هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
461 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، ح ، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، جَمِيعًا عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَذْكُرُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَبَالَ فِيهَا ، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
461 حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، ح ، وحدثنا يحيى بن يحيى ، وقتيبة بن سعيد ، جميعا عن الدراوردي ، قال يحيى بن يحيى : أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني ، عن يحيى بن سعيد ، أنه سمع أنس بن مالك ، يذكر أن أعرابيا قام إلى ناحية في المسجد فبال فيها ، فصاح به الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوه فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب فصب على بوله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أنس بن مالك أن أعرابيا قام إلى ناحية في المسجد.
فبال فيها.
فصاح به الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فلما فرغ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب فصب على بوله.


المعنى العام

انتشر الإسلام في البدو والحضر، وسطع نوره في المدينة وشعاب الصحاري، وغزا شغاف القلوب الهينة واللينة، والقلوب القاسية الجافية، كان الأعراب خلف أغنامهم يسمعون به فيؤمنون، وتبلغهم دعوته فيستجيبون، ثم ينتهزون فرصة قربهم من المدينة فينزلون إليها، ويقصدون مسجدها، لينعموا برؤية رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
ولتطمئن قلوبهم بمشافهة الحق، وسماع الوحي من نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الأعراب الجفاة ذو الخويصرة اليماني، دخل المسجد النبوي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه، فسلم، ثم صلى، ثم قال بصوته الجهوري: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد تحجرت واسعا، لقد ضيقت ساحة رحمة الله التي وسعت كل شيء، بل قل: اللهم ارحمني ومحمدا والمسلمين والمسلمات وجميع عبادك يا كريم.

ثم قام ذو الخويصرة: فانتحى ناحية من المسجد، والتجأ إلى زاوية من زواياه، ثم وقف يبول، ورآه الصحابة فثارت ثائرتهم، وصاحوا به.
مه.
مه.
اكفف.
اكفف.
به.
به.
توقف.
توقف.
وثاروا عليه، واتجهوا نحوه يزجرونه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالوا.
تعالوا.
دعوه دعوه.
لا تزرموه ولا تقطعوا عليه بوله.
دعوه فليكمل بوله.
قالوا: يا رسول الله.
إنها لكبيرة.
قال: إنما هو جاهل بالحكم، إنه لا يقصد إساءة المسجد، إنه لا يعرف النجاسة، إنه يظن المكان الذي هو فيه كبقية أماكن الصحراء إن هو بعد عن الناس تبول كيف شاء.
وقد بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، يسروا ولا تعسروا، وتحملوا أخف الضررين، تنجس المكان وانتهى الأمر، وقطع بوله سيحدث به تضررا، وسيلوث بدنه وثوبه وأماكن أخرى من المسجد، قالوا: فما العمل يا رسول الله؟ قال ائتوني بدلو كبير مملوء ماء، فجاءوا به فقال: صبوه على مكان بوله شيئا فشيئا، تطهر الأرض.
ففعلوا.
ثم دعا الرجل، وبمنتهى الرفق واللين قال له: إن هذه المساجد لا يليق بها البول والقذر، وقد خصصت لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن: قال: أحسنت يا رسول الله.
وجزاك الله خيرا بأبي أنت وأمي.
لن أعود لمثلها.

المباحث العربية

( أن أعرابيا بال في المسجد) الأعرابي واحد الأعراب، وهم من سكن البادية، عربا كانوا أو عجما، فالأعرابي مقابل الحضري، والعربي مقابل العجمي، قيل: إن الأعرابي المذكور هو ذو الخويصرة اليماني، وقيل: إنه الأقرع بن حابس، ولعل في عدم ذكر اسمه تسترا عليه، وفي وصفه بالأعرابي اعتذارا عن فعله، وأل في المسجد للعهد، والمراد المسجد النبوي، وفي الكلام مضاف محذوف، أي بال في ناحية المسجد وزاوية من زواياه، ففي الرواية الثانية فقام إلى ناحية في المسجد وفي رواية للبخاري فبال في طائفة المسجد.

