هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5074 حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَمِنْهَا رَحْمَةٌ بِهَا يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ بَيْنَهُمْ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ ، عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5074 حدثني الحكم بن موسى ، حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا سليمان التيمي ، حدثنا أبو عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لله مائة رحمة ، فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم وتسعة وتسعون ليوم القيامة ، وحدثناه محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه بهذا الإسناد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Salman Farisi reported Allah's Messenger (ﷺ) as saying:

Verily, there are one hundred (parts of) mercy for Allah, and it is one part of this mercy by virtue of which there is mutual love between the people and ninety-nine reserved for the Day of Resurrection.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله مائة رحمة فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم وتسعة وتسعون ليوم القيامة.


المعنى العام

يقول الله تعالى على لسان موسى عليه السلام { { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } } [الأعراف 156]

ولا يشك مسلم في سعة رحمة الله ولا يشك مؤمن أن رحمة الله محيطة بالإنسان في كل لحظة من لحظاته من حين كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة ثم رضيعا ثم فطيما ثم ... ثم ... إلخ ولكن هذه المجموعة من الأحاديث تذكر من لا يتذكر { { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } } [الذاريات 55] فتزيدهم إيمانا وثقة ويقينا وعبرة ودفعا إلى الخيرات والطاعات

بدأت هذه المجموعة بأن رحمة الله تعالى بعباده ثابتة ثبوت المكتوب في لوح لا تبديل فيه ولا تغيير عند مالك الملك وخالق الكون الذي إذا قال فعل والذي لا يتخلف عنده ما وعد وما كتب

وقد كتب فيما كتب إن رحمتي تغلب غضبي وتغطي عليه وتسبقه وهي كثيرة شاملة لم أنزل منها للخلائق في الأرض إلا جزءا واحدا من مائة جزء من هذا الجزء تتراحم المخلوقات الإنسان والحيوان والطير والهوام أما التسعة والتسعون جزءا فهي لي أرحم بها في الدنيا وأرحم بها في الآخرة بل وأضم إليها في الآخرة جزء المخلوقات فأرحم بالمائة جزء وأنا الرحمن الرحيم

ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى ويرسخه في نفوس أصحابه ليبعث في نفوسهم الرجاء بعد أن رآهم وقد غلب عليهم الخوف حين يرى امرأة من السبي حانية على أطفال غيرها تحتضنهم وتضمهم إلى صدرها وترضعهم من ثديها فيقول لهم انظروا إلى هذه المرأة هل ترونها وهي بهذه الرحمة تؤذي طفلا من الأطفال أو تحرقه بالنار قالوا لا قال هل ترون أنه لو كان ابنها هو الذي في أحضانها أتظنون أنها تلقي به في النار مهما كانت الأسباب قالوا لا والله ما تلقي به في النار باختيارها أبدا قال فإن الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها

ويزيد صلى الله عليه وسلم هذه الجرعة السارة المبشرة يزيدها بشرى وسرورا فيحكي لهم قصة رجل كان قبلنا في بني إسرائيل كان نباشا ينبش القبور عقب دفن الموتى فيسرق الأكفان وما يستطيع أن يسرقه من الميت وكم انتهك الحرمات واعتدى على الأموات مع أن الله كان قد آتاه مالا وولدا ونعمة ومتعا لكن نفسه الأمارة بالسوء حالت بينه وبين فعل الخير أي خير لم يقدم في حياته إلا الشر وجاءه الموت ووهن منه العظم وتحشرج النفس وتجمع حوله أولاده ومرت على خاطره أعماله الشريرة التي مارسها في حياته [كفيلم سينمائي أو كشريط تليفزيوني] وهو يعلم أن الحساب قريب وهو مقدم عليه إنه فعل من الشر ما لم يفعله أحد فقال لأبنائه إن الله سيعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ولعله كان جاهلا بالبعث وإن كان مؤمنا بوقوعه ظن أنه إن تحول إلى طحين وذرات ثم ذرى في يوم شديد الريح على البحار والأراضي سيضيع جسمه وسيغيب وسيتعذر جمعه فلا يعذب فوصى أولاده أن يحرقوه بعد موته ثم يطحنوه ثم يذرونه في الهواء إن لم يفعلوا ذلك لم يستحقوا شيئا من ثروته ففعلوا ما أمرهم به فقال الله للأرض اجمعي ما وصل إليك منه وقال للبحر اجمع ما لديك منه ثم قال له كن فقام الرجل واقفا فقال له لماذا فعلت ما فعلت وأوصيت بما أوصيت قال خوفا من عذابك وعدلك قال شملتك رحمتي وغفرت لك

