هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
626 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ ، فَيُحْطَبَ ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا ، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ ، لَشَهِدَ العِشَاءَ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
626 حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أخبرنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ، فيحطب ، ثم آمر بالصلاة ، فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال ، فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم ، أنه يجد عرقا سمينا ، أو مرماتين حسنتين ، لشهد العشاء
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ ، فَيُحْطَبَ ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا ، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ ، لَشَهِدَ العِشَاءَ .

Narrated Abu Huraira:

Allah's Messenger (ﷺ) said, By Him in Whose Hand my soul is I was about to order for collecting firewood (fuel) and then order Someone to pronounce the Adhan for the prayer and then order someone to lead the prayer then I would go from behind and burn the houses of men who did not present themselves for the (compulsory congregational) prayer. By Him, in Whose Hands my soul is, if anyone of them had known that he would get a bone covered with good meat or two (small) pieces of meat present in between two ribs, he would have turned up for the `Isha' prayer.'

":"ہم سے عبداللہ بن یوسف تنیسی نے بیان کیا ، کہا کہ ہمیں امام مالک نے ابوالزناد سے خبر دی ، انھوں نے اعرج سے ، انھوں نے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے کہرسول کریم صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا اس ذات کی قسم جس کے ہاتھ میں میری جان ہے میں نے ارادہ کر لیا تھا کہ لکڑیوں کے جمع کرنے کا حکم دوں ۔ پھر نماز کے لیے کہوں ، اس کے لیے اذان دی جائے پھر کسی شخص سے کہوں کہ وہ امامت کرے اور میں ان لوگوں کی طرف جاؤں ( جو نماز باجماعت میں حاضر نہیں ہوتے ) پھر انہیں ان کے گھروں سمیت جلا دوں ۔ اس ذات کی قسم جس کے ہاتھ میں میری جان ہے اگر یہ جماعت میں نہ شریک ہونے والے لوگ اتنی بات جان لیں کہ انہیں مسجد میں ایک اچھے قسم کی گوشت والی ہڈی مل جائے گی یا دو عمدہ کھر ہی مل جائیں گے تو یہ عشاء کی جماعت کے لیے مسجد میں ضرور حاضر ہو جائیں

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [644] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْأَعْرَجِ فِي رِوَايَةِ السَّرَّاجِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ سَمِعَ الْأَعْرَجَ .

     قَوْلُهُ  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ هُوَ قَسَمٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يُقْسِمُ بِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَمْرَ نُفُوسِ الْعِبَادِ بِيَدِ اللَّهِ أَيْ بتقديره وتدبيره فَإِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِيهِ وَفِيهِ جَوَازُ الْقَسَمِ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ شَأْنِهِ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ كَرِهَ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ مُطْلَقًا .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ هَمَمْتُ اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالْهَمُّ الْعَزْمُ وَقِيلَ دُونَهُ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ فَأَفَادَ ذِكْرَ سَبَبِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  بِحَطَبٍ لِيُحْطَبَ كَذَا لِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي بِلَامِ التَّعْلِيلِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْبَاقِينَ فَيُحْطَبَ بِالْفَاءِ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَمَعْنَى يُحْطَبُ يُكْسَرُ لِيَسْهُلَ اشْتِعَالُ النَّارِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِف بِهِ تجوزا بِمَعْنى أَنه سيتصف بِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ أَيْ آتِيهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ خَالَفَ إِلَى فُلَانٍ أَيْ أَتَاهُ إِذَا غَابَ عَنْهُ أَوِ الْمَعْنَى أُخَالِفُ الْفِعْلَ الَّذِي أَظْهَرْتُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَتْرُكُهُ وَأَسِيرُ إِلَيْهِمْ أَوْ أُخَالِفُ ظَنَّهُمْ فِي أَنِّي مَشْغُولٌ بِالصَّلَاةِ عَنْ قَصْدِي إِلَيْهِمْ أَوْ مَعْنَى أُخَالِفُ أَتَخَلَّفُ أَيْ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى قَصْدِي الْمَذْكُورِينَ وَالتَّقْيِيدُ بِالرِّجَالِ يُخْرِجُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ .

     قَوْلُهُ  فَأُحَرِّقُ بِالتَّشْدِيدِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّكْثِيرُ يُقَالُ حَرَّقَهُ إِذَا بَالَغَ فِي تَحْرِيقِهِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى الْمَالِ بَلِ الْمُرَادُ تَحْرِيقُ الْمَقْصُودِينَ وَالْبُيُوتُ تَبَعًا لِلْقَاطِنِينَ بِهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ فَأُحَرِّقَ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فِيهِ إِعَادَةُ الْيَمِينِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأْكِيدِ .

     قَوْلُهُ  عَرْقًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ قَالَ الْخَلِيلُ الْعُرَاقُ الْعَظْمُ بِلَا لَحْمٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لحم فَهُوَ عرق وَفِي الْمُحكم عَنِ الْأَصْمَعِيِّ الْعَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ قِطْعَةُ لَحْمٍ.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ الْعَرْقُ وَاحِدُ الْعِرَاقِ وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا هُبَرُ اللَّحْمِ وَيَبْقَى عَلَيْهَا لَحْمٌ رَقِيقٌ فَيُكْسَرُ وَيُطْبَخُ وَيُؤْكَلُ مَا عَلَى الْعِظَامِ مِنْ لَحْمٍ دَقِيقٍ وَيَتَشَمَّسُ الْعِظَامَ يُقَالُ عَرِقْتُ اللَّحْمَ وَاعْتَرَقْتُهُ وَتَعَرَّقْتُهُ إِذَا أَخَذْتُ اللَّحْمَ مِنْهُ نَهْشًا وَفِي الْمُحْكَمِ جَمْعُ الْعَرْقِ عَلَى عُرَاقٍ بِالضَّمِّ عَزِيزٌ وَقَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ هُوَ اللَّائِقُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  أَوْ مِرْمَاتَيْنِ تَثْنِيَةُ مِرْمَاةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَحُكِيَ الْفَتْحُ قَالَ الْخَلِيلُ هِيَ مَا بَيْنَ ظِلْفَيِ الشَّاةِ وَحَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.

     وَقَالَ  لَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ وَنَقَلَهُ الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَتِهِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ قَالَ قَالَ يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الْبُخَارِيِّ الْمِرْمَاةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِثْلُ مِسْنَاةٍ وَمِيضَاةٍ مَا بَيْنَ ظِلْفَيِ الشَّاةِ مِنَ اللَّحْمِ قَالَ عِيَاضٌ فَالْمِيمُ عَلَى هَذَا أَصْلِيَّةٌ.

     وَقَالَ  الْأَخْفَشُ الْمِرْمَاةُ لُعْبَةٌ كَانُوا يَلْعَبُونَهَا بِنِصَالٍ مَحْدُودَةٍ يَرْمُونَهَا فِي كَوْمٍ مِنْ تُرَابٍ فَأَيُّهُمْ أَثْبَتَهَا فِي الْكَوْمِ غَلَبَ وَهِيَ الْمِرْمَاةُ وَالْمِدْحَاةُ.

.

قُلْتُ وَيَبْعُدُ أَنتَكُونَ هَذِهِ مُرَادُ الْحَدِيثِ لِأَجْلِ التَّثْنِيَةِ وَحَكَى الْحَرْبِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْمِرْمَاةَ سَهْمُ الْهَدَفِ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا حَدَّثَنِي ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعِي كَانَ لَهُ عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ سَمِينَةٍ أَوْ سَهْمَانِ لَفَعَلَ وَقِيلَ الْمِرْمَاةُ سَهْمٌ يُتَعَلَّمُ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَهُوَ سَهْمٌ دَقِيقٌ مُسْتَوٍ غَيْرُ مُحَدَّدٍ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّثْنِيَةُ فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِتَكْرَارِ الرَّمْيِ بِخِلَافِ السِّهَامِ الْمُحَدَّدَةِ الْحَرْبِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَتَكَرَّرُ رَمْيُهَا.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيُّ تَفْسِيرُ الْمِرْمَاةِ بِالسَّهْمِ لَيْسَ بوجيه ويدفعه ذكر الْعرق مَعَه وَوَجهه بن الْأَثِيرِ بِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعَظْمَ السَّمِينَ وَكَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَتْبَعَهُ بِالسَّهْمَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُلْهَى بِهِ انْتَهَى وَإِنَّمَا وَصَفَ الْعَرْقَ بِالسِّمَنِ وَالْمِرْمَاةَ بِالْحُسْنِ لِيَكُونَ ثَمَّ بَاعِثٌ نَفْسَانِيٌّ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَمِّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِهِمْ بِالْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ الْحَقِيرِ مِنْ مَطْعُومٍ أَوْ مَلْعُوبٍ بِهِ مَعَ التَّفْرِيطِ فِيمَا يُحَصِّلُ رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ وَمَنَازِلَ الْكَرَامَةِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا تَقْدِيمُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الْعُقُوبَةِ وَسِرُّهُ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا ارْتَفَعَتْ بِالْأَهْوَنِ مِنَ الزَّجْرِ اكْتُفِيَ بِهِ عَنِ الْأَعْلَى مِنَ الْعُقُوبَةِ نبه عَلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَفِيهِ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ وَلِاحْتِمَالِ أَنَّ التَّحْرِيقَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتَفُونَ فِي بُيُوتِهِمْ فَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى عُقُوبَتِهِمْ إِلَّا بِتَحْرِيقِهَا عَلَيْهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ أَهْلِ الْجَرَائِمِ عَلَى غِرَّةٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عُهِدَ مِنْهُ فِيهِ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْغَتَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَحَقَّقُونَ أَنَّهُ لَا يَطْرُقُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ وَفِي السِّيَاقِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ زَجْرُهُمْ عَنِ التَّخَلُّفِ بِالْقَوْلِ حَتَّى اسْتَحَقُّوا التَّهْدِيدَ بِالْفِعْلِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَشْخَاصِ وَفِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ بَابُ إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالرِّيَبِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُمْ بِحَقٍّ فَاخْتَفَى أَوِ امْتَنَعَ فِي بَيْتِهِ لَدَدًا وَمَطْلًا أُخْرِجَ مِنْهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِهَا كَمَا أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْرَاجَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ بِإِلْقَاءِ النَّار عَلَيْهِم فِي بُيُوتهم وَاسْتدلَّ بِهِ بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ مُتَهَاوِنًا بِهَا وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ تُعَكِّرُ عَلَيْهِ نَعَمْ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ مِنْهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمْ إِذَا اسْتَحَقُّوا التَّحْرِيقَ بِتَرْكِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الصَّلَاةِ خَارِجَةٍ عَنْهَا سَوَاءٌ قُلْنَا وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ كَانَ مَنْ تَرَكَهَا أَصْلًا رَأْسًا أَحَقُّ بِذَلِكَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّهْدِيدِ بِالتَّحْرِيقِ حُصُولُ الْقَتْلِ لَا دَائِمًا وَلَا غَالِبًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْفِرَارُ مِنْهُ أَوِ الْإِخْمَادُ لَهُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ مِنَ الزَّجْرِ وَالْإِرْهَابِ وَفِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَعْذَارَ تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا فَرْضٌ وَكَذَا الْجُمُعَةُ وَفِيهِ الرُّخْصَةُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ إِخْرَاجِ مَنْ يَسْتَخْفِي فِي بَيْتِهِ وَيَتْرُكُهَا وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ تَلْحَقَ بِذَلِكَ الْجُمُعَةُ فَقَدْ ذَكَرُوا مِنَ الْأَعْذَارِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا خَوْفَ فَوَاتِ الْغَرِيمِ وَأَصْحَابِ الْجَرَائِمِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ كَالْغُرَمَاءِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إِمَامَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ إِذَا كَانَ فِي ذَلِك مصلحَة قَالَ بن بَزِيزَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاضِلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ غَائِبًا وَهَذَا لَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازه وَاسْتدلَّ بِهِ بن الْعَرَبِيِّ عَلَى جَوَازِ إِعْدَامِ مَحَلِّ الْمَعْصِيَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَب مَالك وَتعقب بِأَنَّهُ مَنْسُوخ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قِيلَ فِي الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) أَشَارَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِلَى أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ يُنَافِي التَّرْجَمَةَ الَّتِي قَبْلَهَا ثُمَّ أَطَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَيَكْفِي مِنْهُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ وَاجِبًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ذَا فَضِيلَةٍ وَلَكِنَّ الْفَضَائِلَ تَتَفَاوَتُ فَالْمُرَادُ مِنْهَا بَيَانُ زِيَادَةِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ الْأسود أَي بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ أَحَدُ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَهُ لَمَا تَرَكَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْمُبَادَرَةَ إِلَى خَلَاصِ الذِّمَّةِ وَتَوَجَّهَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ كَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ بن الْمُنِيرِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ الْإِشَارَةَ بِأَثَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنَسٍ إِلَى أَنَّ الْفَضْلَ الْوَارِدَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ جَمَعَ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَنْ جَمَعَ فِي بَيْتِهِ مَثَلًا كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنَّ التَّجْمِيعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا بِالْمَسْجِدِ لَجَمَّعَ الْأَسْوَدُ فِي مَكَانِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ وَلَمَا جَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .

     قَوْلُهُ  وَجَاءَ أَنَسٌ وَصَلَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ مَرَّ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي مَسْجِدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِيهِ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْجَعْدِ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيِّ عَنِ الْجَعْدِ نَحْوُهُ.

     وَقَالَ  مَسْجِدُ بَنِي رِفَاعَةَ.

     وَقَالَ  فَجَاءَ أَنَسٌ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ فِتْيَانِهِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ إِرَادَةِ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [644] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ».
[الحديث أطرافه في: 657، 2420، 7224] .
وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسيّ ( قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم: فقد ناسًا في بعض الصلوات ( قال) : ( و) الله ( الذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره ( لقد هممت) هو جواب القسم، أكده باللام وقد، والمعنى لقد قصدت ( أن آمر بحطب فيحطب) بالفاء وضم المثناة التحتية وبعد الحاء الساكنة طاء مبنيًّا للمفعول منصوبًا عطفًا على المنصوب المتقدم، وكذا الأفعال الواقعة بعده.
وللحموي والمستملي: ليحطب، بلام التعليل، ولابن عساكر وأبي ذر.
يتحطب، بضم التحتية وفتح الفوقية والطاء، ولابن عساكر أيضًا فيحطب، بالفاء وتشديد الطاء.
ولأبي الوقت: فيتحطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد التحتية المضمومة وتشديد الطاء أيضًا، وفي رواية: فيحتطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد الحاء الساكنة.
وحطب واحتطب بمعنى واحد، قال في الفتح: أي يكسر ليسهل اشتعال النار به، وتعقبه العيني بأنه لم يقل أحد من أهل اللغة إن معنى يحطب يكسر، بل المعنى يجمع ( ثم آمر) بالمد وضم الميم ( بالصلاة) العشاء أو الفجر أو الجمعة أو مطلقًا، كلها روايات ولا تضاد لجواز تعدد الواقعة ( فيؤذن لها) بفتح الذال المشددة، أي يعلم الناس لأجلها.
والضمير مفعول ثانٍ، ( ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) المشتغلين بالصلاة قاصدًا ( إلى رجال) لم يخرجوا إلى الصلاة ( فأحرّق عليهم بيوتهم) بالنار عقوبة لهم، وقيد بالرجال ليخرج الصبيان والنساء، ومفهومه أن العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وأحرّق بتشديد الراء وفتح القاف وضمها كسابقه وهو مشعر بالتنكير والمبالغة في التحريق.
وبهذا استدلّ الإمام أحمد ومن قال: إن الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكان قيامه عليه الصلاة والسلام ومن معه بها كافيًا.
وإلى هذا ذهب عطاء والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية، كابني خزيمة، وحبان، وابن المنذر وغيرهم من الشافعية، لكنها ليست بشرطفي صحة الصلاة كما قاله في المجموع.
وقال أبو حنيفة ومالك: هي سُنَّة مؤكدة، وهو وجه عند الشافعية لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ولمواظبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها بعد الهجرة.
وقرأت في شرح المجمع لابن قرشتاه مما عزاه العيني لشرح الهداية.
وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سُنّة لأنه ثابت بالسُّنَّة اهـ.
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور أصحابه المتقدمين، وصحّحه النووي في المنهاج كأصل الروضة، وبه قال بعض المالكية، واختاره الطحاوي والكرخي وغيرهما من الحنفية لحديث أبي داود، وصحّحه ابن حبّان وغيره: ما من ثلاثة في قرية أو بلد ولا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب.
ويمكن أن يقال التهديد بالتحريق وقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية.
وأجيب عن حديث الباب بأنه همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم، أو أن فرضية الجماعة نسخت، أو أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، ما يدل عليه السياق.
فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل.
وتعقب بأنه يبعد اعتناؤه عليه الصلاة والسلام بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع علمه بأنه لا صلاة لهم.
وقد كان عليه الصلاة والسلام معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم.
وأجيب بأنه لا يتم إلاّ أن أدّعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك ْوإذا ثبت أنه كان مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم.
وفي قوله في الحديث الآتي، إن شاء الله، بعد أربعة أبواب: ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر، دلالة على أنه ورد في المنافقين.
لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر كما يدل عليه حديث أبي هريرة المروي في أبي داود، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة.
نعم سياق حديث الباب يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلّف عنها.
ومحل الخلاف إنما هو في غير الجمعة، أما هي فالجماعة شرط في صحتها وحينئذ فتكون فيها فرض عين.
ثم إن التقييد بالرجال في قوله: ثم أخالف إلى رجال، يخرج الصبيان والنساء فليست في حقهن فرضًا جزمًا، والخلاف السابق في المؤداة.
أما المقضية فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية، ولكنها سنة لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي.
ثم أعاد عليه الصلاة والسلام القسم للمبالغة في التأكيد فقال: ( و) الله ( الذي نفسي بيده) بتقديره ( لو يعلم أحدهم) أي المتخلفين ( أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف: العظم الذي عليه بقية لحم أو قطعة لحم ( أو مرماتين حسنتين) بكسر الميم وقد تفتح، تثنية مرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفها من اللحم كذا عن البخاري فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري، أو اسم سهم يتعلم عليه الرمي ( لشهد العشاء) أي صلاتها.
فالمضاف محذوف.
والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعًا دنيويًّا وإن كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همّته على الدنيا، ولا يحضرها لما لها من مثوبات الأخرى ونعيمها، فهو وصف بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فبما يحصل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامات، ووصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما، واستنبط من قوله: لقد هممت، تقديم التهديد والوعيد على العقوبة، وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفى به على الأعلى، وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الأحكام، والنسائي في الصلاة.
30 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَجَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً.
( باب فضل صلاة الجماعة) على صلاة الفذ.
( وكان الأسود) بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين ( إذا فاتته الجماعة) أي صلاتها في مسجد قومه ( ذهب إلى مسجد آخر) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ومطابقته للترجمة منحيث أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عند الأسود لما ترك فضيلة أول الوقت وتوجّه إلى مسجد آخر، أو من حيث أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته، لأنه لو لم يكن مختصًّا بالمسجد لجمع الأسود في بيته ولم يأت مسجدًا آخر لأجل الجماعة.
( وجاء أنس) وللأصيلي وابن عساكر: أنس بن مالك فيما وصله أبو يعلى في مسنده، وقال: وقت صلاة الصبح ( إلى مسجد) في رواية البيهقي أنه مسجد بني رفاعة وفي رواية أبي يعلى أنه مسجد بني ثعلبة.
( قد صُلي فيه) بضم الصاد وكسر اللام ( أذن وأقام وصلّى جماعة) قال البيهقي في روايته جاء أنس في عشرين من فتيانه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [644] حَدَّثَنَا عَبْد الله بْن يوسف: أنا مَالِك، عَن أَبِي الزناد، عَن الأعرج، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن رَسُول الله - رضي الله عنه - قَالَ: ( ( والذي نفسي بيده، لَقَدْ هممت بحطب [يجمع] ليحتطب، ثُمَّ آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثُمَّ آمررجلاً فيؤم النَّاس، ثُمَّ أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، فوالذي نفسي بيده، لَوْ يعلم أحدهم أَنَّهُ يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) ) .
قَالَ ابن عَبْد البر: قوله: ( ( لَقَدْ هممت أن آمر بخطب ليحطب) ) أي: يجمع.
والعرق، المراد بِهِ: بضعة اللحم السمين عَلَى عظمة.
والمرماتان، قيل: هما السهمان.
وقيل: هما حديدتان من حدائد كانوا يلعبون بهما، وهي ملس كالأسنة، كانوا يثبتونها فِي الأكوام والأغراض، ويقال لها - فيها زعم بعضهم -: المداحي.
قَالَ أبو عُبَيْدِ: يقال: إن المرماتين ظلفا الشاة.
قَالَ: وهذا حرف لا أدري مَا وجهه، إلا أن هَذَا تفسيره.
ويروى المرماتين - بكسر الميم وفتحها -: ذكره الأخفش.
وذكر العرق والمرماتين عَلَى وجه ضرب المثال بالأشياء التافهة الحقيرة من الدنيا، وَهُوَ توبيخ لمن رغب عَن فضل شهود الجماعة للصلاة، مَعَ أَنَّهُ لَوْ طمع فِي إدراك يسير من عرض الدنيا لبادر إليه، ولو نودي إلى ذَلِكَ لأسرع الإجابة إليه، وَهُوَ يسمع منادي الله فلا يجيبه.
قَالَ الخطابي: وقوله: ( ( حسنتين) ) لا أدري عَلَى أي شيء يتأول معنى الْحَسَن فيهما، إلا عَلَى تأويل من فسر المرماة بظلف الشاة.
ثُمَّ ذكر عَنالمبرد، أَنَّهُ قَالَ: الْحَسَن والحسن العظيم الَّذِي فِي المرفق مِمَّا يلي البطن.
والقبح والقبيح العظم الَّذِي فِي المرفق مِمَّا يلي المرفق.
قَالَ: فلعله شبه أحد العظمين بالآخر - أعني المرماة - والعظم الَّذِي فِي المرفق مِمَّا يلي البطن.
قَالَ: وَهُوَ شيء لا أحق ولا اثق بِهِ.
انتهى.
قُلتُ: وقد قَالَ بعضهم: ان الرواية ( ( خشبتين) ) بالخاء والشين المعجمتين والباء الموحدة، وَهُوَ غلط وتصحيف.
والذي يظهر - والله أعلم - ان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرج هَذَا الكلام مخرج تعظيم شهور العشاء فِي جماعة، والتنويه بفضله وشرفه ونفاسته، والنفوس مجبولة عَلَى محبة الأشياء الحسنة الشريفة النفيسة، والميل إليها، فوبخ من لَوْ طمع فِي وجود قطعة من لحم سمينة أو مرماتين حسنتين، وهما من ادنى الأشياء الدنيوية لبادر الى الخروج إليها، وشهد العشاء لذلك، وَهُوَ يتخلف عَن شهود العشاء فِي الجماعة مَعَ فضل الجماعة عِنْدَ الله، وعظم فضل الجماعة مَا يدخره لمن شهدها عنده من جميل الجزاء وجزيل العطاء، فيكون مَا يعجل لَهُ وإن كَانَ يسيراً من أمور الدنيا المستحسنة عنده مِمَّا يأكله أو يلهو بِهِ أهم عنده من ثواب الله الموعود بِهِ.
ويشبه هَذَا: قَوْلِ الله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:11] ، فإنه توبيخ لمن ترك الجمعة أو اشتغل عَنْهَا بالتجارة أو باللهو.
وهذا الحَدِيْث: ظاهر فِي وجوب شهود الجماعة فِي المساجد، وإجابةالمنادي بالصلاة؛ فإن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر أَنَّهُ هم بتحريق بيوت المتخلفين عَن الجماعة، ومثل هذه العقوبة الشديدة لا تكون إلا عَلَى ترك واجبٍ.
وقد اعترض المخالفون فِي وجوب الجماعة عَلَى هَذَا الاستدلال، وأجابوا عَنْهُ بوجوهٍ.
مِنْهَا: حمل هَذَا الوعيد عَلَى الجمعة خاصة.
واستدلوا عَلِيهِ بما فِي ( ( صحيح مُسْلِم) ) عَن ابن مَسْعُود، ان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لقوم يتخلفون عَن الجمعة: ( ( لَقَدْ هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثُمَّ أحرق عَلَى رجال يتخلفون عَن الجمعة) ) .
ومنها: أَنَّهُ أراد تحريق بيوت المنافقين لنفاقهم؛ ولهذا قَالَ ابن مَسْعُود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عَنْهَا إلا منافق معلوم نفاقه، وقد سبق ذكره.
والمنافق إذا تخلف عَن الصلاة مَعَ المُسْلِمِين لا يصلي فِي بيته بالكلية، كما أخبر الله عنهم، أنهم { يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النِّسَاء: 142] .
وهذا التأويل عَن الشَّافِعِيّ وغيره.
ومنها: أَنَّهُ لَمْ يفعل التحريق، وإنما توعد بِهِ.
وقد ذهب قوم من العلماء الى جواز أن يهدد الحَاكِم رعيته بما لا يفعله بهم، واستدل بعضهم لذلك بما أخبر بِهِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن سُلَيْمَان، أَنَّهُ قَالَ حِينَ اختصمت إليه المراتان في الولد: ( ( ايتوني بالسكين حَتَّى أشقه) ) ، ولم يرد فعل ذَلِكَ، إنما قصد بِهِ التوصل الى معرفة أمه منهما بظهور شفقتها ورقتها عَلَى ولدها.
والجواب: أَنَّهُ لا يصح حمل الحَدِيْث عَلَى شيء من ذَلِكَ.
أما حمله عَلَى الجمعة وحدها فغير صحيح.
وفي ذكر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهود العشاء فِي تمام الحَدِيْث مَا يدل عَلَى ان صلاة العشاء الموبخ عَلَى ترك شهودها هِيَ المراد.
وقد روي ذَلِكَ عَن سَعِيد بْن المُسَيِّب، وأنها داخلة فِي عموم الصلاة؛ فإن الاسم المفرد المحلي بالألف واللام يعم، كما فِي قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وهذا قَوْلِ جماعة من العلماء.
وقد جَاءَ التصريح بالتحريق عَلَى من تخلف عَن صلاة العشاء.
فروى الحميدي عَن سُفْيَان: ثنا أبو الزناد، عَن الأعرج، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لَقَدْ هممت أن أقيم الصلاة صلاة العشاء، ثُمَّ آمر فتياني فيخالفوا الى بيوت أقوام يتخلفون عَن صلاة العشاء، فيحرقون عليهم بحزم الحطب) ) - وذكر بقية الحَدِيْث.
وروى ابن أَبِي ذئب، عَن عجلان مَوْلَى المشمعل، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لينتهين رجال ممن حول المسجد، لا يشهدون العشاء الآخرة فِي الجمع، أو لأحرقن حول بيوتهم بحزم الحطب) ) .
خرجه الإمام أحمد.
وخرج - أيضاً - من حَدِيْث أَبِي معشر، عَن سَعِيد المقبري، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لولا مَا فِي البيوت من النِّسَاء والذرية أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون مَا فِي البيوت بالنار) ) .
وروى عاصم، عَن أَبِي صالح، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أخر رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء حَتَّى تهور الليل وذهب ثلثه أو قريباً مِنْهُ، ثُمَّ خرج الى المسجد، فإذا النَّاس عزون، وإذا هم قليل، فغضب غضباً مَا أعلم اني رأيته غضب غضباً قط أشد مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ( ( لَوْ ان رجلاً نادى النَّاس الى عرق أو مرماتين أتوه لذلك [ولم يتخلفوا] ، وهم يتخلفون عَن هذه الصلاة، لَقَدْ هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثُمَّ اتتبع هذه الدور الَّتِيْ تخلف أهلوها عَن هذه الصلاة، فأحرقها عليهم بالنيران) ) .
وورد التصريح بأن العقوبة عَلَى ترك الجماعة دون الجمعة.
خرجه الطبراني فِي ( ( أوسطه) ) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْم - هُوَ ابن هاشم البغوي -: ثنا حوثرة بْن أشرس: ثنا حماد بْن سَلَمَة، عَن ثابت، عَن أنس، ان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ( ( لَوْ ان رجلاً دعا النَّاس الى عرق أو مرماتين لأجابوه، وهم يدعون الى هذه الصلاة فِي جماعة فلا يأتونها، لَقَدْ هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس فِي جماعة، ثُمَّ أنصرف إلى قوم سمعوا النداء، فَلَمْ يجيبوا فأضرمها عليهم ناراً؛ فإنه لا يتخلف عَنْهَا إلا منافق) ) .
حوثرة، ضَعِيف -: قَالَ ابن نقطة فِي ( ( تكملة الإكمال) ) .
وأما ذكر الجمعة فِي حَدِيْث ابن مَسْعُود، فلا يدل عَلَى اختصاها بذاك؛ فإنه كما هم أن يحرق عَلَى المتخلف عَن الجمعة فَقَدْ هم أن يحرق عَلَى المتخلف عَن العشاء.
وقد قيل إنه عبر بالجمعة عَن الجماعة للاجتماع لها.
قَالَ البيهقي: هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِيهِ سائر الرواة.
واستدل بما خرجه من ( ( سنن أَبِي داود) ) عَن يزيد بْن يزيد، عَن يزيد بْن الأصم، قَالَ: [سَمِعْت أبا هُرَيْرَةَ يَقُول] : سَمِعْت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول: ( ( لَقَدْ هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطبٍ، ثُمَّ آتي قوماً يصلون فِي بيوتهم، ليس بهم علة فأحرقها عليهم) ) .
قيل ليزيد بْن الأصم: الجمعة عنى أو غيرها؟ فَقَالَ: صمتا أذناي إن لَمْ أكن سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يأثره عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَا ذكر جمعة ولا غيرها.
وخرجه - أيضاً - من طريق معمر، عَن جَعْفَر بْن برقان، عَن يزيد بْن الأصم مختصراً، وفي حديثه: ( ( لا يشهدون الجمعة) ) .
وهذه الرواية، أو أَنَّهُ اراد بالجمعة الجماعة، كما قَالَ البيهقي؛ فإن مسلماً خرجه من طريق وكيع، عَن جَعْفَر بْن برقان،.

     وَقَالَ  فِي حديثه: ( ( لا يشهدو الصلاة) ) .
ورواية أَبِي داود صريحة فِي أن التحريق عقوبة عَلَى المتخلف عَن الجماعة.
وإن صلى المتخلف فِي بيته.
وأما دعوى أن التحريق كَانَ للنفاق فهو غير صحيح؛ فإن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -صرح بالتعليل بالتخلف عَن الجماعة، ولكنه جعل ذَلِكَ من خصال النفاق، وكل مَا كَانَ علماً عَلَى النفاق فهو محرم.
وفي حَدِيْث أَبِي زرارة الأنصاري، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( من سَمِعَ النداء ثلاثاً فَلَمْ يجب كتب من المنافقين) ) .
وإسناده صحيح؛ لكن أبو زرارة، قَالَ أبو الْقَاسِم البغوي: لا أدري أله صحبة أم لا؟ وخرج الإمام أحمد من رِوَايَة ابن لهيعة، عَن زبان بْن فائد، عَن سَهْل بْن معاذ بْن أنس، عَن أبيه، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( الجفاء كل الجفاء، والكفر والنفاق من سَمِعَ منادي الله ينادي بالصلاة ويدعو بالفلاح فلا يجيبه) ) .
ورواه رشدين بْن سعد، عَن زبان.
قَالَ الحافظ أبو موسى: رواه جماعة عَن زبان، وتابعه عَلِيهِ يزيد بْن أَبِي حبيب.
وَقَالَ النخعي: كفى علماً عَلَى النفاق أن يكون الرَّجُلُ جار المسجد، لا يرى فِيهِ.
وقد كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم نفاق خلق من المنافقين ولا يعاقبهم عَلَى نفاقهم، بل يكل سرائرهم إلى الله، ويعاملهم معاملة المُسْلِمِين فِيالظاهر، ولا يعاقبهم إلا عَلَى ذنوب تظهر منهم، فَلَمْ تكن العقوبة بالتحريق إلا عَلَى الذنب الظاهر، وَهُوَ التخلف عَن شهود الصلاة فِي المسجد، لا عَلَى النفاق الباطن.
وأما دعوى أن ذَلِكَ كَانَ تخويفاً وإرهابا مِمَّا لا يجوز فعله، فَقَدْ اختلف فِي جواز ذَلِكَ.
فروي جوازه عَن طائفة من السلف، منهم: عَبْد الحميد بْن عَبْد الرحمن عامل عُمَر بْن عَبْد العزيز عَلَى الكوفة، وميمون بْن مهران، وروي - أيضاً - عن عُمَر بْن الخَطَّاب من وجه منقطع ضَعِيف، وعن عَلِيّ بْن أَبِي طالب.
وأنكر ذَلِكَ عُمَر بْن عَبْد العزيز وتغيظ عَلَى عَبْد الحميد لما فعله،.

     وَقَالَ : إن خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوءٍ.
وقد ذكر هذه الآثار عُمَر بْن شبة البصري فِي ( ( كِتَاب أدب السلطان) ) .
وبكل حال؛ فليس مَا ذكره النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التحريق من هَذَا فِي شيء؛ لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر بأنه هم، وأنما يهم بما يجوز لَهُ فعله، والتخويف يكون عِنْدَ من أجازه بما لا يجوز فعله ولا الهم بفعله، فتبين أَنَّهُ ليس من التخويف فِي شيء، وإنما امتنع من التحريق لما فِي البيوت من النِّسَاء والذرية وهم الأطفال، كما فِي الرواية الَّتِيْ خرجها الإمام أحمد، وهم لا يلزمون شهود الجماعة؛ فإنها لا تجب عَلَى امرأة ولا طفل، والعقوبة إذا خشي أن تتعدى إلى من لا ذنب لَهُ امتنعت، كما يؤخرالحد عَن الحامل إذا وجب عَلَيْهَا حَتَّى تضع حملها.
فإن زعم زاعم أن التحريق منسوخ؛ لأنه من العقوبات المالية، وقد نسخت، وربما عضل ذَلِكَ بنهي النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن التحريق بالنار.
قيل لَهُ: دعوى نسخ العقوبات المالية بإتلاف الأموال لا تصح، والشريعة طافحة بجواز ذَلِكَ، كأمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتحريق الثوب المعصفر بالنار، وأمره بتحريق متاع الغال، وأمره بكسر القدور الَّتِيْ طبخ فيها لحوم الحمر الأهلية، وحرق عُمَر بيت خمار.
ونص عَلَى جواز تحريق بيت الخمار أحمد وإسحاق -: نقله عنهما ابن منصور فِي ( ( مسائله) ) ، وَهُوَ قَوْلِ يَحْيَى بْن يَحْيَى الأندلسي، وذكر أن بعض أصحابه نقله عَن مَالِك، واختاره ابن بطة من أصحابنا.
وروي عَن عَلِيّ - أيضاً - وروي عَنْهُ أَنَّهُ أنهب ماله.
وعن عُمَر، قَالَ فِي الَّذِي يبيع الخمر: كسورا كل آنية لَهُ، وسيروا كل ماشية لَهُ.
خرجه وكيع فِي ( ( كتابه) ) .
وأما نهيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن التحريق بالنار، فإنما أراد بِهِ تحريق النفوس وذوات الأرواح.
فإن قيل: فتحريق بيت العاصي يؤدي إلى تحريق نفسه، وَهُوَ ممنوع.
قيل: إنما يقصد بالتحريق دارهُ ومتاعهُ، فإن أتى عَلَى نفسه لَمْ يكن بالقصد، بل تبعاً، كما يجوز تبييتُ المشركين وقتلهم ليلاً، وقد أتى القتلعَلَى ذراريهم ونسائهم.
وقد سئل النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: ( ( هم منهم) ) .
وهذا مِمَّا يحسن الاستدلال بِهِ عَلَى قتل تارك الصلاة؛ فإنه إذا جازت عقوبة تارك الجماعة فِي ماله وإن تعدت إلى نفسه بالهلاك، فقتل من ترك الصلاة بالكلية أولى بالجواز، فلا جرم كَانَ قتله واجباً عِنْدَ جمهور العلماء.
وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أَنَّهُ إنما يعاقب تارك الصلاة أو بعض واجباتها فِي حال إخلاله بِهَا، لا بعد ذَلِكَ؛ فإن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أراد عقوبتهم فِي حال التخلف، وقد كَانَ يمكنه أن يؤخر العقوبة حَتَّى يصلي وتنقضي صلاته.
وهذا يعضد قَوْلِ من قَالَ من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: إن تارك الصلاة لا يقتل حَتَّى يدعى إلى الصلاة، ويصر عَلَى تركها حَتَّى يضيق وقت الأخرى، ليكون قتله عَلَى الترك المتلبس بِهِ فِي الحال.
وفي الحَدِيْث - أيضاً - أن الإمام لَهُ أن يؤخر الصلاة عَن أول الوقت لمصلحة دينية، ولكنه يستخلف من يصلي بالناس فِي أول الوقت؛ لئلا تفوتهم فضيلة أول الوقت.
وفيه - أيضاً -: أن إنكار المنكر فرض كفاية، وأنه إذا قام اكتفى بذلك، ولا يلزم جميع النَّاس الاجتماع عَلِيهِ؛ فإنه لَوْ كَانَ كذلك لأخذ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ جميع النَّاس.
30 - بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الجَمَاعَةِ وكان الأسود إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر.
وجاء أنس إلى مسجد قَدْ صلي فِيهِ، فأذن وأقام، وصلى جماعة.
هاهنا مسألتان: إحداهما: أن من فاتته الجماعة فِي مسجد لَمْ يجد فِيهِ جماعةً، فإنه يذهب إلى مسجد آخر لتحصيل الجماعة، كما فعله الأسود.
وَقَالَ حماد بْن زيد: كَانَ ليث بْن أبي سليم إذا فاتته الصلاة فِي مسجد حيه اكترى حماراً، فطاف عَلِيهِ المساجد حَتَّى يدرك جماعةً.
ونص الإمام أحمد عَلَى أن من فاتته الجماعة فِي مسجد حيه أَنَّهُ يذهب إلى مسجد آخر ليدرك الجماعة.
قَالَ: وإن فاتته تكبيرة الإحرام مَعَ الإمام فِي مسجد حية صلى معهم، ولم يذهب إلى مسجد آخر لإدراك تكبيرة الإحرام مَعَ إمامه.
وحكى عَن هشيم، أَنَّهُ كَانَ يذهب إلى مسجد آخر لإدراك تكبيرة الإحرام مَعَ الإمام.
ومذهب مَالِك: أن من وجد مسجداً قَدْ جمع أهله، فإن طمع بإدراك جماعة فِي مسجد غيره خرج إليها، وإن كانوا جماعةً فلا بأس أنيخرجوا فيجمعوا كراهة إعادة الجماعة عندهم فِي المسجد، كما سيأتي.
واستثنوا من ذَلِكَ المسجد الحرام ومسجد النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسجد بيت المقدس، فقالوا: يصلوا فيها أفذاذاً، هُوَ أعظم لأجورهم من الجماعة خارج المسجد -: ذكره فِي ( ( تهذيب المدونة) ) .
المسألة الثانية: أن من دَخَلَ مسجداً قَدْ صلي فِيهِ جماعة، فإنه يصلى فِيهِ جماعة مرة ثانية، صح ذَلِكَ عَن أنس بْن مَالِك، كما علقه عَنْهُ البخاري، واحتج بِهِ الإمام أحمد.
وَهُوَ من رِوَايَة الجعد أَبِي عُثْمَان، أَنَّهُ رأى أَنَس بْن مَالِك دَخَلَ مسجداً قَدْ صلي فِيهِ، فأذن وأقام وصلى بأصحابه.
وقد رواه غير واحد من الثقات، عَن الجعد، وخرجه عَبْد الرزاق والأثرام وابن أَبِي شيبة والبيهقي وغيرهم فِي ( ( تصانيفهم) ) من طرق متعددة عَن الجعد.
وقد روي عَن أَنَس من وجه آخر؛ وأنه رَوَى فِي ذَلِكَ حديثاً مرفوعاً.
خرجه ابن عدي من طريق عباد بْن منصور، قَالَ: رأيت أَنَس بْن مَالِك دَخَلَ مسجداً بعد العصر، وقد صلى القوم، ومعه نفر من أصحابه، فأمهم، فلما انفتل قيل لَهُ: أليس يكره هَذَا؟ فَقَالَ: دَخَلَ رَجُل المسجد، وقد صلى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الفجر، فقام قائماً ينظر، فَقَالَ: ( ( مَالِك؟) ) قَالَ: أريد أن أصلي، فَقَالَ: ( ( أما رَجُل يصلي مَعَ هَذَا؟) ) فدخل رَجُل، فأمرهم النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلو جميعاً.
وعباد بْن منصور، تكلموا فِيهِ.
وقد اختلف النَّاس فِي هَذَا المسألة فِي موضعين: أحدهما: أن من دَخَلَ مسجداً قَدْ صلي فِيهِ فصلى وحده أو جماعة: هَلْ يؤذن ويقيم، أم يكفيه أذان الجماعة الأولى وإقامتهم؟ فِيهِ قولان مشهوران للعلماء، قَدْ سبق ذكرهما فِي مواضع من الكتاب.
ومذهب أَبِي حنيفة وأصحابه وسفيان وإسحاق؛ أَنَّهُ يجزئهم الأذن والإقامة الأولى، وَهُوَ نَصَّ أحمد، وقد جعله صاحب ( ( المغني) ) المذهب، وَهُوَ كما قَالَ؛ لكن أحمد لا يكره إعادة الأذان والإقامة.
وروي عَن طائفة من السلف كراهة إعادتهما، منهم: عَبْد الرحمن بْن أَبِي ليلي وغيره، وحكي - أيضاً - عن أَبِي يوسف ومحمد.
وعن الشَّعْبِيّ، قَالَ: إذا صلى فِي المسجد جماعة فإن إقامتهم تجزىء عمن صلى صلاة إلى الصلاة الأخرى.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: يقيم، ولم يذكر الأذان.
وعن قتادة، قَالَ: إن لَمْ يسمع الإقامة أقام، ثُمَّ صلى.
والموضع الثاني: إعادة الجماعة فِي مسجد قَدْ صلى فِيهِ إمامه الراتب.
واختلف العلماء فِي ذَلِكَ: فمنهم: من كرهه،.

