هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
441 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، أَنَّ بُكَيْرًا ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الخَوْلاَنِيَّ ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا - قَالَ بُكَيْرٌ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ - بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قال بكير : حسبت أنه قال : يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، يَقُولُ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا - قَالَ بُكَيْرٌ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ - بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ .

Narrated 'Ubaidullah Al-Khaulani:

I heard `Uthman bin `Affan saying, when people argued too much about his intention to reconstruct the mosque of Allah's Messenger (ﷺ), You have talked too much. I heard the Prophet (ﷺ) saying, 'Whoever built a mosque, (Bukair thought that `Asim, another sub-narrator, added, Intending Allah's Pleasure), Allah would build for him a similar place in Paradise.'

0450 D’après Asim ben Umar ben Qatada, Umar al-Khawlany entendit Uthman ben Affan dire lorsque les gens le critiquèrent à cause des modifications qu’il avait faites en reconstruisant la mosquée du Messager de Dieu : Vous exagérez… J’ai entendu le Prophète dire : « Celui qui construit une mosquée (Bukayr : Je crois qu’il (Asim) a aussi rapporté cele : « … en vue de Dieu« ) , Dieu lui construira une similaire au Paradis. »

":"ہم سے یحییٰ بن سلیمان نے بیان کیا انھوں نے کہا کہ ہم سے عبداللہ بن وہب نے بیان کیا ، انھوں نے کہا کہ مجھ سے عمرو بن حارث نے بیان کیا ، انھوں نے کہا ہم سے بکیر بن عبداللہ نے بیان کیا ، ان سے عاصم بن عمرو بن قتادہ نے بیان کیا ، انھوں نے عبیداللہ بن اسود خولانی سے سنا ، انھوں نے حضرت عثمان بن عفان رضی اللہ عنہ سے سنا کہمسجدنبوی کی تعمیر کے متعلق لوگوں کی باتوں کو سن کر آپ نے فرمایا کہ تم لوگوں نے بہت زیادہ باتیں کی ہیں ۔ حالانکہ میں نے نبی اکرم صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا ہے کہ جس نے مسجد بنائی بکیر ( راوی ) نے کہا میرا خیال ہے کہ آپ نے یہ بھی فرمایا کہ اس سے مقصود اللہ تعالیٰ کی رضا ہو ، تو اللہ تعالیٰ ایسا ہی ایک مکان جنت میں اس کے لیے بنائے گا ۔

0450 D’après Asim ben Umar ben Qatada, Umar al-Khawlany entendit Uthman ben Affan dire lorsque les gens le critiquèrent à cause des modifications qu’il avait faites en reconstruisant la mosquée du Messager de Dieu : Vous exagérez… J’ai entendu le Prophète dire : « Celui qui construit une mosquée (Bukayr : Je crois qu’il (Asim) a aussi rapporté cele : « … en vue de Dieu« ) , Dieu lui construira une similaire au Paradis. »

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [450] قَوْله أَخْبرنِي عَمْرو هُوَ بن الْحَارِث وَبُكَيْر بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْأَسْوَدِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ بُكَيْرٌ وَعَاصِمٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ مِصْرِيُّونَ وَثَلَاثَةٌ مِنْ آخِرِهِ مَدَنِيُّونَ وَفِي وَسَطِهِ مَدَنِيُّ سَكَنَ مِصْرَ وَهُوَ بُكَيْرٌ فَانْقَسَمَ الْإِسْنَادُ إِلَى مِصْرِيٍّ وَمَدَنِيِّ .

     قَوْلُهُ  عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ وَقْعَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ قَالَ لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ كَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعُوهُ عَلَى هَيْئَتِهِ أَيْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ حِينَ بَنَى أَيْ حِينِ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ.

     وَقَالَ  الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ الصَّحَابَةُ مِنْ عُثْمَانَ بِنَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ لَا مُجَرَّدُ تَوْسِيعِهِ انْتَهَى وَلَمْ يَبْنِ عُثْمَانُ الْمَسْجِدَ إِنْشَاءً وَإِنَّمَا وَسَّعَهُ وَشَيَّدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِطْلَاقُ الْبِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَدَّدَ كَمَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ هُنَا بَعْضُ الْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ .

     قَوْلُهُ  مَسْجِدُ الرَّسُولِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ حُذِفَ الْمَفْعُولُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَالْمُرَادُ الْكَلَامُ بِالْإِنْكَارِوَنَحْوُهُ تَنْبِيهٌ كَانَ بِنَاءُ عُثْمَانَ لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَنَةَ ثَلَاثِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنِ الْحَارِث بن مِسْكين عَن بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ بُنْيَانِ عُثْمَانَ الْمَسْجِدَ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُنْجَزُ فَإِنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قُتِلَ عُثْمَانُ قَالَ مَالِكٌ فَكَانَ كَذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ تَارِيخَ ابْتِدَائِهِ وَالثَّانِي تَارِيخَ انْتِهَائِهِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ بَنَى مَسْجِدًا التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلشُّيُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَزَادَ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُثْمَانَ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَة أَيْضا عِنْد بن حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَعِنْدَ أبي مُسلم الْكَجِّي من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أنس وبن عُمَرَ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيث أبي بكر الصّديق وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ وَحَمَلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاةُ عَنْهُ لِتَضَعَ فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُدَ عَلَيْهِ لَا يَكْفِي مِقْدَارُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ جَابِرٍ هَذِهِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ هَذَا الْقَدْرَ أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَتَقَعُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَهُوَ مَا يَسَعُ الْجَبْهَةَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَكِنَّ قَوْلَهُ بَنَى يُشْعِرُ بِوُجُودِ بِنَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا أَخْرَجَهُ سَمُّوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ الله أخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَكُلُّ ذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَكَانُ الْمُتَّخَذُ لَا مَوْضِعُ السُّجُودِ فَقَطْ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ الْآخَرِ مَجَازًا إِذْ بِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الْمَسَاجِدِ فِي طُرُقِ الْمُسَافِرِينَ يُحَوِّطُونَهَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ وَبَعْضُهَا لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدَرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْو حَدِيثِ عُثْمَانَ وَزَادَ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الطُّرُقِ قَالَ نَعَمْ وَلِلطَّبَرانِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِرْصَافَةَ وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ أَيْ شَيْخَهُ عَاصِمًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَيْ يَطْلُبُ بِهِ رِضَا اللَّهِ وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِخْلَاصُ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ أَرَهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى حَدِيثَ عُثْمَانَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ لَفْظُهُمْ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا فَكَأَنَّ بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنى المُرَاد وَهُوَ الْإِخْلَاص فَائِدَة قَالَ بن الْجَوْزِيِّ مَنْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيهِ كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْإِخْلَاصِ انْتَهَى وَمَنْ بَنَاهُ بِالْأُجْرَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْوَعْدُ الْمَخْصُوصُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ وَإِنْ كَانَ يُؤَجَّرُ فِي الْجُمْلَة وروى أَصْحَاب السّنَن وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ وَالرَّامِيَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ فَ.

     قَوْلُهُ  الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ أَيْ مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِعَانَةَ الْمُجَاهِدِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ أَوْ بِأُجْرَةٍ لَكِنَّ الْإِخْلَاصَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنَ الْمُتَطَوِّعِ وَهَلْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ لِمَنْ جَعَلَ بُقْعَةً مِنَ الْأَرْضِ مَسْجِدًا بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِتَحْوِيطِهَا مِنْ غَيْرِ بَنَاءٍ وَكَذَا مَنْ عَمَدَ إِلَى بِنَاءٍ كَانَ يَمْلِكُهُ فَوَقَفَهُ مَسْجِدًا إِنْ وَقَفْنَا مَعَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَعْنَى فَنَعَمْ وَهُوَ الْمُتَّجِهُ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  بَنَى حَقِيقَةً فِي الْمُبَاشرَة بشرطهالَكِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي دُخُولَ الْآمِرِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُنْطَبِقُ عَلَى اسْتِدْلَالِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  بَنَى اللَّهُ إِسْنَادُ الْبِنَاءِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ وَإِبْرَازُ الْفَاعِلِ فِيهِ لِتَعْظِيمِ ذِكْرِهِ جَلَّ اسْمُهُ أَوْ لِئَلَّا تَتَنَافَرَ الضَّمَائِرُ أَوْ يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ عَلَى بَانِي الْمَسْجِدِ .