( فقام إليه بعض القوم) في هذه الرواية حذف، أي فقام إليه بعض القوم يلومونه ففي الرواية الثانية فصاح به الناس وفي الثالثة فقالوا: مه.
مه وفي رواية للبخاري فتناوله الناس أي بالزجر واللوم.
وفي أخرى للبخاري فزجره الناس وللبخاري في الأدب فثار إليه الناس أي بألسنتهم، لا بأيديهم.

( دعوه ولا تزرموه) بضم التاء وسكون الزاي وكسر الراء، أي لا تقطعوا عليه بوله، يقال: أزرم الدم والدمع إذا انقطعا، وأزرمته أي قطعته.

( دعا بدلو من ماء) الدلو يذكر ويؤنث، واستعمل مذكرا وفي رواية لابن ماجه بسجل من ماء والسجل بفتح السين وسكون الجيم الدلو العظيمة.

( فصب عليه) الصب السكب، وفاعل الصب يعود على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لا باعتباره باشر الصب، بل باعتباره الآمر به، وضمير عليه يعود على البول على أرض المسجد، المفهوم من المقام، وضمير المفعول في فصبه يعود على الدلو، من إطلاق المحل وإرادة الحال، أو على الماء في قوله من ماء.

( أمر بذنوب فصب على بوله) الذنوب بفتح الذال وضم النون الدلو المملوءة ماء، وقال ابن فارس: الدلو العظيمة، وقال ابن السكيت: فيها ماء قريب من الملء، ولا يقال: لها وهي فارغة ذنوب، اهـ.
وقوله: فصب على بوله هكذا هو في الأصول، بحذف مفعول صب مع بنائه للمعلوم، والتقدير: فصبه، أي أمر بصب ما فيه.

( مه.
مه)
اسم فعل أمر مبني على السكون، بمعنى اكفف، فإن وصلت نونته، و مه الثاني تأكيد، كما تقول: صه.
صه.
وقال صاحب المطالع: هي كلمة زجر، قيل: أصلها ما هذا؟ ثم حذف تخفيفا، قال: وتقال مكررة: مه.
مه.
وتقال مفردة.
مه.
ومثله: به.
به.
وقال يعقوب: هي لتعظيم الأمر كبخ.
بخ.
وقد تنون مع الكسر، وينون الأول ويكسر الثاني بغير تنوين.
اهـ.

( فشنه عليه) قال النووي: يروى بالشين وبالسين، وهو في أكثر الأصول والروايات بالشين، ومعناه: صبه.
وفرق بعض العلماء بينهما، فقال: هو بالسين الصب في سهولة، وبالشين التفريق في صبه.
اهـ.
وقال ابن الأثير: هو بالسين الصب المتصل، وبالشين الصب المتقطع.

فقه الحديث

يتعرض الحديث للتطهير من النجاسة ولما كان الإمام مسلم لم يخرج من أحاديث تطهير النجاسات سوى هذا الحديث وأحاديث بول الصبي والمني والدم، الآتية قريبا كان من المناسب أن نعرض هنا إلى مذاهب العلماء في تطهير النجاسات.

والتعبير الدقيق أن تطلق على عين النجاسة وجرمها لفظ نجس وعلى ما أصابته من مائع أو جامد لفظ متنجس.

فالعين النجسة لا تطهر، إلا ما كان من جلود الميتة، على خلاف بين العلماء، أوجزه النووي في سبعة مذاهب:

أحدها: لا يطهر بالدباغ شيء من جلود الميتة.
وهو مروي عن عمر وابنه وعائشة، وهو أشهر الروايتين عن أحمد ورواية عن مالك.

ثانيها: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم دون غيره، وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي داود وإسحاق بن راهويه.

ثالثها: يطهر بالدباغ كل جلود الميتة إلا الكلب والخنزير، وما تولد من أحدهما وهو مذهب الشافعية، وحكوه عن علي وابن مسعود.

رابعها: يطهر بالدباغ كل الجلود إلا جلد الخنزير، وهو مذهب أبي حنيفة.

خامسها: يطهر بالدباغ جميع الجلود حتى الكلب والخنزير، إلا أنه يطهر ظاهره، دون باطنه، فيستعمل في اليابس دون الرطب، ويصلي عليه، لا فيه، وهو مذهب مالك فيما حكي عنه.

سادسها: يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة، والكلب والخنزير، ظاهرا وباطنا، قاله داود وأهل الظاهر، وحكاه الماوردي عن أبي يوسف.

سابعها: ينتفع بجلود الميتة بلا دباغ، ويجوز استعمالها في الرطب واليابس، حكي عن الزهري.

ولكل مذهب أدلته تطلب من مواضعها، ولهذه النقطة باب خاص في آخر كتاب الطهارة إن شاء الله تعالى.

أما ما كان من العين النجسة كالبول والعذرة، فإنه لا يطهر في ذاته، وكل ما نفعله إذا أصاب ثوبا أن نزيله ونحوله عنه، وإذا أصاب ماء أو مائعا أن يكثر الماء أو المائع عليه كثرة تضعف أو تخفي تأثيره، فيصلح الماء أو المائع للاستعمال.

وإزالة النجاسة لا تجوز إلا بالماء عند الشافعية والجمهور، وهو منقول عن مالك ومحمد بن الحسن وزفر وإسحق بن راهويه، وهو أصح الروايتين عن أحمد.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وداود: يجوز إزالة النجاسة من الثوب والبدن بكل مائع يسيل، إذا غسل به ثم عصر، كالخل وماء الورد، ولا يجوز بدهن أو مرق، ولو وقعت نجاسة في ماء فغيرت طعمه أو لونه أو ريحه فهو نجس بالإجماع، سواء كان الماء جاريا أو راكدا كثيرا أو قليلا، تغير تغيرا يسيرا أو فاحشا.

أما إذا لم يتغير الماء بالنجاسة ففيه مذاهب.

فالشافعية: يرون أنه إن كان الماء قلتين فأكثر لم ينجس، وإن كان دون القلتين نجس، والقلتان خمسمائة رطل، أو ما يقرب من خمس قرب.

والحنفية يرون أنه إن كان الماء بحيث لو حرك جانبه تحرك الجانب الآخر نجس، وإلا فلا.

والمالكية: والأوزاعي وسفيان الثوري وداود يرون أن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، إلا إذا تغير، قل الماء أو كثر، قال ابن المنذر: وبهذا المذهب أقول واختاره الغزالي في الإحياء، والروياني في كتابيه البحر والحلية.

ولو وقعت النجاسة في جامد، كالفأرة تموت في السمن، أخرجت وما حولها، وانتفع بالباقي.

والحديث الذي معنا في النجاسة تقع على الأرض، فالحنفية -كما ذكر العيني- يرون أنه إذا أصابت الأرض نجاسة رطبة كالبول، إن كانت الأرض رخوة صب عليها الماء حتى يتسفل فيها، وإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وتسفل الماء يحكم بطهارتها، وإن كانت الأرض صلبة فإن كانت صعودا، يحفر في أسفلها حفيرة، ويصب الماء عليها ثلاث مرات، ويتسفل إلى الحفيرة، ثم تكبس الحفيرة.

وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا يغسل لعدم الفائدة في الغسل، بل تحفر، وعن أبي حنيفة لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب.

ودليلهم على الحفر ما أخرجه الدارقطني عن أنس...فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احفروا مكانه، ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء وما أخرجه أبو داود عن عبد الله بن معقل بن مقرن خذوا ما بال عليه من التراب، فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء وما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن طاوس قال: بال أعرابي في المسجد فأرادوا أن يضربوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم احفروا مكانه، واطرحوا عليه دلوا من ماء، علموا، ويسروا ولا تعسروا.

قالوا: والقياس أيضا يقتضي هذا الحكم، لأن الغسالة نجسة، فلا تطهر الأرض ما لم تحفر، وينقل التراب.
قال العيني: فإن قلت: قد تركتم الحديث الصحيح، واستدللتم بالحديث الضعيف، قلت: قد عملنا بالصحيح فيما إذا كانت الأرض صلبة، وعملنا بالضعيف -على زعمكم لا على زعمنا- فيما إذا كانت الأرض رخوة، والعمل بالكل أولى من العمل بالبعض وإهمال البعض.
اهـ.