     وَقَالَ  يصلون فِيهِ وحداناً، روي ذَلِكَ عَن سَالِم وأبي قلابة، وحكاه بعض العلماء عَن سَعِيد بْن المُسَيِّب والحسن والنخعي والضحاك والقاسم بْن مُحَمَّد والزهري وغيرهم، وَهُوَ قَوْلِ الليث والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك، وحكاه الترمذي فِي ( ( كتابه) ) عَن ابن المبارك والشافعي،وقد رواه الربيع عَن الشَّافِعِيّ، وأنه لَمْ يفعله السلف، بل قَدْ عابه بعضهم.
وكان هَذَا القول هُوَ المعمول بِهِ فِي زمن بني أمية؛ حذراً من أن يظن بمن صلى جماعة بعد جماعة المسجد الأولى أَنَّهُ مخالف للسلطان مفتئت عَلِيهِ، لا يرى الصلاة مَعَهُ، ولا مَعَ من أقامه فِي إمامه المساجد.
وقد استدل بعضهم لهذا بما رَوَى معاوية بْن يَحْيَى، عَن خَالِد الحذاء، عَن عَبْد الرحمن بْن أَبِي بكرة، عَن أَبِيه، أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد النَّاس قَدْ صلوا، فمال إلى منزله، فجمع أهله، فصلى بهم.
خرجه الطبراني.
ومعاوية بْن يَحْيَى، لا يحتج بِهِ.
وذهب أكثر العلماء إلى جواز إعادة الجماعة فِي المساجد فِي الجملة كما فعله أَنَس بْن مَالِك، منهم: عَطَاء وقتادة ومكحول، وَهُوَ قَوْلِ إِسْحَاق وأبي يوسف ومحمد وداود.
واختلف فِيهِ عَن الْحَسَن والنخعي، فروي عنهما كالقولين.
والمشهور: أَنَّهُ يكره ذَلِكَ فِي مسجدي مكة والمدينة خاصة، ويجوز فيما سواهما.
ومن تأخري أصحابه من ألحق بمسجدي مكة والمدينة المسجد الأقصى فِي الكراهة.
وعن أحمد رِوَايَة أخرى: لا يكره بحال.
ومن أصحابنا من كرهه فِي المساجد العظام الَّتِيْ يتولى السلطان عادة ترتيب أئمتها كالجوامع ونحوها؛ لئلا يتطرق بذلك إلى الافتئات عَلِيهِ، ولم يكرهه فِي المساجد الَّتِيْ يرتبأئمتها جيرانها.
وحكي عَن الشَّافِعِيّ، أَنَّهُ يكره إعادة الجماعة فِي مساجد الدروب ونحوها دون مساجد الأسواق الَّتِيْ يكثر فيها تكرار الجماعات، لكثرة استطراق النَّاس إليها؛ دفعاً للحاجة.
ومتى لَمْ يكن للمسجد إمام راتب لَمْ يكره إعادة الجماعة فِيهِ عِنْدَ أحد من العلماء، مَا خلا الليث بْن سعد، فإنه كره الإعادة فِيهِ - أيضاً.
واستدل من لَمْ يكره الإعادة بحديث أَبِي سَعِيد الْخُدرِيَّ، قَالَ: جَاءَ رجلٌ وقد صلى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: ( ( أيكم يتجر عَلَى هَذَا؟) ) فقام رَجُل، فصلى مَعَهُ.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي - وهذا لفظه،.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيْث حسن - وابن خزيمة وابن حبان فِي ( ( صحيحهما) ) والحاكم،.

     وَقَالَ : صحيح الإسناد.
وقد قواه الإمام أحمد وأخذ بِهِ، وَهُوَ مشكل عَلَى أصله؛ فإنه يكره إعادة الجماعة فِي مسجد المدينة.
وقد اعتذر الإمام أحمد عَنْهُ من وجهين: أحدهما: أن رغبة الصَّحَابَة فِي الصلاة مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ متوفرة، وإنما كَانَ يتخلف من لَهُ عذر، وأما بعده فليس كذلك، فكره تفريق الجماعات فِي المسجدين الفاضلين توقيراً للجماعة فيهما.
والثاني: أن هَذَا يغتفر فِي الجماعة القليلة دون الكثيرة، ولهذا لَمْيأمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر من واحد بالصلاة مَعَهُ.
وكذلك قَالَ أحمد فِي الجماعة تفوتهم الجمعة: إنهم إن كانوا ثَلاَثَة صلوا جماعةً، فإن كثروا فتوقف فِي صلاتهم جماعةً،.

     وَقَالَ : لا أعرفه.
ومأخذه فِي ذَلِكَ: أن فِي إظهار صلاة الظهر يوم الجمعة فِي المساجد افتئاتاً عَلَى الأئمة، ويتستر بِهِ أهل البدع إلى ترك الجمعة، وصلاة الظهر فِي المساجد كسائر الأيام.
وقد كره طائفة من السلف لمن فاتته الجمعة أن يصلوا جماعة، منهم: الْحَسَن وأبو قلابة، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي حنيفة.
ورويت الرخصة فِيهِ عَن ابن مَسْعُود وإياس بْن معاوية، وَهُوَ قَوْلِ الشَّافِعِيّ وأحمد وإسحاق.
وعن أحمد رِوَايَة: أَنَّهُ يكره صلاة الظهر جماعة إذ كثروا، ولا يكره إذا قلوا.
وقد ذكرناها آنفاً.
ومن أصحابنا من كره الجماعة فِي مكان الجمعة خاصة.
واختلف فِيهِ عَن الثوري ومالك.
وروي عَن حذيفة وزيد بْن ثابت، أن من فاتته الجمعة لا يصلي الظهر فِي المسجد بالكلية حياء من النَّاس.
قَالَ حذيفة: لا خير فيمن لا حياء فِيهِ.
وَقَالَ زيد: من لا يستحي من النَّاس لا يستحي من الله.
وقد روي فِي حَدِيْث أَنَس الموقوف الَّذِي علقه البخاري زيادة: أَنَّهُ أمر بعض أصحابه فأذن وصلى ركعتين، ثُمَّ أمره فأقام ثُمَّ تقدم أَنَس فصلى بهم.
خرجه عَبْد الرزاق عَن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان، عَن الجعد، عَن أَنَس.
وخرجه الجوزجاني من رِوَايَة ابن علية، عَن الجعد، قَالَ: كنا فِي مسجد بني رِفَاعَة، فجاء أَنَس بْن مَالِك ومعه نفر، وقد صلينا صلاة الصبح، فَقَالَ: أصليتم؟ قَالَ: نَعَمْ، فإذن رَجُل من القوم، ثُمَّ صلوا ركعتين، ثُمَّ أقام، ثُمَّ تقدم أَنَس فصلى بهم.
وهذا يدل عَلَى أن من دَخَلَ مسجداً قَدْ صلي فِيهِ والوقت باقٍ، فإنه يجوز لَهُ أن يتطوع قَبْلَ صلاة المكتوبة، ويصلي السنن الرواتب قَبْلَ الفرائض، وَهُوَ قَوْلِ الأكثرين، منهم: [.. .. ..] وأبو حنيفة ومالك والشافعي.
وقالت طائفة: يبدأ بالمكتوبة، منهم: ابن عُمَر -: رواه مَالِك وأيوب وابن جُرَيْج، عَن نافعٍ، عَنْهُ.
وكذا روي عَن عَبْد الرحمن بْن أَبِي ليلى والشعبي والنخعي وعطاء، وَهُوَ قَوْلِ الثوري والحسن بْن حي والليث بْن سعد.
وعن الْحَسَن، قَالَ: ابدأ بالمكتوبة إلا ركعتيالفجر.
وكذا قَوْلِ الثوري.
واختلفت الرواية عَن أحمد فِي ذَلِكَ: فنقل عَنْهُ ابن منصور وصالح وحنبل: يبدأ بالمكتوبة، واستدل فِي رِوَايَة ابن منصور وصالح بما روي عَن ابن عُمَر.
ونقل عَنْهُ أبو الْقَاسِم البغوي، فِي الرَّجُلُ يخرج إلى المسجد فيجدهم قَدْ صلوا، ووجد رجلاً يتطوع: أيتطوع حَتَّى يجيء الرَّجُلُ؟ قَالَ: إن شاء تطوع.
ومن كره ذَلِكَ جعل الدخول إلى المسجد لإرادة الصلاة المكتوبة كإقامة الصلاة، فلا يبدأ قبلها بشيء وإنما يشرع التطوع لمن ينتظر الإمام؛ لأنه إذا لَمْ يخرج إلى النَّاس لَمْ يمنعوا من التطوع.
ولو كَانَتْ الصلاة فِي غير مسجد فله أن يتطوع قَبْلَ المكتوبة -: قاله عَطَاء وغيره.
وقياس هَذَا: أن الإمام إذا حضر المسجد، فإنه يكره لَهُ أن يتطوع قَبْلَ المكتوبة - أيضاً.
وقد ذكرنا فيها تقدم فِي ( ( بَاب: متى يقوم النَّاس إذا رأوا الإمام) ) الحَدِيْث الَّذِي خرجه أبو داود، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حِينَ تقام الصلاة فِي المسجد إذا رآهم قليلاً جلس ثُمَّ صلى، وإذا رآهم جماعة صلى.
وخرجه البيهقي، ولفظه: كَانَ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإذا رأى أهل المسجد قليلاً جلس حَتَّى يرى منهم جماعة ثُمَّيصلي.
وقد تقدم فِي ( ( بَاب: القيام للصلاة) ) الحَدِيْث المرسل، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ وبلال فِي الإقامة فجلس.
خرج البخاري - رحمه الله - في هَذَا الباب ثَلاَثَة أحاديث: الحَدِيْث الأول:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ)
هَكَذَا بَتَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِقُوَّةِ دَلِيلِهَا عِنْدَهُ لَكِنْ أَطْلَقَ الْوُجُوبَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وُجُوبُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ إِلَّا أَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ الْحَسَنِ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ وُجُوبُ عَيْنٍ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادِتِهِ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ الْآثَارَ فِي التَّرَاجِمِ لِتَوْضِيحِهَا وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْيِينِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَبِهَذَا يُجَابُ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْلَ الْحَسَنِ يُسْتَدَلُّ لَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ أَحَدٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى مَنْ وَصَلَ أَثَرَ الْحَسَنِ وَقَدْ وَجَدْتُهُ بِمَعْنَاهُ وَأَتَمَّ مِنْهُ وَأَصْرَحَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ يَصُومُ يَعْنِي تَطَوُّعًا فَتَأْمُرُهُ أُمُّهُ أَنْ يُفْطِرَ قَالَ فَلْيُفْطِرْ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَجْرُ الصَّوْمِ وَأَجْرُ الْبِرِّ قِيلَ فَتَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا هَذِهِ فَرِيضَةٌ.

.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمْ يُهَدَّدْ تَارِكُهَا بِالتَّحْرِيقِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكَانَتْ قَائِمَةً بِالرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ التَّهْدِيدُ بِالتَّحْرِيقِ الْمَذْكُورِ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي حَقِّ تَارِكِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَشْرُوعِيَّةِ قِتَالِ تَارِكِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّحْرِيقَ الَّذِي قَدْ يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ أَخَصُّ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ وَلِأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ فِيمَا إِذَا تَمَالَأَ الْجَمِيعُ عَلَى التَّرْكِ وَإِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَأَبِي ثَوْر وبن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذر وبن حِبَّانَ وَبَالَغَ دَاوُدُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَجَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَة الصَّلَاة وَأَشَارَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِي الْعِبَادَةِ كَانَ شَرْطًا فِيهَا فَلَمَّا كَانَ الْهم الْمَذْكُورُ دَالًّا عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ الْحُضُورُ وَوُجُوبُ الْحُضُورِ دَلِيلًا عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ ثَبَتَ الِاشْتِرَاطُ بِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَسْلِيمِ أَنَّ مَا وَجَبَ فِي الْعِبَادَةِ كَانَ شَرْطًا فِيهَا وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ الْغَالِبُ وَلَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنِ الشَّرْطِيَّةِ قَالَ أَحْمَدُ إِنَّهَا وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ انْتَهَى وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ.

     وَقَالَ  بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْبَاقِينَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا وَهُوَ ثَانِيهَا وَنَقله إِمَام الْحَرَمَيْنِ عَن بن خُزَيْمَةَ وَالَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ الْوُجُوبُ حَسْبَمَا قَالَ بن بَزِيزَةَ إِنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْمُتَخَلِّفِينَ فَلَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ مَا هَمَّ بِتَرْكِهَا إِذَا تَوَجَّهَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِمَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَدَارَكْهَا فِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَمِنْهَا وَهُوَ ثَالِثُهَا مَا قَالَ بن بطال وَغَيره لوكانت فَرْضًا لَقَالَ حِينَ تَوَعَّدَ بِالْإِحْرَاقِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ لَمْ تُجْزِئْهُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْبَيَان وَتعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الْبَيَانَ قَدْ يَكُونُ بِالتَّنْصِيصِ وَقَدْ يَكُونُ بِالدَّلَالَةِ فَلَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ هَمَمْتُ إِلَخْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ وَهُوَ كَافٍ فِي الْبَيَانِ وَمِنْهَا وَهُوَ رَابِعُهَا مَا قَالَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ مَوَرِدَ الزَّجْرِ وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَعِيدُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا الْكُفَّارُ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ عُقُوبَةِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ وَقَعَ بَعْدَ نَسْخِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي الْجِهَادِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ بِالنَّارِ ثُمَّ عَلَى نَسْخِهِ فَحَمْلُ التَّهْدِيدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَمِنْهَا وَهُوَ خَامِسُهَا كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ تَحْرِيقَهُمْ بَعْدَ التَّهْدِيدِ فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا مَا عَفَا عَنْهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَمَّ وَلَمْ يَفْعَلْ زَادَ النَّوَوِيُّ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عين لما تَركهم وَتعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لايهم إِلَّا بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ.

.
وَأَمَّا التَّرْكُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا انْزَجَرُوا بِذَلِكَ وَتَرَكُوا التَّخَلُّفَ الَّذِي ذَمَّهُمْ بِسَبَبِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بَيَانُ سَبَبِ التَّرْكِ وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَأَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ الْحَدِيثَ وَمِنْهَا وَهُوَ سَادِسُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّهْدِيدِ قَوْمٌ تَرَكُوا الصَّلَاةَ رَأْسًا لَا مُجَرَّدَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ أَيْ لَا يَحْضُرُونَ وَفِي رِوَايَةِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاءَ فِي الْجَمِيعِ أَيْ فِي الْجَمَاعَةِ وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زيد عِنْد بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ عَنْ تَرْكِهِمُ الْجَمَاعَاتِ أَوْ لَأُحَرِّقَنَّ بُيُوتَهُمْ وَمِنْهَا وَهُوَ سَابِعُهَا أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى مُخَالَفَةِ فِعْلِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِهِمْ لَا لِخُصُوصِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ أَشَارَ إِلَيْهِ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْوَجْهِ الرَّابِعِ وَمِنْهَا وَهُوَ ثَامِنُهَا أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ فَلَيْسَ التَّهْدِيدُ لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ الِاعْتِنَاءِ بِتَأْدِيبِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى تَرْكِهِمُ الْجَمَاعَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُمْ وَبِأَنَّهُ كَانَ مُعْرِضًا عَنْهُمْ وَعَنْ عُقُوبَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ بِطَوِيَّتِهِمْ وَقَدْ قَالَ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ وَتعقب بن دَقِيق الْعِيد هَذَا التعقب بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِذَا ادَّعَى أَنَّ تَرْكَ مُعَاقَبَةِ الْمُنَافِقِينَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فَلَيْسَ فِي إِعْرَاضِهِ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَرْكِ عُقُوبَتِهِمْ انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ لِقَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ الْحَدِيثَ وَلِقَوْلِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ إِلَخْ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَائِقٌ بِالْمُنَافِقِينَ لَا بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ لَكِنِ الْمُرَادُ بِهِ نِفَاقُ الْمَعْصِيَةِ لَا نِفَاقُ الْكُفْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَجْلَانَ لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاءَ فِي الْجَمِيعِ وَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَةَ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ آتِي قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِفَاقَهُمْ نِفَاقُ مَعْصِيَةٍ لَا كُفْرٍ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ إِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَإِذَا خَلَا فِي بَيْتِهِ كَانَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ وَأَيْضًا فَ.

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ الْمَقْبُرِيِّ لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا لِأَنَّ تَحْرِيقَ بَيْتِ الْكَافِرِ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى الْغَلَبَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُودُ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ فِي بَيْتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنِّفَاقِ فِي الْحَدِيثِ نِفَاقَ الْكُفْرِ فَلَا يدل على عدم الْوُجُوب لِأَنَّهُ يتَضَمَّن أَن ترك الْجَمَاعَة من صِفَات الْمُنَافِقين وَقد نهينَا عَن التَّشَبُّه بهم وَسِيَاق الحَدِيث يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَمِّ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ خُرُوجُ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ جَازَ لَهُمُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقين وَيدل عَلَيْهِ قَول بن مَسْعُودٍ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِلَّا مُنَافِقٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ انْتَهَى كَلَامُهُ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَشْهَدُهُمَا مُنَافِقٌ يَعْنِي الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ وَلَا يُقَالُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ هَذَا الْوَجْهِ لِانْتِفَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ قَدْ يَتَخَلَّفُ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنْ تَخَلَّفَ لِأَنِّي أَقُولُ بَلْ هَذَا يُقَوِّي مَا ظَهَرَ لِي أَوَّلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْمَعْصِيَةِ لَا نِفَاقَ الْكُفْرِ فَعَلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ لَا الْعَاصِي الَّذِي يَجُوزُ إِطْلَاقُ النِّفَاقِ عَلَيْهِ مَجَازًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ وَمِنْهَا وَهُوَ تَاسِعُهَا مَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ فَرْضِيَّةَ الْجَمَاعَةِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِأَجْلِ سَدِّ بَابِ التَّخَلُّفِ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ثُمَّ نُسِخَ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَقَوَّى بِثُبُوتِ نَسْخِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّهمْ وَهُوَ التَّحْرِيقُ بِالنَّارِ كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَكَذَا ثُبُوتُ نَسْخِ مَا يَتَضَمَّنُهُ التَّحْرِيقُ مِنْ جَوَازِ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَفْضِيلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا لِأَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الْجَوَازُ وَمِنْهَا وَهُوَ عَاشِرُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَةُ لَا بَاقِي الصَّلَوَاتِ وَنَصَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَتُعُقِّبَ بِالْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْعِشَاءِ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ اخْتَلَفَتْ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ الَّتِي وَقَعَ التَّهْدِيدُ بِسَبَبِهَا هَل هِيَ الْجُمُعَة أَوِ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ مَعًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ وَإِلَّا وَقَفَ الِاسْتِدْلَالُ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ تَعَيَّنَ كَوْنُهَا غَيْرَ الْجُمُعَةِ أَشَارَ إِلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ ثُمَّ قَالَ فَلْيُتَأَمَّلِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَقَدْ تَأَمَّلْتُهَا فَرَأَيْتُ التَّعْيِينَ ورد فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وبن أم مَكْتُوم وبن مَسْعُودٍ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَدِيثُ الْبَابِ من رِوَايَة الْأَعْرَج عَنهُ يومى إِلَى أَنَّهَا الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَعْنِي الْعِشَاءَ وَلَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْهُ أَيْضًا الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّهَا الْعشَاء والفجروعينها السَّرَّاجُ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْعِشَاءَ حَيْثُ قَالَ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ أَخَّرَ الْعِشَاءَ لَيْلَةً فَخَرَجَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَلِيلًا فَغَضِبَ فَذكر الحَدِيث وَفِي رِوَايَة بن حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَعْنِي الصَّلَاتَيْنِ الْعِشَاءَ وَالْغَدَاةَ وَفِي رِوَايَةِ عَجْلَانَ وَالْمَقْبُرِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ التَّصْرِيحُ بِتَعْيِينِ الْعِشَاءِ ثُمَّ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْإِبْهَامِ وَقَدْ أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْهُ فَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَسَاقَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بإبهام الصَّلَاة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ السراج وَغَيره من طُرُقٍ عَنْ جَعْفَرٍ وَخَالَفَهُمْ مَعْمَرٌ عَنْ جَعْفَرٍ فَقَالَ الْجُمُعَةُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَالْبَيْهَقِيُّ من طَرِيقُهُ وَأَشَارَ إِلَى ضَعْفِهَا لِشُذُوذِهَا وَيَدُلُّ عَلَى وَهْمِهِ فِيهَا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ يَزِيدُ.

.

قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ يَا أَبَا عَوْفٍ الْجُمُعَةُ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا قَالَ صُمَّتْ أُذُنَايَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثِرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تخْتَص بالجمعه وَأما حَدِيث بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَسَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَبِي هُرَيْرَة وَأما حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ الْجَزْمُ بِالْجُمُعَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُسْتَقِلٌّ لِأَنَّ مَخْرَجَهُ مُغَايِرٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يَقْدَحُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ والمحب الطَّبَرِيّ وَقد وَافق بن أُمِّ مَكْتُومٍ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَذَلِكَ فِيمَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَن بن أُمِّ مَكْتُومٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنِّي آتِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الصَّلَاةِ فَأُحَرِّقُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ فَقَامَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَا بِي وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ زَادَ أَحْمَدُ وَأَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ شَجَرًا وَنَخْلًا وَلَا أَقْدِرُ عَلَى قَائِدٍ كُلَّ سَاعَةٍ قَالَ أَتَسْمَعُ الْإِقَامَةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاحْضُرْهَا وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ أَتَسْمَعُ الْأَذَانَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا وَقَدْ حَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ بِالْمَشْيِ وَحْدَهُ ككثير من العميان وَاعْتمد بن خُزَيْمَة وَغَيره حَدِيث بن أُمِّ مَكْتُومٍ هَذَا عَلَى فَرْضِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَرَجَّحُوهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ قَالُوا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا عَنْ وَاجِبٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَوَرَاءَ ذَلِكَ أَمْرٌ آخَرُ أَلْزَمَ بِهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا وَأَشَارَ لِلِانْفِصَالِ عَنْهُ بِالتَّمَسُّكِ بِدَلَالَةِ الْعُمُومِ لَكِنْ نُوزِعَ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ بِمَا ذُكِرَ أَولا ظاهرية مَحْضَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِيهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَرْكَ اتِّبَاعِ الْمَعْنَى لِأَنَّ غَيْرَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ مَظِنَّةُ الشُّغْلِ بِالتَّكَسُّبِ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْعَصْرَانِ فَظَاهِرٌ.

.
وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ وَقْتَ الرُّجُوعِ إِلَى الْبَيْتِ وَالْأَكْلِ وَلَا سِيمَا للصَّائِم مَعَ ضيق وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فَلَيْسَ لِلْمُتَخَلِّفِ عَنْهُمَا عُذْرٌ غَيْرُ الْكَسَلِ الْمَذْمُومِ وَفِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا فِي الْجَمَاعَةِ أَيْضًا انْتِظَامُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُتَجَاوِرِينَ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ وَلِيَخْتِمُوا النَّهَارَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّاعَةِ وَيَفْتَتِحُوهُ كَذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ تَخْصِيصُ التَّهْدِيدِ بِمَنْ حَوْلَ الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي تَوْجِيهُ كَوْنِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ أَثْقَلُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ غَيْرِهِمَا وَقَدْ أَطَلْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِارْتِبَاطِ بَعْضِ الْكَلَامِ بِبَعْضٍ وَاجْتَمَعَ مِنَ الْأَجْوِبَةِ لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْوُجُوبِ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ لَا تُوجَدُ مَجْمُوعَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الشَّرْحِ

[ قــ :626 ... غــ :644] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْأَعْرَجِ فِي رِوَايَةِ السَّرَّاجِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ سَمِعَ الْأَعْرَجَ .

     قَوْلُهُ  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ هُوَ قَسَمٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا يُقْسِمُ بِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَمْرَ نُفُوسِ الْعِبَادِ بِيَدِ اللَّهِ أَيْ بتقديره وتدبيره فَإِنَّ قَاعِدَةَ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْتَضِيهِ وَفِيهِ جَوَازُ الْقَسَمِ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ شَأْنِهِ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ كَرِهَ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ مُطْلَقًا .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ هَمَمْتُ اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالْهَمُّ الْعَزْمُ وَقِيلَ دُونَهُ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ فَأَفَادَ ذِكْرَ سَبَبِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  بِحَطَبٍ لِيُحْطَبَ كَذَا لِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي بِلَامِ التَّعْلِيلِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْبَاقِينَ فَيُحْطَبَ بِالْفَاءِ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَمَعْنَى يُحْطَبُ يُكْسَرُ لِيَسْهُلَ اشْتِعَالُ النَّارِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِف بِهِ تجوزا بِمَعْنى أَنه سيتصف بِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ أَيْ آتِيهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ خَالَفَ إِلَى فُلَانٍ أَيْ أَتَاهُ إِذَا غَابَ عَنْهُ أَوِ الْمَعْنَى أُخَالِفُ الْفِعْلَ الَّذِي أَظْهَرْتُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَتْرُكُهُ وَأَسِيرُ إِلَيْهِمْ أَوْ أُخَالِفُ ظَنَّهُمْ فِي أَنِّي مَشْغُولٌ بِالصَّلَاةِ عَنْ قَصْدِي إِلَيْهِمْ أَوْ مَعْنَى أُخَالِفُ أَتَخَلَّفُ أَيْ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى قَصْدِي الْمَذْكُورِينَ وَالتَّقْيِيدُ بِالرِّجَالِ يُخْرِجُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ .

     قَوْلُهُ  فَأُحَرِّقُ بِالتَّشْدِيدِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّكْثِيرُ يُقَالُ حَرَّقَهُ إِذَا بَالَغَ فِي تَحْرِيقِهِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى الْمَالِ بَلِ الْمُرَادُ تَحْرِيقُ الْمَقْصُودِينَ وَالْبُيُوتُ تَبَعًا لِلْقَاطِنِينَ بِهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ فَأُحَرِّقَ بُيُوتًا عَلَى مَنْ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فِيهِ إِعَادَةُ الْيَمِينِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأْكِيدِ .

     قَوْلُهُ  عَرْقًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ قَالَ الْخَلِيلُ الْعُرَاقُ الْعَظْمُ بِلَا لَحْمٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لحم فَهُوَ عرق وَفِي الْمُحكم عَنِ الْأَصْمَعِيِّ الْعَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ قِطْعَةُ لَحْمٍ.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ الْعَرْقُ وَاحِدُ الْعِرَاقِ وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا هُبَرُ اللَّحْمِ وَيَبْقَى عَلَيْهَا لَحْمٌ رَقِيقٌ فَيُكْسَرُ وَيُطْبَخُ وَيُؤْكَلُ مَا عَلَى الْعِظَامِ مِنْ لَحْمٍ دَقِيقٍ وَيَتَشَمَّسُ الْعِظَامَ يُقَالُ عَرِقْتُ اللَّحْمَ وَاعْتَرَقْتُهُ وَتَعَرَّقْتُهُ إِذَا أَخَذْتُ اللَّحْمَ مِنْهُ نَهْشًا وَفِي الْمُحْكَمِ جَمْعُ الْعَرْقِ عَلَى عُرَاقٍ بِالضَّمِّ عَزِيزٌ وَقَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ هُوَ اللَّائِقُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  أَوْ مِرْمَاتَيْنِ تَثْنِيَةُ مِرْمَاةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَحُكِيَ الْفَتْحُ قَالَ الْخَلِيلُ هِيَ مَا بَيْنَ ظِلْفَيِ الشَّاةِ وَحَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.

     وَقَالَ  لَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ وَنَقَلَهُ الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَتِهِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ قَالَ قَالَ يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الْبُخَارِيِّ الْمِرْمَاةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِثْلُ مِسْنَاةٍ وَمِيضَاةٍ مَا بَيْنَ ظِلْفَيِ الشَّاةِ مِنَ اللَّحْمِ قَالَ عِيَاضٌ فَالْمِيمُ عَلَى هَذَا أَصْلِيَّةٌ.

     وَقَالَ  الْأَخْفَشُ الْمِرْمَاةُ لُعْبَةٌ كَانُوا يَلْعَبُونَهَا بِنِصَالٍ مَحْدُودَةٍ يَرْمُونَهَا فِي كَوْمٍ مِنْ تُرَابٍ فَأَيُّهُمْ أَثْبَتَهَا فِي الْكَوْمِ غَلَبَ وَهِيَ الْمِرْمَاةُ وَالْمِدْحَاةُ.

.

قُلْتُ وَيَبْعُدُ أَن تَكُونَ هَذِهِ مُرَادُ الْحَدِيثِ لِأَجْلِ التَّثْنِيَةِ وَحَكَى الْحَرْبِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْمِرْمَاةَ سَهْمُ الْهَدَفِ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا حَدَّثَنِي ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا شَهِدَ الصَّلَاةَ مَعِي كَانَ لَهُ عَظْمٌ مِنْ شَاةٍ سَمِينَةٍ أَوْ سَهْمَانِ لَفَعَلَ وَقِيلَ الْمِرْمَاةُ سَهْمٌ يُتَعَلَّمُ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَهُوَ سَهْمٌ دَقِيقٌ مُسْتَوٍ غَيْرُ مُحَدَّدٍ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّثْنِيَةُ فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِتَكْرَارِ الرَّمْيِ بِخِلَافِ السِّهَامِ الْمُحَدَّدَةِ الْحَرْبِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَتَكَرَّرُ رَمْيُهَا.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيُّ تَفْسِيرُ الْمِرْمَاةِ بِالسَّهْمِ لَيْسَ بوجيه ويدفعه ذكر الْعرق مَعَه وَوَجهه بن الْأَثِيرِ بِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْعَظْمَ السَّمِينَ وَكَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَتْبَعَهُ بِالسَّهْمَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُلْهَى بِهِ انْتَهَى وَإِنَّمَا وَصَفَ الْعَرْقَ بِالسِّمَنِ وَالْمِرْمَاةَ بِالْحُسْنِ لِيَكُونَ ثَمَّ بَاعِثٌ نَفْسَانِيٌّ عَلَى تَحْصِيلِهِمَا وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَمِّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ بِوَصْفِهِمْ بِالْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ الْحَقِيرِ مِنْ مَطْعُومٍ أَوْ مَلْعُوبٍ بِهِ مَعَ التَّفْرِيطِ فِيمَا يُحَصِّلُ رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ وَمَنَازِلَ الْكَرَامَةِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا تَقْدِيمُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الْعُقُوبَةِ وَسِرُّهُ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا ارْتَفَعَتْ بِالْأَهْوَنِ مِنَ الزَّجْرِ اكْتُفِيَ بِهِ عَنِ الْأَعْلَى مِنَ الْعُقُوبَةِ نبه عَلَيْهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَفِيهِ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ وَلِاحْتِمَالِ أَنَّ التَّحْرِيقَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتَفُونَ فِي بُيُوتِهِمْ فَلَا يُتَوَصَّلُ إِلَى عُقُوبَتِهِمْ إِلَّا بِتَحْرِيقِهَا عَلَيْهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ أَهْلِ الْجَرَائِمِ عَلَى غِرَّةٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عُهِدَ مِنْهُ فِيهِ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْغَتَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَحَقَّقُونَ أَنَّهُ لَا يَطْرُقُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ وَفِي السِّيَاقِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهُ زَجْرُهُمْ عَنِ التَّخَلُّفِ بِالْقَوْلِ حَتَّى اسْتَحَقُّوا التَّهْدِيدَ بِالْفِعْلِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَشْخَاصِ وَفِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ بَابُ إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالرِّيَبِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُمْ بِحَقٍّ فَاخْتَفَى أَوِ امْتَنَعَ فِي بَيْتِهِ لَدَدًا وَمَطْلًا أُخْرِجَ مِنْهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِهَا كَمَا أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْرَاجَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الصَّلَاةِ بِإِلْقَاءِ النَّار عَلَيْهِم فِي بُيُوتهم وَاسْتدلَّ بِهِ بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ مُتَهَاوِنًا بِهَا وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ تُعَكِّرُ عَلَيْهِ نَعَمْ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ مِنْهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمْ إِذَا اسْتَحَقُّوا التَّحْرِيقَ بِتَرْكِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الصَّلَاةِ خَارِجَةٍ عَنْهَا سَوَاءٌ قُلْنَا وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ كَانَ مَنْ تَرَكَهَا أَصْلًا رَأْسًا أَحَقُّ بِذَلِكَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّهْدِيدِ بِالتَّحْرِيقِ حُصُولُ الْقَتْلِ لَا دَائِمًا وَلَا غَالِبًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْفِرَارُ مِنْهُ أَوِ الْإِخْمَادُ لَهُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ مِنَ الزَّجْرِ وَالْإِرْهَابِ وَفِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَعْذَارَ تُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا فَرْضٌ وَكَذَا الْجُمُعَةُ وَفِيهِ الرُّخْصَةُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ إِخْرَاجِ مَنْ يَسْتَخْفِي فِي بَيْتِهِ وَيَتْرُكُهَا وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ تَلْحَقَ بِذَلِكَ الْجُمُعَةُ فَقَدْ ذَكَرُوا مِنَ الْأَعْذَارِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا خَوْفَ فَوَاتِ الْغَرِيمِ وَأَصْحَابِ الْجَرَائِمِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ كَالْغُرَمَاءِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إِمَامَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ إِذَا كَانَ فِي ذَلِك مصلحَة قَالَ بن بَزِيزَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاضِلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ غَائِبًا وَهَذَا لَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازه وَاسْتدلَّ بِهِ بن الْعَرَبِيِّ عَلَى جَوَازِ إِعْدَامِ مَحَلِّ الْمَعْصِيَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَب مَالك وَتعقب بِأَنَّهُ مَنْسُوخ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قِيلَ فِي الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  بَابُ
وُجُوبِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ
وَقَالَ الحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ العِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا.

مقصود البخاري بهذا الباب: أن الجماعة واجبةٌ للصلاة، ومن تركها لغير عذرٍ، وصلى منفرداً فَقَدْ ترك واجباً، وهذا قَوْلِ كثير من السلف، منهم: الْحَسَن، وما حكاه البخاري عَنْهُ يدل عَلَى ذَلِكَ.

وقد روي عَن الْحَسَن التصريح بتعليل ذَلِكَ بأن الجماعة فريضةٌ، فروى إِبْرَاهِيْم الحربي فِي ( ( كِتَاب البر) ) : نا عُبَيْدِ الله بْن عُمَر - هُوَ: القواريري -: نا معتمر: نا هِشَام، قَالَ: سئل الْحَسَن عَن الرَّجُلُ تأمره أمه أن يفطر تطوعاً؟ قَالَ: يفطر، ولا قضاء عَلِيهِ.
قُلتُ: تنهاهُ أن يصلي العشاء فِي جماعة؟ قَالَ: لَيْسَ لها ذَلِكَ؛ هَذِهِ فريضة.

وروى بإسناده عَن عَطَاء فِي الرَّجُلُ تحسبه أمه فِي الليلة المطيرة المظلمة عَن الصلاة فِي جماعة، قَالَ: أطعها.

وهذا لا يخالف فِيهِ الْحَسَن؛ فإن الْحَسَن أفتى بعدم طاعة الأم فِي ترك الجماعة فِي غير حال العذر، وعطاء أفتى بطاعتها فِي ترك الجماعة فِي حال العذر المبيح لترك الجماعة، وعطاء موافق للحسن فِي القول بوجوب الجماعة.

قَالَ ابن المنذر: وممن كَانَ يرى أن حضور الجماعات فرض: عَطَاء بْن أَبِي رباح، وأحمد بْن حَنْبل، وأبو ثور.

قَالَ:.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيّ: لا أرخص لمن قدر عَلَى صلاة الجماعة فِي ترك إتيانها، إلا من عذرٍ.

وَقَالَ ابن مَسْعُود: لَقَدْ رأيتنا وما يتخلف عَنْهَا إلا منافقٌ معلومٌ نفاقه.

وروينا عَن غير واحد من أصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنهم قالوا: من سَمِعَ النداء ثُمَّ لَمْ يجب فلا صلاة لَهُ، منهم: ابن مَسْعُود، وأبو موسى.
وقد روي عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
انتهى.

وَقَالَ إِسْحَاق بْن راهويه: صلاة الجماعة فريضة.

وَقَالَ الإمام أحمد فِي صلاة الجماعة: هِيَ فريضة.

وَقَالَ فِي رِوَايَة عَنْهُ: أخشى أن تكون فريضة، ولو ذهب النَّاس يجلسون عَنْهَا لتعطلت المساجد: يروى عَن عَلِيّ، وابن عَبَّاس، وابن مَسْعُود: من سَمِعَ النداء فَلَمْ يجب فلا صلاة لَهُ.

وَقَالَ - أيضاً -: أشد مَا فيها قَوْلِ ابن مَسْعُود: لَوْ تركتم سَنَة نبيكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكفرتم.

وقول ابن مَسْعُود قَدْ خرجه مُسْلِم فِي ( ( صحيحه) ) من رِوَايَة أَبِي الأحوص، عَن عَبْد الله بْن مَسْعُود، قَالَ: لقد رأيتنا وما يتخلف عَن الصلاة إلا منافق قَدْ علم
نفاقه، أو مريض، إن كَانَ المريض ليمشي بَيْن الرجلين حَتَّى يأتي الصلاة،.

     وَقَالَ : إن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة فِي المسجد الَّذِي يؤذن
فِيهِ.
وفي رِوَايَة لمسلم - أيضا - عَن ابن مَسْعُود، قَالَ: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ عَلَى هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم فِي بيوتكم كما يصلي هَذَا المتخلف فِي بيته لتركتم سَنَة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم.

وخرجه أبو داود بنحوه، وعنده: ( ( ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم) ) .

وخرج الترمذي من حَدِيْث مُجَاهِد، عَن ابن عَبَّاس، أنه سئل عَن رَجُل يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يشهد جمعة ولا جماعة؟ قَالَ: هُوَ فِي النار.

وروي عَن أَبِي سنان، عَن سَعِيد بْن جبير، عَن ابن عَبَّاس فِي قوله تعالى:
{ وقدكَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43] قَالَ: نَزَلَتْ فِي صلاة الرَّجُلُ يسمع الأذان فلا يجيب.

وروي عَن سَعِيد بْن جبير من قوله.

وروى أبو حيان التيمي، عَن أبيه، عَن عَلِيّ، قَالَ: لا صلاة لجار المسجد إلا فِي المسجد.
قيل: يَا أمير المُؤْمِنيِن، ومن جار المسجد؟ قَالَ: من سَمِعَ الأذان.

وروى شعبة عَن عدي بْن ثابت، عَن سَعِيد بْن جبير، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: من سَمِعَ النداء فَلَمْ يجب فلا صلاة لَهُ إلا من عذرٍ.

وقد رفعه طائفة من أصْحَاب شعبة بهذا الإسناد، وبعضهم قَالَ: عَن شعبة، عَن حبيب بْن أَبِي ثابت، عَن سَعِيد، عَن ابن عَبَّاس مرفوعاً.

وقد خرجه بالإسناد الأول مرفوعاً ابن ماجه وابن حبان فِي ( ( صحيحه) ) والحاكم وصححه.

ولكن وقفه هُوَ الصحيح عِنْدَ الإمام أحمد وغيره.

وخرجه أبو داود مرفوعاً - أيضاً - من رِوَايَة أَبِي جناب الكلبي، عَن مغراء، عَن عدي بْن ثابت، بِهِ.

وأبو جناب، ليس بالقوي، وقد اختلف عَلِيهِ - أيضاً - فِي رفعه ووقفه.

وروي أبو بَكْر بْن عياش، عَن أَبِي حصين، عَن أَبِي بردة، عَن أَبِي موسى، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( من سَمِعَ النداء فارغاً صحيحاً فَلَمْ يجب فلا صلاة لَهُ) ) .

خرجه الحَاكِم، وصححه.

وقد اختلف عَلَى أبي بَكْر بْن عياش فِي رفعه ووقفه.

ورواه قيس بْن الربيع، عَن أَبِي حصين - مرفوعاً.
ورواه مِسْعَر وغيره عَن أَبِي حصين موقوفاً.

والموقوف أصح -: قَالَه البيهقي وغيره.

وممن ذهب الى أن الجماعة للصلاة مَعَ عدم العذر واجبة: الأوزاعي والثوري والفضيل بن عياض وإسحاق وداود، وعامة فقهاء الحَدِيْث، منهم: ابن خزيمة وابن المنذر.

وأكثرهم عَلَى أَنَّهُ لَوْ ترك الجماعة لغير عذرٍ وصلى منفرداً أَنَّهُ لا يجب عَلِيهِ الإعادة، ونص عَلِيهِ الإمام أحمد.

وحكي عَن داود أَنَّهُ يجب عليهِ الإعادة، ووافقه طائفة من أصحابنا، منهم: أبو الْحَسَن التميمي، وابن عقيل وغيرهما.

وَقَالَ حرب الكرماني سئل إِسْحَاق عَن قوله: لا صلاة لجار المسجد إلا فِي المسجد؟ فَقَالَ: الصحيح أَنَّهُ لا فضل ولا أجر ولا أمن عَلِيهِ.

يعني: أَنَّهُ لا صلاة لَهُ.

وقد ذكرنا حَدِيْث ابن أم مكتوم فِي استئذانه النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا أجدُ لَكَ رخصةً) ) فيما سبق.

وهذا مِمَّا يستدل بِهِ عَلَى وجوب حضور الجماعة.

وقد روي عَن حذيفة وزيد بْن ثابت مَا يدل عَلَى الرخصة فِي الصلاة منفرداً مَعَ القدرة عَلَى الجماعة.

وحكي عَن أَبِي حنيفة ومالك ان حضور الجماعة سَنَة مؤكدة، لا يأثم بتركها.

ولأصحاب الشَّافِعِيّ وجهان، أحدهما كذلك، ومنهم من حكى عَنْهُ رِوَايَة كقول مَالِك وأبي حنيفة، وفي صحتها عَنْهُ نظر.
والله أعلم.

ولهذا أنكر بعض محققي أصحابنا أن يكون عَن أحمد رِوَايَة بأن حضور المساجد للجماعة سَنَة، وأنه يجوز لكل أحد أن يتخلف عَن المسجد ويصلي فِي بيته؛ لما فِي ذَلِكَ من تعطيل المساجد عَن الجماعات، وهي من أعظم شعائر الإسلام.

ويلزم من هَذَا؛ أن لا يصح عَن أحمد رِوَايَة بأن الجماعة للصلاة من أصلها سَنَة غير واجبة بطريق الأولى، فإنه يلزم من القول بوجوب حضور المسجد لإقامة الجماعة القول بوجوب أصل الجماعة، من غير عكسٍ.
والله أعلم.

وحكى ابن عَبْد البر الإجماع عَلَى أنه لا يجوز أن يجتمع عَلَى تعطيل المساجد كلها من الجماعات، وبذلك رجح قَوْلِ من قَالَ: إن الجماعة فرض كفايةٍ.

قَالَ البخاري:
[ قــ :626 ... غــ :644 ]
- حَدَّثَنَا عَبْد الله بْن يوسف: أنا مَالِك، عَن أَبِي الزناد، عَن الأعرج، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أن رَسُول الله - رضي الله عنه - قَالَ: ( ( والذي نفسي بيده، لَقَدْ هممت بحطب
[يجمع] ليحتطب، ثُمَّ آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثُمَّ آمر رجلاً فيؤم النَّاس، ثُمَّ أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، فوالذي نفسي بيده، لَوْ يعلم أحدهم أَنَّهُ يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)
)
.

قَالَ ابن عَبْد البر: قوله: ( ( لَقَدْ هممت أن آمر بخطب ليحطب) ) أي: يجمع.

والعرق، المراد بِهِ: بضعة اللحم السمين عَلَى عظمة.

والمرماتان، قيل: هما السهمان.
وقيل: هما حديدتان من حدائد كانوا يلعبون بهما، وهي ملس كالأسنة، كانوا يثبتونها فِي الأكوام والأغراض، ويقال لها - فيها زعم بعضهم -: المداحي.

قَالَ أبو عُبَيْدِ: يقال: إن المرماتين ظلفا الشاة.
قَالَ: وهذا حرف لا أدري مَا وجهه، إلا أن هَذَا تفسيره.

ويروى المرماتين - بكسر الميم وفتحها -: ذكره الأخفش.

وذكر العرق والمرماتين عَلَى وجه ضرب المثال بالأشياء التافهة الحقيرة من الدنيا، وَهُوَ توبيخ لمن رغب عَن فضل شهود الجماعة للصلاة، مَعَ أَنَّهُ لَوْ طمع فِي إدراك يسير من عرض الدنيا لبادر إليه، ولو نودي إلى ذَلِكَ لأسرع الإجابة إليه، وَهُوَ يسمع منادي الله فلا يجيبه.

قَالَ الخطابي: وقوله: ( ( حسنتين) ) لا أدري عَلَى أي شيء يتأول معنى الْحَسَن فيهما، إلا عَلَى تأويل من فسر المرماة بظلف الشاة.

ثُمَّ ذكر عَن المبرد، أَنَّهُ قَالَ: الْحَسَن والحسن العظيم الَّذِي فِي المرفق مِمَّا يلي البطن.
والقبح والقبيح العظم الَّذِي فِي المرفق مِمَّا يلي المرفق.

قَالَ: فلعله شبه أحد العظمين بالآخر - أعني المرماة - والعظم الَّذِي فِي المرفق مِمَّا يلي البطن.

قَالَ: وَهُوَ شيء لا أحق ولا اثق بِهِ.
انتهى.

قُلتُ: وقد قَالَ بعضهم: ان الرواية ( ( خشبتين) ) بالخاء والشين المعجمتين والباء الموحدة، وَهُوَ غلط وتصحيف.

والذي يظهر - والله أعلم - ان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخرج هَذَا الكلام مخرج تعظيم شهور العشاء فِي جماعة، والتنويه بفضله وشرفه ونفاسته، والنفوس مجبولة عَلَى محبة الأشياء الحسنة الشريفة النفيسة، والميل إليها، فوبخ من لَوْ طمع فِي وجود قطعة من لحم سمينة أو مرماتين حسنتين، وهما من ادنى الأشياء الدنيوية لبادر الى الخروج إليها، وشهد العشاء لذلك، وَهُوَ يتخلف عَن شهود العشاء فِي الجماعة مَعَ فضل الجماعة عِنْدَ الله، وعظم فضل الجماعة مَا يدخره لمن شهدها عنده من جميل الجزاء وجزيل العطاء، فيكون مَا يعجل لَهُ وإن كَانَ يسيراً من أمور الدنيا المستحسنة عنده مِمَّا يأكله أو يلهو بِهِ أهم عنده من ثواب الله الموعود بِهِ.

ويشبه هَذَا: قَوْلِ الله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:11] ، فإنه توبيخ لمن ترك الجمعة أو اشتغل عَنْهَا بالتجارة أو باللهو.

وهذا الحَدِيْث: ظاهر فِي وجوب شهود الجماعة فِي المساجد، وإجابة المنادي بالصلاة؛ فإن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر أَنَّهُ هم بتحريق بيوت المتخلفين عَن الجماعة، ومثل هذه العقوبة الشديدة لا تكون إلا عَلَى ترك واجبٍ.

وقد اعترض المخالفون فِي وجوب الجماعة عَلَى هَذَا الاستدلال، وأجابوا عَنْهُ بوجوهٍ.

مِنْهَا: حمل هَذَا الوعيد عَلَى الجمعة خاصة.

واستدلوا عَلِيهِ بما فِي ( ( صحيح مُسْلِم) ) عَن ابن مَسْعُود، ان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لقوم يتخلفون عَن الجمعة: ( ( لَقَدْ هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثُمَّ أحرق عَلَى رجال يتخلفون عَن الجمعة) ) .

ومنها: أَنَّهُ أراد تحريق بيوت المنافقين لنفاقهم؛ ولهذا قَالَ ابن مَسْعُود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عَنْهَا إلا منافق معلوم نفاقه، وقد سبق ذكره.

والمنافق إذا تخلف عَن الصلاة مَعَ المُسْلِمِين لا يصلي فِي بيته بالكلية، كما أخبر الله عنهم، أنهم { يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النِّسَاء: 142] .

وهذا التأويل عَن الشَّافِعِيّ وغيره.

ومنها: أَنَّهُ لَمْ يفعل التحريق، وإنما توعد بِهِ.

وقد ذهب قوم من العلماء الى جواز أن يهدد الحَاكِم رعيته بما لا يفعله بهم، واستدل بعضهم لذلك بما أخبر بِهِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن سُلَيْمَان، أَنَّهُ قَالَ حِينَ اختصمت إليه المراتان في الولد: ( ( ايتوني بالسكين حَتَّى أشقه) ) ، ولم يرد فعل ذَلِكَ، إنما قصد بِهِ التوصل الى معرفة أمه منهما بظهور شفقتها ورقتها عَلَى ولدها.

والجواب: أَنَّهُ لا يصح حمل الحَدِيْث عَلَى شيء من ذَلِكَ.
أما حمله عَلَى الجمعة وحدها فغير صحيح.

وفي ذكر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شهود العشاء فِي تمام الحَدِيْث مَا يدل عَلَى ان صلاة العشاء الموبخ عَلَى ترك شهودها هِيَ المراد.

وقد روي ذَلِكَ عَن سَعِيد بْن المُسَيِّب، وأنها داخلة فِي عموم الصلاة؛ فإن الاسم المفرد المحلي بالألف واللام يعم، كما فِي قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وهذا قَوْلِ جماعة من العلماء.

وقد جَاءَ التصريح بالتحريق عَلَى من تخلف عَن صلاة العشاء.

فروى الحميدي عَن سُفْيَان: ثنا أبو الزناد، عَن الأعرج، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لَقَدْ هممت أن أقيم الصلاة صلاة العشاء، ثُمَّ آمر فتياني فيخالفوا الى بيوت أقوام يتخلفون عَن صلاة العشاء، فيحرقون عليهم بحزم الحطب) ) - وذكر بقية الحَدِيْث.

وروى ابن أَبِي ذئب، عَن عجلان مَوْلَى المشمعل، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لينتهين رجال ممن حول المسجد، لا يشهدون العشاء الآخرة فِي الجمع، أو لأحرقن حول بيوتهم بحزم الحطب) ) .

خرجه الإمام أحمد.

وخرج - أيضاً - من حَدِيْث أَبِي معشر، عَن سَعِيد المقبري، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لولا مَا فِي البيوت من النِّسَاء والذرية أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون مَا فِي البيوت بالنار) ) .
وروى عاصم، عَن أَبِي صالح، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أخر رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء حَتَّى تهور الليل وذهب ثلثه أو قريباً مِنْهُ، ثُمَّ خرج الى المسجد، فإذا النَّاس عزون، وإذا هم قليل، فغضب غضباً مَا أعلم اني رأيته غضب غضباً قط أشد مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ( ( لَوْ ان رجلاً نادى النَّاس الى عرق أو مرماتين أتوه لذلك [ولم يتخلفوا] ، وهم يتخلفون عَن هذه الصلاة، لَقَدْ هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثُمَّ اتتبع هذه الدور الَّتِيْ تخلف أهلوها عَن هذه الصلاة، فأحرقها عليهم بالنيران) ) .

وورد التصريح بأن العقوبة عَلَى ترك الجماعة دون الجمعة.

خرجه الطبراني فِي ( ( أوسطه) ) : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْم - هُوَ ابن هاشم البغوي -: ثنا حوثرة بْن أشرس: ثنا حماد بْن سَلَمَة، عَن ثابت، عَن أنس، ان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ( ( لَوْ ان رجلاً دعا النَّاس الى عرق أو مرماتين لأجابوه، وهم يدعون الى هذه الصلاة فِي جماعة فلا يأتونها، لَقَدْ هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس فِي جماعة، ثُمَّ أنصرف إلى قوم سمعوا النداء، فَلَمْ يجيبوا فأضرمها عليهم ناراً؛ فإنه لا يتخلف عَنْهَا إلا منافق) ) .

حوثرة، ضَعِيف -: قَالَ ابن نقطة فِي ( ( تكملة الإكمال) ) .

وأما ذكر الجمعة فِي حَدِيْث ابن مَسْعُود، فلا يدل عَلَى اختصاها بذاك؛ فإنه كما هم أن يحرق عَلَى المتخلف عَن الجمعة فَقَدْ هم أن يحرق عَلَى المتخلف عَن العشاء.
وقد قيل إنه عبر بالجمعة عَن الجماعة للاجتماع لها.

قَالَ البيهقي: هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِيهِ سائر الرواة.

