هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
479 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا اعْتَكَفَ ، يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
479 حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا اعتكف ، يدني إلي رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is reported from 'A'isha that she observed:

When the Messenger of Allah (ﷺ) was in I'tikaf, he inclined his head towards me and I combedhis hair, and he did not enter the house but for the natural calls (for relieving himself).

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا اعتكف، يدني إلي رأسه فأرجله.
وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان.


المعنى العام

كان اليهود إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يخالطوها في مسكن، ولم يجلسوا معها في مكان، ولم يؤاكلوها أو يشاربوها، بل كانوا لا يأكلون شيئا صنعته يداها، كانوا يعتبرونها نجسة نجاسة شاملة، بل كانوا يعدونها تنجس كل شيء تمد يدها فيه.

ربما كانت المرأة اليهودية بسلوكها تستحق هذه المعاملة، ربما كانت تهمل دم الحيض فيلطخ ثيابها، وتلوث به يدها، وتنتن به ريحها.

فلما جاء الإسلام، دين الطهارة والنظافة، دين المودة والإنسانية، وتعلمت منه المسلمة نقاء موضع البول والغائط، والتطهر للصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، وطهارة الثوب والبدن والمكان، والغسل الواجب والمندوب، واستعمال المسك والطيب، وتعلم منه الرجل المسلم إكرام المرأة والوصية بها، والعطف عليها وحبها، وحفظ كرامتها وتقديرها كان لا بد من تغير النظرة، وتبدل المعاملة.

لقد كان أهل المدينة جيرانا لليهود، يعلمون أحوالهم، ويشاهدون سلوكهم ويقتدون بهم فيما يعجبهم، ويخالفونهم فيما لا يرضيهم، وجاءهم الإسلام فبرزت شخصيتهم، ونزل الدين بأصوله وفروعه، يرسم لهم حياتهم، وشاء الله أن يقوم أسيد بن حضير وعباد بن بشر، الصحابيان الجليلان، السابقان إلى الإسلام، شاء الله أن يقوما بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم يقولان: يا رسول الله.
لقد علمت ما يفعله اليهود مع الحائض من نسائهم، فبماذا يأمرنا ديننا في هذا الأمر؟ وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب إليهما التريث حتى يأتي أمر الله.
ونزل قوله تعالى: { { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } } [البقرة: 222] .

وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ما ينبغي أن يكون، لكن الذين يسمعون بالآية كانوا أكثر من الذين يسمعون شرحها وتفسيرها، ففهمها بعض الأعراب على غير وجهها، وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة، فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحيض، فقال: إنما أمرتم أن تعتزلوا وطأهن، ولم تؤمروا بإخراجهن من البيوت، خالطوهن في البيوت، وجالسوهن في المجالس، وشاركوهن في الفراش وآكلوهن وشاربوهن، وافعلوا كل شيء إلا النكاح.

لقد كانت الآية -حقا- في حاجة إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان العرف والعادة الراسخة في حاجة إلى قوة لاجتثاثها، لقد كانت أمهات المؤمنين -حتى بعد نزول الآية وبعد بيانها وتفسيرها- إذا حاضت الواحدة منهن وهي في لحاف الرسول صلى الله عليه وسلم انسلت من اللحاف، فيناديها صلى الله عليه وسلم، ليعيدها إليه، ويروي أبو داود عن عائشة أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير [المثال فراش النبي صلى الله عليه وسلم وكان من جلد مدبوغ حشوه ليف يشبه المعروف في أيامنا المرتبة] فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ندن منه حتى نطهر.

إن الأمر في حاجة إلى حملة شديدة، وقد قام بها صلى الله عليه وسلم خير قيام، لقد كان يأمر الحائض من أزواجه بل في فورة حيضتها أن تأتزر ثم يباشرها فوق إزارها، ولم تكن به شهوة جامحة، بل كان أقدر الناس على أن يملك إربه، ولكنه التشريع الحكيم والبلاغ المبين.

