هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6327 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ ، فَقَالَ : مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ فَقَالُوا : كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : فِيَّ أُنْزِلَتْ ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ قُلْتُ : إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ ، وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6327 حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين صبر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } إلى آخر الآية فدخل الأشعث بن قيس ، فقال : ما حدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فقالوا : كذا وكذا ، قال : في أنزلت ، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بينتك أو يمينه قلت : إذا يحلف عليها يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين صبر ، وهو فيها فاجر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

":"ہم سے موسیٰ بن اسماعیل نے بیان کیا ، کہا ہم سے ابوعوانہ نے بیان کیا ، ان سے اعمش نے ، ان سے ابووائل نے اور ان سے حضرت عبداللہ بن مسعود رضی اللہ عنہما نے بیان کیا کہرسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا جس نے جھوٹی قسم اس طور سے کھائی کہ اس کے ذریعہ کسی مسلمان کا مال ناجائز طریقہ سے حاصل کرے تو وہ اللہ تعالیٰ سے اس حال میں ملے گا کہ اللہ اس پر نہایت ہی غصہ ہو گا ۔ پھر اللہ تعالیٰ نے اس کی تصدیق وحی کے ذریعہ نازل کی کہ ” بلاشبہ وہ لوگ جو اللہ کے عہد اور اپنی قسموں کے بدلے معمولی دنیا کی پونجی خریدتے ہیں “ آخر آیت تک ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6676] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ التَّبُوذَكِيُّ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ هُوَ الْوَضَّاحُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُوسَى هَذَا بَعْضُ هَذَا الْحَدِيثِ بِدُونِ قِصَّةِ الْأَشْعَثِ فِي الشَّهَادَاتِ لَكِن عَن عبد الْوَاحِد وَهُوَ بن زِيَادٍ بَدَلَ أَبِي عَوَانَةَ فَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُوسَى الْمَذْكُورُ عَنْهُمَا جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنِ سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشُّرْبِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ وَهُوَ السُّكَّرِيُّ وَفِي الْأَشْخَاصِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَعْمَشُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ مِمَّا لَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ الْأَعْمَشُ فَلَا يَضُرُّ مَجِيئُهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا السَّنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالرَّفْعِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ الْمَاضِيَةِ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي الرَّهْنِ وَوَقَعَ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَمِينُ الصَّبْرِ هِيَ الَّتِي تَلْزَمُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا حَالِفُهَا يُقَالُ أَصَبَرَهُ الْيَمِينُ أَحْلَفَهُ بِهَا فِي مقَاطَعِ الْحَقِّ زَادَ أَبُو حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ هُوَ بِهَا فَاجِرٌ وَكَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ وَكَأَنَّ فِيهَا حَذْفًا تَقْدِيرُهُ هُوَ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِالْفُجُورِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْكَذِبُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ .

     قَوْلُهُ  يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا بِزِيَادَةِ لَامِ تَعْلِيلٍ وَيَقْتَطِعُ يَفْتَعِلُ مِنَ الْقَطْعِ كَأَنَّهُ قَطَعَهُ عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَخْذَ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ بِالْحَلِفِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ وَفِي رِوَايَةِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ نَحْوُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا جَمِيعًا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ الله ان الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَوْلَا التَّصْرِيحُ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ لَكَانَ ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ كَاذِبًا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ لَعَلَّ الْآيَة لم تبلغ بن أَبِي أَوْفَى إِلَّا عِنْدَ إِقَامَتِهِ السِّلْعَةَ فَظَنَّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّ الْقِصَّتَيْنِ وَقَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَاللَّفْظُ عَامٌّ مُتَنَاوِلٌ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا .

     قَوْلُهُ  فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ كنية بن مَسْعُودٍ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فِي الرَّهْنِ ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَانٍ كَانَ فِيهِ فَدَخَلَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ جَمِيعًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ فَجَاءَ الْأَشْعَثُ وَعَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ وَقَعَ وَعَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُهُمْ فَلَعَلَّ الْأَشْعَثَ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ فَلَمْ يُدْرِكْ تَحْدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ عَمَّا حَدَّثَهُمْ بِهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فَحَدَّثْنَاهُ وَبَيَّنَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِمَا حَدثهمْ بِهِ بن مَسْعُودٍ هُوَ أَبُو وَائِلٍ الرَّاوِي وَلَفْظُهُ فِي الْأَشْخَاصِ قَالَ فَلَقِيَنِي الْأَشْعَثُ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ الْيَوْمَ.

.

قُلْتُ كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَلَقِيَنِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ مُنَافَاةٌ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِكَوْنِهِ الْمُجِيبَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ رِوَايَةُ جَرِيرٍ قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ وَاللَّامُ لِتَأْكِيدِ الْقَسَمِ دَخَلْتْ عَلَى فِيَّ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبِ خُصُومَتِهِ الَّتِي يَذْكُرُهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ وَزَادَ جَرِيرٌ عَن مَنْصُور صدق قَالَ بن مَالِكٍ لَفِيَّ وَاللَّهِ نَزَلَتْ شَاهِدٌ عَلَى جَوَازِ توَسط الْقسم بَين جزئي الْجَوَابِ وَعَلَى أَنَّ اللَّامَ يَجِبُ وَصْلُهَا بِمَعْمُولَيِ الْفِعْلِ الْجَوَابِيِّ الْمُتَقَدِّمِ لَا بِالْفِعْلِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ لِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ كَانَتْ .

     قَوْلُهُ  بِئْرٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَرْضٌ وَادَّعَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الشُّرْبِ أَنَّ أَبَا حَمْزَةَ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ فِي بِئْرٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَافَقَهُ أَبُو عَوَانَةَ كَمَا تَرَى وَكَذَا يَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ جَمِيعًا وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا عَنْهُمْ لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ وَحْدَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ فِي شَيْءٍ وَلِبَعْضِهِمْ فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ أَيْضا فِي بِئْر قَوْله فِي ارْض بن عَمٍّ لِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ كَانَتْ فِي بِئْرٍ يَدَّعِيهَا الْأَشْعَثُ فِي أَرْضٍ لِخَصْمِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَرْضُ الْبِئْرِ لَا جَمِيعَ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ أَرْضُ الْبِئْرِ وَالْبِئْرُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله بن عَمٍّ لِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنَ الْيَهُودِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَمَنِ كَانُوا تَهَوَّدُوا لَمَّا غَلَبَ يُوسُفُ ذُو نُوَاسٍ عَلَى الْيَمَنِ فَطَرَدَ عَنْهَا الْحَبَشَةَ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذكر ذَلِك بن إِسْحَاقَ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَبْسُوطًا وَقَدْ تقدم فِي الشّرْب ان اسْم بن عَمه الْمَذْكُور الخفشيش بن معدان بن معد يكرب وَبَيَّنْتُ الْخِلَافَ فِي ضَبْطِ الْخَفْشِيشِ وَأَنَّهُ لَقَبٌ واسْمه جرير وَقيل معدان حَكَاهُ بن طَاهِر وَالْمَعْرُوف انه اسْم وكنيته أَبُو الْخَيْرِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ قَالَ خَاصَمَ رَجُلٌ مِنَ الْحَضْرَمِيِّينَ رَجُلًا مِنَّا يُقَالُ لَهُ الْخَفْشِيشُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضٍ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ جئ بشهودك على حَقك والاحلف لَكَ الْحَدِيثَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا يُخَالِفُ السِّيَاقَ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ خَاصَمَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ فِي أَرْضٍ فَذَكَرَ نَحْوَ قِصَّةِ الْأَشْعَثِ وَفِيهِ إِنْ مَكَّنْتُهُ مِنَ الْيَمِينِ ذَهَبَتْ أَرْضِي.

     وَقَالَ  مَنْ حَلَفَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَتَلَا الْآيَةَ وَمَعْدِ يكَرِبَ جَدُّ الْخَفْشِيشِ وَهُوَ جَدُّالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بن مُعَاوِيَة فَهُوَ بن عَمِّهِ حَقِيقَةً وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ وَرَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضٍ مِنَ الْيَمَنِ فَذَكَرَ قِصَّةً تُشْبِهُ قِصَّةَ الْبَابِ إِلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافًا فِي السِّيَاقِ وَأَظُنُّهَا قِصَّةً أُخْرَى فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي وَإِنَّمَا جَوَّزْتُ التَّعَدُّدَ لِأَنَّ الْحَضْرَمِيَّ يُغَايِرُ الْكِنْدِيَّ لِأَنَّ الْمُدَّعِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ هُوَ الْأَشْعَثُ وَهُوَ الْكِنْدِيُّ جَزْمًا وَالْمُدَّعِي فِي حَدِيثِ وَائِلٍ هُوَ الْحَضْرَمِيُّ فَافْتَرَقَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَضْرَمِيُّ نُسِبَ إِلَى الْبَلَدِ لَا إِلَى الْقَبِيلَةِ فَإِنَّ أَصْلَ نِسْبَةِ الْقَبِيلَةِ كَانَتْ إِلَى الْبَلَدِ ثُمَّ اشْتُهِرَتِ النِّسْبَةُ إِلَى الْقَبِيلَةِ فَلَعَلَّ الْكِنْدِيَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ كَانَ يَسْكُنُ حَضْرَمَوْتَ فَنُسِبَ إِلَيْهَا وَالْكِنْدِيُّ لَمْ يَسْكُنْهَا فَاسْتَمَرَّ عَلَى نِسْبَتِهِ وَقَدْ ذَكَرُوا الْخَفْشِيشَ فِي الصَّحَابَةِ وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِقَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ قَرِيبًا إِنَّهُ يَهُودِيٌّ ثُمَّ قَالَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَسْلَمَ.

