هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
623 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ ، إِذَا صَلَّى كَبَّرَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
623 حدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا خالد بن عبد الله ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، أنه رأى مالك بن الحويرث ، إذا صلى كبر ، ثم رفع يديه ، وإذا أراد أن يركع رفع يديه ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه ، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Qilaba reported that he saw Malik b. Huwairith raising his hands at the beginning of prayer and raising his hands before kneeling down, and raising his hands after lifting his head from the state of kneeling, and he narrated that the Messenger of Allah (ﷺ) used to do like this.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي قلابة أنه رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبر ثم رفع يديه وإذا أراد أن يركع رفع يديه وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا.


المعنى العام

شرع الله الصلاة ذات أقوال وأفعال، ليشغل اللسان بذكره، والقلب بالخشوع لسلطانه وجلاله، والجوارح بالاستجابة لأمره، إنها مناجاة المخلوق للخالق، وإنها الإقبال من العبد المطيع الخاضع نحو ربه الغني الكبير المتعال، يأخذ المسلم لها أهبتها من الطهارة الكاملة، طهارة الثوب والبدن والمكان، ومن ستر العورة، واستقبال القبلة، مع حضور وقتها المأمور به، ثم يفتتحها بالتعظيم والتمجيد بلفظ [الله أكبر] رافعا يديه على هيئة المستسلم، واضعا إبهامه بجوار شحمتي أذنيه، وراحتيه حذو منكبيه، مستقبل القبلة بباطن كفيه، ناشرا أصابعه بحيث تحاذي أطرافها أعالي أذنيه، ذاك شعار الخضوع، وطرح الدنيا، والإقبال بجميع أعضائه على ربه، يرفع الشعار عند تكبيرة الإحرام، وعند الهوي إلى الركوع وعند الرفع منه، وعليه أن يلتزم هيئات أخرى غير هذه الهيئة في وقوفه لقراءة الفاتحة، وفي جلسته للتشهد، وفي الركوع والسجود.

هيئات منسجمة مع حركاتها، ولها دلالتها الظاهرة على أن صاحبها في عبادة ومناجاة، ولها حكمتها الباطنة التي إن وصلنا إليها آمنا واستسلمنا بعقولنا وجوارحنا، وإن عجزنا عن إدراكها استجبنا وقلنا ما يقوله الراسخون في العلم: { { آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب* ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } } [آل عمران: 7-8] .

المباحث العربية

( حتى تكونا حذو منكبيه) حذو بفتح الحاء وسكون الذال، أي مقابل وإزاء، ومنكبيه تثنية منكب بفتح الميم وكسر الكاف بينهما نون ساكنة، وهو مجمع عظم العضد والكتف.

( إذا قام للصلاة) أي شرع فيها، وباشر افتتاحها، وسيأتي أيهما يسبق: تكبيرة الإحرام أو رفع اليدين، وكذا المراد من قوله في الرواية الثالثة إذا صلى أي إذا شرع.

( فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك) ليس رفع اليدين مرتبطا بالإرادة وحدها، بل حين مباشرة الركوع، وهذا هو المراد من قوله في الرواية الأولى وقبل أن يركع وقوله في الرواية الرابعة وإذا ركع رفع يديه.

( وإذا رفع من الركوع) تجمع الروايات في مسلم على أن رفع اليدين إنما يكون بعد الرفع فعلا من الركوع، وليس عند الشروع في الرفع، كما هو الحال عند الشروع في الركوع، وهو المراد من رواية أبي داود: ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه.

( ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود) وفي الرواية الأولى ولا يرفعهما بين السجدتين.
ورواه البخاري: ولا يفعل ذلك في السجود والمقصود إنه لا يرفع يديه في الهوى إلى السجود، ولا في الرفع منه، وقد جاء ذلك صريحا في رواية للبخاري، ولفظها ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود.

( وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) فاعل حدث مالك بن الحويرث، والجملة حالية، وليست معطوفة على رأى فيبقى فاعله أبو قلابة فيصير مرسلا، وليس الأمر كذلك، والتقدير: رأى أبو قلابة مالك بن الحويرث يفعل كذا وكذا محدثا مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

( حتى يحاذي بهما فروع أذنيه) أي أعلاهما.

فقه الحديث

قال النووي: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، واختلفوا في رفع اليدين فيما سواهما، فقال الشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم: يستحب رفعهما أيضا عند الركوع، وعند الرفع منه، وهو رواية عن مالك، وحديث الباب برواياته الأربع تؤيد هذا الرأي.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة إلى إنه لا يستحب في غير تكبيرة الإحرام، وهو أشهر الروايات عن مالك.
اهـ بل بالغ بعضهم، فقال: إن الرفع عند الركوع، وعند الرفع منه يبطل الصلاة، ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة، ولهذا مال بعض محققيهم إلى تركه، درءا لهذه المفسدة.

واحتجوا بما رواه أبو داود عن البراء بن عازب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريبا من شحمتي أذنيه، ثم لا يعود وقالوا عن أحاديث الباب: إنها محمولة على أنه كان في ابتداء الإسلام، علامة للاستسلام، لقرب عهدهم بالجاهلية فلما أنسوا واطمأنت قلوبهم خفف، وأبقى في أول الصلاة، علامة للدخول فيها لمن يسمع التكبير، واستدلوا على ذلك بأن عبد الله بن الزبير رأى رجلا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع، وعند رفع رأسه من الركوع فقال له: لا تفعل، فإن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه، وأيدوا النسخ بما رواه الطحاوي عن مجاهد قال صليت خلف ابن عمر، فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة، قال الطحاوي: فهذا ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع [كما روي في روايتنا الثانية] ثم ترك هو الرفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد كان رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

ورد الجمهور بأن أكثر الرواة عن البراء بن عازب لم يذكروا ثم لا يعود قال الخطابي: لم يقل واحد في هذا ثم لا يعود غير شريك، وقال أبو عمر: تفرد به يزيد، ورواه عنه الحفاظ فلم يذكر واحد منهم قوله ثم لا يعود وقال البزار: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين ثم لا يعود وقال أحمد: هذا حديث واه، وقد كان يزيد يحدث به لا يذكر ثم لا يعود ثم كان يغير في آخر حياته فذكره.

ثم دعوى النسخ لا تقبل عن غير دليل، ورواية مجاهد إنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك مطعون فيها.
قال الحافظ ابن حجر: لأن راويها أبو بكر بن عياش ساء حفظه في آخر أيامه.
وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك عنه سالم ونافع وغيرهما، والعدد الكثير أولى من واحد، لا سيما وهم مثبتون، وهو ناف، والمثبت مقدم على النافي، مع أن الجمع بين الروايتين ممكن، وهو أنه لم يكن يراه واجبا ففعله تارة، وتركه أخرى، ومما يدل على ضعفه ما رواه البخاري عن مالك أن ابن عمر كان إذا رأى رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصا.

فالحاصل أن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام مشروع باتفاق العلماء والخلاف في رفعهما عند الركوع، وعند الرفع منه.
وقد نقل النووي أنهم أجمعوا على أن الرفع غير واجب، إلا ما حكي عن داود، فإنه قال بوجوبه عند تكبيرة الإحرام، وممن قال بوجوبه عند تكبيرة الإحرام أيضا الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة، وحكاه القاضي حسين عن الإمام أحمد.
قال ابن عبد البر: كل من نقل عنه الإيجاب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي اهـ وقال الحافظ ابن حجر: ونقل بعض الحنفية أنه يأثم تاركه، اهـ هذا وللشافعي قول: إنه إذا قام من التشهد الأول رفع يديه، قال النووي: وهذا القول هو الصواب، فقد صح فيه حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله.
اهـ والحديث الذي أشار إليه النووي رواه البخاري، ولفظه وإذا قام من الركعتين رفع يديه.