واستدل بما خرجه من ( ( سنن أَبِي داود) ) عَن يزيد بْن يزيد، عَن يزيد بْن الأصم، قَالَ: [سَمِعْت أبا هُرَيْرَةَ يَقُول] : سَمِعْت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول: ( ( لَقَدْ هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطبٍ، ثُمَّ آتي قوماً يصلون فِي بيوتهم، ليس بهم علة فأحرقها عليهم) ) .

قيل ليزيد بْن الأصم: الجمعة عنى أو غيرها؟ فَقَالَ: صمتا أذناي إن لَمْ أكن سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يأثره عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مَا ذكر جمعة ولا غيرها.

وخرجه - أيضاً - من طريق معمر، عَن جَعْفَر بْن برقان، عَن يزيد بْن الأصم مختصراً، وفي حديثه: ( ( لا يشهدون الجمعة) ) .

وهذه الرواية، أو أَنَّهُ اراد بالجمعة الجماعة، كما قَالَ البيهقي؛ فإن مسلماً خرجه من طريق وكيع، عَن جَعْفَر بْن برقان،.

     وَقَالَ  فِي حديثه: ( ( لا يشهدو الصلاة) ) .

ورواية أَبِي داود صريحة فِي أن التحريق عقوبة عَلَى المتخلف عَن الجماعة.

وإن صلى المتخلف فِي بيته.

وأما دعوى أن التحريق كَانَ للنفاق فهو غير صحيح؛ فإن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صرح بالتعليل بالتخلف عَن الجماعة، ولكنه جعل ذَلِكَ من خصال النفاق، وكل مَا كَانَ علماً عَلَى النفاق فهو محرم.

وفي حَدِيْث أَبِي زرارة الأنصاري، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( من سَمِعَ النداء ثلاثاً فَلَمْ يجب كتب من المنافقين) ) .
وإسناده صحيح؛ لكن أبو زرارة، قَالَ أبو الْقَاسِم البغوي: لا أدري أله صحبة أم لا؟
وخرج الإمام أحمد من رِوَايَة ابن لهيعة، عَن زبان بْن فائد، عَن سَهْل بْن معاذ بْن أنس، عَن أبيه، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( الجفاء كل الجفاء، والكفر والنفاق من سَمِعَ منادي الله ينادي بالصلاة ويدعو بالفلاح فلا يجيبه) ) .

ورواه رشدين بْن سعد، عَن زبان.

قَالَ الحافظ أبو موسى: رواه جماعة عَن زبان، وتابعه عَلِيهِ يزيد بْن أَبِي حبيب.

وَقَالَ النخعي: كفى علماً عَلَى النفاق أن يكون الرَّجُلُ جار المسجد، لا يرى فِيهِ.

وقد كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم نفاق خلق من المنافقين ولا يعاقبهم عَلَى نفاقهم، بل يكل سرائرهم إلى الله، ويعاملهم معاملة المُسْلِمِين فِي الظاهر، ولا يعاقبهم إلا عَلَى ذنوب تظهر منهم، فَلَمْ تكن العقوبة بالتحريق إلا عَلَى الذنب الظاهر، وَهُوَ التخلف عَن شهود الصلاة فِي المسجد، لا عَلَى النفاق الباطن.

وأما دعوى أن ذَلِكَ كَانَ تخويفاً وإرهابا مِمَّا لا يجوز فعله، فَقَدْ اختلف فِي جواز ذَلِكَ.

فروي جوازه عَن طائفة من السلف، منهم: عَبْد الحميد بْن عَبْد الرحمن عامل عُمَر بْن عَبْد العزيز عَلَى الكوفة، وميمون بْن مهران، وروي - أيضاً - عن عُمَر بْن الخَطَّاب من وجه منقطع ضَعِيف، وعن عَلِيّ بْن أَبِي طالب.

وأنكر ذَلِكَ عُمَر بْن عَبْد العزيز وتغيظ عَلَى عَبْد الحميد لما فعله،.

     وَقَالَ : إن خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوءٍ.

وقد ذكر هذه الآثار عُمَر بْن شبة البصري فِي ( ( كِتَاب أدب السلطان) ) .

وبكل حال؛ فليس مَا ذكره النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التحريق من هَذَا فِي شيء؛ لأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر بأنه هم، وأنما يهم بما يجوز لَهُ فعله، والتخويف يكون عِنْدَ من أجازه بما لا يجوز فعله ولا الهم بفعله، فتبين أَنَّهُ ليس من التخويف فِي شيء، وإنما امتنع من التحريق لما فِي البيوت من النِّسَاء والذرية وهم الأطفال، كما فِي الرواية الَّتِيْ خرجها الإمام أحمد، وهم لا يلزمون شهود الجماعة؛ فإنها لا تجب عَلَى امرأة ولا طفل، والعقوبة إذا خشي أن تتعدى إلى من لا ذنب لَهُ امتنعت، كما يؤخر الحد عَن الحامل إذا وجب عَلَيْهَا حَتَّى تضع حملها.

فإن زعم زاعم أن التحريق منسوخ؛ لأنه من العقوبات المالية، وقد نسخت، وربما عضل ذَلِكَ بنهي النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن التحريق بالنار.

قيل لَهُ: دعوى نسخ العقوبات المالية بإتلاف الأموال لا تصح، والشريعة طافحة بجواز ذَلِكَ، كأمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتحريق الثوب المعصفر بالنار، وأمره بتحريق متاع الغال، وأمره بكسر القدور الَّتِيْ طبخ فيها لحوم الحمر الأهلية، وحرق عُمَر بيت خمار.

ونص عَلَى جواز تحريق بيت الخمار أحمد وإسحاق -: نقله عنهما ابن منصور فِي ( ( مسائله) ) ، وَهُوَ قَوْلِ يَحْيَى بْن يَحْيَى الأندلسي، وذكر أن بعض أصحابه نقله عَن مَالِك، واختاره ابن بطة من أصحابنا.

وروي عَن عَلِيّ - أيضاً - وروي عَنْهُ أَنَّهُ أنهب ماله.

وعن عُمَر، قَالَ فِي الَّذِي يبيع الخمر: كسورا كل آنية لَهُ، وسيروا كل ماشية
لَهُ.

خرجه وكيع فِي ( ( كتابه) ) .

وأما نهيه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن التحريق بالنار، فإنما أراد بِهِ تحريق النفوس وذوات الأرواح.

فإن قيل: فتحريق بيت العاصي يؤدي إلى تحريق نفسه، وَهُوَ ممنوع.

قيل: إنما يقصد بالتحريق دارهُ ومتاعهُ، فإن أتى عَلَى نفسه لَمْ يكن بالقصد، بل تبعاً، كما يجوز تبييتُ المشركين وقتلهم ليلاً، وقد أتى القتل عَلَى ذراريهم ونسائهم.

وقد سئل النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: ( ( هم منهم) ) .

وهذا مِمَّا يحسن الاستدلال بِهِ عَلَى قتل تارك الصلاة؛ فإنه إذا جازت عقوبة تارك الجماعة فِي ماله وإن تعدت إلى نفسه بالهلاك، فقتل من ترك الصلاة بالكلية أولى بالجواز، فلا جرم كَانَ قتله واجباً عِنْدَ جمهور العلماء.

وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أَنَّهُ إنما يعاقب تارك الصلاة أو بعض واجباتها فِي حال إخلاله بِهَا، لا بعد ذَلِكَ؛ فإن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أراد عقوبتهم فِي حال التخلف، وقد كَانَ يمكنه أن يؤخر العقوبة حَتَّى يصلي وتنقضي صلاته.

وهذا يعضد قَوْلِ من قَالَ من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: إن تارك الصلاة لا يقتل حَتَّى يدعى إلى الصلاة، ويصر عَلَى تركها حَتَّى يضيق وقت الأخرى، ليكون قتله عَلَى الترك المتلبس بِهِ فِي الحال.

وفي الحَدِيْث - أيضاً - أن الإمام لَهُ أن يؤخر الصلاة عَن أول الوقت لمصلحة دينية، ولكنه يستخلف من يصلي بالناس فِي أول الوقت؛ لئلا تفوتهم فضيلة أول الوقت.

وفيه - أيضاً -: أن إنكار المنكر فرض كفاية، وأنه إذا قام اكتفى بذلك، ولا يلزم جميع النَّاس الاجتماع عَلِيهِ؛ فإنه لَوْ كَانَ كذلك لأخذ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ جميع النَّاس.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا.

( باب وجوب صلاة الجماعة) .

أطلق المؤلّف الوجوب وهو يشمل الكفاية والعين لكن قوله ( وقال الحسن) أي البصري ( إن منعته) أي الرجل ( أمه عن) الحضور إلى صلاة ( العشاء في الجماعة) حال كون منعها ( شفقة) أي لأجل شفقتها ( عليه) وليس في الفرع هنا عليه، نعم هي لابن عساكر في السابق، وفي رواية في جماعة بالتنكير ( لم يطعها) يشعر بكونه يريد وجوب العين.
لأن طاعة الوالدين واجبة حيث لا يكون فيها معصية الله، وترك الجماعة معصية عنده.

وهذا الأثر أخرجه موصولاً بمعناه في كتاب الصيام للحسين بن الحسن المروزي بإسناد صحيح عن الحسن في رجل يصوم تطوعًا، فتأمره أمه أن يفطر، قال: فليفطر ولا قضاء عليه وله أجر الصوم وأجر البر، قيل فتنهاه أن يصلّي العشاء في جماعة، قال: ليس ذلك لها، هذه فريضة.

وقد أبدى الشيخ قطب الدين القسطلاني، رحمه الله، فيما نقله البرماوي في شرح عمدة الأحكام، لمشروعية الجماعة حكمة ذكرها في مقاصد الصلاة.

منها: قيام نظام الألفة بين المصلين، ولذا شرعت المساجد في المحال ليحصل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران.

ومنها: قد يتعلم الجاهل من العالم ما يجهله من أحكامها.

ومنها: أن مراتب الناس متفاوتة في العبادة فتعم بركة الكامل على الناقص فتكمل صلاة الجميع.


[ قــ :626 ... غــ : 644 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ.
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ».
[الحديث 644 - أطرافه في: 657، 2420، 7224] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسيّ ( قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم: فقد ناسًا في بعض الصلوات ( قال) :
( و) الله ( الذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره ( لقد هممت) هو جواب القسم، أكده باللام وقد، والمعنى لقد قصدت ( أن آمر بحطب فيحطب) بالفاء وضم المثناة التحتية وبعد الحاء الساكنة طاء مبنيًّا للمفعول منصوبًا عطفًا على المنصوب المتقدم، وكذا الأفعال الواقعة بعده.
وللحموي والمستملي: ليحطب، بلام التعليل، ولابن عساكر وأبي ذر.
يتحطب، بضم التحتية وفتح الفوقية والطاء، ولابن عساكر أيضًا فيحطب، بالفاء وتشديد الطاء.
ولأبي الوقت: فيتحطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد التحتية المضمومة وتشديد الطاء أيضًا، وفي رواية: فيحتطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد الحاء الساكنة.
وحطب واحتطب بمعنى واحد، قال في الفتح: أي يكسر ليسهل اشتعال النار به، وتعقبه العيني بأنه لم يقل أحد من أهل اللغة إن معنى يحطب يكسر، بل المعنى يجمع ( ثم آمر) بالمد وضم الميم ( بالصلاة) العشاء أو الفجر أو الجمعة أو مطلقًا، كلها روايات ولا تضاد لجواز تعدد الواقعة ( فيؤذن لها) بفتح الذال المشددة، أي يعلم الناس لأجلها.
والضمير مفعول ثانٍ، ( ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) المشتغلين بالصلاة قاصدًا ( إلى رجال) لم يخرجوا إلى الصلاة ( فأحرّق عليهم بيوتهم) بالنار عقوبة لهم، وقيد بالرجال ليخرج الصبيان والنساء، ومفهومه أن العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وأحرّق بتشديد الراء وفتح القاف وضمها كسابقه وهو مشعر بالتنكير والمبالغة في التحريق.

وبهذا استدلّ الإمام أحمد ومن قال: إن الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكان قيامه عليه الصلاة والسلام ومن معه بها كافيًا.

وإلى هذا ذهب عطاء والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية، كابني خزيمة، وحبان، وابن المنذر وغيرهم من الشافعية، لكنها ليست بشرط في صحة الصلاة كما قاله في المجموع.

وقال أبو حنيفة ومالك: هي سُنَّة مؤكدة، وهو وجه عند الشافعية لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ولمواظبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها بعد الهجرة.

وقرأت في شرح المجمع لابن قرشتاه مما عزاه العيني لشرح الهداية.
وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سُنّة لأنه ثابت بالسُّنَّة اهـ.

وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور أصحابه المتقدمين، وصحّحه النووي في المنهاج كأصل الروضة، وبه قال بعض المالكية، واختاره الطحاوي والكرخي وغيرهما من الحنفية لحديث أبي داود، وصحّحه ابن حبّان وغيره: ما من ثلاثة في قرية أو بلد ولا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب.

ويمكن أن يقال التهديد بالتحريق وقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية.


وأجيب عن حديث الباب بأنه همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم، أو أن فرضية الجماعة نسخت، أو أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، ما يدل عليه السياق.
فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل.
وتعقب بأنه يبعد اعتناؤه عليه الصلاة والسلام بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع علمه بأنه لا صلاة لهم.
وقد كان عليه الصلاة والسلام معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم.

وأجيب بأنه لا يتم إلاّ أن أدّعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك ْوإذا ثبت أنه كان مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم.
وفي قوله في الحديث الآتي، إن شاء الله، بعد أربعة أبواب: ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر، دلالة على أنه ورد في المنافقين.
لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر كما يدل عليه حديث أبي هريرة المروي في أبي داود، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة.
نعم سياق حديث الباب يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلّف عنها.

ومحل الخلاف إنما هو في غير الجمعة، أما هي فالجماعة شرط في صحتها وحينئذ فتكون فيها فرض عين.
ثم إن التقييد بالرجال في قوله: ثم أخالف إلى رجال، يخرج الصبيان والنساء فليست في حقهن فرضًا جزمًا، والخلاف السابق في المؤداة.

أما المقضية فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية، ولكنها سنة لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي.

ثم أعاد عليه الصلاة والسلام القسم للمبالغة في التأكيد فقال:
( و) الله ( الذي نفسي بيده) بتقديره ( لو يعلم أحدهم) أي المتخلفين ( أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف: العظم الذي عليه بقية لحم أو قطعة لحم ( أو مرماتين حسنتين) بكسر الميم وقد تفتح، تثنية مرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفها من اللحم كذا عن البخاري فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري، أو اسم سهم يتعلم عليه الرمي ( لشهد العشاء) أي صلاتها.
فالمضاف محذوف.

والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعًا دنيويًّا وإن كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همّته على الدنيا، ولا يحضرها لما لها من مثوبات الأخرى ونعيمها، فهو وصف بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فبما يحصل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامات، ووصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما، واستنبط من قوله: لقد هممت، تقديم التهديد والوعيد على العقوبة، وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفى به على الأعلى، وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.


ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الأحكام، والنسائي في الصلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ وُجُوبِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان وجوب الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَكَذَا بت الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَكَانَ ذَلِك لقُوَّة دليلها عِنْده، لَكِن أطلق الْوُجُوب وَهُوَ أَعم من كَونه وجوب عين أَو كِفَايَة، إلاَّ أَن الْأَثر الَّذِي ذكره عَن الْحسن يشْعر بِأَنَّهُ يُرِيد وجوب عين.
قلت: لَا يُقَال: هَذِه الْقِسْمَة إلاَّ فِي الْفَرْض، فَيُقَال: فرض عين وَفرض كِفَايَة، أللهم إلاَّ أَن يكون عِنْد من لم يفرق بَين الْوَاجِب وَالْفَرْض، وَمن أَيْن علم أَن البُخَارِيّ أَرَادَ وجوب الْعين؟ وَمن أَيْن يدل عَلَيْهِ أثر الْحسن؟ وَكَيف يجوز الِاسْتِدْلَال على وجوب الْعين بالأثر الْمَرْوِيّ عَن التَّابِعِيّ وَهَذَا مَحل نظر.

وقالَ الحَسَنُ إنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ العِشَاءِ فِي الجَماعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، يَعْنِي إِن منعت الرجل أمه عَن الْحُضُور إِلَى صَلَاة الْعشَاء مَعَ الْجَمَاعَة شَفَقَة عَلَيْهِ أَي: لأجل الشَّفَقَة لم يطع أمه فِيهِ، فَهَذَا يدل على أَن الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة فرض عِنْده، وَلِهَذَا قَالَ: لم يطع أمه، مَعَ أَن طَاعَة الْوَالِدين فرض فِي غير الْمعْصِيَة، وَإِنَّمَا عين الْعشَاء، مَعَ أَن الحكم فِي كل الصَّلَوَات سَوَاء لكَونهَا من أثقل الصَّلَاة على الْمُنَافِقين.
فَإِن قلت: الْفجْر كَذَلِك.
قلت: ذكر أَحدهمَا يُغني عَن الآخر، وَإِنَّمَا عين الْأُم مَعَ أَن الْأَب كَذَلِك فِي وجوب طاعتهما، لِأَن الْأُم أَكثر شَفَقَة من الْأَب على الْأَوْلَاد، وَلم يذكر صَاحب ( التَّلْوِيح) وَلَا صَاحب ( التَّوْضِيح) وصل هَذَا الْأَثر مَعَ كَثْرَة تتبع صَاحب ( التَّلْوِيح) لمثل هَذَا، واتساع اطِّلَاعه فِي هَذَا الْبابُُ، وَذكر بَعضهم أَنه وجد مَعْنَاهُ، بل أتم مِنْهُ، وأصرح، فِي كتاب ( الصّيام) للحسين بن الْحسن الْمروزِي بِإِسْنَاد صَحِيح: عَن الْحسن فِي رجل يَصُوم، يَعْنِي تَطَوّعا فتأمره أمه أَن يفْطر.
قَالَ: فليفطر، وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَله أجر الصَّوْم وَأجر الْبر.
قيل: فتنهاه أَن يُصَلِّي الْعشَاء بِجَمَاعَة.
قَالَ: لَيْسَ ذَاك لَهَا، هَذِه فَرِيضَة.


