هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
456 وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، قَالَا : أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، ح ، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
456 وحدثنا يحيى بن يحيى ، ومحمد بن رمح ، قالا : أخبرنا الليث ، ح ، وحدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبال في الماء الراكد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Jabir reported:

The Messenger of Allah (ﷺ) forbade to urinate in stagnant water.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبال في الماء الراكد.


المعنى العام

كانت العرب في بداوتهم لا يحافظون على نظافة مائهم، فترقى بهم الإسلام إلى أعلى درجات المحافظة على النظافة، نهاهم أولا عن البول في الماء الراكد، ثم نهاهم عن الاغتسال في الماء الذي لا يجري، نهاهم عن الانغماس في الآبار والمستنقعات لرفع جنابتهم، لأنهم بذلك يفسدون نقاوة الماء، وإقبال النفوس عليه، ويحولون النفس الأبية عن استعماله في الوضوء أو الشرب، أو طهي الطعام، روى أبو هريرة في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وسمعه السائب مولى هشام بن زهرة فقال: فكيف يفعل يا أبا هريرة من يريد الاغتسال وهو جنب؟ وليس أمامه سوى ماء دائم قليل؟ أجاب أبو هريرة بما يحفظ للماء الباقي نقاوته ونظافته، فقال: يتناوله بإناء صغير ويغترف منه ويصب على نفسه، بعيدا عن مجمع الماء وحوضه، فإن لم يجد إناء، فليغسل كفيه، ثم يغترف بهما.

المباحث العربية

( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه) الرواية الصحيحة ثم يغتسل بالرفع، تنبيها على المانع، أي لا يبل فيه وهو يحتاجه للاغتسال منه وأجاز بعضهم الجزم عطفا على محل يبولن وليس بشيء، لأنه يكون الاغتسال منهيا عنه.
وليس المعنى عليه، أما النصب فلا يجوز بحال، لأنه يكون بإجراء ثم مجرى الواو، في النصب بعدها بإضمار أن وهو يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما، دون إفراد أحدهما، وهذا لم يقله أحد، بل البول فيه منهي عنه، سواء أراد الاغتسال فيه، أو منه، أم لا.

( هذا ما حدثنا أبو هريرة) مفعول حدثنا محذوف، وهو الرابط، والتقدير: حدثنا إياه.

( لا تبل في الماء الدائم الذي لا يجري) الدائم هو الراكد، وقوله الذي لا يجري تفسير للدائم وإيضاح لمعناه، قال النووي: ويحتمل أنه احترز به راكد لا يجري بعضه كالبرك ونحوها.

( لا يغتسل أحدكم) يغتسل بالجزم على أن لا ناهية، وبالرفع على أنها نافية والنفي أبلغ في النهي، لما فيه من ادعاء الاستجابة، وأنه امتثل وأصبح يخبر عنه.

( في الماء الدائم) أي الساكن، قال الحافظ ابن حجر: يقال: دوم الطائر تدويما إذا صف جناحيه في الهواء، فلم يحركهما.

( وهو جنب) جملة حالية من فاعل لا يغتسل.

( كيف يفعل يا أبا هريرة؟) استفهام حقيقي عن كيفية الاغتسال إذا كان الماء دائما.
والمستفهم السائب الراوي عن أبي هريرة.

( يتناوله تناولا) أي يغترف منه، ويصب على نفسه، فيصير مغتسلا من الماء، وليس مغتسلا في الماء.

فقه الحديث

موضوع هذه الأحاديث نقطتان:

الأولى: حكم البول في الماء الراكد وأضراره.

الثانية: حكم الماء القليل المستعمل في رفع حدث.

أولا: حكم البول في الماء الراكد، وأضراره: أما البول في الماء الراكد فإن الحديث الأول من مجموعتنا يقول عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الراكد ويقول الحديث الثاني لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه ويقول الحديث الثالث لا تبل في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم تغتسل منه.

ولا يخفى أن للماء أحوالا أربعة:

1- فقد يكون كثيرا جاريا، كماء النهر، أو ماء القناة الكبيرة [والمراد من الكثرة ما فوق القلتين وبالقليل ما دونهما] وهذه الحالة غير داخلة في منطوق أحاديثنا، لكن مفهومها يفيد أنه لا يحرم البول فيه، وإن كان الأولى اجتنابه، لأنه وإن لم ينجسه فإنه يجعل النفس تشمئز منه.