.

قُلْتُ وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا وَصَفَهُ الْأَشْعَثُ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَيُؤَيِّدُ إِسْلَامَهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ قَالَ هِيَ أَرْضُهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ تَوَرُّعًا فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِإِسْلَامِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَهُودِيًّا مَا بَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى ذَلِكَ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ أَيْ حَرَجٌ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ مُسْلِمًا أَيْضًا رِوَايَةُ الشَّعْبِيِّ الْآتِيَةُ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ خَاصَمْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَجَحَدَنِي فَقَدَّمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَقُلْتُ لَا فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ احْلِفْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ فَقَالَ لِي شُهُودُكَ.

.

قُلْتُ مَا لِي شُهُودٌ قَالَ فَيَمِينُهُ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَلَكَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ تَوْجِيهُ الرَّفْعِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ النَّصْبُ وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي لَفْظِ رِوَايَةِ الْبَابِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهُ الرَّفْعِ لَكَ إِقَامَةُ شَاهِدَيْكَ أَوْ طَلَبُ يَمِينِهِ فَحُذِفَ فِيهِمَا الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامُهُ فَرُفِعَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ الْمُثْبَتُ لَكَ مَا تَدَّعِيهِ شَاهِدَاكَ وَتَأْوِيلُهُ الْمُثْبَتُ لَكَ هُوَ شَهَادَةُ شَاهِدَيْكَ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ يَحْلِفُ وَتَقَدَّمَ فِي الشُّرْبِ أَنْ يَحْلِفَ بِالنّصب لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الرَّفْعُ وَذَكَرَ فِيهِ تَوْجِيهَ ذَلِكَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ إِذًا يَحْلِفُ وَيَذْهَبُ بِمَالِي وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ مِنَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا قَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ قَالَ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ قَالَ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ قَالَ أَرْضِي أَعْظَمُ شَأْنًا من أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا فَقَالَ إِنَّ يَمِينَ الْمُسْلِمِ يُدْرَأُ بِهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حلف فَذكر مثل حَدِيث بن مَسْعُودٍ سَوَاءً وَزَادَ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ وَزَادَ أَبُو حَمْزَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ أَيْ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ حَدِيثُ مَنْ حَلَفَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَشْعَثِ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَسَاقَ الْآيَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحَدِيث وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِالشَّعْبِيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هُوَ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ فَذَهَبَ الْأَشْعَثُ فَأَخْبَرَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَصْلِحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَالَ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ مَا لِمَنْ تَرَكَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْجَنَّةُ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي قَدْ تَرَكْتُهَا لَهُ كُلَّهَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ سَمَاعُ الْحَاكِمِ الدَّعْوَى فِيمَا لَمْ يَرَهُ إِذَا وُصِفَ وَحُدِّدَ وَعَرَفَهُ الْمُتَدَاعِيَانِ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِوَصْفٍ وَلَا تَحْدِيدٍ فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ وَالتَّحْدِيدَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِذَاتِهِ بَلْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى تَمْيِيزُ الْمُدَّعَى بِهِ تَمْيِيزًا يَنْضَبِطُ بِهِ.

.

قُلْتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِ التَّحْدِيدِ وَالْوَصْفِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِسُكُوتِ الرَّاوِي عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَلْ يُطَالَبُ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا بِدَلِيلِهِ فَإِذَا ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الرَّاوِي وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُ الْمُدَّعِي هَلْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَدْ تَرْجَمَ بِذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّ مَنْ رَضِيَ بِيَمِينِ غَرِيمِهِ ثُمَّ أَرَادَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إِلَّا إِنْ أَتَى بِعُذْرٍ يَتَوَجَّهُ لَهُ فِي ترك اقامتها قبل استحلافه قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَوَجْهُهُ أَنَّ أَوْ تَقْتَضِي أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ فَلَوْ جَازَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الِاسْتِحْلَافِ لَكَانَ لَهُ الْأَمْرَانِ مَعًا وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَحَدَهُمَا قَالَ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ نَفْيُ طَرِيقٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ فَيَعُودُ الْمَعْنَى إِلَى حَصْرِ الْحُجَّةِ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى اعْتِبَارِ مَقَاصِدِ الْكَلَامِ وَفَهْمِهِ يُضْعِفُ هَذَا الْجَوَابَ قَالَ وَقَدْ يَسْتَدِلُّ الْحَنَفِيَّةُ بِهِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ.

.

قُلْتُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِ دَلِيلِ الْعَمَلِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَنَّهَا زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ نَفْيُهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِالْمَفْهُومِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَوْجِيهِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوِي كُلِّهَا عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَفِيهِ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُبْطِلًا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُبِيحُ لِلْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ حَلَالًا لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا اطلقه النَّوَوِيّ وَتعقب بِأَن بن عَبْدِ الْبَرِّ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُحِلُّ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ فِي الْأَمْوَالِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حِلِّ عِصْمَةِ نِكَاحِ مَنْ عُقِدَ عَلَيْهَا بِظَاهِرِ الْحُكْمِ وَهِيَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْفُرُوجُ كَالْأَمْوَالِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْفُرُوجِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ اللِّعَانُ انْتَهَى وَقَدْ طَرَدَ ذَلِكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فِي الْأَمْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ التَّشْدِيدُ عَلَى مَنْ حَلَفَ بَاطِلًا لِيَأْخُذَ حَقَّ مُسْلِمٍ وَهُوَ عِنْدَ الْجَمِيعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِرَارًا وَآخِرُهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَولُهُ وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ قَالَ فِي الْكَشَّافِ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ عَلَيْهِ النَّظَرَ مَجَازٌ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ التَّزْكِيَةِ تَرْكُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَبِالْغَضَبِ إِيصَالُ الشَّرِّ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَوْلَى بِالْمُدَّعَى فِيهِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى صُورَةِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالطَّالِبِ فَقَالَ لَيْسَ لَكَ إِلَّا يَمِينُ الْآخَرِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا حَلَفَ بَلْ إِنَّمَا جَعَلَ الْيَمِينَ تَصْرِفُ دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا غَيْرُ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إِذَا حَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ لَهُ بِمِلْكِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَلَا بِحِيَازَتِهِ بَلْ يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ يَمِينِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَاطٌ أَوْ يَكُونَا مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ وَيَلِيقُ بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَا بِالْحَلِفِ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ الدَّعْوَى وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ حَالِهِمَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ مَا أَغْنَاهُ عَنِ السُّؤَالِ فِيهِ وَقَدْ قَالَ خَصْمُهُ عَنْهُ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي وَلَا يَتَوَرَّعُ عَنْ شَيْءٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَرِيئًا مِمَّا قَالَ لَبَادَرَ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِ بَلْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ الْمُدَّعَى بِهِ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِيَمِينِهِ فِيهِ عِنْدَهُمْ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ يَمِينَ الْفَاجِرِ تُسْقِطُ عَنْهُ الدَّعْوَى وَأَنَّ فُجُورَهُ فِي دِينِهِ لَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا إِبْطَالَ إِقْرَارِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْيَمِينِ مَعْنًى وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ أَقَرَّ أَنَّ أَصْلَ الْمُدَّعِي لِغَيْرِهِ لَا يُكَلَّفُ لِبَيَانِ وَجْهِ مَصِيرِهِ إِلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ إِنْكَارُهُ لِذَلِكَ يَعْنِي تَسْلِيمَ الْمَطْلُوبِ لَهُ مَا قَالَ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنِ الْبَيِّنَةِ دُونَ مَا يَجِبُ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَلَوْ كَانَتِ الْيَمِينُ مِنْ تَمَامِ الْحُكْمِ لَهُ لَقَالَ لَهُ بَيِّنَتُكَ وَيَمِينُكَ عَلَى صِدْقِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى صِدْقِهَا فِيمَا شَهِدَتْ أَنَّ الْحُكْمَ لَهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ عَلَى حَلِفِهِ بِأَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا وَهَبَهُ مَثَلًا وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَنْفِيهِ بَلْ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ الْخَصْمَ اعْتَرَفَ وَسَلَّمَ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُدَّعِي فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ طَلَبِهِ يَمِينَهُ وَالْغَرَضُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ إِلَّا فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا الْبُدَاءَةُ بِالسَّمَاعِ مِنَ الطَّالِبِ ثُمَّ مِنَ الْمَطْلُوبِ هَلْ يُقِرُّ أَوْ يُنْكِرُ ثُمَّ طَلَبُ الْبَيِّنَةِ مِنَ الطَّالِبِ إِنْ أَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ تَوْجِيهُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ وَأَنَّ الطَّالِبَ إِذَا ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ فَاعْتَرَفَ اسْتَغْنَى عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّ يَدَ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ قَالَ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ تَسَابٍّ بِخِيَانَةٍ وَفُجُورٍ هَدَرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَسَبَهُ إِلَى الْغَصْبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِلَى الْفُجُورِ وَعَدَمِ التَّوَقِّي فِي الْأَيْمَانِ فِي حَالِ الْيَهُودِيَّةِ فَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَفِيهِ مَوْعِظَةُ الْحَاكِمِ الْمَطْلُوبَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْلِفَ بَاطِلًا فَيَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ بِالْمَوْعِظَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ فِي سُؤَالِ أَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنَ صَاحِبَهُ عَنْ مَذْهَبِهِ فَيَقُولُ لَهُ أَلَكَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَا يَقُولُ لَهُ ابْتِدَاءً مَا دَلِيلُكَ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلطَّالِبِ أَلَكَ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ قَرِّبْ بَيِّنَتَكَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ لِلْيَمِينِ مَكَانًا يَخْتَصُّ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ وَقَدْ عَهِدَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلِفَ عِنْدَ مِنْبَرِهِ وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ كَانَتِ الْمُحَاكَمَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَانْطَلَقَ الْمَطْلُوبُ لِيَحْلِفَ فَلَمْ يَكُنِ انْطِلَاقُهُ إِلَّا إِلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ انْطِلَاقُهُ إِلَى مَوْضِعٍ أَخَصَّ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الْحَالِفَ يَحْلِفُ قَائِمًا لِقَوْلِهِ فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَامَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ انْطَلَقَ لِيَحْلِفَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَبِيَدِهِ مَالٌ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَالِكِهِ إِذَا أَثْبَتَهُ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ اخْتِصَاصُهُ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَالُ لِكَافِرٍ.

.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ وَأَسْلَمَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يقر بِيَدِهِ والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَزَلَتْ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَأَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِأَنَّ نَقْضَ الْعَهْدِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ كَذَا قَالَ وَغَايَتُهُ أَنَّهَا دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالسِّرْجِينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْحُقُوقِ كَنَصِيبِ الزَّوْجَةِ بِالْقَسْمِ.

.
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ حَقِّ الذِّمِّيِّ بَلْ هُوَ حَرَامٌ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ الْعَظِيمَةُ وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ حَقِّ الذِّمِّيِّ بَلْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّلَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي الْأَمْرِ فِيهِمَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهَا وَفِي أَخْذِ حَقِّهِمَا بَاطِلًا وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ قَدْرُ الْعُقُوبَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا قَالَ وَفِيهِ غِلَظُ تَحْرِيمِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْحَقِّ وَكَثِيرِهِ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي غِلَظِ التَّحْرِيمِ لَا فِي مَرَاتِبِ الْغِلَظِ وَقَدْ صَرَّحَ بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَكَذَا بَيْنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَثِيرُ الْمَفْسَدَةِ وَحَقِيرُهَا وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِي الْحَالِفِ الْكَاذِبِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ مُطْلَقًا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ الْحَدِيثُ وَفِيهِ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَتِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ كَاذِبًا ( قَولُهُ بَابُ الْيَمِينِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَفِي الْمَعْصِيَةِ وَالْغَضَبِ) ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ يُؤْخَذُ مِنْهَا حُكْمُ مَا فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا وَلَوْ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ عَلَى غَيْرِشَرْطِهِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يملك بن آدَمَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَرُوَاتُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى عَمْرٍو وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لَا يَمِينَ فِي غَضَبٍ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ  بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ الْآيَةَ)

كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ الْعَهْدِ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْعَهْدَ غَيْرُ الْيَمِينِ لِعَطْفِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِهَا بِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْعُرْفَ جَرَى عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَالْكَفَالَةَ وَالْأَمَانَةَ أَيْمَانٌ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَلَا يخفى مَا فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ خَصَّ الْعَهْدَ بِالتَّقْدِمَةِ عَلَى سَائِرِ الْأَيْمَانِ فَدَلَّ عَلَى تَأَكُّدِ الْحَلِفِ بِهِ لِأَنَّ عَهْدَ اللَّهِ مَا أَخَذَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا أَعْطَاهُ عِبَادُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله الْآيَةَ لِأَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عرضة لأيمانكم كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَقَولُهُ جلّ ذكره قَالَ بن التِّينِ وَغَيْرُهُ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ وَإِنْ كُنْتُمْ بَرَرَةً وَفَائِدَةُ ذَلِكَ إِثْبَاتُ الْهَيْبَةِ فِي الْقُلُوبِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تُطِعْ كُلَّ حلاف مهين وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَصِلَ رَحِمَهُ مَثَلًا فَيُقَالُ لَهُ صِلْ فَيَقُولُ قَدْ حَلَفْتُ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ تَبَرُّوا كَرَاهَةَ أَنْ تَبَرُّوا فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرَ انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ لَا تَجْعَلِ اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِكَ أَنْ لَا تَصْنَعَ الْخَيْرَ وَلَكِنْ كَفِّرْ وَاصْنَعِ الْخَيْرَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ يَفْعَلَ نَوْعًا مِنَ الْخَيْرِ تَأْكِيدًا لَهُ بِيَمِينِهِ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ شَبِيهُ النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ لَا قَالَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ الْعُرْضَةُ مَا يُجْعَلُ مُعَرَّضًا لِشَيْءٍ آخَرَ كَمَا قَالُوا بَعِيرٌ عُرْضَةٌ لِلسَّفَرِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِر وَلَا تجعلني عُرْضَةً لِلَّوَائِمِ وَيَقُولُونَ فُلَانٌ عُرْضَةٌ لِلنَّاسِ أَيْ يَقَعُونَ فِيهِ وَفُلَانَةٌ عُرْضَةٌ لِلنِّكَاحِ إِذَا صَلُحَتْ لَهُ وَقَوِيَتْ عَلَيْهِ وَجَعَلْتُ فُلَانًا عُرْضَةً فِي كَذَا أَيْ أَقَمْتُهُ فِيهِ وَتُطْلَقُ الْعُرْضَةُ أَيْضًا عَلَى الْهِمَّةِ كَقَوْلِ حَسَّانَ هِيَ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِلَى قَوْلِهِ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ ذَلِكَ لِجَمِيعِهِمْ وَوَقَعَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالصَّوَابُ وَقَوله وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُم كَفِيلا إِلَى قَوْلِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ عرضة لايمانكم مَا نَصُّهُ وَقَولُهُ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثمنا قَلِيلا الْآيَةَ وَقَولُهُ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ الْآيَة وَقد مَشى شرح بن بَطَّالٍ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَأْكِيدِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَلَا تَنْقُضُوا الْإِيمَان بعد توكيدها وَلم يتَقَدَّم غير ذكر الْعَهْدِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ أَرَادَ مَا وَقَعَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَا تَنْقُضُوا وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عاهدتم لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَطْفِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعَهْدِ أَنْ يَكُونَ الْعَهْدُ يَمِينًا بَلْ هُوَ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا فَالْآيَاتُ كُلُّهَا دَالَّاتٌ عَلَى تَأْكِيدِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ.

.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يَمِينًا فَشَيْءٌ آخَرُ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ مَنْ حَلَفَ بِعَهْدِ اللَّهِ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَقَوله وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا أَي شَهِيدا فِي الْعَهْد أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ يَعْنِي وَكِيلًا وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِأَن بن عَبَّاسٍ فَسَّرَهَا بِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَصِلَ قَرَابَتَهُ فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا فِي التَّكْفِيرِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصِلَ قَرَابَتَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِحَالِفِ الْغَمُوسِ مَخْرَجًا كَذَا قَالَ.