كان يؤتي بقطعة اللحم، فيناولها زوجه الحائض لتأكل منها قبله، فتعتذر في لطف وأدب، فيقسم عليها أن تأكل قبله، فتأخذها، فتعض منها عضة، ثم تناولها له، فيعض من المكان الذي عضت منه، ويدعو بالشراب فيأتيه، فيناوله لها فتعتذر، فيقسم عليها، فتشرب منه، ثم يأخذه فيضع فمه حيث وضعت فمها فيشرب.

كان يأتي زوجه الحائض، فيضع رأسه في حجرها، ثم يقرأ القرآن، وهو يعلم علم اليقين أن القراءة على المصلى في مكان سجوده، وباستقبال القبلة أفضل منها على هذه الحالة، ولكنه التشريع الحكيم.

كان يدخل المسجد للاعتكاف، فينادي زوجه الحائض من بيتها، فتفتح بابها المتصل بالمسجد، فيطلب منها أن تغسل له رأسه، وترجل له شعره، ومرة أخرى يناديها: ناوليني المصلى، فتتحرج من إدخال يدها في المسجد، فتقول: إني حائض، فكيف أمد يدي في المسجد، فيقول لها -والصحابة يسمعون- ناوليني، فإن حيضتك ليست في يدك.
فتناوله.

وأزعجت هذه الحملة اليهود.
فقالوا: عجبا لهذا الرجل! ما يريد أن يترك شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه، وسمع مقالتهم هذه أسيد بن حضير وعباد بن بشر، فسرا لغيظ اليهود، وانشرحت صدورهما لانزعاجهم، ورغبا أن يزيدهم الإسلام غيظا، فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله.
إن اليهود تقول كذا وكذا، ومازلنا نوافقهم في اعتزال وطء الحائض.
أفلا يشرع الله لنا جماع الحائض، لتتم المخالفة بيننا وبينهم؟ فغضب رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم كيف يحرص الصحابة على إغاظة الأعداء ولو على حساب الطهر الذي جاء به الإسلام؟ غضب ولم يتكلم، وكان إذا غضب تغير وجهه، وخافا على أنفسهما من غضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فانسلا وخرجا، وجاءت هدية لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحس أن غضبه أزعجهما، وعذرهما في خطئهما لحسن قصدهما، فأرسل من يتبعهما ويأتي بهما، فحضرا فسقاهما من الهدية، وأزال بذلك خوفهما، فصلى الله وسلم وبارك عليه، ورضي الله عن أصحابه أجمعين.

المباحث العربية

( إذا اعتكف) الاعتكاف في اللغة الحبس؛ وفي الشرع حبس النفس في المسجد خاصة مع النية.

( يدني إلي رأسه) كانت حجرة عائشة ملاصقة للمسجد؛ ولها باب يفتح فيه، فكان صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد معتكفا، ويقرب رأسه من باب الحجرة، وعائشة في داخلها، أو يدخل رأسه الحجرة وجسمه في المسجد كما هو ظاهر الرواية الثانية، وقد جاء هذا الوضع صريحا في رواية النسائي: كان يأتيني وهو معتكف في المسجد، فيتكئ على باب حجرتي، فأغسل رأسه وسائر جسده في المسجد.

( فأرجله) وفي الرواية الثالثة فأغسله ولا منافاة، فقد كانت تغسل له شعر رأسه ثم ترجله، أي تمشطه وتدهنه، وتسرحه، وفي هذه الرواية حذف صرح به في الرواية الثالثة والرابعة، وأصله: فأرجله وأنا حائض.

( وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) فسرها الزهري بالبول والغائط، وسيأتي لها مزيد إيضاح في فقه الحديث.

( إن كنت لأدخل البيت للحاجة) إن مخففة من الثقيلة، وتفيد التأكيد، والمراد من البيت بيتها، والمعنى: أثناء اعتكافي بالمسجد كنت أدخل بيتي لقضاء الحاجة، ولا أمكث فيه لئلا يبطل اعتكافي.

( والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة) أي وحينما يكون في بيتي مريض لا أقف عنده، وإنما أسأل عن صحته وأنا مارة، ثم أعود إلى المسجد لمتابعة الاعتكاف، وسيأتي في فقه الحديث مزيد إيضاح لاعتكاف عائشة.

( وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل على رأسه) إن مخففة من الثقيلة كذلك، وتفيد تأكيد الجملة أي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم..إلخ.

( إذا كانوا معتكفين) أي هو وأصحابه صلى الله عليه وسلم.

( وهو مجاور) أي معتكف.

( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد) والخمرة بضم الخاء وإسكان الميم، قال النووي: قال الهروي وغيره: هي السجادة، وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده من حصير، أو نسيجة من خوص، هكذا قاله الهروي والأكثرون، وصرح جماعة منهم بأنها لا تكون إلا هذا القدر.
وقال الخطابي: هي السجادة يسجد فيها المصلي.
وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم.
فقوله: قاعدا عليها تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه، وسميت خمرة لأنها تخمر الوجه، أي تغطيه، وأصل التخمير التغطية، ومنه خمار المرأة، ومنه الخمر، لأنها تغطي العقل.
اهـ.

قال القاضي عياض: وقولها من المسجد معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد، أي وهو في المسجد لتناوله إياها وتدخل يدها وهي خارج المسجد، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد، لأنه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد معتكفا وكانت عائشة في حجرتها، وهي حائض، لقوله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك فإنها إنما خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى.
اهـ.
وهو كلام حسن، لكنه لم يبين هل كانت الخمرة في البيت ويراد مناولتها له صلى الله عليه وسلم؟ فيكون من المسجد متعلقا بقال، أي قال من المسجد: ناوليني الخمرة من البيت، أو كانت الخمرة في المسجد في متناول يد عائشة، بعيدة عن متناول يد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فيكون من المسجد متعلقا بناوليني؟ وكون الخمرة في البيت أظهر، لما رواه النسائي عن ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا، فيتلو القرآن، وهي حائض وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد [أي بيديها وجسمها خارجه] فتبسطها وهي حائض وفي الرواية الثامنة ناوليني الثوب وقد قيل باتحاد الواقعة، وقيل بتعددها.

( قالت: فقلت: إني حائض) يقال: حائض وحائضة، كريح عاصف وعاصفة، فحذف التاء لأنه من الصفات الخاصة بالنساء، فاستغنى فيه عن علامة التأنيث لعدم الالتباس.

( إن حيضتك ليست في يدك) قال النووي: هو بفتح الحاء، هذا هو المشهور في الرواية، وهو الصحيح.
وقال الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء، وهو خطأ، والصواب بالكسر، أي الحالة والهيئة، وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي.
وقال: الصواب هنا ما قاله المحدثون من الفتح، لأن المراد الدم، وهو الحيض بالفتح بلا شك، لقوله صلى الله عليه وسلم: ليست في يدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها، وهي دم الحيض ليست في يدك، وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فإن الصواب فيه الكسر.
قال النووي: هذا كلام القاضي عياض، وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر هنا، ولما قاله الخطابي وجه.
اهـ.

( كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله، النبي صلى الله عليه وسلم) ضمير المفعول في أناوله يعود على المفهوم من المقام، وهو الإناء، أو الشراب، أي ثم أناول الشراب، أو ثم أناول الإناء.

( فيضع فاه على موضع في) أي فيشرب من مكان شربي من الكأس فيضع فمه على الموضع الذي وضعت عليه فمي.

