فما يعتد رام من معد
بسهم مع رسول الله قبلي
( ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة وهذا السمر حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة) الحبلة بضم الحاء وسكون الباء والسمر بفتح السين وضم الميم نوعان من شجر البادية قيل الحبلة شجر العضاء قال ابن العربي شجر يشبه اللوبية وفي ملحق الرواية حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع العنز ما يخلطه بشيء أي يتبرز بفضلات ورق الأشجار برازا غير مخلوط بأصناف الطعام
( ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين لقد خبت إذا وضل عملي) قالوا المراد ببني أسد بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى قالوا ومعنى تعزرني بضم التاء وفتح العين وكسر الزاي المشددة أي تعلمني وتقومني ومنه تعزير السلطان وهو تقويمه بالتأديب وقال بعضهم معناه اللوم والعتب وقيل معناه توبخني على التقصير في الدين يستكثر أن يكون من السابقين إلى الإسلام ويقدمه آخرون في الدين ولعله يشير بذلك إلى الشكوى التي قدمها فيه أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب يقولون عنه إنه لا يحسن يصلي والتنوين في إذا في قوله لقد خبت إذا عوض عن المضاف إليه والتقدير لقد خبت إذا كنت سيئ الدين
( فإن الدنيا قد آذنت بصرم) بضم الصاد وسكون الراء أي انقطاع وذهاب وآذنت بهمزة ممدودة وفتح الذال أي أعلمت
( وولت حذاء) ولت بفتح الواو وتشديد اللام المفتوحة من ولى يولي بمعنى ذهب وحذاء بفتح الحاء ثم ذال مشددة بعدها ألف ممدودة أي مسرعة الانقطاع
( ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها) الصبابة بضم الصاد النقية اليسيرة من الشراب تبقى في أسفل الإناء وقوله يتصابها أي يشربها
( لا يدرك لها قعرا) قعر كل شيء أسفله
( وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام) أي ممتلئ
( ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا) أي صارت فيها قروح وجراح من خشونة الورق وحرارته
( فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار) يقارن بين حالة الفقر والضنك التي كانوا فيها وبين حالة العز والسيادة التي صاروا فيها وسعد بن مالك هو سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بضم العين وسكون التاء وفتح الباء وغزوان بفتح الغين وسكون الزاي من السابقين الأولين هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة كان رفيقا للمقداد شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح الفتوح واختط البصرة قدم على عمر رضي الله عنهما يستعفيه من الإمارة فأبى فرجع فمات في الطريق سنة سبع عشرة وهو ابن سبع وخمسين على الصحيح
وفي ملحق الرواية الثالثة عشرة وكان أميرا على البصرة
( وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت) أي إلا أزيلت ومحيت وحل محلها شيء آخر
( حتى يكون آخر عاقبتها ملكا) وقد كان وتحولت الخلافة إلى ملك
( فستخبرون) بفتح التاء وسكون الخاء وضم الباء أي ستختبرون الأمراء وتختبرون بهم وترون منهم ما يذكركم أحوالنا وما كنا عليه من إصلاح
( ألم أكرمك وأسود له) أي أجعلك سيدا والاستفهام للتقرير
( وأذرك ترأس وتربع) أذرك بفتح الهمزة والذال وسكون الراء من يذر ذر أي يدع دع وترأس بفتح التاء وسكون الراء وفتح الهمزة بعدها سين ومعناه رئيس القوم وكبيرهم وأما تربع فبفتح التاء والباء بينهما راء ساكنة معناه تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة وهو ربعها يقال ربعتهم أي أخذت ربع أموالهم ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا وقال القاضي عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب من قولهم أربع على نفسك أي أرفق بها وفي رواية ترتع بتاءين ومعناه تنعم وقيل تأكل وقيل تلهو وقيل تعيش في سعة
( فيقول ههنا إذا) معناه قف ههنا حتى تشهد عليك جوارحك
( فيقال لأركانه انطقي) أي فيقال لجوارحه انطقي
( فعنكن كنت أناضل) أي أدافع وأجادل
( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) وفي الرواية الثامنة عشرة اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وفي ملحقها كفافا قيل المعنى اجعل رزقهم كفاية من غير إسراف وقيل قوتا أي كفافا أي سد الرمق
( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض) في الرواية العشرين ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله وفي الرواية الواحدة والعشرين ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض وفي الرواية الثالثة والعشرين من خبز البر ثلاثا وفي الرابعة والعشرين يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر وفي الرواية الثامنة والعشرين ما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين وعند ابن سعد كانت تأتي عليه أربعة أشهر ما يشبع من خبز البر وفي رواية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير في اليوم الواحد غداء وعشاء وعند ابن سعد ما شبع من غداء أو عشاء حتى لقى الله
( إن كنا آل محمد صلى الله عليه وسلم لنمكث شهرا ما نستوقد بنار إن هو إلا التمر والماء) وفي ملحق الرواية إن كنا لنمكث وإن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الحال والشأن محذوف والجملة بعدها خبرها والتقدير إنه كنا...
