هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6249 حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، أَنْبَأَنِي سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ ، قَالَ : سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ ، قَالَ : إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ : بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ - أَوْ : الرَّجُلَ - يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ ، فَيَدْخُلُهَا . وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا قَالَ آدَمُ : إِلَّا ذِرَاعٌ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو : الرجل يعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة ، فيدخلها . وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها قال آدم : إلا ذراع
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated `Abdullah:

Allah's Messenger (ﷺ), the truthful and truly-inspired, said, Each one of you collected in the womb of his mother for forty days, and then turns into a clot for an equal period (of forty days) and turns into a piece of flesh for a similar period (of forty days) and then Allah sends an angel and orders him to write four things, i.e., his provision, his age, and whether he will be of the wretched or the blessed (in the Hereafter). Then the soul is breathed into him. And by Allah, a person among you (or a man) may do deeds of the people of the Fire till there is only a cubit or an arm-breadth distance between him and the Fire, but then that writing (which Allah has ordered the angel to write) precedes, and he does the deeds of the people of Paradise and enters it; and a man may do the deeds of the people of Paradise till there is only a cubit or two between him and Paradise, and then that writing precedes and he does the deeds of the people of the Fire and enters it.

":"ہم سے ابوالولید ہشام بن عبدالملک نے بیان کیا ، کہا ہم سے شعبہ نے بیان کیا ، کہا مجھ کو سلیمان اعمش نے خبر دی ، کہا کہ میں نے زید بن وہب سے سنا ، ان سے عبداللہ بن مسعود رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہہم کو رسول اللہ نے بیان سنایا اور آپ سچوں کے سچے تھے اور آپ کی سچائی کی زبردست گواہی دی گئی ۔ فرمایا کہ تم میں سے ہر شخص پہلے اپنی ماں کے پیٹ میں چالیس دن تک نطفہ ہی رکھا جاتا ہے ۔ پھر اتنی ہی مدت میں ” علقہ “ یعنی خون کی پھٹکی ( بستہ خون ) بنتا ہے پھر اتنے ہی عرصہ میں ” مضغہ “ ( یعنی گوشت کا لوتھڑا ) پھر چار ماہ بعد اللہ تعالیٰ ایک فرشتہ بھیجتا ہے اور اس کے بارے میں ( ماں کے پیٹ ہی میں ) چار باتوں کے لکھنے کا حکم دیا جاتا ہے ۔ اس کی روزی کا ، اس کی موت کا ، اس کا کہ وہ بدبخت ہے یا نیک بخت ۔ پس واللہ ، تم میں سے ایک شخص دوزخ والوں کے سے کام کرتا رہتا ہے اور جب اس کے اور دوزخ کے درمیان صرف ایک بالشت کا فاصلہ یا ایک ہاتھ کا فاصلہ باقی رہ جاتا ہے تو اس کی تقدیر اس پر غالب آتی ہے اور وہ جنت والوں کے سے کام کرنے لگتا ہے اور جنت میں جاتا ہے ۔ اسی طرح ایک شخص جنت والوں کے سے کام کرتا رہتا ہے اور جب اس کے اور جنت کے درمیان ایک ہاتھ کا فاصلہ باقی رہ جاتا ہے تو اس کی تقدیر اس پر غالب آتی ہے اور وہ دوزخ والوں کے کام کرنے لگتا ہے اور دوزخ میں جاتا ہے ۔ امام بخاری رحمہ اللہ کہتے ہیں کہ آدم بن ابی ایاس نے اپنی روایت میں یوں کہا کہ جب ایک ہاتھ کا فاصلہ رہ جاتا ہے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6594] .

     قَوْلُهُ  أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَنْبَأَنِي سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّحْدِيثَ وَالْإِنْبَاءَ عِنْدَ شُعْبَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيَظْهَرُ بِهِ غَلَطُ مَنْ نَقَلَ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ الْإِنْبَاءَ فِي الْإِجَازَةِ لِكَوْنِهِ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ وَلِثُبُوتِ النَّقْلِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْإِجَازَةَ وَلَا يَرْوِي بِهَا .

     قَوْلُهُ  عَنْ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ الطِّيبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اعْتِرَاضِيَّةً وَهُوَ أَوْلَى لِتَعُمَّ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِهِ وَعَادَتِهِ وَالصَّادِقُ مَعْنَاهُ الْمُخْبِرُ بِالْقَوْلِ الْحَقِّ وَيُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ يُقَالُ صَدَقَ الْقِتَالُ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ وَالْمَصْدُوقُ مَعْنَاهُ الَّذِي يُصْدَقُ لَهُ فِي الْقَوْلِ يُقَالُ صَدَقْتُهُ الْحَدِيثَ إِذَا أَخْبَرْتُهُ بِهِ إِخْبَارًا جَازِمًا أَوْ مَعْنَاهُ الَّذِي صَدَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعْدَهُ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ لَمَّا كَانَ مَضْمُونُ الْخَبَرِ أَمْرًا مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى بُطْلَانِ مَا ادَّعَوْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَلَذُّذًا بِهِ وَتَبَرُّكًا وَافْتِخَارًا وَيُؤَيِّدُهُ وُقُوعُ هَذَا اللَّفْظِ بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بُطْلَانِ شَيْءٍ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ وَمَضَى فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ اشْتُهِرَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الْأَعْمَشَ تَفَرَّدَ بِهِ حَتَّى وَجَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ.

.

قُلْتُ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَرَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَيْضًا وَقَعَ لَنَا فِي الْحِلْيَةِ وَلَمْ ينْفَرد بِهِ زيد عَن بن مَسْعُودٍ بَلْ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَلْقَمَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَأَبُو وَائِلٍ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ وَمُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ كِلَاهُمَا عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ طَارِقٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُخْتَصَرًا وَكَذَا لِأَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَنَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ فِي فَوَائِدِ الْعِيسَوِيِّ وَخَيْثَمَةَ بْنِ عبد الرَّحْمَن عِنْد الْخطابِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ بن مَسْعُودٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مِنْهُمْ أَنَسٌ وَقَدْ ذُكِرَ عَقِبَ هَذَا وَحُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الْقدر لِابْنِوَهْبٍ وَفِي أَفْرَادِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ وَالْفِرْيَابِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعَائِشَةُ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَأَبُو ذَرٍّ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ وَالطَّبَرَانِيّ ورباح اللَّخْمِيّ عِنْد بن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير وبن عَبَّاسٍ فِي فَوَائِدِ الْمُخْلِصِ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَعَلِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَالْعُرْسُ بْنُ عَمِيرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَأَكْثَمُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وبن مَنْدَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَجَابِرٌ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ وَقَدْ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ فَقَطْ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ مِنْهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَجَرِيرُ بن حَازِم وخَالِد الحداء وَمن طبقَة شُعْبَةُ الثَّوْرِيُّ وَزَائِدَةُ وَعَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَمِمَّا لَمْ يَقَعْ لِأَبِي عَوَانَةَ رِوَايَةُ شَرِيكٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَرِوَايَةُ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ وَيَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ وَدَاوُدَ بْنِ عِيسَى أَخْرَجَهَا تَمَّامٌ وَكُنْتُ خَرَّجْتُهُ فِي جُزْءٍ مِنْ طُرُقٍ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ نَفْسًا عَنِ الْأَعْمَشِ فَغَابَ عَنِّي الْآنَ وَلَوْ أَمْعَنْتُ التَّتَبُّعَ لَزَادُوا عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أَحَدَكُمْ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ الْمُسْنَدِ لَا يَجُوزُ فِي أَنَّ إِلَّا الْفَتْحُ لِأَنَّهُ مَفْعُولُ حَدَّثَنَا فَلَوْ كُسِرَ لَكَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَجَوَّزَ الْفَتْحَ وَحُجَّةُ أَبِي الْبَقَاءِ أَنَّ الْكَسْرَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَّا لِمَانِعٍ وَلَوْ جَازَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّقْلُ لَجَازَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا متم وَقَدِ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنَّهَا بِالْفَتْحِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْخُوبِيُّ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ فَلَا معنى للرَّدّ قلت وَقد جزم بن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ بِالْكَسْرِ فَقَطْ قَالَ الخوبي وَلَو لم تَجِيء بِهِ الرِّوَايَةُ لَمَا امْتَنَعَ جَوَازًا عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَأَجَابَ عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْوَعْدَ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ بِخُصُوصِ لَفْظِهَا فَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى الْفَتْحِ فَأَمَّا هُنَا فَالتَّحْدِيثُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِهِ وَبِمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ شَيْخَيْهِ وَلَهُ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَهِيَ رِوَايَةُ آدَمَ فِي التَّوْحِيدِ وَكَذَا لِلْأَكْثَرِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بطن أمه وَكَذَا لأبي مُعَاوِيَة ووكيع وبن نمير وَفِي رِوَايَة بن فُضَيْل وَمُحَمّد بن عبيد عِنْد بن مَاجَهْ إِنَّهُ يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَفِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ مِثْلُ آدَمَ لَكِنْ قَالَ بن آدَمَ بَدَلَ أَحَدِكُمْ وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ ضَمُّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ بَعْدَ الِانْتِشَارِ وَفِي قَوْلِهِ خَلْقُ تَعْبِيرٌ بِالْمَصْدَرِ عَنِ الْجُثَّةِ وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ هَذَا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ أَيْ مَضْرُوبُهُ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ خَلْقُ أَحَدِكُمْ أَوْ أُطْلِقَ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِ وَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ جَعَلَهَا نَفْسَ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنِيَّ يَقَعُ فِي الرَّحِمِ حِينَ انْزِعَاجِهِ بِالْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ الدَّافِعَةِ مَبْثُوثًا مُتَفَرِّقًا فَيَجْمَعُهُ اللَّهُ فِي مَحَلِّ الْوِلَادَةِ مِنَ الرَّحِمِ .

     قَوْلُهُ  أَرْبَعِينَ يَوْمًا زَادَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَكَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَوَكِيعٍ وَجَرِيرٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِغَيْرِ شَكٍّ وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً بِغَيْرِ شَكٍّ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَوْمٌ بِلَيْلَتِهِ أَوْ لَيْلَةٌ بِيَوْمِهَا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ آدَمَ لَكِنْ زَادَ نُطْفَةً بَيْنَ قَوْلِهِ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْبَعِينَ فَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي يُجْمَعُ هُوَ النُّطْفَةُ وَالْمُرَادُ بِالنُّطْفَةِ الْمَنِيُّ وَأَصْلُهُ الْمَاءُ الصَّافِي الْقَلِيلُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ إِذَا لَاقَى مَاءَ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ وَأَرَادَ اللَّهُ انيَخْلُقَ مِنْ ذَلِكَ جَنِينًا هَيَّأَ أَسْبَابَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ قُوَّتَيْنِ قُوَّةَ انْبِسَاطٍ عِنْدَ وُرُودِ مَنِيِّ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْتَشِرَ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ وَقُوَّةَ انْقِبَاضٍ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ مِنْ فَرْجِهَا مَعَ كَوْنِهِ مَنْكُوسًا وَمَعَ كَوْنِ الْمَنِيِّ ثَقِيلًا بِطَبْعِهِ وَفِي مَنِيِّ الرَّجُلِ قُوَّةُ الْفِعْلِ وَفِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ قُوَّةُ الِانْفِعَالِ فَعِنْدَ الِامْتِزَاجِ يَصِيرُ مَنِيُّ الرَّجُلِ كَالْإِنْفَحَةِ لِلَّبَنِ وَقِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةُ فِعْلٍ وَانْفِعَالٍ لَكِنَّ الْأَوَّلَ فِي الرَّجُلِ أَكْثَرُ وَبِالْعَكْسِ فِي الْمَرْأَةِ وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ مَنِيَّ الرَّجُلِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْوَلَدِ إِلَّا فِي عَقْدِهِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَكَوَّنُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تُبْطِلُ ذَلِكَ وَمَا ذُكِرَ أَوَّلًا أَقْرَبُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَمْعِ مكث النُّطْفَة فِي الرَّحِم أَي تمكس النُّطْفَةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تُخَمَّرُ فِيهِ حَتَّى تَتَهَيَّأَ لِلتَّصْوِيرِ ثُمَّ تُخْلَقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ بن مَسْعُودٍ فَسَّرَهُ بِأَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفُرٍ وَشَعْرٍ ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا.

.

قُلْتُ هَذَا التَّفْسِير ذكره الْخطابِيّ وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَيْضًا عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَقَولُهُ فَذَلِكَ جَمْعُهَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ أَوْ تَفْسِيرُ بَعْضِ رُوَاةِ حَدِيثِ الْبَابِ وَأَظُنُّهُ الْأَعْمَشَ فَظن بن الْأَثِير انه تَتِمَّة كَلَام بن مَسْعُود فأدرجه فِيهِ وَلم يتَقَدَّم عَن بن مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةِ خَيْثَمَةَ ذِكْرُ الْجَمْعِ حَتَّى يُفَسِّرَهُ وَقَدْ رَجَّحَ الطِّيبِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ فَقَالَ الصَّحَابِيُّ أَعْلَمُ بِتَفْسِيرِ مَا سَمِعَ وَأَحَقُّ بِتَأْوِيلِهِ وَأَوْلَى بِقَبُولِ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ وَأَكْثَرُ احْتِيَاطًا فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يَتَعَقَّبَ كَلَامَهُ.

.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَفَعَهُ مَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ وَلَفْظُهُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ عَبْدٍ فَجَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عِرْقٍ وَعُضْوٍ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْضَرَهُ كُلُّ عِرْقٍ لَهُ دُونَ آدَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَهُ وَفِي لَفْظِ ثُمَّ تَلَا فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ يَوْمِ السَّابِعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي هَذَا زِيَادَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّبَهَ يَحْصُلُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَأَنَّ فِيهِ ابْتِدَاءَ جَمْعِ الْمَنِيِّ وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى أَنَّ ابْتِدَاءَ جَمْعِهِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ربيعَة عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النُّطْفَةَ الَّتِي تُقْضَى مِنْهَا النَّفْسُ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَحَادَرَتْ دَمًا فَكَانَتْ عَلَقَةً وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً أَذِنَ اللَّهُ فِي خَلْقِهَا وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ أَنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ وَعِنْدَهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنِ أبي الزبير عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي نُسْخَة اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا قَالَ مِثْلَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَفِي رِوَايَةِ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا يَأْذَنُ لَهُ لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل يدْخل الْملك على النُّطْفَة بعد مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَهَكَذَا رَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عِنْدَ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنِ عَمْرٍو فَقَالَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَجَزَمَ بِذَلِكَ فحاصل الِاخْتِلَاف ان حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذِكْرِ الْأَرْبَعِينَ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَغَالِبُهَا كَحَدِيثِ أَنَسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ لَا تَحْدِيدَ فِيهِ وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ نَقَلَتِهِ فَبَعْضُهُمْجزم بالاربعين كَمَا فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَبَعْضُهُمْ زَادَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ بِضْعًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَدَّدَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْقَاضِي عِيَاض بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَة بن مَسْعُودٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ بَلْ أَطْلَقَ الْأَرْبَعِينَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْعَدَدِ الزَّائِدِ عَلَى أَنَّهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَجِنَّةِ وَهُوَ جَيِّدٌ لَوْ كَانَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ مُخْتَلِفَةً لَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ وَرَاجِعَةٌ إِلَى أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطِ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي إِحْضَارِ الشَّبَهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَأَنَّ فِيهِ يَبْتَدِئ الْجمع بعد الانتشار وَقد قَالَ بن مَنْدَهْ إِنَّهُ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَاخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ بِكَوْنِهِ فِي الْبَطْنِ وَبِكَوْنِهِ فِي الرَّحِمِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي الرَّحِمِ حَقِيقَةً وَالرَّحِمُ فِي الْبَطْنِ وَقَدْ فَسَّرُوا قَوْله تَعَالَى فِي ظلمات ثَلَاث بِأَنَّ الْمُرَادَ ظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ وَظُلْمَةُ الْبَطْنِ فَالْمَشِيمَةُ فِي الرَّحِمِ وَالرَّحِمُ فِي الْبَطْنِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ تَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مثل ذَلِك وَتَكون هُنَا بِمَعْنَى تَصِيرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مُدَّةَ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ تَنْقَلِبُ إِلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَصَيُّرَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُخَالِطُ الدَّمُ النُّطْفَةَ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى بَعْدَ انْعِقَادِهَا وَامْتِدَادِهَا وَتَجْرِي فِي أَجْزَائِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى تَتَكَامَلَ عَلَقَةً فِي أَثْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ يُخَالِطُهَا اللَّحْمُ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَشْتَدَّ فَتَصِيرَ مُضْغَةً وَلَا تُسَمَّى عَلَقَةً قَبْلَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ نُطْفَةً وَكَذَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زَمَانِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ.