.
وَتَعَقَّبَهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ بَلْ قَدْ يَدُلُّ لِمَشْرُوعِيَّتِهَا

[ قــ :6327 ... غــ :6676] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ التَّبُوذَكِيُّ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ هُوَ الْوَضَّاحُ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ مُوسَى هَذَا بَعْضُ هَذَا الْحَدِيثِ بِدُونِ قِصَّةِ الْأَشْعَثِ فِي الشَّهَادَاتِ لَكِن عَن عبد الْوَاحِد وَهُوَ بن زِيَادٍ بَدَلَ أَبِي عَوَانَةَ فَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُوسَى الْمَذْكُورُ عَنْهُمَا جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنِ سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشُّرْبِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ وَهُوَ السُّكَّرِيُّ وَفِي الْأَشْخَاصِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَعْمَشُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ مِمَّا لَمْ يُدَلِّسْ فِيهِ الْأَعْمَشُ فَلَا يَضُرُّ مَجِيئُهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا السَّنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالرَّفْعِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ الْمَاضِيَةِ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي الرَّهْنِ وَوَقَعَ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَمِينُ الصَّبْرِ هِيَ الَّتِي تَلْزَمُ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا حَالِفُهَا يُقَالُ أَصَبَرَهُ الْيَمِينُ أَحْلَفَهُ بِهَا فِي مقَاطَعِ الْحَقِّ زَادَ أَبُو حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ هُوَ بِهَا فَاجِرٌ وَكَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ وَكَأَنَّ فِيهَا حَذْفًا تَقْدِيرُهُ هُوَ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِالْفُجُورِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْكَذِبُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ .

     قَوْلُهُ  يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا بِزِيَادَةِ لَامِ تَعْلِيلٍ وَيَقْتَطِعُ يَفْتَعِلُ مِنَ الْقَطْعِ كَأَنَّهُ قَطَعَهُ عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَخْذَ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ بِالْحَلِفِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ وَفِي رِوَايَةِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ نَحْوُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا جَمِيعًا عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ الله ان الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَوْلَا التَّصْرِيحُ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ لَكَانَ ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ كَاذِبًا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ لَعَلَّ الْآيَة لم تبلغ بن أَبِي أَوْفَى إِلَّا عِنْدَ إِقَامَتِهِ السِّلْعَةَ فَظَنَّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ أَوْ أَنَّ الْقِصَّتَيْنِ وَقَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ وَاللَّفْظُ عَامٌّ مُتَنَاوِلٌ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا .

     قَوْلُهُ  فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ كنية بن مَسْعُودٍ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فِي الرَّهْنِ ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَانٍ كَانَ فِيهِ فَدَخَلَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ جَمِيعًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ فَجَاءَ الْأَشْعَثُ وَعَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ وَقَعَ وَعَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُهُمْ فَلَعَلَّ الْأَشْعَثَ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ فَلَمْ يُدْرِكْ تَحْدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ عَمَّا حَدَّثَهُمْ بِهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فَحَدَّثْنَاهُ وَبَيَّنَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الَّذِي حَدَّثَهُ بِمَا حَدثهمْ بِهِ بن مَسْعُودٍ هُوَ أَبُو وَائِلٍ الرَّاوِي وَلَفْظُهُ فِي الْأَشْخَاصِ قَالَ فَلَقِيَنِي الْأَشْعَثُ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ الْيَوْمَ.

.

قُلْتُ كَذَا وَكَذَا وَلَيْسَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَلَقِيَنِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ مُنَافَاةٌ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِكَوْنِهِ الْمُجِيبَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ رِوَايَةُ جَرِيرٍ قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ وَاللَّامُ لِتَأْكِيدِ الْقَسَمِ دَخَلْتْ عَلَى فِيَّ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبِ خُصُومَتِهِ الَّتِي يَذْكُرُهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ وَزَادَ جَرِيرٌ عَن مَنْصُور صدق قَالَ بن مَالِكٍ لَفِيَّ وَاللَّهِ نَزَلَتْ شَاهِدٌ عَلَى جَوَازِ توَسط الْقسم بَين جزئي الْجَوَابِ وَعَلَى أَنَّ اللَّامَ يَجِبُ وَصْلُهَا بِمَعْمُولَيِ الْفِعْلِ الْجَوَابِيِّ الْمُتَقَدِّمِ لَا بِالْفِعْلِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ لِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ كَانَتْ .

     قَوْلُهُ  بِئْرٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَرْضٌ وَادَّعَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الشُّرْبِ أَنَّ أَبَا حَمْزَةَ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ فِي بِئْرٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَافَقَهُ أَبُو عَوَانَةَ كَمَا تَرَى وَكَذَا يَأْتِي فِي الْأَحْكَامِ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ جَمِيعًا وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا عَنْهُمْ لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ وَحْدَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ فِي شَيْءٍ وَلِبَعْضِهِمْ فِي بِئْرٍ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ أَيْضا فِي بِئْر قَوْله فِي ارْض بن عَمٍّ لِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ كَانَتْ فِي بِئْرٍ يَدَّعِيهَا الْأَشْعَثُ فِي أَرْضٍ لِخَصْمِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَرْضُ الْبِئْرِ لَا جَمِيعَ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ أَرْضُ الْبِئْرِ وَالْبِئْرُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله بن عَمٍّ لِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنَ الْيَهُودِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَمَنِ كَانُوا تَهَوَّدُوا لَمَّا غَلَبَ يُوسُفُ ذُو نُوَاسٍ عَلَى الْيَمَنِ فَطَرَدَ عَنْهَا الْحَبَشَةَ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذكر ذَلِك بن إِسْحَاقَ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ مَبْسُوطًا وَقَدْ تقدم فِي الشّرْب ان اسْم بن عَمه الْمَذْكُور الخفشيش بن معدان بن معد يكرب وَبَيَّنْتُ الْخِلَافَ فِي ضَبْطِ الْخَفْشِيشِ وَأَنَّهُ لَقَبٌ واسْمه جرير وَقيل معدان حَكَاهُ بن طَاهِر وَالْمَعْرُوف انه اسْم وكنيته أَبُو الْخَيْرِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ قَالَ خَاصَمَ رَجُلٌ مِنَ الْحَضْرَمِيِّينَ رَجُلًا مِنَّا يُقَالُ لَهُ الْخَفْشِيشُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضٍ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ جئ بشهودك على حَقك والاحلف لَكَ الْحَدِيثَ.

.

قُلْتُ وَهَذَا يُخَالِفُ السِّيَاقَ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ خَاصَمَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ فِي أَرْضٍ فَذَكَرَ نَحْوَ قِصَّةِ الْأَشْعَثِ وَفِيهِ إِنْ مَكَّنْتُهُ مِنَ الْيَمِينِ ذَهَبَتْ أَرْضِي.

     وَقَالَ  مَنْ حَلَفَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَتَلَا الْآيَةَ وَمَعْدِ يكَرِبَ جَدُّ الْخَفْشِيشِ وَهُوَ جَدُّ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَبَلَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بن مُعَاوِيَة فَهُوَ بن عَمِّهِ حَقِيقَةً وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ كِنْدَةَ وَرَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْضٍ مِنَ الْيَمَنِ فَذَكَرَ قِصَّةً تُشْبِهُ قِصَّةَ الْبَابِ إِلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافًا فِي السِّيَاقِ وَأَظُنُّهَا قِصَّةً أُخْرَى فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي وَإِنَّمَا جَوَّزْتُ التَّعَدُّدَ لِأَنَّ الْحَضْرَمِيَّ يُغَايِرُ الْكِنْدِيَّ لِأَنَّ الْمُدَّعِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ هُوَ الْأَشْعَثُ وَهُوَ الْكِنْدِيُّ جَزْمًا وَالْمُدَّعِي فِي حَدِيثِ وَائِلٍ هُوَ الْحَضْرَمِيُّ فَافْتَرَقَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَضْرَمِيُّ نُسِبَ إِلَى الْبَلَدِ لَا إِلَى الْقَبِيلَةِ فَإِنَّ أَصْلَ نِسْبَةِ الْقَبِيلَةِ كَانَتْ إِلَى الْبَلَدِ ثُمَّ اشْتُهِرَتِ النِّسْبَةُ إِلَى الْقَبِيلَةِ فَلَعَلَّ الْكِنْدِيَّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ كَانَ يَسْكُنُ حَضْرَمَوْتَ فَنُسِبَ إِلَيْهَا وَالْكِنْدِيُّ لَمْ يَسْكُنْهَا فَاسْتَمَرَّ عَلَى نِسْبَتِهِ وَقَدْ ذَكَرُوا الْخَفْشِيشَ فِي الصَّحَابَةِ وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِقَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ قَرِيبًا إِنَّهُ يَهُودِيٌّ ثُمَّ قَالَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَسْلَمَ.

.

