هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
600 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى ، لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ : أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
600 حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، ثم قال : وكان رجلا أعمى ، لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن عبد الله بن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ بِلاَلًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، ثُمَّ قَالَ : وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى ، لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ : أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ .

Narrated Salim bin `Abdullah:

My father said that Allah s Apostle said, Bilal pronounces 'Adhan at night, so keep on eating and drinking (Suhur) till Ibn Um Maktum pronounces Adhan. Salim added, He was a blind man who would not pronounce the Adhan unless he was told that the day had dawned.

":"ہم سے عبداللہ بن مسلمہ قعنبی نے بیان کیا امام مالک سے ، انھوں نے ابن شہاب سے ، انھوں نے سالم بن عبداللہ بن عمر رضی اللہ عنہما سے ، انھوں نے اپنے والد عبداللہ بن عمر سے کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ بلال تو رات رہے اذان دیتے ہیں ۔ اس لیے تم لوگ کھاتے پیتے رہو ۔ یہاں تک کہ ابن ام مکتوم اذان دیں ۔ راوی نے کہا کہ وہ نابینا تھے اور اس وقت تک اذان نہیں دیتے تھے جب تک ان سے کہا نہ جاتا کہ صبح ہو گئی ۔ صبح ہو گئی ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [617] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ الْقَعْنَبِيُّ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْصُولًا عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيره من رُوَاة الْمُوَطَّأ فِيهِ بن عُمَرَ وَوَافَقَهُ عَلَى وَصْلِهِ عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَأَبُو قُرَّةَ وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ وَآخَرُونَ وَوَصَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِهِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ فِيهِ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ بَابٍ .

     قَوْلُهُ  فَكُلُوا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ عَلَامَةً عِنْدَهُمْ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ بِخِلَافِ ذَلِك قَوْله بن أُمِّ مَكْتُومٍ اسْمُهُ عَمْرٌو كَمَا سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي الصِّيَامِ وَفَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ الْحصين فَسَماهُالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ اسْمَانِ وَهُوَ قُرَشِيٌّ عَامِرِيٌّ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَالْأَشْهَرُ فِي اسْمِ أَبِيهِ قَيْسُ بْنُ زَائِدَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْرِمُهُ وَيَسْتَخْلِفُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَاسْتُشْهِدَ بِهَا وَقِيلَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ وَهُوَ الْأَعْمَى الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ عَبَسَ وَاسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّةُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى فَكُنِّيَتْ أُمُّهُ أُمَّ مَكْتُومٍ لِانْكِتَامِ نُورِ بَصَرِهِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ عَمِيَ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى ظَاهِرُهُ أَنَّ فَاعل قَالَ هُوَ بن عُمَرَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي لَكِنْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ فعينا أَنه بن شِهَابٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخُزَاعِيُّ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَتَمَّامٌ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ كُلُّهُمْ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَعَلَى هَذَا فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِدْرَاجٌ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ كَون بن شِهَابٍ قَالَهُ أَنْ يَكُونَ شَيْخُهُ قَالَهُ وَكَذَا شَيْخُ شَيْخِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن بن وهب عَن يُونُس وَاللَّيْث جَمِيعًا عَن بن شِهَابٍ وَفِيهِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَر فَفِي هَذَا أَن شيخ بن شِهَابٍ قَالَهُ أَيْضًا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصِّيَامِ عَن المُصَنّف من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَسَنَذْكُرُ لَفْظَهُ قَرِيبًا فَثَبَتَتْ صِحَّةُ وَصْلِهِ وَلِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ لِابْنِ شِهَابٍ وَقد وَافق بن إِسْحَاق معمرا فِيهِ عَن بن شِهَابٍ .

     قَوْلُهُ  أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ أَيْ دَخَلْتَ فِي الصَّبَاحِ هَذَا ظَاهِرُهُ وَاسْتُشْكِلَ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَذَانَهُ غَايَةً لِلْأَكْلِ فَلَوْ لَمْ يُؤَذِّنْ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّبَاحِ لَلَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ الْأَكْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ إِلَّا مَنْ شَذَّ كالأعمش وَأجَاب بن حبيب وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَصِيلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَارَبْتَ الصَّبَاحَ وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ حِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى بُزُوغِ الْفَجْرِ أَذِّنْ وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي فِي الصّيام حَتَّى يُؤذن بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَإِنَّمَا.

.

قُلْتُ إِنَّهُ أَبْلَغُ لِكَوْنِ جَمِيعِهِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا فَ.

     قَوْلُهُ  إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ يُشْعِرُ أَن بن أُمِّ مَكْتُومٍ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الصُّبْحِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بِلَالٍ فَرْقٌ لِصِدْقِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ عِنْدِي فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ إِنَّ أَذَانَهُ جُعِلَ عَلَامَةً لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْ يُرَاعِي الْوَقْتَ بِحَيْثُ يَكُونُ أَذَانُهُ مُقَارِنًا لِابْتِدَاءِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْبُزُوغِ وَعِنْدَ أَخْذِهِ فِي الْأَذَانِ يَعْتَرِضُ الْفَجْرُ فِي الْأُفُقِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِمْ أَصْبَحْتَ أَيْ قَارَبْتَ الصَّبَاحَ وُقُوعُ أَذَانِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ مْ ذَلِكَ يَقَعُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ وَأَذَانُهُ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَبْعَدًا فِي الْعَادَةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ مِنْ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَيَّدِ بِالْمَلَائِكَةِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو قُرَّة من وَجه آخر عَن بن عمر حَدِيثا فِيهِ وَكَانَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ يَتَوَخَّى الْفَجْرَ فَلَا يُخْطِئُهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْأَذَانِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ وَاسْتِحْبَابُ أَذَانِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِد وَأماأَذَانُ اثْنَيْنِ مَعًا فَمَنَعَ مِنْهُ قَوْمٌ وَيُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهُ بَنُو أُمَيَّةَ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيَّةُ لَا يُكْرَهُ إِلَّا إِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ تَهْوِيشٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ مؤذنين فِي الْمَسْجِد الْوَاحِد قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ.