.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَفَعَهُ إِنَّ النُّطْفَةَ تَكُونُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى حَالِهَا لَا تَتَغَيَّرُ فَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حُمِلَ نَفْيُ التَّغَيُّرِ عَلَى تَمَامِهِ أَيْ لَا تَنْتَقِلُ إِلَى وَصْفِ الْعَلَقَةِ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَنْفِي أَنَّ الْمَنِيَّ يَسْتَحِيلُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى دَمًا إِلَى أَنْ يَصِيرَ عَلَقَةً انْتَهَى وَقَدْ نَقَلَ الْفَاضِلُ عَلِيُّ بْنُ الْمُهَذَّبِ الْحَمَوِيُّ الطَّبِيبُ اتِّفَاقَ الْأَطِبَّاءِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ يَكُونُ فِي نَحْوِ الْأَرْبَعِينَ وَفِيهَا تَتَمَيَّزُ أَعْضَاءُ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى لِحَرَارَةِ مِزَاجِهِ وَقُوَاهُ وَأَعْبَدُ إِلَى قِوَامِ الْمَنِيِّ الَّذِي تَتَكَوَّنُ أَعْضَاؤُهُ مِنْهُ وَنُضْجُهُ فَيَكُونُ أَقْبَلَ لِلشَّكْلِ وَالتَّصْوِيرِ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ وَالْعَلَقَةُ قِطْعَةُ دَمٍ جَامِدٍ قَالُوا وَتَكُونُ حَرَكَةُ الْجَنِينِ فِي ضِعْفِ الْمُدَّةِ الَّتِي يُخْلَقُ فِيهَا ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ لَحْمَةً صَغِيرَةً وَهِيَ الْأَرْبَعُونَ الثَّالِثَةُ فَتَتَحَرَّكُ قَالَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ شمس الدّين بن الْقيم ان دَاخل الرَّحِم خشن كالسفنج وَجُعِلَ فِيهِ قَبُولًا لِلْمَنِيِّ كَطَلَبِ الْأَرْضِ الْعَطْشَى لِلْمَاءِ فَجَعَلَهُ طَالِبًا مُشْتَاقًا إِلَيْهِ بِالطَّبْعِ فَلِذَلِكَ يُمْسِكُهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَلَا يَزْلِقُهُ بَلْ يَنْضَمُّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُفْسِدَهُ الْهَوَاءُ فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِمَلَكِ الرَّحِمِ فِي عَقْدِهِ وَطَبْخِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِي تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ يُجْمَعُ خَلْقُهُ قَالُوا إِنَّ الْمَنِيَّ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الرَّحِمُ وَلَمْ يَقْذِفْهُ اسْتَدَارَ عَلَى نَفْسِهِ وَاشْتَدَّ إِلَى تَمَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَيَنْقُطُ فِيهِ ثَلَاثَ نُقَطٍ فِي مَوَاضِعِ الْقَلْبِ وَالدِّمَاغِ وَالْكَبِدِ ثُمَّ يَظْهَرُ فِيمَا بَيْنَ تِلْكَ النُّقَطِ خُطُوطٌ خَمْسَةٌ إِلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَنْفُذُ الدَّمَوِيَّةُ فِيهِ إِلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَتَمَيَّزُ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ تَمْتَدُّ رُطُوبَةُ النُّخَاعِ إِلَى تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يَنْفَصِلُ الرَّأْسُ عَنِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْأَطْرَافُ عَنِ الضُّلُوعِ وَالْبَطْنُ عَنِ الْجَنِينِ فِي تِسْعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَتِمُّ هَذَا التَّمْيِيزُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلْحِسِّ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَيُكْمِلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِيهِ تَفْصِيلُ مَا أُجْمِلَ فِيهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَلَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ قِطْعَةَ دَمٍ لَكِنَّهَا فِي هَذِهِالْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ تَنْتَقِلُ عَنْ صُورَةِ الْمَنِيِّ وَيَظْهَرُ التَّخْطِيطُ فِيهَا ظُهُورًا خَفِيًّا عَلَى التَّدْرِيجِ ثُمَّ يَتَصَلَّبُ فِي الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِتَزَايُدِ ذَلِكَ التَّخْلِيقِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَصِيرَ مُضْغَةً مُخَلَّقَةً وَيَظْهَرُ لِلْحِسِّ ظُهُورًا لَا خَفَاءَ بِهِ وَعِنْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَالطَّعْنِ فِي الْأَرْبَعِينَ الرَّابِعَةِ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا بِالْوَحْيِ حَتَّى قَالَ كَثِيرٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْأَطِبَّاءِ وَحُذَّاقِ الْفَلَاسِفَةِ إِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّوَهُّمِ وَالظَّنِّ الْبَعِيدِ وَاخْتَلَفُوا فِي النُّقْطَةِ الْأُولَى أَيُّهَا أَسْبَقُ وَالْأَكْثَرُ نَقْطُ الْقَلْبِ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ السُّرَّةُ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مِنَ الْغِذَاءِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى آلَاتِ قُوَاهُ فَإِنَّ مِنَ السُّرَّةِ يَنْبَعِثُ الْغِذَاءُ وَالْحُجُبُ الَّتِي عَلَى الْجَنِينِ فِي السُّرَّةِ كَأَنَّهَا مَرْبُوطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَالسُّرَّةُ فِي وَسَطِهَا وَمِنْهَا يَتَنَفَّسُ الْجَنِينُ وَيَتَرَبَّى وَيَنْجَذِبُ غِذَاؤُهُ مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ فِي الْعَلَقَةِ وَالْمُرَادُ مِثْلُ مُدَّةِ الزَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الِاسْتِحَالَةِ وَالْعَلَقَةُ الدَّمُ الْجَامِدُ الْغَلِيظُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلرُّطُوبَةِ الَّتِي فِيهِ وَتَعَلُّقِهِ بِمَا مَرَّ بِهِ وَالْمُضْغَةُ قِطْعَةُ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الْمَاضِغُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكٌ وَفِي رِوَايَةِ آدَمَ كَالْكُشْمِيهَنِيِّ لَكِنْ قَالَ الْمَلَكُ وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ بِهِ عَهْدٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ جِنْسُ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْأَرْحَامِ كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ وَمِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ ثُمَّ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ الَّذِي يُخَلِّقُهَا وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ أَتَى مَلَكُ الْأَرْحَامِ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ بِلَفْظِ بَعَثَ الله ملكا وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ النُّطْفَةَ قَالَ مَلَكُ الْأَرْحَامِ وَفِي ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَكِ مَنْ جُعِلَ إِلَيْهِ أَمْرُ تِلْكَ الرَّحِمِ فَكَيْفَ يُبْعَثُ أَوْ يُرْسَلُ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الَّذِي يُبْعَثُ بِالْكَلِمَاتِ غَيْرُ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِالرَّحِمِ الَّذِي يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ إِلَخْ ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ إِذَا اسْتَقَرَّتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ أَخَذَهَا الْمَلَكُ بِكَفِّهِ فَقَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَيُقَالُ انْطَلِقْ إِلَى أُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّكَ تَجِدُ قِصَّةَ هَذِهِ النُّطْفَةِ فَيَنْطَلِقُ فَيَجِدُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ الْإِرْسَالُ الْمَذْكُورُ بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَا يَتَشَكَّلُ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَنِينِ فَقِيلَ قَلْبُهُ لِأَنَّهُ الْأَسَاسُ وَهُوَ مَعْدِنُ الْحَرَكَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَقِيلَ الدِّمَاغُ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَمِنْهُ يَنْبَعِثُ وَقِيلَ الْكَبِدُ لِأَنَّ فِيهِ النُّمُوَّ وَالِاغْتِذَاءَ الَّذِي هُوَ قِوَامُ الْبَدَنِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مُقْتَضَى النِّظَامِ الطَّبِيعِيِّ لِأَنَّ النُّمُوَّ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا وَلَا حَاجَةَ لَهُ حِينَئِذٍ إِلَى حِسٍّ وَلَا حَرَكَةٍ إِرَادِيَّةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ النَّبَاتِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ قُوَّةُ الْحِسِّ وَالْإِرَادَةِ عِنْدَ تَعَلُّقِ النَّفْسِ بِهِ فَيُقَدَّمُ الْكَبِدُ ثُمَّ الْقَلْبُ ثُمَّ الدِّمَاغُ .

     قَوْلُهُ  فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِأَرْبَعٍ وَالْمَعْدُودُ إِذَا أُبْهِمَ جَازَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِكَتْبِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِ الْجَنِينِ وَفِي رِوَايَةِ آدَمَ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَكَذَا لِلْأَكْثَرِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ الْقَضَايَا الْمُقَدَّرَةُ وَكُلُّ قَضِيَّةٍ تُسَمَّى كَلِمَةً .

     قَوْلُهُ  بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَنَقَصَ مِنْهَا ذِكْرُ الْعَمَلِ وَبِهِ تَتِمُّ الْأَرْبَعُ وَثَبَتَ .

     قَوْلُهُ  وَعَمَلُهُ فِي رِوَايَةِ آدَمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ فَذَكَرَ الْأَرْبَعَ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَالْأَكْثَرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَع كَلِمَات بكتب رِزْقُهُ إِلَخْ وَضُبِطَ بِكَتْبِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَكَافٍ مَفْتُوحَةٍوَمُثَنَّاةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ عَلَى الْبَدَلِ وَالْآخَرُ بِتَحْتَانِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَقَولُهُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَتَكَلَّفَ الْخَوْبِيُّ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ مِنْهَا ثَلَاثًا وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْتُبُ لِكُلِّ أَحَدٍ إِمَّا السَّعَادَةَ وَإِمَّا الشَّقَاءَ وَلَا يَكْتُبُهُمَا لِوَاحِدٍ مَعًا وَإِنْ أَمْكَنَ وُجُودُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا اجْتَمَعَا لِلْأَغْلَبِ وَإِذَا تَرَتَّبَا فَلِلْخَاتِمَةِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى أَرْبَعٍ وَإِلَّا لَقَالَ خَمْسٌ وَالْمُرَادُ مِنْ كِتَابَةِ الرِّزْقِ تَقْدِيرُهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَصِفَتُهُ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا وَبِالْأَجَلِ هَلْ هُوَ طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ وَبِالْعَمَلِ هُوَ صَالِحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَوَقَعَ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ ثُمَّ يَكْتُبُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ أَنَّ الْمَلَكَ يَكْتُبُ إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ كَأَنْ يَكْتُبَ مَثَلًا أَجَلَ هَذَا الْجَنِينِ كَذَا وَرِزْقَهُ كَذَا وَعَمَلَهُ كَذَا وَهُوَ شَقِيٌّ بِاعْتِبَارِ مَا يُخْتَمُ لَهُ وَسَعِيدٌ بِاعْتِبَارِ مَا يُخْتَمُ لَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ وَكَانَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ وَيَكْتُبُ شَقَاوَتَهُ وَسَعَادَتَهُ لَكِنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ إِلَيْهِمَا وَالتَّفْصِيلُ وَارِدٌ عَلَيْهِمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطِّيبِيُّ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذَا مَكَثَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاءَهَا مَلَكٌ فَقَالَ اخْلُقْ يَا أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ فَيَقْضِي اللَّهُ مَا شَاءَ ثُمَّ يَدْفَعُ إِلَى الْمَلَكِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَسِقْطٌ أَمْ تَامٌّ فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَوَاحِدٌ أَمْ تَوْأَمٌ فَيُبَيِّنُ لَهُ فَيَقُولُ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَنَاقِصُ الْأَجَلِ أَمْ تَامُّ الْأَجَلِ فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقْطَعُ لَهُ رِزْقَهُ مَعَ خَلْقِهِ فَيَهْبِطُ بِهِمَا وَوَقَعَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْبَعِ فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الله بن ربيعَة عَن بن مَسْعُودٍ فَيَقُولُ اكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَثَرَهُ وَخَلْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ وَفِي رِوَايَةِ خَصِيفٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ أَيْ رَبِّ مُصِيبَتُهُ فَيَقُولُ كَذَا وَكَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْفِرْيَابِيِّ فَرَغَ اللَّهُ إِلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ خَمْسٍ مِنْ عَمَلِهِ وَأَجَلِهِ وَرِزْقِهِ وَأَثَرِهِ وَمَضْجَعِهِ.

.
وَأَمَّا صِفَةُ الْكِتَابَةِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا الْكِتَابَةُ الْمَعْهُودَةُ فِي صَحِيفَتِهِ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ وَفِي رِوَايَةِ الْفِرْيَابِيِّ ثُمَّ تُطْوَى تِلْكَ الصَّحِيفَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَيَقْضِي اللَّهُ مَا هُوَ قَاضٍ فَيَكْتُبُ مَا هُوَ لَاقٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَتَلَا أَبُو ذَرٍّ خَمْسَ آيَاتٍ مِنْ فَاتِحَةِ سُورَةِ التَّغَابُنِ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ بن عمر فِي صَحِيح بن حِبَّانَ دُونَ تِلَاوَةِ الْآيَةِ وَزَادَ حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ الْمُفْرد قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِكِتَابَتِهِ الْأَرْبَعُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَيَحْتَمِلُ غَيْرُهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِمَا بَينته بَقِيَّة الرِّوَايَات وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ يَتَقَلَّبُ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْوَارٍ كُلُّ طَوْرٍ مِنْهَا فِي أَرْبَعِينَ ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِلَتِهَا يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَطْوَارَ الثَّلَاثَةَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ مِنْهَا فِي الْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ فِي بَابُ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ وَدَلَّتِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيقَ يَكُونُ لِلْمُضْغَةِ وَبَيَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهَا إِذَا تَكَامَلَتِ الْأَرْبَعِينَ وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي إِذَا انْتَهَتْ سُمِّيَتْ مُضْغَةً وَذَكَرَ اللَّهُ النُّطْفَةَ ثُمَّ الْعَلَقَةَ ثُمَّ الْمُضْغَةَ فِي سُوَرٍ أُخْرَى وَزَادَ فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ بَعْدَ الْمُضْغَةِ فَخَلَقْنَا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا الْآيَةَ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا وَمِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ تَصِيرَ الْمُضْغَةُ عِظَامًا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ وَوَقَعَ فِي آخِرِ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَرِيبا بعدذِكْرِ الْمُضْغَةِ ثُمَّ تَكُونُ عِظَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكْسُو اللَّهُ الْعِظَامَ لَحْمًا وَقَدْ رَتَّبَ الْأَطْوَارَ فِي الْآيَةِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الطَّوْرَيْنِ طَوْرٌ آخَرُ وَرَتَّبَهَا فِي الحَدِيث بثم إِشَارَةً إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَتَخَلَّلُ بَيْنَ الطَّوْرَيْنِ ليتكامل فِيهَا الطّور وانما اتى بثم بَيْنَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ لِأَنَّ النُّطْفَةَ قَدْ لَا تتكون انسانا واتى بثم فِي آخِرِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا اخر لِيَدُلَّ عَلَى مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ من بطن أمه وَأما الْإِتْيَان بثم فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ بَيْنَ السُّلَالَةِ وَالنُّطْفَةِ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَخَلْقِ وَلَده وَوَقع فِي حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا ظَاهره يُخَالف حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي نُسْخَة اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعَظْمَهَا ثُمَّ قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ الْحَدِيثَ هَذِهِ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فِي مُسْلِمٍ وَنَسَبَهَا عِيَاضٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ شَرْحِ هَذَا الحَدِيث إِلَى رِوَايَة بن مَسْعُودٍ وَهُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي أَوَّلِ الرِّوَايَةِ ذِكْرٌ فِي قَوْلِهِ الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ فَقَطْ وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قَالَ فَيَجِيءُ مَلَكُ الرَّحِمِ فَيَدْخُلُ فَيُصَوِّرُ لَهُ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ وَشَعْرَهُ وَبَشَرَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَمْلُ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّصْوِيرَ بِأَثَرِ النُّطْفَةِ وَأَوَّلِ الْعَلَقَةِ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مَعْهُودٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّصْوِيرُ فِي آخِرِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا الْآيَةَ قَالَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَصَوَّرَهَا إِلَخْ أَيْ كَتَبَ ذَلِكَ ثُمَّ يَفْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى قَالَ وَخَلْقُهُ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْأُنُوثِيَّةَ يَقَعُ فِي وَقْتٍ مُتَّفَقٍ وَهُوَ مُشَاهَدٌ فِيمَا يُوجَدُ مِنْ أَجِنَّةِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْخِلْقَةُ وَاسْتِوَاءُ الصُّورَةِ ثُمَّ يَكُونُ لِلْمَلَكِ فِيهِ تَصَوُّرٌ آخَرُ وَهُوَ وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ حِينَ يَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعَة اشهر انْتهى مُلَخصا وَقد بَسطه بن الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ مَا مُلَخَّصُهُ أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ وَإِمَّا لكَونه لم يره ملتئما مَعَ حَدِيث بن مَسْعُود وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ.

.
وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَأَخْرَجَهُمَا مَعًا فَاحْتَجْنَا إِلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ إِرْسَالُ الْمَلَكِ عَلَى التَّعَدُّدِ فَمَرَّةً فِي ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَأُخْرَى فِي انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ لِنَفْخِ الرُّوحِ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ فَصَوَّرَهَا فان ظَاهر حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ التَّصْوِيرَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ مُضْغَةً فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُصَوِّرُهَا لَفْظًا وَكَتْبًا لَا فِعْلًا أَيْ يَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ تَصْوِيرِهَا وَيَكْتُبُهَا بِدَلِيلِ أَنَّ جَعْلَهَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُضْغَةِ.

.

قُلْتُ وَقَدْ نُوزِعَ فِي أَنَّ التَّصْوِيرَ حَقِيقَةً إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ بِأَنَّهُ شُوهِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَجِنَّةِ التَّصْوِيرُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَتَمْيِيزُ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فَعَلَى هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمَلَكَ تَصْوِيرُ ذَلِكَ لَفْظًا وَكَتْبًا ثُمَّ يَشْرَعُ فِيهِ فِعْلًا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الْعَلَقَةِ فَفِي بَعْضِ الْأَجِنَّةِ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا يَتَأَخَّرُ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعِينَ الْعَلَقَةِ فَيَقْوَى مَا قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ قُلْتُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى يَقْسِمُ النُّطْفَةَ إِذَا صَارَتْ عَلَقَةً إِلَىأَجْزَاءٍ بِحَسَبِ الْأَعْضَاءِ أَوْ يَقْسِمُ بَعْضَهَا إِلَى جِلْدٍ وَبَعْضَهَا إِلَى لَحْمٍ وَبَعْضَهَا إِلَى عَظْمٍ فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ ثُمَّ يَتَهَيَّأُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَيَتَكَامَلُ فِي الْأَرْبَعين الثَّالِثَة.

     وَقَالَ  بَعضهم معنى حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النُّطْفَةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا وَصْفُ الْمَنِيِّ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَوَصْفُ الْعَلَقَةِ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَوَصْفُ الْمُضْغَةِ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَصْوِيرُهُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ التَّصْوِيرَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ قَالَ عَن مرّة الْهَمدَانِي عَن بن مَسْعُودٍ وَذَكَرَ أَسَانِيدَ أُخْرَى قَالُوا إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ طَارَتْ فِي الْجَسَدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهَا بَعَثَ مَلَكًا فَصَوَّرَهَا كَمَا يُؤْمَرُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ النُّطْفَةِ ثُمَّ الْعَلَقَةُ ثُمَّ الْمُضْغَةُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى الْحَدِيثَ وَمَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى الْأَخْذِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ أَنَّ التَّصْوِيرَ وَالتَّخْلِيقَ يَقَعُ فِي أَوَاخِرِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَة حَقِيقَة قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَا يَدْفَعُهُ وَاسْتَنَدَ إِلَى قَوْلِ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا حَصَلَ فِي الرَّحِمِ حَصَلَ لَهُ زُبْدِيَّةٌ وَرَغْوَةٌ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِمْدَادٍ مِنَ الرَّحِمِ ثُمَّ يَسْتَمِدُّ مِنَ الرَّحِمِ وَيَبْتَدِئُ فِيهِ الْخُطُوطُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا ثُمَّ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ يَنْفُذُ الدَّمُ إِلَى الْجَمِيعِ فَيَصِيرُ عَلَقَةً ثُمَّ تَتَمَيَّزُ الْأَعْضَاءُ وَتَمْتَدُّ رُطُوبَةُ النُّخَاعِ وَيَنْفَصِلُ الرَّأْسُ عَنِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْأَطْرَافُ عَنِ الْأَصَابِعِ تَمْيِيزًا يَظْهَرُ فِي بَعْضٍ وَيَخْفَى فِي بَعْضٍ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي الْأَقَلِّ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي الْأَكْثَرِ لَكِنْ لَا يُوجَدُ سِقْطٌ ذَكَرٌ قَبْلَ ثَلَاثِينَ وَلَا أُنْثَى قَبْلَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَ فَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  فَيَكْتُبُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ يُجْمَعُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقَعُ إِلَّا عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا مِنْ تَرْتِيبِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ بِرِوَايَاتِهِمْ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُونَهُ كَذَا قَالَ وَالْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ أَوْلَى وَغَالِبُ مَا نُقِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ دَعَاوَى لَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا قَالَ بن الْعَرَبِيِّ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الْمَلَكِ يَكْتُبُ ذَلِكَ كَوْنُهُ قَابِلًا لِلنَّسْخِ وَالْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ كَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ فِي التَّوْحِيدِ وَسَقَطَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَظَاهِرُهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ رِوَايَةَ آدَمَ صَرِيحَةٌ فِي تَأْخِيرِ النَّفْخِ لِلتَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مُحْتَمِلَةٌ فَتُرَدُّ إِلَى الصَّرِيحَةِ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَأَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي هَذِهِ الْأَطْوَارِ وَيُؤْمَرُ الْمَلَكُ بِالْكَتْبِ وَتَوَسَّطَ .

     قَوْلُهُ  يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ بَيْنَ الْجُمَلِ فَيَكُونُ مِنْ تَرْتِيبِ الْخَبَرِ عَلَى الْخَبَرِ لَا من تَرْتِيب الْأَفْعَال الْمخبر عَنْهَا وَنقل بن الزملكاني عَن بن الْحَاجِبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَبَّرَتْ عَنْ أَمْرٍ بَعْدَهُ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلِبَعْضِهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَوَّلِ حَسُنَ تَقْدِيمُهُ لَفْظًا عَلَى الْبَقِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وُجُودًا وَحَسُنَ هُنَا لِأَنَّ الْقَصْدَ تَرْتِيبُ الْخَلْقِ الَّذِي سيق الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ فِيهِ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ تَمَامُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَدُخُولُهُ فِي الْخَامِسِ وَهَذَا مَوْجُودٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَعَلَيْهِ يُعَوَّلُ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الِاسْتِلْحَاقِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِحَرَكَةِ الْجَنِينِ فِي الْجَوْفِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ الْحِكْمَةُ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ مِنَالْوَفَاة بأَرْبعَة اشهر وَعشر وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْخَامِسِ وَزِيَادَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْمَلَكَ لَا يَأْتِي لِرَأْسِ الْأَرْبَعِينَ بَلْ بَعْدَهَا فَيَكُونُ مَجْمُوعُ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ مَكَثَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ جَاءَ صَرِيحًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَقِيلَ لَهُ مَا بَالُ الْعَشَرَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ يُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ كَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ إِنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ مِثْلُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّ الْغَرَضَ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ أَيْ لِتَصْوِيرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَكِتَابَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ إِثْرَ ذَلِكَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَمَّتْ لِلنُّطْفَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَيَنْفُخُ فِيهَا الرُّوحَ فَذَلِك قَوْله ثمَّ انشأناه خلقا اخر وَسَنَده مُنْقَطع وَهَذَا لاينافي التَّقْيِيد بالعشر الزَّائِدَةِ وَمَعْنَى إِسْنَادِ النَّفْخِ لِلْمَلَكِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَالنَّفْخُ فِي الْأَصْلِ إِخْرَاجُ رِيحٍ مِنْ جَوْفِ النَّافِخِ لِيَدْخُلَ فِي الْمَنْفُوخِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقَعُ مَرَّتَيْنِ فَالْكِتَابَةُ الْأُولَى فِي السَّمَاءِ وَالثَّانِيَةُ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا فِي صَحِيفَةٍ وَالْأُخْرَى عَلَى جَبِينِ الْمَوْلُودِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجِنَّةِ فَبَعْضُهَا كَذَا وَبَعْضُهَا كَذَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ دُونَ قَوْلِهِ مِنْكُمْ وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَهَذِهِ مُحْتَمِلَةٌ لِأَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الْخَبَرُ كُلُّهُ مَرْفُوعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاتِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ مَا يَقْتَضِي انه مدرج فِي الْخَبَر من كَلَام بن مَسْعُود لَكِن الادراج لَا يثبت بِالِاحْتِمَالِ وَأكْثر الرِّوَايَاتِ يَقْتَضِي الرَّفْعَ إِلَّا رِوَايَةَ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ فَبَعِيدَةٌ مِنَ الْإِدْرَاجِ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ.

     وَقَالَ  بَعْدَ قَوْلِهِ وَاكْتُبْهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ كَذَا وَقَعَ مُفَصَّلًا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنِ الْأَعْمَشِ مِنْهُمُ الْمَسْعُودِيُّ وَزَائِدَةُ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَآخَرُونَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَصْلَ الْحَدِيثِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَكَذَا أَبُو وَائِلٍ وَعَلْقَمَةُ وَغَيرهمَا عَن بن مَسْعُودٍ وَكَذَا اقْتَصَرَ حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ كَأَنَسٍ فِي ثَانِي حَدِيثي الْبَاب وَحُذَيْفَة بن اسيد وبن عُمَرَ وَكَذَا اقْتَصَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ نَعَمْ وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَرْفُوعَةً فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْآتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْد احْمَد وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ وَالْعُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ فِي الْبَزَّارِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَكْثَمَ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ فِي الطَّبَرَانِيِّ لَكِنْ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ مُفْرَدَةً مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْهُ وَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ حَذَفَ الْحَسَنَ بَيْنَ حُمَيْدٍ وَأَنَسٍ فَكَأَنَّهُ كَانَ تَامًّا عِنْدَ أَنَسٍ فَحَدَّثَ بِهِ مُفَرَّقًا فَحَفِظَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ عَنْهُ فَيَقْوَى عَلَىهَذَا أَنَّ الْجَمِيعَ مَرْفُوعٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَحِينَئِذٍ تُحْمَلُ رِوَايَةُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لِتَحَقُّقِ الْخَبَرِ فِي نَفْسِهِ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْإِدْرَاجُ فِي الْقَسَمِ لَا فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهَذَا غَايَةُ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيُؤَيِّدُ الرَّفْعَ أَيْضًا أَنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ التَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ وَوَصْفِ الْمُقْسَمِ بِهِ وَبِأَنَّ وَبِاللَّامِ وَالْأَصْلُ فِي التَّأْكِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ لِمُخَاطَبَةِ الْمُنْكِرِ أَوِ الْمُسْتَبْعِدِ أَوْ مَنْ يُتَوَهَّمُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُنَا لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَبْعَدًا وَهُوَ دُخُولُ مَنْ عَمِلَ الطَّاعَةَ طُولَ عُمُرِهِ النَّارَ وَبِالْعَكْسِ حَسُنَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَحَدَكُمْ أَوِ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ بِغَيْرِ شَكٍّ وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْجَنَّةِ عَلَى النَّارِ وَكَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ كَذَا عِنْدَ مُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةِ حَفْصٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ وَأَخَّرَ ذِكْرَ النَّارِ وَعَكَسَ أَبُو الْأَحْوَصِ وَلَفْظُهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ .

     قَوْلُهُ  بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالْأَصْلُ يَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَمَلَ إِمَّا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَإِمَّا مَفْعُولٌ بِهِ وَكِلَاهُمَا مُسْتَغْنٍ عَنِ الْحَرْفِ فَكَانَ زِيَادَةُ الْبَاءِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ ضُمِّنَ يَعْمَلُ مَعْنَى يَتَلَبَّسُ فِي عَمَلِهِ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ حَقِيقَةً وَيُخْتَمُ لَهُ بِعَكْسِهِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ سَهْلٍ بِلَفْظِ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي بِخِلَافِ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرَ ذِرَاعٍ أَوْ بَاعٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَيْرَ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ إِلَّا ذِرَاعٌ وَلَمْ يَشُكَّ وَقَدْ عَلَّقَهَا الْمُصَنِّفُ لِآدَمَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَصَلَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ فِي التَّوْحِيدِ عَنْهُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَالتَّعْبِيرُ بِالذِّرَاعِ تَمْثِيلٌ بِقُرْبِ حَالِهِ مِنَ الْمَوْتِ فَيُحَالُ مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ بِمِقْدَارِ ذِرَاعٍ أَوْ بَاعٍ مِنَ الْمَسَافَةِ وَضَابِطُ ذَلِكَ الْحِسِّيِّ الْغَرْغَرَةُ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَامَةً لِعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الْخَيْرِ صِرْفًا وَأَهْلُ الشَّرِّ صِرْفًا إِلَى الْمَوْتِ وَلَا ذِكْرَ لِلَّذِينَ خَلَطُوا وَمَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي الْحَدِيثِ تَعْمِيمَ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْخَاتِمَةِ .

     قَوْلُهُ  بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْنِي مِنَ الطَّاعَاتِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَفَظَةَ تَكْتُبُ ذَلِكَ وَيُقْبَلُ بَعْضُهَا وَيُرَدُّ بَعْضُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقَعَ الْكِتَابَةُ ثُمَّ تُمْحَى.

.
وَأَمَّا الْقَبُولُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْخَاتِمَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى مَا يَكُونَ قَالَ الطَّيِّبِيّ حَتَّى هُنَا الناصبة وَمَا نَافِيَةٌ وَلَمْ تَكُفَّ يَكُونُ عَنِ الْعَمَلِ فَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بِحَتَّى وَأَجَازَ غَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً فَتَكُونُ عَلَى هَذَا بِالرَّفْعِ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ كِتَابُهُ وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَيَسْبِقُ إِشَارَةً إِلَى تَعْقِيبِ ذَلِكَ بِلَا مُهْلَةٍ وَضُمِّنَ يَسْبِقُ مَعْنَى يَغْلِبُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَولُهُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ يَسْبِقُ الْمَكْتُوبُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ثُمَّ يُدْرِكُهُ الشَّقَاءُ.

     وَقَالَ  ثُمَّ تُدْرِكُهُ السَّعَادَة وَالْمرَاد يسْبق الْكِتَابِ سَبْقُ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوِ الْمُرَادُ الْمَكْتُوبُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَارَضُ عَمَلُهُ فِي اقْتِضَاءِ السَّعَادَةِ وَالْمَكْتُوبُ فِي اقْتِضَاءِ الشَّقَاوَةِ فَيَتَحَقَّقُ مُقْتَضَى الْمَكْتُوبِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ السَّابِقَ يَحْصُلُ مُرَادُهُ دُونَ الْمَسْبُوقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَثَّلَ الْعَمَلُ وَالْكِتَابُ شَخْصَيْنِ سَاعِيَيْنِ لَظَفِرَ شَخْصُ الْكِتَابِ وَغَلَبَ شَخْصَ الْعَمَلِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَادَ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَبْعِينَ سَنَةً وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا بِعَمَلِ أَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيعْمل عملاسَيِّئًا الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فَمَاتَ فَدَخَلَهَا الْحَدِيثَ وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا فَقَالَ أَصْحَابُهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ فَقَالَ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ نَحْوُهُ وَزَادَ صَاحِبُ الْجَنَّةِ مَخْتُومٌ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَقَدْ يُسْلَكُ بِأَهْل السَّعَادَة طَرِيق أهل الشقاوة حَتَّى يُقَال مَا أَشْبَهَهُمْ بِهِمْ بَلْ هُمْ مِنْهُمْ وَتُدْرِكُهُمُ السَّعَادَةُ فَتَسْتَنْقِذُهُمْ الْحَدِيثَ وَنَحْوُهُ لِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَفِي آخِرِهِ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد بن حِبَّانَ وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ نَحْوُهُ وَفِي آخِرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَبْلُ الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ خَلْقَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ يَقَعُ وَالْجَنِينُ دَاخِلَ بَطْنِ أُمِّهِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والابصار والافئدة وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ خَلْقَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَحْمُولٌ جَزْمًا عَلَى الْأَعْضَاءِ ثُمَّ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ وَالسَّامِعَةِ لِأَنَّهَا مُودَعَةٌ فِيهَا.

.
وَأَمَّا الْإِدْرَاكُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ مَوْضِعُ النِّزَاعِ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَى زَوَالِ الْحِجَابِ الْمَانِعِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ حَسَنَهَا وَسَيِّئَهَا أَمَارَاتٌ وَلَيْسَتْ بِمُوجِبَاتٍ وَأَنَّ مَصِيرَ الْأُمُورِ فِي الْعَاقِبَةِ إِلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَجَرَى بِهِ الْقَدَرُ فِي الِابْتِدَاءِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ الْقَسَمُ عَلَى الْخَبَرِ الصِّدْقِ تَأْكِيدًا فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ وَحَالِهِ فِي الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ وَفِيهِ عِدَّةُ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْحِكْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ السَّعِيدَ قَدْ يَشْقَى وَأَنَّ الشَّقِيَّ قَدْ يَسْعَدُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ.

.
وَأَمَّا مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَغَيَّرُ وَفِيهِ ان الِاعْتِبَار بالخاتمة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الَّتِي قَطَعَتْ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْحَالِ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ بِمَاذَا يُخْتَمُ لَهُمْ وَفِيهِ أَنَّ عُمُومَ مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ اجرهم الْآيَةَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ السَّعَادَةَ وَخُتِمَ لَهُ بِالشَّقَاءِ فَهُوَ فِي طُولِ عُمُرِهِ عِنْدَ اللَّهِ شَقِيٌّ وَبِالْعَكْسِ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُهُ يَؤُولُ إِلَى أَنْ يَؤُولَ إِلَى هَذَا وَقَدِ اشْتُهِرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَتَمَسَّكَ الْأَشَاعِرَةُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَأَكْثَرَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الِاحْتِجَاجَ لِقَوْلِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ وَأَنَّ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ وَأَنَّ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ مَا يَبْدُو لِلنَّاسِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا فِي عِلْمِ الْحَفَظَةِ وَالْمُوَكَّلِينَ بِالْآدَمِيِّ فَيَقَعُ فِيهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ كَالزِّيَادَةِ فِي الْعُمُرِ وَالنَّقْصِ.

.
وَأَمَّا مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إِثْبَاتَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى صِدْقِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ الشَّخْصِ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ نَقَلَهُ إِلَى الْعَلَقَةِ ثُمَّ إِلَى الْمُضْغَةِ ثُمَّ يَنْفُخُ الرُّوحَ فِيهِ قَادِرٌ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ تُرَابًا وَيَجْمَعُ أَجْزَاءَهُ بَعْدَ أَنْ يُفَرِّقَهَا وَلَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَكِنِ اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ بِنَقْلِهِ فِي الْأَطْوَارِ رِفْقًا بِالْأُمِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً فَكَانَتِ الْمَشَقَّةُ تَعْظُمُ عَلَيْهَا فَهَيَّأَهُ فِي بَطْنِهَا بِالتَّدْرِيجِ إِلَى أَنْ تَكَامَلَ وَمَنْ تَأَمَّلَ أَصْلَ خَلْقِهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَتَنَقُّلَهُ فِيتِلْكَ الْأَطْوَارِ إِلَى أَنْ صَارَ إِنْسَانًا جَمِيلَ الصُّورَةِ مُفَضَّلًا بِالْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَالنُّطْقِ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ أَنْشَأَهُ وَهَيَّأَهُ وَيَعْبُدَهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ وَيُطِيعَهُ وَلَا يَعْصِيَهُ وَفِيهِ أَنَّ فِي تَقْدِيرِ الْأَعْمَالِ مَا هُوَ سَابِقٌ وَلَاحِقٌ فَالسَّابِقُ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّاحِقُ مَا يُقَدَّرُ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ النَّسْخَ.

.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كِتَابَةِ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السِّقْطَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْقَدِيمِ لِلشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَنْ أَحْمَدَ إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَفِي تِلْكَ الْعَشْرِ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرُّوحِ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَقَدْ قَالُوا فَإِذَا بَكَى أَوِ اخْتَلَجَ أَوْ تَنَفَّسَ ثُمَّ بَطَلَ ذَلِكَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا أخرجه النَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ إِذَا اسْتُهِلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَ الْحُفَّاظِ وَقْفُهُ وَعَلَى طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ لَا أَثَرَ لِلتَّعْلِيلِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلرَّفْعِ لِزِيَادَتِهِ قَالُوا وَإِذَا بَلَغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَدُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُشْرَعُ لَهُ غُسْلٌ وَلَا غَيْرُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ فَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقَ الْوَلَدِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا وَهِيَ ابْتِدَاءُ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا فِي آخِرِهَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوَضْعِ إِلَّا بِبُلُوغِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ وَلَا يَثْبُتُ لِلْأَمَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَتَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَأَدَارُوا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ سِقْطٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِالتَّخْطِيطِ وَلَوْ كَانَ خَفِيًّا وَفِي ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحُجَّتُهُمْ مَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا لَمْ يُقَدَّرْ تَخْلِيقُهَا لَا تَصِيرُ عَلَقَةً وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهَا تَتَخَلَّقُ تَصِيرُ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً إِلَخْ فَمَتَى وُضِعَتْ عَلَقَةً عُرِفَ أَنَّ النُّطْفَةَ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا نُطْفَةً وَاسْتَحَالَتْ إِلَى أَوَّلِ أَحْوَالِ الْوَلَدِ وَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ قَدْ يَقَعُ بِلَا عَمَلٍ وَلَا عُمُرٍ وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَسَيَأْتِي الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَفِيهِ الْحَثُّ الْقَوِيُّ عَلَى الْقَنَاعَةِ وَالزَّجْرُ الشَّدِيدُ عَنِ الْحِرْصِ لِأَنَّ الرِّزْقَ إِذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ تَقْدِيرُهُ لَمْ يُغْنِ التَّعَنِّي فِي طَلَبِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاكْتِسَابُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا الْحِكْمَةُ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ سَبَبُ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثَ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمُ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِهِ فِي بَابُ الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ كُتِبَ شَقِيًّا لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فِي الدُّنْيَا وَكَذَا عَكْسُهُ وَاحْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ الْحَدِيثَ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَصْلًا وَرَأْسًا فَمَرْدُودٌ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْعَلَامَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلظَّنِّ الْغَالِبِ فَنَعَمْ وَيَقْوَى ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنِ اشْتُهِرَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَاضِي فِي الْجَنَائِزِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعْلَمُ قَطْعًا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَأَطْلَعَ مَنْ شَاءَ مِمَّنِ ارْتَضَى مِنْ رُسُلِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ جَمْعٌ جَمٌّ مِنَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ.