قُلْتُ وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا وَصَفَهُ الْأَشْعَثُ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَيُؤَيِّدُ إِسْلَامَهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ قَالَ هِيَ أَرْضُهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ تَوَرُّعًا فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِإِسْلَامِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَهُودِيًّا مَا بَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى ذَلِكَ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ أَيْ حَرَجٌ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ مُسْلِمًا أَيْضًا رِوَايَةُ الشَّعْبِيِّ الْآتِيَةُ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ خَاصَمْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ فَاخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَجَحَدَنِي فَقَدَّمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَقُلْتُ لَا فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ احْلِفْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ فَقَالَ لِي شُهُودُكَ.

.

قُلْتُ مَا لِي شُهُودٌ قَالَ فَيَمِينُهُ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَلَكَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ تَوْجِيهُ الرَّفْعِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ النَّصْبُ وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي لَفْظِ رِوَايَةِ الْبَابِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهُ الرَّفْعِ لَكَ إِقَامَةُ شَاهِدَيْكَ أَوْ طَلَبُ يَمِينِهِ فَحُذِفَ فِيهِمَا الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامُهُ فَرُفِعَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ الْمُثْبَتُ لَكَ مَا تَدَّعِيهِ شَاهِدَاكَ وَتَأْوِيلُهُ الْمُثْبَتُ لَكَ هُوَ شَهَادَةُ شَاهِدَيْكَ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ .

.

قُلْتُ إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ يَحْلِفُ وَتَقَدَّمَ فِي الشُّرْبِ أَنْ يَحْلِفَ بِالنّصب لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الرَّفْعُ وَذَكَرَ فِيهِ تَوْجِيهَ ذَلِكَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ إِذًا يَحْلِفُ وَيَذْهَبُ بِمَالِي وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ مِنَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا قَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ قَالَ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ قَالَ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ قَالَ أَرْضِي أَعْظَمُ شَأْنًا من أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا فَقَالَ إِنَّ يَمِينَ الْمُسْلِمِ يُدْرَأُ بِهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حلف فَذكر مثل حَدِيث بن مَسْعُودٍ سَوَاءً وَزَادَ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ وَزَادَ أَبُو حَمْزَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ أَيْ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ حَدِيثُ مَنْ حَلَفَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَشْعَثِ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَسَاقَ الْآيَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كُرْدُوسٍ عَنِ الْأَشْعَثِ فَتَهَيَّأَ الْكِنْدِيُّ لِلْيَمِينِ وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحَدِيث وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْأَشْعَثِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هُوَ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ فَذَهَبَ الْأَشْعَثُ فَأَخْبَرَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَصْلِحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَالَ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ مَا لِمَنْ تَرَكَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْجَنَّةُ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي قَدْ تَرَكْتُهَا لَهُ كُلَّهَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ سَمَاعُ الْحَاكِمِ الدَّعْوَى فِيمَا لَمْ يَرَهُ إِذَا وُصِفَ وَحُدِّدَ وَعَرَفَهُ الْمُتَدَاعِيَانِ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِوَصْفٍ وَلَا تَحْدِيدٍ فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ وَالتَّحْدِيدَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِذَاتِهِ بَلْ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى تَمْيِيزُ الْمُدَّعَى بِهِ تَمْيِيزًا يَنْضَبِطُ بِهِ.

.

قُلْتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِ التَّحْدِيدِ وَالْوَصْفِ فِي الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِسُكُوتِ الرَّاوِي عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَلْ يُطَالَبُ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا بِدَلِيلِهِ فَإِذَا ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ الرَّاوِي وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُ الْمُدَّعِي هَلْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَدْ تَرْجَمَ بِذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ وَأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّ مَنْ رَضِيَ بِيَمِينِ غَرِيمِهِ ثُمَّ أَرَادَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إِلَّا إِنْ أَتَى بِعُذْرٍ يَتَوَجَّهُ لَهُ فِي ترك اقامتها قبل استحلافه قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَوَجْهُهُ أَنَّ أَوْ تَقْتَضِي أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ فَلَوْ جَازَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الِاسْتِحْلَافِ لَكَانَ لَهُ الْأَمْرَانِ مَعًا وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَحَدَهُمَا قَالَ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ نَفْيُ طَرِيقٍ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ فَيَعُودُ الْمَعْنَى إِلَى حَصْرِ الْحُجَّةِ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى اعْتِبَارِ مَقَاصِدِ الْكَلَامِ وَفَهْمِهِ يُضْعِفُ هَذَا الْجَوَابَ قَالَ وَقَدْ يَسْتَدِلُّ الْحَنَفِيَّةُ بِهِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْأَمْوَالِ.

.

قُلْتُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِ دَلِيلِ الْعَمَلِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَنَّهَا زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ نَفْيُهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِالْمَفْهُومِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَوْجِيهِ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوِي كُلِّهَا عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَفِيهِ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُبْطِلًا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُبِيحُ لِلْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ حَلَالًا لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا اطلقه النَّوَوِيّ وَتعقب بِأَن بن عَبْدِ الْبَرِّ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُحِلُّ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ فِي الْأَمْوَالِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حِلِّ عِصْمَةِ نِكَاحِ مَنْ عُقِدَ عَلَيْهَا بِظَاهِرِ الْحُكْمِ وَهِيَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الْفُرُوجُ كَالْأَمْوَالِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الْفُرُوجِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ اللِّعَانُ انْتَهَى وَقَدْ طَرَدَ ذَلِكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فِي الْأَمْوَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ التَّشْدِيدُ عَلَى مَنْ حَلَفَ بَاطِلًا لِيَأْخُذَ حَقَّ مُسْلِمٍ وَهُوَ عِنْدَ الْجَمِيعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِرَارًا وَآخِرُهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَولُهُ وَلَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ قَالَ فِي الْكَشَّافِ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ عَلَيْهِ النَّظَرَ مَجَازٌ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ التَّزْكِيَةِ تَرْكُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَبِالْغَضَبِ إِيصَالُ الشَّرِّ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ أَوْلَى بِالْمُدَّعَى فِيهِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى صُورَةِ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالطَّالِبِ فَقَالَ لَيْسَ لَكَ إِلَّا يَمِينُ الْآخَرِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا حَلَفَ بَلْ إِنَّمَا جَعَلَ الْيَمِينَ تَصْرِفُ دَعْوَى الْمُدَّعِي لَا غَيْرُ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إِذَا حَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ لَهُ بِمِلْكِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَلَا بِحِيَازَتِهِ بَلْ يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ يَمِينِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَاطٌ أَوْ يَكُونَا مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ وَيَلِيقُ بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَا بِالْحَلِفِ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ الدَّعْوَى وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ حَالِهِمَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ مَا أَغْنَاهُ عَنِ السُّؤَالِ فِيهِ وَقَدْ قَالَ خَصْمُهُ عَنْهُ إِنَّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي وَلَا يَتَوَرَّعُ عَنْ شَيْءٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَرِيئًا مِمَّا قَالَ لَبَادَرَ لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِ بَلْ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ الْمُدَّعَى بِهِ وَقَعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِيَمِينِهِ فِيهِ عِنْدَهُمْ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ يَمِينَ الْفَاجِرِ تُسْقِطُ عَنْهُ الدَّعْوَى وَأَنَّ فُجُورَهُ فِي دِينِهِ لَا يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا إِبْطَالَ إِقْرَارِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْيَمِينِ مَعْنًى وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ أَقَرَّ أَنَّ أَصْلَ الْمُدَّعِي لِغَيْرِهِ لَا يُكَلَّفُ لِبَيَانِ وَجْهِ مَصِيرِهِ إِلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ إِنْكَارُهُ لِذَلِكَ يَعْنِي تَسْلِيمَ الْمَطْلُوبِ لَهُ مَا قَالَ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ قُضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنِ الْبَيِّنَةِ دُونَ مَا يَجِبُ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَلَوْ كَانَتِ الْيَمِينُ مِنْ تَمَامِ الْحُكْمِ لَهُ لَقَالَ لَهُ بَيِّنَتُكَ وَيَمِينُكَ عَلَى صِدْقِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى صِدْقِهَا فِيمَا شَهِدَتْ أَنَّ الْحُكْمَ لَهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ عَلَى حَلِفِهِ بِأَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا وَهَبَهُ مَثَلًا وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَنْفِيهِ بَلْ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ الْخَصْمَ اعْتَرَفَ وَسَلَّمَ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُدَّعِي فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ طَلَبِهِ يَمِينَهُ وَالْغَرَضُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ فَلَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ إِلَّا فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا الْبُدَاءَةُ بِالسَّمَاعِ مِنَ الطَّالِبِ ثُمَّ مِنَ الْمَطْلُوبِ هَلْ يُقِرُّ أَوْ يُنْكِرُ ثُمَّ طَلَبُ الْبَيِّنَةِ مِنَ الطَّالِبِ إِنْ أَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ تَوْجِيهُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ وَأَنَّ الطَّالِبَ إِذَا ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ فَاعْتَرَفَ اسْتَغْنَى عَنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّ يَدَ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ قَالَ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ تَسَابٍّ بِخِيَانَةٍ وَفُجُورٍ هَدَرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَسَبَهُ إِلَى الْغَصْبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِلَى الْفُجُورِ وَعَدَمِ التَّوَقِّي فِي الْأَيْمَانِ فِي حَالِ الْيَهُودِيَّةِ فَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَفِيهِ مَوْعِظَةُ الْحَاكِمِ الْمَطْلُوبَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْلِفَ بَاطِلًا فَيَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ بِالْمَوْعِظَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ فِي سُؤَالِ أَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنَ صَاحِبَهُ عَنْ مَذْهَبِهِ فَيَقُولُ لَهُ أَلَكَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَا يَقُولُ لَهُ ابْتِدَاءً مَا دَلِيلُكَ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلطَّالِبِ أَلَكَ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ قَرِّبْ بَيِّنَتَكَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ لِلْيَمِينِ مَكَانًا يَخْتَصُّ بِهِ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ وَقَدْ عَهِدَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلِفَ عِنْدَ مِنْبَرِهِ وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ كَانَتِ الْمُحَاكَمَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَانْطَلَقَ الْمَطْلُوبُ لِيَحْلِفَ فَلَمْ يَكُنِ انْطِلَاقُهُ إِلَّا إِلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ انْطِلَاقُهُ إِلَى مَوْضِعٍ أَخَصَّ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الْحَالِفَ يَحْلِفُ قَائِمًا لِقَوْلِهِ فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَامَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ انْطَلَقَ لِيَحْلِفَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَبِيَدِهِ مَالٌ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَالِكِهِ إِذَا أَثْبَتَهُ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ اخْتِصَاصُهُ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَالُ لِكَافِرٍ.

