يرى أن تأنيث الذراع هو الذي
أتى، وهو للتذكير في ذاك منكر
( فخر إلى الأرض، وطمحت عيناه إلى السماء) أي فسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض مغشيا عليه، أي مغمى عليه، وذلك لظنه انكشاف عورته، وطمحت عيناه بفتح الطاء والميم أي ارتفعت إلى السماء.
( لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة) المنكب بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف مجتمع رأس الكتف مع العضد، وجواب لو محذوف إن كانت شرطية، وتقديره: لكان أسهل عليك، وإن كانت للتمني فلا حذف، والمراد: وضع الإزار على المنكب ليكون حائلا بين الحجارة والكتف تخفيفا لصلابة الحجارة على الكتف.
( أقبلت بحجر أحمله ثقيل) ثقيل صفة حجر وجملة أحمله صفة أخرى، والصفة المفردة أولى بالتقديم من الجملة، لكنه هنا على خلاف الأولى.
( هدف) بفتح الهاء والدال: كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل.
( أو حائش نخل) قال النووي: بالحاء والشين، وقد فسره في الكتاب بحائط النخل وهو البستان، وهو تفسير صحيح، ويقال فيه أيضا: حش بفتح الحاء وضمها.
فقه الحديث
يؤخذ من هذه الروايات
1- حرمة كشف العورة أمام الناس، وعورة الرجل مع الرجل ما بين السرة والركبة، وعورة المرأة مع المرأة ما بين السرة والركبة.
قال النووي: وفي السرة والركبة نفسيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحها: ليستا بعورة، والثاني: هما عورة.
والثالث: السرة عورة، والركبة ليست بعورة.
وعورة المرأة مع محرمها -وهو الذي لا يباح له نكاحها- ما بين السرة والركبة على الصحيح، وقيل: لا يحل له إلا ما يظهر في حال الخدمة والتصرف.
وعورة الرجل أمام محارمه ما بين السرة والركبة، وأما عورة المرأة مع الأجنبي فجميع بدنها، وعورة الرجل مع المرأة الأجنبية جميع بدنه كذلك.
قاله النووي.
اهـ.
وهذا الذي ذكره هو مذهب الشافعية، لم يشذ منهم عن ذلك إلا الإصطخري، حيث قال: إن عورة الرجل هي القبل والدبر.
كما أنه هو مذهب أبي حنيفة، ومالك في أصح أقواله، وأحمد في أصح روايتيه وأبي يوسف ومحمد وزفر.
وعن أحمد في إحدى الروايات، ومالك في رواية عنه أن عورة الرجل هي القبل والدبر فقط.
وبه قال أهل الظاهر وابن جرير، قال ابن حزم في المحلى: والعورة المفروض سترها عن الناظر وفي الصلاة من الرجال الذكر وحلقه الدبر فقط، وليس الفخذ منه عورة، وهي من المرأة جميع جسدها، حاشا الوجه والكفين فقط.
اهـ.
ومما احتجوا به الرواية السادسة والسابعة من روايات الباب، وفيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حل إزاره، ووضعه على عاتقه، فكشف بذلك عن فخذيه.
كما احتجوا بما رواه البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى أني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: ظاهره أن المس كان بدون حائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز وحيث جاز المس لم تكن عورة، وقالوا: لو كانت الفخذ عورة ما حسر الإزار عنها.
كما احتجوا بما رواه الطحاوي عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قد وضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فأذن له صلى الله عليه وسلم على هيئته ثم جاء عمر بمثل هذه الصفة، ثم جاء أناس من أصحابه والنبي صلى الله عليه وسلم على هيئته، ثم جاء عثمان فاستأذن عليه فأذن له، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فجلله، قالت: فقلت: يا رسول الله.
جاء أبو بكر وعمر وعلي وأناس من أصحابك وأنت على هيئتك، فلما جاء عثمان جللت بثوبك، فقال: أو لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟.
وأجاب الجمهور عن هذه الأدلة بأن روايتي بناء الكعبة كانت قبل النبوة، فقد قال ابن بطال: كان عمره صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة، وقال الزهري: لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم الحلم، وقال هشام: بين بناء الكعبة والمبعث خمس سنين، والمشهور أن بناء الكعبة بعد تزوج خديجة بعشر سنين، فيكون عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك خمسا وثلاثين، فبناء الكعبة قبل البعثة، ولا يستدل بمثل هذا العمل في التشريع.
وأجابوا عن حديث أنس في خيبر بأنه ليس فيه التصريح بأن المس كان بدون حائل فلا يصح الاستدلال به لتطرق الاحتمال إليه، ولو سلم أنه كان بدون حائل فتلك كانت حالة زحام وشدة، فانكشاف الفخذ كان على غير قصد، يدل لذلك رواية مسلم فانحسر الإزار عن فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بعض روايات البخاري فحسر الإزار عن فخذ رسول الله بالبناء للمجهول ولو سلم القصد فإن هذه قضية معينة في وقت خاص وحالة خاصة، يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق للأحاديث الآتية التي تعطي حكما كليا بأن الفخذ عورة.
وأجابوا عن حديث الطحاوي بأنه على هذا الوجه غريب.
قال أبو عمر: الحديث الذي رووه عن حفصة فيه اضطراب، وقال البيهقي: قال الشافعي: والذي روي في قصة عثمان من كشف الفخذين مشكوك فيه.
وقال الطبري: والأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل عليه أبو بكر وعمر، وهو كاشف فخذه واهية الأسانيد، لا يثبت بمثلها حجة في الدين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها أخبار صحاح.
اهـ.
وقد روى جماعة من أهل البيت حديث الطحاوي على غير الوجه الذي رواه.
فقد أخرج مسلم عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان رضي الله عنه حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر رضي الله عنه، فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف.
قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك، فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت.
فقالت عائشة: يا رسول الله، مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر، كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة أن لا يبلغ إلي في حاجته.
وأخرجه الطحاوي أيضا، وقال: فهذا أصل هذا الحديث، ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلا.
اهـ.
قال العيني: فإن قلت: روى مسلم أيضا في صحيحه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته، كاشفا عن فخذيه -أو ساقيه- فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوى ثيابه فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهش له، ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تباله، فلما دخل عثمان جلست وسويت ثيابك؟ فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ قلت: قال الشافعي: إن هذا مشكوك فيه، لأن الراوي قال: فخذيه أو ساقيه وقال أبو عمر: هذا حديث مضطرب.
والأحاديث التي استدل بها الجمهور على عورة الفخذين كثيرة، منها ما أخرجه مالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه، والترمذي وحسنه وصححه عن ابن جرهد الأسلمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم غط فخذك فإنها من العورة ومنها ما رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه عن أبي كثير مولى محمد بن جحش رضي الله عنه قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمر على معمر وهو جالس عند داره بالسوق، وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر.
غط فخذيك فإن الفخذين عورة ومنها ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الفخذ عورة.
أما مذاهب العلماء في عورة المرأة فقد قال القاضي عياض من المالكية: وعورة المرأة على الأجنبي ما عدا الوجه والكفين.
وقيل: ما عدا الوجه.
اهـ وقال الأبي: قال أبو عمر: وقيل: ما عدا الوجه والكفين والقدمين.
قال القاضي عياض: وعورتها على ذي المحرم ما سوى الذراعين، وما سوى ما فوق المنحر، وعورتها على المرأة المسلمة عورتها على ذي محرم، وقيل كالرجل مع الرجل.
ثم قال: وتستر الحرة في الصلاة ما سوى الوجه والكفين وقال أحمد: تستر حتى الظفر وأجمعوا على أنها تعيد الصلاة إن صلت منكشفة الرأس.
واختلفوا في كشف بعضه، فقال الشافعي: إن كشفت بعضه تعيد، وقال أبو حنيفة: إن كشفت أقل من ربعه لم تعد، وكذلك أقل من ربع بطنها أو فخذها، وقال أبو يوسف: لا تعيد في أقل من النصف، وقال مالك: تعيد في الوقت في القليل والكثير من ذلك، وكذا لو صلت منكشفة الصدر والقدمين.
وعند المالكية خلاف طويل في ستر العورة في الصلاة، قيل: الستر فيها واجب وشرط في صحة الصلاة، والكشف حرام، وقيل: الستر واجب وليس شرطا في صحة الصلاة، وقيل: كشفها في الصلاة مكروه.
أما الشافعية والحنفية وعامة الفقهاء وأهل الحديث فإن ستر العورة عندهم فرض في الصلاة، وشرط في صحتها، فرضها ونفلها.
وأما كشف العورة في حال الخلوة ففيه خلاف.
قال النووي: كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي، فإن كان لحاجة، كحالة الاغتسال والبول ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك جاز.
قال العلماء: والتستر بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشف، وخالف فيه ابن أبي ليلى، وحرم التكشف في الخلوة، وكأنه تمسك بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل عريانا وحده، فقال إذا اغتسل أحدكم فليستتر وبما أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه الحاكم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله، عوراتنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا؟ قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس.
وحمله الجمهور على الندب والأفضل، واستدلوا على جواز الكشف خاليا بحديث موسى عليه السلام، ووجه الدلالة منه -على ما قال ابن بطال- أنه ممن أمرنا بالاقتداء به وقد اغتسل وحده عريانا.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا إنما يتأتى على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا، والذي ظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصة، ولم يتعقب فدل على موافقتها لشرعنا، وإلا فلو كان فيها شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا يجمع بين الحديثين، فيحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل، ورجح بعض الشافعية تحريم الكشف خاليا لغير حاجة.
قال النووي: والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح.
قال الحافظ ابن حجر: والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط.
اهـ.
وتستر الرسول صلى الله عليه وسلم في الغسل كما في الرواية الأولى والثانية، وفي البول كما في الرواية التاسعة محمول على الأفضل والكمال، أو على حالة خشية رؤية الناس.
قال النووي: ويتساهل كثير من الناس بالاجتماع في الحمام، فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره، وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره، ويجب عليه إذا رأى من يخل بشيء من هذا أن ينكر عليه، قال العلماء: ولا يسقط عنه الإنكار بكونه يظن أن لا يقبل منه، بل يجب عليه الإنكار إلا أن يخاف على نفسه وغيره فتنة اهـ.
وقد نقل ابن بطال عن أئمة الفتوى أن من دخل الحمام بغير مئزر تسقط شهادته بذلك، وهذا قول مالك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي -رضي الله عنهم- واختلفوا فيما إذا نزع مئزره ودخل الحوض وبدت عورته عند دخوله، فقال مالك والشافعي تسقط شهادته، وقال أبو حنيفة والثوري: لا تسقط شهادته، ويعذر، لأنه لا يمكن التحرز عنه.
والله أعلم.
وأما نظر أحد الزوجين لعورة الآخر فقد قال النووي: لكل واحد من الزوجين النظر إلى عورة صاحبه جميعها إلا الفرج نفسه، ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: أصحها أنه مكروه لكل واحد منهما النظر إلى فرج صاحبه من غير حاجة، وليس بحرام، والثاني أنه حرام عليهما، والثالث أنه حرام على الرجل مكروه للمرأة، والنظر إلى باطن فرجها أشد كراهة وتحريما.
اهـ.
وفي نظر عورة الأجنبي والأجنبية يقول النووي: ويحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل بالإجماع.
ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة، وذلك بالتحريم أولى، فيحرم عليه النظر إلى أي شيء من بدنها، وكذلك يحرم عليها النظر إلى أي شيء من بدنه، سواء كان نظره ونظرها بشهوة أم بغيرها، وقال بعض أصحابنا: لا يحرم نظرها إلى وجه الرجل بغير شهوة.
وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة سواء كان نظره بشهوة أم لا، وسواء أمن الفتنة أم خافها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين، نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه -رحمهم الله تعالى- ودليله أنه في معنى المرأة، فإنه يشتهي كما تشتهي، وصورته في الجمال كصورة المرأة، بل ربما كان كثير منهم أحسن صورة من كثير من النساء، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر، وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن من مثله في حق المرأة.
والله أعلم.
قال: وهذا الذي ذكرناه من تحريم النظر هو فيما إذا لم تكن حاجة، أما إذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر كما في حالة البيع والشراء والتطيب والشهادة ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة فلا حاجة إليها قال أصحابنا: النظر بالشهوة حرام على كل أحد غير الزوج والسيد، حتى يحرم على الإنسان النظر إلى أمه وبنته بالشهوة.
والله أعلم.
اهـ.
2- ويؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه، والنهي نهي تحريم باتفاق، والمقصود من الإفضاء المنهي عنه الإفضاء بدون حائل، ولما كان التجرد مظنة مس أحدهما عورة الآخر ومس العورة حرام كالنظر نهي عن الإفضاء في الثوب الواحد، سدا للذرائع.
3- ومن الرواية الأولى والثانية يؤخذ جواز اغتسال الإنسان بحضرة امرأة من محارمه، إذا كان يحول بينها وبينه ساتر من ثوب أو غيره.
4- وجواز تستر الرجال بالنساء.
5- ومن الرواية التاسعة يؤخذ استحباب الاستتار عند قضاء الحاجة بحائط أو هدف أو شجر أو وهدة أو نحو ذلك، بحيث يغيب جميع شخص الإنسان عن أعين الناظرين.
6- ويستفاد من حديث أم هانئ سنة صلاة الضحى، وأنها ثماني ركعات.
7- ويؤخذ من قوله في الرواية السادسة فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء بعض ما أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه ورسوله، وأنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا محميا في صغره عن القبائح وأخلاق الجاهلية.
8- ومن نفس الرواية ما جبل عليه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الحسنة والحياء الكامل، حتى كان أشد حياء من العذراء في خدرها.
9- ومن حديث موسى عليه السلام أخذ بعضهم أن شريعة بني إسرائيل كانت تجيز رؤية العورة، وإلا لما أقرهم موسى على ذلك، وإنما اغتسل موسى وحده استحياء، وأخذا بالأفضل، وأغرب ابن بطال فقال: هذا يدل على أنهم كانوا عصاة لموسى.
اهـ وتبعه القرطبي على قوله، وأطال في ذلك.
10- قال الحافظ ابن حجر: وفيه أن الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية من الكمال، وأن من نسب نبيا من الأنبياء إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر.
11- وجواز المشي عريانا للضرورة.
وقال ابن الجوزي: لما كان موسى في خلوة وخرج من الماء فلم يجد ثوبه تبع الحجر، بناء على أن لا يصادف أحدا وهو عريان، فاتفق أنه كان هناك قوم، فاجتاز بهم، كما أن جوانب الأنهار، وإن خلت غالبا، لا يؤمن وجود قوم قريب منها، فبني الأمر على أنه لا يراه أحد لأجل خلاء المكان، فاتفق رؤية من رآه، والذي يظهر أنه استمر يتبع الحجر على ما في الخبر، حتى وقف على مجلس لبني إسرائيل كان فيهم من قال فيه ما قال.
وبهذا تظهر الفائدة، وإلا فلو كان الوقوف على قوم منهم في الجملة لم يقع في ذلك الموقع.
اهـ.
ونقل ابن الجوزي عن النيسابوري أن موسى نزل إلى الماء مؤتزرا، فلما خرج تتبع الحجر، والمئزر مبتل بالماء، فعلموا عند رؤيته أنه غير آدر، لأن الأدرة تبين تحت الثوب المبلول بالماء.
اهـ، قال الحافظ ابن حجر: إن كان هذا على سبيل الاحتمال احتمل، لكن المنقول يخالفه، لأن رواية أنس عند أحمد في هذا الحديث أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يوارى عورته في الماء.
12- استدل برؤيتهم جسد موسى على جواز النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية لذلك، من مداواة أو براءة من عيب، كما لو ادعى أحد الزوجين على آخر البرص ليفسخ النكاح فأنكر.
13- وفيه دلالة على معجزة موسى عليه السلام من مشي الحجر بثوبه إلى ملأ من بني إسرائيل، وندائه للحجر، وتأثير ضربه فيه.
14- وفيه ما غلب على موسى عليه السلام من البشرية حتى ضرب الحجر.
15- وفيه ما كان عليه الأنبياء -عليهم السلام- من تحمل الأذى والصبر على الجهال وأن العاقبة لهم على من آذاهم.
16- ويؤخذ من حلف أبي هريرة جواز الحلف على الأخبار، وبخاصة الغريب منها.