.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهُ انْتَهَى وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ على جَوَازه وَلَفظه وَلَا يتضيق إِنْ أَذَّنَ أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْنِ وَعَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْأَعْمَى لِلْبَصِيرِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَفِيهِ أَوْجُهٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ التَّرْجِيحُ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي كُتُبِهِ أَنَّ لِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ اعْتِمَادَ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ وَعَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَعَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَعَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ وَعَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ فَقَالَ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَعَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الصَّوْتِ فِي الرِّوَايَةِ إِذَا كَانَ عَارِفًا بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدِ الرَّاوِي وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ شُعْبَةُ لِاحْتِمَالِ الِاشْتِبَاهِ وَعَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الرَّجُلِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعَاهَةِ إِذَا كَانَ يَقْصِدُ التَّعْرِيفَ وَنَحْوَهُ وَجَوَازُ نِسْبَةِ الرَّجُلِ إِلَى أُمِّهِ إِذَا اشْتُهِرَ بِذَلِكَ واحتيج إِلَيْهِ ( قَوْله بَاب الْأَذَان بعد الْفَجْرِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَرْجَمَةَ الْأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ عَلَى تَرْجَمَةِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَخَالَفَ التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا يُؤَذَّنَ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَقَدَّمَ تَرْجَمَةَ الْأَصْلِ عَلَى مَا ندر عَنهُ وَأَشَارَ بن بَطَّالٍ إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى التَّرْجَمَةِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالتَّرْجَمَتَيْنِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ لِأَجْلِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَأَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَا يُكْتَفَى بِهِ عَن الْأَذَان بعده وَأَن أَذَان بن أُمِّ مَكْتُومٍ لَمْ يَكُنْ يَقَعُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [617] حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، ان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( ان بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن ام مكتوم) ) ، وكان رجلاً اعمى، لاينادي حتى يقال له: اصبحت، اصبحت.
كذا روى القعنبي هذا الحديث عن مالك، ووافقه ابن أبي اويس وابن مهدي وعبد الرزاق وجماعة.
وهو في ( ( الموطا) ) عن ابن شهاب، عن سالم - مرسلاً، وكذا رواه الشافعي والاكثرون عن مالك.
ورواه سائر أصحاب الزهري، عنه، عن سالم، عن أبيه - مسنداً.
وقد خرجه مسلم من رواية الليث ويونس، عن ابن شهاب كذلك، ولم يخرجه من طريق مالك.
ورواه معمر وابن إسحاق، عن الزهري، عن ابن المسيب مرسلاً - أيضا.
وقوله في اخر الحديث: ( ( وكان رجلا اعمى) ) قد ادرجه القعنبي في روايته عن مالك في حديثه الذي خرجه عنه البخاري، وكذا رواه ابو مسلم الكجي عن القعنبي.
وكذا رواه عبد العزيز بن [أبي] سلمة بن الماجشون، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وادرجه في الحديث.
وخرج الباري حديثه في موضع اخر.
والحديث في ( ( الموطا) ) ، كله، عن ابن شهاب، عن سالم - مرسلاً، فالذي في اخره يكون من قول سالم حينئذ.
وقد بين جماعة من رواة ( ( الموطا) ) انه من قول ابن شهاب، منهم: يحيى ابن يحيى الاندلسي.
وقد رواه الجماعةمن القعنبي، عن مالك، فأسندوا الحديث، وجعلوا قوله: ( ( وكان رجلا اعمى) ) - إلى اخره من قول الزهري، منهم: عثمان بن سعيد الدارمي والقاضي اسماعيل وابو خليفة الفضل بن الحباب وإسحاق بن الحسن.
وروى هذا الحديث ابن وهب، عن الليث ويونس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه - فذكر الحديث، وزاد: قال يونس فيالحديث: وكان ابن ام مكتوم هو الاعمى الذي انزل الله فيه ... { عبس وتولى} [عبس:1] ، كان يؤذن مع بلال.
قال سالم: وكان رجلاً ضرير البصر، ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: اذن.
خرجه البيهقي وغيره.
وخرج مسلم في ( ( صحيحه) ) من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنان: بلال وابن ام مكتوم الاعمى.
وعن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة – مثله.
ومن طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان ابن ام مكتوم يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو اعمى.
كذا خرجه من رواية محمد بن جعفر، عن هشام.
ورواه وكيع وابو اسامة، عن هشام، عن أبيه – مرسلاً.
ومقصود البخاري: الاستدلال بحديث ابن عمر على ان اذان الاعمى غير مكروه، إذا كان له من يخبره بالوقت، وسواء كان البصير المخبر له مؤذنا معه، كما كان بلال وابن ام مكتوم، أو كان موكلا باخباره بالوقت من غير تأذين.
وهذا هو قول اكثر العلماء، منهم:النخعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابو ثور.
وان لم يكن معه بصير يخبره بالوقت كره اذانه، ولو كان عارفا بالوقت بنفسهِ.
قال القاضي من أصحابنا: لان معرفته بنفسه يعمل بها في حق نفسه دون غيره.
وقال ابن أبي موسى من أصحابنا: لا يؤذن الاعمى الا في قرية فيها مؤذنون، فيؤذن بعدهم، وان كان في قرية واحدة لم يؤذن حتى يتحقق دخول الوقت.
وقالت طائفة: يكره اذان الاعمى، روى عن أبي مسعود وابن الزبير.
وعن ابن عباس، انه كره اقامته.
وحكى الامام أحمد عن الحسن، انه كره اذان الاعمى.
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وحكاه القاضي ابو يعلى رواية عن أحمد، وتأولها على انه لم يكن معه ما يهتدي به.
قال ابن عبد البر: وفي الحديث دليل على جواز شهادة الاعمى على ما استيقنه من الاصوات، الا تري انه كان إذا قيل له - يعنى: ابن ام مكتوم -: اصبحت قبل ذلك، وشهد عليه، وعمل به.
انتهى.
وقبول شهادة الاعمى على ما يتقينه من الاصوات مذهب مالك وأحمد، وروي عن شريح وكثير من السلف.
ومنع منها ابو حنيفة والشافعي.
ومن قال بقولهما، [فرق] بين الاذان والشهادة: بأن الاذان خبر ديني، يعم حكمه المخبر وغيره، فهو كراوية الاعمى للحديث الذي يسمعه وهو اعمى، بخلاف الشهادة، فانه حق لادمي معين فيحتاط لها.
12 - باب الأذان بعد الفجر فيه ثلاثة أحاديث: الحديث الأول:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ أَذَانِ الْأَعْمَى)
أَيْ جَوَازُهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ أَيْ بِالْوَقْتِ لِأَنَّ الْوَقْتَ فِي الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ وعَلى هَذَا الْقَيْد يحمل مَا روى بن أبي شيبَة وبن الْمُنْذر عَن بن مَسْعُود وبن الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى.

.
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُدَ أَنَّ أَذَانَ الْأَعْمَى لَا يَصِحُّ فَقَدْ تَعَقَّبَهُ السُّرُوجِيُّ بِأَنَّهُ غَلِطَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ نَعَمْ فِي الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ

[ قــ :600 ... غــ :617] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ الْقَعْنَبِيُّ بِرِوَايَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْصُولًا عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيره من رُوَاة الْمُوَطَّأ فِيهِ بن عُمَرَ وَوَافَقَهُ عَلَى وَصْلِهِ عَنْ مَالِكٍ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَأَبُو قُرَّةَ وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ وَآخَرُونَ وَوَصَلَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِهِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ فِيهِ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ بَابٍ .

     قَوْلُهُ  فَكُلُوا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَذَانَ كَانَ عَلَامَةً عِنْدَهُمْ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ أَذَانَ بِلَالٍ بِخِلَافِ ذَلِك قَوْله بن أُمِّ مَكْتُومٍ اسْمُهُ عَمْرٌو كَمَا سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي الصِّيَامِ وَفَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ كَانَ اسْمُهُ الْحصين فَسَماهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ اسْمَانِ وَهُوَ قُرَشِيٌّ عَامِرِيٌّ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَالْأَشْهَرُ فِي اسْمِ أَبِيهِ قَيْسُ بْنُ زَائِدَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْرِمُهُ وَيَسْتَخْلِفُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَاسْتُشْهِدَ بِهَا وَقِيلَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَاتَ وَهُوَ الْأَعْمَى الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ عَبَسَ وَاسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّةُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى فَكُنِّيَتْ أُمُّهُ أُمَّ مَكْتُومٍ لِانْكِتَامِ نُورِ بَصَرِهِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ عَمِيَ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى ظَاهِرُهُ أَنَّ فَاعل قَالَ هُوَ بن عُمَرَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي لَكِنْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْقَعْنَبِيِّ فعينا أَنه بن شِهَابٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى وَأَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْخُزَاعِيُّ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَتَمَّامٌ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ كُلُّهُمْ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَعَلَى هَذَا فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِدْرَاجٌ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ كَون بن شِهَابٍ قَالَهُ أَنْ يَكُونَ شَيْخُهُ قَالَهُ وَكَذَا شَيْخُ شَيْخِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن بن وهب عَن يُونُس وَاللَّيْث جَمِيعًا عَن بن شِهَابٍ وَفِيهِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَر فَفِي هَذَا أَن شيخ بن شِهَابٍ قَالَهُ أَيْضًا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصِّيَامِ عَن المُصَنّف من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَسَنَذْكُرُ لَفْظَهُ قَرِيبًا فَثَبَتَتْ صِحَّةُ وَصْلِهِ وَلِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ لِابْنِ شِهَابٍ وَقد وَافق بن إِسْحَاق معمرا فِيهِ عَن بن شِهَابٍ .

     قَوْلُهُ  أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ أَيْ دَخَلْتَ فِي الصَّبَاحِ هَذَا ظَاهِرُهُ وَاسْتُشْكِلَ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَذَانَهُ غَايَةً لِلْأَكْلِ فَلَوْ لَمْ يُؤَذِّنْ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّبَاحِ لَلَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ الْأَكْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ إِلَّا مَنْ شَذَّ كالأعمش وَأجَاب بن حبيب وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَصِيلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَارَبْتَ الصَّبَاحَ وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ حِينَ يَنْظُرُونَ إِلَى بُزُوغِ الْفَجْرِ أَذِّنْ وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي فِي الصّيام حَتَّى يُؤذن بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَإِنَّمَا.

.

قُلْتُ إِنَّهُ أَبْلَغُ لِكَوْنِ جَمِيعِهِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا فَ.

     قَوْلُهُ  إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ يُشْعِرُ أَن بن أُمِّ مَكْتُومٍ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الصُّبْحِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بِلَالٍ فَرْقٌ لِصِدْقِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ عِنْدِي فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ إِنَّ أَذَانَهُ جُعِلَ عَلَامَةً لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْ يُرَاعِي الْوَقْتَ بِحَيْثُ يَكُونُ أَذَانُهُ مُقَارِنًا لِابْتِدَاءِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْبُزُوغِ وَعِنْدَ أَخْذِهِ فِي الْأَذَانِ يَعْتَرِضُ الْفَجْرُ فِي الْأُفُقِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِمْ أَصْبَحْتَ أَيْ قَارَبْتَ الصَّبَاحَ وُقُوعُ أَذَانِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ مْ ذَلِكَ يَقَعُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ وَأَذَانُهُ يَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَبْعَدًا فِي الْعَادَةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ مِنْ مُؤَذِّنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَيَّدِ بِالْمَلَائِكَةِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو قُرَّة من وَجه آخر عَن بن عمر حَدِيثا فِيهِ وَكَانَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ يَتَوَخَّى الْفَجْرَ فَلَا يُخْطِئُهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْأَذَانِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ وَاسْتِحْبَابُ أَذَانِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِد وَأما أَذَانُ اثْنَيْنِ مَعًا فَمَنَعَ مِنْهُ قَوْمٌ وَيُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهُ بَنُو أُمَيَّةَ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيَّةُ لَا يُكْرَهُ إِلَّا إِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ تَهْوِيشٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ مؤذنين فِي الْمَسْجِد الْوَاحِد قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ.