( وأتعرق العرق) العرق بفتح العين وإسكان الراء، وهو العظم الذي عليه بقية من لحم، هذا هو الأشهر في معناه، وقال أبو عبيد: هو القدر من اللحم وقال الخليل: هو العظم بلا لحم، وهو بعيد، ويقال: عرقت العظم وتعرقته، واعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك، وقيل: إذا استأصلت أكل ما عليه، حتى عروقه أي عصبه المتعلقة بالعظم.

( كان يتكئ في حجري) بفتح الحاء وسكون الجيم، ويجوز كسر الحاء وحكي ضمها، وهو حضن الإنسان، ما دون الإبطء إلى الكشح، وقد بينت رواية البخاري كيفية هذا الاتكاء، وفيها كان يقرأ القرآن، ورأسه في حجري وكلمة في بمعنى على كقوله تعالى: { { ولأصلبنكم في جذوع النخل } } [طه: 71] أي على حجري، وإنما جيء بـفي لإفادة تمكنه من حجرها تمكن المظروف من ظرفه.

( لم يؤاكلوها) أي لم يأكلوا معها في إناء واحد، ولا في مكان واحد.

( ولم يجامعوهن) عاد الضمير مفردا في لم يؤاكلوها على المرأة باعتبار اللفظ، وعاد عليها هنا جمعا باعتبار المعنى والجنس، والمراد من المجامعة الاجتماع والاختلاط، أي لم يساكنوهن في بيت واحد.

( فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم الحيض) ، وما ينبغي أن تكون عليه معاملة الرجال للنساء أوقات الحيض.

{ { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } } المراد بالمحيض هنا الدم والمراد بالأذى المستقذر، وكان أذى لقبح لونه ورائحته ونجاسته.

{ { فاعتزلوا النساء في المحيض } } أي فاعتزلوا جماعهن ووطأهن في المحيض، والمراد بالمحيض هنا نفس الدم، وقيل: هو الفرج، وقيل: هو زمن الحيض.

( اصنعوا كل شيء إلا النكاح) أي اصنعوا كل شيء يحرمه اليهود إلا النكاح فليس كل شيء على إطلاقه.

( فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر) الأنصاريان، شهدا بدرا وأحدا والمشاهد كلها.

( إن اليهود تقول كذا وكذا) كذا وكذا كناية عن مقولهم أي تقول عن مخالفتك إياهم في مؤاكلة الحائض ومشاربتها ومصاحبتها: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه.

( أفلا نجامعهن؟) الفاء عاطفة على محذوف، والهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، ونفي النفي إثبات، والتقدير: أنخالف اليهود فنجامع النساء في الحيض، لتكون المخالفة تامة؟

( فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) في رواية أبو داود: فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصل التمعر التغير من النضارة والإشراق والتفتح إلى عكسها، وهو مظهر من مظاهر الغضب، وتغير من قولهما ذلك لاقتراحهما ما يصادم النص.

( حتى ظننا أن قد وجد عليهما) أن مخففة من الثقيلة، والجملة بعدها خبرها وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول ظن ووجد بمعنى غضب.
يقال: وجد عليه يجد وجدا وموجدة غضب، واسم أن يصح أن يكون ضمير الشأن والحال، ويصح أن يكون ضميرا يعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم) تذكير الفعل فاستقبلهما لأن الفاعل مجازي التأنيث، ومن لبن صفة هدية وإلى النبي صفة أخرى أي هدية مرسلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

( فأرسل في آثارهما) أي أرسل وراءهما من يردهما، والآثار جمع أثر، والمراد بها آثار الأقدام، والكلام كناية عن سرعة الإرسال وراءهما، لأن أثر المشي لا يبقى طويلا.

( فسقاهما) معطوف على محذوف، أي فحضرا، فسقاهما من الهدية، تطييبا لخاطرهما.

فقه الحديث

يستفاد من الحديث

1- منع الحائض من الجلوس في المسجد.
قال الأبي: وإنما منعت المسجد خوف ما يكون منها من تلويثه بما قد يقع من دم، وجاز للجنب دخوله للأمن من ذلك.
وحكى ابن الخطابي عن مالك والشافعي وأحمد جواز دخول الحائض المسجد كعابرة سبيل، ومشهور قول مالك منع دخولها جملة.

قال الشافعية: إن خافت تلويثه، لعدم الاستيثاق بالشد، أو لغلبة الدم حرم العبور بلا خلاف، وإن أمنت ذلك فوجهان، والصحيح منها جوازه كالجنب وكمن على بدنه ما لا يخاف تلويثه، أما اللبث في المسجد فحرام عليها باتفاق.

2- جواز مس المرأة زوجها في الاعتكاف لغير لذة، وترجيلها شعره ومناولتها الشيء له، ولا يضر ذلك باعتكافه، وأن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته.

3- قال ابن بطال: في الحديث حجة على الشافعي في قوله: إن المباشرة مطلقا تنقض الوضوء.

وقال الحافظ ابن حجر: لا حجة فيه، لأن الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء وليس في الحديث أنه عقب ذلك الفعل بالصلاة.

4- أن جسد الحائض وعرقها وثوبها طاهر ما لم تصبه نجاسة، إذ لو كان نجسا لم يقرأ القرآن في حجرها، لأنه من الثابت تنزيه القرآن عن قراءته في المحل النجس.
قال في المرقاة: وما نسب لأبي يوسف من أن بدنها نجس غير صحيح.

5- واستدل به بعضهم على جواز حمل الحائض للمصحف، ونزل قراءة الرجل في حجرها بمنزلة المصحف، باعتبار أن القرآن في جوف القارئ، كما هو في جوف المصحف.
واستند إلى ما روي عن ابن عباس أنه قرأ قرآنا وهو جنب، فقيل له في ذلك، فقال: في جوفي أكثر مما قرأت.

والحق أن هذا التنزيل في غاية البعد، لأنه إن كان على سبيل التشبيه فهو تشبيه معكوس، تشبيه محسوس بمعقول، وإن كان على سبيل القياس فشروطه غير موجودة.

ومسألة مس المصحف وحمله، للحائض والجنب متشعبة، طويلة الذيل في كتب الفروع، وأساس المنع قوله تعالى: { { لا يمسه إلا المطهرون } } [الواقعة: 79] وما رواه الدارقطني في سننه بسند صحيح متصل عن أنس خرج عمر بن الخطاب متقلدا السيف، فدخل على أخته وزوجها خباب، وهم يقرءون سورة طه.
فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرؤه.
فقالت له أخته: إنك رجس { { لا يمسه إلا المطهرون } } فقم، فاغتسل، أو توضأ، فقام وتوضأ، ثم أخذ الكتاب.
وما رواه الدارقطني بسند صحيح عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمس القرآن إلا طاهر.

وأساس الإباحة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث كتابا فيه قرآن للنصارى، فيه { { قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } } [آل عمران: 64] وقد أرسل هذا الكتاب وهو متيقن أنهم سيمسونه، وهم لا يغتسلون من جنابة أو حيض.
ورد على الآية بأنها في اللوح المحفوظ، لا في المصحف، والمطهرون هم الملائكة، وعلى فرض أنها في القرآن فهي خبر، ولا يصرف الخبر إلى الأمر إلا بدليل ظاهر.

وعن المذاهب فيها قال العيني: حمل الحائض المصحف بعلاقته، وكذا الجنب أجازه عبد الله بن عمر بن الخطاب وعطاء والحسن البصري ومجاهد وطاووس وأبو وائل وأبو رزين، وأبو حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحق وأبو ثور.

قال ابن بطال: ورخص في حمله [بدون علاقته] الحكم وعطاء وسعيد بن جبير وحماد وأهل الظاهر، ومنع الحكم مسه بباطن الكف.
وقال ابن حزم: وقراءة القرآن، ومس المصحف، وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء، وبلا وضوء، وللجنب والحائض.
اهـ.

6- قال ابن دقيق العيد: في الحديث أن الحائض لا تقرأ القرآن، لأن قولها فيقرأ القرآن إنما يحسن التنصيص عليه إذا كان هناك ما يوهم منعه، ولو كانت قراءة القرآن للحائض جائزة لكان هذا الوهم منفيا، أي توهم امتناع قراءة القرآن في حجر الحائض.
اهـ.

7- وفيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا.

8- استدل به النووي على عدم كراهة قراءة القرآن بقرب موضع النجاسة، والحق أنه ينبغي أن يكره، تعظيما للقرآن، لأن مقارب الشيء يخشى أن يصيبه بعض حكمه.

9- فيه خدمة المرأة زوجها في الغسل والطبخ والخبز وغيرها برضاها قال النووي: وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة، أما بغير رضاها فلا يجوز، لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط.
اهـ.

10- وأن المعتكف إذا خرج بعضه من المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه.

11- وأن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا لا يحنث بإدخال يد فيه أو بعض جسده، ما لم يدخله بجميع بدنه، فقد أدخلت عائشة يدها في المسجد ولم يعد دخولا لها وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ولم يعد خروجا له.

12- وفيه جواز الصلاة في الخمرة.

13- ويؤخذ من قولها وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان أن خروج المعتكف للبول والغائط لا يبطل اعتكافه.
قال الحافظ ابن حجر: ويلتحق بهما القيء والفصد لمن احتاج إليه، ثم قال: وقد اختلفوا في غير ذلك من الحاجات كالأكل والشرب.

14- ويؤخذ من قولها في الرواية الثانية إن كنت لا أدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة جواز اعتكاف النساء وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة وعائشة أن تضرب كل منهما خباء في المسجد تعتكف فيه.

15- وأن المعتكف لا يعود مريضا، وإنما يسأل عنه في مروره، وقد روى أبو داود عن عائشة قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة، إلا لما لا بد منه.

16- ويؤخذ من قولها في الرواية التاسعة كنت أشرب، وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في، فيشرب... إلخ الرواية جواز مؤاكلة الحائض ومشاربتها، وطهارة سؤرها من طعام وشراب، وكذا ريقها وهذا بلا خلاف.

ولا يقال: إن ابتداءها بالشرب والتعرق قبله صلى الله عليه وسلم ليس من الأدب، لا يقال هذا لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يلجئها إلى الابتداء، ففي النسائي كان يأخذ العرق، فيقسم على فيه، فأعترق منه، ثم أضعه، فيأخذه، فيعترق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو بالشراب، فيقسم على فيه قبل أن يشرب منه فآخذه، فأشرب منه ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه وضعت فمي من القدح، وعند النسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي عن المقدام عن أبيه.
قال: سألت عائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل معك وأنت حائض؟ قالت: إن كان ليناولني العرق، فأعض منه ثم يأخذه مني، فيعض مكان الذي عضضت.
قال قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب من شرابك؟ قالت: كان يناولني الإناء، فأشرب منه، ثم يأخذه فيضع فاه حيث وضعت في ، فيشرب.

17- وفيه كمال تواضعه صلى الله عليه وسلم، وطيب نفسه.

18- وأنه ينبغي للزوج أن يلاطف زوجه، ويعمل معها ما يدخل السور عليها.

19- تؤخذ من الرواية الحادية عشرة كراهة إخبار المسلم بما يغضبه ويسيئه.

20- ومشروعية الغضب على من ارتكب ما لا يليق.

21- وأنه لا يصح إغاظة العدو بما يخالف الشرع.

22- ومشروعية قبول الهدايا.

23- واستحباب التفريق منها.

24- وأنه لا ينبغي استمرار غضب المسلم على المسلم.

25- وسكوت التابع عند غضب المتبوع.

26- ومشروعية الملاطفة والمؤانسة بعد الغضب.

والله أعلم