هذا تصوير لما سيحدث لهذا الرجل ساقه صلى الله عليه وسلم لأصحابه لئلا يقنطوا من رحمة الله و { { إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون } } [يوسف 87]

المباحث العربية

( لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش) في البخاري وفي الرواية الثالثة لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده قضى بمعنى خلق أي لما خلق الله الخلق كقوله تعالى { { فقضاهن سبع سموات } } [فصلت 12] أو قضى بمعنى أحكم وأتقن وفرغ وأمضى

ومعنى فهو عنده فوق العرش أي دون العرش لاستبعاد أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش واستعمال فوق بمعنى دون صحيح كما في قوله تعالى { { بعوضة فما فوقها } } [البقرة 26]

وقيل هو على ظاهره والعرش خلق من خلق الله ولا مانع أن يخلق فوقه شيء ويحتمل أن يكون المراد فذكره أو علمه عنده أي علم المكتوب عند الله فلا تكون العندية مكانية بل هي إشارة إلى كمال كونه مخفيا عن الخلق مرفوعا عن حيز إدراكهم وفي الرواية الثالثة كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده

وكلمة موضوع تبعد العندية غير المكانية

( إن رحمتي تغلب غضبي) وفي الرواية الثانية سبقت غضبي وإن بكسر الهمزة على حكاية مضمون الكتاب وبفتح الهمزة على أنها بدل من كتب

قال العلماء والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة غير مسبوقة بسبب أما الغضب فهو متوقف على سابقة عمل من العبد فإسكان آدم الجنة كان بالرحمة وخروجه منها كان بسبب عمله ثم إن الرحمة تشمل الإنسان جنينا ورضيعا وفطيما وناشئا قبل أن تصدر منه طاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك وقيل معنى السبق والغلب الكثرة والشمول كما يقال غلب على فلان الكرم والشجاعة

( جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) وفي الرواية الخامسة خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه وخبأ عنده مائة إلا واحدة وفي الرواية السادسة إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة وفي الرواية السابعة إن لله مائة رحمة فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم وتسعة وتسعون ليوم القيامة وفي الرواية الثامنة إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة قال النووي هكذا وقع في نسخ بلادنا جميعا الرحمة وذكر القاضي عياض جعل الله الرحم بضم الراء وحذف الهاء قال ويجوز فتح الراء ومعناه الرحمة اهـ

وفي رواية للبخاري جعل الله الرحمة في مائة جزء قال الكرماني المعنى يتم بدون الظرف في فلعلها زائدة أو متعلقة بمحذوف مبالغة إذ جعلها مظروفا لها معنى بحيث لا يفوت منها شيء اهـ وأكثر الطرق خالية من الظرف

وقال القرطبي يجوز أن يكون معنى خلق اخترع وأوجد ويجوز أن يكون بمعنى قدر بمعنى أن الله أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقدير السموات والأرض وقوله كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض المراد به التعظيم والتكثير اهـ

وقوله فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق ... إلخ حكى القرطبي عن بعض الشراح أن هذا العدد الخاص أطلق لإرادة التكثير والمبالغة فيه وتعقبه بأنه لم تجر عادة العرب بذلك في المائة وإنما جرى في السبعين

وقال الكرماني الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة في نفسها غير متناهية والتعلق غير متناه لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله سبحانه وتعالى اهـ وهو كلام حسن أولى بالقبول من توجيهات كثير من الشراح لحكمة هذا العدد

وأما قوله في الرواية الثامنة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ففيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها أيضا صرح بذلك المهلب فقال الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدنيا هي التي يتغافرون بها يوم القيامة التبعات بينهم قال ويجوز أن يستعمل الله تلك الرحمة فيهم فيرحمهم بها سوى رحمته التي وسعت كل شيء وهي التي من صفة ذاته ولم يزل موصوفا بها فهي التي يرحمهم بها زائدا على الرحمة التي خلقها لهم قال ويجوز أن تكون الرحمة التي أمسكها عند نفسه هي التي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض لأن استغفارهم لهم دال على أن في نفوسهم الرحمة لأهل الأرض