والظاهر أن العيني اشتبه عليه الأمر، فعكس القول، حيث إنه في الأول قرر أن الحفر في الأرض الصلبة، والصب في الأرض الرخوة، ومقتضاه أنهم عملوا بالصحيح صب الماء في الأرض الرخوة وعملوا بالضعيف الحفر في الأرض الصلبة.
عكس ما يقول.

وعلى كل فهي مغالطة مكشوفة، لأن الواقعة واحدة، والأرض التي بال عليها الأعرابي واحدة، [صلبة أو رخوة] فمن أين جاءوا بالحالة الثانية؟ فالحكم إما صب وإما حفر، إن قالوا: إن أرض المسجد كانت صلبة فقد عطلوا الحديث الصحيح، وإن قالوا: إنها كانت رخوة فقد عطلوا الأحاديث التي استدلوا بها فهم على أي حال لم يعملوا بالحديثين معا.
ثم إنه لماذا الأمر بصب الماء حيث أمر بإزالة ما بال عليه من التراب في الأحاديث التي استدلوا بها؟ ثم إن قولهم في القياس: لأن الغسالة نجسة غير مسلم، فإن الغسالة لا تعد نجسة إلا إذا انفصلت متغيرة.

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة، ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه.

2- وأنه كان مقررا عندهم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

3- وفيه إثبات نجاسة بول الآدمي، وهو مجمع عليه، ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يعتد به، لكن بول الصغير يكفي فيه النضح، قاله النووي.

4- وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها وهو مذهب الجمهور.

5- وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة عن الأرض المتنجسة، ولا يكفي الجفاف بالريح أو الشمس، لأنه لو كفى ذلك لما حصل التكليف بصب الماء وهو مذهب الشافعي ومالك والحنابلة وزفر، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: هما مطهران، لأنهما يحيلان الشيء.

6- وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة، فإذا لم يثبت أن التراب نقل، وعلمنا أن المقصود التطهير، تعين الحكم بطهارة البلة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها، لعدم الفارق.

7- واستدل به على عدم اشتراط نضوب الماء، لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف، وكذا لا يشترط عصر الثوب، إذا لا فارق.

8- واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص، قال ابن دقيق العيد: والذي يظهر أن التمسك يتحتم عند احتمال التخصيص عند المجتهد، ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك، لأن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم، من غير توقف على البحث عن التخصيص، ولهذه القصة لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة، ولم يقل لهم: لم نهيتم الأعرابي؟ بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة.

9- وفيه دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، لقوله صلى الله عليه وسلم دعوه قال العلماء: إنما أمروا بتركه يبول في المسجد لمصلحتين:

إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به.

والثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد.

10- وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع، لأمرهم عند فراغه بصب الماء.

11- وفيه الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، إذا لم يكن ذلك منه عنادا، ولا سيما إذا كان ممن يحتاج إلى استئلافه، يؤخذ ذلك من إنكاره صلى الله عليه وسلم لفعل الصحابة، ودعوة الأعرابي وتبصيره بحرمة المساجد.

12- وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن خلقه.

13- وفيه صيانة المساجد، وتنزيهها عن الأقذار والقذى؟ قال الحافظ ابن حجر: والحصر في قوله إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن مفهومه أنه لا يجوز في المسجد شيء غير ما ذكر، وهذا المفهوم غير معمول به بالإجماع.
اهـ.

وذكر النووي وغيره جملة مما يجوز عمله في المسجد وما لا يجوز، نذكر منها:

أنه لا يجوز البصاق ولا النخامة، فإن اضطر ففي منديله أو ثوبه، فإن لم يجد وكانت أرض المسجد ترابا حفر ودفنها، وإلا لزمه الخروج من المسجد وقذفها.

