هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
بَابُ مَا تَصِحُّ بِهِ رِوَايَةُ الرُّوَاةِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَنْ غَلَطَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فِي تَصْحِيحِ الْأَسَانِيدِ وَتَسْقِيمِهَا بِقَوْلٍ لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ ، وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا ، وَمَذْهَبًا صَحِيحًا ، إِذِ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُطَّرَحِ أَحْرَى لِإِمَاتَتِهِ ، وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ ، وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيْهِ ، غَيْرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ ، وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ، وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَأِ الْمُخْطِئِينَ ، وَالْأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، رَأَيْنَا الْكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ وَرَدَّ مَقَالَتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الرَّدِّ ، أَجْدَى عَلَى الْأَنَامِ ، وَأَحْمَدَ لِلْعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَزَعَمَ الْقَائِلُ الَّذِي افْتَتَحْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ قَوْلِهِ ، وَالْإِخْبَارِ عَنْ سُوءِ رَوِيَّتِهِ ، أَنَّ كُلَّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ فِيهِ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ ، وَقَدِ اَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَى الرَّاوِي عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ وَشَافَهَهُ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ مِنْهُ سَمَاعًا ، وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمَا الْتَقَيَا قَطُّ ، أَوْ تَشَافَهَا بِحَدِيثٍ ، أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ عِنْدَهُ بِكُلِّ خَبَرٍ جَاءَ هَذَا الْمَجِيءَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا مِنْ دَهْرِهِمَا مَرَّةً فَصَاعِدًا ، أَوْ تَشَافَهَا بِالْحَدِيثِ بَيْنَهُمَا ، أَوْ يَرِدَ خَبَرٌ فِيهِ بَيَانُ اجْتِمَاعِهِمَا وَتَلَاقِيهِمَا مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِمَا فَمَا فَوْقَهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ ، وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ تُخْبِرُ أَنَّ هَذَا الرَّاوِيَ عَنْ صَاحِبِهِ قَدْ لَقِيَهُ مَرَّةً ، وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِهِ الْخَبَرَ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ ذَلِكَ وَالْأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا حُجَّةٌ ، وَكَانَ الْخَبَرُ عِنْدَهُ مَوْقُوفًا حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ سَمَاعُهُ مِنْهُ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ فِي رِوَايَةٍ مِثْلِ مَا وَرَدَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
باب ما تصح به رواية الرواة بعضهم عن بعض والتنبيه على من غلط في ذلك وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته ، وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ، ومذهبا صحيحا ، إذ الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته ، وإخمال ذكر قائله ، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه ، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب ، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور ، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين ، والأقوال الساقطة عند العلماء ، رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد ، أجدى على الأنام ، وأحمد للعاقبة إن شاء الله وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله ، والإخبار عن سوء رويته ، أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان ، وقد احاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد ، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنه لا نعلم له منه سماعا ، ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط ، أو تشافها بحديث ، أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا ، أو تشافها بالحديث بينهما ، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقها ، فإن لم يكن عنده علم ذلك ، ولم تأت رواية تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة ، وسمع منه شيئا لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك والأمر كما وصفنا حجة ، وكان الخبر عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث ، قل أو كثر في رواية مثل ما ورد
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من شرح النووى على مسلم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،    قَوْلُهُ : ( لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ضَرَبْنَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً قَلِيلَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : يُقَالُ ضَرَبْتُ عَنِ الْأَمْرِ ، وَأَضْرَبْتُ عَنْهُ ، بِمَعْنَى كَفَفْتُ ، وَأَعْرَضْتُ .
وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَأَضْرَبْتُ بِالْأَلِفِ .
وَقَوْلُهُ : ( لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا ) أَيْ قَوِيًّا .
وَقَوْلُهُ : ( وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ ) أَيْ : إِسْقَاطُهُ .
وَالْخَامِلُ السَّاقِطُ وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ .
وَقَوْلُهُ : ( أَجْدَى عَلَى الْأَنَامِ ) هُوَ بِالْجِيمِ وَالْأَنَامُ بِالنُّونِ وَمَعْنَاهُ أَنْفَعُ لِلنَّاسِ .
هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَالصَّحِيحُ .
وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ أَجْدَى عَنِ الْآثَامِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ ; فَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ .
وَيُقَالُ فِي الْأَنَامِ أَيْضًا حَكَاهُ الزُّبَيْدِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
قَوْلُهُ : ( وَسُوءِ رَوِيَّتِهِ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ، أَيْ : فِكْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ الْمُعْتَمَدَةِ ( حَتَّى ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ .
وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( حِينَ ) بِالْيَاءِ ثُمَّ بِالنُّونِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .
قَالَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ : ( فَيُقَالُ لِمُخْتَرِعِ هَذَا الْقَوْلِ : قَدْ أَعْطَيْتَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِكَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ يَلْزَمُ بِهِ الْعَمَلُ ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا مُعْظَمُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، وَهُوَ وُجُوبُ ; فَيَنْبَغِي الِاهْتِمَامُ بِهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِتَحْقِيقِهَا ، وَقَدْ أَطْنَبَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الِاحْتِجَاجِ لَهَا وَإِيضَاحِهَا ، وَأَفْرَدَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِالتَّصْنِيفِ ، وَاعْتَنَى بِهَا أَئِمَّةُ الْمُحَدِّثِينَ وَأُصُولِ الْفِقْهِ ، وَأَوَّلُ مَنْ بَلَغَنَا تَصْنِيفُهُ فِيهَا الْإِمَامُ : رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ تَقَرَّرَتْ أَدِلَّتُهَا النَّقْلِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَذْكُرُ هُنَا طَرَفًا فِي بَيَانِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمَذَاهِبِ فِيهِ مُخْتَصَرًا .
قَالَ الْعُلَمَاءُ : .
عَنْ مِثْلِهِمْ وَيَسْتَوِي طَرَفَاهُ وَالْوَسَطُ ، وَيُخْبِرُونَ عَنْ حِسِّيٍّ لَا مَظْنُونٍ وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ .
ثُمَّ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُضْبَطُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِينَ الْإِسْلَامُ وَلَا الْعَدَالَةُ .
وَفِيهِ مَذَاهِبُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ ، وَتَفْرِيعَاتٌ مَعْرُوفَةٌ مُسْتَقْصَاةٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ .
وَأَمَّا سَوَاءٌ كَانَ الرَّاوِي لَهُ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ .
وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ ; فَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ : أَنَّ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهَا ، ، وَأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ عَرَفْنَاهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ .
وَذَهَبَتِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الشَّافِعِيُّ الْخَبَرُ ضَرْبَانِ : مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ فَالْمُتَوَاتِرُ ، مَا نَقَلَهُ عَدَدٌ لَا يُمْكِنُ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ.
خَبَرُ الْوَاحِدِ : فَهُوَ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ خَبَرَ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ حُجَّةٌ وَيُفِيدُ الظَّنَّ وَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْقَدَرِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَنَعَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ دَلِيلُ الْعَقْلِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَنَعَ دَلِيلُ الشَّرْعِ .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْعَقْلِ .
وَقَالَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ : لَا يَجِبُ الْعَمَلُ إِلَّا بِمَا رَوَاهُ اثْنَانِ عَنِ اثْنَيْنِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ .
لَا يَجِبُ الْعَمَلُ إِلَّا بِمَا رَوَاهُ أَرْبَعَةٌ عَنْ أَرْبَعَةٍ .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّ الْآحَادَ الَّتِي فِي صَحِيحِ أَوْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْلِمٍ تُفِيدُ الْعِلْمَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْآحَادِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا الْقَوْلَ وَإِبْطَالَهُ فِي الْفُصُولِ وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ كُلُّهَا سِوَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَاطِلَةٌ ، وَإِبْطَالُ مَنْ قَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ ظَاهِرٌ ; فَلَمْ تَزَلْ كُتُبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَآحَادُ رُسُلِهِ يُعْمَلُ بِهَا ، وَيُلْزِمُهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَمَلَ بِذَلِكَ ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ .
وَلَمْ تَزَلِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى امْتِثَالِ خَبَرِ الْوَاحِدِ إِذَا أَخْبَرَهُمْ بِسُنَّةٍ ، وَقَضَائِهِمْ بِهِ ، وَرُجُوعِهِمْ إِلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا ، وَنَقْضِهِمْ بِهِ مَا حَكَمُوا بِهِ خِلَافَهُ ، وَطَلَبِهِمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ عِنْدَ عَدَمِ الْحُجَّةِ مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ وَاحْتِجَاجِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ ، وَانْقِيَادِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ .
وَهَذَا كُلُّهُ مَعْرُوفٌ لَا شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْهُ .
وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُوجِبُ الْعِلْمَ : فَهُوَ مُكَابِرٌ لِلْحَسَنِ .
وَكَيْفَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ وَاحْتِمَالُ الْغَلَطِ وَالْوَهْمِ وَالْكَذِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، مُتَطَرِّقٌ إِلَيْهِ ؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِكَايَةً عَنْ مُخَالِفِهِ : ( وَالْمُرْسَلُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ قَوْلُ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ : وَذَهَبَ الشَّافِعِيِّ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ بَيَانَ أَحْكَامِ الْمُرْسَلِ وَاضِحَةً ، وَبَسَطْنَاهَا بَسْطًا شَافِيًا ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ مُخْتَصَرًا وَجِيزًا .
وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ ( فَإِنْ عَزَبَ عَنِّي مَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ ) يُقَالُ : عَزَبَ الشَّيْءُ عَنِّي بِفَتْحِ الزَّايِ وَيَعْزِبُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ .
وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ .
وَمَعْنَاهُ : ذَهَبَ .
وَقَوْلُهُ : ( أَوْقَفْتُ الْخَبَرَ ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَوْقَفْتُ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ .
وَالْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ وَقَفْتُ بِغَيْرِ أَلِفٍ .
( بَابُ صِحَّةِ إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ الْمُعَنْعِنِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُدَلِّسٌ ) حَاصِلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ.