هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5453 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ عَنِ الكُهَّانِ ، فَقَالَ : لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ ، يَخْطَفُهَا مِنَ الجِنِّيِّ ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ : مُرْسَلٌ : الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ أَسْنَدَهُ بَعْدَهُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
5453 حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا هشام بن يوسف ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن يحيى بن عروة بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان ، فقال : ليس بشيء فقالوا : يا رسول الله ، إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك الكلمة من الحق ، يخطفها من الجني ، فيقرها في أذن وليه ، فيخلطون معها مائة كذبة قال علي : قال عبد الرزاق : مرسل : الكلمة من الحق ثم بلغني أنه أسنده بعده
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Aisha:

Some people asked Allah's Messenger (ﷺ) about the fore-tellers He said. ' They are nothing They said, 'O Allah's Messenger (ﷺ)! Sometimes they tell us of a thing which turns out to be true. Allah's Messenger (ﷺ) said, A Jinn snatches that true word and pours it Into the ear of his friend (the fore-teller) (as one puts something into a bottle) The foreteller then mixes with that word one hundred lies.

":"ہم سے علی بن عبداللہ مدینی نے بیان کیا ، کہا ہم سے ہشام بن یوسف نے بیان کیا ، کہا ہم کو معمر نے خبر دی ، انہیں زہری نے ، انہیں یحییٰ بن عروہ بن زبیر نے ، انہیں عروہ نے اور ان سے حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا نے بیان کیا کہکچھ لوگوں نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے کاہنوں کے متعلق پوچھا آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اس کی کوئی بنیاد نہیں ۔ لوگوں نے کہا کہ یا رسول اللہ ( صلی اللہ علیہ وسلم ) ! بعض اوقات وہ ہمیں ایسی چیزیں بھی بتاتے ہیں جو صحیح ہو جاتی ہیں ۔ حضور اکرم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ یہ کلمہ حق ہوتا ہے ۔ اسے کاہن کسی جنی سے سن لیتا ہے وہ جنی اپنے دوست کاہن کے کان میں ڈال جاتا ہے اور پھر یہ کاہن اس کے ساتھ سوجھوٹ ملا کر بیان کرتے ہیں ۔ علی بن عبداللہ مدینی نے بیان کیا کہ عبدالرزاق اس کلمہ تلک الکلمۃ من الحق کو مرسلاً روایت کرتے تھے پھر انہوں نے کہا مجھ کو یہ خبر پہنچی کہ عبدالرزاق اس کے بعد اس کو مسنداً حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا سے روایت کیا ہے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [5762] .

     قَوْلُهُ  عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ كَأَنَّ هَذَامِمَّا فَاتَ الزُّهْرِيَّ سَمَاعُهُ مِنْ عُرْوَةَ فَحَمَلَهُ عَن وَلَده عَنهُ مَعَ كَثْرَة مَا عِنْد الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَقَدْ وَصَفَهُ الزُّهْرِيُّ بِسَعَةِ الْعِلْمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَفِي الْأَدَبِ من طَرِيق بن جريج كِلَاهُمَا عَن بن شِهَابٍ وَلَمْ أَقِفْ لِيَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ وَتَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَكَذَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سَأَلَ نَاسٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ مِثْلُهُ وَمِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ سُمِّيَ مِمَّنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ فَقَالَ لَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَؤُلَاءِ الْكُهَّانُ فِيمَا عُلِمَ بِشَهَادَةِ الِامْتِحَانِ قَوْمٌ لَهُمْ أَذْهَانٌ حَادَّةٌ وَنُفُوسٌ شِرِّيرَةٌ وَطَبَائِعُ نَارِيَّةٌ فَهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَى الْجِنِّ فِي أُمُورِهِمْ وَيَسْتَفْتُونَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ فَيُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْكَلِمَاتِ ثُمَّ تَعَرَّضَ إِلَى مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الشُّعَرَاءِ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على من تنزل الشَّيَاطِين .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَيْسُوا بِشَيْءٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ لَهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ أَيْ لَيْسَ .

     قَوْلُهُ مْ بِشَيْءٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا وَلَمْ يُحْكِمْهُ مَا عَمِلَ شَيْئًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَرَافَعُونَ إِلَى الْكُهَّانِ فِي الْوَقَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَيَرْجِعُونَ إِلَى أَقْوَالِهِمْ وَقَدْ انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ بِالْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لَكِنْ بَقِيَ فِي الْوُجُودِ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ فَلَا يَحِلُّ إِتْيَانُهُمْ وَلَا تَصْدِيقُهُمْ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَنَا أَحْيَانَا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَإِنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ هَذَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ إِشْكَالًا عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ لَيْسُوا بِشَيْء لِأَنَّهُ فهم مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يُصَدَّقُونَ أَصْلًا فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ الصِّدْقِ وَأَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ أَنْ يُصَدَّقَ لَمْ يَتْرُكْهُ خَالِصًا بَلْ يَشُوبُهُ بِالْكَذِبِ .

     قَوْلُهُ  تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ بِمُهْمَلَةٍ وَقَافٍ أَيِ الْكَلِمَةُ الْمَسْمُوعَةُ الَّتِي تَقَعُ حَقًّا وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا فِي نُسَخِ بِلَادِنَا بِالْجِيمِ وَالنُّونِ أَيِ الْكَلِمَةُ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْجِنِّ أَوِ الَّتِي تَصِحُّ مِمَّا نَقَلَتْهُ الْجِنُّ.

.

قُلْتُ التَّقْدِيرُ الثَّانِي يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ بِالْحَاءِ وَالْقَافِ .

     قَوْلُهُ  يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ أَيِ الْكَاهِنُ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ أَوِ الْجِنِّيُّ الَّذِي يَلْقَى الْكَاهِنُ يَخْطَفُهَا مِنْ جِنِّيٍّ آخَرَ فَوْقَهُ وَيَخْطَفُهَا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَقَدْ تُكْسَرُ بَعْدَهَا فَاءٌ وَمَعْنَاهُ الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَحْفَظُهَا بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَيَقَرُّهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَصُبُّهَا تَقُولُ قَرَرْتُ عَلَى رَأْسِهِ دَلْوًا إِذَا صَبَبْتُهُ فَكَأَنَّهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى أَلْقَاهَا فِي أُذُنِهِ بِصَوْتٍ يُقَالُ قَرَّ الطَّائِرُ إِذَا صَوَّتَ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَذْكُورَةِ فَيُقَرْقِرُهَا أَيْ يُرَدِّدُهَا يُقَالُ قَرْقَرَتِ الدَّجَاجَةُ تُقَرْقِرُ قَرْقَرَةً إِذَا رَدَّدَتْ صَوْتَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا قَرَّتِ الدَّجَاجَةُ تُقِرُّ قَرًّا وَقَرِيرًا وَإِذَا رَجَّعَتْ فِي صَوْتِهَا قِيلَ قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً وَقَرْقَرِيرَةً قَالَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجِنِّيَّ إِذَا أَلْقَى الْكَلِمَةَ لِوَلِيِّهِ تَسَامَعَ بِهَا الشَّيَاطِينُ فَتَنَاقَلُوهَا كَمَا إِذَا صَوَّتَتِ الدَّجَاجَةُ فَسَمِعَهَا الدَّجَاجُ فَجَاوَبَتْهَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الْأَشْبَهَ بِمَسَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي الْكَلِمَةَ إِلَى وَلِيِّهِ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ مُتَرَاجِعٍ لَهُ زَمْزَمَةٌ وَيُرْجِعُهُ لَهُ فَلِذَلِكَ يَقَعُ كَلَامُ الْكُهَّانِ غَالِبًا عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَاخِر الْجَنَائِزفِي قصَّة بن صَيَّادٍ وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي قَوْلِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ وَأُطْلِقَ عَلَى الْكَاهِنِ وَلِيُّ الْجِنِّيِّ لِكَوْنِهِ يُوَالِيهِ أَوْ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ الْكَاهِنَ إِلَى قَوْلِهِ وَلِيَّهُ لِلتَّعْمِيمِ فِي الْكَاهِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُوَالِي الْجِنَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِصَابَةَ الْكَاهِنِ أَحْيَانًا إِنَّمَا هِيَ لِأَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي يَسْمَعُهَا اسْتِرَاقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَكَاذِيبَ يَقِيسُهَا عَلَى مَا سَمِعَ فَرُبمَا أصَاب نَادرا وخطؤه الْغَالِبُ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ يَعْنِي الطَّائِرَ الْمَعْرُوفَ وَدَالُهَا مُثَلَّثَةٌ وَالْأَشْهَرُ فِيهَا الْفَتْحُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الزُّجَاجَةُ بِالزَّايِ الْمَضْمُومَةِ وَأَنْكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَدَّهَا فِي التَّصْحِيفِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فَيُقِرُّهَا فِي أُذُنِهِ كَمَا تَقَرُّ الْقَارُورَةُ وَشَرَحُوهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا يُسْمَعُ صَوْتُ الزُّجَاجَةِ إِذَا حَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ أَوْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ لِمَا يُلْقِيهِ الْجِنِّيُّ إِلَى الْكَاهِنِ حِسٌّ كَحِسِّ الْقَارُورَةِ إِذَا حُرِّكَتْ بِالْيَدِ أَوْ عَلَى الصَّفَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُطْبَقُ بِهِ كَمَا يُطْبَقُ رَأْسُ الْقَارُورَةِ بِرَأْسِ الْوِعَاءِ الَّذِي يُفْرَغُ فِيهِ مِنْهَا مَا فِيهَا وَأَغْرَبَ شَارِحُ المصابيح النوربشتي فَقَالَ الرِّوَايَةُ بِالزَّايِ أَحْوَطُ لِمَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ وَاسْتِعْمَالُ قَرَّ فِي ذَلِكَ شَائِعٌ بِخِلَافِ مَا فَسَرُّوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالدَّالِ تَصْحِيفٌ أَوْ غَلَطٌ مِنَ السَّامِعِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ فَقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ قَرَّ الدَّجَاجَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَفِيهِ مَعْنَى التَّشْبِيهِ فَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ إِيرَادُ مَا اخْتَطَفَهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ بِصَبِّ الْمَاءِ فِي الْقَارُورَةِ يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ تَرْدِيدُ الْكَلَامِ فِي أُذُنِهِ بِتَرْدِيدِ الدَّجَاجَةِ صَوْتَهَا فِي أُذُنِ صَوَاحِبَاتِهَا وَهَذَا مُشَاهَدٌ تَرَى الدِّيكَ إِذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ يُقَرْقِرُ فَتَسْمَعُهُ الدَّجَاجُ فَتَجْتَمِعُ وَتُقَرْقِرُ مَعَهُ وَبَابُ التَّشْبِيهِ وَاسِعٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَلَاقَةِ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِطَافَ مُسْتَعَارٌ لِلْكَلَامِ مِنْ فِعْلِ الطَّيْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ فَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّجَاجَةِ هُنَا أَنْسَبَ مِنْ ذِكْرِ الزُّجَاجَةِ لِحُصُولِ التَّرْشِيحِ فِي الِاسْتِعَارَةِ.

.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ دَعْوَى الدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ إِمَامُ الْفَنِّ أَنَّ الَّذِي بِالزَّايِ تَصْحِيفٌ وَإِنْ كُنَّا مَا قَبِلْنَا ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ .

     قَوْلُهُ  فَيَخْلِطُونَ مَعهَا مائَة كذبة فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمِائَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْعَدَدِ وَقَولُهُ كَذْبَةٍ هُنَا بِالْفَتْحِ وَحُكِيَ الْكَسْرُ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَصْلَ تَوَصُّلِ الْجِنِّيِّ إِلَى الِاخْتِطَافِ فَأَخْرَجَ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا رُمِيَ مِثْلُ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ إِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ رَبَّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ إِلَى أَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ حَتَّى يَصِلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَرِقُ مِنْهُ الْجِنِّيُّ فَمَا جاؤوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِيهِ وَيَنْقُصُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سَبَأٍ وَغَيْرِهَا بَيَانُ كَيْفِيَّتِهِمْ عِنْدَ اسْتِرَاقِهِمْ.

.
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّحَابِ السَّمَاءَ كَمَا أَطْلَقَ السَّمَاءَ عَلَى السَّحَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَرْضِ تَسْمَعُ مِنْهُمُ الشَّيَاطِينُ أَوِ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلَةُ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَلِيٌّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنه أسْندهُ بعد على هَذَا هُوَ بن الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يُرْسِلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ ثُمَّ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَهُبِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ فَيَّاضِ بْنِ زُهَيْرٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْصُولًا كَرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ وَفِي الْحَدِيثِ بَقَاءُ اسْتِرَاقِ الشَّيَاطِينِ السَّمْعَ لَكِنَّهُ قَلَّ وَنَدَرَ حَتَّى كَادَ يَضْمَحِلُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُحْتَسِبٍ وَغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْوَاقِ وَيُنْكِرُ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ النَّكِيرِ وَعَلَى مَنْ يَجِيءُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَغْتَرُّ بِصِدْقِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَلَا بِكَثْرَةِ مَنْ يَجِيءُ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ رَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بَلْ مِنَ الْجُهَّالِ بِمَا فِي إِتْيَانِهِمْ مِنَ الْمَحْذُورِ تَنْبِيه إِيرَاد بَاب الكهانة فِي كِتَابَ الطِّبِّ لِمُنَاسَبَتِهِ لِبَابِ السِّحْرِ لِمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ مَرْجِعِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلشَّيَاطِينِ وَإِيرَادُ بَابِ السِّحْرِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ لِمُنَاسَبَتِهِ ذِكْرَ الرُّقَى وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَنَاسَبَ ذِكْرَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ وَاشْتَمَلَ كِتَابُ الطِّبِّ عَلَى الْإِشَارَةِ لِلْأَدْوِيَةِ الْحِسِّيَّةِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْعَسَلِ ثُمَّ عَلَى الْأَدْوِيَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالرُّقَى بِالدُّعَاءِ وَالْقُرْآنِ ثُمَّ ذَكَرْتُ الْأَدْوَاءَ الَّتِي تَنْفَعُ الْأَدْوِيَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ فِي دَفْعِهَا كَالسِّحْرِ كَمَا ذَكَرْتُ الْأَدْوَاءَ الَّتِي تَنْفَعُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ فِي دَفْعِهَا كَالْجُذَامِ وَالله أعلم( قَولُهُ بَابُ السِّحْرِ) قَالَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ السِّحْرُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ أَحَدُهَا مَا لَطُفَ وَدَقَّ وَمِنْهُ سَحَرْتُ الصَّبِيَّ خَادَعْتُهُ وَاسْتَمَلْتُهُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَمَالَ شَيْئًا فَقَدْ سَحَرَهُ وَمِنْهُ إِطْلَاقُ الشُّعَرَاءِ سِحْرَ الْعُيُونِ لِاسْتِمَالَتِهَا النُّفُوسِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ الطَّبِيعَةُ سَاحِرَةٌ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى بَلْ نَحْنُ قوم مسحورون أَيْ مَصْرُوفُونَ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَمِنْهُ حَدِيثُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ الثَّانِي مَا يَقَعُ بِخِدَاعٍ وَتَخْيِيلَاتٍ لَا حَقِيقَة لَهَا نَحْو مَا يَفْعَلُهُ الْمُشَعْوِذُ مِنْ صَرْفِ الْأَبْصَارِ عَمَّا يَتَعَاطَاهُ بِخِفَّةِ يَدِهِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى وَقَوله تَعَالَى سحروا أعين النَّاس وَمِنْ هُنَاكَ سَمَّوْا مُوسَى سَاحِرًا وَقَدْ يَسْتَعِينُ فِي ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ فِيهِ خَاصِّيَّةٌ كَالْحَجَرِ الَّذِي يَجْذِبُ الْحَدِيدَ الْمُسَمَّى الْمِغْنَطِيسُ الثَّالِثُ مَا يَحْصُلُ بِمُعَاوَنَةِ الشَّيَاطِينِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِمْ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر الرَّابِعُ مَا يَحْصُلُ بِمُخَاطَبَةِ الْكَوَاكِبِ وَاسْتِنْزَالِ رُوحَانِيَّاتِهَا بزعمهم قَالَ بن حَزْمٍ وَمِنْهُ مَا يُوجَدُ مِنَ الطَّلْسَمَاتِ كَالطَّابِعِ الْمَنْقُوشِ فِيهِ صُورَةُ عَقْرَبٍ فِي وَقْتِ كَوْنِ الْقَمَرِ فِي الْعَقْرَبِ فَيَنْفَعُ إِمْسَاكُهُ مِنْ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ وَكَالْمُشَاهَدِ بِبَعْضِ بِلَادِ الْغَرْبِ وَهِيَ سَرْقُسْطَةُ فَإِنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا ثُعْبَانٌ قَطُّ إِلَّا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ وَقَدْ يَجْمَعُ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ كَالِاسْتِعَانَةِ بِالشَّيَاطِينِ وَمُخَاطَبَةِ الْكَوَاكِبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى بِزَعْمِهِمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي الْأَحْكَامِ لَهُ كَانَ أَهْلُ بَابِلَ قَوْمًا صَابِئِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ وَيُسَمُّونَهَا آلِهَةً وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا الْفَعَّالَةُ لِكُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ وَعَمِلُوا أَوْثَانًا عَلَى أَسْمَائِهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ هَيْكَلٌ فِيهِ صَنَمُهُ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِمَا يُوَافِقُهُ بِزَعْمِهِمْ مِنْ أَدْعِيَةٍ وَبَخُورٍ وَهُمُ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتْ عُلُومُهُمْ أَحْكَامَ النُّجُومِ وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ السَّحَرَةُ مِنْهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ سَائِرَ وُجُوِهِ السِّحْرِ وَيَنْسُبُونَهَا إِلَى فِعْلِ الْكَوَاكِبِ لِئَلَّا يُبْحَثَ عَنْهَا وَيَنْكَشِفَ تَمْوِيهُهُمُ انْتَهَى ثُمَّ السِّحْرُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْآلَةُ الَّتِي يُسْحَرُ بِهَا وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ فِعْلُ السَّاحِرِ وَالْآلَةُ تَارَةً تَكُونُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي فَقَطْ كَالرُّقَى وَالنَّفْثِ فِي الْعُقَدِ وَتَارَةً تَكُونُ بِالْمَحْسُوسَاتِ كَتَصْوِيرِ الصُّورَةِ عَلَى صُورَةِ الْمَسْحُورِ وَتَارَةً بِجَمْعِ الْأَمْرَيْنِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ أَبْلَغُ وَاخْتُلِفَ فِي السِّحْرِ فَقِيلَ هُوَ تخبيل فَقَط وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ الْإِسْتِرَبَاذِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّة وبن حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ وَطَائِفَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ انْتَهَى لَكِنْ مَحَلُّ النِّزَاعِ هَلْ يَقَعُ بِالسِّحْرِ انْقِلَابُ عَيْنٍ أَوْ لَا فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ تَخْيِيلٌ فَقَطْ مَنَعَ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ إِنَّ لَهُ حَقِيقَةً اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ تَأْثِيرٌ فَقَطْ بِحَيْثُ يُغَيِّرُ الْمِزَاجَ فَيَكُونُ نَوْعًا مِنَ الْأَمْرَاضِ أَو يَنْتَهِي إِلَى الاحالة بِحَيْثُ يصير الجاد حَيَوَانًا مَثَلًا وَعَكْسُهُ فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ إِلَى الثَّانِي فَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إِلَى الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إِلَى الْوَاقِعِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَدَّعِي ذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُ إِقَامَةَ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ قَوْمًا أَنْكَرُوا السِّحْرَ مُطْلَقًا وَكَأَنَّهُ عَنَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ تَخْيِيلٌ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ مُكَابَرَةٌ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِثْبَاتِ السِّحْرِ وَأَنَّ لَهُ حَقِيقَةً وَنَفَى بَعْضُهُمْ حَقِيقَتَهُ وَأَضَافَ مَا يَقَعُ مِنْهُ إِلَى خَيَالَاتٍ بَاطِلَةٍ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِوُرُودِ النَّقْلِ بِإِثْبَاتِ السِّحْرِ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ يَخْرِقُ الْعَادَةَ عِنْدَ نُطْقِ السَّاحر بِكَلَاممُلَفَّقٍ أَوْ تَرْكِيبِ أَجْسَامٍ أَوْ مَزْجٍ بَيْنَ قُوًى عَلَى تَرْتِيبٍ مَخْصُوصٍ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا يَقَعُ مِنْ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ مِنْ مَزْجِ بَعْضِ الْعَقَاقِيرِ بِبَعْضٍ حَتَّى يَنْقَلِبَ الضَّارُّ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ بِالتَّرْكِيبِ نَافِعًا وَقِيلَ لَا يَزِيدُ تَأْثِيرُ السِّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه لِكَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ تَهْوِيلٍ فَلَوْ جَازَ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ أَنَّ السِّحْرَ يَكُونُ بِمُعَانَاةِ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لِلسَّاحِرِ مَا يُرِيدُ وَالْكَرَامَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ بَلْ إِنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا اتِّفَاقًا.

.
وَأَمَّا الْمُعْجِزَةُ فَتَمْتَازُ عَنِ الْكَرَامَةِ بِالتَّحَدِّي وَنَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا مِنْ فَاسِقٍ وَأَنَّ الْكَرَامَةَ لَا تَظْهَرُ عَلَى فَاسِقٍ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ عَنِ الْمُتَوَلِّي نَحْوَ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَالِ مَنْ يَقَعُ الْخَارِقُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِالشَّرِيعَةِ مُتَجَنِّبًا لِلْمُوبِقَاتِ فَالَّذِي يَظْهَرُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الْخَوَارِقِ كَرَامَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ سِحْرٌ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ أَحَدِ أَنْوَاعِهِ كَإِعَانَةِ الشَّيَاطِينِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ السِّحْرُ حِيَلٌ صِنَاعِيَّةٌ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا بِالِاكْتِسَابِ غَيْرَ أَنَّهَا لِدِقَّتِهَا لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا إِلَّا آحَادُ النَّاسِ وَمَادَّتُهُ الْوُقُوفُ عَلَى خَوَاصِّ الْأَشْيَاءِ وَالْعِلْمِ بِوُجُوُهِ تَرْكِيبِهَا وَأَوْقَاتِهِ وَأَكْثَرُهَا تَخْيِيلَاتٌ بِغَيْرِ حَقِيقَةٍ وَإِيهَامَاتٍ بِغَيْرِ ثُبُوتِ فَيَعْظُمُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَن سحرة فِرْعَوْن وَجَاءُوا بِسحر عَظِيم مَعَ أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا حِبَالًا وَعِصِيًّا ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ لِبَعْضِ أَصْنَافِ السِّحْرِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ كَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَإِلْقَاءِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي الْأَبَدَانِ بِالْأَلَمِ وَالسَّقَمِ وَإِنَّمَا الْمَنْكُورُ أَنَّ الْجَمَادَ يَنْقَلِبُ حَيَوَانًا أَو عَكسه بِسحر السَّاحر وَنَحْو ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ الْآيَةَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ مِنْ خَلَاقٍ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَصْلِ السِّحْرِ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ الْيَهُودُ ثُمَّ هُوَ مِمَّا وَضَعَتْهُ الشَّيَاطِينُ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمِمَّا أُنْزِلَ عَلَى هَارُوتَ وَمَارُوتَ بِأَرْضِ بَابِلَ وَالثَّانِي مُتَقَدِّمُ الْعَهْدِ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ قِصَّةَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ كَانَتْ مِنْ قَبْلِ زَمَنِ نوح عَلَيْهِ السَّلَام على مَا ذكر بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَكَانَ السِّحْرُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ نُوحٍ إِذْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ وَكَانَ السِّحْرُ أَيْضًا فَاشِيًا فِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَكُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ سُلَيْمَانَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَةِ فَقِيلَ إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ جَمَعَ كُتُبَ السِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ فَدَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ الْكُرْسِيِّ فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَتِ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْأَمْرَ جَاءَهُمْ شَيْطَانٌ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ فَقَالَ لِلْيَهُودِ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزٍ لَا نَظِيرَ لَهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَاحْفِرُوا تَحْتَ الْكُرْسِيِّ فَحَفَرُوا وَهُوَ مُتَنَحٍّ عَنْهُمْ فَوَجَدُوا تِلْكَ الْكُتُبَ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يَضْبِطُ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ بِهَذَا فَفَشَا فِيهِمْ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ سَاحِرًا فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ سُلَيْمَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَنْكَرَتِ الْيَهُودُ ذَلِكَ وَقَالُوا إِنَّمَا كَانَ سَاحِرًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ السُّدِّيِّ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ نَحْوُهُ وَمَنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَوْصُولًا بِمَعْنَاهُ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَلَكِنْ قَالَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ هِيَ الَّتِي كَتَبَتْ كُتُبَ السِّحْرِ وَدَفَنَتْهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ اسْتَخْرَجَتْهُ وَقَالُوا هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي كَانَ سُلَيْمَانُ يَكْتُمُهُ النَّاسَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَزَادَ أَنَّهُمْ نَقَشُوا خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ وختموا بِهِ الْكِتَابَ وَكَتَبُوا عُنْوَانَهُ هَذَا مَا كَتَبَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَاءَ الصِّدِّيقُ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ الْعِلْمِ ثُمَّ دَفَنُوهُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنِ السُّدِّيِّوَلَكِنْ قَالَ إِنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا الْكُتُبَ قَالُوا هَذَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى سُلَيْمَانَ فَأَخْفَاهُ مِنَّا وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ انْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي ابْتُلِيَ فِيهَا سُلَيْمَانُ فَكَتَبَتْ كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ ثُمَّ دَفَنَتْهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ثُمَّ أَخْرَجُوهَا بَعْدَهُ فَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاسِ وَمُلَخَّصُ مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمْ أَنهم اتبعُوا مَا تتلو الشَّيَاطِينُ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ إِذْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ إِيضَاحُ ذَلِكَ وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلما جَاءَهُم رَسُول إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا تتلو الشَّيَاطِين مَوْصُولَةٌ عَلَى الصَّوَابِ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَافِيَة لِأَن نظم الْكَلَام يأباه ونتلو لَفْظُهُ مُضَارِعٌ لَكِنْ هُوَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَاضِي وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ وَمَعْنَى تَتْلُو تَتَقَوَّلُ وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَتْبَعُ أَوْ تَقْرَأُ وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ قِيلَ هُوَ تَقْرَأُ عَلَى زَمَانِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَقَولُهُ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ مَا نَافِيَةٌ جَزْمًا وَقَولُهُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا هَذِهِ الْوَاوُ عَاطِفَةٌ لِجُمْلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَا قبلهَا وَقَوله يعلمُونَ النَّاس السحر النَّاسُ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَالسِّحْرُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَفَرُوا أَيْ كَفَرُوا مُعَلِّمِينَ وَقِيلَ هِيَ بَدَلٌ مِنْ كَفَرُوا وَقِيلَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَهَذَا عَلَى إِعَادَةِ ضَمِيرِ يَعْلَمُونَ عَلَى الشَّيَاطِينِ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الَّذِينَ اتَّبَعُوا فَيَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ اتَّبَعُوا أَوِ اسْتِئْنَافًا وَقَولُهُ وَمَا أُنْزِلَ مَا مَوْصُولَةٌ وَمَحَلُّهَا النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى السِّحْرِ وَالتَّقْدِيرُ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَالْمُنْزَلُ عَلَى الْمَلَكَيْنِ وَقِيلَ الْجَرُّ عَطْفًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ أَيْ تَقَوُّلًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَعَلَى مَا أُنْزِلَ وقِيلَ بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ عَطْفًا عَلَى وَمَا كفر سُلَيْمَان وَالْمَعْنَى وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْمَلَكَيْنِ إِبَاحَةُ السِّحْرِ وَهَذَانِ الْإِعْرَابَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ عَنِ الْبَعْضِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَرَدَّ الزَّجَّاجُ عَلَى الْأَخْفَشِ دَعْوَاهُ أَنَّهَا نَافِيَةٌ.

     وَقَالَ  الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَوْلَى وَقَولُهُ بِبَابِلَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا أُنْزِلَ أَيْ فِي بَابِلَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ لَامِ الْمَلَكَيْنِ وَقُرِئَ بِكَسْرِهَا وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ بَدَلٌ مِنَ الْمَلَكَيْنِ وَجُرَّا بِالْفَتْحَةِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَقِيلَ بَلْ هُمَا بَدَلٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقِيلَ مِنَ الشَّيَاطِينِ عَلَى أَنَّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ اسْمَانِ لِقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَولُهُ وَمَا يعلمَانِ من أحد بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِسُكُونِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعْلَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّضْعِيفَ يَتَعَاقَبُ مَعَ الْهَمْزَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ لَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ بَلْ يُعْلِمَانِهِمْ بِهِ وَيَنْهَيَانِهِمْ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ الْمَلَكَانِ يُعَلِّمَانِ تَعْلِيمَ إِنْذَارٍ لَا تَعْلِيمُ طَلَبٍ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَمُتَعَلِّمَهُ كَافِرٌ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا وَهُوَ التَّعَبُّدُ لِلشَّيَاطِينِ أَوْ لِلْكَوَاكِبِ.

.
وَأَمَّا النَّوْعُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الشَّعْوَذَةِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ مَنْ تَعَلَّمَهُ أَصْلًا قَالَ النَّوَوِيُّ عَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كُفْرًا وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا.

.
وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَحَرَامٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ وَلَا يُقْتَلُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عُزِّرَ وَعَنْ مَالِكٍ السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ وَلَا يُسْتَتَابُ بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ كَالزِّنْدِيقِ قَالَ عِيَاضٌ وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اه وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَتَفَاصِيلُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَعَلُّمَ السِّحْرِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا لِتَمْيِيزِ مَا فِيهِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَإِمَّا لِإِزَالَتِهِ عَمَّنْ وَقَعَ فِيهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ فَإِذَا سَلِمَ الِاعْتِقَادُ فَمَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ مَنْعًا كَمَنْ يَعْرِفُ كَيْفِيَّةَ عِبَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ لِلْأَوْثَانِ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ مَا يَعْمَلُهُ السَّاحِرُ إِنَّمَا هِيَحِكَايَةُ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِخِلَافِ تَعَاطِيهِ وَالْعَمَلُ بِهِ.

.
وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ إِلَّا بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ أَوِ الْفِسْقِ فَلَا يَحِلُّ أَصْلًا وَإِلَّا جَازَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي بَابِ هَلْ يُسْتَخْرَجُ السِّحْرُ قَرِيبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْحُكْمِ بِكُفْرِ السَّاحِرِ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ وَلَا يُكْفَرُ بِتَعْلِيمِ الشَّيْءِ إِلَّا وَذَلِكَ الشَّيْءُ كُفْرٌ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فِي الْآيَةِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكَيْنِ إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ كُفْرًا وَهَذَا كُلُّهُ وَاضِحٌ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ مِنَ الْعَمَلِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ السِّحْرَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَتَسْمِيَةُ مَا عَدَا ذَلِكَ سِحْرًا مَجَازٌ كَإِطْلَاقِ السِّحْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْبَلِيغِ وَقِصَّةُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ جَاءَتْ بِسَنَدٍ حسن من حَدِيث بن عُمَرَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَأَطْنَبَ الطَّبَرِيُّ فِي إِيرَادِ طُرُقِهَا بِحَيْثُ يَقْضِي بِمَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ بُطْلَانَهَا كَعِيَاضٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمُحَصَّلُهَا أَنَّ اللَّهَ رَكَّبَ الشَّهْوَةَ فِي مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ اخْتِبَارًا لَهُمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا فِي الْأَرْضِ فَنَزَلَا عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ وَحَكَمَا بِالْعَدْلِ مُدَّةً ثُمَّ افْتُتِنَا بِامْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ فَعُوقِبَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بِأَنْ حُبِسَا فِي بِئْرٍ بِبَابِلَ مُنَكَّسَيْنِ وَابْتُلِيَا بِالنُّطْقِ بِعِلْمِ السِّحْرِ فَصَارَ يَقْصِدُهُمَا مَنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ فَلَا يَنْطِقَانِ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ حَتَّى يُحَذِّرَاهُ وَيَنْهَيَاهُ فَإِذَا أَصَرَّ تَكَلَّمَا بِذَلِكَ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَهُمَا قَدْ عَرَفَا ذَلِكَ فَيَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا مَا قَصَّ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ تَعَالَى وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى فِي الْآيَةِ نَفْيُ الْفَلَاحِ عَنِ السَّاحِرِ وَلَيْسَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كُفْرِ السَّاحِرِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ إِثْبَاتُ الْفَلَاحِ لِلْمُؤْمِنِ وَنَفْيُهُ عَنِ الْكَافِرِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي نَفْيَ الْفَلَاحِ عَنِ الْفَاسِقِ وَكَذَا الْعَاصِي .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ هَذَا يُخَاطَبُ بِهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَسْتَبْعِدُونَ كَوْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ لِكَوْنِهِ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ فَقَالَ قَائِلُهُمْ مُنْكِرًا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ أَيْ أَفَتَتَّبِعُونَهُ حَتَّى تَصِيرُوا كَمَنِ اتَّبَعَ السِّحْرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سِحْرٌ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى هَذِهِ الْآيَةُ عُمْدَةُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ وَلَا حُجَّةَ لَهُ بِهَا لِأَنَّ هَذِهِ وَرَدَتْ فِي قِصَّةِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ وَكَانَ سِحْرُهُمْ كَذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ السِّحْرِ تَخْيِيلٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي الْأَحْكَامِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي ظَنَّهُ مُوسَى مِنْ أَنَّهَا تَسْعَى لَمْ يَكُنْ سَعْيًا وَإِنَّمَا كَانَ تَخْيِيلًا وَذَلِكَ أَنَّ عِصِيَّهُمْ كَانَتْ مُجَوَّفَةً قَدْ مُلِئَتْ زِئْبَقًا وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ كَانَتْ مِنْ أُدْمٍ مَحْشُوَّةٍ زِئْبَقًا وَقَدْ حَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ أَسْرَابًا وَجَعَلُوا لَهَا آزَاجًا وَمَلَأُوهَا نَارًا فَلَمَّا طُرِحَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَحُمِيَ الزِّئْبَقُ حَرَّكَهَا لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الزِّئْبَقِ إِذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ أَنْ يَطِيرَ فَلَمَّا أَثْقَلَتْهُ كَثَافَةُ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ صَارَتْ تَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ فَظَنَّ مَنْ رَآهَا أَنَّهَا تَسْعَى وَلَمْ تَكُنْ تَسْعَى حَقِيقَةً .

     قَوْلُهُ  وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَالنَّفَّاثَاتُ السَّوَاحِرُ هُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْضًا فِي الْمَجَازِ قَالَ النَّفَّاثَاتُ السَّوَاحِرُ يَنْفُثْنَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ النَّفْثُ فِي الرُّقْيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الرُّقْيَةِ وَقد وَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ فِي آخِرِ قِصَّةِ السِّحْرِ الَّذِي سُحِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا وِتْرًا فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً وَأُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَلَقِ وَالنَّاسِ وَجُعِلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّت عقدَة وَأخرجه بن سعد بِسَنَد آخر مُنْقَطع عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا وَعَمَّارًا لَمَّا بَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِخْرَاجِ السِّحْرِ وَجَدَا طَلْعَةً فِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  تُسْحَرُونَ تُعَمَّوْنَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَضُبِطَ أَيْضًا بِسُكُونِ الْعَيْنِمِمَّا فَاتَ الزُّهْرِيَّ سَمَاعُهُ مِنْ عُرْوَةَ فَحَمَلَهُ عَن وَلَده عَنهُ مَعَ كَثْرَة مَا عِنْد الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَقَدْ وَصَفَهُ الزُّهْرِيُّ بِسَعَةِ الْعِلْمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَفِي الْأَدَبِ من طَرِيق بن جريج كِلَاهُمَا عَن بن شِهَابٍ وَلَمْ أَقِفْ لِيَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ وَتَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَكَذَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سَأَلَ نَاسٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ مِثْلُهُ وَمِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ سُمِّيَ مِمَّنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ فَقَالَ لَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَؤُلَاءِ الْكُهَّانُ فِيمَا عُلِمَ بِشَهَادَةِ الِامْتِحَانِ قَوْمٌ لَهُمْ أَذْهَانٌ حَادَّةٌ وَنُفُوسٌ شِرِّيرَةٌ وَطَبَائِعُ نَارِيَّةٌ فَهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَى الْجِنِّ فِي أُمُورِهِمْ وَيَسْتَفْتُونَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ فَيُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْكَلِمَاتِ ثُمَّ تَعَرَّضَ إِلَى مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الشُّعَرَاءِ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على من تنزل الشَّيَاطِين .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَيْسُوا بِشَيْءٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ لَهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ أَيْ لَيْسَ .

     قَوْلُهُ مْ بِشَيْءٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا وَلَمْ يُحْكِمْهُ مَا عَمِلَ شَيْئًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَرَافَعُونَ إِلَى الْكُهَّانِ فِي الْوَقَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَيَرْجِعُونَ إِلَى أَقْوَالِهِمْ وَقَدْ انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ بِالْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لَكِنْ بَقِيَ فِي الْوُجُودِ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ فَلَا يَحِلُّ إِتْيَانُهُمْ وَلَا تَصْدِيقُهُمْ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَنَا أَحْيَانَا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَإِنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ هَذَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ إِشْكَالًا عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ لَيْسُوا بِشَيْء لِأَنَّهُ فهم مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يُصَدَّقُونَ أَصْلًا فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ الصِّدْقِ وَأَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ أَنْ يُصَدَّقَ لَمْ يَتْرُكْهُ خَالِصًا بَلْ يَشُوبُهُ بِالْكَذِبِ .

     قَوْلُهُ  تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ بِمُهْمَلَةٍ وَقَافٍ أَيِ الْكَلِمَةُ الْمَسْمُوعَةُ الَّتِي تَقَعُ حَقًّا وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا فِي نُسَخِ بِلَادِنَا بِالْجِيمِ وَالنُّونِ أَيِ الْكَلِمَةُ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْجِنِّ أَوِ الَّتِي تَصِحُّ مِمَّا نَقَلَتْهُ الْجِنُّ.

.

قُلْتُ التَّقْدِيرُ الثَّانِي يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ بِالْحَاءِ وَالْقَافِ .

     قَوْلُهُ  يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ أَيِ الْكَاهِنُ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ أَوِ الْجِنِّيُّ الَّذِي يَلْقَى الْكَاهِنُ يَخْطَفُهَا مِنْ جِنِّيٍّ آخَرَ فَوْقَهُ وَيَخْطَفُهَا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَقَدْ تُكْسَرُ بَعْدَهَا فَاءٌ وَمَعْنَاهُ الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَحْفَظُهَا بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَيَقَرُّهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَصُبُّهَا تَقُولُ قَرَرْتُ عَلَى رَأْسِهِ دَلْوًا إِذَا صَبَبْتُهُ فَكَأَنَّهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى أَلْقَاهَا فِي أُذُنِهِ بِصَوْتٍ يُقَالُ قَرَّ الطَّائِرُ إِذَا صَوَّتَ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَذْكُورَةِ فَيُقَرْقِرُهَا أَيْ يُرَدِّدُهَا يُقَالُ قَرْقَرَتِ الدَّجَاجَةُ تُقَرْقِرُ قَرْقَرَةً إِذَا رَدَّدَتْ صَوْتَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا قَرَّتِ الدَّجَاجَةُ تُقِرُّ قَرًّا وَقَرِيرًا وَإِذَا رَجَّعَتْ فِي صَوْتِهَا قِيلَ قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً وَقَرْقَرِيرَةً قَالَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجِنِّيَّ إِذَا أَلْقَى الْكَلِمَةَ لِوَلِيِّهِ تَسَامَعَ بِهَا الشَّيَاطِينُ فَتَنَاقَلُوهَا كَمَا إِذَا صَوَّتَتِ الدَّجَاجَةُ فَسَمِعَهَا الدَّجَاجُ فَجَاوَبَتْهَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الْأَشْبَهَ بِمَسَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي الْكَلِمَةَ إِلَى وَلِيِّهِ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ مُتَرَاجِعٍ لَهُ زَمْزَمَةٌ وَيُرْجِعُهُ لَهُ فَلِذَلِكَ يَقَعُ كَلَامُ الْكُهَّانِ غَالِبًا عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَاخِر الْجَنَائِزفِي قصَّة بن صَيَّادٍ وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي قَوْلِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ وَأُطْلِقَ عَلَى الْكَاهِنِ وَلِيُّ الْجِنِّيِّ لِكَوْنِهِ يُوَالِيهِ أَوْ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ الْكَاهِنَ إِلَى قَوْلِهِ وَلِيَّهُ لِلتَّعْمِيمِ فِي الْكَاهِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُوَالِي الْجِنَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِصَابَةَ الْكَاهِنِ أَحْيَانًا إِنَّمَا هِيَ لِأَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي يَسْمَعُهَا اسْتِرَاقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَكَاذِيبَ يَقِيسُهَا عَلَى مَا سَمِعَ فَرُبمَا أصَاب نَادرا وخطؤه الْغَالِبُ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ يَعْنِي الطَّائِرَ الْمَعْرُوفَ وَدَالُهَا مُثَلَّثَةٌ وَالْأَشْهَرُ فِيهَا الْفَتْحُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الزُّجَاجَةُ بِالزَّايِ الْمَضْمُومَةِ وَأَنْكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَدَّهَا فِي التَّصْحِيفِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فَيُقِرُّهَا فِي أُذُنِهِ كَمَا تَقَرُّ الْقَارُورَةُ وَشَرَحُوهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا يُسْمَعُ صَوْتُ الزُّجَاجَةِ إِذَا حَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ أَوْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ لِمَا يُلْقِيهِ الْجِنِّيُّ إِلَى الْكَاهِنِ حِسٌّ كَحِسِّ الْقَارُورَةِ إِذَا حُرِّكَتْ بِالْيَدِ أَوْ عَلَى الصَّفَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُطْبَقُ بِهِ كَمَا يُطْبَقُ رَأْسُ الْقَارُورَةِ بِرَأْسِ الْوِعَاءِ الَّذِي يُفْرَغُ فِيهِ مِنْهَا مَا فِيهَا وَأَغْرَبَ شَارِحُ المصابيح النوربشتي فَقَالَ الرِّوَايَةُ بِالزَّايِ أَحْوَطُ لِمَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ وَاسْتِعْمَالُ قَرَّ فِي ذَلِكَ شَائِعٌ بِخِلَافِ مَا فَسَرُّوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالدَّالِ تَصْحِيفٌ أَوْ غَلَطٌ مِنَ السَّامِعِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ فَقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ قَرَّ الدَّجَاجَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَفِيهِ مَعْنَى التَّشْبِيهِ فَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ إِيرَادُ مَا اخْتَطَفَهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ بِصَبِّ الْمَاءِ فِي الْقَارُورَةِ يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ تَرْدِيدُ الْكَلَامِ فِي أُذُنِهِ بِتَرْدِيدِ الدَّجَاجَةِ صَوْتَهَا فِي أُذُنِ صَوَاحِبَاتِهَا وَهَذَا مُشَاهَدٌ تَرَى الدِّيكَ إِذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ يُقَرْقِرُ فَتَسْمَعُهُ الدَّجَاجُ فَتَجْتَمِعُ وَتُقَرْقِرُ مَعَهُ وَبَابُ التَّشْبِيهِ وَاسِعٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَلَاقَةِ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِطَافَ مُسْتَعَارٌ لِلْكَلَامِ مِنْ فِعْلِ الطَّيْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ فَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّجَاجَةِ هُنَا أَنْسَبَ مِنْ ذِكْرِ الزُّجَاجَةِ لِحُصُولِ التَّرْشِيحِ فِي الِاسْتِعَارَةِ.

.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ دَعْوَى الدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ إِمَامُ الْفَنِّ أَنَّ الَّذِي بِالزَّايِ تَصْحِيفٌ وَإِنْ كُنَّا مَا قَبِلْنَا ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ .

     قَوْلُهُ  فَيَخْلِطُونَ مَعهَا مائَة كذبة فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمِائَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْعَدَدِ وَقَولُهُ كَذْبَةٍ هُنَا بِالْفَتْحِ وَحُكِيَ الْكَسْرُ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَصْلَ تَوَصُّلِ الْجِنِّيِّ إِلَى الِاخْتِطَافِ فَأَخْرَجَ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا رُمِيَ مِثْلُ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ إِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ رَبَّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ إِلَى أَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ حَتَّى يَصِلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَرِقُ مِنْهُ الْجِنِّيُّ فَمَا جاؤوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِيهِ وَيَنْقُصُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سَبَأٍ وَغَيْرِهَا بَيَانُ كَيْفِيَّتِهِمْ عِنْدَ اسْتِرَاقِهِمْ.

.
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّحَابِ السَّمَاءَ كَمَا أَطْلَقَ السَّمَاءَ عَلَى السَّحَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَرْضِ تَسْمَعُ مِنْهُمُ الشَّيَاطِينُ أَوِ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلَةُ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَلِيٌّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنه أسْندهُ بعد على هَذَا هُوَ بن الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يُرْسِلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ ثُمَّ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَهُبِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ فَيَّاضِ بْنِ زُهَيْرٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْصُولًا كَرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ وَفِي الْحَدِيثِ بَقَاءُ اسْتِرَاقِ الشَّيَاطِينِ السَّمْعَ لَكِنَّهُ قَلَّ وَنَدَرَ حَتَّى كَادَ يَضْمَحِلُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُحْتَسِبٍ وَغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْوَاقِ وَيُنْكِرُ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ النَّكِيرِ وَعَلَى مَنْ يَجِيءُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَغْتَرُّ بِصِدْقِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَلَا بِكَثْرَةِ مَنْ يَجِيءُ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ رَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بَلْ مِنَ الْجُهَّالِ بِمَا فِي إِتْيَانِهِمْ مِنَ الْمَحْذُورِ تَنْبِيه إِيرَاد بَاب الكهانة فِي كِتَابَ الطِّبِّ لِمُنَاسَبَتِهِ لِبَابِ السِّحْرِ لِمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ مَرْجِعِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلشَّيَاطِينِ وَإِيرَادُ بَابِ السِّحْرِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ لِمُنَاسَبَتِهِ ذِكْرَ الرُّقَى وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَنَاسَبَ ذِكْرَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ وَاشْتَمَلَ كِتَابُ الطِّبِّ عَلَى الْإِشَارَةِ لِلْأَدْوِيَةِ الْحِسِّيَّةِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْعَسَلِ ثُمَّ عَلَى الْأَدْوِيَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالرُّقَى بِالدُّعَاءِ وَالْقُرْآنِ ثُمَّ ذَكَرْتُ الْأَدْوَاءَ الَّتِي تَنْفَعُ الْأَدْوِيَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ فِي دَفْعِهَا كَالسِّحْرِ كَمَا ذَكَرْتُ الْأَدْوَاءَ الَّتِي تَنْفَعُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ فِي دَفْعِهَا كَالْجُذَامِ وَالله أعلم( قَولُهُ بَابُ السِّحْرِ) قَالَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ السِّحْرُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ أَحَدُهَا مَا لَطُفَ وَدَقَّ وَمِنْهُ سَحَرْتُ الصَّبِيَّ خَادَعْتُهُ وَاسْتَمَلْتُهُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَمَالَ شَيْئًا فَقَدْ سَحَرَهُ وَمِنْهُ إِطْلَاقُ الشُّعَرَاءِ سِحْرَ الْعُيُونِ لِاسْتِمَالَتِهَا النُّفُوسِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ الطَّبِيعَةُ سَاحِرَةٌ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى بَلْ نَحْنُ قوم مسحورون أَيْ مَصْرُوفُونَ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَمِنْهُ حَدِيثُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ الثَّانِي مَا يَقَعُ بِخِدَاعٍ وَتَخْيِيلَاتٍ لَا حَقِيقَة لَهَا نَحْو مَا يَفْعَلُهُ الْمُشَعْوِذُ مِنْ صَرْفِ الْأَبْصَارِ عَمَّا يَتَعَاطَاهُ بِخِفَّةِ يَدِهِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى وَقَوله تَعَالَى سحروا أعين النَّاس وَمِنْ هُنَاكَ سَمَّوْا مُوسَى سَاحِرًا وَقَدْ يَسْتَعِينُ فِي ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ فِيهِ خَاصِّيَّةٌ كَالْحَجَرِ الَّذِي يَجْذِبُ الْحَدِيدَ الْمُسَمَّى الْمِغْنَطِيسُ الثَّالِثُ مَا يَحْصُلُ بِمُعَاوَنَةِ الشَّيَاطِينِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِمْ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر الرَّابِعُ مَا يَحْصُلُ بِمُخَاطَبَةِ الْكَوَاكِبِ وَاسْتِنْزَالِ رُوحَانِيَّاتِهَا بزعمهم قَالَ بن حَزْمٍ وَمِنْهُ مَا يُوجَدُ مِنَ الطَّلْسَمَاتِ كَالطَّابِعِ الْمَنْقُوشِ فِيهِ صُورَةُ عَقْرَبٍ فِي وَقْتِ كَوْنِ الْقَمَرِ فِي الْعَقْرَبِ فَيَنْفَعُ إِمْسَاكُهُ مِنْ لَدْغَةِ الْعَقْرَبِ وَكَالْمُشَاهَدِ بِبَعْضِ بِلَادِ الْغَرْبِ وَهِيَ سَرْقُسْطَةُ فَإِنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا ثُعْبَانٌ قَطُّ إِلَّا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ وَقَدْ يَجْمَعُ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ كَالِاسْتِعَانَةِ بِالشَّيَاطِينِ وَمُخَاطَبَةِ الْكَوَاكِبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى بِزَعْمِهِمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي الْأَحْكَامِ لَهُ كَانَ أَهْلُ بَابِلَ قَوْمًا صَابِئِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ وَيُسَمُّونَهَا آلِهَةً وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا الْفَعَّالَةُ لِكُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ وَعَمِلُوا أَوْثَانًا عَلَى أَسْمَائِهَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ هَيْكَلٌ فِيهِ صَنَمُهُ يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِمَا يُوَافِقُهُ بِزَعْمِهِمْ مِنْ أَدْعِيَةٍ وَبَخُورٍ وَهُمُ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتْ عُلُومُهُمْ أَحْكَامَ النُّجُومِ وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ السَّحَرَةُ مِنْهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ سَائِرَ وُجُوِهِ السِّحْرِ وَيَنْسُبُونَهَا إِلَى فِعْلِ الْكَوَاكِبِ لِئَلَّا يُبْحَثَ عَنْهَا وَيَنْكَشِفَ تَمْوِيهُهُمُ انْتَهَى ثُمَّ السِّحْرُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْآلَةُ الَّتِي يُسْحَرُ بِهَا وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ فِعْلُ السَّاحِرِ وَالْآلَةُ تَارَةً تَكُونُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي فَقَطْ كَالرُّقَى وَالنَّفْثِ فِي الْعُقَدِ وَتَارَةً تَكُونُ بِالْمَحْسُوسَاتِ كَتَصْوِيرِ الصُّورَةِ عَلَى صُورَةِ الْمَسْحُورِ وَتَارَةً بِجَمْعِ الْأَمْرَيْنِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ أَبْلَغُ وَاخْتُلِفَ فِي السِّحْرِ فَقِيلَ هُوَ تخبيل فَقَط وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي جَعْفَرٍ الْإِسْتِرَبَاذِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّة وبن حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ وَطَائِفَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ انْتَهَى لَكِنْ مَحَلُّ النِّزَاعِ هَلْ يَقَعُ بِالسِّحْرِ انْقِلَابُ عَيْنٍ أَوْ لَا فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ تَخْيِيلٌ فَقَطْ مَنَعَ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ إِنَّ لَهُ حَقِيقَةً اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ تَأْثِيرٌ فَقَطْ بِحَيْثُ يُغَيِّرُ الْمِزَاجَ فَيَكُونُ نَوْعًا مِنَ الْأَمْرَاضِ أَو يَنْتَهِي إِلَى الاحالة بِحَيْثُ يصير الجاد حَيَوَانًا مَثَلًا وَعَكْسُهُ فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ إِلَى الثَّانِي فَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إِلَى الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إِلَى الْوَاقِعِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَدَّعِي ذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُ إِقَامَةَ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ قَوْمًا أَنْكَرُوا السِّحْرَ مُطْلَقًا وَكَأَنَّهُ عَنَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ تَخْيِيلٌ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ مُكَابَرَةٌ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِثْبَاتِ السِّحْرِ وَأَنَّ لَهُ حَقِيقَةً وَنَفَى بَعْضُهُمْ حَقِيقَتَهُ وَأَضَافَ مَا يَقَعُ مِنْهُ إِلَى خَيَالَاتٍ بَاطِلَةٍ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِوُرُودِ النَّقْلِ بِإِثْبَاتِ السِّحْرِ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ يَخْرِقُ الْعَادَةَ عِنْدَ نُطْقِ السَّاحر بِكَلَاممُلَفَّقٍ أَوْ تَرْكِيبِ أَجْسَامٍ أَوْ مَزْجٍ بَيْنَ قُوًى عَلَى تَرْتِيبٍ مَخْصُوصٍ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا يَقَعُ مِنْ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ مِنْ مَزْجِ بَعْضِ الْعَقَاقِيرِ بِبَعْضٍ حَتَّى يَنْقَلِبَ الضَّارُّ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ بِالتَّرْكِيبِ نَافِعًا وَقِيلَ لَا يَزِيدُ تَأْثِيرُ السِّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه لِكَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ تَهْوِيلٍ فَلَوْ جَازَ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَذَكَرَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ أَنَّ السِّحْرَ يَكُونُ بِمُعَانَاةِ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لِلسَّاحِرِ مَا يُرِيدُ وَالْكَرَامَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ بَلْ إِنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا اتِّفَاقًا.

.
وَأَمَّا الْمُعْجِزَةُ فَتَمْتَازُ عَنِ الْكَرَامَةِ بِالتَّحَدِّي وَنَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا مِنْ فَاسِقٍ وَأَنَّ الْكَرَامَةَ لَا تَظْهَرُ عَلَى فَاسِقٍ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ عَنِ الْمُتَوَلِّي نَحْوَ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَالِ مَنْ يَقَعُ الْخَارِقُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِالشَّرِيعَةِ مُتَجَنِّبًا لِلْمُوبِقَاتِ فَالَّذِي يَظْهَرُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الْخَوَارِقِ كَرَامَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ سِحْرٌ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ أَحَدِ أَنْوَاعِهِ كَإِعَانَةِ الشَّيَاطِينِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ السِّحْرُ حِيَلٌ صِنَاعِيَّةٌ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا بِالِاكْتِسَابِ غَيْرَ أَنَّهَا لِدِقَّتِهَا لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا إِلَّا آحَادُ النَّاسِ وَمَادَّتُهُ الْوُقُوفُ عَلَى خَوَاصِّ الْأَشْيَاءِ وَالْعِلْمِ بِوُجُوُهِ تَرْكِيبِهَا وَأَوْقَاتِهِ وَأَكْثَرُهَا تَخْيِيلَاتٌ بِغَيْرِ حَقِيقَةٍ وَإِيهَامَاتٍ بِغَيْرِ ثُبُوتِ فَيَعْظُمُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَن سحرة فِرْعَوْن وَجَاءُوا بِسحر عَظِيم مَعَ أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا حِبَالًا وَعِصِيًّا ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ لِبَعْضِ أَصْنَافِ السِّحْرِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ كَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَإِلْقَاءِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي الْأَبَدَانِ بِالْأَلَمِ وَالسَّقَمِ وَإِنَّمَا الْمَنْكُورُ أَنَّ الْجَمَادَ يَنْقَلِبُ حَيَوَانًا أَو عَكسه بِسحر السَّاحر وَنَحْو ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ الْآيَةَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ مِنْ خَلَاقٍ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَصْلِ السِّحْرِ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ الْيَهُودُ ثُمَّ هُوَ مِمَّا وَضَعَتْهُ الشَّيَاطِينُ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمِمَّا أُنْزِلَ عَلَى هَارُوتَ وَمَارُوتَ بِأَرْضِ بَابِلَ وَالثَّانِي مُتَقَدِّمُ الْعَهْدِ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ قِصَّةَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ كَانَتْ مِنْ قَبْلِ زَمَنِ نوح عَلَيْهِ السَّلَام على مَا ذكر بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَكَانَ السِّحْرُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ نُوحٍ إِذْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ وَكَانَ السِّحْرُ أَيْضًا فَاشِيًا فِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَكُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ سُلَيْمَانَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَةِ فَقِيلَ إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ جَمَعَ كُتُبَ السِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ فَدَفَنَهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ الْكُرْسِيِّ فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَتِ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْأَمْرَ جَاءَهُمْ شَيْطَانٌ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ فَقَالَ لِلْيَهُودِ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزٍ لَا نَظِيرَ لَهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَاحْفِرُوا تَحْتَ الْكُرْسِيِّ فَحَفَرُوا وَهُوَ مُتَنَحٍّ عَنْهُمْ فَوَجَدُوا تِلْكَ الْكُتُبَ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يَضْبِطُ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ بِهَذَا فَفَشَا فِيهِمْ أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ سَاحِرًا فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ سُلَيْمَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَنْكَرَتِ الْيَهُودُ ذَلِكَ وَقَالُوا إِنَّمَا كَانَ سَاحِرًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ السُّدِّيِّ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ نَحْوُهُ وَمَنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَوْصُولًا بِمَعْنَاهُ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَلَكِنْ قَالَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ هِيَ الَّتِي كَتَبَتْ كُتُبَ السِّحْرِ وَدَفَنَتْهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ اسْتَخْرَجَتْهُ وَقَالُوا هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي كَانَ سُلَيْمَانُ يَكْتُمُهُ النَّاسَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَزَادَ أَنَّهُمْ نَقَشُوا خَاتَمًا عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ وختموا بِهِ الْكِتَابَ وَكَتَبُوا عُنْوَانَهُ هَذَا مَا كَتَبَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَاءَ الصِّدِّيقُ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِنْ ذَخَائِرِ كُنُوزِ الْعِلْمِ ثُمَّ دَفَنُوهُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنِ السُّدِّيِّوَلَكِنْ قَالَ إِنَّهُمْ لَمَّا وَجَدُوا الْكُتُبَ قَالُوا هَذَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى سُلَيْمَانَ فَأَخْفَاهُ مِنَّا وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ انْطَلَقَتِ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي ابْتُلِيَ فِيهَا سُلَيْمَانُ فَكَتَبَتْ كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ ثُمَّ دَفَنَتْهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ ثُمَّ أَخْرَجُوهَا بَعْدَهُ فَقَرَءُوهَا عَلَى النَّاسِ وَمُلَخَّصُ مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمْ أَنهم اتبعُوا مَا تتلو الشَّيَاطِينُ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ إِذْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ إِيضَاحُ ذَلِكَ وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلما جَاءَهُم رَسُول إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا تتلو الشَّيَاطِين مَوْصُولَةٌ عَلَى الصَّوَابِ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَافِيَة لِأَن نظم الْكَلَام يأباه ونتلو لَفْظُهُ مُضَارِعٌ لَكِنْ هُوَ وَاقِعٌ مَوْقِعَ الْمَاضِي وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ وَمَعْنَى تَتْلُو تَتَقَوَّلُ وَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَتْبَعُ أَوْ تَقْرَأُ وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ قِيلَ هُوَ تَقْرَأُ عَلَى زَمَانِ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَقَولُهُ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ مَا نَافِيَةٌ جَزْمًا وَقَولُهُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا هَذِهِ الْوَاوُ عَاطِفَةٌ لِجُمْلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَا قبلهَا وَقَوله يعلمُونَ النَّاس السحر النَّاسُ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَالسِّحْرُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَفَرُوا أَيْ كَفَرُوا مُعَلِّمِينَ وَقِيلَ هِيَ بَدَلٌ مِنْ كَفَرُوا وَقِيلَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَهَذَا عَلَى إِعَادَةِ ضَمِيرِ يَعْلَمُونَ عَلَى الشَّيَاطِينِ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الَّذِينَ اتَّبَعُوا فَيَكُونُ حَالًا مِنْ فَاعِلِ اتَّبَعُوا أَوِ اسْتِئْنَافًا وَقَولُهُ وَمَا أُنْزِلَ مَا مَوْصُولَةٌ وَمَحَلُّهَا النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى السِّحْرِ وَالتَّقْدِيرُ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَالْمُنْزَلُ عَلَى الْمَلَكَيْنِ وَقِيلَ الْجَرُّ عَطْفًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ أَيْ تَقَوُّلًا عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَعَلَى مَا أُنْزِلَ وقِيلَ بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ عَطْفًا عَلَى وَمَا كفر سُلَيْمَان وَالْمَعْنَى وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْمَلَكَيْنِ إِبَاحَةُ السِّحْرِ وَهَذَانِ الْإِعْرَابَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى مَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ عَنِ الْبَعْضِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَرَدَّ الزَّجَّاجُ عَلَى الْأَخْفَشِ دَعْوَاهُ أَنَّهَا نَافِيَةٌ.

     وَقَالَ  الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَوْلَى وَقَولُهُ بِبَابِلَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا أُنْزِلَ أَيْ فِي بَابِلَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ لَامِ الْمَلَكَيْنِ وَقُرِئَ بِكَسْرِهَا وَهَارُوتَ وَمَارُوتَ بَدَلٌ مِنَ الْمَلَكَيْنِ وَجُرَّا بِالْفَتْحَةِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَقِيلَ بَلْ هُمَا بَدَلٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَقِيلَ مِنَ الشَّيَاطِينِ عَلَى أَنَّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ اسْمَانِ لِقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَولُهُ وَمَا يعلمَانِ من أحد بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَقُرِئَ فِي الشَّاذِّ بِسُكُونِ الْعَيْنِ مِنَ الْإِعْلَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّضْعِيفَ يَتَعَاقَبُ مَعَ الْهَمْزَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ لَا يُعَلِّمَانِ النَّاسَ السِّحْرَ بَلْ يُعْلِمَانِهِمْ بِهِ وَيَنْهَيَانِهِمْ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ الْمَلَكَانِ يُعَلِّمَانِ تَعْلِيمَ إِنْذَارٍ لَا تَعْلِيمُ طَلَبٍ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَمُتَعَلِّمَهُ كَافِرٌ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا وَهُوَ التَّعَبُّدُ لِلشَّيَاطِينِ أَوْ لِلْكَوَاكِبِ.

.
وَأَمَّا النَّوْعُ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الشَّعْوَذَةِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ مَنْ تَعَلَّمَهُ أَصْلًا قَالَ النَّوَوِيُّ عَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كُفْرًا وَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا.

.
وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَحَرَامٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ وَلَا يُقْتَلُ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عُزِّرَ وَعَنْ مَالِكٍ السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ وَلَا يُسْتَتَابُ بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ كَالزِّنْدِيقِ قَالَ عِيَاضٌ وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اه وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَتَفَاصِيلُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَعَلُّمَ السِّحْرِ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا لِتَمْيِيزِ مَا فِيهِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَإِمَّا لِإِزَالَتِهِ عَمَّنْ وَقَعَ فِيهِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ فَإِذَا سَلِمَ الِاعْتِقَادُ فَمَعْرِفَةُ الشَّيْءِ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ مَنْعًا كَمَنْ يَعْرِفُ كَيْفِيَّةَ عِبَادَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ لِلْأَوْثَانِ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ مَا يَعْمَلُهُ السَّاحِرُ إِنَّمَا هِيَحِكَايَةُ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِخِلَافِ تَعَاطِيهِ وَالْعَمَلُ بِهِ.

.
وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ لَا يَتِمُّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ إِلَّا بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ أَوِ الْفِسْقِ فَلَا يَحِلُّ أَصْلًا وَإِلَّا جَازَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي بَابِ هَلْ يُسْتَخْرَجُ السِّحْرُ قَرِيبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي إِيرَادِ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْحُكْمِ بِكُفْرِ السَّاحِرِ لِقَوْلِهِ فِيهَا وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فَإِنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ وَلَا يُكْفَرُ بِتَعْلِيمِ الشَّيْءِ إِلَّا وَذَلِكَ الشَّيْءُ كُفْرٌ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فِي الْآيَةِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكَيْنِ إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ فَيَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ كُفْرًا وَهَذَا كُلُّهُ وَاضِحٌ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ مِنَ الْعَمَلِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ السِّحْرَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَتَسْمِيَةُ مَا عَدَا ذَلِكَ سِحْرًا مَجَازٌ كَإِطْلَاقِ السِّحْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْبَلِيغِ وَقِصَّةُ هَارُوتَ وَمَارُوتَ جَاءَتْ بِسَنَدٍ حسن من حَدِيث بن عُمَرَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَأَطْنَبَ الطَّبَرِيُّ فِي إِيرَادِ طُرُقِهَا بِحَيْثُ يَقْضِي بِمَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ بُطْلَانَهَا كَعِيَاضٍ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمُحَصَّلُهَا أَنَّ اللَّهَ رَكَّبَ الشَّهْوَةَ فِي مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ اخْتِبَارًا لَهُمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا فِي الْأَرْضِ فَنَزَلَا عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ وَحَكَمَا بِالْعَدْلِ مُدَّةً ثُمَّ افْتُتِنَا بِامْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ فَعُوقِبَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بِأَنْ حُبِسَا فِي بِئْرٍ بِبَابِلَ مُنَكَّسَيْنِ وَابْتُلِيَا بِالنُّطْقِ بِعِلْمِ السِّحْرِ فَصَارَ يَقْصِدُهُمَا مَنْ يَطْلُبُ ذَلِكَ فَلَا يَنْطِقَانِ بِحَضْرَةِ أَحَدٍ حَتَّى يُحَذِّرَاهُ وَيَنْهَيَاهُ فَإِذَا أَصَرَّ تَكَلَّمَا بِذَلِكَ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَهُمَا قَدْ عَرَفَا ذَلِكَ فَيَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا مَا قَصَّ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ تَعَالَى وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى فِي الْآيَةِ نَفْيُ الْفَلَاحِ عَنِ السَّاحِرِ وَلَيْسَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كُفْرِ السَّاحِرِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ إِثْبَاتُ الْفَلَاحِ لِلْمُؤْمِنِ وَنَفْيُهُ عَنِ الْكَافِرِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي نَفْيَ الْفَلَاحِ عَنِ الْفَاسِقِ وَكَذَا الْعَاصِي .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ هَذَا يُخَاطَبُ بِهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَسْتَبْعِدُونَ كَوْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا مِنَ اللَّهِ لِكَوْنِهِ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ فَقَالَ قَائِلُهُمْ مُنْكِرًا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ أَيْ أَفَتَتَّبِعُونَهُ حَتَّى تَصِيرُوا كَمَنِ اتَّبَعَ السِّحْرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سِحْرٌ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى هَذِهِ الْآيَةُ عُمْدَةُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ وَلَا حُجَّةَ لَهُ بِهَا لِأَنَّ هَذِهِ وَرَدَتْ فِي قِصَّةِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ وَكَانَ سِحْرُهُمْ كَذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ السِّحْرِ تَخْيِيلٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي الْأَحْكَامِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الَّذِي ظَنَّهُ مُوسَى مِنْ أَنَّهَا تَسْعَى لَمْ يَكُنْ سَعْيًا وَإِنَّمَا كَانَ تَخْيِيلًا وَذَلِكَ أَنَّ عِصِيَّهُمْ كَانَتْ مُجَوَّفَةً قَدْ مُلِئَتْ زِئْبَقًا وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ كَانَتْ مِنْ أُدْمٍ مَحْشُوَّةٍ زِئْبَقًا وَقَدْ حَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ أَسْرَابًا وَجَعَلُوا لَهَا آزَاجًا وَمَلَأُوهَا نَارًا فَلَمَّا طُرِحَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَحُمِيَ الزِّئْبَقُ حَرَّكَهَا لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الزِّئْبَقِ إِذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ أَنْ يَطِيرَ فَلَمَّا أَثْقَلَتْهُ كَثَافَةُ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ صَارَتْ تَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ فَظَنَّ مَنْ رَآهَا أَنَّهَا تَسْعَى وَلَمْ تَكُنْ تَسْعَى حَقِيقَةً .

     قَوْلُهُ  وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَالنَّفَّاثَاتُ السَّوَاحِرُ هُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْضًا فِي الْمَجَازِ قَالَ النَّفَّاثَاتُ السَّوَاحِرُ يَنْفُثْنَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ النَّفْثُ فِي الرُّقْيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الرُّقْيَةِ وَقد وَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ فِي آخِرِ قِصَّةِ السِّحْرِ الَّذِي سُحِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا وِتْرًا فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً وَأُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَلَقِ وَالنَّاسِ وَجُعِلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّت عقدَة وَأخرجه بن سعد بِسَنَد آخر مُنْقَطع عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا وَعَمَّارًا لَمَّا بَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاسْتِخْرَاجِ السِّحْرِ وَجَدَا طَلْعَةً فِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  تُسْحَرُونَ تُعَمَّوْنَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَضُبِطَ أَيْضًا بِسُكُونِ الْعَيْنِاللَّيْث عَن بن شِهَابٍ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ وَبَنُو لِحْيَانَ حَيٌّ مِنْ هُذَيْلٍ وَجَاءَ تَسْمِيَةُ الضَّرَّتَيْنِ فِيمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمِ بْنِ عُوَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَتْ أُخْتِي مُلَيْكَةُ وَامْرَأَةٌ مِنَّا يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَفِيفٍ بِنْتُ مَسْرُوحٍ تَحْتَ حَمَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَضَرَبَتْ أُمُّ عَفِيفٍ مُلَيْكَةَ بِمِسْطَحٍ الْحَدِيثَ لَكِنْ قَالَ فِيهِ فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ مَسْرُوحٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ حَمَلٌ وَأَخِيهَا وَهُوَ الْعَلَاءُ قَالَ ذَلِكَ تَوَارُدًا مَعًا عَلَيْهِ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمَا أَنَّ الَّذِي يُودَى هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ حَيًّا.

.
وَأَمَّا السِّقْطُ فَلَا يُودَى فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ وَجَعَلَ فِيهِ غُرَّةً وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ لِلطَبَرَانِيِّ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ عُوَيْمٍ فَلَعَلَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى وَأُمُّ عَفِيفٍ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءَيْنِ وَزْنُ عَظِيمٍ وَوَقَعَ فِي الْمُبْهَمَاتِ لِلْخَطِيبِ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا أُمُّ غُطَيْفٍ بِغَيْنٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْملَة مصغر فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا شَرِبَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمُنَاسَبَةِ السَّجْعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ مَا لَا بَدَلَ مَنْ لَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُثْمَانَ بْنُ جِنِّيٍّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَكَلَ أَيْ لَمْ يَأْكُلْ أَقَامَ الْفِعْلَ الْمَاضِيَ مَقَامَ الْمُضَارِعِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :5453 ... غــ :5762] .

     قَوْلُهُ  عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ كَأَنَّ هَذَا مِمَّا فَاتَ الزُّهْرِيَّ سَمَاعُهُ مِنْ عُرْوَةَ فَحَمَلَهُ عَن وَلَده عَنهُ مَعَ كَثْرَة مَا عِنْد الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَقَدْ وَصَفَهُ الزُّهْرِيُّ بِسَعَةِ الْعِلْمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَفِي الْأَدَبِ من طَرِيق بن جريج كِلَاهُمَا عَن بن شِهَابٍ وَلَمْ أَقِفْ لِيَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ وَتَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَكَذَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ سَأَلَ نَاسٌ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ مِثْلُهُ وَمِنْ رِوَايَةِ مَعْقِلٍ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ سُمِّيَ مِمَّنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ فَقَالَ لَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَؤُلَاءِ الْكُهَّانُ فِيمَا عُلِمَ بِشَهَادَةِ الِامْتِحَانِ قَوْمٌ لَهُمْ أَذْهَانٌ حَادَّةٌ وَنُفُوسٌ شِرِّيرَةٌ وَطَبَائِعُ نَارِيَّةٌ فَهُمْ يَفْزَعُونَ إِلَى الْجِنِّ فِي أُمُورِهِمْ وَيَسْتَفْتُونَهُمْ فِي الْحَوَادِثِ فَيُلْقُونَ إِلَيْهِمُ الْكَلِمَاتِ ثُمَّ تَعَرَّضَ إِلَى مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الشُّعَرَاءِ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على من تنزل الشَّيَاطِين .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَيْسُوا بِشَيْءٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي نُسْخَةٍ فَقَالَ لَهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ أَيْ لَيْسَ .

     قَوْلُهُ مْ بِشَيْءٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا وَلَمْ يُحْكِمْهُ مَا عَمِلَ شَيْئًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَرَافَعُونَ إِلَى الْكُهَّانِ فِي الْوَقَائِعِ وَالْأَحْكَامِ وَيَرْجِعُونَ إِلَى أَقْوَالِهِمْ وَقَدْ انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ بِالْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لَكِنْ بَقِيَ فِي الْوُجُودِ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ فَلَا يَحِلُّ إِتْيَانُهُمْ وَلَا تَصْدِيقُهُمْ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَنَا أَحْيَانَا بِشَيْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَإِنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ هَذَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ إِشْكَالًا عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ لَيْسُوا بِشَيْء لِأَنَّهُ فهم مِنْهُ أَنَّهُمْ لَا يُصَدَّقُونَ أَصْلًا فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ الصِّدْقِ وَأَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ أَنْ يُصَدَّقَ لَمْ يَتْرُكْهُ خَالِصًا بَلْ يَشُوبُهُ بِالْكَذِبِ .

     قَوْلُهُ  تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ بِمُهْمَلَةٍ وَقَافٍ أَيِ الْكَلِمَةُ الْمَسْمُوعَةُ الَّتِي تَقَعُ حَقًّا وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا فِي نُسَخِ بِلَادِنَا بِالْجِيمِ وَالنُّونِ أَيِ الْكَلِمَةُ الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْجِنِّ أَوِ الَّتِي تَصِحُّ مِمَّا نَقَلَتْهُ الْجِنُّ.

.

قُلْتُ التَّقْدِيرُ الثَّانِي يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ بِالْحَاءِ وَالْقَافِ .

     قَوْلُهُ  يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ أَيِ الْكَاهِنُ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّيِّ أَوِ الْجِنِّيُّ الَّذِي يَلْقَى الْكَاهِنُ يَخْطَفُهَا مِنْ جِنِّيٍّ آخَرَ فَوْقَهُ وَيَخْطَفُهَا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَقَدْ تُكْسَرُ بَعْدَهَا فَاءٌ وَمَعْنَاهُ الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَحْفَظُهَا بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَيَقَرُّهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَصُبُّهَا تَقُولُ قَرَرْتُ عَلَى رَأْسِهِ دَلْوًا إِذَا صَبَبْتُهُ فَكَأَنَّهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى أَلْقَاهَا فِي أُذُنِهِ بِصَوْتٍ يُقَالُ قَرَّ الطَّائِرُ إِذَا صَوَّتَ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَذْكُورَةِ فَيُقَرْقِرُهَا أَيْ يُرَدِّدُهَا يُقَالُ قَرْقَرَتِ الدَّجَاجَةُ تُقَرْقِرُ قَرْقَرَةً إِذَا رَدَّدَتْ صَوْتَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا قَرَّتِ الدَّجَاجَةُ تُقِرُّ قَرًّا وَقَرِيرًا وَإِذَا رَجَّعَتْ فِي صَوْتِهَا قِيلَ قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً وَقَرْقَرِيرَةً قَالَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجِنِّيَّ إِذَا أَلْقَى الْكَلِمَةَ لِوَلِيِّهِ تَسَامَعَ بِهَا الشَّيَاطِينُ فَتَنَاقَلُوهَا كَمَا إِذَا صَوَّتَتِ الدَّجَاجَةُ فَسَمِعَهَا الدَّجَاجُ فَجَاوَبَتْهَا.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ الْأَشْبَهَ بِمَسَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي الْكَلِمَةَ إِلَى وَلِيِّهِ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ مُتَرَاجِعٍ لَهُ زَمْزَمَةٌ وَيُرْجِعُهُ لَهُ فَلِذَلِكَ يَقَعُ كَلَامُ الْكُهَّانِ غَالِبًا عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَاخِر الْجَنَائِز فِي قصَّة بن صَيَّادٍ وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي قَوْلِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا زَمْزَمَةٌ وَأُطْلِقَ عَلَى الْكَاهِنِ وَلِيُّ الْجِنِّيِّ لِكَوْنِهِ يُوَالِيهِ أَوْ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ الْكَاهِنَ إِلَى قَوْلِهِ وَلِيَّهُ لِلتَّعْمِيمِ فِي الْكَاهِنِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يُوَالِي الْجِنَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِصَابَةَ الْكَاهِنِ أَحْيَانًا إِنَّمَا هِيَ لِأَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي يَسْمَعُهَا اسْتِرَاقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَكَاذِيبَ يَقِيسُهَا عَلَى مَا سَمِعَ فَرُبمَا أصَاب نَادرا وخطؤه الْغَالِبُ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ يَعْنِي الطَّائِرَ الْمَعْرُوفَ وَدَالُهَا مُثَلَّثَةٌ وَالْأَشْهَرُ فِيهَا الْفَتْحُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الزُّجَاجَةُ بِالزَّايِ الْمَضْمُومَةِ وَأَنْكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَدَّهَا فِي التَّصْحِيفِ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ تَقَدَّمَ فِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ فَيُقِرُّهَا فِي أُذُنِهِ كَمَا تَقَرُّ الْقَارُورَةُ وَشَرَحُوهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا يُسْمَعُ صَوْتُ الزُّجَاجَةِ إِذَا حَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ أَوْ أُلْقِيَ فِيهَا شَيْءٌ.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ لِمَا يُلْقِيهِ الْجِنِّيُّ إِلَى الْكَاهِنِ حِسٌّ كَحِسِّ الْقَارُورَةِ إِذَا حُرِّكَتْ بِالْيَدِ أَوْ عَلَى الصَّفَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُطْبَقُ بِهِ كَمَا يُطْبَقُ رَأْسُ الْقَارُورَةِ بِرَأْسِ الْوِعَاءِ الَّذِي يُفْرَغُ فِيهِ مِنْهَا مَا فِيهَا وَأَغْرَبَ شَارِحُ المصابيح النوربشتي فَقَالَ الرِّوَايَةُ بِالزَّايِ أَحْوَطُ لِمَا ثَبَتَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ وَاسْتِعْمَالُ قَرَّ فِي ذَلِكَ شَائِعٌ بِخِلَافِ مَا فَسَرُّوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ شَاهِدًا فِي كَلَامِهِمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالدَّالِ تَصْحِيفٌ أَوْ غَلَطٌ مِنَ السَّامِعِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ فَقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ قَرَّ الدَّجَاجَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَفِيهِ مَعْنَى التَّشْبِيهِ فَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ إِيرَادُ مَا اخْتَطَفَهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ بِصَبِّ الْمَاءِ فِي الْقَارُورَةِ يَصِحُّ أَنْ يُشَبَّهَ تَرْدِيدُ الْكَلَامِ فِي أُذُنِهِ بِتَرْدِيدِ الدَّجَاجَةِ صَوْتَهَا فِي أُذُنِ صَوَاحِبَاتِهَا وَهَذَا مُشَاهَدٌ تَرَى الدِّيكَ إِذَا رَأَى شَيْئًا يُنْكِرُهُ يُقَرْقِرُ فَتَسْمَعُهُ الدَّجَاجُ فَتَجْتَمِعُ وَتُقَرْقِرُ مَعَهُ وَبَابُ التَّشْبِيهِ وَاسِعٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَلَاقَةِ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِطَافَ مُسْتَعَارٌ لِلْكَلَامِ مِنْ فِعْلِ الطَّيْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ فَيَكُونُ ذِكْرُ الدَّجَاجَةِ هُنَا أَنْسَبَ مِنْ ذِكْرِ الزُّجَاجَةِ لِحُصُولِ التَّرْشِيحِ فِي الِاسْتِعَارَةِ.

.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ دَعْوَى الدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ إِمَامُ الْفَنِّ أَنَّ الَّذِي بِالزَّايِ تَصْحِيفٌ وَإِنْ كُنَّا مَا قَبِلْنَا ذَلِكَ فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ .

     قَوْلُهُ  فَيَخْلِطُونَ مَعهَا مائَة كذبة فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْمِائَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِتَعْيِينِ الْعَدَدِ وَقَولُهُ كَذْبَةٍ هُنَا بِالْفَتْحِ وَحُكِيَ الْكَسْرُ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْهَيْئَةِ وَالْحَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَصْلَ تَوَصُّلِ الْجِنِّيِّ إِلَى الِاخْتِطَافِ فَأَخْرَجَ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا رُمِيَ مِثْلُ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ إِنَّهَا لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ رَبَّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ إِلَى أَهْلِ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فَيُخْبِرُونَهُمْ حَتَّى يَصِلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَرِقُ مِنْهُ الْجِنِّيُّ فَمَا جاؤوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ فِيهِ وَيَنْقُصُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سَبَأٍ وَغَيْرِهَا بَيَانُ كَيْفِيَّتِهِمْ عِنْدَ اسْتِرَاقِهِمْ.

.
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّحَابِ السَّمَاءَ كَمَا أَطْلَقَ السَّمَاءَ عَلَى السَّحَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ إِذَا نَزَلَ بِالْوَحْيِ إِلَى الْأَرْضِ تَسْمَعُ مِنْهُمُ الشَّيَاطِينُ أَوِ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلَةُ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَلِيٌّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مُرْسَلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنه أسْندهُ بعد على هَذَا هُوَ بن الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يُرْسِلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحَدِيثِ ثُمَّ أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَهُ بِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ فَيَّاضِ بْنِ زُهَيْرٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَوْصُولًا كَرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ وَفِي الْحَدِيثِ بَقَاءُ اسْتِرَاقِ الشَّيَاطِينِ السَّمْعَ لَكِنَّهُ قَلَّ وَنَدَرَ حَتَّى كَادَ يَضْمَحِلُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُحْتَسِبٍ وَغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْوَاقِ وَيُنْكِرُ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ النَّكِيرِ وَعَلَى مَنْ يَجِيءُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَغْتَرُّ بِصِدْقِهِمْ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَلَا بِكَثْرَةِ مَنْ يَجِيءُ إِلَيْهِمْ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ رَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بَلْ مِنَ الْجُهَّالِ بِمَا فِي إِتْيَانِهِمْ مِنَ الْمَحْذُورِ تَنْبِيه إِيرَاد بَاب الكهانة فِي كِتَابَ الطِّبِّ لِمُنَاسَبَتِهِ لِبَابِ السِّحْرِ لِمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ مَرْجِعِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلشَّيَاطِينِ وَإِيرَادُ بَابِ السِّحْرِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ لِمُنَاسَبَتِهِ ذِكْرَ الرُّقَى وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَنَاسَبَ ذِكْرَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ وَاشْتَمَلَ كِتَابُ الطِّبِّ عَلَى الْإِشَارَةِ لِلْأَدْوِيَةِ الْحِسِّيَّةِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْعَسَلِ ثُمَّ عَلَى الْأَدْوِيَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالرُّقَى بِالدُّعَاءِ وَالْقُرْآنِ ثُمَّ ذَكَرْتُ الْأَدْوَاءَ الَّتِي تَنْفَعُ الْأَدْوِيَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ فِي دَفْعِهَا كَالسِّحْرِ كَمَا ذَكَرْتُ الْأَدْوَاءَ الَّتِي تَنْفَعُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ فِي دَفْعِهَا كَالْجُذَامِ وَالله أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5453 ... غــ : 5762 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ: «لَيْسَ بِشَىْءٍ» فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَىْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّىِّ فَيَقُرُّهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ».
قَالَ عَلِىٌّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مُرْسَلٌ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِى أَنَّهُ أَسْنَدَهُ بَعْدَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: ( أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين ابن راشد عالم اليمن ( عن الزهري) محمد بن مسلم ( عن يحيى بن عروة بن الزبير) بن العوّام وثبت لأبي ذر ابن الزبير ( عن) أبيه ( عروة عن عائشة رضي الله عنها) أنها ( قالت: سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناس) ولأبي ذر عن الكشميهني: سأل ناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عن الكهان) وفي مسلم تسمية من سأل عن ذلك معاوية بن الحكم السلمي ولفظه قلت: يا رسول الله أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان.
الحديث ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( ليس) قولهم ( بشيء) يعتمد عليه ( فقالوا) مستشكلين عموم قوله ليس بشيء إذ مفهومه أنهم لا يصدقون أصلاً ( يا رسول الله إنهم يحدّثونا) ولأبي ذر يحدّثوننا ( أحيانًا بشيء) من الغيب ( فيكون) ما حدّثونا به ( حقًّا) أي واقعًا ثابتًا ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تلك الكلمة من الحق يخطفها) بفتح الطاء لا بكسرها على المشهور أي يأخذها الكاهن ( من الجني) بسرعة وسقطت لفظة من لابن عساكر أي يخطفها الجني من الملائكة وفي رواية الكشميهني كما في الفتح يحفظها بحاء مهملة ساكنة ففاء مفتوحة فظاء معجمة من الحفظ والأوّل هو المعروف ( فيقرّها) بضم التحتية وكسر القاف وتشديد الراء أي يصبها أو يلقيها بصوت ( في أُذن وليّه) الذي يواليه وهو الكاهن وغيره ممن يوالي الجن ( فيخلطون معها) مع الكلمة التي يحفظونها من الملائكة ( مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة فربما أصاب نادرًا وأخطأ غالبًا فلا تغتر بصدقهم في بعض الأمور.

وعن ابن عباس قال: حدّثني رجال من الأنصار أنهم بينا هم جلوس ليلاً مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ رمي بنجم فاستنار فقال: "ما كنتم تقولون إذا رمي مثل هذا في الجاهلية"؟ قالوا: كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم فقال: "فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تعالى إذا قضى أمرًا سبّح حملة العرش ثم يسبّح الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى أهل السماء الدّنيا فيقولون ماذا قال ربكم فيخبرونهم حتى يصل إلى السماء فيسترق منه الجني فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه وينقصون" رواه مسلم.
وفيه بيان توصل الجن إلى الاختطاف وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية لكن بقي من يتشبّه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب.

( قال علي) هو ابن المديني ( قال عبد الرزاق) بن همام ( مرسل الكلمة من الحق) أي أن عبد الرزاق كان يرسل هذا القدر من الحديث ( ثم) قال علي بن المديني ( بلغني أنه) أي عبد الرزاق ( أسنده) إلى عائشة ( بعده) ولأبي ذر وابن عساكر بعد أي بعد ذلك وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق موصولاً كرواية هشام بن يوسف عن معمر والاختطاف المذكور في الحديث مستعار للكلام من فعل الطير كما قال تعالى: { فتخطفه الطير} [الحج: 31] .

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :5453 ... غــ :5762 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ يَحْياى بنِ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عُرْوةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: سَأَلَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناسٌ عنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيءٍ.
فقالُوا: يَا رسولَ الله! إنهُمْ يُحَدِّثُونا أحْياناً بِشيءٍ فَيكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُها مِنَ الجِنِّيِّ فَيَقُرُّها فِي أُذُنِ ولِيِّه فَيَخْلِطُونَ مَعَها مائَةَ كَذْبَةٍ، قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ عبْدُ الرَّزَّاقِ: مُرْسَلٌ، الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ، ثُمَّ بَلغَني أنَّهُ أسْنَدَهُ بَعْدهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( عَن الْكُهَّان) وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وَيحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْقرشِي الْمدنِي، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة، وَالظَّاهِر أَن الزُّهْرِيّ فَاتَهُ هَذَا الحَدِيث عَن عُرْوَة مَعَ كَثْرَة رِوَايَته عَن عُرْوَة، فَجعله عَن ابْنه يحيى وَلَيْسَ ليحيى فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَيحيى وَقع عَن ظهر بَيت تَحت أرجل الدَّوَابّ فقطعته.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن أَحْمد بن صَالح وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن سَلام.
وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن عبد بن حميد وَغَيره.

قَوْله: ( سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناسٌ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: سَأَلَ نَاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند مُسلم من رِوَايَة معقل مثله.
قَوْله: ( فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء) أَي: لَيْسَ قَوْلهم بِشَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَيْسُوا بِشَيْء.
قَوْله: ( يحدثونا) ويروى يحدثوننا بنونين على الأَصْل.
قَوْله: ( حَقًا) أَي: وَاقعا ثَابتا، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ ضد الْبَاطِل.
قَوْله: ( تِلْكَ الْكَلِمَة من الْحق) كَذَا بحاء مُهْملَة وقاف، وَوَقع فِي مُسلم: تِلْكَ الْكَلِمَة المسموعة من الْجِنّ..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: كَذَا فِي نسخ: بِلَادنَا، بِالْجِيم وَالنُّون، أَي: الْكَلِمَة المسموعة من الْجِنّ،.

     وَقَالَ : حكى عِيَاض أَنه وَقع فِي مُسلم بِالْحَاء وَالْقَاف.
قَوْله: ( يَخْطفهَا من الجني) هَكَذَا رِوَايَة السَّرخسِيّ أَن الكاهن يَخْطفهَا من الجني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: يَخْطفهَا الجني، والخطف الْأَخْذ بالسرعة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يحفظها، بِتَقْدِيم الْفَاء بعْدهَا ظاء مُعْجمَة من الْحِفْظ.
قَوْله: ( فيقرها) بِفَتْح الْيَاء وَالْقَاف وَتَشْديد الرَّاء، أَي: يصبهَا، تَقول: قررت على رَأسه دلواً إِذا صببته فَكَأَنَّهُ صب فِي أُذُنه ذَلِك الْكَلَام،.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: وَيصِح أَن يُقَال: مَعْنَاهُ ألفاها فِي أُذُنه بِصَوْت يُقَال: قر الطَّائِر إِذا صَوت، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فَيقر قرها، أَي: يُرَدِّدهَا.
يُقَال: قرقرت الدَّجَاجَة تقرقر قرقرة إِذا رددت صَوتهَا،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: وَيُقَال أَيْضا: قرت الدَّجَاجَة تقرقراً وقريراً، وَإِذا رجعت فِي صَوتهَا يُقَال: قرقرت قرقرة وقرقرية، وَالْمعْنَى أَن الجني إِذا ألْقى الْكَلِمَة لوَلِيِّه تسامع بهَا الشَّيَاطِين فيناقلوها كَمَا إِذا صوتت الدَّجَاجَة فَسَمعَهَا الدَّجَاج فجاوبتها.
قَوْله: ( فِي إِذن وليه) أَي: الكاهن إِنَّمَا عدل من الكاهن إِلَى قَوْله: ( وليه) للتعميم فِي الكاهن وَغَيره مِمَّن يوالي الْجِنّ.
قَوْله: ( مائَة كذبة) وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: أَكثر من مائَة كذبة، وَيدل هَذَا على أَن ذكر الْمِائَة للْمُبَالَغَة لَا للتعيين.
قَوْله: ( كذبة) بِالْفَتْح وَحكي الْكسر، قَالَ بَعضهم: وَأنْكرهُ بَعضهم لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْهَيْئَة وَالْحَالة وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.
قلت: هَذَا مَوْضِعه لِأَن كذبتهم بِالْكَسْرِ تدل على أَنْوَاع الكذبات، وَهَذَا أبلغ من معنى الْفَتْح على مَا لَا يخفى قَوْله: ( قَالَ عَليّ) هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، ( قَالَ عبد الرَّزَّاق: هُوَ مُرْسل الْكَلِمَة الْحق) أَرَادَ أَن ابْن الْمَدِينِيّ قَالَ: إِن عبد الرَّزَّاق كَانَ يُرْسل هَذَا الْقدر من الحَدِيث، ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك وَصله بِذكر عَائِشَة فِيهِ، وَقد أخرجه مُسلم عَن عبد بن حميد من حَدِيث عبد الرَّزَّاق مَوْصُولا كَرِوَايَة هِشَام بن يُوسُف عَن معمر.