وهناك قول غريب لبعض أهل الحديث، أنه يستحب رفع اليدين في السجود أيضا، وهو بعيد.

كما أنه نقل عن الزيدية أنه لا يرفع يديه عند الإحرام، ولا يعتد بهم، والله أعلم.

هذا حكم رفع اليدين، أما كيفيته فقد قال النووي: المشهور من مذهبنا ومذهب الجماهير أنه يرفع يديه حذو منكبيه، بحيث تحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه، أي أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، وبهذا جمع الشافعي رضي الله عنه بين روايات الأحاديث فاستحسن الناس ذلك منه.
اهـ.

وفي رواية عن مالك: يرفع يديه حذاء صدره، وفي رواية لابن حبيب يرفعهما فوق رأسه، وعند بعض المالكية يرفعهما فوق أذنيه مدا مع رأسه.
وقال الطحاوي: إنه لاختلاف الحال، فإلى الصدر والمنكبين أيام البرد، وأيديهم تحت أكسيتهم، ومع آذانهم وفوق رءوسهم عند إخراجها.

وقال الطحاوي أيضا: يرفع ناشرا أصابعه، مستقبلا لباطن كفيه القبلة، وفي المحيط: ولا يفرج بين الأصابع تفريجا، وفي الحاوي للماوردي: يجعل باطن كل كف إلى الأخرى، وعن سحنون: ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض، وعن القاضي: يقيمهما محنيتين شيئا يسيرا، ونقل المحاملي عن أصحابه: يستحب تفريق الأصابع، وقال الغزالي: لا يتكلف ضما ولا تفريقا، بل يتركهما على هيئتهما، وقال الرافعي: يفرق تفريقا وسيطا، وفي المغنى لابن قدامة: يستحب أن يمد أصابعه، ويضم بعضها إلى بعض.

قال ابن عبد البر: وكلها آثار محفوظة مشهورة، دالة على التوسعة والتخيير.
والله أعلم.

وأما وقت الرفع فقد قال عنه النووي في المجموع: في وقت استحباب الرفع خمسة أوجه: أصحها أن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه، وهذا هو المنصوص.
قال الشافعي في الأم: يرفع مع افتتاح التكبير ويرفع يديه عند الرفع مع انقضائه ويثبت يديه مرفوعة حتى يفرغ من التكبير كله.
قال: فإن أثبت يديه بعد انقضاء التكبير مرفوعتين قليلا لم يضره.

الوجه الثاني: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع انتهائه.

والوجه الثالث: يرفع بلا تكبير، ثم يكبر، ويداه قارتان، ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير.

الوجه الرابع: يبتدئ بهما معا، وينهي التكبير مع انتهاء الإرسال لا مع انتهاء الرفع كما في الوجه الأول.

الوجه الخامس: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء.
اهـ.

وهي أوجه عند الشافعية، والوجه الأول هو المرجح عند المالكية وبه قال أحمد، والوجه الثاني هو قول مشايخ الحنفية، ففي شرح الهداية يرفع ثم يكبر.

والناظر في روايات الباب الأربع يجدها لا تتعرض لنهاية الرفع، وتختلف في وقت ابتدائه، فالرواية الأولى والرابعة ظاهرهما المقارنة، ففي الأولى إذا افتتح الصلاة رفع يديه وفي الرابعة إذا كدر رفع يديه والرواية الثانية تقدم الرفع على التكبير، ولفظها وإذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبر والرواية الثالثة تقدم التكبير على الرفع ولفظها إذا صلى كبر، ثم رفع يديه.

فهذه الروايات بيان لحالات الجواز، ولا خلاف في ذلك، والخلاف في الوجه الأفضل.

والحافظ ابن حجر يقول: ولم أر من يقول بتقديم التكبير على الرفع، بعد أن قال: وقد ورد تقديم الرفع على التكبير، وعكسه، أخرجهما مسلم اهـ.
ومعنى هذا أن القول بتقديم التكبير على الرفع وارد في الحديث متروك عند الفقهاء أي متروك في الأفضلية، جائز في العمل وإن كان خلاف الأولى.
ففعله في الحديث لبيان الجواز.

وقال الحافظ ابن حجر: لم يرد ما يدل على التفرقة في الرفع بين الرجل والمرأة، وعن الحنفية: يرفع الرجل إلى الأذنين، والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها والله أعلم.

وأما وقت رفع اليدين عند الركوع، عند من يقول به، فهو عندما يكبر للركوع، وقبل أن يهوى، بحيث تهوى يداه وتنساب مع هوى رأسه، والرواية الأولى والثانية والثالثة تشير إلى ذلك، فلفظ الأولى وقبل أن يركع ولفظ الثانية والثالثة وإذا أراد أن يركع وعلى الروايات الثلاث تحمل الرواية الرابعة، ولفظها وإذا ركع رفع يديه ليكون المراد منها: وإذا أراد أن يركع رفع يديه، إذ القول برفع اليدين بعد الركوع لا قائل به.

ووقته عند رفع رأسه في الركوع أن يقارن رفع اليدين رفع الرأس بحيث يتم محاذاتهما المنكبين مع تمام الانتصاب، وعلى هذا تحمل رواياتنا الأربع، ولفظها إذا رفع رأسه من الركوع أي إذا ابتدأ رفع رأسه.
قال الحافظ ابن حجر: وأما رواية الزهري عند أحمد وأبي داود بلفظ وبعد ما يرفع رأسه من الركوع فمعناه بعد ما يشرع في الركوع، لتتفق الروايات.
اهـ.
وفي حكمة رفع اليدين مع التكبير قال الحافظ ابن حجر وغيره: الحكمة في اقترانهما أن يراه الأصم ويسمعه الأعمى، وقيل: والإشارة إلى الاستسلام والانقياد ( فإن رفع اليدين علامة التسليم) ليناسب فعله قوله الله أكبر وقيل: إشارة إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل: إشارة إلى تمام القيام، وقيل: إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، وقيل: يستقبل بجميع بدنه.
قال القرطبي: وهو أنسبها، وقال الربيع: قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر عن ابن عمر إنه قال: رفع اليدين من زينة الصلاة.
اهـ.

والذي تستريح إليه النفس أنه أمر تعبدي، وكذا كل قراءة وكل حركة وكل سكون في الصلاة، وكل ما قيل من حكم لا يستقيم إذا تعقب، ويكفي في التعقيب عليه أن نتساءل: لم لم يفعل ذلك عند الرفع من السجود للتشهد أو للقيام؟ والله أعلم.

والحديث برواياته الأربع يتعرض لتكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور السلف والخلف، لما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن علي -كرم الله وجهه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ولما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة في المسيء صلاته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر... الحديث، ولم يذكر له صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلا الفروض خاصة.

ولما ثبت في الصحيحين عن جماعات من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر للإحرام، وروايات حديث الباب واضحة في هذا الاستدلال.

وقال الكرخي من أصحاب أبي حنيفة: تكبيرة الإحرام شرط لا تصح إلا بها، ولكن ليست من الصلاة، بل هي كستر العورة، ومنهم من حكاه عن أبي حنيفة، وتظهر فائدة الخلاف بينه وبين الجمهور فيما لو كبر وفي يده نجاسة، ثم ألقاها في أثناء التكبيرة، فإن صلاته لا تصح عند الجمهور، وتصح عند الكرخي كستر العورة، واحتج له بقوله تعالى: { { وذكر اسم ربه فصلى } } [الأعلى: 15] فعقب الذكر بالصلاة، فدل على إنه ليس منها وبقوله وتحريمها التكبير، والإضافة تقتضي أن المضاف غير المضاف إليه، كدار زيد.