     قَوْلُهُ  مِثْلَهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَنَى بِنَاءً مِثْلَهُ وَلَفْظُ الْمِثْلِ لَهُ اسْتِعْمَالَانِ أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَالْآخر الْمُطَابقَة كَقَوْلِه تَعَالَى أُمَم أمثالكم فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ أَبْنِيَةً مُتَعَدِّدَةً فَيَحْصُلُ جَوَابُ مَنِ اسْتَشْكَلَ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ أَبْنِيَةٍ مَثْلَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ ثَوَابَ الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ بِحُكْمِ الْعَدْلِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَضْلِ.

.
وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عشر أَمْثَالهَا فَفِيهِ بُعْدٌ وَكَذَا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَاحِدِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالزِّيَادَةَ حَاصِلَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ خَيْرٍ مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ أَنَّ جَزَاءَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنْ جِنْسِ الْبِنَاءِ لَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ حَاصِلٌ قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ضِيقِ الدُّنْيَا وَسِعَةِ الْجَنَّةِ إِذْ مَوْضِعُ شِبْرٍ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بِلَفْظِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَلِلطَّبَرانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِلَفْظِ أَوْسَعَ مِنْهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوتِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  فِي الْجَنَّةِ يَتَعَلَّقُ بِبَنَى أَوْ هُوَ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِ فَاعِلِ ذَلِكَ الْجَنَّةَ إِذِ الْمَقْصُودُ بِالْبِنَاءِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهُ وَهُوَ لَا يسكنهُ إِلَّا بعد الدُّخُول وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ يَأْخُذُ أَيِ الشَّخْصُ بِنُصُولٍ) جَمْعُ نَصْلٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى نِصَالٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَالنَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا لَامٌ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إِذَا مَرَّ مَحْذُوفٌ وَيُفَسِّرُهُ .

     قَوْلُهُ  يَأْخُذُ أَوِ التَّقْدِيرُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَعَهُ نَبْلٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ إِلَخْ وسُفْيَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَاد هُوَ بن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَةُ فِي هَذَا السِّيَاقِ جَوَابَ عَمْرٍو عَنِ اسْتِفْهَامِ سُفْيَانَ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَحُكِيَ عَنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ فَقَالَ نَعَمْ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ قُتَيْبَةَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفِتَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ مِثْلَهُ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَقَالَ نَعَمْ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا جَوَابٍ لَكِنَّ سِيَاقَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ تَحَقُّقَ الِاتِّصَالِ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ سُفْيَانَ أَيْضًا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ بَأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا فَأَمَرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا كَيْ لَا تَخْدِشَ مُسْلِمًا وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْمُصَنِّفِوَنَحْوُهُ تَنْبِيهٌ كَانَ بِنَاءُ عُثْمَانَ لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَنَةَ ثَلَاثِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنِ الْحَارِث بن مِسْكين عَن بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ بُنْيَانِ عُثْمَانَ الْمَسْجِدَ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُنْجَزُ فَإِنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قُتِلَ عُثْمَانُ قَالَ مَالِكٌ فَكَانَ كَذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ تَارِيخَ ابْتِدَائِهِ وَالثَّانِي تَارِيخَ انْتِهَائِهِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ بَنَى مَسْجِدًا التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلشُّيُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَزَادَ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُثْمَانَ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَة أَيْضا عِنْد بن حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَعِنْدَ أبي مُسلم الْكَجِّي من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أنس وبن عُمَرَ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيث أبي بكر الصّديق وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ وَحَمَلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاةُ عَنْهُ لِتَضَعَ فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُدَ عَلَيْهِ لَا يَكْفِي مِقْدَارُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ جَابِرٍ هَذِهِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ هَذَا الْقَدْرَ أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَتَقَعُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَهُوَ مَا يَسَعُ الْجَبْهَةَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَكِنَّ قَوْلَهُ بَنَى يُشْعِرُ بِوُجُودِ بِنَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا أَخْرَجَهُ سَمُّوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ الله أخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَكُلُّ ذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَكَانُ الْمُتَّخَذُ لَا مَوْضِعُ السُّجُودِ فَقَطْ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ الْآخَرِ مَجَازًا إِذْ بِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الْمَسَاجِدِ فِي طُرُقِ الْمُسَافِرِينَ يُحَوِّطُونَهَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ وَبَعْضُهَا لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدَرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْو حَدِيثِ عُثْمَانَ وَزَادَ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الطُّرُقِ قَالَ نَعَمْ وَلِلطَّبَرانِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِرْصَافَةَ وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ أَيْ شَيْخَهُ عَاصِمًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَيْ يَطْلُبُ بِهِ رِضَا اللَّهِ وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِخْلَاصُ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ أَرَهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى حَدِيثَ عُثْمَانَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ لَفْظُهُمْ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا فَكَأَنَّ بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنى المُرَاد وَهُوَ الْإِخْلَاص فَائِدَة قَالَ بن الْجَوْزِيِّ مَنْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيهِ كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْإِخْلَاصِ انْتَهَى وَمَنْ بَنَاهُ بِالْأُجْرَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْوَعْدُ الْمَخْصُوصُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ وَإِنْ كَانَ يُؤَجَّرُ فِي الْجُمْلَة وروى أَصْحَاب السّنَن وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ وَالرَّامِيَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ فَ.

     قَوْلُهُ  الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ أَيْ مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِعَانَةَ الْمُجَاهِدِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ أَوْ بِأُجْرَةٍ لَكِنَّ الْإِخْلَاصَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنَ الْمُتَطَوِّعِ وَهَلْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ لِمَنْ جَعَلَ بُقْعَةً مِنَ الْأَرْضِ مَسْجِدًا بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِتَحْوِيطِهَا مِنْ غَيْرِ بَنَاءٍ وَكَذَا مَنْ عَمَدَ إِلَى بِنَاءٍ كَانَ يَمْلِكُهُ فَوَقَفَهُ مَسْجِدًا إِنْ وَقَفْنَا مَعَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَعْنَى فَنَعَمْ وَهُوَ الْمُتَّجِهُ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  بَنَى حَقِيقَةً فِي الْمُبَاشرَة بشرطهالَكِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي دُخُولَ الْآمِرِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُنْطَبِقُ عَلَى اسْتِدْلَالِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  بَنَى اللَّهُ إِسْنَادُ الْبِنَاءِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ وَإِبْرَازُ الْفَاعِلِ فِيهِ لِتَعْظِيمِ ذِكْرِهِ جَلَّ اسْمُهُ أَوْ لِئَلَّا تَتَنَافَرَ الضَّمَائِرُ أَوْ يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ عَلَى بَانِي الْمَسْجِدِ .

     قَوْلُهُ  مِثْلَهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَنَى بِنَاءً مِثْلَهُ وَلَفْظُ الْمِثْلِ لَهُ اسْتِعْمَالَانِ أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَالْآخر الْمُطَابقَة كَقَوْلِه تَعَالَى أُمَم أمثالكم فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ أَبْنِيَةً مُتَعَدِّدَةً فَيَحْصُلُ جَوَابُ مَنِ اسْتَشْكَلَ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ أَبْنِيَةٍ مَثْلَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ ثَوَابَ الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ بِحُكْمِ الْعَدْلِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَضْلِ.

.
وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عشر أَمْثَالهَا فَفِيهِ بُعْدٌ وَكَذَا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَاحِدِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالزِّيَادَةَ حَاصِلَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ خَيْرٍ مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ أَنَّ جَزَاءَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنْ جِنْسِ الْبِنَاءِ لَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ حَاصِلٌ قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ضِيقِ الدُّنْيَا وَسِعَةِ الْجَنَّةِ إِذْ مَوْضِعُ شِبْرٍ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بِلَفْظِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَلِلطَّبَرانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِلَفْظِ أَوْسَعَ مِنْهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوتِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  فِي الْجَنَّةِ يَتَعَلَّقُ بِبَنَى أَوْ هُوَ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِ فَاعِلِ ذَلِكَ الْجَنَّةَ إِذِ الْمَقْصُودُ بِالْبِنَاءِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهُ وَهُوَ لَا يسكنهُ إِلَّا بعد الدُّخُول وَالله أعلم ( قَولُهُ بَابُ يَأْخُذُ أَيِ الشَّخْصُ بِنُصُولٍ) جَمْعُ نَصْلٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى نِصَالٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَالنَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا لَامٌ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إِذَا مَرَّ مَحْذُوفٌ وَيُفَسِّرُهُ .

