أَي: صعدت على سور الدَّار.
قَوْله: ( حَائِط أبي قَتَادَة) ، الْحَائِط: الْبُسْتَان، وَأَبُو قَتَادَة، بِفَتْح الْقَاف: اسْمه الْحَارِث بن ربعي، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة: ابْن بلذمة الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الخزرجي من بني غنم بن كَعْب بن سَلمَة بن تزيد بن جشم بن الْخَزْرَج، هَكَذَا يَقُول ابْن شهَاب وَجَمَاعَة أهل الحَدِيث أَن اسْم أبي قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي، قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَأَهله يَقُولُونَ اسْمه النُّعْمَان بن عَمْرو بن بلذمة، قَالَ أَبُو عمر: يَقُولُونَ بلذمة، بِالْفَتْح، وبلذمة باضم، وبلذمة بِالذَّالِ المنقوطة وَالضَّم أَيْضا، توفّي بِالْكُوفَةِ فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى هُوَ عَلَيْهِ.
قَوْله: ( مَا رد على السَّلَام) ، لعُمُوم النَّهْي عَن كَلَامهم.
قَوْله: ( وَهُوَ ابْن عمي) قيل: إِنَّمَا قَالَ: إِنَّه ابْن عمي، لِكَوْنِهِمَا مَعًا من بني سَلمَة وَلَيْسَ هُوَ ابْن عَمه أخي أَبِيه،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ هُوَ ابْن عَمه بل ابْن عَم جد جده.
قَوْله: ( أنْشدك) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة، أَي: أَسأَلك بِاللَّه.
قَوْله: ( الله وَرَسُوله أعلم) وَلَيْسَ تكليماً لكعب.
قَوْله: ( حَتَّى تسورت الْجِدَار) ، أَي: لِلْخُرُوجِ من الْحَائِط، وَفِي رِوَايَة معمر: فَلم أملك نَفسِي أَن بَكَيْت ثمَّ اقتحمت الْحَائِط خَارِجا.
قَوْله: ( إِذا نبطي) كلمة: إِذا للمفاجأة، و: النبطي، بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة: الْفَلاح، سمي بالنبطي لِأَن اشتقاقه من استنباط المَاء واستخراجه، والأنباط كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت أهل الفلاحة، وَهَذَا النبطي كَانَ نَصْرَانِيّا شامياً، وَقيل: النبطي مَنْسُوب إِلَى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: ( من ملك غَسَّان) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ من جملَة مُلُوك الْيمن، سكنوا الشَّام.
قيل: هُوَ جبلة بن الْأَيْهَم، نَص عَلَيْهِ ابْن عَائِذ، وَعَن الْوَاقِدِيّ: إِنَّه الْحَارِث بن أبي بشر، وَقيل: جند بن الْأَيْهَم، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه: فَكتب إِلَى كتابا فِي سَرقَة من حَرِير.
قَوْله: ( هوان) ، أَي: ذل وصغار.
قَوْله: ( وَلَا مضيعة) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسرهَا أَيْضا لُغَتَانِ، أَي: حَيْثُ يضيع حَقك.
قَوْله: ( نواسك) ، بِضَم النُّون وَكسر السِّين الْمُهْملَة من: الْمُوَاسَاة.
قَوْله: ( فَتَيَمَّمت بهَا التَّنور) أَي: قصدت بهَا.
أَي: بِالْكتاب الَّذِي أرْسلهُ ملك غَسَّان، وَإِنَّمَا أَنْت الضَّمِير بِاعْتِبَار الصَّحِيفَة، والتنور مَعْرُوف وَهُوَ مَا يخبز فِيهِ.
قَوْله: ( فسجرته) أَي: فسجرت التَّنور أَي: أوقدته، بهَا أَي: بِالْكتاب الَّذِي هُوَ الصَّحِيفَة، وَهَذَا الصَّنِيع من كَعْب يدل على قُوَّة إيمَانه ومحبته لله وَرَسُوله.
قَوْله: ( إِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كلمة: إِذا للمفاجأة، وَعَن الْوَاقِدِيّ: إِن هَذَا الرَّسُول هُوَ خُزَيْمَة بن ثَابت.
قَوْله: ( أَن تَعْتَزِل امْرَأَتك) اسْمهَا: عميرَة بنت جُبَير بن صَخْر بن أُميَّة الْأَنْصَارِيَّة، أم أَوْلَاده الثَّلَاثَة: عبد الله وَعبيد الله ومعبد، وَيُقَال: اسْم امْرَأَته الَّتِي كَانَت عِنْده يومئذٍ: خيرة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: عميرَة بنت جبيرصلَّت الْقبْلَتَيْنِ وَهِي زَوْجَة كَعْب بن مَالك،.

     وَقَالَ  أَيْضا: خيرة امْرَأَة كَعْب بن مَالك لَهَا حَدِيث غَرِيب فِي ( كتاب الوجدان) لِابْنِ أبي عَاصِم،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: خيرة امْرَأَة كَعْب بن مَالك الشَّاعِر، وَيُقَال: حيرة، بِالْحَاء الْمُهْملَة، حَدِيثهَا عِنْد اللَّيْث بن سعد من رِوَايَة ابْن وهب وَغَيره بِإِسْنَاد ضَعِيف لَا يقوم بِهِ حجَّة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يجوز لامْرَأَة فِي مَالهَا أَمر إلاَّ بِإِذن زَوجهَا.
قَوْله: ( ألحقي بأهلك) ، هَذَا اللَّفْظ من الْكِنَايَات، ومحلها فِي الْفُرُوع قَوْله: ( فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة) هِيَ: خَوْلَة بنت عَاصِم،.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: هِيَ الَّتِي لاعنها هِلَال فَفرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَينهمَا.
قَوْله: ( فَقَالَ لي بعض أَهلِي) اسْتشْكل هَذَا مَعَ نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كَلَام الثَّلَاثَة.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون عبر عَن الْإِشَارَة بالْقَوْل، وَقيل: لَعَلَّه من النِّسَاء، لِأَن النَّهْي لم يَقع عَن كَلَام النِّسَاء اللَّاتِي فِي بُيُوتهم، وَقيل: كَانَ الَّذِي كَلمه منافقاً، وَقيل: كَانَ مِمَّن يَخْدمه وَلم يدْخل فِي النَّهْي.
قَوْله: ( حَتَّى كملت) ، بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَكسرهَا.
قَوْله: ( على الْحَالة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى) ، وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: { وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} ( التَّوْبَة: 118)
الْآيَة قَوْله: ( على جبل سلع) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ، وَفِي رِوَايَة معمر: من ذرْوَة سلع، أَي: أَعْلَاهُ.
قَالَ الْوَاقِدِيّ: الَّذِي أوفى على سلع أَبُو بكر الصّديق.
قَوْله: ( يَا كَعْب بن مَالك! أبشر) ، من الْبشَارَة وَفِي رِوَايَة عمر بن كثير عِنْد أَحْمد عَن كَعْب: إِذْ سَمِعت رجلا على الثَّنية يَقُول: كَعْب كَعْب، حَتَّى دنا مني، فَقَالَ: بشروا كَعْبًا.
قَوْله: ( فَخَرَرْت) ، أَي: أسقطت نَفسِي على الأَرْض حَال كوني سَاجِدا، وَفِيه مَشْرُوعِيَّة سَجْدَة الشُّكْر، وكرهها أَبُو حنيفَة وَمَالك.
قَوْله: ( وآذن) ، أَي: أعلم.
قَوْله: ( وَذهب قبل صَاحِبي) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَة صَاحِبي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء، تَثْنِيَة: صَاحب وهما: هِلَال ومرارة.
قَوْله: ( مبشرون) ، فَاعل ذهب، جمع: مُبشر قَوْله: ( وركض إِلَى رجل فرسا) وَهُوَ الزبير بن الْعَوام، وَقيل: حَمْزَة ابْن عَمْرو، وَوَاللَّه أعلم.
قَوْله: ( وسعى ساع) ، هُوَ حَمْزَة بن عمر، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ،.

     وَقَالَ : أَبُو عمر حَمْزَة بن عمر والأسلمي من ولد أسلم ابْن أفصى بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر، يكنى أَبَا حَاتِم، ويعد فِي أهل الْحجاز، مَاتَ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة، روى عَنهُ أهل الْمَدِينَة وَكَانَ يسْرد الصَّوْم، وَعند ابْن عَائِذ: إِن اللَّذين سعيا أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لكنه صَدره بقوله: زَعَمُوا قَوْله: ( فأوفى على الْجَبَل) ، أَي: ارْتَفع وأشرف،.

     وَقَالَ  الواقد: الَّذِي بشر هِلَال بن أُميَّة بتوبته سعيد بن زيد، وَكَانَ الَّذِي بشر مرَارَة بتوبته سلكان بن سَلامَة أَو سَلمَة بن سَلامَة بن وقش.
قَوْله: ( قَلما جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته) هُوَ حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ.
قَوْله: ( وَالله مَا أملك غَيرهمَا يومئذٍ) ، يَعْنِي: من جنس الثِّيَاب.
قَوْله: ( فوجاً فوجاً) أَي: جمَاعَة جمَاعَة.
قَوْله: ( واستعرت ثَوْبَيْنِ) ، استعارهما من أبي قَتَادَة.
قَالَه الواقي.
قَوْله: ( لتهنك) ، بِكَسْر النُّون، وَزعم ابْن التِّين أَنه بِفَتْحِهَا، قَالَ: لِأَنَّهُ من: يهنأ، بِالْفَتْح.
قَوْله: ( وَلَا أَنْسَاهَا لطلْحَة) ، وَهُوَ طَلْحَة بن عبيد الله الْمَذْكُور، وَهُوَ أحد الْعشْرَة المبشرة.
قَوْله: ( أبشر بِخَير يَوْم مر عَلَيْك) فَإِن قلت: يَوْم إِسْلَامه خير أَيَّامه؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد بِهِ سوى يَوْم إِسْلَامه ولظهوره تَركه، وَقيل: يَوْم إِسْلَامه بداية سعادته وَيَوْم تَوْبَته مكمل لَهَا، فَهُوَ خير من جَمِيع أَيَّامه فَيوم تَوْبَته الْمُضَاف إِلَى إِسْلَامه خير من يَوْم إِسْلَامه الْمُجَرّد عَنْهَا.
قَوْله: ( قَالَ: لَا) أَي: لَيْسَ من عِنْدِي بل من عِنْد الله.
قَوْله: ( إِذا سر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: إِذا حصل لَهُ السرُور ( استنار وَجهه) أَي: تنور.
قَوْله: ( حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر) فَإِن قلت: لِمَ لم يقل: كَأَنَّهُ قمر؟ فَمَا الْحِكْمَة فِي تَقْيِيده بالقطعة؟ قلت: قيل: للِاحْتِرَاز من قِطْعَة السوَاد الَّتِي فِي الْقَمَر.
قَوْله: ( وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك مِنْهُ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيهِ، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ يحصل لَهُ من اسْتِنَارَة وَجهه عِنْد السرُور قَوْله: ( أَن أَنْخَلِع) ، أَي: أَن أخرج من مَالِي بِالْكُلِّيَّةِ.
قَوْله: ( صَدَقَة) ، بِالنّصب أَي: لأجل التَّصَدُّق، وَيجوز أَن يكون حَالا بِمَعْنى: متصدقاً.
قَوْله: ( إِلَى الله) كلمة: إِلَى بِمَعْنى اللَّام، أَي: صَدَقَة خَالِصَة لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( أمسك عَلَيْك بعض مَالك) ، إِنَّمَا أمره بذلك خوفًا من تضرره بالفقر وَعدم صبره على الْفَاقَة، وَلَا يُخَالف هَذَا صَدَقَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِجَمِيعِ مَاله لِأَنَّهُ كَانَ صَابِرًا رَاضِيا.
قَوْله: ( أبلاه الله) ، أَي: أنعم عَلَيْهِ.
قَوْله: ( أَن لَا أكون) ، بدل من قَوْله: ( من صدقي) أَي: مَا أنعم أعظم من عدم كذبي ثمَّ عدم هلاكي.
قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: قَالُوا لَفْظَة: لَا، زَائِدَة وَمَعْنَاهُ: أَن أكون كَذبته نَحْو مَا مَنعك أَن لَا تسْجد.
قَوْله: ( فَأهْلك) بِالنّصب أَي: فَإِن لَك، بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا.
قَوْله: ( كَمَا هلك الَّذين) أَي: كهلاك الَّذين، ( كذبُوا) قَوْله: للَّذين أَي: لأجل الَّذين كذبُوا.
قَوْله: ( شَرّ مَا قَالَ لأحد) أَي: قَالَ قولا سر مَا قَالَ، بِالْإِضَافَة أَي: شَرّ القَوْل الْكَائِن لأحد من النَّاس، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: { سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فاعرضوا عَنْهُم وَلَا تؤنبوهم إِنَّهُم رِجْس وماواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين} ( التَّوْبَة: 95 96) وَقد أخبر الله تَعَالَى عَن الْمُنَافِقين الَّذين تخلفوا بقوله: إِنَّهُم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عَنْهُم وَلَا تؤنبوهم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس أَي: خبثاه نجس بواطنهم واعتقاداتهم ومأواهم فِي آخرتهم جَهَنَّم جَزَاء أَي لأجل الْجَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ من الآثام والخطايا، ثمَّ أخبر عَنْهُم بِأَنَّهُم يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين، أَي: الخارجين عَن طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْفِسْق هُوَ الْخُرُوج وَمِنْه سميت الْفَأْرَة: فَهُوَ فويسقة، لخروجها من جحرها، وَيُقَال: فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من أكمامها.
قَوْله: ( وَكُنَّا تخلفنا) ، وَفِي مُسلم: خلفنا.
قَوْله: ( وأرجأ) أَي: أخر، من الإرجاء بِالْهَمْزَةِ فِي آخِره، وَحَاصِل معنى قَول كَعْب أَنه فسر قَوْله تَعَالَى: { وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} ( التَّوْبَة: 118) أَي: أخروا حَتَّى تَابَ الله عَلَيْهِم، وَلَيْسَ المُرَاد أَنهم خلفوا عَن الْغَزْو، وَفِي ( تَفْسِير عبد الرَّزَّاق) : عَن معمر عَمَّن سمع عِكْرِمَة فِي قَوْله: { وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} ( التَّوْبَة: 118) قَالَ: خلفوا عَن التَّوْبَة.
قَوْله: ( مِمَّا خلفنا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: ( عَن الْغَزْو) أَي: غَزْوَة تَبُوك.
قَوْله: ( وَإِنَّمَا هُوَ تخليفه) ، أَي: تخليف الله إينا أَي: تَأْخِيره إيانا أَي: تَأْخِيره أمرنَا عَن أَمر من حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ اعتذاره وحلفه فغفر لَهُ.

فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور أَكثر من خمسين فَائِدَة: فِيهِ: جَوَاز طلب أَمْوَال الْكفَّار دون الْحَرْب.
وَفِيه: جَوَاز الْغَزْو فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَالتَّصْرِيح بِجِهَة الْغَزْو وَإِذا لم تَقْتَضِي الْمصلحَة ستره، وَأَن الإِمَام إِذا اسْتنْفرَ الْجَيْش عُمُوما لَزِمَهُم النفير.
فَإِن قلت: إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استنفرهم عُمُوما لغزوة تَبُوك فغضبه على من تخلف ظَاهره، وَإِن لم يستنفرهم عُمُوما فالجهاد فرض كِفَايَة، فَمَا وَجه غَضَبه على الْمُخلفين؟ قلت: كَانَ الْجِهَاد فرض عين فِي حق الْأَنْصَار لأَنهم بَايعُوهُ على ذَلِك، فغضبه على المتخلفين كَانَ فِي مَحَله.
وَفِيه: إِبَاحَة الْغَنِيمَة لهَذِهِ الْأمة إِذْ قَالَ: يُرِيدُونَ عير قُرَيْش.
وَفِيه: فَضِيلَة أهل بدر والعقبة والمتابعة مَعَ الإِمَام وَجَوَاز الْحلف من غير استحلاف والتأسف على مَا فَاتَهُ من الْخَبَر وهجران أهل الْبِدْعَة، وَأَن للْإِمَام أَن يُؤَدب بعض أَصْحَابه بإمساك الْكَلَام عَنهُ وَترك قرْبَان الزَّوْجَة واستحبابُ صَلَاة القادم ودخوله الْمَسْجِد أَولا، وَتوجه النَّاس إِلَيْهِ عِنْد قدومه وَالْحكم بِالظَّاهِرِ وَقبُول المعاذير واستحبابُ الْبكاء على نَفسه، ومسارقة النّظر فِي الصَّلَاة لَا تبطلها، وفضيلة الصدْق وَأَن السَّلَام ورده كَلَام، وَجَوَاز دُخُوله فِي بُسْتَان صديقه بِلَا إِذْنه، وَأَن الْكِنَايَة لَا يَقع بهَا الطَّلَاق مَا لم يُنَوّه، وإيثار طَاعَة الله وَرَسُوله على مَوَدَّة الْقَرِيب، وخدمة الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَالِاحْتِيَاط بمجانبته مَا يخَاف مِنْهُ الْوُقُوع فِي مَنْهِيّ عَنهُ إِذْ لم يسْتَأْذن فِي خدمَة امْرَأَته لذَلِك، وَجَوَاز إحراق ورقة فِيهَا ذكر الله إِذا كَانَ لمصْلحَة، واستحبابُ التبشير عِنْد تجدّد النِّعْمَة واندفاع الْكُرْبَة واجتماع النَّاس عِنْد الإِمَام فِي الْأُمُور المهمة وسروره بِمَا يسر أَصْحَابه، وَالتَّصَدُّق بِشَيْء عِنْد ارْتِفَاع الْحزن، وَالنَّهْي عَن التَّصَدُّق بِكُل مَاله عِنْد عدم الصَّبْر، وإجازة البشير بخلعه وَتَخْصِيص الْيَمين بِالنِّيَّةِ، وَجَوَاز الْعَارِية ومصافحة القادم وَالْقِيَام لَهُ والتزام مداومة الْخَيْر الَّذِي ينْتَفع بِهِ واستحبابُ سَجْدَة السكر.
وَفِيه: عظم أَمر الْمعْصِيَة وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله: مَا أكل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَالا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أفسدوا فِي الأَرْض وأصابهم مَا سَمِعْتُمْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، فَكيف بِمن يواقع الْفَوَاحِش والكبائر؟ رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم.
وَفِيه: أَن الْقوي يُؤَاخذ أَشد مِمَّا يُؤَاخذ الضَّعِيف فِي الدّين.
وَفِيه: جَوَاز إِخْبَار الْمَرْء عَن تَقْصِيره وتفريطه.
وَفِيه: جَوَاز مدح الرجل بِمَا فِيهِ من الْخَيْر إِذا أَمن الْفِتْنَة، وتسلية نَفسه عَمَّا لم يحصل لَهُ بِمَا وَقع لنظيره.
وَفِيه: جَوَاز ترك السَّلَام على من أذْنب، وَجَوَاز هِجْرَة ثَلَاثَة أَيَّام.
وَفِيه: تبريد حر الْمعْصِيَة بالتأسي بالنظير.
وَفِيه: جَوَاز ترك رد السَّلَام على المهجور عَمَّن سلم عَلَيْهِ، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لم يقل كَعْب: هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام؟ وَفِيه: أَن قَول الْمَرْء: الله وَرَسُوله أعلم، لَيْسَ لَيْسَ بخطاب وَلَا كَلَام، فَلَا يَحْنَث بِهِ من حلف أَن لَا يكلم فلَانا إِذا لم بَنو بِهِ مكالمته.
وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْعَارِية.
<