وحكى ابن المنذر عن الزهري أنه قال: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير.
قال ابن المنذر: ولم يقل به غير الزهري، واحتج له بالقياس على الصوم والحج، ورد بأن هاتين العبادتين ليستا مبنيتين على النطق بخلاف الصلاة.

وصيغة التكبير أن يقول: الله أكبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل به في الصلاة وقال صلوا كما رأيتموني أصلي قال النووي: فإن قال: الله أكبر انعقدت صلاته على المذهب الصحيح عند الشافعية، وذهب مالك وأحمد وداود أنها لا تنعقد، فالجمهور متفق على تعيين لفظ التكبيرة ولا يجزئ ما قرب منها، كقوله: الرحمن الأكبر أو العزيز أكبر أو الله كبير، أو الرب أكبر وغيرها، وأما إذا كبر وزاد ما لا يغيره كقوله: الله أكبر وأعز وأجل وأعظم فإنه يجزئ.

وقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز بكل لفظ يقصد به التعظيم من حيث اللغة كما في قوله تعالى: { { فلما رأينه أكبرنه } } [يوسف: 31] أي عظمنه وقوله { { وربك فكبر } } [المدثر: 3] أي فعظم، فكل لفظ دل على التعظيم وجب أن يجوز الشروع به، قال: ومن أين قالوا: إن التكبير وجب بعينه، حتى يقتصر على لفظ [أكبر] والأصل في خطاب الشرع أن تكون نصوصه معلومة معقولة، والتقييد خلاف الأصل على ما عرف في الأصول، وقال تعالى { { وذكر اسم ربه فصلى } } وذكر اسمه تعالى أعم من أن يكون باسم الله أو باسم الرحمن، فجاز الرحمن أعظم، كما جاز الله أكبر، لأنهما في كونهما ذكرا سواء، قال الله تعالى: { { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } } [الأعراف: 180] وقال صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الرحمن أو العزيز كان مسلما، فإذا جاز ذلك في الإيمان الذي هو أصل، ففي فروعه أولى.
اهـ.

قال النووي: فإن كبر بالفارسية، وهو يحسن العربية لم يجزه، وإن لم يحسن العربية، وضاق الوقت عن أن يتعلم كبر بلغته، وإن اتسع الوقت لزمه أن يتعلم، فإن لم يتعلم وكبر بغير العربية بطلت صلاته؛ لأنه ترك اللفظ مع القدرة عليه.
اهـ.

ثم قال: ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير، ليسمع من خلفه، ويستحب لغيره أن يسر به، وأدناه أن يسمع نفسه، ويجب أن يكبر للإحرام قائما، حيث يجب القيام، وكذا المسبوق الذي يدرك الإمام راكعا، يجب أن تقع تكبيرة الإحرام بجميع حروفها في حال قيامه، وقال بعض الشافعية: إن وقع بعضها في انحنائه، وتمت قبل بلوغه حد الركوع انعقدت صلاته فرضا، لأن ما قبل حد الركوع من جملة القيام، ولا يضر الانحناء اليسير، والحد الفاصل بين حد الركوع وحد القيام أن تنال راحتاه ركبتيه لو مد يديه، فهذا حد الركوع، وما قبله حد القيام، قال النووي: وهذا وجه ضعيف، والأصح أنه متى انحنى بحيث يكون حد الركوع أقرب لم يكن قائما، ولا تصح تكبيراته.
اهـ.

وقال: ويشترط مقارنة النية مع ابتداء التكبير، ويجب استصحاب النية إلى انقضاء التكبير على الصحيح، وقيل: لا يجب.
والنية هي القصد فيحضر في ذهنه ذات الصلاة، وما يجب التعرض له من صفاتها، كالظهرية، وفي اشتراط الفرضية والأداء والقضاء خلاف.

والله أعلم