.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لَهُ انْتَهَى وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ على جَوَازه وَلَفظه وَلَا يتضيق إِنْ أَذَّنَ أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْنِ وَعَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْأَعْمَى لِلْبَصِيرِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَفِيهِ أَوْجُهٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ التَّرْجِيحُ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي كُتُبِهِ أَنَّ لِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ اعْتِمَادَ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ وَعَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَعَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَعَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ حُكْمِ النَّهَارِ وَعَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ فَقَالَ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَعَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الصَّوْتِ فِي الرِّوَايَةِ إِذَا كَانَ عَارِفًا بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدِ الرَّاوِي وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ شُعْبَةُ لِاحْتِمَالِ الِاشْتِبَاهِ وَعَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الرَّجُلِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعَاهَةِ إِذَا كَانَ يَقْصِدُ التَّعْرِيفَ وَنَحْوَهُ وَجَوَازُ نِسْبَةِ الرَّجُلِ إِلَى أُمِّهِ إِذَا اشْتُهِرَ بِذَلِكَ واحتيج إِلَيْهِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب
اذان الاعمى إذا كان له من يخبره
[ قــ :600 ... غــ :617 ]
- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، ان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( ان بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن ام مكتوم) ) ، وكان رجلاً اعمى، لاينادي حتى يقال له: اصبحت، اصبحت.

كذا روى القعنبي هذا الحديث عن مالك، ووافقه ابن أبي اويس وابن مهدي وعبد الرزاق وجماعة.

وهو في ( ( الموطا) ) عن ابن شهاب، عن سالم - مرسلاً، وكذا رواه الشافعي والاكثرون عن مالك.

ورواه سائر أصحاب الزهري، عنه، عن سالم، عن أبيه - مسنداً.
وقد خرجه مسلم من رواية الليث ويونس، عن ابن شهاب كذلك، ولم يخرجه من طريق مالك.

ورواه معمر وابن إسحاق، عن الزهري، عن ابن المسيب مرسلاً - أيضا.

وقوله في اخر الحديث: ( ( وكان رجلا اعمى) ) قد ادرجه القعنبي في روايته عن مالك في حديثه الذي خرجه عنه البخاري، وكذا رواه ابو مسلم الكجي عن القعنبي.

وكذا رواه عبد العزيز بن [أبي] سلمة بن الماجشون، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وادرجه في الحديث.

وخرج الباري حديثه في موضع اخر.

والحديث في ( ( الموطا) ) ، كله، عن ابن شهاب، عن سالم - مرسلاً، فالذي في اخره يكون من قول سالم حينئذ.

وقد بين جماعة من رواة ( ( الموطا) ) انه من قول ابن شهاب، منهم: يحيى ابن يحيى الاندلسي.

وقد رواه الجماعةمن القعنبي، عن مالك، فأسندوا الحديث، وجعلوا قوله: ( ( وكان رجلا اعمى) ) - إلى اخره من قول الزهري، منهم: عثمان بن سعيد الدارمي والقاضي اسماعيل وابو خليفة الفضل بن الحباب وإسحاق بن الحسن.

وروى هذا الحديث ابن وهب، عن الليث ويونس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه - فذكر الحديث، وزاد: قال يونس في الحديث: وكان ابن ام مكتوم هو الاعمى الذي انزل الله فيه ... { عبس وتولى} [عبس:1] ، كان يؤذن مع بلال.
قال سالم: وكان رجلاً ضرير البصر، ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر: اذن.

خرجه البيهقي وغيره.

وخرج مسلم في ( ( صحيحه) ) من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤذنان: بلال وابن ام مكتوم الاعمى.

وعن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة – مثله.

ومن طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان ابن ام مكتوم يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو اعمى.

كذا خرجه من رواية محمد بن جعفر، عن هشام.

ورواه وكيع وابو اسامة، عن هشام، عن أبيه – مرسلاً.

ومقصود البخاري: الاستدلال بحديث ابن عمر على ان اذان الاعمى غير مكروه، إذا كان له من يخبره بالوقت، وسواء كان البصير المخبر له مؤذنا معه، كما كان بلال وابن ام مكتوم، أو كان موكلا باخباره بالوقت من غير تأذين.

وهذا هو قول اكثر العلماء، منهم: النخعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابو ثور.

وان لم يكن معه بصير يخبره بالوقت كره اذانه، ولو كان عارفا بالوقت بنفسهِ.

قال القاضي من أصحابنا: لان معرفته بنفسه يعمل بها في حق نفسه دون غيره.

وقال ابن أبي موسى من أصحابنا: لا يؤذن الاعمى الا في قرية فيها مؤذنون، فيؤذن بعدهم، وان كان في قرية واحدة لم يؤذن حتى يتحقق دخول الوقت.

وقالت طائفة: يكره اذان الاعمى، روى عن أبي مسعود وابن الزبير.

وعن ابن عباس، انه كره اقامته.

وحكى الامام أحمد عن الحسن، انه كره اذان الاعمى.

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

وحكاه القاضي ابو يعلى رواية عن أحمد، وتأولها على انه لم يكن معه ما يهتدي به.

قال ابن عبد البر: وفي الحديث دليل على جواز شهادة الاعمى على ما استيقنه من الاصوات، الا تري انه كان إذا قيل له - يعنى: ابن ام مكتوم -: اصبحت قبل ذلك، وشهد عليه، وعمل به.
انتهى.
وقبول شهادة الاعمى على ما يتقينه من الاصوات مذهب مالك وأحمد، وروي عن شريح وكثير من السلف.

ومنع منها ابو حنيفة والشافعي.

ومن قال بقولهما، [فرق] بين الاذان والشهادة: بأن الاذان خبر ديني، يعم حكمه المخبر وغيره، فهو كراوية الاعمى للحديث الذي يسمعه وهو اعمى، بخلاف الشهادة، فانه حق لادمي معين فيحتاط لها.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ
( باب) جواز ( أذان الأعمى إذا كان له من يخبره) بدخول الوقت.



[ قــ :600 ... غــ : 617 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».
ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ.
[الحديث 617 - أطرافه في: 620، 623، 1918، 2656، 7248] .

وبالسند قال ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح اللام القعنبى ( عن مالك) الإمام ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال) ( إن بلالاً يؤذن) للصبح ( بليل) أي في ليل ( فكلوا واشربوا حتى) أي إلى أن ( ينادي) أي يؤذن ( ابن أم مكتوم) عمرو أو عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية ( قال) ولغير الأربعة ثم قال أي ابن عمر أو ابن شهاب ( وكان) أي ابن أم مكتوم ( رجلاً أعمى) عمي بعد بدر بسنتين أو ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لاكتتام نور بصره الأوّل هو المشهور ( لا ينادي) أي لا يؤذن ( حتى يقال له: أصبحت أصبحت.
)
بالتكرار للتأكيد وهي تامة تستغني بمرفوعها والمعنى قاربت الصبح على حد قوله تعالى: { فإذا بلغن أجلهن} أي آخر عدّتهن والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها، والبلوغ هو الوصول إلى الشيء وقد يقال: للدنوّ منه وهو المراد في الآية ليصح أن يترتب عليه قوله { فأمسكوهن بمعروف} إذ لا إمساك بعد انقضاء الأجل وحينئذٍ فليس المراد من الحديث ظاهره وهو الإعلام بظهور الفجر بل التحذير من طلوعه والتحضيض له على النداء خيفة ظهوره وإلا لزِم جواز الأكل بعد طلوع الفجر لأنه جعل أذانه غاية للأكل نعم يعكر عليه قوله أن بلالاً يؤذن بليل فإن فيه إشعارًا بأن ابن أم مكتوم بخلافه وأيضًا وقع عند المؤلّف في الصيام من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وأجيب بأن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل وكأنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنًا لابتداء طلوع الفجر وفي هذا الحديث مشروعية الأذان قبل الوقت في الصبح وهل يكتفي به عن الأذان بعد الفجر أم لا ذهب إلى الأوّل الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وروى الشافعي في القديم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عجلوا الأذان بالصبح يدلج المدلج وتخرج العاهرة وصحّح في الروضة أن وقته من أوّل نصف الليل الآخر لأن صلاته تدرك الناس وهم نيام فيحتاجون إلى التأهّب لها وهذا مذهب أبي يوسف وابن حبيب من المالكية لكن يعكر على هذا قول القاسم بن محمد المروي عند المؤلّف في الصيام لم يكن بين أذانهما أي بلال وابن أم مكتوم إلاّ أن يرقى ذا وينزل ذا وهو مروي عند النسائي من قوله في روايته عن عائشة وهو ينفي كونه مرسلاً ويقيد إطلاق قوله إن بلالاً يؤذن بليل ومن ثم اختاره السبكي في شرح المنهاج وحكي تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي قال وقطع به البغوي وهو أن الوقت الذي يؤذن فيه قبل الفجر هو وقت السحر وهو كما قال في القاموس قبيل الصبح، وقال الإمام أبو حنيفة ومحمد لا يجوز تقديمه على الفجر وإن قدم يعاد في الوقت لأنه عليه الصلاة والسلام قال لمن أذن قبل الوقت لا تؤذن حتى ترى

الفجر والمشهور عند المالكية جوازه من السدس الأخير من الليل ونقل الماوردي أنه يؤذن لها إذا صليت العشاء وبقية مباحث الحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ أَذانِ الأعْمَى إذَا كانَ لهُ مَنْ يُخْبِرِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أَذَان الْأَعْمَى، إِذا كَانَ عِنْده من يُخبرهُ بِدُخُول الْوَقْت، يَعْنِي يجوز أَذَانه حِينَئِذٍ، وَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود وَابْن الزبير وَغَيرهمَا أَنهم كَرهُوا أَن يكون الْمُؤَذّن أعمى، مَحْمُول على مَا إِذا لم يكن عِنْده من يُخبرهُ بِدُخُول الْوَقْت، وَنقل النَّوَوِيّ عَن أبي حنيفَة: أَن أَذَان الْأَعْمَى لَا يَصح قلت: هَذَا غلط لم يقل بِهِ أَبُو حنيفَة، وَإِنَّمَا ذكر أَصْحَابنَا أَنه يكره ذكره فِي (الْمُحِيط) وَفِي (الذَّخِيرَة) و (الْبَدَائِع) : غَيره أحب، فَكَأَن وَجه الْكَرَاهَة لأجل عدم قدرته على مُشَاهدَة دُخُول الْوَقْت، وَهُوَ فِي الأَصْل مَبْنِيّ على الْمُشَاهدَة.

[ قــ :600 ... غــ :617 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سالِمِ ابنِ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابنُ أمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رجُلاً أعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أصْبَحْتَ أصْبَحْتَ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا يُنَادي) إِلَى آخِره.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، ومسلمة، بِفَتْح الْمِيم، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

وَهَذَا الحَدِيث أخرجه الطَّحَاوِيّ من تسع طرق صِحَاح: ثَمَانِيَة مَرْفُوعَة، وَوَاحِدَة مَوْقُوفَة.
الأول: عَن يزِيد بن سِنَان عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك إِلَى آخِره، نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ.
الثَّانِي: عَن يزِيد بن سِنَان عَن عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله.
الثَّالِث: عَن إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: قَالَ سَالم بن عبد الله: سَمِعت عبد الله يَقُول: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن أم مَكْتُوم) .
الرَّابِع: عَن يزِيد ابْن سِنَان عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة عَن الزُّهْرِيّ، فَذكر مثله.
الْخَامِس: عَن الْحسن بن عبد الله بن مَنْصُور البالسي عَن مُحَمَّد بن كثير عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله.
السَّادِس: عَن إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق عَن وهب بن جرير عَن شُعْبَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَادِهِ، مثله.
السَّابِع: عَن يُونُس عَن ابْن وهب أَن مَالِكًا حَدثهُ عَن عبد الله بن دِينَار، فَذكر بِإِسْنَادِهِ مثله.
الثَّامِن: عَن عَليّ بن شيبَة عَن روح بن عبَادَة عَن مَالك وَشعْبَة عَن عبد الله بن دِينَار، فَذكره بِإِسْنَادِهِ مثله، غير أَنه قَالَ: (حَتَّى يُنَادي بِلَال أَو ابْن أم مَكْتُوم) ، شكّ شُعْبَة.
التَّاسِع: هُوَ الْمَوْقُوف عَن يُونُس عَن ابْن وهب أَن مَالِكًا حَدثهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، وَلم يذكر ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: هَكَذَا رَوَاهُ يحيى عَن مَالك مُرْسلا عَن سَالم، لم يقل فِيهِ: عَن أَبِيه، وَتَابعه على ذَلِك أَكثر رُوَاة (الْمُوَطَّأ) ، وَمِمَّنْ تَابعه على ذَلِك: ابْن الْقَاسِم وَالشَّافِعِيّ وَابْن بكير وَأَبُو المصعب وَعبد الله بن يُوسُف التنيسِي، وَمصْعَب الزبيرِي وَمُحَمّد بن الْحسن وَمُحَمّد بن الْمُبَارك الصُّورِي وَسَعِيد بن عفير ومعن بن عِيسَى، وَوَصله جمَاعَة عَن مَالك فَقَالُوا فِيهِ: عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِمَّنْ رَوَاهُ مُسْندًا هَكَذَا: القعْنبِي وَعبد الرَّزَّاق وَأَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق وروح بن عبَادَة وَعبد الله بن نَافِع ومطرف وَابْن أبي أويس وَعبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الخبيبي وَمُحَمّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَأَبُو قَتَادَة الْحَرَّانِي وَمُحَمّد بن حَرْب الأبرش وَزُهَيْر ابْن عباد وكامل بن طَلْحَة وَابْن وهب فِي رِوَايَة أَحْمد بن صَالح عَنهُ.
وَأما أَصْحَاب ابْن شهَاب فَرَوَوْه مُتَّصِلا مُسْندًا عَن ابْن شهَاب.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل) ، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: (إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل) ، ومعناهما وَاحِد، لِأَن معنى قَوْله: يُنَادي يُؤذن، وَالْبَاء فِي: بلَيْل، للظرفية.
قَوْله: (حَتَّى يُنَادي) أَي: حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم، واسْمه: عبد الله، وَيُقَال: عَمْرو وَهُوَ الْأَكْثَر، وَيُقَال: كَانَ اسْمه الْحصين فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن قيس بن زَائِدَة الْقرشِي العامري، وَاسم أم مَكْتُوم: عَاتِكَة بنت عبد الله بن عنكشة بن عَامر بن مَخْزُوم، وَهُوَ ابْن خَال خَدِيجَة بنت خويلد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَابْن ام مَكْتُوم هَاجر الى الْمَدِينَة قبل مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستخلفه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة ثَلَاث عشرَة مرّة، وَشهد فتح الْقَادِسِيَّة، وَقتل شَهِيدا، وَكَانَ مَعَه اللِّوَاء يَوْمئِذٍ.
وَقيل: رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة وَمَات بهَا، وَهُوَ الْأَعْمَى الْمَذْكُور فِي سُورَة: عبس، ومكتوم من: الكتم، سمي بِهِ لكتمان نور عَيْنَيْهِ.
قَوْله: (ثمَّ قَالَ وَكَانَ رجلا أعمى) .
قيل: إِن هَذَا الْقَائِل هُوَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَبِذَلِك جزم الشَّيْخ الْمُوفق فِي (المغنى) قلت: فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: قَالَ ابْن شهَاب؛ وَكَانَ رجلا أعمى، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي خَليفَة.
فَإِن قلت: فعلى هَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ إدراج.
قلت: لَا نسلم ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يمْنَع كَون ابْن شهَاب قَالَه أَن يكون شَيْخه قَالَه، وَكَذَا شيخ شَيْخه، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان ... الحَدِيث الْمَذْكُور، وَفِيه: قَالَ سَالم: وَكَانَ رجلا ضَرِير الْبَصَر.
قَوْله: (أَصبَحت) ، أَي: قاربت الصَّباح، لِأَن قرب الشَّيْء قد يعبر عَنهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِذا بلغن أَجلهنَّ} (الْبَقَرَة: 234، وَالطَّلَاق: 2) .
أَي: قاربن لِأَن الْعدة إِذا تمت فَلَا رَجْعَة، وَكَانَ فِيهِ تَامَّة، فَلَا تحْتَاج إِلَى خبر، فَهَذَا التَّفْسِير يدْفع إِشْكَال من يَقُول إِنَّه إِذا جعل أَذَانه غَايَة للْأَكْل فَلَو لم يُؤذن حَتَّى يدْخل الصَّباح للَزِمَ مِنْهُ جَوَاز الْأكل بعد طُلُوع الْفجْر، وَالْإِجْمَاع على خِلَافه إلاَّ مَا روى عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش جَوَازه بعد طُلُوع الْفجْر وَلَا يعْتد بِهِ.
فَإِن قيل: يشكل على هَذَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الرّبيع بن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب عَن يُونُس، وَاللَّيْث جَمِيعًا عَن ابْن شهَاب.
وَفِيه: (وَلم يكن يُؤذن حَتَّى يَقُول النَّاس حِين ينظرُونَ إِلَى بزوغ الْفجْر: أذن) .
وَكَذَا رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الصّيام: (حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم، فَإِنَّهُ لَا يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر) .
وَأَيْضًا، فَإِن قَوْله: (إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل) يشْعر أَن ابْن أم مَكْتُوم بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ قبل الصُّبْح لم يكن بَينه وَبَين بِلَال فرق لصدق أَن كلا مِنْهُمَا أذن قبل الْوَقْت، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بالبزوغ ابْتِدَاء طُلُوع الْفجْر، فَيكون أَذَانه عَلامَة لتَحْرِيم الْأكل، وَالظَّاهِر أَنه كَانَ يُرَاعِي لَهُ الْوَقْت، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو قُرَّة من وَجه آخر عَن ابْن عمر حَدِيثا فِيهِ، وَكَانَ ابْن ام مَكْتُوم يتوخى الْفجْر فَلَا يخطئه، وَلَا يكون توخي الْأَعْمَى فِي مثل هَذَا إلاَّ من كَانَ لَهُ من يُرَاعِي الْوَقْت.
وَأجَاب بَعضهم بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون المُرَاد بقَوْلهمْ: أَصبَحت، أَي: قاربت الصَّباح، وُقُوع أَذَانه قبل الْفجْر، لاحْتِمَال أَن يكون قَوْلهم ذَلِك وَقع فِي آخر جُزْء من اللَّيْل، وأذانه يَقع فِي أول جُزْء من طُلُوع الْفجْر.
انْتهى.
قلت: هَذَا بعيد جدا.
والمؤقت الحاذق فِي علمه يعجز عَن تَحْرِير ذَلِك.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ الْأَوْزَاعِيّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَابْن جرير الطَّبَرِيّ فَقَالُوا: يجوز أَن يُؤذن للفجر قبل دُخُول وقته، وَمِمَّنْ ذهب إِلَيْهِ: أَبُو يُوسُف، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن عَائِشَة عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: (إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم) .
على مَا يَجِيء، وَرَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَلَفظه: (إِذا أذن بِلَال فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن ام مَكْتُوم، فَإِن قلت: روى ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) من حَدِيث أنيسَة بنت خبيب، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أذن ابْن أم مَكْتُوم فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَإِذا أذن بِلَال فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تشْربُوا.
وَإِن كَانَت الْمَرْأَة منا ليبقى عَلَيْهَا شَيْء من سحورها فَتَقول لِبلَال: أمْهل حَتَّى أفرغ من سحوري) .
وروى الدَّارمِيّ من حَدِيث الْأسود: (عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ لرَسُول الله ثَلَاثَة مؤذنين: بِلَال وَأَبُو مَحْذُورَة وَعَمْرو بن أم مَكْتُوم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أذن عَمْرو فَإِنَّهُ ضَرِير الْبَصَر فَلَا يَغُرنكُمْ، وَإِذا أذن بِلَال فَلَا يطعمن أحد) .
وروى النَّسَائِيّ أَيْضا: عَن يَعْقُوب عَن هشيم عَن مَنْصُور عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن عمته أنيسَة نَحْو حَدِيث ابْن خُزَيْمَة.
قلت: يجوز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جعل الْأَذَان بِاللَّيْلِ نوبا بَين بِلَال وَعَمْرو، فَأمر فِي بعض اللَّيَالِي بِلَالًا أَن يُؤذن أَولا بِاللَّيْلِ، فَإِذا نزل بِلَال صعد عَمْرو فَأذن بعده بِالنَّهَارِ، فَإِذا جَاءَت نوبَة عَمْرو بَدَأَ فَأذن بلَيْل فَإِذا نزل صعد بِلَال فَأذن بعده بِالنَّهَارِ، وَكَانَت مقَالَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَت النّوبَة لِبلَال فِي الْأَذَان بِاللَّيْلِ، وَكَانَت مقَالَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ابْن مَكْتُوم يُؤذن بلَيْل فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَت النّوبَة فِي الْأَذَان بِاللَّيْلِ نوبَة ابْن أم مَكْتُوم، فَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلم النَّاس فِي كلا الْوَقْتَيْنِ أَن الْأَذَان الأول مِنْهُمَا هُوَ أَذَان بلَيْل لَا بنهار، وَأَنه لَا يمْنَع من إراد الصَّوْم طَعَاما وَلَا شرابًا، وَإِن الْأَذَان الثَّانِي إِنَّمَا يمْنَع الْمطعم وَالْمشْرَب، إِذْ هُوَ بنهار لَا بلَيْل..
     وَقَالَ  الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد وَزفر بن الْهُذيْل: لَا يجوز أَن يُؤذن للفجر أَيْضا إلاَّ بعد دُخُول وَقتهَا، كَمَا لَا يجوز لسَائِر الصَّلَوَات إلاَّ بعد دُخُول وَقتهَا، لِأَنَّهُ للإعلام بِهِ، وَقبل دُخُوله تجهيل وَلَيْسَ بإعلام، فَلَا يجوز.
وَأما الْجَواب عَن أَذَان بِلَال الَّذِي كَانَ يُؤذن بِاللَّيْلِ قبل دُخُول الْوَقْت فَلم يكن ذَلِك لأجل الصَّلَاة، بل إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لينتبه النَّائِم وليتسحر الصَّائِم، وليرجع الْغَائِب، بَين ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يمنعن أحدكُم أَو وَاحِدًا مِنْكُم أَذَان بِلَال من سحوره، فَإِنَّهُ يُؤذن أَو يُنَادي بلَيْل ليرْجع غائبكم ولينتبه نائمك) الحَدِيث على مَا يَأْتِي عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأخرجه مُسلم أَيْضا.
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من ثَلَاث طرق، وَلَفظه: (لَا يمنعن أحدكُم أَذَان بِلَال من سحوره، فَإِنَّهُ يُنَادي أَو يُؤذن ليرْجع غائبكم ولينتبه نائمكم) .
الحَدِيث، وَمعنى: (ليرْجع غائبكم) : ليرد غائبكم من الْغَيْبَة، وَرجع يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَلَا يتَعَدَّى، وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة: (ليرْجع قائمكم) من: الْقيام، وَمَعْنَاهُ: ليكمل ويستعجل بَقِيَّة ورده، وَيَأْتِي بوتره قبل الْفجْر..
     وَقَالَ  عِيَاض مَا ملخصه: مَا قَالَه الْحَنَفِيَّة بعيد إِذْ لم يخْتَص هَذَا بِشَهْر رَمَضَان، وَإِنَّمَا أخبر عَن عَادَته فِي أَذَانه، وَلِأَنَّهُ الْعَمَل الْمَنْقُول فِي سَائِر الْحول بِالْمَدِينَةِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو يُوسُف حِين تحَققه، وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ للسحور لم يخْتَص بِصُورَة الْأَذَان للصَّلَاة.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه بعيد لأَنهم لم يَقُولُوا بِأَنَّهُ مُخْتَصّ بِشَهْر رَمَضَان، وَالصَّوْم غير مَخْصُوص بِهِ، فَكَمَا أَن الصَّائِم فِي رَمَضَان يحْتَاج إِلَى الإيقاظ لأجل السّحُور، فَكَذَلِك الصَّائِم فِي غَيره، بل هَذَا أَشد لِأَن من يحيي ليَالِي رَمَضَان أَكثر مِمَّن يحيي ليَالِي غَيره، فعلى قَوْله: إِذا كَانَ أَذَان بِلَال للصَّلَاة كَانَ يَنْبَغِي أَن يجوز أَدَاء صَلَاة الْفجْر بِهِ، بل هم يَقُولُونَ أَيْضا بِعَدَمِ جَوَازه، فَعلم أَن أَذَانه إِنَّمَا كَانَ لأجل إيقاظ النَّائِم، ولإرجاع الْقَائِم.
وَمن أقوى الدَّلَائِل على أَن أَذَان بِلَال لم يكن لأجل الصَّلَاة مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن نَافِع: (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن بِلَالًا أذن قبل طُلُوع الْفجْر، فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يرجع فينادي: أَلا إِن العَبْد نَام، فَرجع فَنَادَى: أَلا إِن العَبْد نَام) .
وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا، فَهَذَا ابْن عمر روى هَذَا، وَالْحَال أَنه روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْن ام مَكْتُوم) ، فَثَبت بذلك أَن مَا كَانَ من ندائه قبل طُلُوع الْفجْر لم يكن للصَّلَاة.
فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة غير مَحْفُوظ، وَالصَّحِيح هُوَ حَدِيثه الَّذِي فِيهِ: (إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل) إِلَى آخِره؟ قلت: مَا قَالَه: لَا يكون مَحْفُوظًا، صَحِيحا، لِأَنَّهُ لَا مُخَالفَة بَين حديثيه، لأَنا قد ذكرنَا أَن حَدِيثه الَّذِي رَوَاهُ غير حَمَّاد إِنَّمَا كَانَ لأجل إيقاظ النَّائِم وإرجاع الْقَائِم، فَلم يكن للصَّلَاة.
وَأما حَدِيث حَمَّاد فَإِنَّهُ كَانَ لأجل الصَّلَاة فَلذَلِك أمره بِأَن يعود وينادي: (أَلا إِن العَبْد نَام) ، وَمِمَّا يُقَوي حَدِيث حَمَّاد مَا رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن بِلَالًا أذن قبل الْفجْر فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يصعد فينادي: إِن العَبْد نَام) .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ أَبُو يُوسُف عَن سعيد، وَغَيره يُرْسِلهُ، والمرسل أصح.
قلت: أَبُو يُوسُف ثِقَة، وهم وثقوه، وَالرَّفْع من الثِّقَة زِيَادَة مَقْبُولَة، وَمِمَّا يقويه حَدِيث حَفْصَة بنت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أذن الْمُؤَذّن بِالْفَجْرِ قَامَ فصلى رَكْعَتي الْفجْر، ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد وَحرم الطَّعَام، وَكَانَ لَا يُؤذن حَتَّى يصبح) .
رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: فَهَذِهِ حَفْصَة تخبر أَنهم كَانُوا لَا يُؤذنُونَ للصَّلَاة إلاَّ بعد طُلُوع الْفجْر.
فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا مَحْمُول إِن صَحَّ على الْأَذَان الثَّانِي،.

     وَقَالَ  الْأَثْرَم: رَوَاهُ النَّاس عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن حَفْصَة، وَلم يذكرُوا فِيهِ مَا ذكره عبد الْكَرِيم عَن نَافِع.
قلت: كَلَام الْبَيْهَقِيّ يدل على صِحَة الحَدِيث عِنْده، وَلكنه لما لم يجد مجالاً لتضعيفه ذهب إِلَى تَأْوِيله، وَعبد الْكَرِيم الْجَزرِي ثِقَة، أخرج لَهُ الْجَمَاعَة وَغَيرهم، فَمن كَانَ بِهَذِهِ المثابة لَا يُنكر عَلَيْهِ إِذا ذكر مَا لم يذكرهُ غَيره..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون بِلَال كَانَ يُؤذن فِي وَقت يرى أَن الْفجْر قد طلع فِيهِ، وَلَا يتَحَقَّق لضعف فِي بَصَره، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَغُرنكُمْ أَذَان بِلَال، فَإِن فِي بَصَره شَيْئا) .
وَقد ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى، وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا تَأْكِيدًا لذَلِك عَن أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال: (أَنَّك تؤذن إِذا كَانَ الْفجْر ساطعا وَلَيْسَ ذَلِك الصُّبْح، إِنَّمَا الصُّبْح هَكَذَا مُعْتَرضًا) وَالْمعْنَى: أَن بِلَالًا كَانَ يُؤذن عِنْد طُلُوع الْفجْر الْكَاذِب الَّذِي لَا يخرج بِهِ حكم اللَّيْل، وَلَا تحل بِهِ صَلَاة الصُّبْح، وَمِمَّا يدل حَدِيث الْبابُُ على اسْتِحْبابُُ أَذَان وَاحِد بعد وَاحِد.

وَأما أَذَان اثْنَيْنِ مَعًا فَمنع مِنْهُ قوم، وَقَالُوا: أول من أحدثه بَنو أُميَّة..
     وَقَالَ  الشَّافِعِيَّة: لَا يكره إلاَّ إِن حصل مِنْهُ تهويش..
     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: وَأما الزِّيَادَة على الْإِثْنَيْنِ فَلَيْسَ فِي الحَدِيث تعرض إِلَيْهِ.
وَنَصّ الشَّافِعِي على جَوَازه، وَلَفظه: وَلَا يضيق إِن أذن أَكثر من اثْنَيْنِ.

وَفِيه: جَوَاز تَقْلِيد الْأَعْمَى للبصير فِي دُخُول الْوَقْت، وَصحح النَّوَوِيّ فِي كتبه: أَن للأعمى والبصير إعتماد الْمُؤَذّن الثِّقَة.

وَفِيه: الِاعْتِمَاد على صَوت الْمُؤَذّن والاعتماد عَلَيْهِ أَيْضا فِي الرِّوَايَة إِذا كَانَ عَارِفًا بِهِ، وَإِن لم يُشَاهد الرَّاوِي.

وَفِيه: اسْتِحْبابُُ السّحُور وتأخيره.
وَفِيه: جَوَاز الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد.
وَفِيه: أَن مَا بعد الْفجْر حكم النَّهَار.
وَفِيه جَوَاز ذكر الرجل بِمَا فِيهِ من العاهة إِذا كَانَ لقصد التَّعْرِيف وَفِيه جَوَاز نِسْبَة الرجل إِلَى أمه إِذا اشْتهر بذلك.
وَفِيه: جَوَاز التكنية للْمَرْأَة.