وقال القرطبي مقتضى هذا الحديث أن الله علم أن أنواع النعم التي ينعم بها على خلقه مائة نوع فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد انتظمت به مصالحهم وحصلت به مرافقهم فإذا كان يوم القيامة كمل لعبادة المؤمنين ما بقى فبلغت مائة وكلها للمؤمنين اهـ

وتفسير الرحمة بالنعمة على الناس عامة لا يناسب بقية ألفاظ الأحاديث التي تفيد أن المراد بالرحمة نعمة واحدة من النعم التي منحها الإنسان وغيره في الدنيا وهي نعمة الحب والتعاطف والشفقة ورقة القلوب

( عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي) فيه نساء وكان هذا السبي من هوازن ولفظ قدم ضبط بضم القاف وكسر الدال

( فإذا امرأة من السبي تبتغي) قال النووي هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم تبتغي من الابتغاء وهو الطلب قال القاضي عياض وهذا وهم والصواب ما في رواية البخاري تسعى بالسين من السعي قال النووي وكلاهما صحيح صواب لا وهم فيه فهي ساعية وطالبة مبتغية لابنها

( إذا وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته) وفي رواية للبخاري فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقي ثديها بالرفع على الفاعلة أي تسيل ثديها باللبن وفي رواية ثدياها بالتثنية وتحلب بفتح التاء والحاء وتشديد اللام المفتوحة وأصله تتحلب ومفعول تسقي محذوف أي الأطفال التي في السبي إذا وجدت صبيا أخذته فأرضعته فوجدت صبيا فأخذته فألزمته بطنها وعرف من السياق أنها كانت قد فقدت صبيها فكانت كلما وجدت صبيا حنت له واندفعت بالرحمة نحوه فضمته لصدرها وليس كما قال الحافظ ابن حجر أنها كانت تفعل ذلك لتضررها باجتماع اللبن في ثديها فقد كان بإمكانها حلبه وإهداره ولما كان الحديث مستدلا به على الرحمة

( أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه) أترون بضم التاء أي أتظنون بهذه الرحمة التي هي عليها ترمي ولدها في النار قالوا لا والله لا تطرحه في النار طائعة أبدا

( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أرحم بعباده من هذه بولدها) لله بفتح اللام الأولى وهي لام تأكيد وصرح بالقسم في رواية فقال والله لله أرحم والمراد من العباد هنا قيل من مات على الإسلام وسيأتي في فقه الحديث توضيح هذه المسألة

( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد) عبر بالمضارع لو يعلم دون الماضي للإشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى ذكره الحافظ ابن حجر وفي رواية للبخاري قدم الكافر ولفظها فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار

( قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له) في الرواية الثانية عشرة أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني وفي رواية اسهكوني وفي رواية اطحنوني ثم اذروني في الريح في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا ولعله ظن أنه إن صار ذرا رمادا مبثوثا في الماء والريح لعله يخفى قال ففعلوا ذلك به فقال للأرض أدي ما أخذت فإذا هو قائم وفي رواية للبخاري فقال الله كن فإذا رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت فقال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له بذلك وفي ملحق الرواية الثالثة عشرة فقال الله عز وجل لكل شيء أخذ منه شيئا أد ما أخذت منه وفي الرواية الرابعة عشرة أن رجلا فيمن كان قبلكم راشه الله مالا وولدا فقال لولده لتفعلن ما آمركم به أو لأولين ميراثي غيركم إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني واذروني في الريح فإني لم أبتهر عند الله خيرا وإن الله يقدر علي أن يعذبني قال فأخذ منهم ميثاقا ففعلوا ذلك به وربي فقال الله ما حملك على ما فعلت فقال مخافتك وفي رواية فرق منك قال فما تلافاه غيرها وفي ملحق هذه الرواية لم يبتئر عند الله خيرا وفسرها الراوي قتادة أي لم يدخر عند الله خيرا وفي رواية والله ما ابتأر عند الله خيرا وفي رواية ما امتأر عند الله خيرا قال النووي لم أبتهر عند الله خيرا هكذا هو في بعض الأصول ولبعض الرواة أبتئر بهمزة بعد التاء وفي أكثرها لم أبتهر بالهاء وكلاهما صحيح والهاء مبدلة من الهمزة ومعناهما لم أقدم خيرا ولم أدخره وفي رواية لم يبتئر قال النووي هكذا هو في جميع النسخ وفي رواية ما امتأر بالميم مهموزا أيضا والميم مبدلة من الباء

ومعنى أسرف رجل على نفسه أي بالغ وعلا في المعاصي والسرف مجاوزة الحد

وفي معنى راشه الله مالا قال النووي هذه اللفظة رويت بوجهين في صحيح مسلم أحدهما راشه بألف ساكنة غير مهموزة وبشين معجمة والثاني رأسه بهمزة وسين قال القاضي والأول هو الصواب وهو رواية الجمهور ومعناه أعطاه الله مالا قال ولا وجه للسين هنا

وعن قوله ففعلوا ذلك به وربي قال هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم وربي على القسم ونقل القاضي عياض الاتفاق عليه أيضا في كتاب مسلم قال وهو على القسم من المخبر بذلك عنهم لتصحيح خبره وفي صحيح البخاري فأخذ منهم ميثاقا وربي ففعلوا ذلك له قال بعضهم وهو الصواب قال القاضي بل هما متقاربان في المعنى والقسم قال وفي بعض نسخ صحيح مسلم ففعلوا ذلك وذرى فإن صحت هذه الرواية فهي وجه الكلام لأنه أمرهم أن يذروه ولعل الذال سقطت لبعض النساخ وتابعه الباقون قال النووي هذا كلام القاضي والروايات الثلاث المذكورات صحيحات المعنى ظاهرات فلا وجه لتغليط شيء منها

ومعنى فما تلافاه غيرها أي ما تداركه غيرها والتاء فيه زائدة أي الأصل ما لافاه غيرها ومعنى قوله في ملحق الرواية الأخيرة أن رجلا من الناس رغسه الله مالا وولدا بالغين المفتوحة المخففة أي أعطاه مالا وبارك له فيه

فقه الحديث

يؤخذ من الحديث

1- من الرواية الأولى والثانية والثالثة أن رحمة الله بعباده واسعة وهذا الإخبار يفيد كثيرا من الرجاء

2- وفيها حث على التراحم وفضيلته

3- وفيها إثبات العرش

4- والكتابة في اللوح المحفوظ

5- ومن الرواية الرابعة حتى الثامنة إدخال السرور والبشرى على المؤمنين لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها إذا كان معلوما مما يكون موعودا

6- وفيها الحث على الإيمان

7- وفي الرواية التاسعة من قوله لله أرحم بعباده أن من مات على الإسلام شملته الرحمة وقد خص العباد هنا بالمسلمين وأكد هذا الخصوص بحديث أحمد والحاكم عن أنس رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي على الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول ابني ابني وسعت فأخذته فقال القوم يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار فقال ولا الله بطارح حبيبه في النار فالتعبير بحبيبه يخرج الكافر وكذا من شاء الله إدخاله ممن لم يتب من مرتكبي الكبائر

قال ابن أبي جمرة لفظ العباد عام ومعناه خاص بالمؤمنين وهو كقوله تعالى { { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } } [الأعراف 156] فهي عامة من جهة الصلاحية وخاصة بمن كتبت له

8- وفي الحديث إشارة إلى أنه ينبغي للمرء أن يجعل تعلقه في جميع أموره بالله وحده وأن كل من فرض أن فيه رحمة ما حتى يقصد لأجلها فالله سبحانه وتعالى أرحم منه فليقصد العاقل لحاجته من هو أشد له رحمة

9- وفيه جواز النظر للنساء المسبيات لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن النظر إلى المرأة المذكورة بل في سياق الحديث ما يقتضي إذنه في النظر إليها

10- وفيه ضرب المثل بما يدرك بالحواس لما لا يدرك بها لتحصيل معرفة الشيء على وجهه وإن كان الذي ضرب به المثل لا يحاط بحقيقته لأن رحمة الله لا تدرك بالعقل ومع ذلك فقربها النبي صلى الله عليه وسلم للسامعين بحال المرأة المذكورة

11- وفيه جواز ارتكاب أخف الضررين لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه المرأة عن إرضاع الأطفال الذين أرضعتهم مع احتمال أن يكبر بعضهم فيتزوج بعض من أرضعته المرأة لكن لما كانت حالة الإرضاع ناجزة وما يخشى من المحرمية متوهم اغتفر قاله الحافظ ابن حجر وفيه نظر

12- وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة من جهة أن الأطفال لولا أنهم كان بهم ضرورة إلى الإرضاع في تلك الحالة ما تركها النبي صلى الله عليه وسلم ترضع أحدا منهم وقد يستدل به على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وهو أقوى لأنه صلى الله عليه وسلم أقرها على إرضاعهم من قبل أن تتبين الضرورة كذا نقل الحافظ ابن حجر وهو غير مسلم فلا دلالة في الحديث لأحد القولين

13- ومن الرواية العاشرة سعة الرجاء والطمع في رحمة الله إذ المعنى لو علم الكافر سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء وقد ورد أن إبليس يتطاول للشفاعة لما يرى يوم القيامة من سعة الرحمة أخرجه الطبراني في الأوسط

14- بل قيل إن هذه الرواية فيها وعد ووعيد المقتضيين للرجاء والخوف فمن علم أن من صفات الله الرحمة لمن أراد أن يرحمه والانتقام ممن أراد أن ينتقم منه لا يأمن انتقامه من يرجو رحمته ولا ييأس من رحمته من يخاف انتقامه والمقصود من الحديث أن يكون المكلف بين الخوف والرجاء

15- ومن الرواية الحادية عشرة والثانية عشرة درجة الخوف من الله فإن الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتصديق بالوعيد عليها فلما وقع ذلك للرجل غفر له وقالت المعتزلة غفر له لأنه تاب عند موته وندم على ما فعله وكان نباشا وتعقب بأنه لم يرد أنه رد المظالم فالمغفرة حينئذ بفضل الله لا بالتوبة لأنها لا تتم إلا بأخذ المظلوم حقه من الظالم وقالت المرجئة غفر له بأصل توحيده الذي لا تضر معه معصية وتعقب بأنه ورد في بعض الروايات أنه عذب وتحمل الرحمة والمغفرة على ترك الخلود في النار فيكون في هذه الرواية ردا على المرجئة والمعتزلة معا قال ابن أبي جمرة كان الرجل مؤمنا لأنه قد أيقن بالحساب وأن السيئات يعاقب عليها وأما ما أوصى به فلعله كان جائزا في شرعهم ذلك لتصحيح التوبة فقد ثبت في شرع بني إسرائيل قتلهم أنفسهم لصحة التوبة

16- قال النووي استدل بالحديث على أن الرجل كان مؤمنا لأنه قال في آخره إنما فعل هذا من خشية الله تعالى والكافر لا يخشى الله تعالى ولا يغفر له فلا يحمل قوله فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا على أنه أراد نفي قدرة الله تعالى فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر وإنما له تأويلان

أحدهما أن معناه لئن قدر علي العذاب أي قضاه يقال منه قدر بالتخفيف وقدر بالتشديد بمعنى واحد

والثاني إن قدر هنا بمعنى ضيق علي كما قال تعالى { { فقدر عليه رزقه } } [الفجر 16] وهو أحد الأقوال في تفسير قوله تعالى { { فظن أن لن نقدر عليه } } [الأنبياء 87]

وقالت طائفة اللفظ على ظاهره ولكن الرجل قاله في حالة الدهشة والخوف وشدة الجزع فصار في معنى الغافل والناسي وهذه الحالة لا يؤاخذ فيها وهو نحو قول القائل الآخر الذي غلب عليه الفرح حين وجد راحلته أنت عبدي وأنا ربك فلم يكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو

وقالت طائفة كان هذا الرجل في زمن الفترة حين ينفع مجرد التوحيد ولا تكليف قبل ورود الشرع على المذهب الصحيح لقوله تعالى { { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } } [الإسراء 15]

وقالت طائفة يجوز أنه كان في زمن شرعهم جواز العفو عن الكافر بخلاف شرعنا وذلك من مجوزات العقول عند أهل السنة وإنما منعناه في شرعنا بالشرع بقوله تعالى { { إن الله لا يغفر أن يشرك به } } [النساء 116] والله أعلم

17- وفي هذا الحديث جواز تسمية الشيء بما قرب منه لأنه قال حضره الموت وإنما الذي حضره في تلك الحالة علامات الموت ومقدماته

18- وفي الرواية الثالثة عشرة أنه يستحب للواعظ أن يجمع في موعظته بين الخوف والرجاء لئلا يقنط أحد ولا يتكل فابن شهاب لما خاف أن السامع للرجاء ولقصة هذا الرجل يتكل على ما فيه من سعة رحمة الله ضم إليه حديث المرأة التي دخلت النار في حبسها هرة لما فيه من التخويف

19- وفيه وضوح قدرة الله تعالى على البعث فإن أمر الله للأرض والبحر أن يؤدي كل منها ما عنده وقيام الرجل بأمر كن واضح في ذلك وإن كان المراد به المستقبل وأنه سيكون

والله أعلم