[ قــ :626 ... غــ :644 ]
- ( حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد هَمَمْت أَن آمُر بحطب فيحطب ثمَّ آمُر بِالصَّلَاةِ فَيُؤذن لَهَا ثمَّ آمُر رجلا فيؤم النَّاس ثمَّ أُخَالِف إِلَى رجال فَأحرق عَلَيْهِم بُيُوتهم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو يعلم أحدهم أَنه يجد عرقا سمينا أَو مرماتين حسنتين لشهد الْعشَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يدل على وجوب الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة لما فِيهِ من وَعِيد شَدِيد يدل على أَن تاركها يدْخل فِيهِ ( ذكر رِجَاله ولطائف إِسْنَاده) أما رِجَاله فقد ذكرُوا غير مرّة وَأَبُو زناد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
وَأما لطائف إِسْنَاده فَفِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَالْأَخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه اثْنَان لم يذكرَا باسمهما فأحدهما ذكر بالكنية وَالْآخر باللقب وَفِيه عَن الْأَعْرَج وَفِي رِوَايَة السراج من طَرِيق شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد سمع الْأَعْرَج.
وَفِيه أَن رُوَاته كلهم مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ ( ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن إِسْمَاعِيل وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.
( ذكر اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث) وَعند البُخَارِيّ فِي بابُُ فضل صَلَاة الْعشَاء فِي الْجَمَاعَة لَيْسَ صَلَاة أثقل على الْمُنَافِقين من الْفجْر وَالْعشَاء " الحَدِيث وَفِي لفظ لَهُ " لقد هَمَمْت أَن آمُر الْمُؤَذّن فيقيم " وَفِيه " ثمَّ آخذ شعلا من نَار فَأحرق على من لَا يخرج إِلَى الصَّلَاة بِغَيْر عذر " وَفِي لفظ " ثمَّ أُخَالِف إِلَى أَقوام لَا يشْهدُونَ الصَّلَاة فَأحرق عَلَيْهِم " وَعند أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " لَوْلَا مَا فِي الْبيُوت من النِّسَاء والذرية أَقمت صَلَاة الْعشَاء وَأمرت فتياني يحرقون مَا فِي الْبيُوت بالنَّار " وَعند أبي دَاوُد " ثمَّ آتِي قوما يصلونَ فِي بُيُوتهم لَيست بهم عِلّة فأحرقها عَلَيْهِم " وَفِي مُسْند السراج " آمُر فتيتي إِذا سمعُوا الْإِقَامَة من تخلف أَن يحرقوا عَلَيْهِم أَنكُمْ لَو تعلمُونَ مَا فيهمَا لأتيتموهما وَلَو حبوا " وَفِي لفظ آخر " أخر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْعشَاء حَتَّى تهور اللَّيْل وَذهب ثلثه أَو نَحوه ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس عزون وَإِذا هم قَلِيلُونَ فَغَضب غَضبا شَدِيدا لَا أعلم أَنِّي رَأَيْته غضب غَضبا أَشد مِنْهُ ثمَّ قَالَ لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثمَّ أتتبع هَذِه الدّور الَّتِي تخلف أهلوها عَن هَذِه الصَّلَاة فأضرمها عَلَيْهِم بالنيران " وَفِي كتاب الطوسي مصححا " ثمَّ آتِي قوما يتخلفون عَن هَذِه الصَّلَاة فَأحرق عَلَيْهِم " يَعْنِي صَلَاة الْعشَاء وَفِي مُسْند عبد الله بن وهب حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب حَدثنَا عجلَان عَنهُ " لينتهين رجال من حول الْمَسْجِد لَا يشْهدُونَ الْعشَاء أَو لأحرقن بُيُوتهم " وَفِي كتاب الثَّوَاب لحميد بن زَنْجوَيْه " آمُر رجَالًا فِي أَيْديهم حزم حطب لَا يُؤْتى رجل فِي بَيته سمع الْأَذَان إِلَّا أضرم عَلَيْهِ بَيته " وَفِي الْأَوْسَط للطبراني " آمُر رجَالًا إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة أَن يتخلفوا دون من لَا يشْهد الصَّلَاة فيضرموا عَلَيْهِم بُيُوتهم " قَالَ " وَلَو أَن رجلا أذن النَّاس إِلَى طَعَام لأتوه وَالصَّلَاة يُنَادى بهَا فَلَا يأتونها " وَفِي مُعْجمَة الصَّغِير " ثمَّ أنظر فَمن لم يشْهد الْمَسْجِد فَأحرق عَلَيْهِ بَيته " وَفِي كتاب التَّرْغِيب والترهيب لأبي مُوسَى الْمَدِينِيّ الْأَصْبَهَانِيّ " خرج بَعْدَمَا تهور اللَّيْل فَذهب ثلثه ثمَّ قَالَ لَو أَن رجلا نَادَى النَّاس إِلَى عرق أَو مرماتين أَتَوْهُ لذَلِك وهم يتخلفون عَن هَذِه الصَّلَاة " وَعند الدَّارَقُطْنِيّ فِي مُسْنده " لَو كَانَ عرقا سمينا أَو مغرفتين لشهدوها " وَفِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح " لقد هَمَمْت أَن آمُر فتياني أَن يجمعوا إِلَيّ حزما من حطب ثمَّ أَنطلق فَأحرق على قوم بُيُوتهم لَا يشْهدُونَ الْجُمُعَة " رَوَاهُ عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن أبي هُرَيْرَة وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أَحْمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي عَن عبد الرَّزَّاق كَذَا قَالَ كَذَا الْجُمُعَة وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن أبي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ سَائِر الرِّوَايَات أَنه عبر بِالْجمعَةِ عَن الْجَمَاعَات وَرُوِيَ فِي المعجم الْأَوْسَط عَن ابْن مَسْعُود بِالْإِطْلَاقِ من غير تَقْيِيد بِالْجمعَةِ وَالَّذِي فِيهِ التَّقْيِيد بِالْجمعَةِ رَوَاهُ السراج عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله ( ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ " أَي وَالله الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ وَهُوَ قسم كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كثيرا مَا كَانَ يقسم بِهِ قَوْله " لقد هَمَمْت " جَوَاب الْقسم أكده بِاللَّامِ وَكلمَة قد وَمعنى هَمَمْت أَي قصدت من الْهم وَهُوَ الْعَزْم وَقيل دونه قَوْله " فيحطب " بِالْفَاءِ وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي " ليحطب " بِاللَّامِ وَرِوَايَة الْكشميهني هُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين وَرِوَايَة الْمُوَطَّأ أَيْضا.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات " ليحطب " بِالنّصب وَلَام كي وبالجزم وَلَام الْأَمر.

     وَقَالَ  أَيْضا ليحتطب أَي ليجمع يُقَال حطبت واحتطبت إِذا جمعت الْحَطب.

     وَقَالَ  بَعضهم وَمعنى يحطب يكسر ليسهل إشعال النَّار بِهِ ( قلت) لَيْسَ الْمَعْنى كَذَلِك وَالْمعْنَى أَن آمُر بحطب فيحطب أَي فَيجمع وَكَذَلِكَ معنى يحتطب كَمَا ذَكرْنَاهُ وَلم يقل أحد من أهل اللُّغَة أَن معنى يحطب يكسر قَوْله " ثمَّ آمُر بِالصَّلَاةِ " الْألف وَاللَّام فِيهَا إِن كَانَت للْجِنْس فَهُوَ عَام وَإِن كَانَت للْعهد فَفِي رِوَايَة أَنَّهَا الْعشَاء وَفِي أُخْرَى الْفجْر وَفِي أُخْرَى الْجُمُعَة وَفِي أُخْرَى يتخلفون عَن الصَّلَاة مُطلقًا وَلَا تضَاد بَينهَا لجَوَاز تعدد الْوَاقِعَة نعم إِذا كَانَ المُرَاد الْجُمُعَة فالجماعة شَرط فِيهَا وَمحل الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي غَيرهَا.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيّ وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ سَائِر الرِّوَايَات أَنه عبر بِالْجمعَةِ عَن الْجَمَاعَة ونوزع فِيهِ لِأَن أَبَا دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ رويا من طَرِيق يزِيد بن جَابر عَن يزِيد بن الْأَصَم فَذكر الحَدِيث قَالَ يزِيد قلت ليزِيد بن الْأَصَم يَا أَبَا عَوْف الْجُمُعَة أَو غَيرهَا قَالَ صمت أذناي إِن لم أكن سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يؤثره عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا ذكر جُمُعَة وَلَا غَيرهَا فَظهر من ذَلِك أَن الرَّاجِح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنَّهَا غير الْجُمُعَة وَظهر من هَذَا أَن الْبَيْهَقِيّ وهم فِي هَذَا نعم جَاءَ فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أخرجه مُسلم وَفِيه الْجَزْم بِالْجمعَةِ وَهُوَ حَدِيث مُسْتَقل بِرَأْسِهِ ومخرجه مُغَاير لحَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا يقْدَح أَحدهمَا فِي الآخر لِإِمْكَان كَونهمَا وَاقِعَتَيْنِ كَمَا أَشَرنَا إِلَى ذَلِك عَن قريب قَوْله " فَيُؤذن لَهَا " كَذَا هُوَ بِاللَّامِ أَي أعلم النَّاس لأَجلهَا ويروى بِالْبَاء أَي أعلمت بهَا وَالْهَاء مفعول ثَان قَوْله " ثمَّ أُخَالِف " من بابُُ المفاعلة قَالَ الْجَوْهَرِي قَوْلهم هُوَ يُخَالف إِلَى فلَان أَي يَأْتِيهِ إِلَى غَابَ عَنهُ.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ يُقَال خالفني إِلَى كَذَا إِذا قَصده وَأَنت مولى عَنهُ قَالَ تَعَالَى { وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ} وَالْمعْنَى أُخَالِف المشتغلين بِالصَّلَاةِ قَاصِدا إِلَى بيُوت الَّذين لم يخرجُوا عَنْهَا إِلَى الصَّلَاة فأحرقها عَلَيْهِم وَيُقَال معنى أُخَالِف إِلَى رجال أذهب إِلَيْهِم وَالتَّقْيِيد بِالرِّجَالِ يخرج الصّبيان وَالنِّسَاء قَوْله " فَأحرق " بِالتَّشْدِيدِ من التحريق وَالْمرَاد بِهِ التكثير يُقَال حرقه بِالتَّشْدِيدِ إِذا بَالغ فِي تحريقه ويروى " فَأحرق من الإحراق " وَرِوَايَة التَّشْدِيد أَكثر وَأشهر قَوْله " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ " أعَاد يَمِينه لأجل الْمُبَالغَة فِي التهديد قَوْله " عرقا " بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء جمعه عراق قَالَ الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب هِيَ الْعِظَام الَّتِي يُؤْخَذ مِنْهَا هبر اللَّحْم وَيبقى عَلَيْهَا لُحُوم رقيقَة طيبَة فتكسر وتطبخ وَتُؤْخَذ إهالتها من طفاختها ويؤكل مَا على الْعِظَام من لحم رَقِيق وتشمس الْعِظَام ولحمها من أطيب اللحوم عِنْدهم يُقَال عرقت اللَّحْم وتعرقته وأعرقته إِذا أخذت اللَّحْم مِنْهُ نهشا بأسنانك وَعظم معروق إِذا ألقِي عَنهُ لَحْمه أَي قشر والعرام مثل الْعرَاق قَالَه الرياشي.

     وَقَالَ  القتيبي سَمِعت الرياشي يروي عَن أبي زيد أَنه قَالَ قَول النَّاس ثريدة كَثِيرَة الْعرَاق خطأ لِأَن الْعرَاق الْعِظَام وَفِي الموعب لِابْنِ التياني عَن ابْن قُتَيْبَة تسمى عراقا إِذا كَانَت جرداء لَا لحم عَلَيْهَا وَتسَمى عراقا وَعَلَيْهَا اللَّحْم وَزعم الْكَلْبِيّ أَن الْعرَاق الْعظم الَّذِي أَخذ أَكثر مِمَّا بَقِي عَلَيْهِ وَبَقِي عَلَيْهِ شَيْء يسير وَعَن الْأَصْمَعِي الْعرق بجزم الرَّاء الفدرة من اللَّحْم وَفِي الْمُحكم الْعرَاق الْعظم بِغَيْر لحم فَإِن كَانَ عَلَيْهِ لحم فَهُوَ عرق والعرق الفدرة من اللَّحْم وَجَمعهَا عراق وَهُوَ من الْجمع الْعَزِيز وَحكى ابْن الْأَعرَابِي فِي جمعه عراق بِالْكَسْرِ وَهُوَ أَقيس وَفِي الْمغرب الْعرق الْعظم قَوْله " أَو مرماتين " بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا وَهِي تَثْنِيَة مرماة.

     وَقَالَ  الْخَلِيل هِيَ مَا بَين ظلفي الشَّاة وَحَكَاهُ أَبُو عبيد.

     وَقَالَ  لَا أَدْرِي مَا وَجهه وَنَقله الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَته فِي كتاب الْأَحْكَام عَن الْفربرِي عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان عَن البُخَارِيّ قَالَ المرماة بِكَسْر الْمِيم مثل منساة وميضاة مَا بَين ظلفي الشَّاة من اللَّحْم قَالَ عِيَاض فالميم على هَذَا أَصْلِيَّة.

     وَقَالَ  الْأَخْفَش المرماة لعبة كَانُوا يلعبونها بنصال محددة يَرْمُونَهَا فِي كوم من تُرَاب فَأَيهمْ أثبتها فِي الكوم غلب وَهِي المرماة والمدحاة وَحكى الْحَرْبِيّ عَن الْأَصْمَعِي أَن المرماة سهم الهدف.

     وَقَالَ  وَيُؤَيِّدهُ مَا حَدثنِي ثمَّ سَاق من طَرِيق أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ " لَو أَن أحدهم إِذا شهد الصَّلَاة معي كَانَ لَهُ عظم من شَاة سَمِينَة أَو سَهْمَان لفعل " وَقيل المرماة سهم يتَعَلَّم عَلَيْهِ الرَّمْي وَهُوَ سهم دَقِيق مستو غير محدد.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد المرماتان فِي الحَدِيث سَهْمَان يَرْمِي بهما الرجل فيحرز سبقه يَقُول يسابق إِلَى إِحْرَاز الدُّنْيَا وسبقها ويدع سبق الْآخِرَة ( فَإِن قلت) لم وصف الْعرق بالسمن والمرماة بالْحسنِ ( قلت) ليَكُون الْبَاعِث النفساني فِي تحصيلهما.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ الحسنتين بدل المرماتين إِذا أُرِيد بهَا الْعظم الَّذِي لَا لحم عَلَيْهِ وَإِن أُرِيد بهما السهْمَان الصغيران فالحسنتان بِمَعْنى الجيدتان صفة للمرماتين قَالَ والمضاف مَحْذُوف يَعْنِي فِي قَوْله " لشهد الْعشَاء " أَي صَلَاة الْعشَاء فَالْمَعْنى لَو علم أَنه لَو حضر الصَّلَاة لوجد نفعا دنيويا وَإِن كَانَ خسيسا حَقِيرًا لحضرها لقُصُور همته على الدُّنْيَا وَلَا يحضرها لما لَهَا من مثوبات العقبى وَنَعِيمهَا ( ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ أَن جمَاعَة استدلوا بِهِ على أَن الْجَمَاعَة فرض عين.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح اخْتلف فِي صَلَاة الْجَمَاعَة هَل هِيَ شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة كَمَا قَالَ دَاوُد بن عَليّ وَأحمد بن حَنْبَل أَو فرض على الْأَعْيَان كَمَا قَالَه جمَاعَة من الْعلمَاء ابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر وَهُوَ قَول عَطاء وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد أَحْمد.

     وَقَالَ  فِي شرح الْمُهَذّب وَقيل أَنه قَول للشَّافِعِيّ وَعَن أَحْمد وَاجِبَة لَيست بِشَرْط وَقيل سنة مُؤَكدَة كَمَا قَالَه الْقَدُورِيّ وَفِي شرح الْهِدَايَة عَامَّة مَشَايِخنَا أَنَّهَا وَاجِبَة وَقد سَمَّاهَا بعض أَصْحَابنَا سنة مُؤَكدَة وَفِي الْمُفِيد الْجَمَاعَة وَاجِبَة وتسميتها سنة لوُجُوبهَا بِالسنةِ وَفِي الْبَدَائِع إِذا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَة لَا يجب عَلَيْهِ الطّلب فِي مَسْجِد آخر بِلَا خلاف بَين أَصْحَابنَا لَكِن إِن أَتَى مَسْجِدا يَرْجُو إِدْرَاك الْجَمَاعَة فِيهِ فَحسن وَإِن صلى فِي مَسْجِد حيه فَحسن وَعَن الْقَدُورِيّ يجمع بأَهْله وَفِي التُّحْفَة إِنَّمَا تجب على من قدر عَلَيْهَا من غير حرج وَتسقط بالعذر فَلَا تجب على الْمَرِيض وَلَا على الْأَعْمَى والزمن وَنَحْوهم هَذَا إِذا لم يجد الْأَعْمَى والزمن من يحملهُ وَكَذَا إِذا وجدا عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجب وَعَن شرف الْأَئِمَّة وَغَيره تَركهَا بِغَيْر عذر يُوجب التعذير وَيَأْثَم الْجِيرَان بِالسُّكُوتِ عَن تاركها وَعَن بَعضهم لَا تقبل شَهَادَته فَإِن اشْتغل بتكرار اللُّغَة لَا يعْذر فِي ترك الْجَمَاعَة وبتكرار الْفِقْه أَو مطالعته يعْذر فَإِن تَركهَا أهل نَاحيَة قوتلوا بِالسِّلَاحِ وَفِي الْقنية يشْتَغل بكرار الْفِقْه لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يحضر الْجَمَاعَة لَا يعْذر وَلَا نقبل شَهَادَته.

     وَقَالَ  أَبُو حنيفَة سَهَا أَو نَام أَو شغله عَن الْجَمَاعَة شغل جمع بأَهْله فِي منزله وَإِن صلى وَحده يجوز وَاخْتلف الْعلمَاء فِي إِقَامَتهَا فِي الْبَيْت وَالأَصَح أَنَّهَا كإقامتها فِي الْمَسْجِد وَفِي شرح خُوَاهَر زَاده هِيَ سنة مُؤَكدَة غَايَة التَّأْكِيد وَقيل فرض كِفَايَة وَهُوَ اخْتِيَار الطَّحَاوِيّ والكرخي وَغَيرهمَا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي الْمُخْتَار وَقيل سنة وَفِي الْجَوَاهِر عَن مَالك هِيَ سنة مُؤَكدَة وَقيل فرض كِفَايَة وَاسْتدلَّ من قَالَ بفرضية عينهَا بِحَدِيث الْبابُُ.

     وَقَالَ  لَو كَانَت فرض كِفَايَة لَكَانَ قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه بهَا كَافِيا وَلَو كَانَت سنة فتارك السّنة لَا يحرق عَلَيْهِ بَيته إِذْ سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يهم إِلَّا بِحَق وَيدل على وُجُوبهَا صَلَاة الْخَوْف إِذْ فِيهَا أَعمال مُنَافِيَة للصَّلَاة وَلَا يعْمل ذَلِك لأجل فرض كِفَايَة وَلَا سنة وَبِمَا فِي صَحِيح مُسلم " أَن أعمى قَالَ يَا رَسُول الله لَيْسَ لي قَائِد يقودني إِلَى الْمَسْجِد قَالَ هَل تسمع النداء قَالَ نعم قَالَ فأجب " وخرجه أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَبَّاس عَن ابْن أم مَكْتُوم " قلت يَا رَسُول الله إِن الْمَدِينَة كَثِيرَة الْهَوَام وَالسِّبَاع قَالَ تسمع حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح قَالَ نعم قَالَ فَحَيَّهَلا ".