ولا يجوز إدخال النجاسات فيه، بل قال النووي: يحرم إدخالها؛ قال اللخمي: ومن رأى بثوبه كثير دم يخرجه، وقيل: يتركه بين يديه، ويستر الدم ببعض الثوب.
اهـ.
وأرى إخراجه إن لم يخف عليه، فإن خاف عليه وضعه بين يديه وستره، وكذا يقال في نعله.
ومن دمي فمه، أو أنفه في المسجد خرج منه فورا لئلا يلوثه، ولا يدخل حجاما فيه وإن جمع في إناء، قال النووي: إن كان في غير إناء فحرام، وإن كان في إناء فمكروه.
اهـ.
وإن بال في إناء في المسجد، فإن كان لحاجة فمكروه، وإن لم يكن لحاجة فحرام، ومن كان على بدنه أو ثوبه نجاسة، فإن خاف تنجيس المسجد لم يجز له الدخول، فإن أمن ذلك جاز: ويمنع إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون، لغير حاجة مقصودة، لأنه لا يؤمن تنجيسهم المسجد، قال النووي: ويجوز أن يمكن الكافر من دخول المسجد بإذن المسلمين، ويمنع من دخوله بغير إذن، وكره مالك قتل القملة فيه، وقتل البرغوث أخف، وتقتل به العقرب والفأرة، وكره في العتبية أكل الطعام به، إلا للمضطر، واستخف للضيف أن يأكل به جاف الطعام كالتمر المنزوع النوى، وليحذر وقوع الفتات، ويكره الدخول بريح الثوم وكذا البصل والكراث والفجل إن آذى، ولا ترفع فيه الأصوات، ولا تجوز فيه الخصومات، ولا البيع، ولا الشراء، ولا سائر العقود، ولا ينشد به ضالة، وينهى عن السؤال فيه، قال ابن عبد الحكم: ولا يعطى فيه للسائل.

قال في المدونة: ولا يأخذ المعتكف من شعره وأظفاره فيه.
ولا يحدث به حدث الريح، وجازت القراءة فيه للكتب الحلال، قال ابن حبيب: ولا بأس بالشعر غير الهجاء، ولا يقرأ به ما فيه كذب وفحش، قال سحنون: لا يعلم الصبيان به، وهو خلاف عمل الشيوخ فالصحيح جوازه مع تعليمهم آداب المسجد.

أما الوضوء في المسجد فقد قال ابن المنذر: أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد، إلا أن يتوضأ في مكان يبله، أو يتأذى به الناس فإنه مكروه، وكره مالك وسحنون الوضوء بالمسجد، وقال ابن القاسم: ترك الوضوء بصحنه أحب إلي، وقال المحققون: إن كان فيه موضع معد للوضوء، فلا بأس به، وإلا فلا.
فينبغي أن تكون أماكن قضاء الحاجة بعيدة ومنفصلة عن المسجد، لئلا يحصل منها الأذى بالتلويث أو الرائحة.

وأما الجلوس في المسجد، فإن كان لعبادة، أو قراءة علم، أو درس، أو سماع موعظة أو انتظار صلاة، أو نحو ذلك فهو مستحب، ويثاب عليه، وإن كان لأمور الدنيا المباحة غير المحرمة، وغير المكروهة فقد قال بعض الشافعية: إنه مكروه، والصحيح أنه مباح وتركه أولى، ويكره أن يوضع فيه فراش أو وسادة للجلوس عليها.

وأما النوم في المسجد فقد قال النووي: يجوز النوم عندنا في المسجد، نص عليه الشافعي -رحمه الله تعالى- في الأم قال ابن المنذر في الإشراق: رخص في النوم في المسجد ابن المسيب والحسن وعطاء والشافعي.
وقال ابن عباس.
لا تتخذوه مرقدا.
وروي عنه أنه قال: إن كنت تنام فيه لصلاة فلا بأس.
وقال الأوزاعي: يكره النوم في المسجد.
وقال مالك: لا بأس بذلك للغرباء، ولا أرى ذلك للحاضر.
وقال أحمد: إن كان مسافرا أو شبهه فلا بأس، وإن اتخذه مقيلا أو مبيتا فلا.

واحتج من جوزه بنوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر وأهل الصفة والمرأة صاحبة الوشاح، وثمامة بن أثال، وصفوان بن أمية وغيرهم، وأحاديثهم في الصحيح مشهورة.

ثم قال: ويجوز الاستلقاء في المسجد، وهز الرجل، وتشبيك الأصابع للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: ويستحب استحبابا متأكدا كنس المسجد وتنظيفه للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه.

والله أعلم