.
وَأَمَّا مَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِ الْعَاقِبَةِ إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ لَا يَقَعُ لِمَنِ اسْتَقَامَ بَاطِنُهُ وَصَلُحَ ظَاهِرُهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ لِمَنْ فِي طَوِيَّتِهِ فَسَادٌ أَوِ ارْتِيَابٌ وَيكثر وُقُوعه للمصر على الْكَبَائِر والمجزىء عَلَى الْعَظَائِمِ فَيَهْجُمُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَغْتَةً فَيَصْطَلِمُهُالشَّيْطَانُ عِنْدَ تِلْكَ الصَّدْمَةِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ وَفِيهِ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوجِبُهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْجِمَاعَ عِلَّةً لِلْوَلَدِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ قَدْ يَحْصُلُ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ حَتَّى يَشَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيفَ يَحْتَاجُ إِلَى طُولِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ اللَّطِيفِ وَلِذَلِكَ طَالَتِ الْمُدَّةُ فِي أَطْوَارِ الْجَنِينِ حَتَّى حَصَلَ تَخْلِيقُهُ بِخِلَافِ نَفْخِ الرُّوحِ وَلِذَلِكَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَوَّلًا عَمَدَ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهَا وَتَرَكَ الْأَرْضَ لِكَثَافَتِهَا بِغَيْرِ فَتْقٍ ثُمَّ فُتِقَتَا مَعًا وَلَمَّا خَلَقَ آدَمَ فَصَوَّرَهُ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ تَرَكَهُ مُدَّةً ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ وَاسْتَدَلَّ الدَّاوُدِيُّ بِقَوْلِهِ فَتَدْخُلُ النَّارَ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ خَاصٌّ بِالْكُفَّارِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُحْبِطُهُ إِلَّا الْكُفْرُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِلْإِحْبَاطِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْلَى فَيَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى يُخْتَمَ لَهُ بِعَمَلِ الْكَافِرِ مَثَلًا فَيَرْتَدُّ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِك فنستعيذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَنَاوَلُ الْمُطِيعَ حَتَّى يُخْتَمَ لَهُ بِعَمَلِ الْعَاصِي فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ دُخُولِ النَّارِ أَنَّهُ يُخَلَّدُ فِيهَا أَبَدًا بَلْ مُجَرَّدُ الدُّخُولِ صَادِقٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَاسْتُدِلَّ لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةَ الْأَصْلَحِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَذْهَبُ جَمِيعُ عُمُرِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ فَيَدْخُلُ النَّارَ فَلَوْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةَ الْأَصْلَحِ لَمْ يَحْبَطْ جَمِيعُ عَمَلِهِ الصَّالِحِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَلَا سِيَّمَا إِنْ طَالَ عُمُرُهُ وَقَرُبَ مَوْتُهُ مِنْ كُفْرِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَهَا لِتَرَتُّبِ دُخُولِهَا فِي الْخَبَرِ عَلَى الْعَمَلِ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّيْءِ يُشْعِرُ بِعِلِّيَّتِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لَا عِلَّةٌ وَالْعَلَامَةُ قَدْ تَتَخَلَّفُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِلَّةٌ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ.

.
وَأَمَّا الْعُصَاةُ فَخَرَجُوا بِدَلِيلِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك لمن يَشَاء فَمَنْ لَمْ يُشْرِكْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَاسْتدلَّ بِهِ الْأَشْعَرِيّ فِي تجويزه تَكْلِيف مَالا يُطَاقُ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهَا إِلَّا فِي الْإِيمَانِ خَاصَّةً وَمَا عَدَاهُ لَا تُوجَدُ دَلَالَةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى وُقُوعِهِ.

.
وَأَمَّا مُطْلَقُ الْجَوَازِ فَحَاصِلٌ وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا يَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ لِتَصْرِيحِ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِكِتَابَةِ أَحْوَالِ الشَّخْصِ مُفَصَّلَةً وَفِيهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقُهَا وَمُقَدِّرُهَا لَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا وَفِيهِ أَنَّ جَمِيعَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَبْرِيَّةُ فَذَهَبَتِ الْقَدَرِيَّةُ إِلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَنَسَبَ إِلَى اللَّهِ الْخَيْرَ وَنَفَى عَنْهُ خَلْقَ الشَّرِّ وَقِيلَ إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدِ اشْتُهِرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا رَأْيُ الْمَجُوسِ وَذَهَبَتِ الْجَبْرِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكُلَّ فِعْلُ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ فِيهِ تَأْثِيرٌ أَصْلًا وَتَوَسَّطَ أَهْلُ السُّنَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَصْلُ الْفِعْلِ خَلَقَهُ اللَّهُ وَلِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْمَقْدُورِ وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا لَكِنَّهُ يُسَمَّى كَسْبًا وَبَسْطُ أَدِلَّتِهِمْ يَطُولُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْتُ أَوْصِنِي فَقَالَ إِنَّكَ لَنْ تَطْعَمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَلَنْ تَبْلُغَ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَهُوَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَخْطَاكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَإِنْ مُتَّ وَلَسْتَ عَلَى ذَلِكَ دَخَلْتَ النَّارَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَبْلُغُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ وَسَيَأْتِي الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّالْأَقْدَارَ غَالِبَةٌ وَالْعَاقِبَةُ غَائِبَةٌ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ الدُّعَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ وَبِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ سُؤَالُ الصَّحَابَةِ عَنْ فَائِدَةِ الْعَمَلِ مَعَ تَقَدُّمِ التَّقْدِيرِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَظَاهره قد يُعَارض حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَمْلُ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ وَحَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ جَائِزا تعين طلب الثَّبَات وَحكى بن التِّينِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْكَرَهُ.

     وَقَالَ  كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عُمُرَهُ الطَّاعَةَ ثُمَّ لَا يدْخل الْجنَّة انْتهى وَتوقف شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ عَنْهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّ رَاوِيَهُ حَذَفَ مِنْهُ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا أَوْ أَكْمَلَ الرَّاوِي لَكِنِ اسْتَبْعَدَ عُمَرُ وُقُوعَهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا وَيَكُونُ إِيرَادُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيث أنس

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( كِتَابُ الْقَدَرِ)
زَادَ أَبُو ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي بَابٌ فِي الْقَدَرِ وَكَذَا لِلْأَكْثَرِ دُونَ قَوْلِهِ كِتَابُ الْقَدَرِ وَالْقَدَرُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى انا كل شَيْء خلقناه بِقدر قَالَ الرَّاغِبُ الْقَدَرُ بِوَضْعِهِ يَدُلُّ عَلَى الْقُدْرَةِ وَعَلَى الْمَقْدُورِ الْكَائِنِ بِالْعِلْمِ وَيَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ عَقْلًا وَالْقَوْلَ نَقْلًا وَحَاصِلُهُ وُجُودُ شَيْءٍ فِي وَقْتٍ وَعَلَى حَالٍ بِوَفْقِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقَوْلِ وَقَدَّرَ اللَّهُ الشَّيْءَ بِالتَّشْدِيدِ قَضَاهُ وَيَجُوزُ بِالتَّخْفِيفِ.

     وَقَالَ  بن الْقَطَّاعِ قَدَّرَ اللَّهُ الشَّيْءَ جَعَلَهُ بِقَدَرٍ وَالرِّزْقَ صَنَعَهُ وَعَلَى الشَّيْءِ مَلَكَهُ وَمَضَى فِي بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مَا قَالَ بن بَطَّالٍ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ الْمُرَادُ بِالْقَدَرِ حُكْمُ اللَّهِ وَقَالُوا أَيِ الْعُلَمَاءُ الْقَضَاءُ هُوَ الْحُكْمُ الْكُلِّيُّ الْإِجْمَالِيُّ فِي الْأَزَلِ وَالْقَدَرُ جُزْئِيَّاتُ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَتَفَاصِيلُهُ.

     وَقَالَ  أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ سَبِيلُ مَعْرِفَةِ هَذَا الْبَابِ التَّوْقِيفُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دُونَ مَحْضِ الْقِيَاسِ وَالْعَقْلِ فَمَنْ عَدَلَ عَنِ التَّوْقِيفِ فِيهِ ضَلَّ وَتَاهَ فِي بِحَارِ الْحِيرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ شِفَاءَ الْعَيْنِ وَلَا مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى اخْتُصَّ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ بِهِ وَضَرَبَ دُونَهُ الْأَسْتَارَ وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُولِ الْخَلْقِ وَمَعَارِفِهِمْ لِمَا عَلِمَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ فَلَمْ يَعْلَمْهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَقِيلَ إِنَّ سِرَّ الْقَدَرِ يَنْكَشِفُ لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَلَا يَنْكَشِفُ لَهُمْ قَبْلَ دُخُولِهَا انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حسن من حَدِيث بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ إِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا وَأَخْرَجَ مُسلم من طَرِيق طَاوُوس أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزَ وَالْكَيْسَ.

.

قُلْتُ وَالْكَيْسُ بِفَتْحِ الْكَافِ ضِدَّ الْعَجْزِ وَمَعْنَاهُ الْحِذْقُ فِي الْأُمُورِ وَيَتَنَاوَلُ أُمُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا وَقَدْ سَبَقَ بِهِ عِلْمُ اللَّهِ وَمَشِيئَتُهُ وَإِنَّمَا جَعَلَهُمَا فِي الْحَدِيثِ غَايَةً لِذَلِكَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ أَفْعَالَنَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً لَنَا وَمُرَادَةً مِنَّا فَلَا تَقَعُ مَعَ ذَلِكَ مِنَّا إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ طَاوُسٌ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقدر فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَصٌّ فِي أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُقَدِّرُهُ وَهُوَ أَنَصٌّ مِنْ قَوْله تَعَالَى خَالق كل شَيْء وَقَوله تَعَالَى وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ وَاشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّةِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَدَرِ فَنَزَلَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُؤَالِ جِبْرِيلَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ وَذَكَرَ هُنَاكَ بَيَانَ مَقَالَةِ الْقَدَرِيَّةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَمَذْهَبُ السَّلَفِ قَاطِبَةً أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ الا بِقدر مَعْلُوم وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ

[ قــ :6249 ... غــ :6594] .

     قَوْلُهُ  أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَنْبَأَنِي سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّحْدِيثَ وَالْإِنْبَاءَ عِنْدَ شُعْبَةَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيَظْهَرُ بِهِ غَلَطُ مَنْ نَقَلَ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ الْإِنْبَاءَ فِي الْإِجَازَةِ لِكَوْنِهِ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ وَلِثُبُوتِ النَّقْلِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْإِجَازَةَ وَلَا يَرْوِي بِهَا .

     قَوْلُهُ  عَنْ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ الطِّيبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اعْتِرَاضِيَّةً وَهُوَ أَوْلَى لِتَعُمَّ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِهِ وَعَادَتِهِ وَالصَّادِقُ مَعْنَاهُ الْمُخْبِرُ بِالْقَوْلِ الْحَقِّ وَيُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ يُقَالُ صَدَقَ الْقِتَالُ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ وَالْمَصْدُوقُ مَعْنَاهُ الَّذِي يُصْدَقُ لَهُ فِي الْقَوْلِ يُقَالُ صَدَقْتُهُ الْحَدِيثَ إِذَا أَخْبَرْتُهُ بِهِ إِخْبَارًا جَازِمًا أَوْ مَعْنَاهُ الَّذِي صَدَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعْدَهُ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ لَمَّا كَانَ مَضْمُونُ الْخَبَرِ أَمْرًا مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى بُطْلَانِ مَا ادَّعَوْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَلَذُّذًا بِهِ وَتَبَرُّكًا وَافْتِخَارًا وَيُؤَيِّدُهُ وُقُوعُ هَذَا اللَّفْظِ بِعَيْنِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بُطْلَانِ شَيْءٍ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ وَمَضَى فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ اشْتُهِرَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الْأَعْمَشَ تَفَرَّدَ بِهِ حَتَّى وَجَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ.

.

قُلْتُ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَرَوَاهُ حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَيْضًا وَقَعَ لَنَا فِي الْحِلْيَةِ وَلَمْ ينْفَرد بِهِ زيد عَن بن مَسْعُودٍ بَلْ رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَلْقَمَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَأَبُو وَائِلٍ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ وَمُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ كِلَاهُمَا عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ طَارِقٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُخْتَصَرًا وَكَذَا لِأَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَنَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ فِي فَوَائِدِ الْعِيسَوِيِّ وَخَيْثَمَةَ بْنِ عبد الرَّحْمَن عِنْد الْخطابِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ بن مَسْعُودٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مِنْهُمْ أَنَسٌ وَقَدْ ذُكِرَ عَقِبَ هَذَا وَحُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي الْقدر لِابْنِ وَهْبٍ وَفِي أَفْرَادِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ وَالْفِرْيَابِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعَائِشَةُ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَأَبُو ذَرٍّ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ وَالطَّبَرَانِيّ ورباح اللَّخْمِيّ عِنْد بن مرْدَوَيْه فِي التَّفْسِير وبن عَبَّاسٍ فِي فَوَائِدِ الْمُخْلِصِ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَعَلِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَالْعُرْسُ بْنُ عَمِيرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَأَكْثَمُ بْنُ أَبِي الْجَوْنِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وبن مَنْدَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَجَابِرٌ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ وَقَدْ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ فَقَطْ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ مِنْهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَجَرِيرُ بن حَازِم وخَالِد الحداء وَمن طبقَة شُعْبَةُ الثَّوْرِيُّ وَزَائِدَةُ وَعَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَمِمَّا لَمْ يَقَعْ لِأَبِي عَوَانَةَ رِوَايَةُ شَرِيكٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَرِوَايَةُ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ وَيَزِيدَ بْنِ عَطَاءٍ وَدَاوُدَ بْنِ عِيسَى أَخْرَجَهَا تَمَّامٌ وَكُنْتُ خَرَّجْتُهُ فِي جُزْءٍ مِنْ طُرُقٍ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ نَفْسًا عَنِ الْأَعْمَشِ فَغَابَ عَنِّي الْآنَ وَلَوْ أَمْعَنْتُ التَّتَبُّعَ لَزَادُوا عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أَحَدَكُمْ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ الْمُسْنَدِ لَا يَجُوزُ فِي أَنَّ إِلَّا الْفَتْحُ لِأَنَّهُ مَفْعُولُ حَدَّثَنَا فَلَوْ كُسِرَ لَكَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ بِالْكَسْرِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَجَوَّزَ الْفَتْحَ وَحُجَّةُ أَبِي الْبَقَاءِ أَنَّ الْكَسْرَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَّا لِمَانِعٍ وَلَوْ جَازَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّقْلُ لَجَازَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا متم وَقَدِ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنَّهَا بِالْفَتْحِ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْخُوبِيُّ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ بِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ فَلَا معنى للرَّدّ قلت وَقد جزم بن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ بِالْكَسْرِ فَقَطْ قَالَ الخوبي وَلَو لم تَجِيء بِهِ الرِّوَايَةُ لَمَا امْتَنَعَ جَوَازًا عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَأَجَابَ عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْوَعْدَ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ بِخُصُوصِ لَفْظِهَا فَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى الْفَتْحِ فَأَمَّا هُنَا فَالتَّحْدِيثُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِهِ وَبِمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ شَيْخَيْهِ وَلَهُ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَهِيَ رِوَايَةُ آدَمَ فِي التَّوْحِيدِ وَكَذَا لِلْأَكْثَرِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بطن أمه وَكَذَا لأبي مُعَاوِيَة ووكيع وبن نمير وَفِي رِوَايَة بن فُضَيْل وَمُحَمّد بن عبيد عِنْد بن مَاجَهْ إِنَّهُ يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَفِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ مِثْلُ آدَمَ لَكِنْ قَالَ بن آدَمَ بَدَلَ أَحَدِكُمْ وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ ضَمُّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ بَعْدَ الِانْتِشَارِ وَفِي قَوْلِهِ خَلْقُ تَعْبِيرٌ بِالْمَصْدَرِ عَنِ الْجُثَّةِ وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ هَذَا دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ أَيْ مَضْرُوبُهُ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ خَلْقُ أَحَدِكُمْ أَوْ أُطْلِقَ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِ وَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ جَعَلَهَا نَفْسَ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنِيَّ يَقَعُ فِي الرَّحِمِ حِينَ انْزِعَاجِهِ بِالْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ الدَّافِعَةِ مَبْثُوثًا مُتَفَرِّقًا فَيَجْمَعُهُ اللَّهُ فِي مَحَلِّ الْوِلَادَةِ مِنَ الرَّحِمِ .

     قَوْلُهُ  أَرْبَعِينَ يَوْمًا زَادَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَكَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَوَكِيعٍ وَجَرِيرٍ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِغَيْرِ شَكٍّ وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً بِغَيْرِ شَكٍّ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَوْمٌ بِلَيْلَتِهِ أَوْ لَيْلَةٌ بِيَوْمِهَا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ آدَمَ لَكِنْ زَادَ نُطْفَةً بَيْنَ قَوْلِهِ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْبَعِينَ فَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي يُجْمَعُ هُوَ النُّطْفَةُ وَالْمُرَادُ بِالنُّطْفَةِ الْمَنِيُّ وَأَصْلُهُ الْمَاءُ الصَّافِي الْقَلِيلُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ إِذَا لَاقَى مَاءَ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ وَأَرَادَ اللَّهُ ان يَخْلُقَ مِنْ ذَلِكَ جَنِينًا هَيَّأَ أَسْبَابَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ قُوَّتَيْنِ قُوَّةَ انْبِسَاطٍ عِنْدَ وُرُودِ مَنِيِّ الرَّجُلِ حَتَّى يَنْتَشِرَ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ وَقُوَّةَ انْقِبَاضٍ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ مِنْ فَرْجِهَا مَعَ كَوْنِهِ مَنْكُوسًا وَمَعَ كَوْنِ الْمَنِيِّ ثَقِيلًا بِطَبْعِهِ وَفِي مَنِيِّ الرَّجُلِ قُوَّةُ الْفِعْلِ وَفِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ قُوَّةُ الِانْفِعَالِ فَعِنْدَ الِامْتِزَاجِ يَصِيرُ مَنِيُّ الرَّجُلِ كَالْإِنْفَحَةِ لِلَّبَنِ وَقِيلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةُ فِعْلٍ وَانْفِعَالٍ لَكِنَّ الْأَوَّلَ فِي الرَّجُلِ أَكْثَرُ وَبِالْعَكْسِ فِي الْمَرْأَةِ وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ مَنِيَّ الرَّجُلِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْوَلَدِ إِلَّا فِي عَقْدِهِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَكَوَّنُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تُبْطِلُ ذَلِكَ وَمَا ذُكِرَ أَوَّلًا أَقْرَبُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَمْعِ مكث النُّطْفَة فِي الرَّحِم أَي تمكس النُّطْفَةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تُخَمَّرُ فِيهِ حَتَّى تَتَهَيَّأَ لِلتَّصْوِيرِ ثُمَّ تُخْلَقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ بن مَسْعُودٍ فَسَّرَهُ بِأَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفُرٍ وَشَعْرٍ ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا.

.

قُلْتُ هَذَا التَّفْسِير ذكره الْخطابِيّ وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَيْضًا عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَقَولُهُ فَذَلِكَ جَمْعُهَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ أَوْ تَفْسِيرُ بَعْضِ رُوَاةِ حَدِيثِ الْبَابِ وَأَظُنُّهُ الْأَعْمَشَ فَظن بن الْأَثِير انه تَتِمَّة كَلَام بن مَسْعُود فأدرجه فِيهِ وَلم يتَقَدَّم عَن بن مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةِ خَيْثَمَةَ ذِكْرُ الْجَمْعِ حَتَّى يُفَسِّرَهُ وَقَدْ رَجَّحَ الطِّيبِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ فَقَالَ الصَّحَابِيُّ أَعْلَمُ بِتَفْسِيرِ مَا سَمِعَ وَأَحَقُّ بِتَأْوِيلِهِ وَأَوْلَى بِقَبُولِ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ وَأَكْثَرُ احْتِيَاطًا فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُ أَنْ يَتَعَقَّبَ كَلَامَهُ.

.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَفَعَهُ مَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ وَلَفْظُهُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ عَبْدٍ فَجَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عِرْقٍ وَعُضْوٍ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْضَرَهُ كُلُّ عِرْقٍ لَهُ دُونَ آدَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَهُ وَفِي لَفْظِ ثُمَّ تَلَا فِي أَي صُورَة مَا شَاءَ ركبك وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ يَوْمِ السَّابِعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي هَذَا زِيَادَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّبَهَ يَحْصُلُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَأَنَّ فِيهِ ابْتِدَاءَ جَمْعِ الْمَنِيِّ وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى أَنَّ ابْتِدَاءَ جَمْعِهِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ربيعَة عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النُّطْفَةَ الَّتِي تُقْضَى مِنْهَا النَّفْسُ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَحَادَرَتْ دَمًا فَكَانَتْ عَلَقَةً وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً أَذِنَ اللَّهُ فِي خَلْقِهَا وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ أَنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ وَعِنْدَهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنِ أبي الزبير عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي نُسْخَة اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا قَالَ مِثْلَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَفِي رِوَايَةِ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا يَأْذَنُ لَهُ لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل يدْخل الْملك على النُّطْفَة بعد مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَهَكَذَا رَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عِنْدَ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنِ عَمْرٍو فَقَالَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَجَزَمَ بِذَلِكَ فحاصل الِاخْتِلَاف ان حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذِكْرِ الْأَرْبَعِينَ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَغَالِبُهَا كَحَدِيثِ أَنَسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ لَا تَحْدِيدَ فِيهِ وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ نَقَلَتِهِ فَبَعْضُهُمْ جزم بالاربعين كَمَا فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَبَعْضُهُمْ زَادَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ بِضْعًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَدَّدَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْقَاضِي عِيَاض بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَة بن مَسْعُودٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ بَلْ أَطْلَقَ الْأَرْبَعِينَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْعَدَدِ الزَّائِدِ عَلَى أَنَّهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَجِنَّةِ وَهُوَ جَيِّدٌ لَوْ كَانَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ مُخْتَلِفَةً لَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ وَرَاجِعَةٌ إِلَى أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطِ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي إِحْضَارِ الشَّبَهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَأَنَّ فِيهِ يَبْتَدِئ الْجمع بعد الانتشار وَقد قَالَ بن مَنْدَهْ إِنَّهُ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَاخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ بِكَوْنِهِ فِي الْبَطْنِ وَبِكَوْنِهِ فِي الرَّحِمِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي الرَّحِمِ حَقِيقَةً وَالرَّحِمُ فِي الْبَطْنِ وَقَدْ فَسَّرُوا قَوْله تَعَالَى فِي ظلمات ثَلَاث بِأَنَّ الْمُرَادَ ظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ وَظُلْمَةُ الْبَطْنِ فَالْمَشِيمَةُ فِي الرَّحِمِ وَالرَّحِمُ فِي الْبَطْنِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ تَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مثل ذَلِك وَتَكون هُنَا بِمَعْنَى تَصِيرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مُدَّةَ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ تَنْقَلِبُ إِلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَصَيُّرَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُخَالِطُ الدَّمُ النُّطْفَةَ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى بَعْدَ انْعِقَادِهَا وَامْتِدَادِهَا وَتَجْرِي فِي أَجْزَائِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى تَتَكَامَلَ عَلَقَةً فِي أَثْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ يُخَالِطُهَا اللَّحْمُ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَشْتَدَّ فَتَصِيرَ مُضْغَةً وَلَا تُسَمَّى عَلَقَةً قَبْلَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ نُطْفَةً وَكَذَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زَمَانِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ.

.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَفَعَهُ إِنَّ النُّطْفَةَ تَكُونُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى حَالِهَا لَا تَتَغَيَّرُ فَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حُمِلَ نَفْيُ التَّغَيُّرِ عَلَى تَمَامِهِ أَيْ لَا تَنْتَقِلُ إِلَى وَصْفِ الْعَلَقَةِ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَنْفِي أَنَّ الْمَنِيَّ يَسْتَحِيلُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى دَمًا إِلَى أَنْ يَصِيرَ عَلَقَةً انْتَهَى وَقَدْ نَقَلَ الْفَاضِلُ عَلِيُّ بْنُ الْمُهَذَّبِ الْحَمَوِيُّ الطَّبِيبُ اتِّفَاقَ الْأَطِبَّاءِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ يَكُونُ فِي نَحْوِ الْأَرْبَعِينَ وَفِيهَا تَتَمَيَّزُ أَعْضَاءُ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى لِحَرَارَةِ مِزَاجِهِ وَقُوَاهُ وَأَعْبَدُ إِلَى قِوَامِ الْمَنِيِّ الَّذِي تَتَكَوَّنُ أَعْضَاؤُهُ مِنْهُ وَنُضْجُهُ فَيَكُونُ أَقْبَلَ لِلشَّكْلِ وَالتَّصْوِيرِ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ وَالْعَلَقَةُ قِطْعَةُ دَمٍ جَامِدٍ قَالُوا وَتَكُونُ حَرَكَةُ الْجَنِينِ فِي ضِعْفِ الْمُدَّةِ الَّتِي يُخْلَقُ فِيهَا ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ لَحْمَةً صَغِيرَةً وَهِيَ الْأَرْبَعُونَ الثَّالِثَةُ فَتَتَحَرَّكُ قَالَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ شمس الدّين بن الْقيم ان دَاخل الرَّحِم خشن كالسفنج وَجُعِلَ فِيهِ قَبُولًا لِلْمَنِيِّ كَطَلَبِ الْأَرْضِ الْعَطْشَى لِلْمَاءِ فَجَعَلَهُ طَالِبًا مُشْتَاقًا إِلَيْهِ بِالطَّبْعِ فَلِذَلِكَ يُمْسِكُهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَلَا يَزْلِقُهُ بَلْ يَنْضَمُّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُفْسِدَهُ الْهَوَاءُ فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِمَلَكِ الرَّحِمِ فِي عَقْدِهِ وَطَبْخِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِي تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ يُجْمَعُ خَلْقُهُ قَالُوا إِنَّ الْمَنِيَّ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الرَّحِمُ وَلَمْ يَقْذِفْهُ اسْتَدَارَ عَلَى نَفْسِهِ وَاشْتَدَّ إِلَى تَمَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَيَنْقُطُ فِيهِ ثَلَاثَ نُقَطٍ فِي مَوَاضِعِ الْقَلْبِ وَالدِّمَاغِ وَالْكَبِدِ ثُمَّ يَظْهَرُ فِيمَا بَيْنَ تِلْكَ النُّقَطِ خُطُوطٌ خَمْسَةٌ إِلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَنْفُذُ الدَّمَوِيَّةُ فِيهِ إِلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَتَمَيَّزُ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ تَمْتَدُّ رُطُوبَةُ النُّخَاعِ إِلَى تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يَنْفَصِلُ الرَّأْسُ عَنِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْأَطْرَافُ عَنِ الضُّلُوعِ وَالْبَطْنُ عَنِ الْجَنِينِ فِي تِسْعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَتِمُّ هَذَا التَّمْيِيزُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلْحِسِّ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَيُكْمِلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِيهِ تَفْصِيلُ مَا أُجْمِلَ فِيهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَلَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ قِطْعَةَ دَمٍ لَكِنَّهَا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ تَنْتَقِلُ عَنْ صُورَةِ الْمَنِيِّ وَيَظْهَرُ التَّخْطِيطُ فِيهَا ظُهُورًا خَفِيًّا عَلَى التَّدْرِيجِ ثُمَّ يَتَصَلَّبُ فِي الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِتَزَايُدِ ذَلِكَ التَّخْلِيقِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَصِيرَ مُضْغَةً مُخَلَّقَةً وَيَظْهَرُ لِلْحِسِّ ظُهُورًا لَا خَفَاءَ بِهِ وَعِنْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَالطَّعْنِ فِي الْأَرْبَعِينَ الرَّابِعَةِ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا بِالْوَحْيِ حَتَّى قَالَ كَثِيرٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْأَطِبَّاءِ وَحُذَّاقِ الْفَلَاسِفَةِ إِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّوَهُّمِ وَالظَّنِّ الْبَعِيدِ وَاخْتَلَفُوا فِي النُّقْطَةِ الْأُولَى أَيُّهَا أَسْبَقُ وَالْأَكْثَرُ نَقْطُ الْقَلْبِ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ السُّرَّةُ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مِنَ الْغِذَاءِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى آلَاتِ قُوَاهُ فَإِنَّ مِنَ السُّرَّةِ يَنْبَعِثُ الْغِذَاءُ وَالْحُجُبُ الَّتِي عَلَى الْجَنِينِ فِي السُّرَّةِ كَأَنَّهَا مَرْبُوطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَالسُّرَّةُ فِي وَسَطِهَا وَمِنْهَا يَتَنَفَّسُ الْجَنِينُ وَيَتَرَبَّى وَيَنْجَذِبُ غِذَاؤُهُ مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ فِي الْعَلَقَةِ وَالْمُرَادُ مِثْلُ مُدَّةِ الزَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الِاسْتِحَالَةِ وَالْعَلَقَةُ الدَّمُ الْجَامِدُ الْغَلِيظُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلرُّطُوبَةِ الَّتِي فِيهِ وَتَعَلُّقِهِ بِمَا مَرَّ بِهِ وَالْمُضْغَةُ قِطْعَةُ اللَّحْمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْرُ مَا يَمْضُغُ الْمَاضِغُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكٌ وَفِي رِوَايَةِ آدَمَ كَالْكُشْمِيهَنِيِّ لَكِنْ قَالَ الْمَلَكُ وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ بِهِ عَهْدٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ جِنْسُ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْأَرْحَامِ كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ وَمِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ ثُمَّ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ الَّذِي يُخَلِّقُهَا وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ الْفِرْيَابِيِّ أَتَى مَلَكُ الْأَرْحَامِ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ بِلَفْظِ بَعَثَ الله ملكا وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ النُّطْفَةَ قَالَ مَلَكُ الْأَرْحَامِ وَفِي ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَكِ مَنْ جُعِلَ إِلَيْهِ أَمْرُ تِلْكَ الرَّحِمِ فَكَيْفَ يُبْعَثُ أَوْ يُرْسَلُ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الَّذِي يُبْعَثُ بِالْكَلِمَاتِ غَيْرُ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِالرَّحِمِ الَّذِي يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ إِلَخْ ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ.

.

قُلْتُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ إِذَا اسْتَقَرَّتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ أَخَذَهَا الْمَلَكُ بِكَفِّهِ فَقَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَيُقَالُ انْطَلِقْ إِلَى أُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّكَ تَجِدُ قِصَّةَ هَذِهِ النُّطْفَةِ فَيَنْطَلِقُ فَيَجِدُ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ الْإِرْسَالُ الْمَذْكُورُ بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَا يَتَشَكَّلُ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَنِينِ فَقِيلَ قَلْبُهُ لِأَنَّهُ الْأَسَاسُ وَهُوَ مَعْدِنُ الْحَرَكَةِ الْغَرِيزِيَّةِ وَقِيلَ الدِّمَاغُ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَمِنْهُ يَنْبَعِثُ وَقِيلَ الْكَبِدُ لِأَنَّ فِيهِ النُّمُوَّ وَالِاغْتِذَاءَ الَّذِي هُوَ قِوَامُ الْبَدَنِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مُقْتَضَى النِّظَامِ الطَّبِيعِيِّ لِأَنَّ النُّمُوَّ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَوَّلًا وَلَا حَاجَةَ لَهُ حِينَئِذٍ إِلَى حِسٍّ وَلَا حَرَكَةٍ إِرَادِيَّةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ النَّبَاتِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ قُوَّةُ الْحِسِّ وَالْإِرَادَةِ عِنْدَ تَعَلُّقِ النَّفْسِ بِهِ فَيُقَدَّمُ الْكَبِدُ ثُمَّ الْقَلْبُ ثُمَّ الدِّمَاغُ .

     قَوْلُهُ  فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِأَرْبَعٍ وَالْمَعْدُودُ إِذَا أُبْهِمَ جَازَ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِكَتْبِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِ الْجَنِينِ وَفِي رِوَايَةِ آدَمَ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَكَذَا لِلْأَكْثَرِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ الْقَضَايَا الْمُقَدَّرَةُ وَكُلُّ قَضِيَّةٍ تُسَمَّى كَلِمَةً .

     قَوْلُهُ  بِرِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَنَقَصَ مِنْهَا ذِكْرُ الْعَمَلِ وَبِهِ تَتِمُّ الْأَرْبَعُ وَثَبَتَ .

     قَوْلُهُ  وَعَمَلُهُ فِي رِوَايَةِ آدَمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ فَذَكَرَ الْأَرْبَعَ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَالْأَكْثَرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَع كَلِمَات بكتب رِزْقُهُ إِلَخْ وَضُبِطَ بِكَتْبِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَكَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُثَنَّاةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ عَلَى الْبَدَلِ وَالْآخَرُ بِتَحْتَانِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَقَولُهُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَتَكَلَّفَ الْخَوْبِيُّ فِي قَوْلِهِ إِنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ مِنْهَا ثَلَاثًا وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْتُبُ لِكُلِّ أَحَدٍ إِمَّا السَّعَادَةَ وَإِمَّا الشَّقَاءَ وَلَا يَكْتُبُهُمَا لِوَاحِدٍ مَعًا وَإِنْ أَمْكَنَ وُجُودُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا اجْتَمَعَا لِلْأَغْلَبِ وَإِذَا تَرَتَّبَا فَلِلْخَاتِمَةِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى أَرْبَعٍ وَإِلَّا لَقَالَ خَمْسٌ وَالْمُرَادُ مِنْ كِتَابَةِ الرِّزْقِ تَقْدِيرُهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَصِفَتُهُ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا وَبِالْأَجَلِ هَلْ هُوَ طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ وَبِالْعَمَلِ هُوَ صَالِحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَوَقَعَ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ ثُمَّ يَكْتُبُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ أَنَّ الْمَلَكَ يَكْتُبُ إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ كَأَنْ يَكْتُبَ مَثَلًا أَجَلَ هَذَا الْجَنِينِ كَذَا وَرِزْقَهُ كَذَا وَعَمَلَهُ كَذَا وَهُوَ شَقِيٌّ بِاعْتِبَارِ مَا يُخْتَمُ لَهُ وَسَعِيدٌ بِاعْتِبَارِ مَا يُخْتَمُ لَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ وَكَانَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ وَيَكْتُبُ شَقَاوَتَهُ وَسَعَادَتَهُ لَكِنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ إِلَيْهِمَا وَالتَّفْصِيلُ وَارِدٌ عَلَيْهِمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطِّيبِيُّ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذَا مَكَثَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاءَهَا مَلَكٌ فَقَالَ اخْلُقْ يَا أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ فَيَقْضِي اللَّهُ مَا شَاءَ ثُمَّ يَدْفَعُ إِلَى الْمَلَكِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَسِقْطٌ أَمْ تَامٌّ فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَوَاحِدٌ أَمْ تَوْأَمٌ فَيُبَيِّنُ لَهُ فَيَقُولُ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَنَاقِصُ الْأَجَلِ أَمْ تَامُّ الْأَجَلِ فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَيُبَيِّنُ لَهُ ثُمَّ يَقْطَعُ لَهُ رِزْقَهُ مَعَ خَلْقِهِ فَيَهْبِطُ بِهِمَا وَوَقَعَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْبَعِ فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الله بن ربيعَة عَن بن مَسْعُودٍ فَيَقُولُ اكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَثَرَهُ وَخَلْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ وَفِي رِوَايَةِ خَصِيفٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ أَيْ رَبِّ مُصِيبَتُهُ فَيَقُولُ كَذَا وَكَذَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْفِرْيَابِيِّ فَرَغَ اللَّهُ إِلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنْ خَمْسٍ مِنْ عَمَلِهِ وَأَجَلِهِ وَرِزْقِهِ وَأَثَرِهِ وَمَضْجَعِهِ.