     قَوْلُهُ  يَأْخُذُ أَوِ التَّقْدِيرُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَعَهُ نَبْلٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ إِلَخْ وسُفْيَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَاد هُوَ بن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَةُ فِي هَذَا السِّيَاقِ جَوَابَ عَمْرٍو عَنِ اسْتِفْهَامِ سُفْيَانَ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَحُكِيَ عَنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ فَقَالَ نَعَمْ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ قُتَيْبَةَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفِتَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ مِثْلَهُ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَقَالَ نَعَمْ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا جَوَابٍ لَكِنَّ سِيَاقَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ تَحَقُّقَ الِاتِّصَالِ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ سُفْيَانَ أَيْضًا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو وَلَفْظُهُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ بَأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا فَأَمَرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا كَيْ لَا تَخْدِشَ مُسْلِمًا وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [450] حدثنا يحيى بن سليمان: ثنا وهب: أخبرني عمرو، أن بكيرا حدثه، أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه، أنه سمع عبيد الله الخولاني، أنه سمع عثمان بن عفان يقول - عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنكم أكثرتم، وإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ((من بنى مسجدا)) - قال بكير: حسبته أنه قال: ((يبتغى به وجه الله)) - بنى الله له مثله في الجنة)) .
لما أراد عثمان - رضي الله عنه - هدم مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعادة بنائه على وجه أحسن من بنائه الأول كره الناس لذلك لما فيه من تغير بناء المسجد عن هيئة بنيانه في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن عمر لما بناه أعاد بناءه على ما كان عليه في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما وسعه وزاد فيه، فلهذا أكثر الناس القول على عثمان.
وخرج مسلم من حيث محمود بن لبيد، أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد، فكره الناس ذلك، فأحبوا أن يدعه على هيئته، فقال: سمعترسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ((من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله)) .
وقد اتفق صاحبا ((الصحيحين)) على تخريج حديث عثمان من رواية عبيد الله الخولاني عنه؛ لاتصال إسناده، وتصريح رواته بالسماع.
وتفرد مسلم بتخريج حديث محمود بن لبيد عن عثمان.
وخرجه الترمذي وصححه، وقال: محمود بن لبيد أدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
يشير بذلك إلى أنه لا يستنكر من عثمان؛ فإن له رؤية من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف ينكر أن يروي عن عثمان؟ وقد اختلف فِي صحبة محمود بن لبيد، وقد أنكر ابن المديني حَدِيْث محمود بن لبيد، عَن عُثْمَان، وقال: في إسناده بعض الشيء، ومحمود بن لبيد أدرك عثمان.
ومسلم ومن وافقه يكتفون في اتصال الإسناد بإمكان اللقى، وغيرهم يعتبر ثبوت اللقى.
وقد ذكر الهيثم بن كليب في ((مسنده)) عن صالح بن محمد الحافظ، أنه قال: لا احسب محمود بن لبيد سمع من عثمان شيئا.
وخرجه ابن جرير الطبري من رواية محمود بن لبيد، عن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وليس ذكر: ((أبان)) في إسناده بمحفوظ.
وقد ذكرنا في الباب الماضي من غير وجه، عن عثمان، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره أن يوسع في المسجد، وضمن له بيتا في الجنة؛ فلهذا - والله أعلم - ادخل عثمان هدم المسجد وتجديد بنيانه على وجه هو أتقن من البيان الأول مع التوسعة فيه في قوله: ((من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة)) .
وهذا يرجع إلى قاعدة الجزاء على العمل من جنسه، كما أن من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منه عضوا منها من النار، ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الاخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الآخرة، والراحمون يرحمهم الرحمن.
ومثل هذا كثير، فمن بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله في الدنيا بنى الله له في الجنة بيتا.
وأما قوله: ((مثله)) ، فليس المراد أنه على قدره، ولا على صفته في بنيانه، ولكن المراد - والله أعلم - أنه يوسع بنيانه بحسب توسعته، ويحكم بنيانه بحسب إحكامه، لا من جهة الزخرفة ويكمل انتفاعه بما يبنى له فيالجنة بحسب كمال انتفاع الناس بما بناه لهم في الدنيا، ويشرف على سائر بنيان الجنة كما تشرف المساجد في الدنيا على سائر البنيان، وإن كان لا نسبة لما في الدنيا إلى ما في الآخرة، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع)) .
وقد دل على ما قلناه: ما خرجه الإمام أحمد من حديث أسماء بنت يزيد، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((من بنى لله مسجدا في الدنيا فإن الله عز وجل يبني له بيتا أوسع منه في الجنة)) .
وخرجه بمعناه من حديث حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومن حديث واثلة بن الاسقع، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((من بنى مسجدا يصلى فيه بنى الله له في الجنة أفضل منه)) .
وخرج البزار والطبراني من حديث أبي هريرة - مرفوعا - ((من بنى لله بيتا يعبد الله فيه من حلال بنى الله له بيتا في الجنة من در وياقوت)) .
وقيل: أن الصحيح وقفه على أبي هريرة.
وأما اللفظة التي شك فيها بكير بن الاشج، وهي قوله: ((يبتغي به وجه الله)) ، فهذا الشرط لا بد منه، ولكن قد يستفاد من قوله: ((من بنى مسجدا لله)) أنه أريد به: من بنى مسجدا خالصا لله.
وقد روى المثنى بن الصباح؛ عن عطاء، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتا في الجنة)) .
خرجه الطبراني.
والمثنى، فيه ضعف.
وبكل حال؛ فالإخلاص شرط لحصول الثواب في جميع الأعمال؛ فإن الأعمال بالنيات، وإنما لا مريء ما نوى، وبناء المساجد من جملة الأعمال، فإن كان الباعث على عمله ابتغاء وجه الله حصل له هذا الأجر، وإن كان الباعث عليه الرياء والسمعة أو المباهاة فصاحبه متعرض لمقت الله وعقابه، كسائر من عمل شيئا من إعمال البريريد به الدنيا كمن صلى يرائي، أو حج يرائي، أو تصدق يرائي.
ولكن روى عن قتادة، أنه قال: كل بناء رياء فهو على صاحبه لا له، ألا من بنى المساجد رياء فهو لا عليه ولا له.
خرجه ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عنه.
وهذا فيه نظر، ولو كان النفع المتعدي يمنع من عقاب المرائي به لما عوقب العالم والمجاهد والمتصدق للرياء وهم أول من تسعر به النار يوم القيامة.
وأما من بنى المساجد من غير رياء ولا سمعة، ولم يستحضر فيه نية الإخلاص، فهل يثاب على ذلك، أم لا؟ فيه قولان للسلف.
وقد روى عن الحسن البصري وابن سيرين، أنه يثاب على إعمال البر والمعروف بغير نية، لما من النفع المتعدي.
وقد سبق ذكر ذلك في أواخر ((كتاب الإيمان)) .
والله أعلم.
وبناء المساجد المحتاج إليها مستحب، وعده بعض أصحابنا من فروض الكفايات، ومراده: أنه لا يجوز أن يخلي مصر أو قرية يسكنها المسلمون من بناء مسجد فيها.
ويدل لهذا: مما روى موسى بن إسماعيل، عن عبد العزيز بن زياد أبي حمزة الحبطي، عن أبي شداد - رجل من أهل دما -، قال: جاءنا كتاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قطعة ادم: ((من محمد النبي إلى أهل عمان، سلام: أما بعد؛ فأقروا بشهادة أن لا اله إلا الله، وأني رسول الله، وأدوا الزكاة، وخطوا المساجد كذا وكذا، والا غزوتكم)) .
خرجه البزار والطبراني.
وخرجه أبو القاسم البغوي في ((معجمه)) - مختصرا -، وعنده: عبد العزيز بن نزار الحبطي.
وقد سماه ابن أبي حاتم: عبد العزيز بن زياد الحبطي.
وسماه البخاري: في ((تاريخه)) : عبد العزيز بن شداد.
وكانه وهم، ولا يعرف بغير هذا الحديث.
66 - باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  قَوْله بَاب من بني مَسْجِدا)
أَي مَاله من الْفضل

[ قــ :441 ... غــ :450] قَوْله أَخْبرنِي عَمْرو هُوَ بن الْحَارِث وَبُكَيْر بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْأَسْوَدِ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ بُكَيْرٌ وَعَاصِمٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ مِصْرِيُّونَ وَثَلَاثَةٌ مِنْ آخِرِهِ مَدَنِيُّونَ وَفِي وَسَطِهِ مَدَنِيُّ سَكَنَ مِصْرَ وَهُوَ بُكَيْرٌ فَانْقَسَمَ الْإِسْنَادُ إِلَى مِصْرِيٍّ وَمَدَنِيِّ .