وزاد في هذا الملحق إلا أن يأتينا اللحيم وفي الرواية السابعة والعشرين إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار قال لها عروة ابن أختها يا خالة ما كان يعيشكم قالت الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه ما كان يعيشكم بضم الياء وفتح العين وكسر الياء المشددة قال النووي وفي بعض النسخ المعتمدة فما كان يقيتكم وفي الرواية الثالثة والثلاثين لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل بفتح الدال والقاف هو تمر ردئ ما يملأ به بطنه زاد في ملحق الرواية وما ترضون دون ألوان التمر والزبد وفي الرواية الرابعة والثلاثين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ به بطنه
( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففنى) الرف بفتح الراء تجويف في حائط أو خشبة توضع على جانبي حائط ليوضع عليها الشيء والشطر هنا معناه شيء من شعير وقيل معناه نصف وسق وذو كبد يشمل جميع الحيوان وفكلته بكسر الكاف
فقه الحديث
يؤخذ من الأحاديث
1- من الرواية الأولى مواساة أهل البلاء بأن الدنيا سجن المؤمن
2- ومن الرواية الثانية أدب التابعين مع المتبوع والإحاطة به من جانبيه
3- هوان الدنيا على الله وتحقير شأنها بالنسبة للآخرة ونعيمها
4- وجواز تمثيلها بالشيء الحقير والميت النتن
5- ومن الرواية الثالثة الحث على التصدق بالمال ومحاولة استخدامه للآخرة
6- ومن الرواية الخامسة أنه لا ينفع الميت إلا عمله
7- ومن الرواية السادسة خشيته صلى الله عليه وسلم على أمته من فتنة المال
8- وهو علم من أعلام النبوة وقد وقع
9- وفيها إشارة إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى لأن مضرة الفقر دنيوية ومضرة الغنى دينية غالبا
10- وقد يستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى
11- وفيها الاعتبار والتبصير بالأمم السابقة
12- ومن الرواية الثامنة والتاسعة فضيلة النظر إلى من هو فوقه في الدين والنظر إلى من هو دونه في الدنيا
13- والحث على شكر نعمة الله وعدم ازدرائها
14- ومن الرواية العاشرة من قول الملك رجل مسكين استخدام المعاريض وضرب الأمثال ليتيقظ المخاطب
15- وفيها جواز ذكر ما وقع لمن مضى ليتعظ به من سمعه ولا يكون ذلك غيبة فيهم
16- والتحذير من كفران النعم
17- والترغيب في شكرها والاعتراف بها وحمد الله عليها
18- وفيها فضل الصدقة
19- والحث على الرفق بالضعفاء وإكرامهم وتبليغهم مآربهم
20- والزجر عن البخل لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى
21- وفي الرواية الحادية عشرة منقبة لسعد بن أبي وقاص
22- والزهد في الإمارة والمناصب
23- وفضيلة الخامل المنقطع للعبادة المشتغل بأمور نفسه
24- قال النووي وفيها حجة لمن يقول الاعتزال أفضل من الاختلاط وفي المسألة خلاف
25- وفيها جواز مدح الإنسان نفسه عند الحاجة إذا أمن العجب
قال ابن الجوزي فإن قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة فاضطر إلى ذكر فضله
26- وفيها بيان ما كانوا عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والزهد والصبر في طاعة الله على المشاق الشديدة
27- ومن الرواية الثالثة عشرة ما كانت عليه حالتهم في أول الأمر من شدة الحال وخشونة العيش والجهد ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات وولوا الولايات
28- ومن الرواية التاسعة عشرة وما بعدها ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهد في الدنيا قال الطبري استشكل بعض الناس كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا مع ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع لأهله قوت سنة وأنه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير مما أفاء الله عليه وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين وأنه أمر لأعرابي بقطيع غنم وغير ذلك مع من كان معه من أصحاب الأموال كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم قال والجواب أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة لا لعوز وضيق بل تارة للإيثار وتارة لكراهة الشبع ثم قال وما نفاه مطلقا فيه نظر لما تقدم من الأحاديث اهـ
قال الحافظ ابن حجر والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة حيث كانوا بمكة ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان التوسع والتبسط في الدنيا له كما أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة عرض على ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت لا يا رب ولكن أشبع يوما وأجوع يوما فإذا جعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك
29- ومن الرواية السادسة والعشرين قال ابن بطال فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره قال الحافظ ابن حجر في تعميمه كل الطعام بذلك نظر والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه ما وقع في عكة المرأة قال القرطبي سبب رفع النماء عند الكيل الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة
30- ويستفاد منها أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر وإضافة المنة لله تعالى
والله أعلم.