هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
418 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ح ، و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ سَلْمَانَ ، قَالَ : قِيلَ لَهُ : قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ : فَقَالَ : أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ ، أَوْ بَوْلٍ ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  واللفظ له أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن سلمان ، قال : قيل له : قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة قال : فقال : أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط ، أو بول ، أو أن نستنجي باليمين ، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح النووى على مسلم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    باب الِاسْتِطَابَةِ
[ سـ :418 ... بـ :262]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قِيلَ لَهُ قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ فَقَالَ أَجَلْ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ

أَمَّا الْخِرَاءَةَ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ ، وَهِيَ اسْمٌ لِهَيْئَةِ الْحَدَثِ ، وَأَمَّا نَفْسُ الْحَدَثِ فَبِحَذْفِ التَّاءِ وَبِالْمَدِّ مَعَ فَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا .
قَوْلُهُ : ( أَجَلْ ) مَعْنَاهُ : نَعَمْ وَهِيَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ ، وَمُرَادُ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ عَلَّمَنَا كُلَّ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي دِينِنَا حَتَّى الْخِرَاءَةَ الَّتِي ذَكَرْتَ أَيُّهَا الْقَائِلُ ، فَإِنَّهُ عَلَّمَنَا آدَابَهَا فَنَهَانَا فِيهَا عَنْ كَذَا وَكَذَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ : ( نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ ( لِغَائِطٍ ) بِاللَّامِ ، وَرُوِيَ فِي غَيْرِهِ ( بِغَائِطٍ ) ، وَرُوِيَ ( لِلْغَائِطِ ) بِاللَّامِ وَالْبَاءِ وَهُمَا بِمَعْنًى ، وَأَصْلُ الْغَائِطِ الْمُطْمَئِنُ مِنَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْخَارِجِ الْمَعْرُوفِ مِنْ دُبُرِ الْآدَمِيِّ .


وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ لِلْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا : مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحْرَاءِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالشَّعْبِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا فِي الْبُنْيَانِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ .
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : جَوَازُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ جَمِيعًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ .
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ : لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ لَا فِي الصَّحْرَاءِ ، وَلَا فِي الْبُنْيَانِ ، وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا ، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - ، وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ مُطْلَقًا كَحَدِيثِ سَلْمَانَ الْمَذْكُورِ ، وَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا : وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا مُنِعَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَائِلُ كَافِيًا لَجَازَ فِي الصَّحْرَاءِ ; لِأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ جِبَالًا وَأَوْدِيَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَائِلِ ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةِ ، وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ - - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَغَهُ أَنَّ أُنَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدِي أَيْ إِلَى الْقِبْلَةِ .
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الِاسْتِدْبَارَ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ .
وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَبَاحَهُمَا فِي الْبُنْيَانِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ ، وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ .
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ، وَبِحَدِيثِ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : بَلَى إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ .
فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِالْجَوَازِ فِي الْبُنْيَانِ ، وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ فَيُحْمَلُ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَا يُصَارُ إِلَى تَرْكِ بَعْضِهَا ، بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَالْعَمَلُ بِجَمِيعِهَا ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الْبُنْيَانِ فِي تَكْلِيفِهِ تَرْكَ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ ، وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ الِاسْتِدْبَارَ فَيُحْتَجُّ عَلَى رَدِّ مَذْهَبِهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ جَمِيعًا كَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


( فَرْعٌ )

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .


إِحْدَاهَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ سَاتِرٍ مِنْ جُدْرَانٍ وَنَحْوِهَا ، مِنْ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا ، وَبِشَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ مُرْتَفِعًا بِحَيْثُ يَسْتُرُ أَسَافِلَ الْإِنْسَانِ ، وَقَدَّرُوهُ بِآخِرَةِ الرَّحْلِ وَهِيَ نَحْوُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ ، فَإِنْ زَادَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ، أَوْ قَصُرَ الْحَائِلُ عَنْ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَهُوَ حَرَامٌ كَالصَّحْرَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي بَيْتٍ بُنِيَ لِذَلِكَ فَلَا حَجْرَ فِيهِ كَيْفَ كَانَ ، قَالُوا : وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَتَسَتَّرَ بِشَيْءٍ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ زَالَ التَّحْرِيمُ ، فَالِاعْتِبَارُ بِوُجُودِ السَّاتِرِ الْمَذْكُورِ وَعَدَمِهِ فَيَحِلُّ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنَيَّانِ بِوُجُودِهِ ، وَيَحْرُمُ فِيهِمَا لِعَدَمِهِ .
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنِ اعْتَبَرَ الصَّحْرَاءَ وَالْبُنْيَانَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْحَائِلَ ، فَأَبَاحَ فِي الْبُنْيَانِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَحَرَّمَ فِي الصَّحْرَاءِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا : لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّاتِرُ دَابَّةً أَوْ جِدَارًا أَوْ وَهْدَةً أَوْ كَثِيبَ رَمْلٍ أَوْ جَبَلًا ، لَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ فِي قُبَالَةِ الْقِبْلَةِ فَفِي حُصُولِ السِّتْرِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ وَأَشْهَرُهُمَا : أَنَّهُ سَاتِرٌ لِحُصُولِ الْحَائِلِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : حَيْثُ جَوَّزْنَا الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ ، قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : هُوَ مَكْرُوهٌ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ الْكَرَاهَةَ ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي تَكَلُّفِ التَّحَرُّفِ عَنِ الْقِبْلَةِ فَلَا كَرَاهَةَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشَقَّةٌ فَالْأَوْلَى تَجَنُّبُهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ ، وَلَا تُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ .


الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : يَجُوزُ الْجِمَاعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ ، وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : لَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا اسْتِدْبَارُهُ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ، لَكِنْ يُكْرَهُ .


الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : إِذَا تَجَنَّبَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا حَالَ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ أَرَادَ الِاسْتِقْبَالَ أَوْ الِاسْتِدْبَارَ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ جَازَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ : ( وَأَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ ) هُوَ مِنْ أَدَبِ الِاسْتِنْجَاءِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ الْجَمَاهِيرُ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَأَدَبٍ لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ حَرَامٌ ، وَأَشَارَ إِلَى تَحْرِيمِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى إِشَارَتِهِمْ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِنْجَاءِ إِلَّا لِعُذْرٍ ، فَإِذَا اسْتَنْجَى بِمَاءٍ صَبَّهُ بِالْيُمْنَى وَمَسَحَ بِالْيُسْرَى ، وَإِذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ فِي الدُّبُرِ مَسَحَ بِيَسَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقُبُلِ وَأَمْكَنَهُ وَضْعَ الْحَجَرِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ بَيْنَ قَدَمَيْهِ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى مَسْحَهُ أَمْسَكَ الذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَهُ عَلَى الْحَجَرِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنهُ ذَلِكَ وَاضْطُرَّ إِلَى حَمْلِ الْحَجَرِ حَمَلَهُ بِيَمِينِهِ وَأَمْسَكَ الذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَ بِهَا وَلَا يُحَرِّكِ الْيُمْنَى ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يَأْخُذُ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ وَالْحَجَرَ بِيَسَارِهِ وَيَمْسَحُ وَيُحَرِّكُ الْيُسْرَى ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ يَمَسُّ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


ثُمَّ إِنَّ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ تَنْبِيهًا عَلَى إِكْرَامِهَا وَصِيَانَتِهَا عَنِ الْأَقْذَارِ وَنَحْوِهَا ، وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَرِيبًا فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ : ( أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ فِي أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ ، وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، فَمَذْهَبنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مِنْ إِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَاسْتِيفَاءِ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ ، فَلَوْ مَسَحَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَزَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَجَبَ مَسْحُهُ ثَالِثَةً ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ : الْوَاجِبُ الْإِنْقَاءُ ، فَإِنْ حَصَلَ بِحَجَرٍ أَجْزَأَهُ ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا مَا قَدَّمْنَاهُ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَوِ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ مَسَحَ بِكُلِّ حَرْفٍ مَسْحَةً أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَسَحَاتُ وَالْأَحْجَارُ الثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْ حَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ ، وَلَوِ اسْتَنْجَى فِي الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَجَبَ سِتُّ مَسَحَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِسِتَّةِ أَحْجَارٍ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ ، وَكَذَلِكَ الْخِرْقَةُ الصَّفِيقَةُ الَّتِي إِذَا مَسَحَ بِهَا لَا يَصِلُ الْبَلَلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ بِجَانِبِهَا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَلَا زِيَادَةَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ وَجَبَ رَابِعٌ ، فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِهِ لَمْ تَجِبِ الزِّيَادَةُ ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْإِيتَارُ بِخَامِسٍ ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَرْبَعَةِ وَجَبَ خَامِسٌ ، فَإِنْ حَصَلَ بِهِ فَلَا زِيَادَةَ وَهَكَذَا فِيمَا زَادَ ، مَتَى حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِوِتْرٍ فَلَا زِيَادَةَ ، وَإِلَّا وَجَبَ الْإِنْقَاءُ وَاسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


وَأَمَّا نَصُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَحْجَارِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ ، وَقَالُوا : الْحَجَرُ مُتَعَيِّنٌ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ ، وَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا إِلَى أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا بَلْ تَقُومُ الْخِرَقُ وَالْخَشَبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَقَامَهُ ، وَأَنَّ الْمَعْنِيُّ فِيهِ كَوْنُهُ مُزِيلًا ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ الْحَجَرِ ، وَإِنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ ) لِكَوْنِهَا الْغَالِبَ الْمُتَيَسَّرَ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ وَنَظَائِرِهِ ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ الْحَجَرِ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْعِظَامِ وَالْبَعْرِ وَالرَّجِيعِ ، وَلَوْ كَانَ الْحَجَرُ مُتَعَيِّنًا لَنَهَى عَنَّا سِوَاهُ مُطْلَقًا .


قَالَ أَصْحَابُنَا : وَالَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ لِلْعَيْنِ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَلَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ .
قَالُوا : وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ جِنْسِهِ ، فَيَجُوزُ فِي الْقُبُلِ أَحْجَارٌ وَفِي الدُّبُرِ خِرَقٌ ، وَيَجُوزُ فِي أَحَدِهِمَا حَجَرٌ مَعَ خِرْقَتَيْنِ أَوْ مَعَ خِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ ( أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالنَّجَاسَةِ وَنَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّجِيعِ عَلَى جِنْسِ النَّجَسِ ، فَإِنَّ الرَّجِيعَ هُوَ الرَّوْثُ ، وَأَمَّا الْعَظْمُ فَلِكَوْنِهِ طَعَامًا لِلْجِنِّ فَنَبَّهَ عَلَى جَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ ، وَتَلْتَحِقُ بِهِ الْمُحْتَرَمَاتُ كَأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَأَوْرَاقِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا فَرْقَ فِي النَّجَسِ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْجَامِدِ ، فَإِنِ اسْتَنْجَى بِنَجَسٍ لَمْ يَصِحَّ اسْتِنْجَاؤُهُ ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ ; لِأَنَّ الْمَوْضِعَ صَارَ نَجِسًا بِنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ ، وَلَوِ اسْتَنْجَى بِمَطْعُومٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحْتَرَمَاتِ الطَّاهِرَاتِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِنْجَاؤُهُ ، وَلَكِنْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَلَ النَّجَاسَةَ مِنْ مَوْضِعِهَا .
وَقِيلَ : إِنَّ اسْتِنْجَاءَهُ الْأَوَّلَ يُجْزِئُهُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .


قَوْلُهُ : ( عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ : إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ تَقْدِيرُهُ : قَالَ لَنَا قَائِلُ الْمُشْرِكِينَ ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَجَمَعَهُ لِكَوْنِ بَاقِيهِمْ يُوَافِقُونَهُ .