     وَقَالَ  صَحِيح الْإِسْنَاد إِن كَانَ سمع عَن ابْن أم مَكْتُوم وَأخرجه من حَدِيث زَائِدَة عَن عَاصِم عَن أبي رزين عَن ابْن أم مَكْتُوم بِلَفْظ " إِنِّي كَبِير شاسع الدَّار لَيْسَ لي قَائِد يلازمني فَهَل تَجِد لي من رخصَة قَالَ تسمع النداء قلت نعم قَالَ مَا أجد لَك رخصَة " قَالَ الْحَاكِم وَله شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح فَذكر حَدِيث أبي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن شَدَّاد عَنهُ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتقْبل النَّاس فِي صَلَاة الْعشَاء فَقَالَ " يَعْنِي ابْن أم مَكْتُوم " فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن آتِي هَؤُلَاءِ الَّذين يتخلفون عَن هَذِه الصَّلَاة فَأحرق عَلَيْهِم بُيُوتهم قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله لقد علمت مَا بِي " الحَدِيث وَعند أَحْمد " أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَسْجِد فَوجدَ فِي الْقَوْم رقة فَقَالَ إِنِّي لأهم أَن أجعَل للنَّاس إِمَامًا ثمَّ أخرج فَلَا أقدر على إِنْسَان يتَخَلَّف عَن الصَّلَاة فِي بَيته إِلَّا أحرقته عَلَيْهِ فَقَالَ ابْن أم مَكْتُوم يَا رَسُول الله إِن بيني وَبَين الْمَسْجِد نخلا وشجرا وَلَا أقدر على قَائِد كل سَاعَة أيسعني أَن أُصَلِّي فِي بَيْتِي فَقَالَ أتسمع إِقَامَة الصَّلَاة قَالَ نعم قَالَ فَأْتِهَا " وأعل ابْن الْقطَّان حَدِيث ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ لِأَن الرَّاوِي عَنهُ أَبُو رزين وَابْن أبي ليلى فَأَما أَبُو رزين فَإنَّا لَا نعلم سنه وَلَكِن أكبر مَا عِنْده من الصَّحَابَة عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَابْن أم مَكْتُوم قتل بالقادسية زمن عمر رَضِي الله عَنهُ وَابْن أبي ليلى مولده لست بَقينَ من خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ انْتهى قَالَ صَاحب التَّلْوِيح فِيهِ نظر من وُجُوه الأول أَن قَوْله أَبُو رزين لَا نعلم مولده غير جيد لِأَن ابْن حبَان ذكر أَنه كَانَ أكبر سنا من أبي وَائِل وَأَبُو وَائِل قد علم إِدْرَاكه لسيدنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعلى هَذَا لَا تنكر رِوَايَته عَن ابْن أم مَكْتُوم الثَّانِي قَوْله أَعلَى مَا لَهُ الرِّوَايَة عَن عَليّ مَرْدُود بروايته الصَّحِيحَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الثَّالِث قَوْله مَاتَ ابْن أم مَكْتُوم بالقادسية مَرْدُود بقول ابْن حبَان فِي كتاب الصَّحَابَة شهد الْقَادِسِيَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة فَمَاتَ بهَا فِي خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الرَّابِع قَوْله أَن سنّ ابْن أبي ليلى لَا يَقْتَضِي لَهُ السماع من عمر مَرْدُود بقول أبي حَاتِم الرَّازِيّ وَسَأَلَهُ ابْنه هَل يسمع عبد الرَّحْمَن من بِلَال فَقَالَ بِلَال خرج إِلَى الشَّام قَدِيما فِي خلَافَة عمر فَإِن كَانَ رَآهُ صَغِيرا فَهَذَا أَبُو حَاتِم لم يُنكر سَمَاعه من بِلَال الْمُتَوفَّى سنة سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة بل جوزه فَكيف يُنكر من عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن شهَاب الْخياط عَن الْعَلَاء بن الْمسيب عَن ابْن أم مَكْتُوم " قلت يَا رَسُول الله إِن لي قائدا لَا يلازمني فِي هَاتين الصَّلَاتَيْنِ الْعشَاء وَالصُّبْح فَقَالَ لَو يعلم الْقَاعِدُونَ عَنْهُمَا مَا فيهمَا لأتوهما وَلَو حبوا " وَفِي الْأَوْسَط من حَدِيث الْبَزَّار " أَن ابْن أم مَكْتُوم شكى إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسَأَلَهُ أَن يرخص لَهُ فِي صَلَاة الْعشَاء وَالْفَجْر.

     وَقَالَ  أَن بيني وَبَيْنك أشب " بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة وَهُوَ كَثِيرَة الشّجر يُقَال بَلْدَة أشبة إِذا كَانَت ذَات شجر وَأَرَادَ هَهُنَا النّخل فَقَالَ هَل تسمع الْأَذَان قَالَ نعم مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَلم يرخص لَهُ فِي ذَلِك وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث عدي بن ثَابت عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة " جَاءَ رجل ضَرِير إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ إِنِّي أسمع النداء فلعلي لَا أجد قائدا ويشق عَليّ أَن أَتَّخِذ مَسْجِدا فِي بَيْتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أيبلغك النداء قَالَ فَإِذا سَمِعت فأجب ".

     وَقَالَ  تفرد بِهِ زيد بن أبي أنيسَة عَن عبد الله بن مُغفل وَعند مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة " أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل أعمى فَقَالَ يَا رَسُول الله لَيْسَ لي قَائِد يقودني إِلَى الْمَسْجِد فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يرخص لَهُ فَيصَلي فِي بَيته فَرخص لَهُ فَلَمَّا ولى دَعَاهُ فَقَالَ هَل تسمع النداء بِالصَّلَاةِ قَالَ نعم قَالَ فأجب " وَأخرجه السراج فِي مُسْنده من حَدِيث عَاصِم عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى الحَدِيث وَبِمَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من يسمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر " خرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَنهُ وَفسّر الْعذر فِي حَدِيث سلمَان بن قرم بِلَفْظ " من سمع النداء يُنَادى بِهِ صَحِيحا فَلم يَأْته من غير عذر لم يقبل الله لَهُ صَلَاة غَيرهَا قيل وَمَا الْعذر قَالَ الْمَرَض وَالْخَوْف " وَبِمَا رَوَاهُ ابْن ماجة من حَدِيث الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن الحكم بن مينا أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم سمعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول على أعواده " لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجَمَاعَة أَو ليختمن الله على قُلُوبهم " وَبِمَا رَوَاهُ ابْن ماجة أَيْضا من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم عَن الزبْرِقَان بن عَمْرو الضمرِي عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لينتهين رجال على ترك الْجَمَاعَة أَو لأحرقن بُيُوتهم " وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو سعيد بن يُونُس فِي تَارِيخه من حَدِيث واهب بن عبد الله المغافري عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَرْفُوعا " لأَنا على أمتِي فِي غير الْخمر أخوف عَلَيْهِم من الْخمر سُكْنى الْبَادِيَة وَترك الْمَسَاجِد " وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد جيد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ " لَو أَن رجلا دَعَا النَّاس إِلَى عرق أَو مرماتين لأجابوه وهم يدعونَ إِلَى هَذِه الصَّلَاة فِي جمَاعَة فَلَا يؤتونها لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي جمَاعَة فأضرمها عَلَيْهِم نَارا فَإِنَّهُ لَا يتَخَلَّف إِلَّا مُنَافِق " وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا " مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة وَلَا بَدو لَا تُقَام فيهم الصَّلَاة إِلَّا قد استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب القاصية " وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا " من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر " وَضَعفه وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو نعيم الدكيني بِسَنَد صَحِيح يرفعهُ " من سمع النداء فَلم يجب من غير عذر فَلَا صَلَاة لَهُ " وَبِمَا رَوَاهُ الْكَجِّي فِي سنَنه عَن حَارِثَة بن النُّعْمَان يرفعهُ " يخرج الرجل فِي غنيمته فَلَا يشْهد الصَّلَاة حَتَّى يطبع على قلبه " فِي إِسْنَاده عمر مولى عفرَة وَعَن أبي زُرَارَة الْأنْصَارِيّ قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من سمع النداء فَلم يجب كتب من الْمُنَافِقين " ذكره أَبُو يعلى أَحْمد بن عَليّ الْمثنى فِي مُسْنده بِسَنَد فِيهِ ضعف.
وَبِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فِي شرح مُشكل الْآثَار عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَوْلَا شَيْء لأمرت رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثمَّ لحرقت بُيُوتًا على مَا فِيهَا ".
وَأما اسْتِدْلَال من قَالَ بِأَنَّهَا سنة أَو فرض كِفَايَة فِيمَا تقدم فِي هَذَا الْكتاب من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا صَلَاة الْجَمَاعَة تفضل على صَلَاة الْفَذ لِأَن صِيغَة أفعل تَقْتَضِي الِاشْتِرَاك فِي الْفضل وترجيح أحد الْجَانِبَيْنِ وَمَا لَا يَصح لَا فضل فِيهِ وَلَا يجوز أَن يُقَال أَن أفضل قد يسْتَعْمل بِمَعْنى الْفَاضِل وَلَا يُقَال أَن ذَلِك مَحْمُول على صَلَاة الْمَعْذُور فَذا لِأَن الْفَذ مَعْرُوف بِالْألف وَاللَّام فَيُفِيد الْعُمُوم وَيدخل تَحْتَهُ كل فذ من مَعْذُور وَغَيره وَيدل أَيْضا أَنه أَرَادَ غير الْمَعْذُور بقوله " أَو فِي سوقه " لِأَن الْمَعْذُور لَا يروح إِلَى السُّوق وَأَيْضًا فَلَا يجوز أَن يحمل على الْمَعْذُور لِأَن الْمَعْذُور فِي أجر الصَّلَاة كَالصَّحِيحِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " صَلَاة الرجل مَعَ الرجل أزكى من صلَاته وَحده وَصلَاته مَعَ رجلَيْنِ أزكى من صلَاته مَعَ رجل وَمَا كثر فَهُوَ أحب إِلَى الله عز وَجل " وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للَّذين صليا فِي رحالهما من غير جمَاعَة " إِذا صليتما فِي رحالكما ثمَّ أتيتما الْمَسْجِد فَصَليَا فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَة " فَلَو كَانَت الْجَمَاعَة فرضا لأمرهما بِالْإِعَادَةِ وَمثل هَذَا جرى لمحجن الديلِي ذكره فِي الْمُوَطَّأ وَأما الْجَواب عَن حَدِيث الْبابُُ فعلى أوجه.
أَحدهمَا مَا قَالَه ابْن بطال وَهُوَ أَن الْجَمَاعَة لَو كَانَت فرضا لقَالَ حِين توعد بالإحراق من تخلف عَن الْجَمَاعَة لم تجزيه صلَاته لِأَنَّهُ وَقت الْبَيَان وَنظر فِيهِ ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّهُ الْبَيَان قد يكون بالتنصيص وَقد يكون بِالدّلَالَةِ فَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لقد هَمَمْت " الخ دلّ على وجوب الْحُضُور وَهُوَ كَاف فِي الْبَيَان ( قلت) لَيست فِيهِ دلَالَة من الدلالات الثَّلَاث الْمُطَابقَة والتضمن والالتزام وَلَا فِيهِ دلَالَة أصولية ففهم.
الثَّانِي مَا قَالَه الْبَاجِيّ وَهُوَ أَن الْخَبَر ورد مورد الزّجر وَحَقِيقَته غير مُرَادة إِنَّمَا المُرَاد الْمُبَالغَة لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على منع عُقُوبَة الْمُسلمين بذلك قيل أَن الْمَنْع وَقع بعد نسخ التعذيب بالنَّار وَكَانَ قبل ذَلِك جَائِزا فَحمل التهديد على حَقِيقَته غير مُمْتَنع.
الثَّالِث مَا قَالَه ابْن بزيزة عَن بَعضهم أَنه استنبط من نفس الحَدِيث عدم الْوُجُوب لكَونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هم بالتوجه إِلَى المتخلفين فَلَو كَانَت الْجَمَاعَة فرض عين مَا هم بِتَرْكِهَا إِذا توجه ثمَّ نظر فِيهِ ابْن بزيرة بِأَن الْوَاجِب يجوز تَركه لما هُوَ أوجب مِنْهُ.
الرَّابِع مَا قيل أَن تَركه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تحريقهم بعد التهديد يدل على عدم الْفَرْضِيَّة.
الْخَامِس مَا قَالَه عِيَاض وَهُوَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هم وَلم يفعل.
السَّادِس مَا قَالَه النَّوَوِيّ وَهُوَ أَنَّهَا لَو كَانَت فرض عين لما تَركهم وَهَذَا أقرب من الأول.
السَّابِع مَا قيل أَن المُرَاد بالتهديد قوم تركُوا الصَّلَاة رَأْسا لَا مُجَرّد الْجَمَاعَة ورد بِمَا رَوَاهُ مُسلم " لَا يشْهدُونَ الصَّلَاة " أَي لَا يحْضرُون وَفِي رِوَايَة عجلَان عَن أبي هُرَيْرَة " لَا يشْهدُونَ الْعشَاء فِي الْجَمِيع " أَي فِي الْجَمَاعَة وَفِي حَدِيث أُسَامَة بن زيد عِنْد ابْن ماجة مَرْفُوعا " لينتهين رجال عَن تَركهم الْجَمَاعَات أَو لأحرقن بُيُوتهم ".
الثَّامِن مَا قيل أَن الحَدِيث ورد فِي الْحَقِيقَة على مُخَالفَة أهل النِّفَاق والتحذير من التَّشَبُّه بهم.
التَّاسِع أَنه ورد فِي حق الْمُنَافِقين فَلَيْسَ التهديد لترك الْجَمَاعَة بخصوصهم فَلَا يتم الدَّلِيل ورده بَعضهم بِأَنَّهُ يستبعد الاعتناء بتأديب الْمُنَافِقين على تَركهم الْجَمَاعَة مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ لَا صَلَاة لَهُم وَبِأَنَّهُ كَانَ معرضًا عَنْهُم وَعَن عقوبتهم مَعَ علمه بطويتهم " وَقد قَالَ لَا يتحدث النَّاس بِأَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه " ورده ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّهُ لَا يتم إِلَّا أَن ادّعى أَن ترك معاقبة الْمُنَافِقين كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ وَلَا دَلِيل على ذَلِك فَإِذا ثَبت أَنه كَانَ مخبرا فَلَيْسَ فِي إعراضه عَنْهُم مَا يدل على وجوب ترك عقوبتهم ( قلت) قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ صَلَاة أثقل على الْمُنَافِقين من الْعشَاء وَالْفَجْر " يُوضح بِأَنَّهُ ورد فِي الْمُنَافِقين وَلَكِن المُرَاد بِهِ نفاق الْمعْصِيَة لَا نفاق الْكفْر بِدَلِيل قَوْله فِي رِوَايَة عجلَان " لَا يشْهدُونَ الْعشَاء فِي الْجَمِيع " وأوضح من ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " وَيصلونَ فِي بُيُوتهم وَلَيْسَ بهم عِلّة " فَهَذَا يدل على أَن نفاقهم نفاق مَعْصِيّة لَا نفاق كفر لِأَن الْكَافِر لَا يُصَلِّي فِي بَيته وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد رِيَاء وَسُمْعَة فَإِذا خلا فِي بَيته كَانَ كَمَا وَصفه الله تَعَالَى بِهِ من الْكفْر والاستهزاء نبه عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ خُرُوج الْمُؤمن من هَذَا الْوَعيد لَيْسَ من جِهَة أَنهم إِذا سمعُوا النداء جَازَ لَهُم التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة بل إِن التَّخَلُّف لَيْسَ من شَأْنهمْ بل هُوَ من صِفَات الْمُنَافِقين وَيدل عَلَيْهِ قَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لقد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَن الْجَمَاعَة إِلَّا مُنَافِق.
الْعَاشِر مَا قيل أَن فَرضِيَّة الْجَمَاعَة كَانَ فِي أول الْإِسْلَام لأجل سد بابُُ التَّخَلُّف عَن الصَّلَوَات على الْمُنَافِقين ثمَّ نسخ حَكَاهُ عِيَاض.
الْحَادِي عشر مَا قيل أَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَة لَا بَاقِي الصَّلَوَات وَحسنه الْقُرْطُبِيّ ورد بالأحاديث الْوَارِدَة المصرحة بالعشاء.
وَفِيه من الْفَوَائِد تَقْدِيم الْوَعيد والتهديد على الْعقُوبَة لِأَن الْمفْسدَة إِذا ارْتَفَعت بالأهون من الزّجر اكْتفى بِهِ عَن الْأَعْلَى بالعقوبة ( قلت) يكون هَذَا من بابُُ الدّفع بالأخف.
وَفِيه جَوَاز الْعقُوبَة بِالْمَالِ بِحَسب الظَّاهِر وَاسْتدلَّ بِهِ قوم من الْقَائِلين بذلك من الْمَالِكِيَّة وعزى ذَلِك أَيْضا إِلَى مَالك وَأجَاب الْجُمْهُور عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ.
وَفِيه جَوَاز إِخْرَاج من طلب بِحَق من بَيته إِذا اختفى فِيهِ وَامْتنع بِكُل طَرِيق يتَوَصَّل إِلَيْهِ كَمَا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِخْرَاج المتخلفين عَن الصَّلَاة بإلقاء النَّار عَلَيْهِم فِي بُيُوتهم وَحكى الطَّحَاوِيّ فِي أدب القَاضِي الصَّغِير لَهُ أَن بَعضهم كَانَ يرى الهجوم على الْغَائِب وَبَعْضهمْ لَا يرى وَبَعْضهمْ يرى التسمير على الْأَبْوَاب وَبَعْضهمْ لَا يرَاهُ.

     وَقَالَ  بعض الْحُكَّام أَجْلِس رجلا على بابُُه وَيمْنَع من الدُّخُول وَالْخُرُوج من منزله إِلَّا الطَّعَام وَالشرَاب فَإِنَّهُ لَا يمْنَع عَنْهُمَا ويضيق حَتَّى يخرج فَيحكم عَلَيْهِ قَالَ الْخصاف وَمن رأى الهجوم من أَصْحَابنَا على الْخصم فِي منزله إِذا تبين ذَلِك فَيكون ذَلِك بِالنسَاء والخدم وَالرِّجَال فَيقدم النِّسَاء فِي الدُّخُول ويفتش الدَّار ثمَّ يدْخل الْبَيْت الَّذِي فِيهِ النِّسَاء خَاصَّة فَإِذا وجد أخرج وَلَا يكون الهجم إِلَّا على غَفلَة من غير استئمار يدْخل النِّسَاء أَولا كَمَا قُلْنَا آنِفا.
وَفِيه جَوَاز أَخذ أهل الجرائم على غرَّة.
وَفِيه جَوَاز الْحلف من غير استحلاف كَمَا فِي حلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه جَوَاز التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة لعذر كالمرض وَالْخَوْف من ظَالِم أَو حَيَوَان وَمِنْه خوف فَوَات الْغَرِيم.
وَفِيه جَوَاز إِمَامَة الْمَفْضُول مَعَ وجود الْفَاضِل إِذا كَانَت فِيهِ مصلحَة وَاسْتدلَّ ابْن الْعَرَبِيّ مِنْهُ فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا على جَوَاز اعدام مَحل الْمعْصِيَة كَمَا هُوَ مَذْهَب مَالك ( قلت) وَبِذَلِك رُوِيَ عَن بعض أَصْحَابنَا وَادّعى الْجُمْهُور النّسخ فِيهِ كَمَا فِي الْعقُوبَة بِالْمَالِ وَالثَّانِي اسْتدلَّ بِهِ على مَشْرُوعِيَّة قتل تَارِك الصَّلَاة تهاونا بهَا وَفِيه نظر لَا يخفى وَالله تَعَالَى أعلم