2- وقد يكون قليلا جاريا، كماء القناة الضيفة القصيرة [والقلة باعتبار مجموع مائها من أصل الجري إلى منتهاه، وقيل: من محل سقوط النجاسة إلى منتهى الجري] وهذه الحالة غير داخلة في منطوق أحاديثنا كذلك، ومفهومها يفيد أنه لا يحرم البول فيه، لكن المختار أنه يحرم، لأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره.

3- وقد يكون كثيرا راكدا، كماء البرك، والأحواض الكبيرة، وخزانات المياه، وهذه الحالة داخلة في منطوق أحاديثنا، ويشملها النهي عن البول فيه، وإن كان هذا الماء لا ينجس بالبول فيه، وعلى ذلك قال بعضهم: يكره لضعف الضرر المترتب عليه، والمختار عند المحققين أنه يحرم، لأن النهي يقتضي التحريم عند الأكثرين من أهل الأصول، وفيه من المعنى أنه يقذره، وربما أدى إلى تنجيسه بتكرار البول فيه.

4- وقد يكون قليلا راكدا، كماء حوض صغير، أو منخفض قليل، والجمهور على أن هذه الحالة هي المقصودة بالأحاديث، والصواب المختار أن البول فيه حرام، لأنه ينجسه ويتلف ماليته، ويغر غيره باستعماله.

قال العلماء: والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء.
قال النووي: ولم يخالف في هذا أحد من العلماء، إلا ما حكي عن داود بن علي الظاهري من أن النهي مختص ببول الإنسان بنفسه، وأن الغائط ليس كالبول، وكذا إذا بال في إناء، ثم صبه في الماء، قال: وهذا الذي ذهب إليه خلاف إجماع العلماء، وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر.
اهـ.

وقال العلماء كذلك: يكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه لعموم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء، أما إذا غلب وصوله إلى الماء، أو وصول الماء عليه فإنه يأخذ حكم البول فيه، وتطبق عليه الأحوال الأربع السابقة.

ثانيا: وأما انغماس من لم يستنج في الماء، ليستنجي فيه، فإن كان كثيرا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه وكان جاريا كالنهر، فلا بأس، وإن كان راكدا فالظاهر الكراهة.
وأما إن كان قليلا، بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء.
قاله النووي في شرح مسلم.
والله أعلم.

منهم من يقول: إنه نجس، فالنهي في لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب للتحريم، والعلة ما يسببه هذا الاغتسال من تنجيسه.

ومنهم من يقول: إنه طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، فالنهي للتحريم أيضا، والعلة ما يسببه هذا الاغتسال من صيرورته غير صالح لتطهير غيره.

ومنهم من يقول: إنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، فالنهي للكراهة، والعلة ما يسببه هذا الاغتسال من الاستقذار.

ولنعرض لهذه المذاهب وأدلتها بشيء من التفصيل.

فأبو يوسف، وأبو حنيفة في روايتين عنه على أنه نجس، وإحدى الروايتين تقول بالنجاسة المخففة، والأخرى بالنجاسة المغلظة.

واحتج لهما بقوله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي داود في سننه لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه، ولا يغتسل فيه من الجنابة قالوا: فهذا الحديث جمع بين البول والاغتسال، والبول ينجس الماء، فكذا الاغتسال.
ورد هذا الاستدلال بأن دلالة الاقتران ضعيفة، لا يلزم اشتراك القرينين في الحكم، فقد قال تعالى: { { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } } [الأنعام: 141] فقد قرن الأكل والإيتاء، ولم يشتركا في الحكم، إذ الأكل مباح، والإيتاء واجب، ثم إن هذا الحديث رواه البخاري ومسلم بلفظ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه، [روايتنا الثانية] فهو نهي عن الاغتسال في الماء الدائم الذي حصل فيه البول، وفي روايتنا الرابعة لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وليس فيها الاقتران بين البول والاغتسال.
فهاتان الروايتان خلاف رواية أبي داود، وروايتهما رواية الحافظ عن أبي هريرة.

قالوا: إنه نجس لأنه أدى به فرض طهارة فكان نجسا، كالمزال به نجاسة.

ورد بأنه قياس مع الفارق لأن المزال به نجاسة إنما حكمنا بنجاسته لملاقاته محلا نجسا فانتقلت إليه النجاسة، بخلاف الماء المستعمل، فإنه لاقى طاهرا، فمن أين تأتيه النجاسة؟

وعلل نجاسته بعضهم بأنه ماء الذنوب، فيجب إبعاده، محتجا بما جاء في مسلم إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب.

ورد هذا الاستدلال بما ثبت في البخاري من الأحاديث الدالة على أنهم كانوا يقتتلون على وضوء النبي صلى الله عليه وسلم يشربون منه، فلو كان يجب إبعاده لم يتبرك به ولم يشرب، ثم إن خروج الذنوب مع الماء لا ينجس الماء، فلم يقل أحد إن الماء ينجس بالذنوب إلا على سبيل المجاز.

وضعف هذا الرأي بأدلة أخرى، ساقها القائلون بأنه طاهر في نفسه، وهم الشافعية والمالكية والحنابلة وجمهور السلف والخلف ورواية عن أبي حنيفة، من هذه الأدلة:

أنه ماء طاهر، لاقى محلا طاهرا، فكان طاهرا، كما لو غسل به ثوب طاهر.

ومنها ما قاله ابن المنذر من إجماع أهل العلم على أن البلل الباقي على أعضاء المتوضئ، وما قطر منه على ثيابه طاهر، وقد ثبت بلا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضي الله عنهم- كانوا يتوضئون، ويتقاطر الماء على ثيابهم، ولا يغسلونها.

ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يعوداني، فوجداني قد أغمى علي، فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم، وصب علي من وضوئه فإن قيل: خصوصية قلنا: إن الأصل أن حكمه وحكم أمته واحد، إلى أن يقوم دليل يقضي بالاختصاص، ولا دليل.

ومنها: أن الأصل في الماء الطهارة، والحكم بكونه نجسا حكم شرعي يحتاج إلى دليل لا يتطرق إليه الاحتمال، ولا دليل.

ومنها: أنه يلزمهم أن يقولوا بتحريم شربه، وهو لا يقولون به.

واختلف القائلون بطهارة الماء المستعمل، هل تجوز به الطهارة أو لا؟

فذهب أحمد، والليث، والأوزاعي، والشافعي، ومالك في إحدى الروايتين عنهما وأبو حنيفة في رواية عنه إلى أن الماء المستعمل غير مطهر، قال النووي في أحكام فروع هذا المذهب: إن كان قلتين فصاعدا لم يصر الماء مستعملا، ولو اغتسل فيه جماعات في أوقات متكررات، وأما إذا كان دون القلتين، فإن انغمس فيه الجنب بغير نية، ثم لما صار تحت الماء نوى ارتفعت جنابته، وصار الماء مستعملا، وإن نزل فيه إلى ركبتيه مثلا ثم نوى، قبل انغماس باقيه صار الماء في الحال مستعملا بالنسبة إلى غيره، وارتفعت الجنابة عن ذلك القدر المنغمس، بلا خلاف، وارتفعت أيضا عن القدر الباقي إذا تمم انغماسه، على المذهب الصحيح، لأن الماء إنما يصير مستعملا بالنسبة إلى المتطهر إذا انفصل عنه، أما لو انفصل، ثم عاد إليه، لم يجزئه ما يغسله به بعد ذلك بلا خلاف، ولو انغمس رجلان تحت الماء الناقص عن قلتين، ثم نويا دفعة واحدة ارتفعت جنابتهما، وصار الماء مستعملا، فإن نوى أحدهما قبل الآخر ارتفعت جنابة الناوي، وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى رفيقه، فلا ترتفع جنابته على المذهب الصحيح، وقال في شرح المهذب: والماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر لا يصلح لرفع الحدث الأصغر وبالعكس، وفي جواز استعماله في إزالة النجاسة خلاف، والمذهب أنه لا يجوز.
ولو جمع المستعمل، حتى صار قلتين فالأصح زوال حكم الاستعمال، ولو استعمل في نفل الطهارة، كتجديد الوضوء فالصحيح أنه ليس بمستعمل، ويجرى هذا في جميع أنواع نفل الطهارة، كغسل الجمعة، وسائر الأغسال المسنونة، وماء المضمضة والاستنشاق والغسلة الثانية والثالثة.
واتفقوا على أن المستعمل في الغسلة الرابعة ليس بمستعمل، لأنها ليست بنفل.
اهـ.

وهذه التفريعات مبنية على القول بأن الماء المستعمل غير مطهر، وقد استدل أصحاب هذا القول بأن النهي عن الاغتسال في الماء الدائم يخرجه عن كونه أهلا للتطهير، لأن النهي ههنا عن مجرد الغسل، فدل على وقوع المفسدة بمجرده، والوضوء كالغسل في هذا الحكم لأن المقصود التنزه عن التقرب إلى الله بالمتقذرات.

وأجيب عن هذا الاستدلال بأن علة النهي ليست صيرورته مستعملا، بل صيرورته خبيثا بتوارد الاستعمال، فيستقذر.
ولو سلم فالدليل أخص من الدعوى، لأنه في المستعمل في الجنابة، والدعوى كل مستعمل.

كما استدلوا بما رواه أبو داود والترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ووجه الاستدلال أن المراد بفضل طهورها ما سقط عن أعضائها، لأن الباقي في الإناء مطهر باتفاق المنازعين.

ورد هذا الاستدلال بأن الدليل أخص من الدعوى، لأن الدعوى خروج كل مستعمل عن الطهورية، لا خصوص المستعمل في طهارة المرأة، على أن الحديث المذكور فيه مقال، وهو معارض بما أخرجه مسلم وأحمد من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة وبما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي بلفظ اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها، أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله، إني كنت جنبا.
فقال: إن الماء لا يجنب وطريق رفع المعارضة حمل النهي عن أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة على التنزيه.

كما استدلوا بأن السلف اختلفوا فيمن وجد من الماء بعض ما يكفيه لطهارته، هل يستعمله، ثم يتيمم للباقي، أم يتيمم ويتركه؟ ولم يقل أحد: يستعمله، ثم يجمعه، ثم يستعمله في بقية الأعضاء، ولو كان مطهرا لقالوه.

قال النووي: وأقرب شيء يحتج به أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضي الله عنهم- احتاجوا في مواطن في أسفارهم الكثيرة إلى الماء، ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى.

فإن قيل: تركوا الجمع، لأنه لا يتجمع منه شيء.
فالجواب أن هذا لا يسلم ولو سلم في الوضوء لم يسلم في الغسل.

فإن قيل: لا يلزم من عدم جمعه منع الطهارة به، ولهذا لم يجمعوه للشرب والطبخ والعجن والتبرد ونحوها مع جوازها به بالاتفاق، فالجواب أن ترك جمعه للشرب، ونحوه للاستقذار.
فإن النفوس تعافه في العادة وإن كان طاهرا، كما استقذر النبي صلى الله عليه وسلم الضب وتركه، فقيل: أحرام هو قال: لا ولكني أعافه.
اهـ.

ورد هذا الاحتجاج بتكميل السلف للطهارة بالتيمم، لا بما تساقط، وعدم استعمال السلف للماء المستعمل، رد بأنه لا يكون حجة إلا بعد تصحيح النقل عن جميعهم، ولا سبيل إلى ذلك، لأن القائلين بطهورية المستعمل كثير منهم كالحسن البصري، والنخعي ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة في إحدى الروايات عن ثلاثتهم، ونسبه ابن حزم إلى عطاء وسفيان الثوري وأبي ثور وجميع أهل الظاهر.

كما رد بأن سبب الترك -بعد تسليم صحته عن السلف- هو الاستقذار وليس زوال الطهورية، وهذا القول هو الذي تستريح إليه النفس، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، فمسح رأسه بفضل ماء في يده، وفي حديث آخر مسح رأسه ببل لحيته ولأنه ماء طاهر مطهر، لاقى طاهرا، فبقي مطهرا، كما لو غسل به ثوب طاهر، ولأن ما أدى به الفرض مرة لا يمتنع أن يؤدي به ثانيا، كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد وبتراب واحد، وكما يصلي في الثوب الواحد مرارا، ويؤدي بالوضوء الواحد فرائض متعددة، ولأنه لو لم تجز الطهارة بالمستعمل لامتنعت الطهارة أصلا، لأنه بمجرد حصول الماء على العضو يصير مستعملا، فإذا سال على باقي العضو ينبغي أن لا يرفع الحدث.

لكن المنازعين يقولون برفعه، ويوقفون عدم طهوريته على الانفصال، والانفصال لا يصلح أساسا لسلب الطهورية.
ثم إن طهورية الماء بالكتاب والسنة والإجماع، فلا يخرجه عنها إلا دليل صحيح صريح، وما ذكر من الأدلة على أنه غير طهور، ليست صالحة للاحتجاج بحكم الردود التي ذكرناها عليها.

ومع ذلك يكره اغتسال الجنب في الماء القليل الراكد، لما يترتب عليه من القذارة.
قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يكره الاغتسال في الماء الراكد، قليلا كان أو كثيرا، وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية.
قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في البويطي: أكره للجنب أن يغتسل في البئر، معينة كانت أو دائمة، وفي الماء الراكد الذي لا يجري.
قال الشافعي: وسواء قليل الراكد وكثيره أكره الاغتسال فيه.
هذا نصه، وكذا صرح أصحابنا وغيرهم بمعناه، وهذا كله على كراهة التنزيه، لا التحريم.
اهـ.

والله أعلم