.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ وَأَسْلَمَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يقر بِيَدِهِ والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَزَلَتْ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَأَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِأَنَّ نَقْضَ الْعَهْدِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ كَذَا قَالَ وَغَايَتُهُ أَنَّهَا دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالسِّرْجِينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْحُقُوقِ كَنَصِيبِ الزَّوْجَةِ بِالْقَسْمِ.

.
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ حَقِّ الذِّمِّيِّ بَلْ هُوَ حَرَامٌ أَيْضًا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَذِهِ الْعُقُوبَةُ الْعَظِيمَةُ وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ حَقِّ الذِّمِّيِّ بَلْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ لَا يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي الْأَمْرِ فِيهِمَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهَا وَفِي أَخْذِ حَقِّهِمَا بَاطِلًا وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ قَدْرُ الْعُقُوبَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا قَالَ وَفِيهِ غِلَظُ تَحْرِيمِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْحَقِّ وَكَثِيرِهِ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي غِلَظِ التَّحْرِيمِ لَا فِي مَرَاتِبِ الْغِلَظِ وَقَدْ صَرَّحَ بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَكَذَا بَيْنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَثِيرُ الْمَفْسَدَةِ وَحَقِيرُهَا وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِي الْحَالِفِ الْكَاذِبِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ مُطْلَقًا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ الْحَدِيثُ وَفِيهِ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَتِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ كَاذِبًا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [النحل: 95] {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل: 91] .

(باب قول الله تعالى) في سورة آل عمران: ({إن الذين يشترون}) يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدون عليه من الأيمان بالرسول ({وأيمانهم}) وبما حلفوا به من قولهم لنؤمنن به ولننصرنه ({ثمنًا قليلاً}) متاع الدنيا ({أولئك لا خلاق لهم}) لا نصيب لهم ({في الآخرة}) ونعيمها وهذا مشروط بالإجماع بعدم التوبة فإن تاب سقط الوعيد ({ولا يكلمهم الله}) كلامًا يسرهم ({ولا ينظر إليهم يوم القيامة}) نظر رحمة ولا ينيلهم خيرًا وليس المراد منه النظر بتقليب الحدقة إلى المرئي تعالى الله عن ذلك ({ولا يزكيهم}) ولا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة أو لا يثني عليهم كما يثني على أوليائه كثناء المزكي للشاهد والتزكية من الله قد تكون على ألسنة الملائكة كما قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [الرعد: 24] وقد تكون بغير واسطة إما في الدنيا كما قال تعالى {التائبون العابدون} [التوبة: 112] وأما في الآخرة كما قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58] .

ثم لما بين تعالى حرمانهم مما ذكر من الثواب بين كونهم في العقاب فقال: ({ولهم عذاب أليم}) [آل عمران: 77] مؤلم كذا في رواية كريمة سياق الآية إلى آخرها وقال في رواية أبي ذر: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم} الآية.
واستفيد من الآية أن العهد غير اليمين لعطف العهد عليه.

(وقوله) ولأبي ذر وقول الله تعالى (جل ذكره {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}) فعلة بمعنى المفعولة كالقبضة والغرفة أي لا تجعلوه معرضًا للحلف من قولهم فلان عرضة لكذا أي معرّض.
قال كعب:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول
وقال حسان:
هم الأنصار عرضتها اللقاء
وهما بمعنى معرّض لكذا أو اسم لما تعرضه على الشيء فيكون من عرض العود على الإناء
فيعترض دونه ويصير حاجزًا ومانعًا، والمعنى على هذا النهي أن يحلفوا بالله على أنهم لا يبرون ولا يتقون ويقولون لا نقدر نفعل ذلك لأجل حلفنا أو من العرضة وهي القوّة والشدة يقال جمل عرضة للسفر أي قويّ عليه وقال الزبير:
فهذي لأيام الحروب وهذه ... للهوى وهذي عرضة لارتحالنا
أي قوّة وعدة أي لا تجعلوا اليمين بالله قوّة لأنفسكم في الامتناع من البر وقوله ({أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}) عطف بيان لأيمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإِصلاح بين الناس واللام تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخًا، ويجوز أن تكون اللام تعليلية ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم عرضة لأن تبروا وفي ذلك نهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به، وذلك لأنه من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة له يقول الرجل: قد جعلتني عرضة للومك.
قال الشاعر:
ولا تجعليني عرضة للوائم
وقد ذم الله من أكثر الحلف بقوله {ولا تطع كل حلاف مهين} وقال تعالى {واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89] وكان الخلف يمدحون بالإقلال من الحلف والحكمة في الأمر بتقليل الإيمان أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع فلا يؤمن من إقدامه على الإيمان الكاذبة فيختل ما هو الغرض الأصلي من اليمين، وأيضًا كلما كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله تعالى كان أكمل في العبودية ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعظم وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية ({والله سميع}) لأيمانكم ({عليم}) [البقرة: 224] بنياتكم، وسقط لأبي ذر من قوله (أن تبروا) إلى آخر الآية.

(وقوله جل ذكره {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً}) عرضًا من الدنيا يسيرًا ({إن ما عند الله}) من ثواب الآخرة ({هو خير لكم إن كنتم تعلمون}) [النحل: 95] وقوله تعالى: ({وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}) هي البيعة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ((ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها}) بعد توثيقها باسم الله ({وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً}) [النحل: 91] شاهدًا ورقيبًا، وفي رواية أبي ذر {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً} إلى قوله {ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} قال في الفتح: وسقط ذلك لجميعهم ووقع فيه تقديم وتأخير والصواب قوله {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} إلى قوله {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً} ووقع في رواية النسفيّ بعد قوله عز وجل {عرضة لأيمانكم} ما نصه وقوله {ولا تشتروا يعده الله ثمنًا قليلاً} الآية وقوله {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} الآية.


[ قــ :6327 ... غــ : 6676 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.

وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من حلف على) موجب (يمين صبر) بإضافة يمين لصبر مصححًا عليها في الفرع كأصله لما بينهما من الملابسة والأكثر على تنوين يمين فيكون صبر صفة له مصدر بمعنى المفعول أي مصبورة كما في الرواية الأخرى على يمين مصبورة فيكون على التجوّز بوصف اليمين بذلك لأن اليمين الصبر هي التي يلزم الحاكم الخصم بها والمصبور في الحقيقة الحالف لا اليمين، أو المراد أن الحالف هو الذي صبر نفسه وحبسها على هذا الأمر العظيم الذي لا يصبر أحد عليه فالحالف هو الصابر واليمين مصبورة أي مصبور عليها.
وزاد المؤلّف في الأشخاص من رواية أبي معاوية وفي الشرب من رواية أبي حمزة كلاهما عن الأعمش هو فيها فاجر لكن رواية أبي معاوية هو عليها فاجر وكأن فيها حذفًا تقديره هو في الإقدام عليها كاذب حال كونه (يقتطع بها) بسبب اليمين (مال امرئ مسلم) أو ذمي ونحوه وفي صحيح مسلم حق امرئ مسلم بيمينه (لقي الله وهو عليه غضبان) جواب من وغضبان لا ينصرف لزيادة الألف والنون أي فيعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه (أنزل الله) عز وجل (تصديق ذلك) {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانكم ثمنًا قليلاً} [آل عمران: 77] (إلى آخر الآية) ليس في رواية أبي ذر إلى آخر الآية.
وفي مسلم والترمذي: عن أبي وائل عن عبد الله من طريق جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين مرفوعًا: "من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه" الحديث.
ثم قرأ علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وظاهره أن الآية نزلت قبل وسبق في تفسير سورة آل عمران أنها نزلت فيمن أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذبًا فيحتمل أنها نزلت في الأمرين معًا.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :6327 ... غــ : 6677 ]
- فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فِىَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِى بِئْرٌ فِى أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ».

(فدخل الأشعث بن قيس) المكان الذي كانوا به (فقال: ما حدثكم أبو عبد الرَّحمن) عبد الله بن مسعود (فقالوا) ولأبي ذر قالوا (كذا وكذا.
قال) الأشعث (في) بتشديد التحتية
(أنزلت) هذه الآية (كانت) وللحموي والمستملي كان (لي بئر في أرض ابن عم لي) اسمه معدان وقيل جرير بن الأسود الكندي ولقبه الجفشيش بفتح الجيم وسكون الفاء وبالشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة، وفي رواية أبي معاوية كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ولا تضاد بين قوله ابن عم لي وقوله من اليهود لأن جماعة من أهل اليمن كانوا تهودوا وقد ذكر أنه أسلم فيقال إنما وصفه الأشعث بذلك باعتبار ما كان عليه أولاً (فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فادعيت عليه (فقال) لي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(بينتك أو يمينه) بالرفع فيهما إما فاعل بفعل مقدر أي تحضر بينتك تشهد لك أو فحقك يمينه فيمينه خبر مبتدأ محذوف أو لك يمينه فيكون مبتدأ والخبر في الجار والمجرور، ويحتمل أن يكون بينتك خبر مبتدأ محذوف أي الواجب بينتك أو يمينه إن لم يكن لك بيّنة.
قال الأشعث: (فقلت: إذًا يحلف عليها) على البئر (يا رسول الله) وإذا حرف جواب ينصب الفعل المضارع بشروط ثلاثة: أن يكون أوّلاً فلا يعتمد ما بعدها على ما قبلها كما تقول في جواب من قال: أزورك إذًا أكرمك بالنصب فإن اعتمد ما بعدها على ما قبلها رفعت نحو قولك: أنا إذًا أكرمك.
الثاني: أن يكون مستقلاً فلو كان حالاً وجب الرفع نحو قولك لمن قال: جاء الحاج إذًا أفرح تريد الحالة التي أنت فيها.
الثالث: أن لا يفصل بينهما وبين الفعل بفاصل ما عدا القسم والنداء ولا، فإن دخل عليها حرف عطف جاز في الفعل الرفع والنصب والرفع أكثر نحو قوله تعالى: ({ وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً} [الإسراء: 76] والفعل هنا في الحديث إن أريد به الحال فهو مرفوع وإن أريد به الاستقبال فهو منصوب وكلاهما في الفرع كأصله والرفع رواية غير أبي ذر وفي رواية أبي معاوية إذن يحلف ويذهب بمالي، وفي رواية أبي معاوية قال: ألك بيّنة؟ فقلت: لا فقال لليهودي احلف وفي رواية أي حمزة فقال لي: شهودك؟ قلت: ما لي شهود.
قال: فيمينه، وفي رواية أي وائل من طريق ولده علقمة فانطلق ليحلف (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من حلف على يمين صبر) بالإضافة أو بالتنوين كما مر (وهو) أي والحال أنه (فيها فاجر) أي كاذب وقيد به ليخرج الجاهل والناسي والمكره (يقتطع بها) أي بسبب يمينه (مال امرئ مسلم) ويقتطع يفتعل من القطع كأنه قطعه عن صاحبه أو أخذ قطعة من ماله بالحلف المذكور (لقي الله) تعالى (يوم القيامة وهو عليه غضبان).

وفي الحديث سماع الحاكم الدعوى فيما لم يره إذا وصف وحدد وعرفه المتداعيان لكن لم يقع في الحديث تصريح بوصف ولا تحديد، فاستدلّ به القرطبي على أن الوصف والتحديد ليسا بلازمين لذاتهما بل يكفى في صحة الدعوى تمييز المدعى به تمييزًا ينضبط به.
قال في الفتح: ولا يلزم من ترك ذكر التحديد والوصف في الحديث أن لا يكون ذلك وقع ولا يستدل بسكوت الراوي عنه بأنه لم يقع بل يطالب من جعل ذلك شرطًا بدليله فإذا ثبت حمل على أنه ذكر في الحديث ولم ينقله الراوي.

وسبق كثير من فوائد هذا الحديث في الشرب والأشخاص ويأتي في الأحكام إن شاء الله تعالى.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أولائك لَا خلاق لَهُم فِي الأخرة وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} (آل عمرَان: 77) وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: { وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس وَالله سميع عليم} (الْبَقَرَة: 422) وقوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ { وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا إِن مَا عِنْد الله خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} (النَّحْل: 59) { وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهذتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 19)

ترْجم البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْآيَات إِشَارَة إِلَى أَن الْيَمين الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا لِأَنَّهَا لم تذكر فِيهَا، وَلذَلِك ذكر حَدِيث الْبابُُ، أَعنِي: حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عقيب ذكر هَذِه الْآيَات، وَهُوَ وَجه الْمُنَاسبَة أَيْضا بَين هَذَا الْبابُُ وَالْبابُُ الَّذِي قبله..
     وَقَالَ  ابْن بطال: وبهذه الْآيَات والْحَدِيث احْتج الْجُمْهُور على أَن الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر فِي هَذِه الْيَمين الْمَقْصُود بهَا الْحِنْث والعصيان والعقوبة وَالْإِثْم وَلم يذكر فِيهَا كَفَّارَة.
وَلَو كَانَت لذكرت كَمَا ذكرت فِي الْيَمين المعقودة.
فَقَالَ (فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير) ..
     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم سنة تدل على قَول من أوجب فِيهَا الْكَفَّارَة، بل هِيَ دَالَّة على قَول من لم يُوجِبهَا.
قلت: هَذَا كُله حجَّة على الشَّافِعِيَّة.
قَوْله: قَول الله تَعَالَى: { إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ} ... الْآيَة كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة بِتَمَامِهَا إِلَى قَوْله: { عَذَاب أَلِيم} .

     وَقَالَ  بعض الْمُفَسّرين: هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْأَشْعَث بن قيس خَاصم بعض الهيود فِي أَرض فَجحد الْيَهُودِيّ فقدمه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أَلَك بَيِّنَة؟) قَالَ: لَا.
قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: (أتحلف؟) قَالَ أَشْعَث: إِذا يحلف فَيذْهب مَالِي، وَيَجِيء الْآن هَذَا الحَدِيث..
     وَقَالَ  ابْن كثير.
قَوْله تَعَالَى: { إِن الَّذين يشْتَرونَ} أَي: يعتاضون عَمَّا هدَاهُم الله عَلَيْهِ من اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر صفته للنَّاس وَبَيَان أمره عَن أَيْمَانهم الكاذبة الْفَاجِرَة الآثمة بالأثمان القليلة وَهِي عرُوض هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا الفانية الزائلة.
قَوْله: (أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم) فِيهَا ولاحظ لَهُم مِنْهَا.
قَوْله: (وَلَا يكلمهم الله) قَالُوا: إِن كَانُوا كفَّارًا فَلَا يكلمهم الله أصلا، وَإِن كَانُوا من العصاة فَلَا يسرهم الله وَلَا يَنْفَعهُمْ.
قَوْله: (وَلَا ينظر إِلَيْهِم) أَي: وَلَا يرحمهم وَلَا يعْطف عَلَيْهِم.
قَوْله: (وَلَا يزكيهم) أَي: وَلَا يثني عَلَيْهِم.
وَاحْتج بِهَذِهِ الْآيَة بعض الْمَالِكِيَّة على أَن الْعَهْد يَمِين وَكَذَلِكَ الْمِيثَاق وَالْكَفَالَة.
قَوْله: (قَوْله عز وَجل: { وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} ) وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله { وَلَا تجْعَلُوا الله عرضه} وَفِي رِوَايَة غَيره: وَقَوله جلّ ذكره.
قَالَ النَّسَفِيّ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين حلف أَن لَا يصل ابْنه عبد الرَّحْمَن حَتَّى يسلم، وَقيل: نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة، ذَلِك أَنه حلف أَن لَا يدْخل على ختنه وَلَا يكلمهُ.
قَوْله: { عرضة} أَي عِلّة مَانِعَة لكم من الْبر وَالتَّقوى والإصلاح فَإِن تحلفُوا أَن لَا تَفعلُوا ذَلِك فتعللوا بهَا أَو تَقولُوا: حلفنا وَلم تحلفُوا بِهِ، وعرضة على وزن فعلة من الِاعْتِرَاض، والمعترض بَين الشَّيْئَيْنِ مَانع..
     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: عرضة، أَي حجَّة.
{ أَن تبروا} أَي: على أَن لَا تبروا.
وَكلمَة: لَا، مضمرة فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { يبين الله لكم أَن تضلوا} (النِّسَاء: 671) وَيُقَال: كَرَاهَة أَن تبروا..
     وَقَالَ  سعيد ابْن جُبَير: هُوَ الرجل يحلف أَن لَا يبر وَلَا يُصَلِّي وَلَا يصلح.
فَيُقَال لَهُ فِيهِ، فَيَقُول: قد حَلَفت.
قَوْله: { وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} (النَّحْل: 59) إِلَى قَوْله: { كَفِيلا} بِتَمَامِهِ وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَسقط جَمِيعه لغيره،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على تَأْكِيد الْوَفَاء بالعهد لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: { وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} (النَّحْل: 19) وَلم يتَقَدَّم غير ذكر الْعَهْد.
قَوْله: { وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 9) أَي: شَهِيد فِي الْعَهْد، هَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَعَن مُجَاهِد.
يَعْنِي: وَكيلا، أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَنهُ.



[ قــ :6327 ... غــ :6676 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبان) .

فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذالِكَ { إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد.
.
ثمنا قَلِيلا}
(آل عمرَان: 77) إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
َلَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ؟ فقالُوا: كَذا وكَذا.
قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أرْضِ ابنِ عَمٍّ لِي، فأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (بَيْنَتُكَ أوْ يَمِينُهُ) قُلْتُ: إِذا يَحْلِفَ عَلَيْها يَا رسولَ الله! فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ صَبْرٍ وهْوَ فِيها فاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله يَوْمَ القِيامَةِ وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ الْآيَة الأولى ظَاهِرَة.
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو الوضاح الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث قد مضى فِي الشّرْب فِي: بابُُ الْخُصُومَة فِي الْبِئْر وَالْقَضَاء فِيهَا، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق.
.
إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: (على يَمِين صَبر) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الَّتِي يلْزم وَيجْبر عَلَيْهَا حالفها، وَيُقَال: هِيَ أَن يحبس السُّلْطَان رجلا على يَمِين حَتَّى يحلف بهَا، يُقَال: صبرت يَمِيني أَي: حَلَفت بِاللَّه، وأصل الصَّبْر الْحَبْس، وَمَعْنَاهُ: مَا يجْبر عَلَيْهَا..
     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ: وَأَن يُوقف حَتَّى يحلف على رُؤُوس النَّاس.
قَوْله: (وَهُوَ فِيهَا) الْوَاو للْحَال قَوْله: (فَاجر) أَي: كَاذِب، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: فِيهَا، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: عَلَيْهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة شُعْبَة: على يَمِين كَاذِبًا.
قَوْله: (يقتطع) حَال، وَفِي رِوَايَة حجاج بن منهال: ليقتطع، بِزِيَادَة لَام التَّعْلِيل، ويقتطع يفتعل من الْقطع كَأَنَّهُ يقطعهُ عَن صَاحبه أَو يَأْخُذ قِطْعَة من مَاله بِالْحلف الْمَذْكُور.
قَوْله: (وَهُوَ عَلَيْهِ) الْوَاو للْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَهُوَ عَنهُ معرض، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، ألاَّ لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة بن ثَعْلَبَة عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي نَحْو هَذَا الحَدِيث.
فقد أوجب الله لَهُ النَّار وَحرم عَلَيْهِ الْجنَّة، وَفِي حَدِيث عمرَان عِنْد أبي دَاوُد: فَليَتَبَوَّأ بِوَجْهِهِ مَقْعَده من النَّار.
قَوْله: (فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك) أَي: تَصْدِيق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَإِن قلت: قد تقدم فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان أَنَّهَا نزلت فِيمَن أَقَامَ سلْعَته بعد الْعَصْر، فَحلف كَاذِبًا.

قلت: يجوز أَن تكون نزلت فِي الْأَمريْنِ مَعًا فِي وَقت وَاحِد، وَاللَّفْظ عَام متناول للقضيتين ولغيرهما.
قَوْله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن) ؟ هُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود.
فَإِن قلت: هُنَا: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس، وَفِي رِوَايَة فِي كتاب الرَّهْن: ثمَّ إِن الْأَشْعَث بن قيس خرج إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن.

قلت: الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه خرج عَلَيْهِم من مَكَان كَانَ فِيهِ فَدخل الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ.
فَإِن قلت: سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام فِي رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور جَمِيعًا: فجَاء الْأَشْعَث وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ.

قلت: التَّوْفِيق هُنَا أَن يُقَال: إِن خُرُوج الْأَشْعَث من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ عبد الله وَقع وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ، فَلَعَلَّ الْأَشْعَث تشاغل بِشَيْء فَلم يدْرك بِحَدِيث عبد الله، فَسَأَلَ أَصْحَابه بقوله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن؟) قَوْله: (فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا) ويروى: قَالُوا، بِدُونِ الْفَاء، وَفِي رِوَايَة جرير: فَحَدَّثنَاهُ يَعْنِي الْأَشْعَث، وبيَّن شُعْبَة فِي رِوَايَته أَن الَّذِي حَدثهُ بِمَا حَدثهمْ بِهِ عبد الله بن مَسْعُود هُوَ أَبُو وَائِل الرَّاوِي شَقِيق بن سَلمَة.
فَإِن قلت: قد مر فِي الْأَشْخَاص: قَالَ: فلقيني الْأَشْعَث بن قيس فَقَالَ: مَا حَدثكُمْ عبد الله الْيَوْم؟ .

قلت: كَذَا وَكَذَا.

قلت: لَيْسَ بَين الرِّوَايَتَيْنِ مُنَافَاة لِأَنَّهُ إِنَّمَا أفرده فِي هَذِه الرِّوَايَة لكَونه الْمُجيب.
قَوْله: (قَالَ: فِي أنزلت) أَي: قَالَ الْأَشْعَث، فِي أنزلت هَذِه الْآيَة، وَكلمَة: فِي، بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني: كَانَت، بالتأنيث، وَفِي رِوَايَة غَيره: كَانَ بالتذكير.
قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: أَرض، وَادّعى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الشّرْب أَن أَبَا حَمْزَة تفرد بقوله: فِي بِئْر، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فقدوا فقه أَبُو عوَانَة كَمَا ترى، وَكَذَا وَقع عِنْد أَحْمد من رِوَايَة عَاصِم عَن شَقِيق: فِي بِئْر، وَوَقع فِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: فِي شَيْء.
قَوْله: (ابْن عَم لي) كَذَا وَقع للأكثرين أَن الْخُصُومَة كَانَت فِي بِئْر يدعيها الْأَشْعَث فِي أَرض لخصمه.
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: كَانَ بيني وَبَين رجل من الْيَهُود أَرض فجحدني.

قلت: المُرَاد أَرض الْبِئْر لَا جَمِيع الأَرْض الَّتِي من جُمْلَتهَا أَرض الْبِئْر، وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله: ابْن عَم لي، وَبَين قَوْله: من الْيَهُود، لِأَن جمَاعَة من أهل الْيمن كَانُوا يهوداً، وَلما غلب يُوسُف ذُو نواس على الْيمن وطرد عَنْهَا الْحَبَشَة فجَاء الْإِسْلَام وهم على ذَلِك، وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن الْأَشْعَث قَالَ: خَاصم رجل من المخضرمين رجلا منا يُقَال لَهُ: الخفشيش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرض لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمخضرم، جىء بشهودك على حَقك وإلاَّ حلف لَك ... الحَدِيث، وَهَذَا مُخَالف لسياق مَا فِي الصَّحِيح، فَإِن كَانَ ثَابتا حمل على تعدد الْقَضِيَّة.
قَوْله: (بينتك) بِالنّصب أَي: أحضر أَو أطلب بينتك، بِالنّصب ويروى: بِالرَّفْع، أَي: الْمَطْلُوب بينتك.
أَو يَمِينه إِن لم تكن لَك بَيِّنَة، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة:.

     وَقَالَ : أَلَك بَيِّنَة؟ .

قلت: لَا.
فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف.
وَفِي رِوَايَة أبي حَمْزَة: فَقَالَ: أَلَك شُهُود؟ .

قلت: مَا لي شُهُود.
قَالَ: فيمينه.
وَفِي رِوَايَة وَكِيع عَن مُسلم: أَلَك عَلَيْهِ بَيِّنَة؟ وَفِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: شَاهِدَاك أَو يَمِينه.
قَوْله: (إِذا يحلف) جَوَاب وَجَزَاء بِنصب يحلف.