.
وَأَمَّا صِفَةُ الْكِتَابَةِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا الْكِتَابَةُ الْمَعْهُودَةُ فِي صَحِيفَتِهِ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ وَفِي رِوَايَةِ الْفِرْيَابِيِّ ثُمَّ تُطْوَى تِلْكَ الصَّحِيفَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَيَقْضِي اللَّهُ مَا هُوَ قَاضٍ فَيَكْتُبُ مَا هُوَ لَاقٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَتَلَا أَبُو ذَرٍّ خَمْسَ آيَاتٍ مِنْ فَاتِحَةِ سُورَةِ التَّغَابُنِ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ بن عمر فِي صَحِيح بن حِبَّانَ دُونَ تِلَاوَةِ الْآيَةِ وَزَادَ حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ الْمُفْرد قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِكِتَابَتِهِ الْأَرْبَعُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَيَحْتَمِلُ غَيْرُهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِمَا بَينته بَقِيَّة الرِّوَايَات وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَنِينَ يَتَقَلَّبُ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْوَارٍ كُلُّ طَوْرٍ مِنْهَا فِي أَرْبَعِينَ ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِلَتِهَا يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأَطْوَارَ الثَّلَاثَةَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ مِنْهَا فِي الْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ فِي بَابُ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ وَدَلَّتِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيقَ يَكُونُ لِلْمُضْغَةِ وَبَيَّنَ الْحَدِيثُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهَا إِذَا تَكَامَلَتِ الْأَرْبَعِينَ وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي إِذَا انْتَهَتْ سُمِّيَتْ مُضْغَةً وَذَكَرَ اللَّهُ النُّطْفَةَ ثُمَّ الْعَلَقَةَ ثُمَّ الْمُضْغَةَ فِي سُوَرٍ أُخْرَى وَزَادَ فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ بَعْدَ الْمُضْغَةِ فَخَلَقْنَا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا الْآيَةَ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا وَمِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنْ تَصِيرَ الْمُضْغَةُ عِظَامًا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ وَوَقَعَ فِي آخِرِ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَرِيبا بعد ذِكْرِ الْمُضْغَةِ ثُمَّ تَكُونُ عِظَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكْسُو اللَّهُ الْعِظَامَ لَحْمًا وَقَدْ رَتَّبَ الْأَطْوَارَ فِي الْآيَةِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الطَّوْرَيْنِ طَوْرٌ آخَرُ وَرَتَّبَهَا فِي الحَدِيث بثم إِشَارَةً إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَتَخَلَّلُ بَيْنَ الطَّوْرَيْنِ ليتكامل فِيهَا الطّور وانما اتى بثم بَيْنَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ لِأَنَّ النُّطْفَةَ قَدْ لَا تتكون انسانا واتى بثم فِي آخِرِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا اخر لِيَدُلَّ عَلَى مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ من بطن أمه وَأما الْإِتْيَان بثم فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ بَيْنَ السُّلَالَةِ وَالنُّطْفَةِ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَخَلْقِ وَلَده وَوَقع فِي حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا ظَاهره يُخَالف حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي نُسْخَة اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعَظْمَهَا ثُمَّ قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ الْحَدِيثَ هَذِهِ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فِي مُسْلِمٍ وَنَسَبَهَا عِيَاضٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ شَرْحِ هَذَا الحَدِيث إِلَى رِوَايَة بن مَسْعُودٍ وَهُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي أَوَّلِ الرِّوَايَةِ ذِكْرٌ فِي قَوْلِهِ الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ فَقَطْ وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قَالَ فَيَجِيءُ مَلَكُ الرَّحِمِ فَيَدْخُلُ فَيُصَوِّرُ لَهُ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ وَشَعْرَهُ وَبَشَرَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَمْلُ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّصْوِيرَ بِأَثَرِ النُّطْفَةِ وَأَوَّلِ الْعَلَقَةِ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مَعْهُودٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّصْوِيرُ فِي آخِرِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا الْآيَةَ قَالَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَصَوَّرَهَا إِلَخْ أَيْ كَتَبَ ذَلِكَ ثُمَّ يَفْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى قَالَ وَخَلْقُهُ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْأُنُوثِيَّةَ يَقَعُ فِي وَقْتٍ مُتَّفَقٍ وَهُوَ مُشَاهَدٌ فِيمَا يُوجَدُ مِنْ أَجِنَّةِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْخِلْقَةُ وَاسْتِوَاءُ الصُّورَةِ ثُمَّ يَكُونُ لِلْمَلَكِ فِيهِ تَصَوُّرٌ آخَرُ وَهُوَ وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ حِينَ يَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعَة اشهر انْتهى مُلَخصا وَقد بَسطه بن الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ مَا مُلَخَّصُهُ أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ وَإِمَّا لكَونه لم يره ملتئما مَعَ حَدِيث بن مَسْعُود وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ.

.
وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَأَخْرَجَهُمَا مَعًا فَاحْتَجْنَا إِلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ إِرْسَالُ الْمَلَكِ عَلَى التَّعَدُّدِ فَمَرَّةً فِي ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَأُخْرَى فِي انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ لِنَفْخِ الرُّوحِ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ فَصَوَّرَهَا فان ظَاهر حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ التَّصْوِيرَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ مُضْغَةً فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُصَوِّرُهَا لَفْظًا وَكَتْبًا لَا فِعْلًا أَيْ يَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ تَصْوِيرِهَا وَيَكْتُبُهَا بِدَلِيلِ أَنَّ جَعْلَهَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُضْغَةِ.

.

قُلْتُ وَقَدْ نُوزِعَ فِي أَنَّ التَّصْوِيرَ حَقِيقَةً إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ بِأَنَّهُ شُوهِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَجِنَّةِ التَّصْوِيرُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَتَمْيِيزُ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فَعَلَى هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمَلَكَ تَصْوِيرُ ذَلِكَ لَفْظًا وَكَتْبًا ثُمَّ يَشْرَعُ فِيهِ فِعْلًا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الْعَلَقَةِ فَفِي بَعْضِ الْأَجِنَّةِ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا يَتَأَخَّرُ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعِينَ الْعَلَقَةِ فَيَقْوَى مَا قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ قُلْتُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى يَقْسِمُ النُّطْفَةَ إِذَا صَارَتْ عَلَقَةً إِلَى أَجْزَاءٍ بِحَسَبِ الْأَعْضَاءِ أَوْ يَقْسِمُ بَعْضَهَا إِلَى جِلْدٍ وَبَعْضَهَا إِلَى لَحْمٍ وَبَعْضَهَا إِلَى عَظْمٍ فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ وُجُودِهِ ثُمَّ يَتَهَيَّأُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَيَتَكَامَلُ فِي الْأَرْبَعين الثَّالِثَة.

     وَقَالَ  بَعضهم معنى حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النُّطْفَةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا وَصْفُ الْمَنِيِّ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَوَصْفُ الْعَلَقَةِ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَوَصْفُ الْمُضْغَةِ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنْ يَتَقَدَّمَ تَصْوِيرُهُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ التَّصْوِيرَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ قَالَ عَن مرّة الْهَمدَانِي عَن بن مَسْعُودٍ وَذَكَرَ أَسَانِيدَ أُخْرَى قَالُوا إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ طَارَتْ فِي الْجَسَدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهَا بَعَثَ مَلَكًا فَصَوَّرَهَا كَمَا يُؤْمَرُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ النُّطْفَةِ ثُمَّ الْعَلَقَةُ ثُمَّ الْمُضْغَةُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى الْحَدِيثَ وَمَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى الْأَخْذِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مِنْ أَنَّ التَّصْوِيرَ وَالتَّخْلِيقَ يَقَعُ فِي أَوَاخِرِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَة حَقِيقَة قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَا يَدْفَعُهُ وَاسْتَنَدَ إِلَى قَوْلِ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا حَصَلَ فِي الرَّحِمِ حَصَلَ لَهُ زُبْدِيَّةٌ وَرَغْوَةٌ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِمْدَادٍ مِنَ الرَّحِمِ ثُمَّ يَسْتَمِدُّ مِنَ الرَّحِمِ وَيَبْتَدِئُ فِيهِ الْخُطُوطُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا ثُمَّ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ يَنْفُذُ الدَّمُ إِلَى الْجَمِيعِ فَيَصِيرُ عَلَقَةً ثُمَّ تَتَمَيَّزُ الْأَعْضَاءُ وَتَمْتَدُّ رُطُوبَةُ النُّخَاعِ وَيَنْفَصِلُ الرَّأْسُ عَنِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْأَطْرَافُ عَنِ الْأَصَابِعِ تَمْيِيزًا يَظْهَرُ فِي بَعْضٍ وَيَخْفَى فِي بَعْضٍ وَيَنْتَهِي ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي الْأَقَلِّ وَخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي الْأَكْثَرِ لَكِنْ لَا يُوجَدُ سِقْطٌ ذَكَرٌ قَبْلَ ثَلَاثِينَ وَلَا أُنْثَى قَبْلَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَ فَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  فَيَكْتُبُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ يُجْمَعُ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقَعُ إِلَّا عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا مِنْ تَرْتِيبِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ بِرِوَايَاتِهِمْ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَفْهَمُونَهُ كَذَا قَالَ وَالْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ أَوْلَى وَغَالِبُ مَا نُقِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ دَعَاوَى لَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا قَالَ بن الْعَرَبِيِّ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الْمَلَكِ يَكْتُبُ ذَلِكَ كَوْنُهُ قَابِلًا لِلنَّسْخِ وَالْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ كَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ فِي التَّوْحِيدِ وَسَقَطَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَظَاهِرُهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ رِوَايَةَ آدَمَ صَرِيحَةٌ فِي تَأْخِيرِ النَّفْخِ لِلتَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مُحْتَمِلَةٌ فَتُرَدُّ إِلَى الصَّرِيحَةِ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَأَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي هَذِهِ الْأَطْوَارِ وَيُؤْمَرُ الْمَلَكُ بِالْكَتْبِ وَتَوَسَّطَ .

     قَوْلُهُ  يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ بَيْنَ الْجُمَلِ فَيَكُونُ مِنْ تَرْتِيبِ الْخَبَرِ عَلَى الْخَبَرِ لَا من تَرْتِيب الْأَفْعَال الْمخبر عَنْهَا وَنقل بن الزملكاني عَن بن الْحَاجِبِ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَبَّرَتْ عَنْ أَمْرٍ بَعْدَهُ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلِبَعْضِهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَوَّلِ حَسُنَ تَقْدِيمُهُ لَفْظًا عَلَى الْبَقِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وُجُودًا وَحَسُنَ هُنَا لِأَنَّ الْقَصْدَ تَرْتِيبُ الْخَلْقِ الَّذِي سيق الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ فِيهِ بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ تَمَامُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَدُخُولُهُ فِي الْخَامِسِ وَهَذَا مَوْجُودٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَعَلَيْهِ يُعَوَّلُ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الِاسْتِلْحَاقِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِحَرَكَةِ الْجَنِينِ فِي الْجَوْفِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ الْحِكْمَةُ فِي عِدَّةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الْوَفَاة بأَرْبعَة اشهر وَعشر وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْخَامِسِ وَزِيَادَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْمَلَكَ لَا يَأْتِي لِرَأْسِ الْأَرْبَعِينَ بَلْ بَعْدَهَا فَيَكُونُ مَجْمُوعُ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ مَكَثَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ جَاءَ صَرِيحًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَقِيلَ لَهُ مَا بَالُ الْعَشَرَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ يُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ كَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ إِنَّ عِدَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ مِثْلُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّ الْغَرَضَ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ أَيْ لِتَصْوِيرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَكِتَابَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ إِثْرَ ذَلِكَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَمَّتْ لِلنُّطْفَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَيَنْفُخُ فِيهَا الرُّوحَ فَذَلِك قَوْله ثمَّ انشأناه خلقا اخر وَسَنَده مُنْقَطع وَهَذَا لاينافي التَّقْيِيد بالعشر الزَّائِدَةِ وَمَعْنَى إِسْنَادِ النَّفْخِ لِلْمَلَكِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَالنَّفْخُ فِي الْأَصْلِ إِخْرَاجُ رِيحٍ مِنْ جَوْفِ النَّافِخِ لِيَدْخُلَ فِي الْمَنْفُوخِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقَعُ مَرَّتَيْنِ فَالْكِتَابَةُ الْأُولَى فِي السَّمَاءِ وَالثَّانِيَةُ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا فِي صَحِيفَةٍ وَالْأُخْرَى عَلَى جَبِينِ الْمَوْلُودِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجِنَّةِ فَبَعْضُهَا كَذَا وَبَعْضُهَا كَذَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ دُونَ قَوْلِهِ مِنْكُمْ وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَهَذِهِ مُحْتَمِلَةٌ لِأَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الْخَبَرُ كُلُّهُ مَرْفُوعًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاتِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ مَا يَقْتَضِي انه مدرج فِي الْخَبَر من كَلَام بن مَسْعُود لَكِن الادراج لَا يثبت بِالِاحْتِمَالِ وَأكْثر الرِّوَايَاتِ يَقْتَضِي الرَّفْعَ إِلَّا رِوَايَةَ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ فَبَعِيدَةٌ مِنَ الْإِدْرَاجِ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ.

     وَقَالَ  بَعْدَ قَوْلِهِ وَاكْتُبْهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ كَذَا وَقَعَ مُفَصَّلًا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنِ الْأَعْمَشِ مِنْهُمُ الْمَسْعُودِيُّ وَزَائِدَةُ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَآخَرُونَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَصْلَ الْحَدِيثِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَكَذَا أَبُو وَائِلٍ وَعَلْقَمَةُ وَغَيرهمَا عَن بن مَسْعُودٍ وَكَذَا اقْتَصَرَ حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ كَأَنَسٍ فِي ثَانِي حَدِيثي الْبَاب وَحُذَيْفَة بن اسيد وبن عُمَرَ وَكَذَا اقْتَصَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ نَعَمْ وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَرْفُوعَةً فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْآتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْد احْمَد وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ وَالْعُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ فِي الْبَزَّارِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَكْثَمَ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ فِي الطَّبَرَانِيِّ لَكِنْ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ مُفْرَدَةً مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْهُ وَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ حَذَفَ الْحَسَنَ بَيْنَ حُمَيْدٍ وَأَنَسٍ فَكَأَنَّهُ كَانَ تَامًّا عِنْدَ أَنَسٍ فَحَدَّثَ بِهِ مُفَرَّقًا فَحَفِظَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ عَنْهُ فَيَقْوَى عَلَى هَذَا أَنَّ الْجَمِيعَ مَرْفُوعٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَحِينَئِذٍ تُحْمَلُ رِوَايَةُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لِتَحَقُّقِ الْخَبَرِ فِي نَفْسِهِ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْإِدْرَاجُ فِي الْقَسَمِ لَا فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهَذَا غَايَةُ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيُؤَيِّدُ الرَّفْعَ أَيْضًا أَنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ التَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ وَوَصْفِ الْمُقْسَمِ بِهِ وَبِأَنَّ وَبِاللَّامِ وَالْأَصْلُ فِي التَّأْكِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ لِمُخَاطَبَةِ الْمُنْكِرِ أَوِ الْمُسْتَبْعِدِ أَوْ مَنْ يُتَوَهَّمُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُنَا لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَبْعَدًا وَهُوَ دُخُولُ مَنْ عَمِلَ الطَّاعَةَ طُولَ عُمُرِهِ النَّارَ وَبِالْعَكْسِ حَسُنَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَحَدَكُمْ أَوِ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ بِغَيْرِ شَكٍّ وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْجَنَّةِ عَلَى النَّارِ وَكَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ كَذَا عِنْدَ مُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةِ حَفْصٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ وَأَخَّرَ ذِكْرَ النَّارِ وَعَكَسَ أَبُو الْأَحْوَصِ وَلَفْظُهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ .

     قَوْلُهُ  بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالْأَصْلُ يَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَمَلَ إِمَّا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَإِمَّا مَفْعُولٌ بِهِ وَكِلَاهُمَا مُسْتَغْنٍ عَنِ الْحَرْفِ فَكَانَ زِيَادَةُ الْبَاءِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ ضُمِّنَ يَعْمَلُ مَعْنَى يَتَلَبَّسُ فِي عَمَلِهِ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ حَقِيقَةً وَيُخْتَمُ لَهُ بِعَكْسِهِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ سَهْلٍ بِلَفْظِ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي بِخِلَافِ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرَ ذِرَاعٍ أَوْ بَاعٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَيْرَ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ إِلَّا ذِرَاعٌ وَلَمْ يَشُكَّ وَقَدْ عَلَّقَهَا الْمُصَنِّفُ لِآدَمَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَصَلَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ فِي التَّوْحِيدِ عَنْهُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَالتَّعْبِيرُ بِالذِّرَاعِ تَمْثِيلٌ بِقُرْبِ حَالِهِ مِنَ الْمَوْتِ فَيُحَالُ مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ بِمِقْدَارِ ذِرَاعٍ أَوْ بَاعٍ مِنَ الْمَسَافَةِ وَضَابِطُ ذَلِكَ الْحِسِّيِّ الْغَرْغَرَةُ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَامَةً لِعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الْخَيْرِ صِرْفًا وَأَهْلُ الشَّرِّ صِرْفًا إِلَى الْمَوْتِ وَلَا ذِكْرَ لِلَّذِينَ خَلَطُوا وَمَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي الْحَدِيثِ تَعْمِيمَ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْخَاتِمَةِ .

     قَوْلُهُ  بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْنِي مِنَ الطَّاعَاتِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَفَظَةَ تَكْتُبُ ذَلِكَ وَيُقْبَلُ بَعْضُهَا وَيُرَدُّ بَعْضُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقَعَ الْكِتَابَةُ ثُمَّ تُمْحَى.

.
وَأَمَّا الْقَبُولُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْخَاتِمَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى مَا يَكُونَ قَالَ الطَّيِّبِيّ حَتَّى هُنَا الناصبة وَمَا نَافِيَةٌ وَلَمْ تَكُفَّ يَكُونُ عَنِ الْعَمَلِ فَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بِحَتَّى وَأَجَازَ غَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً فَتَكُونُ عَلَى هَذَا بِالرَّفْعِ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ كِتَابُهُ وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَيَسْبِقُ إِشَارَةً إِلَى تَعْقِيبِ ذَلِكَ بِلَا مُهْلَةٍ وَضُمِّنَ يَسْبِقُ مَعْنَى يَغْلِبُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَولُهُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ يَسْبِقُ الْمَكْتُوبُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ثُمَّ يُدْرِكُهُ الشَّقَاءُ.

