هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
56 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، جَمِيعًا عَنْ وَكِيعٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : رُبَّمَا قَالَ وَكِيعٌ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ مُعَاذًا ، قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ : إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا بِمِثْلِ حَدِيثِ وَكِيعٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
56 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، وإسحاق بن إبراهيم ، جميعا عن وكيع ، قال أبو بكر : حدثنا وكيع ، عن زكرياء بن إسحاق ، قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن صيفي ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس ، عن معاذ بن جبل ، قال أبو بكر : ربما قال وكيع : عن ابن عباس ، أن معاذا ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا بشر بن السري ، حدثنا زكرياء بن إسحاق ، ح وحدثنا عبد بن حميد ، حدثنا أبو عاصم ، عن زكرياء بن إسحاق ، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن ، فقال : إنك ستأتي قوما بمثل حديث وكيع
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

It is reported on the authority of Ibn 'Abbas that Mu'adh said:

The Messenger of Allah sent me (as a governor of Yemen) and (at the time of departure) instructed me thus: You will soon find yourself in a community one among the people of the Book, so first call them to testify that there is no god but Allah, that I (Muhammad) am the messenger of Allah, and if they accept this, then tell them Allah has enjoined upon them five prayers during the day and the night and if they accept it, then tell them that Allah has made Zakat obligatory for them that it should be collected from the rich and distributed among the poor, and if they agree to it don't pick up (as a share of Zakat) the best of their wealths. Beware of the supplication of the oppressed for there is no barrier between him and Allah.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن معاذا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال إنك تأتي قوما من أهل الكتاب.
فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك.
فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.
فإن هم أطاعوا لذلك.
فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم.
فإن هم أطاعوا لذلك.
فإياك وكرائم أموالهم.
واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.


المعنى العام

خلع معاذ كمية كبيرة من ماله لغرمائه سنة عشر من الهجرة، فرأى صلى الله عليه وسلم أن يعوضه بتعيينه واليا أو قاضيا على اليمن: يجمع الزكاة ويصرفها في وجوهها ويقوم على بيت المال، وقال له: إني قد عرفت بلاءك في الدين، والذي قد ركبك من الدين، وقد طيبت لك الهدية، لعل الله يجبرك ويخلف عليك ما غرمت.

ولم يكن أساس اختيار معاذ لهذا المنصب مجرد التعويض، فإن كفء له، أهل لتحمل هذه المسؤولية، لما عرف عنه من العلم والفضل والورع، ثم هو من أهل بدر، وشهدها وهو ابن إحدى وعشرين سنة.

وقد زوده رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصية تحدد له الخطوات الواجب عليه اتباعها في مهمته السامية الصعبة.

قال له: إنك ستكون بمثابة حاكم على اليمن بقوانين الإسلام، ناشر لتعاليم الدين بين قوم أكثرهم من أهل الكتاب، وهم أهل علم وجدل، تحتاج دعوتهم إلى حكمة وسعة صدر، وقوة حجة، وتوقد فكرة.

فتدرج معهم في الدعوة، وعاملهم بالتي هي أحسن، وليكن أول شيء تدعوهم إليه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها وأقروا بها، وعرفوا الله تعالى ووحدانيته، وآمنوا برسوله فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، وفصلها لهم وعرفهم كيفيتها، وأمهم في صلاتهم ليتعلموها، فإن هم قبلوا وأذعنوا وصلوا، فأعلمهم أن الله فرض على الأغنياء منهم زكاة تجمع من أموالهم، وتفرق بين الفقراء، قدر يسير معلوم يطهر أموالهم وينميها، ويحوطها بالبركة، ويربط أواصر المحبة بين طبقات الأمة الواحدة، فإن استجابوا ورضخوا، فخذ منهم صدقاتهم ولا تلزمهم إخراج كرائم أموالهم ونفائسها، التي أحبوها واختصوها بفضل على غيرها، فلم يجعل الله مواساة الفقراء على حساب الإجحاف بالأغنياء.

وتجنب الظلم عامة، وفي أخذ الصدقات خاصة، واحرص على العدل دائما، واحذر دعوة المظلوم، ولا تعرض نفسك لأن يدعو عليك، فإن دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاسقا، تفتح لها أبواب السموات السبع، ولا يحول بينها وبين القبول حائل، وليس بينها وبين إجابتها حجاب.

وحافظ معاذ على الوصية، وظل قائما على اليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر، ثم توجه إلى الشام فمات بها بالطاعون سنة سبع عشرة من الهجرة، وله من العمر أربع وثلاثون سنة.

المباحث العربية

( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم) المبعوث إليه محذوف، أبرز في الرواية الثانية والثالثة في قول ابن عباس: بعث معاذا إلى اليمن.

( إنك تأتي قوما) المضارع هنا مراد به الاستقبال، وقد صرح بحرف الاستقبال في الرواية الثانية، وفي الرواية الثالثة تقدم على قوم بفتح التاء والدال، قال في القاموس: قدم كنصر وعلم، والتي معنا من باب علم، وهي بمعنى أقدم يقدم.

( من أهل الكتاب) وفي الرواية الثالثة قوم أهل كتاب وهذا الوصف كالتوطئة للوصية، ليستجمع همته عليها، ويوفر العناية في دعوتهم، فمخاطبة أهل الكتاب ينبغي أن لا تكون كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان.

وليس في هذا الوصف أن جميع من سيأتيهم من أهل الكتاب، فإن في أهل اليمن غير أهل الكتاب، لكنه خصهم بالذكر لمزيد الاهتمام.

( فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله) في الرواية الثالثة فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، أول بالنصب خبر يكن مقدم وعبادة الله اسمها مؤخر، والمراد من عبادة الله توحيده.
فقد جاء في رواية إلى أن يوحدوا الله والمراد من توحيده الشهادتان.

( فإن هم أطاعوا لذلك) أي للإتيان بالشهادتين، وفي رواية فإن أطاعوا لك في ذلك ،أي شهدوا وانقادوا، وفي رواية فإن هم أجابوا لذلك وفي رواية فإذا عرفوا ذلك.
وفي الرواية الثالثة فإذا عرفوا الله.

والظاهر أن أطاع هنا ضمن معنى انقاد فعدى تعديته.

والتعبير بـإن ليس لأن وقوع الشرط مشكوك فيه، بل لمجرد التعليق بدليل الرواية الثالثة فإذا بدل فإن.

( فأعلمهم) في الرواية الثالثة فأخبرهم.

( أن الله افترض عليهم) في الرواية الثالثة أن الله فرض عليهم وهما بمعنى.

( خمس صلوات في كل يوم وليلة) في الرواية الثالثة خمس صلوات في يومهم وليلتهم.

( فإن أطاعوا لذلك) يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها عليهم والتزامهم بها، وثانيهما: أن يكون المراد الإطاعة بالفعل والأداء، ووجه الأول بأن المذكور هو الإخبار بالفريضة، وإطاعة الإخبار الإقرار به والتزامه، ووجه الثاني بأنهم لو بادروا إلى الامتثال بالفعل لكفى، ولم يشترط الإقرار باللسان والالتزام بالتلفظ، بخلاف الشهادتين فالشرط فيهما عدم الإنكار، وعلامة قبولهما النطق بهما، ويؤيد هذا الوجه رواية فإذا صلوا كما يؤيده قوله في الرواية الثالثة فإذا فعلوا.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بين الأمرين، فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه.
أو بهما فأولى.
اهـ.

( أن الله افترض عليهم صدقة) أي زكاة بدليل الرواية الثالثة، وأطلق لفظ الصدقة على الزكاة في قوله تعالى: { { إنما الصدقات للفقراء... } } [التوبة:60] الآية.

( تؤخذ من أغنيائهم) الجملة صفة صدقة.

( فترد في فقرائهم) لم يقل: فتعطى أو فتسلم للإشارة إلى أن المسلمين فقراءهم وأغنياءهم جسد واحد، فما يؤخذ من عضو ويعطى للآخر مردود إليه في الجملة، وجعل الفقراء هنا ظرفا للرد إشارة إلى تمكن الزكاة منهم وعدم خروجها عنهم، وفي الرواية الثالثة فترد على فقرائهم والتعبير بعلى فيه من التمكن ما ليس في إلى.

( فإن هم أطاعوا لذلك) وفي رواية فإذا أقروا بذلك وجواب الشرط الحقيقي محذوف، ذكر في الرواية الثالثة وفيها فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وأما قوله:

( فإياك وكرائم أموالهم) فهو مرتب على الجواب، وكرائم الأموال نفيسها، وقيل: هي ما يخص بها صاحبها نفسه ويؤثرها على غيرها، لما فيها من صفات الكمال، من غزارة اللبن أو جمال الصورة أو كثرة اللحم أو الصوف أو نحو ذلك، وأصل إياك أحذرك فحذف الفعل، وانفصل ضمير المفعول، ولا يجوز ترك الواو في وكرائم لأن المحذر منه إن كان اسما صريحا وولى المحذر استعمل بمن أو الواو، ولا يخلو عنهما، وإن كان فعلا وجب أن يكون مع أن ليكون في تأويل الاسم فيستعمل بالواو عطفا.

وقد نقل ابن مالك: إياك الأسد بدون واو، ولكنه شاذ.

( واتق دعوة المظلوم) الفعل معطوف على عامل إياك المحذوف، والتقدير: اتق نفسك أن تتعرض للكرائم، واتق نفسك أن تتعرض لدعوة المظلوم، والمقصود تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم.

( فإنه) أي فإن الشأن، وفي رواية فإنها أي فإن القصة أو فإن دعوة المظلوم.

( ليس بينها وبين الله حجاب) الجملة تذييل لتعليل اتقاء دعوة المظلوم، وليس المراد أن لله حجابا يحجبه عن شيء، ولكن المقصود أن دعوة المظلوم مقبولة مجابة، فالكلام على سبيل التمثيل بتشبيه هيئة دعاء المظلوم وعدم وجود صارف له، أو مانع من قبوله، بهيئة من يقصد دار السلطان متظلما فتفتح له الأبواب، ويرفع أمامه كل حجاب.

فقه الحديث

استشكل على الحديث بأنه لم يرد فيه ذكر الصوم والحج مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر.

وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة، وأجاب الكرماني بجوابين يرفع بهما نسبة التقصير للرواة فقال في أحدهما: يحتمل أنه لم يكن حينئذ شرع.
وهذا جواب مردود.

وقال في ثانيهما: إن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كررا في القرآن، فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام، والسر في ذلك أن الصلاة والزكاة إذا وجبا على المكلف لا يسقطان عنه أصلا، بخلاف الصوم فإنه قد يسقط بالفدية، والحج فإن الغير قد يقوم مقامه فيه كما في المعضوب ( أي العاجز عن أداء الحج) .
اهـ.

وهذا جواب حسن، وأحسن منه أن يقال: إذا كان الكلام في بيان الأركان جاء الشارع بها كاملة ولم يخل بشيء منها، كما في حديث بني الإسلام على خمس فإذا كان في غير بيان الأركان كالدعوة إلى الإسلام صح أن يكتفي بالأركان الثلاثة الشهادتين والصلاة والزكاة، ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج كقوله تعالى: { { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } } [التوبة: 11] في موضعين من سورة براءة ونزولها بعد فرض الصوم والحج قطعا، وكحديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وغير ذلك من الأحاديث.

والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة: اعتقادي وهو الشهادتان، وبدني وهو الصلاة، ومالي وهو الزكاة، والصلاة شاقة لتكررها، والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال، فإذا أذعن المرء لهذه الثلاث كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها.

كما استشكل عليه بأنه لا وجه لترتيب الدعوة إلى الزكاة على الإطاعة بالصلاة.

وقيل في الجواب: إن الترتيب ترتيب بيان واهتمام، لا ترتيب إيجاب، لأن الزكاة تجب على قوم من الناس دون آخرين.

وأولى من هذا الجواب قول بعضهم: إنهم إذا أجابوا إلى الشهادتين، ودخلوا بذلك في الإسلام، ثم لم يذعنوا لوجوب الصلاة كان ذلك كفرا وردة عن الإسلام بعد دخولهم فيه، فيصير مالهم فيئا، ولا يؤمرون بالزكاة بل يقتلون.

واستدل الجمهور بالحديث على أنه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله، حتى يضيف إليها الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.

وقال بعضهم: يصير بالأولى مسلما ويطالب بالثانية، وفائدة الخلاف تظهر في الحكم بالردة.

والقول الراجح قول الجمهور وأن المطالبة ابتداء تكون بالشهادتين، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة.

ومن كان مشبها أو معتقدا ما يستلزم الإشراك كمن يقول ببنوة عزير فإنه يطالب بالإقرار بالتوحيد- لنفي ما يستلزم عقيدته- وبالإقرار بالرسالة.

وهل يشترط التبرؤ من كل دين يخالف دين الإسلام؟ وبعبارة أخرى: هل يشترط للحكم بإسلام من يعتقد التشبيه أو يعتقد بنوة عزير أن يقر بترك هذا الاعتقاد؟ أو يكفي للحكم بإسلامه الإقرار بالشهادتين؟

الصحيح الثاني، وهو الذي يؤخذ من الحديث، لأن اعتقاد الشهادتين يستلزم ترك اعتقاد ما ينافيهما.

وقد استدل القاضي عياض بقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثالثة فإذا عرفوا الله فأخبرهم استدل به على أن اليهود والنصارى غير عارفين الله تعالى وإن كانوا يعبدونه ويظهرون معرفته، وقال: ما عرف الله تعالى من شبهه وجسمه من اليهود وأجاز عليه البداء أو أضاف إليه الولد منهم، أو أضاف إليه الصاحبة والولد، أو أجاز الحلول عليه والانتقال والامتزاج من النصارى، أو وصفه بما لا يليق به، أو أضاف إليه الشريك والمعاند من المجوس والوثنية، فمعبودهم الذي عبدوه ليس هو الله، وإن سموه به، إذ ليس موصوفا بصفات الإله الواجبة له، فإذن هم ما عرفوا الله سبحانه وتعالى.
اهـ وهذا مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى.

واستدل بعضهم بالحديث على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والصوم والزكاة وتحريم الزنا ونحوها، لكونه صلى الله عليه وسلم قال فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم... فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم، ودل على أنهم يدعون أولا إلى الإيمان، ثم لا يدعون إلى العمل إلا بعد أن يؤمنوا.

ومذهب المحققين والأكثرين -وهو المختار- أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة ( المأمورات والمنهيات) وغاية ما في الحديث أن مطالبتهم في الدنيا بالفروع لا تكون إلا بعد الإسلام، لأنها لا تصح منهم بدونه، ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها، يزاد في عذابهم في الآخرة بسببها، كمن أتلف ثوبا مخيطا فإنه مسئول عن الثوب وعن خياطته وإن لم يطالب عمليا بالخياطة إلا بعد تحصيل الثوب.

وفي المسألة رأي ثالث هو أن الكفار مخاطبون بالمنهيات دون المأمورات، وهو رأي ضعيف.

واستدل به الخطابي وسائر أصحاب الشافعي على أن الزكاة لا يجوز نقلها عن بلد المال، لقوله صلى الله عليه وسلم فترد في فقرائهم فإن معناه أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم، والوصية لمعاذ أن يأخذ الزكاة من أغنياء البلد الموجه إليها ويردها على فقرائها، فلا يجوز له نقلها إلى بلد آخر.

ورد المخالفون بأن الضمير في فقرائهم محتمل لفقراء المسلمين ولفقراء أهل تلك البلدة أو الناحية، وحيث تطرق الدليل إلى الاحتمال سقط به الاستدلال.

وعلى هذا أجاز أبو حنيفة النقل، ورأى المالكية ترك النقل، لكنه إن خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها.

واستدل به الجمهور على إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون، لعموم قوله من أغنيائهم وذهب الحنفية إلى عدم إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لحديث رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق.

ولا يخفى أن المكلف بإخراج الزكاة من مال الصبي هو وليه، ففي مال الصبي حق غير مكلف هو بأدائه، وإنما المكلف بأدائه هو الوصي، فلا تنافي بين إيجاب الزكاة من ماله وبين رفع القلم عنه.

كما استدل به الجمهور أيضا على عدم وجوب الوتر، فليس على المسلم من صلاة غير الخمس.
ورد الحنفية الموجبون للوتر بجواز وجوبه بعد وصية معاذ على أن الراوي أو الوصية لم يأت بكل المفروضات.

واستدل بالحديث لقول مالك وغيره: إنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد، وأجاب المخالفون بأنه يحتمل أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب أو للمقابلة بينهم وبين الأغنياء.

واستدل به بعضهم على أنه ليس على المدين زكاة ما في يده إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر النصاب، لأنه ليس بغني.

واستدل بقوله تؤخذ من أغنيائهم على أنه إذا امتنع من الزكاة أخذت من ماله بغير اختياره، وهذا الحكم لا خلاف فيه، ولكن هل تبرأ ذمته ويجزيه ذلك في الباطن؟ فيه وجهان للشافعية.

واستدل بالحديث على أن دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان عاصيا اعتمادا على عموم لفظ المظلوم ويؤيده ما جاء عند أحمد مرفوعا دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه.

ولا يرد أننا نسمع دعاء كثير من المظلومين ثم لا نرى إجابة لدعائهم، لأن الداعي -كما جاء في الحديث- على ثلاث مراتب: إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله.

وعلى هذا التوجيه قيد قوله تعالى: { { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } } [النمل: 62] بقوله { { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء } } [الأنعام: 41] .

ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

1- بعث السعاة لأخذ الزكاة.

2 - أن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته، ويأمرهم بتقوى الله، وينهاهم عن الظلم، ويحذرهم من عاقبته وإن كانوا على درجة كبيرة من العلم والفضل والورع.

3 - قبول خبر الواحد ووجوب العمل به.

4- أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة.

5 - أنه ليس في المال حق سوى الزكاة.

6 - أن الفقير لا زكاة عليه.

7 - أن من ملك نصابا لا يعطي من الزكاة، حيث إنه جعل المأخوذ منه غنيا وقابله بالفقير.

8 - أن الزكاة لا تدفع إلى كافر ولا تدفع إلى غني من سهم الفقراء.

9 - أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم الأموال في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط.

والله أعلم