     قَوْلُهُ  عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ وَقْعَ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ قَالَ لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ كَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعُوهُ عَلَى هَيْئَتِهِ أَيْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ حِينَ بَنَى أَيْ حِينِ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ.

     وَقَالَ  الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَعَلَّ الَّذِي كَرِهَ الصَّحَابَةُ مِنْ عُثْمَانَ بِنَاؤُهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ لَا مُجَرَّدُ تَوْسِيعِهِ انْتَهَى وَلَمْ يَبْنِ عُثْمَانُ الْمَسْجِدَ إِنْشَاءً وَإِنَّمَا وَسَّعَهُ وَشَيَّدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ إِطْلَاقُ الْبِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَدَّدَ كَمَا يُطْلَقُ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ هُنَا بَعْضُ الْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ .

     قَوْلُهُ  مَسْجِدُ الرَّسُولِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ حُذِفَ الْمَفْعُولُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَالْمُرَادُ الْكَلَامُ بِالْإِنْكَارِ وَنَحْوُهُ تَنْبِيهٌ كَانَ بِنَاءُ عُثْمَانَ لِلْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ سَنَةَ ثَلَاثِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ فِي آخِرِ سَنَةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ فَفِي كِتَابِ السِّيَرِ عَنِ الْحَارِث بن مِسْكين عَن بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ بُنْيَانِ عُثْمَانَ الْمَسْجِدَ لَوَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يُنْجَزُ فَإِنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ قُتِلَ عُثْمَانُ قَالَ مَالِكٌ فَكَانَ كَذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ تَارِيخَ ابْتِدَائِهِ وَالثَّانِي تَارِيخَ انْتِهَائِهِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ بَنَى مَسْجِدًا التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلشُّيُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَزَادَ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُثْمَانَ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَة أَيْضا عِنْد بن حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَعِنْدَ أبي مُسلم الْكَجِّي من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أنس وبن عُمَرَ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيث أبي بكر الصّديق وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ وَحَمَلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ الْقَطَاةُ عَنْهُ لِتَضَعَ فِيهِ بَيْضَهَا وَتَرْقُدَ عَلَيْهِ لَا يَكْفِي مِقْدَارُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ جَابِرٍ هَذِهِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ هَذَا الْقَدْرَ أَوْ يَشْتَرِكُ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فَتَقَعُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَهُوَ مَا يَسَعُ الْجَبْهَةَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَكِنَّ قَوْلَهُ بَنَى يُشْعِرُ بِوُجُودِ بِنَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا أَخْرَجَهُ سَمُّوَيْهِ فِي فَوَائِدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ الله أخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَكُلُّ ذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَكَانُ الْمُتَّخَذُ لَا مَوْضِعُ السُّجُودِ فَقَطْ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ إِرَادَةُ الْآخَرِ مَجَازًا إِذْ بِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مِنَ الْمَسَاجِدِ فِي طُرُقِ الْمُسَافِرِينَ يُحَوِّطُونَهَا إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ وَبَعْضُهَا لَا تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدَرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْو حَدِيثِ عُثْمَانَ وَزَادَ.

.

قُلْتُ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الطُّرُقِ قَالَ نَعَمْ وَلِلطَّبَرانِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِرْصَافَةَ وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ أَيْ شَيْخَهُ عَاصِمًا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَيْ يَطْلُبُ بِهِ رِضَا اللَّهِ وَالْمَعْنَى بِذَلِكَ الْإِخْلَاصُ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَجْزِمْ بِهَا بُكَيْرٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ أَرَهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ هَكَذَا وَكَأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِهَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى حَدِيثَ عُثْمَانَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ لَفْظُهُمْ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا فَكَأَنَّ بُكَيْرًا نَسِيَهَا فَذَكَرَهَا بِالْمَعْنَى مُتَرَدِّدًا فِي اللَّفْظِ الَّذِي ظَنَّهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنى المُرَاد وَهُوَ الْإِخْلَاص فَائِدَة قَالَ بن الْجَوْزِيِّ مَنْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيهِ كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْإِخْلَاصِ انْتَهَى وَمَنْ بَنَاهُ بِالْأُجْرَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْوَعْدُ الْمَخْصُوصُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ وَإِنْ كَانَ يُؤَجَّرُ فِي الْجُمْلَة وروى أَصْحَاب السّنَن وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ وَالرَّامِيَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ فَ.

     قَوْلُهُ  الْمُحْتَسِبَ فِي صَنْعَتِهِ أَيْ مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ إِعَانَةَ الْمُجَاهِدِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ أَوْ بِأُجْرَةٍ لَكِنَّ الْإِخْلَاصَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنَ الْمُتَطَوِّعِ وَهَلْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ لِمَنْ جَعَلَ بُقْعَةً مِنَ الْأَرْضِ مَسْجِدًا بِأَنْ يَكْتَفِيَ بِتَحْوِيطِهَا مِنْ غَيْرِ بَنَاءٍ وَكَذَا مَنْ عَمَدَ إِلَى بِنَاءٍ كَانَ يَمْلِكُهُ فَوَقَفَهُ مَسْجِدًا إِنْ وَقَفْنَا مَعَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَا وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَعْنَى فَنَعَمْ وَهُوَ الْمُتَّجِهُ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  بَنَى حَقِيقَةً فِي الْمُبَاشرَة بشرطها لَكِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي دُخُولَ الْآمِرِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُنْطَبِقُ عَلَى اسْتِدْلَالِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  بَنَى اللَّهُ إِسْنَادُ الْبِنَاءِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ وَإِبْرَازُ الْفَاعِلِ فِيهِ لِتَعْظِيمِ ذِكْرِهِ جَلَّ اسْمُهُ أَوْ لِئَلَّا تَتَنَافَرَ الضَّمَائِرُ أَوْ يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ عَلَى بَانِي الْمَسْجِدِ .

     قَوْلُهُ  مِثْلَهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَنَى بِنَاءً مِثْلَهُ وَلَفْظُ الْمِثْلِ لَهُ اسْتِعْمَالَانِ أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَالْآخر الْمُطَابقَة كَقَوْلِه تَعَالَى أُمَم أمثالكم فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ أَبْنِيَةً مُتَعَدِّدَةً فَيَحْصُلُ جَوَابُ مَنِ اسْتَشْكَلَ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ أَبْنِيَةٍ مَثْلَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ ثَوَابَ الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ بِحُكْمِ الْعَدْلِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْفَضْلِ.

.
وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عشر أَمْثَالهَا فَفِيهِ بُعْدٌ وَكَذَا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَاحِدِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ هُنَا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالزِّيَادَةَ حَاصِلَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ خَيْرٍ مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ أَنَّ جَزَاءَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنْ جِنْسِ الْبِنَاءِ لَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ حَاصِلٌ قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ضِيقِ الدُّنْيَا وَسِعَةِ الْجَنَّةِ إِذْ مَوْضِعُ شِبْرٍ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بِلَفْظِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَلِلطَّبَرانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِلَفْظِ أَوْسَعَ مِنْهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوتِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  فِي الْجَنَّةِ يَتَعَلَّقُ بِبَنَى أَوْ هُوَ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِ فَاعِلِ ذَلِكَ الْجَنَّةَ إِذِ الْمَقْصُودُ بِالْبِنَاءِ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهُ وَهُوَ لَا يسكنهُ إِلَّا بعد الدُّخُول وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
من بنى مسجدا
[ قــ :441 ... غــ :450 ]
- حدثنا يحيى بن سليمان: ثنا وهب: أخبرني عمرو، أن بكيرا حدثه، أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه، أنه سمع عبيد الله الخولاني، أنه سمع عثمان بن عفان يقول - عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنكم أكثرتم، وإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ((من بنى مسجدا)) - قال بكير: حسبته أنه قال:
((يبتغى به وجه الله)) - بنى الله له مثله في الجنة)) .

لما أراد عثمان - رضي الله عنه - هدم مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعادة بنائه على وجه أحسن من بنائه الأول كره الناس لذلك لما فيه من تغير بناء المسجد عن هيئة بنيانه في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن عمر لما بناه أعاد بناءه على ما كان عليه في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما وسعه وزاد فيه، فلهذا أكثر الناس القول على عثمان.

وخرج مسلم من حيث محمود بن لبيد، أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد، فكره الناس ذلك، فأحبوا أن يدعه على هيئته، فقال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:
((من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله)) .

وقد اتفق صاحبا ((الصحيحين)) على تخريج حديث عثمان من رواية عبيد الله الخولاني عنه؛ لاتصال إسناده، وتصريح رواته بالسماع.

وتفرد مسلم بتخريج حديث محمود بن لبيد عن عثمان.

وخرجه الترمذي وصححه، وقال: محمود بن لبيد أدرك النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

يشير بذلك إلى أنه لا يستنكر من عثمان؛ فإن له رؤية من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف ينكر أن يروي عن عثمان؟
وقد اختلف فِي صحبة محمود بن لبيد، وقد أنكر ابن المديني حَدِيْث محمود بن لبيد، عَن عُثْمَان، وقال: في إسناده بعض الشيء، ومحمود بن لبيد أدرك عثمان.

ومسلم ومن وافقه يكتفون في اتصال الإسناد بإمكان اللقى، وغيرهم يعتبر ثبوت اللقى.

وقد ذكر الهيثم بن كليب في ((مسنده)) عن صالح بن محمد الحافظ، أنه قال: لا احسب محمود بن لبيد سمع من عثمان شيئا.
وخرجه ابن جرير الطبري من رواية محمود بن لبيد، عن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وليس ذكر: ((أبان)) في إسناده بمحفوظ.

وقد ذكرنا في الباب الماضي من غير وجه، عن عثمان، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره أن يوسع في المسجد، وضمن له بيتا في الجنة؛ فلهذا - والله أعلم - ادخل عثمان هدم المسجد وتجديد بنيانه على وجه هو أتقن من البيان الأول مع التوسعة فيه في قوله: ((من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة)) .

وهذا يرجع إلى قاعدة الجزاء على العمل من جنسه، كما أن من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منه عضوا منها من النار، ومن نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الاخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الآخرة، والراحمون يرحمهم الرحمن.

ومثل هذا كثير، فمن بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله في الدنيا بنى الله له في الجنة بيتا.

وأما قوله: ((مثله)) ، فليس المراد أنه على قدره، ولا على صفته في بنيانه، ولكن المراد - والله أعلم - أنه يوسع بنيانه بحسب توسعته، ويحكم بنيانه بحسب إحكامه، لا من جهة الزخرفة ويكمل انتفاعه بما يبنى له في الجنة بحسب كمال انتفاع الناس بما بناه لهم في الدنيا، ويشرف على سائر بنيان الجنة كما تشرف المساجد في الدنيا على سائر البنيان، وإن كان لا نسبة لما في الدنيا إلى ما في الآخرة، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع)) .

وقد دل على ما قلناه: ما خرجه الإمام أحمد من حديث أسماء بنت يزيد، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((من بنى لله مسجدا في الدنيا فإن الله عز وجل يبني له بيتا أوسع منه في الجنة)) .

وخرجه بمعناه من حديث حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ومن حديث واثلة بن الاسقع، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((من بنى مسجدا يصلى فيه بنى الله له في الجنة أفضل منه)) .

وخرج البزار والطبراني من حديث أبي هريرة - مرفوعا - ((من بنى لله بيتا يعبد الله فيه من حلال بنى الله له بيتا في الجنة من در وياقوت)) .
وقيل: أن الصحيح وقفه على أبي هريرة.

وأما اللفظة التي شك فيها بكير بن الاشج، وهي قوله: ((يبتغي به وجه الله)) ، فهذا الشرط لا بد منه، ولكن قد يستفاد من قوله: ((من بنى مسجدا لله)) أنه أريد به: من بنى مسجدا خالصا لله.

وقد روى المثنى بن الصباح؛ عن عطاء، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((من بنى مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتا في الجنة)) .

خرجه الطبراني.

والمثنى، فيه ضعف.

وبكل حال؛ فالإخلاص شرط لحصول الثواب في جميع الأعمال؛ فإن الأعمال بالنيات، وإنما لا مريء ما نوى، وبناء المساجد من جملة الأعمال، فإن كان الباعث على عمله ابتغاء وجه الله حصل له هذا الأجر، وإن كان الباعث عليه الرياء والسمعة أو المباهاة فصاحبه متعرض لمقت الله وعقابه، كسائر من عمل شيئا من إعمال البر يريد به الدنيا كمن صلى يرائي، أو حج يرائي، أو تصدق يرائي.

ولكن روى عن قتادة، أنه قال: كل بناء رياء فهو على صاحبه لا له، ألا من بنى المساجد رياء فهو لا عليه ولا له.

خرجه ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عنه.

وهذا فيه نظر، ولو كان النفع المتعدي يمنع من عقاب المرائي به لما عوقب العالم والمجاهد والمتصدق للرياء وهم أول من تسعر به النار يوم القيامة.

وأما من بنى المساجد من غير رياء ولا سمعة، ولم يستحضر فيه نية الإخلاص، فهل يثاب على ذلك، أم لا؟ فيه قولان للسلف.

وقد روى عن الحسن البصري وابن سيرين، أنه يثاب على إعمال البر والمعروف بغير نية، لما من النفع المتعدي.

وقد سبق ذكر ذلك في أواخر ((كتاب الإيمان)) .
والله أعلم.

وبناء المساجد المحتاج إليها مستحب، وعده بعض أصحابنا من فروض الكفايات، ومراده: أنه لا يجوز أن يخلي مصر أو قرية يسكنها المسلمون من بناء مسجد فيها.
ويدل لهذا: مما روى موسى بن إسماعيل، عن عبد العزيز بن زياد أبي حمزة الحبطي، عن أبي شداد - رجل من أهل دما -، قال: جاءنا كتاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قطعة ادم: ((من محمد النبي إلى أهل عمان، سلام: أما بعد؛ فأقروا بشهادة أن لا اله إلا
الله، وأني رسول الله، وأدوا الزكاة، وخطوا المساجد كذا وكذا، والا غزوتكم)) .

خرجه البزار والطبراني.

وخرجه أبو القاسم البغوي في ((معجمه)) - مختصرا -، وعنده: عبد العزيز بن نزار الحبطي.

وقد سماه ابن أبي حاتم: عبد العزيز بن زياد الحبطي.
وسماه البخاري: في ((تاريخه)) : عبد العزيز بن شداد.

وكانه وهم، ولا يعرف بغير هذا الحديث.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا

[ قــ :441 ... غــ : 450 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ -عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ».


( باب) بيان فضل ( من بنى مسجدًا) وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن سليمان) بضم السين وفتح اللام الجعفي ( قال: حدّثني) بالإفراد ولابن عساكر حدّثنا ( ابن وهب) عبد الله قال ( أخبرني) بالإفراد ( عمرو) بفتح العين ابن الحرث الملقب بدرة الغراص ( أن بكيرًا) بضم الموحدة بالتصغير وهو ابن عبيد الله بن الأشج مدني سكن البصرة ( حدّثه) وللأصيلي أخبره ( أن عاصم بن عمر) بضم العين وفتح الميم ( بن قتادة) الأنصاري، المتوفى بالمدينة سنة عشرين ومائة ( حدّثه أنه سمع عبيد الله) بتصغير العبد ابن الأسود ( الخولاني) بفتح الخاء المعجمة ربيب أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها ( أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه) حال كونه ( يقول عند قول الناس فيه) أي إنكارهم عليه ( حين بنى) أي أراد أن يبني ( مسجد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحجارة المنقوشة والقصة، ويجعل عمده من الحجارة ويسقفه بالساج، وكان ذلك سنة ثلاثين على المشهور ولم يبن المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيّده.

( إنكم أكثرتم) أي الكلام في الإنكار على ما فعلته ( وإني سمعت النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( يقول: من بنى) حقيقةً أو مجازًا ( مسجدًا) كبيرًا كان أو صغيرًا، ولابن خزيمة كمفحص قطاة أو أصغر ومفحصها بفتح الميم والحاء المهملة كمقعد هو مجثمها لتضع فيه بيضها وترقد عليه كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه، والفحص البحث والكشف.

ولا ريب أنه لا يكفي مقداره للصلاة فيه فهو محمول على المبالغة لأن الشارع يضرب المثل في الشيء لما لا يكاد يقع كقوله: اسمعوا وأطيعوا ولو عبدًا حبشيًا، وقد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الأئمة من قريش " أو هو على ظاهره بأن يزيد في المسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة فى بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر، أو المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما
يسع الجبهة فأطلق عليه البناء مجازًا، لكن الحمل على الحقيقة أولى، وخصّ القطاة بهذا لأنها لا تبيض على شجرة ولا على رأس جبل، بل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطير، فلذلك شبّه به المسجد ولأنها توصف بالصدق، فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي خالص العبودية الاندماج في طيّ الأحكام من غير شُهرة ولا إرادة، وهذا شأن هذا الطائر.
وقيل: لأن أفحوصها يشبه محراب المسجد في استدارته وتكوينه.

( قال بكير) المذكور ( حسبت أنه) أي شيخه عاصمًا ( قال) بالإسناد السابق: ( يبتغي به) أي ببناء المسجد ( وجه الله) عز وجل أي ذاته تعالى طلبًا لمرضاته تعالى لا رياء ولا سمعة، ومن كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدًا من الإخلاص قاله ابن الجوزي، وجملة يبتغي في موضع الحال من ضمير بنى إن كان من لفظ النبي، وإنما لم يجزم بكير بهذه الزيادة لأنه نسيها فذكرها بالمعنى مترددًا في اللفظ الذي ظنه، والجملة اعتراض بين الشرط وهو قوله من بنى، وجوابه وهو قوله: ( بنى الله) عز وجل ( له) مجازًا بناء ( مثله) في مسمى البيت حال كونه ( في الجنة) لكنه في السعة أفضل مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وروى الإمام أحمد بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا "من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا أوسع منه".
أو المراد بالجزاء أبنية متعددة أي بنى الله له عشرة أبنية مثله إذ الحسنة بعشر أمثالها، والأصل أن جزاء الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل.

ورواة هذا الحديث السبعة ثلاثة مصريون بالميم وثلاثة مدنيون والرابع بينهما مدني سكن مصر وهو بكير، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار به والسماع وثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم والترمذي.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ مَنْ بَنَى مَسْجِداً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان فضل من بنى مَسْجِدا.


[ قــ :441 ... غــ :450]
- ( حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان حَدثنِي ابْن وهب أَخْبرنِي عَمْرو أَن بكيرا حَدثهُ أَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة حَدثهُ أَنه سمع عبيد الله الْخَولَانِيّ أَنه سمع عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ يَقُول عِنْد قَول النَّاس فِيهِ حِين بنى مَسْجِد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّكُم أَكثرْتُم وَإِنِّي سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول من بنى مَسْجِدا قَالَ بكير حسبت أَنه قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله بنى الله لَهُ مثله فِي الْجنَّة) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الْبابُُ فِي بَيَان فضل من بنى الْمَسْجِد ( ذكر رِجَاله) وهم سَبْعَة.
الأول يحيى بن سُلَيْمَان الْجعْفِيّ مر فِي بابُُ كِتَابَة الْعلم.
الثَّانِي عبد الله بن وهب وَقد مر أَيْضا غير مرّة.
الثَّالِث عَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن الْحَارِث الملقب بدرة الغواص مر فِي بابُُ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
الرَّابِع بكير مصغر مخفف ابْن عبد الله الْأَشَج الْمدنِي خرج قَدِيما إِلَى مصر فَنزل بهَا.
الْخَامِس عَاصِم بن عمر بِضَم الْعين الأوسي الْأنْصَارِيّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة عشْرين وَمِائَة.
السَّادِس عبيد الله بتصغير العَبْد ابْن الْأسود الْخَولَانِيّ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون ربيب مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
السَّابِع عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ( ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْأَفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد وهم بكير وَعَاصِم وَعبد الله وَفِيه ثَلَاثَة من أول الْإِسْنَاد مصريون وَثَلَاثَة من آخِره مدنيون وَفِي وَسطه مدنِي سكن مصر وَهُوَ بكير ( ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وَأحمد بن عِيسَى عَن ابْن وهب إِلَى آخِره وَأخرجه أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن اسحق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ وَعبد الْملك بن الصَّباح وَفِيه وَفِي آخر الْكتاب عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى كِلَاهُمَا عَن الضَّحَّاك بن مخلد ثَلَاثَتهمْ عَن عبد الحميد بن جَعْفَر عَن أَبِيه عَن مَحْمُود بن لبيد عَن عُثْمَان بن عَفَّان وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن بنْدَار عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ عَن عبد الحميد بن جَعْفَر عَن أَبِيه عَن مَحْمُود بن لبيد عَن عُثْمَان إِلَى آخِره.

     وَقَالَ  حَدِيث حسن صَحِيح وَأخرجه ابْن ماجة عَن بنْدَار عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ وَفِي الْبابُُ عَن أبي بكر وَعمر وَعلي وَعبد الله بن عَمْرو وَأنس وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَأم حَبِيبَة وَأبي ذَر وَعَمْرو بن عَنْبَسَة وواثلة بن الْأَسْقَع وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
( قلت) حَدِيث أبي بكر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْأَوْسَط من رِوَايَة وهب بن حَفْص عَن حبيب بن نوح عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مصرف عَن أَبِيه عَن مرّة الطّيب عَن أبي بكر الصّديق فَذكره ووهب بن حَفْص ضَعِيف وَفِي علل أبي حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ هُوَ مُنكر عَن أبي بكر الصّديق " من بنى مَسْجِدا لله وَلَو مثل مفحص قطاة ".
وَحَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرجه ابْن حبَان " من بني لله مَسْجِدا يذكر فِيهِ اسْم الله بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة ".
وَحَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد ابْن ماجة من حَدِيث عُرْوَة عَن عَليّ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من بنى مَسْجِدا لله بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " وَإِسْنَاده ضَعِيف.
وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو عِنْد أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده نَحوه وَزَاد " أوسع مِنْهُ " وروى أَحْمد أَيْضا نَحوه.
وَحَدِيث أنس عِنْد التِّرْمِذِيّ رَوَاهُ عَن قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا نوح بن قيس عَن عبد الرَّحْمَن مولى قيس عَن زِيَاد النميري عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من بنى لله مَسْجِدا صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " وَأخرجه أَيْضا أَبُو نعيم وَلَفظه " من بني مَسْجِدا لله فِي الدُّنْيَا يُرِيد بِهِ وَجه الله قَالُوا إِذا نكثر يَا رَسُول الله قَالَ الله أَكثر " وَفِي لفظ " كل بِنَاء وبال على صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا مَسْجِدا فَإِن لَهُ بِهِ قصرا فِي الْجنَّة من لُؤْلُؤ ".
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد أبي مُسلم الْكَجِّي مثله وَزَاد " وَلَو كمفحص قطاة ".
وَحَدِيث عَائِشَة عِنْد مُسَدّد فِي مُسْنده الْكَبِير عَن أبي دَاوُد عَن كثير بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان عَن عَطاء عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة قلت يَا رَسُول الله وَهَذِه الْمَسَاجِد الَّتِي فِي طَرِيق مَكَّة قَالَ وَتلك ".
وَحَدِيث أم حَبِيبَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط.
وَحَدِيث أبي ذَر عِنْد الْبَزَّار.
وَحَدِيث عَمْرو بن عَنْبَسَة عِنْد النَّسَائِيّ.
وَحَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير " من بني مَسْجِدا يصلى فِيهِ بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أفضل مِنْهُ ".
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَعند الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان " من بني بَيْتا يعبد الله فِيهِ حَلَالا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة من الدّرّ والياقوت " وَحَدِيث جَابر عِنْد ابْن خُزَيْمَة " من حفر مَاء لم يشرب مِنْهُ كبد حَيّ من جن وَلَا إنس وَلَا طَائِر إِلَّا آجره الله يَوْم الْقِيَامَة وَمن بنى مَسْجِدا كمفحص قطاة أَو أَصْغَر بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " ( قلت) وَفِي الْبابُُ عَن أبي قرصافة ونبيط بن شريط وَعمر بن مَالك وَأَسْمَاء بنت يزِيد ومعاذ وَأبي أُمَامَة وَعبد الله بن أبي أوفى وَأبي مُوسَى وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فَحَدِيث أبي قرصافة واسْمه جندرة بن خيشنة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " ابْنُوا الْمَسَاجِد وأخرجوا القمامة مِنْهَا فَمن بنى " فَذكره وَزَاد " قَالَ رجل يَا رَسُول الله وَهَذِه الْمَسَاجِد الَّتِي تبنى فِي الطَّرِيق قَالَ نعم وَإِخْرَاج القمامة مِنْهَا مُهُور حور الْعين " وَفِي إِسْنَاده جَهَالَة.
وَحَدِيث نبيط عِنْده أَيْضا فِي الصَّغِير.
وَحَدِيث عمر بن مَالك عِنْد أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة وَلَفظه " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة ".
وَحَدِيث أَسمَاء بنت يزِيد عِنْد الطَّبَرَانِيّ نَحوه وَرَوَاهُ أَبُو نعيم وَلَفظه " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أوسع مِنْهُ " وَحَدِيث معَاذ عِنْد أبي الْفرج فِي كتاب الْعِلَل " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " وَمن علق فِيهِ قِنْدِيلًا صلى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك حَتَّى يطفى ذَلِك الْقنْدِيل وَمن بسط فِيهِ حَصِيرا صلى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك حَتَّى يتقطع ذَلِك الْحَصِير وَمن أخرجه مِنْهُ قذاة كَانَ لَهُ كفلان من الْأجر " وَفِيه كَلَام كثير.
وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد أبي نعيم " لَا يَبْنِي أحد مَسْجِدا لله إِلَّا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أوسع مِنْهُ ".
وَحَدِيث عبد الله بن أبي أوفى أخرجه الْحَافِظ عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي فِي جُزْء جمعه.
وَحَدِيث أبي مُوسَى كَذَلِك.
وَحَدِيث عبد الله بن عمر عِنْد الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة الحكم بن ظهير وَهُوَ مَتْرُوك عَن ابْن أبي ليلى عَن نَافِع عَن ابْن عمر فَذكره وَزَاد فِيهِ الطَّبَرَانِيّ " وَلَو كمفحص قطاة " فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ صحابيا ( ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " يَقُول " جملَة وَقعت حَالا عَن عُثْمَان قَوْله " عِنْد قَول النَّاس فِيهِ " أَي فِي عُثْمَان وَذَلِكَ أَن بَعضهم أنكر عَلَيْهِ عِنْد تَغْيِيره بِنَاء الْمَسْجِد وَجعله بِالْحِجَارَةِ المنقوشة والقصة وَوَقع بَيَان ذَلِك عِنْد مُسلم حَيْثُ أخرجه من طَرِيق مَحْمُود بن لبيد الْأنْصَارِيّ وَهُوَ من صغَار الصَّحَابَة قَالَ " لما أَرَادَ عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِنَاء الْمَسْجِد كره النَّاس ذَلِك وأحبوا أَن يَدعُوهُ على هَيئته " أَي فِي عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " حِين بنى " أَي حِين أَرَادَ عُثْمَان أَن يَبْنِي وَلم يبن عُثْمَان إنْشَاء وَإِنَّمَا وَسعه وشيده وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بابُُ بُنيان الْمَسْجِد.

     وَقَالَ  بَعضهم فَيُؤْخَذ مِنْهُ إِطْلَاق الْبناء فِي حق من جدد كَمَا يُطلق فِي حق من أنشأ أَو المُرَاد بِالْمَسْجِدِ هَهُنَا بعض الْمَسْجِد من إِطْلَاق الْكل على الْبَعْض ( قلت) ذكر هَذَا الْقَائِل شَيْئَيْنِ الأول مُسْتَغْنى عَنهُ فَلَا حَاجَة إِلَى ذكره وَالثَّانِي لَا يَصح لِأَنَّهُ ذكر فِي بابُُ بُنيان الْمَسْجِد حَدِيث عبد الله بن عمر وَفِيه " ثمَّ غَيره عُثْمَان فَزَاد فِيهِ زِيَادَة كَثِيرَة وَبنى جِدَاره بحجارة منقوشة والقصة وَجعل عمده من حِجَارَة منقوشة وسقفه بالساج " انْتهى فَهَذَا يدل على أَنه غير الْكل وَزَاد فِيهِ يَعْنِي فِي الطول وَالْعرض وَكَانَ الْمَسْجِد مَبْنِيا بِاللَّبنِ وسقفه بِالْجَرِيدِ وعمده خشب النّخل وبناه عُثْمَان بِالْحِجَارَةِ وَجعل عمده بِالْحِجَارَةِ وسقفه بالساج فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل أَو المُرَاد بِالْمَسْجِدِ هُنَا بعض الْمَسْجِد فَهَذَا كَلَام من لم يتَأَمَّل ويتصرف من غير وَجه قَوْله " مَسْجِد الرَّسُول " كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي " مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَوْله " إِنَّكُم أَكثرْتُم " مقولة لقَوْله يَقُول ومفعوله مَحْذُوف للْعلم بِهِ وَالتَّقْدِير أَنكُمْ أَكثرْتُم الْكَلَام فِي الْإِنْكَار على فعلى قَوْله " من بنى مَسْجِدا " التَّنْوِين فِيهِ للشيوع فَيتَنَاوَل من بنى مَسْجِدا كَبِيرا أَو صَغِيرا يدل عَلَيْهِ حَدِيث أنس الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ على مَا ذَكرْنَاهُ وروى ابْن أبي شيبَة حَدِيث الْبابُُ عَن عُثْمَان من وَجه آخر وَزَاد فِيهِ " وَلَو كمفحص قطاة " وَفِي حَدِيث جَابر " كمفحص قطاة أَو أَصْغَر " وللعلماء فِي تَوْجِيه هَذَا قَولَانِ فَقَالَ أَكْثَرهم هَذَا مَحْمُول على الْمُبَالغَة لِأَن الْمَكَان الَّذِي تفحص القطاة عَنهُ لتَضَع فِيهِ بيضها وترقد عَلَيْهِ لَا يَكْفِي مِقْدَار للصَّلَاة فِيهِ وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث جَابر الَّذِي ذَكرْنَاهُ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ هُوَ على ظَاهره فَالْمَعْنى على هَذَا أَن يزِيد فِي مَسْجِد قدرا يحْتَاج إِلَيْهِ تكون تِلْكَ الزِّيَادَة على هَذَا الْقدر أَو يشْتَرك جمَاعَة فِي بِنَاء مَسْجِد فَتَقَع حِصَّة كل وَاحِد مِنْهُم ذَلِك الْقدر قيل هَذَا كُله بِنَاء على أَن المُرَاد من الْمَسْجِد مَا يتَبَادَر إِلَيْهِ الذِّهْن وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يتَّخذ للصَّلَاة فِيهِ فَإِن كَانَ المُرَاد بِالْمَسْجِدِ مَوضِع السُّجُود وَهُوَ مَا يسع الْجِهَة فَلَا يحْتَاج إِلَى شَيْء مِمَّا ذكر ( قلت) قَوْله " من بنى " يَقْتَضِي وجود بِنَاء على الْحَقِيقَة فَيحمل على الْمَسْجِد الْمَعْهُود بَين النَّاس وَيُؤَيّد ذَلِك حَدِيث أم حَبِيبَة " من بني لله بَيْتا " وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب وَحَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَيْضا " من بنى لله مَسْجِدا يذكر فِيهِ اسْم الله " وكل ذَلِك يدل على أَن المُرَاد بِالْمَسْجِدِ هُوَ الْمَكَان الْمُتَّخذ لَا مَوضِع السُّجُود فَقَط وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْفرْقَة الأولى وَلَكِن لَا يمْنَع إِرَادَة مَوضِع السُّجُود مجَازًا فَيدْخل فِيهِ الْمَوَاضِع المحوطة إِلَى جِهَة الْقبْلَة وفيهَا هَيْئَة الْمِحْرَاب فِي طرقات الْمُسَافِرين وَالْحَال أَنَّهَا لَيست كالمساجد المبنية بالجدران والسقوف وَرُبمَا يَجْعَل مِنْهَا مَوضِع فِي غَايَة الصغر يدل عَلَيْهِ حَدِيث أبي قرصافة الَّذِي ذَكرْنَاهُ قَوْله " قَالَ بكير حسبت أَنه " أَي أَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَهُوَ شَيْخه الَّذِي روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث قَالَ فِي رِوَايَته " يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله " وَهَذِه الْجُمْلَة مدرجة مُعْتَرضَة وَقعت فِي الْبَين وَلم يجْزم بهَا بكير فَلذَلِك ذكرهَا بالحسبان وَلَيْسَت هَذِه الْجُمْلَة فِي رِوَايَة جَمِيع من روى هَذَا الحَدِيث فَإِن لَفظهمْ فِيهِ " من بني لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ مثله فِي الْجنَّة " فَكَأَن بكير أنسى لَفْظَة الله فَذكرهَا بِالْمَعْنَى فَإِن معنى قَوْله " لله " يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله لاشْتِرَاكهمَا فِي الْمَعْنى الْمَقْصُود وَهُوَ الْإِخْلَاص ثمَّ إِن لَفْظَة يَبْتَغِي بِهِ على تَقْدِير ثُبُوتهَا فِي كَلَام الرَّسُول تكون حَالا من فَاعل بنى وَالْمرَاد بِوَجْه الله ذَات الله وابتغاء وَجه الله فِي الْعَمَل هُوَ الْإِخْلَاص وَهُوَ أَن تكون نِيَّته فِي ذَلِك طلب مرضاة الله تَعَالَى من دون رِيَاء وَسُمْعَة حَتَّى قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ من كتب اسْمه على الْمَسْجِد الَّذِي يبنيه كَانَ بَعيدا من الْإِخْلَاص ( فَإِن قلت) فعلى هَذَا لَا يحصل الْوَعْد الْمَخْصُوص لمن يبنيه بِالْأُجْرَةِ لعدم الْإِخْلَاص ( قلت) الظَّاهِر هَذَا وَلكنه يُؤجر فِي الْجُمْلَة يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم من حَدِيث عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا " أَن الله يدْخل بِالسَّهْمِ الْوَاحِد ثَلَاثَة الْجنَّة صانعه الْمُحْتَسب فِي صَنعته والرامي بِهِ والممد بِهِ " فَقَوله " الْمُحْتَسب فِي صَنعته " هُوَ من يقْصد بذلك إِعَانَة الْمُجَاهِد وَهُوَ أَعم من أَن يكون مُتَطَوعا بذلك أَو بِأُجْرَة لَكِن الْإِخْلَاص لَا يكون إِلَّا من المتطوع ( فَإِن قلت) قَوْله " من بنى " حَقِيقَته أَن يُبَاشر الْبناء بِنَفسِهِ ليحصل لَهُ الْوَعْد الْمَخْصُوص فَلَا يدْخل فِيهِ الْأَمر بذلك ( قلت) يتَنَاوَل الْأَمر أَيْضا بنيته " والأعمال بِالنِّيَّاتِ " ( فَإِن قلت) يلْزم من ذَلِك الْجمع بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَهُوَ مُمْتَنع ( قلت) لَا امْتنَاع فِيهِ عِنْد الشَّافِعِي وَأما عِنْد غَيره فبعموم الْمجَاز وَهُوَ أَن يحمل الْكَلَام على معنى مجازي يتَنَاوَل الْحَقِيقَة وَهَذَا يُسمى عُمُوم الْمجَاز وَلَا نزاع فِي جَوَاز اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي معنى مجازي يكون الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ من أَفْرَاده كاستعمال الدَّابَّة عرفا فِيمَا يدب على الأَرْض وَمِثَال ذَلِك فِيمَن أوصى لأبناء زيد مثلا وَله أَبنَاء وَأَبْنَاء أَبنَاء يسْتَحق الْجَمِيع عِنْد أبي يُوسُف وَمُحَمّد عملا بِعُمُوم الْمجَاز حَيْثُ يُطلق الْأَبْنَاء على الْفَرِيقَيْنِ قَوْله " بنى الله لَهُ " إِسْنَاد الْبناء إِلَى الله مجَازًا اتِّفَاقًا قطعا ( فَإِن قلت) إِظْهَار الْفَاعِل فِيهِ لماذا ( قلت) لِأَن فِي تكْرَار اسْمه تَعْظِيمًا وتلذذا للذاكر قَالَ الشَّاعِر
( أعد ذكر نعْمَان لنا أَن ذكره ... هُوَ الْمسك مَا كررته يتضوع)
وَقَالَ بَعضهم لِئَلَّا تتنافر الضمائر أَو يتَوَهَّم عوده على باني الْمَسْجِد ( قلت) كلا الْوَجْهَيْنِ غير صَحِيح أما الأول فَلِأَن التنافر إِنَّمَا يكون إِذا كَانَت الضمائر كَثِيرَة وَأما الثَّانِي فَمَمْنُوع قطعا للقرينة الحالية والمقالية قَوْله " مثله " مَنْصُوب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي بِنَاء مثله والمثل فِي اللُّغَة الشّبَه يُقَال هَذَا الشَّيْء مثل هَذَا أَي شبهه قَالَ الْجَوْهَرِي مثل كلمة تَسْوِيَة يُقَال هَذَا مثله وَمثله كَمَا تَقول شبهه وَشبهه وَعند أهل الْمَعْقُول الْمُمَاثلَة بَين الشَّيْئَيْنِ هُوَ الِاتِّحَاد فِي النَّوْع كاتحاد زيد وَعَمْرو فِي الإنسانية وَإِذا كَانَ فِي الْجِنْس يُسمى مجانسة كاتحاد الْإِنْسَان مَعَ الْفرس فِي الحيوانية وَقد اخْتلفُوا فِي المُرَاد بالمثلية هَهُنَا فَقَالَ قوم مِنْهُم ابْن الْعَرَبِيّ يَعْنِي مثله فِي الْمِقْدَار والمساحة ( قلت) يرد هَذَا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو " بَيْتا أوسع مِنْهُ " وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث أَسمَاء وَأبي أُمَامَة على مَا ذَكرنَاهَا.

     وَقَالَ  قوم مثله فِي الْجَوْدَة والحصانة وَطول الْبَقَاء ( قلت) هَذَا لَيْسَ بِشَيْء على مَا لَا يخفى مَعَ أَنه ورد فِي حَدِيث وَاثِلَة عِنْد أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ " بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة أفضل مِنْهُ ".

     وَقَالَ  صَاحب الْمُفْهم هَذِه المثلية لَيست على ظَاهرهَا وَإِنَّمَا يعْنى أَنه يَبْنِي لَهُ بثوابه بَيْتا أشرف وَأعظم وَأَرْفَع.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ يحْتَمل قَوْله " مثله " أَمريْن أَحدهمَا أَن يكون مَعْنَاهُ بنى الله لَهُ مثله فِي مُسَمّى الْبَيْت وَأما صفته فِي السعَة وَغَيرهَا فمعلوم فَضلهَا فَإِنَّهَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وَالثَّانِي أَن مَعْنَاهُ أَن فَضله على بيُوت الْجنَّة كفضل الْمَسْجِد على بيُوت الدُّنْيَا ( قلت) الْوَجْه الثَّانِي لَا يَخْلُو عَن بعد.

     وَقَالَ  بعض شرَّاح التِّرْمِذِيّ وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ أَن يُنَبه بقوله " مثله " على الحض على الْمُبَالغَة فِي إِرَادَة الِانْتِفَاع بِهِ فِي الدُّنْيَا فِي كَونه ينفع الْمُصَلِّين ويكنهم عَن الْحر وَالْبرد وَيكون فِي مَكَان يحْتَاج إِلَيْهِ وَيكثر الِانْتِفَاع بِهِ ليقابل الِانْتِفَاع بِهِ فِي الدُّنْيَا انتفاعه هُوَ بِمَا يبْنى لَهُ فِي الْجنَّة..
     وَقَالَ  صَاحب الْمُفْهم وَهَذَا الْبَيْت وَالله أعلم مثل بَيت خَدِيجَة الَّذِي بشرت بِهِ بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب يُرِيد من قصب الزمرد والياقوت ( قلت) قد ذكرنَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة من عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان " بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة من در وَيَاقُوت " ( فَإِن قلت) قَالَ الله تَعَالَى { من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} فَمَا معنى التَّقْيِيد بِمثلِهِ ( قلت) أجابوا عَن هَذَا بأجوبة.
الأول مَا قَالَه بَعضهم أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَه قبل نزُول هَذِه الْآيَة ( قلت) هَذَا بعيد وَلَا يعلم ذَلِك إِلَّا بالتاريخ.
الثَّانِي أَن المثلية إِنَّمَا هِيَ بِحَسب الكمية وَالزِّيَادَة بِحَسب الْكَيْفِيَّة ( قلت) المثلية بِحَسب الكمية تسمى مُسَاوَاة كاتحاد مِقْدَار مَعَ آخر فِي الْقدر وَفِي الْكَيْفِيَّة تسمى مشابهة.
الثَّالِث أَن التَّقْيِيد بِهِ لَا يَنْفِي الزِّيَادَة واستبعده بَعضهم وَلَيْسَ بِبَعِيد.
الرَّابِع أَن الْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان الْمُمَاثلَة فِي أَن أَجزَاء هَذِه الْحَسَنَة من جنس الْعَمَل لَا من غَيره وَعِنْدِي جَوَاب فتح لي بِهِ من الْأَنْوَار الالهية وَهُوَ أَن المجازاة بِالْمثلِ عدل مِنْهُ وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ بِحَسب الْكَيْفِيَّة والكمية فضل مِنْهُ قَوْله " فِي الْجنَّة " قَالَ بَعضهم هُوَ مُتَعَلق ببنى أَو هُوَ حَال من قَوْله مثله ( قلت) لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلق بِمَحْذُوف وَقع صفة لمثله وَالتَّقْدِير بنى الله لَهُ مثله كَائِنا فِي الْجنَّة وَكَيف يكون حَالا من مثله وَشرط الْحَال أَن يكون من معرفَة كَمَا عرف فِي مَوْضِعه وَلَفظ مثل لَا يتعرف وَإِن أضيف