     وَقَالَ  ثُمَّ تُدْرِكُهُ السَّعَادَة وَالْمرَاد يسْبق الْكِتَابِ سَبْقُ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوِ الْمُرَادُ الْمَكْتُوبُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَارَضُ عَمَلُهُ فِي اقْتِضَاءِ السَّعَادَةِ وَالْمَكْتُوبُ فِي اقْتِضَاءِ الشَّقَاوَةِ فَيَتَحَقَّقُ مُقْتَضَى الْمَكْتُوبِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ السَّابِقَ يَحْصُلُ مُرَادُهُ دُونَ الْمَسْبُوقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَثَّلَ الْعَمَلُ وَالْكِتَابُ شَخْصَيْنِ سَاعِيَيْنِ لَظَفِرَ شَخْصُ الْكِتَابِ وَغَلَبَ شَخْصَ الْعَمَلِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَادَ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَبْعِينَ سَنَةً وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا بِعَمَلِ أَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيعْمل عملا سَيِّئًا الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعًا إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فَمَاتَ فَدَخَلَهَا الْحَدِيثَ وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا فَقَالَ أَصْحَابُهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ فَقَالَ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ نَحْوُهُ وَزَادَ صَاحِبُ الْجَنَّةِ مَخْتُومٌ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَقَدْ يُسْلَكُ بِأَهْل السَّعَادَة طَرِيق أهل الشقاوة حَتَّى يُقَال مَا أَشْبَهَهُمْ بِهِمْ بَلْ هُمْ مِنْهُمْ وَتُدْرِكُهُمُ السَّعَادَةُ فَتَسْتَنْقِذُهُمْ الْحَدِيثَ وَنَحْوُهُ لِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَفِي آخِرِهِ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد بن حِبَّانَ وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ نَحْوُهُ وَفِي آخِرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَبْلُ الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ خَلْقَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ يَقَعُ وَالْجَنِينُ دَاخِلَ بَطْنِ أُمِّهِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والابصار والافئدة وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ خَلْقَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَحْمُولٌ جَزْمًا عَلَى الْأَعْضَاءِ ثُمَّ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ وَالسَّامِعَةِ لِأَنَّهَا مُودَعَةٌ فِيهَا.

.
وَأَمَّا الْإِدْرَاكُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ مَوْضِعُ النِّزَاعِ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَى زَوَالِ الْحِجَابِ الْمَانِعِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ حَسَنَهَا وَسَيِّئَهَا أَمَارَاتٌ وَلَيْسَتْ بِمُوجِبَاتٍ وَأَنَّ مَصِيرَ الْأُمُورِ فِي الْعَاقِبَةِ إِلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَجَرَى بِهِ الْقَدَرُ فِي الِابْتِدَاءِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ الْقَسَمُ عَلَى الْخَبَرِ الصِّدْقِ تَأْكِيدًا فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلْمِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْإِنْسَانِ وَحَالِهِ فِي الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ وَفِيهِ عِدَّةُ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْحِكْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ السَّعِيدَ قَدْ يَشْقَى وَأَنَّ الشَّقِيَّ قَدْ يَسْعَدُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ.

.
وَأَمَّا مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَغَيَّرُ وَفِيهِ ان الِاعْتِبَار بالخاتمة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الَّتِي قَطَعَتْ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْحَالِ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ بِمَاذَا يُخْتَمُ لَهُمْ وَفِيهِ أَنَّ عُمُومَ مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ اجرهم الْآيَةَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ السَّعَادَةَ وَخُتِمَ لَهُ بِالشَّقَاءِ فَهُوَ فِي طُولِ عُمُرِهِ عِنْدَ اللَّهِ شَقِيٌّ وَبِالْعَكْسِ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُهُ يَؤُولُ إِلَى أَنْ يَؤُولَ إِلَى هَذَا وَقَدِ اشْتُهِرَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَتَمَسَّكَ الْأَشَاعِرَةُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَأَكْثَرَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الِاحْتِجَاجَ لِقَوْلِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ وَأَنَّ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ وَأَنَّ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ مَا يَبْدُو لِلنَّاسِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا فِي عِلْمِ الْحَفَظَةِ وَالْمُوَكَّلِينَ بِالْآدَمِيِّ فَيَقَعُ فِيهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ كَالزِّيَادَةِ فِي الْعُمُرِ وَالنَّقْصِ.

.
وَأَمَّا مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إِثْبَاتَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى صِدْقِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِ الشَّخْصِ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ نَقَلَهُ إِلَى الْعَلَقَةِ ثُمَّ إِلَى الْمُضْغَةِ ثُمَّ يَنْفُخُ الرُّوحَ فِيهِ قَادِرٌ عَلَى نَفْخِ الرُّوحِ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ تُرَابًا وَيَجْمَعُ أَجْزَاءَهُ بَعْدَ أَنْ يُفَرِّقَهَا وَلَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَلَكِنِ اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ بِنَقْلِهِ فِي الْأَطْوَارِ رِفْقًا بِالْأُمِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً فَكَانَتِ الْمَشَقَّةُ تَعْظُمُ عَلَيْهَا فَهَيَّأَهُ فِي بَطْنِهَا بِالتَّدْرِيجِ إِلَى أَنْ تَكَامَلَ وَمَنْ تَأَمَّلَ أَصْلَ خَلْقِهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَتَنَقُّلَهُ فِي تِلْكَ الْأَطْوَارِ إِلَى أَنْ صَارَ إِنْسَانًا جَمِيلَ الصُّورَةِ مُفَضَّلًا بِالْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَالنُّطْقِ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَ مَنْ أَنْشَأَهُ وَهَيَّأَهُ وَيَعْبُدَهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ وَيُطِيعَهُ وَلَا يَعْصِيَهُ وَفِيهِ أَنَّ فِي تَقْدِيرِ الْأَعْمَالِ مَا هُوَ سَابِقٌ وَلَاحِقٌ فَالسَّابِقُ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّاحِقُ مَا يُقَدَّرُ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ النَّسْخَ.

.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كِتَابَةِ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السِّقْطَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْقَدِيمِ لِلشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَنْ أَحْمَدَ إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَفِي تِلْكَ الْعَشْرِ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الرُّوحِ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَقَدْ قَالُوا فَإِذَا بَكَى أَوِ اخْتَلَجَ أَوْ تَنَفَّسَ ثُمَّ بَطَلَ ذَلِكَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا أخرجه النَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ إِذَا اسْتُهِلَّ الصَّبِيُّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَ الْحُفَّاظِ وَقْفُهُ وَعَلَى طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ لَا أَثَرَ لِلتَّعْلِيلِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلرَّفْعِ لِزِيَادَتِهِ قَالُوا وَإِذَا بَلَغَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَدُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُشْرَعُ لَهُ غُسْلٌ وَلَا غَيْرُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّخْلِيقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ فَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقَ الْوَلَدِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا وَهِيَ ابْتِدَاءُ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ لَا يَتَبَيَّنُ إِلَّا فِي آخِرِهَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوَضْعِ إِلَّا بِبُلُوغِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ وَلَا يَثْبُتُ لِلْأَمَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَتَوَسَّعَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَأَدَارُوا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ سِقْطٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِالتَّخْطِيطِ وَلَوْ كَانَ خَفِيًّا وَفِي ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحُجَّتُهُمْ مَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا لَمْ يُقَدَّرْ تَخْلِيقُهَا لَا تَصِيرُ عَلَقَةً وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهَا تَتَخَلَّقُ تَصِيرُ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً إِلَخْ فَمَتَى وُضِعَتْ عَلَقَةً عُرِفَ أَنَّ النُّطْفَةَ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا نُطْفَةً وَاسْتَحَالَتْ إِلَى أَوَّلِ أَحْوَالِ الْوَلَدِ وَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ قَدْ يَقَعُ بِلَا عَمَلٍ وَلَا عُمُرٍ وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ وَسَيَأْتِي الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَفِيهِ الْحَثُّ الْقَوِيُّ عَلَى الْقَنَاعَةِ وَالزَّجْرُ الشَّدِيدُ عَنِ الْحِرْصِ لِأَنَّ الرِّزْقَ إِذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ تَقْدِيرُهُ لَمْ يُغْنِ التَّعَنِّي فِي طَلَبِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاكْتِسَابُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا الْحِكْمَةُ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَالَ سَبَبُ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثَ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا مِنْكُمُ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِهِ فِي بَابُ الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ كُتِبَ شَقِيًّا لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فِي الدُّنْيَا وَكَذَا عَكْسُهُ وَاحْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ الْحَدِيثَ وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَصْلًا وَرَأْسًا فَمَرْدُودٌ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْعَلَامَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلظَّنِّ الْغَالِبِ فَنَعَمْ وَيَقْوَى ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنِ اشْتُهِرَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَاضِي فِي الْجَنَائِزِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يُعْلَمُ قَطْعًا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَأَطْلَعَ مَنْ شَاءَ مِمَّنِ ارْتَضَى مِنْ رُسُلِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ جَمْعٌ جَمٌّ مِنَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ.

.
وَأَمَّا مَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابِ الْعَاقِبَةِ إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ لَا يَقَعُ لِمَنِ اسْتَقَامَ بَاطِنُهُ وَصَلُحَ ظَاهِرُهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ لِمَنْ فِي طَوِيَّتِهِ فَسَادٌ أَوِ ارْتِيَابٌ وَيكثر وُقُوعه للمصر على الْكَبَائِر والمجزىء عَلَى الْعَظَائِمِ فَيَهْجُمُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَغْتَةً فَيَصْطَلِمُهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ تِلْكَ الصَّدْمَةِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ وَفِيهِ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوجِبُهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْجِمَاعَ عِلَّةً لِلْوَلَدِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ قَدْ يَحْصُلُ وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ حَتَّى يَشَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيفَ يَحْتَاجُ إِلَى طُولِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ اللَّطِيفِ وَلِذَلِكَ طَالَتِ الْمُدَّةُ فِي أَطْوَارِ الْجَنِينِ حَتَّى حَصَلَ تَخْلِيقُهُ بِخِلَافِ نَفْخِ الرُّوحِ وَلِذَلِكَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَوَّلًا عَمَدَ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهَا وَتَرَكَ الْأَرْضَ لِكَثَافَتِهَا بِغَيْرِ فَتْقٍ ثُمَّ فُتِقَتَا مَعًا وَلَمَّا خَلَقَ آدَمَ فَصَوَّرَهُ مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ تَرَكَهُ مُدَّةً ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ وَاسْتَدَلَّ الدَّاوُدِيُّ بِقَوْلِهِ فَتَدْخُلُ النَّارَ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ خَاصٌّ بِالْكُفَّارِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُحْبِطُهُ إِلَّا الْكُفْرُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِلْإِحْبَاطِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْلَى فَيَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى يُخْتَمَ لَهُ بِعَمَلِ الْكَافِرِ مَثَلًا فَيَرْتَدُّ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِك فنستعيذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَنَاوَلُ الْمُطِيعَ حَتَّى يُخْتَمَ لَهُ بِعَمَلِ الْعَاصِي فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِطْلَاقِ دُخُولِ النَّارِ أَنَّهُ يُخَلَّدُ فِيهَا أَبَدًا بَلْ مُجَرَّدُ الدُّخُولِ صَادِقٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَاسْتُدِلَّ لَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةَ الْأَصْلَحِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَذْهَبُ جَمِيعُ عُمُرِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ فَيَدْخُلُ النَّارَ فَلَوْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةَ الْأَصْلَحِ لَمْ يَحْبَطْ جَمِيعُ عَمَلِهِ الصَّالِحِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَلَا سِيَّمَا إِنْ طَالَ عُمُرُهُ وَقَرُبَ مَوْتُهُ مِنْ كُفْرِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَهَا لِتَرَتُّبِ دُخُولِهَا فِي الْخَبَرِ عَلَى الْعَمَلِ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الشَّيْءِ يُشْعِرُ بِعِلِّيَّتِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لَا عِلَّةٌ وَالْعَلَامَةُ قَدْ تَتَخَلَّفُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِلَّةٌ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ.

.
وَأَمَّا الْعُصَاةُ فَخَرَجُوا بِدَلِيلِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِك لمن يَشَاء فَمَنْ لَمْ يُشْرِكْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَشِيئَةِ وَاسْتدلَّ بِهِ الْأَشْعَرِيّ فِي تجويزه تَكْلِيف مَالا يُطَاقُ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالْإِيمَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدَّرَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَثْبُتْ وُقُوعُهَا إِلَّا فِي الْإِيمَانِ خَاصَّةً وَمَا عَدَاهُ لَا تُوجَدُ دَلَالَةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى وُقُوعِهِ.

.
وَأَمَّا مُطْلَقُ الْجَوَازِ فَحَاصِلٌ وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا يَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ لِتَصْرِيحِ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِكِتَابَةِ أَحْوَالِ الشَّخْصِ مُفَصَّلَةً وَفِيهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقُهَا وَمُقَدِّرُهَا لَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا وَفِيهِ أَنَّ جَمِيعَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَادِهِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَبْرِيَّةُ فَذَهَبَتِ الْقَدَرِيَّةُ إِلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَنَسَبَ إِلَى اللَّهِ الْخَيْرَ وَنَفَى عَنْهُ خَلْقَ الشَّرِّ وَقِيلَ إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ وَإِنْ كَانَ قَدِ اشْتُهِرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا رَأْيُ الْمَجُوسِ وَذَهَبَتِ الْجَبْرِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكُلَّ فِعْلُ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ فِيهِ تَأْثِيرٌ أَصْلًا وَتَوَسَّطَ أَهْلُ السُّنَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَصْلُ الْفِعْلِ خَلَقَهُ اللَّهُ وَلِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْمَقْدُورِ وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا لَكِنَّهُ يُسَمَّى كَسْبًا وَبَسْطُ أَدِلَّتِهِمْ يَطُولُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْتُ أَوْصِنِي فَقَالَ إِنَّكَ لَنْ تَطْعَمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَلَنْ تَبْلُغَ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَهُوَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَخْطَاكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَمَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَإِنْ مُتَّ وَلَسْتَ عَلَى ذَلِكَ دَخَلْتَ النَّارَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَبْلُغُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ وَسَيَأْتِي الْإِلْمَامُ بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَقْدَارَ غَالِبَةٌ وَالْعَاقِبَةُ غَائِبَةٌ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ الدُّعَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ وَبِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ سُؤَالُ الصَّحَابَةِ عَنْ فَائِدَةِ الْعَمَلِ مَعَ تَقَدُّمِ التَّقْدِيرِ وَالْجَوَابِ عَنْهُ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَظَاهره قد يُعَارض حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَمْلُ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ وَحَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ جَائِزا تعين طلب الثَّبَات وَحكى بن التِّينِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْكَرَهُ.

     وَقَالَ  كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ عُمُرَهُ الطَّاعَةَ ثُمَّ لَا يدْخل الْجنَّة انْتهى وَتوقف شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ عَنْهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّ رَاوِيَهُ حَذَفَ مِنْهُ قَوْلَهُ فِي آخِرِهِ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا أَوْ أَكْمَلَ الرَّاوِي لَكِنِ اسْتَبْعَدَ عُمَرُ وُقُوعَهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا وَيَكُونُ إِيرَادُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيث أنس

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  كتاب القدر
( كتاب القدر) زاد أبو ذر عن المستملي فقال: باب بالتنوين في القدر وهو بفتح القاف والدال المهملة وقد تسكن.
قال الراغب فيما رأيته في فتوح الغيب: القدر هو التقدير والقضاء هو التفصيل والقطع فالقضاء أخص من القدر لأن الفصل بين التقدير فالقدر كالأساس والقضاء هو التفصيل والقطع وذكر بعضهم أن القدر بمنزلة المعدّ للكيل والقضاء بمنزلة الكيل، ولهذا لما قال أبو عبيدة لعمر -رضي الله عنه- لما أراد الفرار من الطاعون بالشأم أتفرّ من القضاء؟ قال: أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله تنبيهًا على أن القدر لم يكن قضاء فمرجوّ أن يدفعه الله فإذا قضى فلا مدفع له ويشهد لذلك قوله تعالى: { وكان أمرًا مقضيًّا} [مريم: 21] { وكان على ربك حتمًا مقضيًّا} [مريم: 71] تنبيهًا على أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه.
ويذكر أن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل فقال: أشكل عليّ قوله تعالى: { كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "جف القلم بما أنت لاقيه".
وقال أهل السنة: إن الله تعالى قدّر الأشياء أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد منها ما سبق في علمه فلا محدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله وبقدرة الله وإلهامه لا إله إلا هو ولا خالق غيره كما نص عليه القرآن والسُّنّة.
وقال ابن السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء ولا ما يطمئن به القلب، لأن القدر سرّ من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب قيل إن القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها.

باب في القدر

[ قــ :6249 ... غــ : 6594 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنِى سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: بِرِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَشَقِىٌّ، أَوْ سَعِيدٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ أَوِ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ، أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا».
قَالَ آدَمُ: إِلاَّ ذِرَاعٌ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( أنبأني) بالإفراد من الأنباء ( سليمان الأعمش) الكوفي ( قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني أبًا سليمان الكوفي مخضرم ( عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه ( قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) المخبر بالقول الحق ( المصدوق) الذي صدقه الله وعده، والجملة كما قال في شرح المشكاة الأولى أن تكون اعتراضية لا حالية ليعم الأحوال كلها وأن يكون من عادته ودأبه ذلك فما أحسن موقعه هنا ( قال) :
( إن أحدكم) في اليونينية مضبوطة أن بفتح الهمزة وقبلها قال مخرجة مصحح عليها فالله أعلم هل الضبط قبل تخريج قال أم بعده؟ كذا رأيته في الفرع كأصله.
وقال أبو البقاء.
لا يجوز إلا الفتح لأنه مفعول حدّثنا، فلو كسر لكان منقطعًا عن قوله حدثنا وجزم النووي في شرح مسلم بأنه بالكسر على الحكاية، وحجة أبي البقاء أن الكسر على خلاف الظاهر ولا يجوز العدول عنه إلا لمانع ولو جاز من غير أن يثبت به النقل لجاز في مثل قوله تعالى { أيعدكم أنكم إذا متم} [المؤمنون: 35] وقد اتفق القراء على أنها بالفتح لكن تعقبه الخويي بأن الرواية جاءت بالفتح والكسر فلا معنى للرد قال: ولو لم تجيء به الرواية لما امتنع جوازًا على طريق الرواية بالمعنى.
وأجاب عن الآية بأن الوعد مضمون الجملة وليس بخصوص لفظها، فلذلك اتفقوا على الفتح، وأما هنا فالتحديث يجوز أن يكون بلفظه وبمعناه اهـ.
من فتح الباري، وهذا مبني على حذف قال وعلى تقدير حذفها في الرواية فهي مقدرة إذ لا يتم المعنى بدونها، ولأبي ذر عن الكشميهني إن خلق أحدكم أي ما يخلق منه أحدكم ( يجمع) بضم أوّله وسكون الجيم وفتح الميم أي يحزن ( في بطن أمه) .
قال في النهاية: ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم أي تمكث النطفة في الرحم ( أربعين يومًا) تتخمر فيها حتى تتهيأ للخلق.

وقال القرطبي أبو العباس المراد أن المنيّ يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوّة الشهوانية الدافعة مبثوبًا متفرفًا فيجمعه في محل الولادة من الرحم، وفي رواية آدم في التوحيد: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا أو أربعين ليلة بالشك، وزاد أبو عوانة من رواية وهب بن جرير عن شعبة نطفة بين قوله أحدكم وبين قوله أربعين فبين أن الذي يجمع هو النطفة والنطفة المني فإذا لاقى مني الرجل مني المرأة بالجماع وأراد الله تعالى أن يخلف من ذلك جنينًا هيأ أسباب ذلك لأن في رحم المرأة قوّتين قوّة انبساط عند مني الرجل حتى ينتشر في جسدها وقوّة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسًا ومع كون المني ثقيلاً بطبعه، وفي مني الرجل قوّة الفعل، وفي مني المرأة قوّة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة للبن، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره من رواية الأعمش عن خيثمة بن عبد الرَّحمن عن ابن مسعود أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرًا طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين يومًا ثم تنزل دمًا في الرحم.
قال في شرح المشكاة: والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق وأكثرهم احتياطًا فليس لمن بعدهم أن يردّ عليهم اهـ.

وفيه أن ابتداء جمعه من ابتداء الأربعين، وعند أبي عوانة اثنتان وأربعون، وعند الفريابي من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن الحارث خمسة وأربعين ليلة.
( ثم يكون علقة) دمًا غليظًا جامدًا تحوّل من النطفة البيضاء إلى العلقة الحمراء وسمي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلقه ما مرّ به ( مثل ذلك) الزمان وهو الأربعون ( ثم يكون) يصير ( مضغة) بضم الميم وسكون المعجمة قطعة لحم قدر ما يمضع ( مثل ذلك) الزمان وهو أربعون ( ثم) في الطور الرابع حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه ( يبعث الله ملكًا) موكلاً بالرحم، وعند الفريابي من رواية أبي الزبير أتى ملك الأرحام ولأبي ذر عن الكشميهني يبعث بضم أوّله مبنيًّا للمفعول إليه ملك لتصويره وتخليقه وكتابة ما يتعلق به فينفخ فيه الروح كما أمر بذلك، وفي حديث علي عند ابن أبي حاتم إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكًا فينفخ فيها الروح وإسناد النفخ إلى الملك مجاز عقلي لأن ذلك من أفعال الله كالخلق ( فيؤمر بأربع) بالتذكير، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بأربعة والمعدود إذا أبهم جاز تذكيره وتأنيثه أي يؤمر بكتابة أربعة أشياء من أحوال الجنين ( برزقه) أي غذائه حلالاً أو حرامًا قليلاً أو كثيرًا وكل ما ساقه الله تعالى إليه فيتناول العلم ونحوه ( وأجله) طويل أو قصير ( وشقي) باعتبار ما يختم له ( أو سعيد) كذلك وكل من اللفظين مرفوع مصحح عليه بالفرع كأصله خبر مبتدأ محذوف ويجوز الجر، وتعقب العيني الرفع فقال ليس كذلك لأنه معطوف على المجرور السابق، وقال في شرح المشكاة: كان حق الظاهر أن يقول تكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما.

( فوالله إن أحدكم أو الرجل) بالشك من الراوي ( يعمل بعمل أهل النار) من المعاصي والباء
في بعمل زائدة للتأكيد أي يعمل عمل أهل النار أو ضمن معنى يعمل معنى يتلبس أن يتلبس بعمل أهل النار ( حتى ما يكون) نصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل وجوز بعضهم كون حتى ابتدائية فيكون رفع وهو الذي في اليونينية ( بينه وبينها غير باع أو ذراع) برفع غير ( فيسبق عليه) ما تضمنه ( الكتاب) بفاء التعقيب المقتضية لعدم المهلة وضمن يسبق معنى يغلب وعليه في موضع نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعًا عليه ( فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء الشقاوة والمكتوب في اقتضاء السعادة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبر عن ذلك بالسبق لأن السابق يحصل مراده دون المسبوق ( وإن الرجل) ولم يقل وإن أحدكم أو الرجل على الشك كما سبق ( ليعمل) بلام التأكيد ( بعمل أهل الجنة) من الطاعات ( حتى ما يكون بينه وبينها) أي الجنة ( غير ذراع) برفع غير ( أو ذراعين) ولأبي ذر أو باع بدل ذراعين والباع قدر مد اليدين "فيسبق عليه الكتاب" أي مكتوب الله وهو القضاء الأزلي ( فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها قال) ولأبوي ذر والوقت وقال ( آدم) بن أبي إياس مما وصله في التوحيد ( إلا ذراع) فلم يشك، ولأبي ذر عن المستملي والحموي: إلا باع بدل ذراع والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت فيحال بينه وبين المقصود بمقدار ذراع أو باع من المسافة وضابط ذلك الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة، وقد ذكر في هذا الحديث أهل الخير صرفًا إلى الموت لا الذين خلطوا وماتوا على الإسلام فلم يقصد تعميم أحوال المكلفين بل أورده لبيان أن الاعتبار بالخاتمة ختم الله أعمالنا بالصالحات بمنه وكرمه.

وفي مسلم من حديث أبي هريرة: إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة، وعند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة سبعين سنة، وعنده أيضًا عن عائشة مرفوعًا: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وهو مكتوب في الكتاب الأول من أهل النار فإذا كان قبل موته تحوّل فعمل عمل أهل النار فمات فدخلها الحديث، وفيه أن في التقدير الأعمال ما هو سابق ولاحق فالسابق ما في علم الله تعالى واللاحق ما يقدر على الجنين في بطن أمه كما في هذا الحديث وهذا هو الذي يقبل النسخ.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( كِتابُ القَدَرِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْقدر، وَذكره قَالَ الْكرْمَانِي: كتاب الْقدر، أَي: حكم الله تَعَالَى، قَالُوا: الْقَضَاء هُوَ الحكم الْكُلِّي الإجمالي فِي الْأَزَل، وَالْقدر جزئيات ذَلِك الحكم وتفاصيله الَّتِي تقع، قَالَ تَعَالَى: { وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} ( الْحجر: 12) وَمذهب أهل الْحق أَن الْأُمُور كلهَا من الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْخَيْر وَالشَّر والنفع والضر بِقَضَاء الله وَقدره، وَلَا يجْرِي فِي ملكه إلاَّ مقدراته..
     وَقَالَ  الرَّاغِب: الْقدر بِوَضْعِهِ يدل على الْقُدْرَة وعَلى الْمَقْدُور الْكَائِن بِالْعلمِ يتَضَمَّن الْإِرَادَة عقلا وَالْقَوْل نقلا.
وَقدر الله الشَّيْء بِالتَّشْدِيدِ قَضَاهُ، وَيجوز التَّخْفِيف، وَفِي بعض النّسخ: بابُُ الْقدر، بعد قَوْله: كتاب الْقدر، قيل: هَذَا زِيَادَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي.


[ قــ :6249 ... غــ :6594 ]
- ( حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك حَدثنَا شُعْبَة أنبأني سُلَيْمَان الْأَعْمَش قَالَ سَمِعت زيد بن وهب عَن عبد الله قَالَ حَدثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق قَالَ إِن أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله ملكا فَيُؤْمَر بِأَرْبَع برزقه وأجله وشقي أَو سعيد فوَاللَّه إِن أحدكُم أَو الرجل يعْمل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا غير بَاعَ أَو ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا غير ذِرَاع أَو ذراعين فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها.

     وَقَالَ  آدم إِلَّا ذِرَاع)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي مَعْنَاهُ وَزيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْكُوفِي من قضاعة خرج إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقبض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الطَّرِيق سمع عبد الله بن مَسْعُود وَغَيره وَهَذَا الحَدِيث اشْتهر عَن الْأَعْمَش بالسند الْمَذْكُور هُنَا قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ فِي كتاب الْعِلَل كُنَّا نظن أَن الْأَعْمَش تفرد بِهِ حَتَّى وَجَدْنَاهُ من رِوَايَة سَلمَة بن كهيل عَن زيد بن وهب وَرِوَايَته عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَلم ينْفَرد بِهِ زيد بن وهب أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود بل رَوَاهُ عَنهُ أَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عِنْد أَحْمد وعلقمة عِنْد أبي يعلى وَلم ينْفَرد بِهِ ابْن مَسْعُود أَيْضا بل رَوَاهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة مطولا ومختصرا مِنْهُم أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على مَا يَجِيء عقيب هَذَا الحَدِيث وَحُذَيْفَة بن أسيد عِنْد مُسلم وَعبد الله بن عمر فِي الْقدر لِابْنِ وهب وَسَهل بن سعد وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكتاب وَأَبُو هُرَيْرَة عِنْد مُسلم وَعَائِشَة عِنْد أَحْمد وَأَبُو ذَر عِنْد الْفرْيَابِيّ وَمَالك بن الْحُوَيْرِث عِنْد أبي نعيم فِي الطِّبّ وَغَيرهم وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن آدم وَمضى فِي بَدْء الْخلق عَن الْحسن بن الرّبيع وَفِي خلق آدم عَن عمر بن حَفْص وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَدْء الْخلق وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَلَا نقتصر عَلَيْهِ فَقَوله أنبأني سُلَيْمَان الْأَعْمَش.

     وَقَالَ  فِي التَّوْحِيد حَدثنَا سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَيفهم مِنْهُ أَن التحديث والأنباء عِنْد شُعْبَة سَوَاء وَيرد بِهِ على من زعم أَن شُعْبَة يسْتَعْمل الأنباء فِي الْإِجَازَة قَوْله " وَهُوَ الصَّادِق المصدوق " أَي الصَّادِق فِي نَفسه والمصدوق من جِهَة غَيره.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي لما كَانَ مَضْمُون الْخَبَر مُخَالفا لما عَلَيْهِ الْأَطِبَّاء أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى صدقه وَبطلَان مَا قَالُوهُ أَو ذكره تلذذا وتبركا وافتخارا قَالَ الْأَطِبَّاء إِنَّمَا يتَصَوَّر الْجَنِين فِيمَا بَين ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى الْأَرْبَعين وَالْمَفْهُوم من الحَدِيث أَن خلقه إِنَّمَا يكون بعد أَرْبَعَة أشهر انْتهى.

     وَقَالَ  بَعضهم بعد أَن نقل كَلَام الْكرْمَانِي مَا ملخصه أَنه لم يُعجبهُ مَا قَالَه الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ وَقد وَقع هَذَا اللَّفْظ بِعَيْنِه فِي حَدِيث آخر لَيْسَ فِيهِ إِشَارَة إِلَى بطلَان شَيْء يُخَالف مَا ذكره وَهُوَ مَا ذكره أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة سَمِعت الصَّادِق المصدوق يَقُوله لَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من قلب شقي وَمضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة سَمِعت الصَّادِق المصدوق يَقُول هَلَاك أمتِي على يَد أغيلمة من قُرَيْش انْتهى قلت هَذَا مُجَرّد تحريش من غير طعم وَهَذِه نُكْتَة لَطِيفَة ذكرهَا من وَجْهَيْن فَالْوَجْه الثَّانِي يمشي فِي كل مَوضِع فِيهِ ذكر الصَّادِق المصدوق قَوْله إِن أحدكُم قَالَ أَبُو الْبَقَاء لَا يجوز أَن إِلَّا بِالْفَتْح لِأَنَّهُ مفعول حَدثنَا فَلَو كسر لَكَانَ مُنْقَطِعًا عَن حَدثنَا قلت لَا يجوز إِلَّا الْكسر لِأَنَّهُ وَقع بعد قَوْله قَالَ إِن أحدكُم وَلَفْظَة قَالَ مَوْجُودَة فِي كثير من النّسخ هَكَذَا حَدثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق قَالَ إِن أحدكُم وَإِن كَانَت لَفْظَة قَالَ غير مَذْكُورَة فِي الرِّوَايَة فَهِيَ مقدرَة فَلَا يتم الْمَعْنى إِلَّا بهَا قَوْله إِن أحدكُم يجمع فِي بطن أمه كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن شَيْخه وَله عَن الْكشميهني إِن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة آدم فِي التَّوْحِيد وَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين عَن الْأَعْمَش وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص عَنهُ إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه إِنَّه يجمع خلق أحدكُم فِي بطن أمه وَالْمرَاد من الْجمع ضم بعضه إِلَى بعض بعد الانتشار والخلق بِمَعْنى الْمَخْلُوق كَقَوْلِهِم هَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير أَي مضروبه.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ مَا ملخصه أَن المنى يَقع فِي الرَّحِم بِقُوَّة الشَّهْوَة المزعجة مبثوثا مُتَفَرقًا فيجمعه الله فِي مَحل الْولادَة من الرَّحِم قَوْله " أَرْبَعِينَ يَوْمًا " زَاد فِي رِوَايَة آدم أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة قَوْله " ثمَّ علقَة " مثل ذَلِك وَفِي رِوَايَة آدم ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك يَعْنِي مُدَّة الْأَرْبَعين والعلقة الدَّم الجامد الغليظ سميت بذلك للرطوبة الَّتِي فِيهَا وتعلقها بِمَا مر بهَا قَوْله " ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك يَعْنِي مُدَّة الْأَرْبَعين والمضغة قِطْعَة اللَّحْم سميت بذلك لِأَنَّهَا بِقدر مَا يمضغ الماضع قَوْله ثمَّ يبْعَث الله ملكا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني ثمَّ يبْعَث الله إِلَيْهِ ملكا وَفِي رِوَايَة مُسلم ثمَّ يُرْسل الله وَفِي رِوَايَة آدم ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ الْملك وَاللَّام فِيهِ للْعهد وَهُوَ الْملك من الْمَلَائِكَة الموكلين بالأرحام قَوْله " فَيُؤْمَر على صِيغَة الْمَجْهُول " أَي يَأْمُرهُ الله تَعَالَى بأَرْبعَة أَشْيَاء وَفِي رِوَايَة آدم بِأَرْبَع كَلِمَات وَالْمرَاد بهَا القضايا وكل كلمة تسمى قَضِيَّة قَوْله بِأَرْبَع كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره بأربعه والمعدود إِذا أبهم جَازَ التَّذْكِير والتأنيث قَوْله برزقه بدل من أَربع وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ دَاخل فِي حكمه وَالْمرَاد برزقه قيل الْغَدَاء حَلَالا أَو حَرَامًا وَهُوَ كل مَا سَاقه الله تَعَالَى إِلَى العَبْد لينْتَفع بِهِ وَهُوَ أَعم لتنَاوله الْعلم وَنَحْوه قَوْله وأجله الْأَجَل يُطلق لمعنيين لمُدَّة الْعُمر من أَولهَا إِلَى آخرهَا وللجزء الْأَخير الَّذِي يَمُوت فِيهِ قَوْله وشقي أَو سعيد قَالَ بَعضهم هُوَ بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف قلت لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مَعْطُوف على مَا قبله الَّذِي هُوَ بدل عَن أَربع فَيكون مجرورا لِأَن تَقْدِير قَوْله فَيُؤْمَر بِأَرْبَع أَربع كَلِمَات كلمة تتَعَلَّق برزقه وَكلمَة تتَعَلَّق بأجله وَكلمَة تتَعَلَّق بسعادته أَو شقاوته وَكَانَ من حق الظَّاهِر أَن يُقَال يكْتب سعادته وشقاوته فَعدل عَن ذَلِك حِكَايَة بِصُورَة مَا يَكْتُبهُ وَهُوَ أَنه يكْتب رزقه وأجله وشقي أَو سعيد قيل هَذِه ثَلَاثَة أُمُور لَا أَرْبَعَة وَأجِيب بِأَن الرَّابِع كَونه ذكرا أَو أُنْثَى كَمَا صرح فِي الحَدِيث الَّذِي بعده أَو عمله كَمَا تقدم فِي أول كتاب بَدْء الْخلق وَلَعَلَّه لم يذكرهُ لِأَنَّهُ يلْزم من الْمَذْكُور أَو اخْتَصَرَهُ اعْتِمَادًا على شهرته وَقيل هَذَا يدل على أَن الحكم بِهَذِهِ الْأُمُور بعد كَونه مُضْغَة لَا أَنه أزلي وَأجِيب بِأَن هَذَا للْملك بِأَن الْمقْضِي فِي الْأَزَل حَتَّى يكْتب على جَبهته مثلا قَوْله أَو الرجل شكّ من الرَّاوِي أَي أَو أَن الرجل وَفِي رِوَايَة آدم فَإِن أحدكُم بِغَيْر شكّ قَوْله بِعَمَل أهل النَّار قدم النَّار على الْجنَّة وَفِي رِوَايَة آدم بِالْعَكْسِ قَوْله حَتَّى مَا يكون قَالَ الطَّيِّبِيّ حَتَّى هِيَ الناصبة وَمَا نَافِيَة وَلم تكف عَن الْعَمَل وَتَكون مَنْصُوبَة بحتى وَأَجَازَ غَيره أَن تكون حَتَّى ابتدائية وَيكون على هَذَا بِالرَّفْع قَوْله غير بَاعَ أَو ذِرَاع هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره غير ذِرَاع أَو بَاعَ وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص إِلَّا ذِرَاع بِغَيْر شكّ وَالتَّعْبِير بالذراع تَمْثِيل بِقرب حَاله من الْمَوْت وَضَابِط ذَلِك بالغرغرة الَّتِي جعلت عَلامَة لعدم قبُول التَّوْبَة قَوْله فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب الْفَاء فِي فَيَسْبق للتعقيب يدل على حُصُول السَّبق بِغَيْر مهلة وَضمن يسْبق معنى يغلب أَي يغلب عَلَيْهِ الْكتاب وَمَا قدر عَلَيْهِ سبقا بِلَا مهلة فَعِنْدَ ذَلِك يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة وَعمل أهل النَّار وَالْمرَاد من الْكتاب الْمَكْتُوب أَي مَكْتُوب الله أَي الْقَضَاء الأزلي قَوْله فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار الْبَاء فِيهِ زَائِدَة للتَّأْكِيد قَوْله أَو ذراعين أَي أَو غير ذراعين فَهُوَ شكّ من الرَّاوِي قَوْله.

     وَقَالَ  آدم إِلَّا ذِرَاع أَي قَالَ آدم بن إِيَاس إِلَّا ذِرَاع هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد -