هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6509 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، يُحَدِّثُ قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، قَالَ : فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ ، قَالَ : وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ ، قَالَ : فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، قَالَ : فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ ، قَالَ : فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : يَا أُسَامَةُ ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا ، قَالَ : أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ : فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6509 حدثنا عمرو بن زرارة ، حدثنا هشيم ، حدثنا حصين ، حدثنا أبو ظبيان ، قال : سمعت أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما ، يحدث قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة ، قال : فصبحنا القوم فهزمناهم ، قال : ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، قال : فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، قال : فكف عنه الأنصاري ، فطعنته برمحي حتى قتلته ، قال : فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال لي : يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال : قلت : يا رسول الله ، إنما كان متعوذا ، قال : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قال : فما زال يكررها علي ، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Usama bin Zaid bin Haritha:

Allah's Messenger (ﷺ) sent us (to fight) against Al-Huraqa (one of the sub-tribes) of Juhaina. We reached those people in the morning and defeated them. A man from the Ansar and I chased one of their men and when we attacked him, he said, None has the right to be worshipped but Allah. The Ansari refrained from killing him but I stabbed him with my spear till I killed him. When we reached (Medina), this news reached the Prophet. He said to me, O Usama! You killed him after he had said, 'None has the right to be worshipped but Allah?' I said, O Allah's Messenger (ﷺ)! He said so in order to save himself. The Prophet (ﷺ) said, You killed him after he had said, 'None has the right to be worshipped but Allah. The Prophet (ﷺ) kept on repeating that statement till I wished I had not been a Muslim before that day.

":"ہم سے عمرو بن زرارہ نے بیان کیا ، کہا ہم سے ہشیم نے بیان کیا ، کہا ہم سے حصین نے بیان کیا ، کہا ہم سے ابوظبیان نے بیان کیا ، کہا کہ میں نے اسامہ بن زید بن حارثہ رضی اللہ عنہما سے سنا ، انہوں نے بیان کرتے ہوئے کہا کہہمیں رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے قبیلہ جہینہ کی ایک شاخ کی طرح ( مہم پر ) بھیجا ۔ بیان کیا کہ پھر ہم نے ان لوگوں کو صبح کے وقت جالیا اور انہیں شکست دے دی ۔ راوی نے بیان کیا کہ میں اور قبیلہ انصار کے ایک صاحب قبیلہ جہینہ کے ایک شخص تک پہنچے اور جب ہم نے اسے گھیرلیا تو اس نے کہا ” لا الہ الا اﷲ “ انصاری صحابی نے تو ( یہ سنتے ہی ) ہاتھ روک لیا لیکن میں نے اپنے نیزے سے اسے قتل کر دیا ۔ راوی نے بیان کیا کہ جب ہم واپس آئے تو اس واقعہ کی خبر نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کو ملی ۔ بیان کیا کہ پھر آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے مجھ سے فرمایا اسامہ ! کیا تم نے کلمہ لا الہ الا اﷲ کا اقرار کرنے کے بعد اسے قتل کر ڈالا ۔ میں نے عرض کیا یا رسول اللہ ! اس نے صرف جان بچانے کے لیے اس کا اقرار کیا تھا ۔ آنحضرت صلی اللہ علیہ وسلم نے پھر فرمایا تم نے اسے لا الہ الا اﷲ کا اقرار کرنے کے بعد قتل کر ڈالا ۔ بیان کیا کہ آنحضرت اس جملہ کو اتنی دفعہ دہراتے رہے کہ میرے دل میں یہ خواہش پیدا ہو گئی کہ کاش میں اس سے پہلے مسلمان نہ ہوا ہوتا ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [6872] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ هُشَيْمٍ وَكِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْبَأَنَا .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَر والأصيلي أَنبأَنَا حُصَيْن وَهُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُوظَبْيَانَ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ آخِرَ الْحُرُوفِ وَاسْمُهُ أَيْضًا حُصَيْنٌ وَهُوَ بن جُنْدَبٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ .

     قَوْلُهُ  بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ ثُمَّ قَافٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْح قَالَ بن الْكَلْبِيِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ فَأَحْرَقُوهُمْ بِالسِّهَامِ لِكَثْرَةِ مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ يُقَالُ لَهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سبع فِيمَا ذكره بن سعد عَن شَيْخه وَكَذَا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ ثُمَّ اللَّيْثِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ وَبِهَا مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ فَهَذَا يُبَيِّنُ السَّبَبَ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ بَعَثْنَا إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ الَّذِي قَتَلَ ثُمَّ مَاتَ فَدُفِنَ وَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لِأَنَّ أُسَامَةَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِيِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَجَرَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ فِيهِ تَأْمِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَتُعُقِّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ الْأَمِيرَ إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بِاسْمِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَمِيرَ وَالثَّانِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ فَمَا كَانَ أُسَامَةُ يَوْمئِذٍ إِلَّا بَالِغًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا .

     قَوْلُهُ  فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ أَيْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ يُقَالُ صَبَّحْتُهُ أَتَيْتُهُ صَبَاحًا بَغْتَةً وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ .

     قَوْلُهُ  وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَوْله رجلا مِنْهُم قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْفَدْكِيُّ وَيُقَالُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ الْفَزَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ بن الْكَلْبِيّ قَتله أُسَامَة وسَاق الْقِصَّة وَذكر بن مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فِيهَا أُسَامَةُ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَة الرجل.

     وَقَالَ  بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلًا إِلَى فَدْكٍ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَكَانَ مِرْدَاسٌ الْفَدْكِيُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ.

     وَقَالَ  لِأَصْحَابِهِ أَنِّي لَاحِقٌ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي مُؤْمِنٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ قَاتِلَ مِرْدَاسٍ مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ فَأَعَادُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ مِرَارًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يُطْرَحَ فِي وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَعَظَكُمْ.

.

قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مِرْدَاسٌ آخَرُ وَقَتِيلُ أُسَامَةَ لَا يُسَمَّى مِرْدَاسًا وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي قَتْلِ مِحْلَمِ بن جثامة عَامر بن الأضبط وَأَن محلما لَمَّا مَاتَ وَدُفِنَ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  غَشِينَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ أَوَّلًا فَلَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَدِمْنَا أَيِ الْمَدِينَةَ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُسَامَةَ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بعد أَن قَالَ قَالَ بن التِّينِ فِي هَذَا اللَّوْمِ تَعْلِيمٌ وَإِبْلَاغٌ فِي الْمَوْعِظَةِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالتَّوْحِيدِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيتَكْرِيرِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ قَبُولِ الْعُذْرِ زَجْرٌ شَدِيدٌ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُسَامَةَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُحْرِزَ دَمَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا كَذَا أَعَادَ الِاعْتِذَارَ وَأُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.

.
وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَا فِيهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ اللِّسَانِ فَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِينَ قَالَهَا وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا وَالْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ لَسْتَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ بِاللِّسَانِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْ أَنَّ إِسْلَامِي كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوَّلَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامُ لِيَأْمَنَ مِنْ جَرِيرَةِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ اسْتَصْغَرَ مَا سَبَقَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْفَعْلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِنْكَارِ الشَّدِيدِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ زِيَادَاتٌ وَلَفْظُهُ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَالْتَقَوْا فَأَوْجَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ فَأَبْلَغَ فَقَصَدَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِيلَتَهُ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا أَتَتْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ أُسَامَةَ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا.

.

قُلْتُ كَأَنَّهُ حَمَلَ نَفْيَ النَّفْعِ عَلَى عُمُومِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ أَنَّهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْفَعُهُ نَفْعًا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَجِبَ الْكَفُّ عَنْهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ أَمْرُهُ هَلْ قَالَ ذَلِكَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ خَشْيَةً مِنَ الْقَتْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَوَصَلَ خُرُوجُ الرُّوحِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا لَمْ تَنْفَعْهُ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ.

.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً فَتَوَقَّفَ فِيهِ الدَّاوُدِيُّ.

     وَقَالَ  لَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِعِلْمِ السَّامِعِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ إِنْ وَقَعَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ كَالْخَاتِنِ وَالطَّبِيبِ أَوْ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ دِيَتَهُ قَالَ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ أَوْ لِأَنَّ أُسَامَةَ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَمْ تَلْزَمِ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ وَفِيهِ نظر قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ سَبَبَ حَلِفِ أُسَامَةَ أَنْ لَا يُقَاتِلَ مُسْلِمًا بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَخَلَّفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.

.

قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَقُولُ لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقَاتِلَهُ أُسَامَةُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى رَدِّ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَنْ رَأَى كَافِرًا أَسْلَمَ فَأُكْرِمَ إِكْرَامًا كَثِيرًا فَقَالَ لَيْتَني كنت كَافِرًا فَأسْلمت لأكرم.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ جَازِمُ الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِظَبْيَانَ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ آخِرَ الْحُرُوفِ وَاسْمُهُ أَيْضًا حُصَيْنٌ وَهُوَ بن جُنْدَبٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ .

     قَوْلُهُ  بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ ثُمَّ قَافٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْح قَالَ بن الْكَلْبِيِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ فَأَحْرَقُوهُمْ بِالسِّهَامِ لِكَثْرَةِ مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ يُقَالُ لَهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سبع فِيمَا ذكره بن سعد عَن شَيْخه وَكَذَا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ ثُمَّ اللَّيْثِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ وَبِهَا مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ فَهَذَا يُبَيِّنُ السَّبَبَ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ بَعَثْنَا إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ الَّذِي قَتَلَ ثُمَّ مَاتَ فَدُفِنَ وَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لِأَنَّ أُسَامَةَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِيِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَجَرَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ فِيهِ تَأْمِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَتُعُقِّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ الْأَمِيرَ إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بِاسْمِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَمِيرَ وَالثَّانِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ فَمَا كَانَ أُسَامَةُ يَوْمئِذٍ إِلَّا بَالِغًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا .

     قَوْلُهُ  فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ أَيْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ يُقَالُ صَبَّحْتُهُ أَتَيْتُهُ صَبَاحًا بَغْتَةً وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ .

     قَوْلُهُ  وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَوْله رجلا مِنْهُم قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْفَدْكِيُّ وَيُقَالُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ الْفَزَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ بن الْكَلْبِيّ قَتله أُسَامَة وسَاق الْقِصَّة وَذكر بن مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فِيهَا أُسَامَةُ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَة الرجل.

     وَقَالَ  بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلًا إِلَى فَدْكٍ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَكَانَ مِرْدَاسٌ الْفَدْكِيُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ.

     وَقَالَ  لِأَصْحَابِهِ أَنِّي لَاحِقٌ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي مُؤْمِنٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ قَاتِلَ مِرْدَاسٍ مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ فَأَعَادُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ مِرَارًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يُطْرَحَ فِي وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَعَظَكُمْ.

.

قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مِرْدَاسٌ آخَرُ وَقَتِيلُ أُسَامَةَ لَا يُسَمَّى مِرْدَاسًا وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي قَتْلِ مِحْلَمِ بن جثامة عَامر بن الأضبط وَأَن محلما لَمَّا مَاتَ وَدُفِنَ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  غَشِينَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ أَوَّلًا فَلَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَدِمْنَا أَيِ الْمَدِينَةَ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُسَامَةَ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بعد أَن قَالَ قَالَ بن التِّينِ فِي هَذَا اللَّوْمِ تَعْلِيمٌ وَإِبْلَاغٌ فِي الْمَوْعِظَةِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالتَّوْحِيدِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيتَكْرِيرِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ قَبُولِ الْعُذْرِ زَجْرٌ شَدِيدٌ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُسَامَةَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُحْرِزَ دَمَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا كَذَا أَعَادَ الِاعْتِذَارَ وَأُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.

.
وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَا فِيهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ اللِّسَانِ فَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِينَ قَالَهَا وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا وَالْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ لَسْتَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ بِاللِّسَانِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْ أَنَّ إِسْلَامِي كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوَّلَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامُ لِيَأْمَنَ مِنْ جَرِيرَةِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ اسْتَصْغَرَ مَا سَبَقَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْفَعْلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِنْكَارِ الشَّدِيدِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ زِيَادَاتٌ وَلَفْظُهُ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَالْتَقَوْا فَأَوْجَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ فَأَبْلَغَ فَقَصَدَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِيلَتَهُ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا أَتَتْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ أُسَامَةَ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا.

.

قُلْتُ كَأَنَّهُ حَمَلَ نَفْيَ النَّفْعِ عَلَى عُمُومِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ أَنَّهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْفَعُهُ نَفْعًا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَجِبَ الْكَفُّ عَنْهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ أَمْرُهُ هَلْ قَالَ ذَلِكَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ خَشْيَةً مِنَ الْقَتْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَوَصَلَ خُرُوجُ الرُّوحِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا لَمْ تَنْفَعْهُ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ.

.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً فَتَوَقَّفَ فِيهِ الدَّاوُدِيُّ.

     وَقَالَ  لَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِعِلْمِ السَّامِعِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ إِنْ وَقَعَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ كَالْخَاتِنِ وَالطَّبِيبِ أَوْ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ دِيَتَهُ قَالَ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ أَوْ لِأَنَّ أُسَامَةَ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَمْ تَلْزَمِ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ وَفِيهِ نظر قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ سَبَبَ حَلِفِ أُسَامَةَ أَنْ لَا يُقَاتِلَ مُسْلِمًا بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَخَلَّفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.

.

قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَقُولُ لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقَاتِلَهُ أُسَامَةُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى رَدِّ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَنْ رَأَى كَافِرًا أَسْلَمَ فَأُكْرِمَ إِكْرَامًا كَثِيرًا فَقَالَ لَيْتَني كنت كَافِرًا فَأسْلمت لأكرم.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ جَازِمُ الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِظَبْيَانَ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ آخِرَ الْحُرُوفِ وَاسْمُهُ أَيْضًا حُصَيْنٌ وَهُوَ بن جُنْدَبٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ .

     قَوْلُهُ  بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ ثُمَّ قَافٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْح قَالَ بن الْكَلْبِيِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ فَأَحْرَقُوهُمْ بِالسِّهَامِ لِكَثْرَةِ مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ يُقَالُ لَهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سبع فِيمَا ذكره بن سعد عَن شَيْخه وَكَذَا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ ثُمَّ اللَّيْثِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ وَبِهَا مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ فَهَذَا يُبَيِّنُ السَّبَبَ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ بَعَثْنَا إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ الَّذِي قَتَلَ ثُمَّ مَاتَ فَدُفِنَ وَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لِأَنَّ أُسَامَةَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِيِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَجَرَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ فِيهِ تَأْمِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَتُعُقِّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ الْأَمِيرَ إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بِاسْمِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَمِيرَ وَالثَّانِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ فَمَا كَانَ أُسَامَةُ يَوْمئِذٍ إِلَّا بَالِغًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا .

     قَوْلُهُ  فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ أَيْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ يُقَالُ صَبَّحْتُهُ أَتَيْتُهُ صَبَاحًا بَغْتَةً وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ .

     قَوْلُهُ  وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَوْله رجلا مِنْهُم قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْفَدْكِيُّ وَيُقَالُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ الْفَزَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ بن الْكَلْبِيّ قَتله أُسَامَة وسَاق الْقِصَّة وَذكر بن مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فِيهَا أُسَامَةُ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَة الرجل.

     وَقَالَ  بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلًا إِلَى فَدْكٍ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَكَانَ مِرْدَاسٌ الْفَدْكِيُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ.

     وَقَالَ  لِأَصْحَابِهِ أَنِّي لَاحِقٌ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي مُؤْمِنٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ قَاتِلَ مِرْدَاسٍ مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ فَأَعَادُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ مِرَارًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يُطْرَحَ فِي وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَعَظَكُمْ.

.

قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مِرْدَاسٌ آخَرُ وَقَتِيلُ أُسَامَةَ لَا يُسَمَّى مِرْدَاسًا وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي قَتْلِ مِحْلَمِ بن جثامة عَامر بن الأضبط وَأَن محلما لَمَّا مَاتَ وَدُفِنَ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  غَشِينَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ أَوَّلًا فَلَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَدِمْنَا أَيِ الْمَدِينَةَ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُسَامَةَ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بعد أَن قَالَ قَالَ بن التِّينِ فِي هَذَا اللَّوْمِ تَعْلِيمٌ وَإِبْلَاغٌ فِي الْمَوْعِظَةِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالتَّوْحِيدِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيتَكْرِيرِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ قَبُولِ الْعُذْرِ زَجْرٌ شَدِيدٌ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُسَامَةَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُحْرِزَ دَمَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا كَذَا أَعَادَ الِاعْتِذَارَ وَأُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.

.
وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَا فِيهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ اللِّسَانِ فَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِينَ قَالَهَا وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا وَالْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ لَسْتَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ بِاللِّسَانِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْ أَنَّ إِسْلَامِي كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوَّلَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامُ لِيَأْمَنَ مِنْ جَرِيرَةِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ اسْتَصْغَرَ مَا سَبَقَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْفَعْلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِنْكَارِ الشَّدِيدِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ زِيَادَاتٌ وَلَفْظُهُ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَالْتَقَوْا فَأَوْجَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ فَأَبْلَغَ فَقَصَدَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِيلَتَهُ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا أَتَتْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ أُسَامَةَ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا.

.

قُلْتُ كَأَنَّهُ حَمَلَ نَفْيَ النَّفْعِ عَلَى عُمُومِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ أَنَّهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْفَعُهُ نَفْعًا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَجِبَ الْكَفُّ عَنْهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ أَمْرُهُ هَلْ قَالَ ذَلِكَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ خَشْيَةً مِنَ الْقَتْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَوَصَلَ خُرُوجُ الرُّوحِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا لَمْ تَنْفَعْهُ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ.

.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً فَتَوَقَّفَ فِيهِ الدَّاوُدِيُّ.

     وَقَالَ  لَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِعِلْمِ السَّامِعِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ إِنْ وَقَعَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ كَالْخَاتِنِ وَالطَّبِيبِ أَوْ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ دِيَتَهُ قَالَ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ أَوْ لِأَنَّ أُسَامَةَ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَمْ تَلْزَمِ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ وَفِيهِ نظر قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ سَبَبَ حَلِفِ أُسَامَةَ أَنْ لَا يُقَاتِلَ مُسْلِمًا بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَخَلَّفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.

.

قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَقُولُ لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقَاتِلَهُ أُسَامَةُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى رَدِّ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَنْ رَأَى كَافِرًا أَسْلَمَ فَأُكْرِمَ إِكْرَامًا كَثِيرًا فَقَالَ لَيْتَني كنت كَافِرًا فَأسْلمت لأكرم.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ جَازِمُ الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِظَبْيَانَ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ آخِرَ الْحُرُوفِ وَاسْمُهُ أَيْضًا حُصَيْنٌ وَهُوَ بن جُنْدَبٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ .

     قَوْلُهُ  بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ ثُمَّ قَافٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْح قَالَ بن الْكَلْبِيِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ فَأَحْرَقُوهُمْ بِالسِّهَامِ لِكَثْرَةِ مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ يُقَالُ لَهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سبع فِيمَا ذكره بن سعد عَن شَيْخه وَكَذَا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ ثُمَّ اللَّيْثِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ وَبِهَا مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ فَهَذَا يُبَيِّنُ السَّبَبَ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ بَعَثْنَا إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ الَّذِي قَتَلَ ثُمَّ مَاتَ فَدُفِنَ وَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لِأَنَّ أُسَامَةَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِيِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَجَرَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ فِيهِ تَأْمِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَتُعُقِّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ الْأَمِيرَ إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بِاسْمِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَمِيرَ وَالثَّانِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ فَمَا كَانَ أُسَامَةُ يَوْمئِذٍ إِلَّا بَالِغًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا .

     قَوْلُهُ  فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ أَيْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ يُقَالُ صَبَّحْتُهُ أَتَيْتُهُ صَبَاحًا بَغْتَةً وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ .

     قَوْلُهُ  وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَوْله رجلا مِنْهُم قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْفَدْكِيُّ وَيُقَالُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ الْفَزَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ بن الْكَلْبِيّ قَتله أُسَامَة وسَاق الْقِصَّة وَذكر بن مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فِيهَا أُسَامَةُ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَة الرجل.

     وَقَالَ  بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلًا إِلَى فَدْكٍ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَكَانَ مِرْدَاسٌ الْفَدْكِيُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ.

     وَقَالَ  لِأَصْحَابِهِ أَنِّي لَاحِقٌ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي مُؤْمِنٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ قَاتِلَ مِرْدَاسٍ مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ فَأَعَادُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ مِرَارًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يُطْرَحَ فِي وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَعَظَكُمْ.

.

قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مِرْدَاسٌ آخَرُ وَقَتِيلُ أُسَامَةَ لَا يُسَمَّى مِرْدَاسًا وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي قَتْلِ مِحْلَمِ بن جثامة عَامر بن الأضبط وَأَن محلما لَمَّا مَاتَ وَدُفِنَ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  غَشِينَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ أَوَّلًا فَلَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَدِمْنَا أَيِ الْمَدِينَةَ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُسَامَةَ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بعد أَن قَالَ قَالَ بن التِّينِ فِي هَذَا اللَّوْمِ تَعْلِيمٌ وَإِبْلَاغٌ فِي الْمَوْعِظَةِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالتَّوْحِيدِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيتَكْرِيرِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ قَبُولِ الْعُذْرِ زَجْرٌ شَدِيدٌ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُسَامَةَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُحْرِزَ دَمَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا كَذَا أَعَادَ الِاعْتِذَارَ وَأُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.

.
وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَا فِيهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ اللِّسَانِ فَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِينَ قَالَهَا وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا وَالْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ لَسْتَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ بِاللِّسَانِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْ أَنَّ إِسْلَامِي كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوَّلَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامُ لِيَأْمَنَ مِنْ جَرِيرَةِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ اسْتَصْغَرَ مَا سَبَقَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْفَعْلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِنْكَارِ الشَّدِيدِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ زِيَادَاتٌ وَلَفْظُهُ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَالْتَقَوْا فَأَوْجَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ فَأَبْلَغَ فَقَصَدَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِيلَتَهُ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا أَتَتْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ أُسَامَةَ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا.

.

قُلْتُ كَأَنَّهُ حَمَلَ نَفْيَ النَّفْعِ عَلَى عُمُومِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ أَنَّهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْفَعُهُ نَفْعًا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَجِبَ الْكَفُّ عَنْهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ أَمْرُهُ هَلْ قَالَ ذَلِكَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ خَشْيَةً مِنَ الْقَتْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَوَصَلَ خُرُوجُ الرُّوحِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا لَمْ تَنْفَعْهُ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ.

.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً فَتَوَقَّفَ فِيهِ الدَّاوُدِيُّ.

     وَقَالَ  لَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِعِلْمِ السَّامِعِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ إِنْ وَقَعَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ كَالْخَاتِنِ وَالطَّبِيبِ أَوْ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ دِيَتَهُ قَالَ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ أَوْ لِأَنَّ أُسَامَةَ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَمْ تَلْزَمِ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ وَفِيهِ نظر قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ سَبَبَ حَلِفِ أُسَامَةَ أَنْ لَا يُقَاتِلَ مُسْلِمًا بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَخَلَّفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.

.

قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَقُولُ لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقَاتِلَهُ أُسَامَةُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى رَدِّ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَنْ رَأَى كَافِرًا أَسْلَمَ فَأُكْرِمَ إِكْرَامًا كَثِيرًا فَقَالَ لَيْتَني كنت كَافِرًا فَأسْلمت لأكرم.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ جَازِمُ الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِبِالْبَصْرَةِ وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ فِي دَفْنِهِ مَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :6509 ... غــ :6872] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ هُشَيْمٍ وَكِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْبَأَنَا .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَر والأصيلي أَنبأَنَا حُصَيْن وَهُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُو ظَبْيَانَ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ آخِرَ الْحُرُوفِ وَاسْمُهُ أَيْضًا حُصَيْنٌ وَهُوَ بن جُنْدَبٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ .

     قَوْلُهُ  بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ ثُمَّ قَافٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْح قَالَ بن الْكَلْبِيِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ فَأَحْرَقُوهُمْ بِالسِّهَامِ لِكَثْرَةِ مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ يُقَالُ لَهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سبع فِيمَا ذكره بن سعد عَن شَيْخه وَكَذَا ذكره بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ ثُمَّ اللَّيْثِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ وَبِهَا مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ فَهَذَا يُبَيِّنُ السَّبَبَ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ بَعَثْنَا إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ الَّذِي قَتَلَ ثُمَّ مَاتَ فَدُفِنَ وَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لِأَنَّ أُسَامَةَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِيِ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَجَرَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ فِيهِ تَأْمِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَتُعُقِّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ الْأَمِيرَ إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بِاسْمِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَمِيرَ وَالثَّانِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ فَمَا كَانَ أُسَامَةُ يَوْمئِذٍ إِلَّا بَالِغًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا .

     قَوْلُهُ  فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ أَيْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ يُقَالُ صَبَّحْتُهُ أَتَيْتُهُ صَبَاحًا بَغْتَةً وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ .

     قَوْلُهُ  وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَوْله رجلا مِنْهُم قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْفَدْكِيُّ وَيُقَالُ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ الْفَزَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ بن الْكَلْبِيّ قَتله أُسَامَة وسَاق الْقِصَّة وَذكر بن مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فِيهَا أُسَامَةُ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَة الرجل.

     وَقَالَ  بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الدِّيَاتِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ خَيْلًا إِلَى فَدْكٍ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ وَكَانَ مِرْدَاسٌ الْفَدْكِيُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ.

     وَقَالَ  لِأَصْحَابِهِ أَنِّي لَاحِقٌ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي مُؤْمِنٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ إِنَّ قَاتِلَ مِرْدَاسٍ مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ فَأَعَادُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ مِرَارًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يُطْرَحَ فِي وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَعَظَكُمْ.

.

قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مِرْدَاسٌ آخَرُ وَقَتِيلُ أُسَامَةَ لَا يُسَمَّى مِرْدَاسًا وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي قَتْلِ مِحْلَمِ بن جثامة عَامر بن الأضبط وَأَن محلما لَمَّا مَاتَ وَدُفِنَ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  غَشِينَاهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ أَوَّلًا فَلَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَدِمْنَا أَيِ الْمَدِينَةَ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُسَامَةَ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي .

     قَوْلُهُ  أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ فِي رِوَايَة الْكشميهني بعد أَن قَالَ قَالَ بن التِّينِ فِي هَذَا اللَّوْمِ تَعْلِيمٌ وَإِبْلَاغٌ فِي الْمَوْعِظَةِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالتَّوْحِيدِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي تَكْرِيرِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ قَبُولِ الْعُذْرِ زَجْرٌ شَدِيدٌ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي رِوَايَة بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أُسَامَةَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُحْرِزَ دَمَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ.

.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا كَذَا أَعَادَ الِاعْتِذَارَ وَأُعِيدَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ.

.
وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَا فِيهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ اللِّسَانِ فَقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِينَ قَالَهَا وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا وَالْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ لَسْتَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ بِاللِّسَانِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْ أَنَّ إِسْلَامِي كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوَّلَ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامُ لِيَأْمَنَ مِنْ جَرِيرَةِ تِلْكَ الْفَعْلَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ لَا يَكُونَ مُسْلِمًا قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ اسْتَصْغَرَ مَا سَبَقَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذِهِ الْفَعْلَةِ لِمَا سَمِعَ مِنَ الْإِنْكَارِ الشَّدِيدِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمئِذٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ زِيَادَاتٌ وَلَفْظُهُ بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَالْتَقَوْا فَأَوْجَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِيهِمْ فَأَبْلَغَ فَقَصَدَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِيلَتَهُ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا أَتَتْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي قَالَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَعَلَّ أُسَامَةَ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ تَعَالَى فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا غَيْرَهَا.

.

قُلْتُ كَأَنَّهُ حَمَلَ نَفْيَ النَّفْعِ عَلَى عُمُومِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ أَنَّهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَنْفَعُهُ نَفْعًا مُقَيَّدًا بِأَنْ يَجِبَ الْكَفُّ عَنْهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ أَمْرُهُ هَلْ قَالَ ذَلِكَ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ خَشْيَةً مِنَ الْقَتْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَوَصَلَ خُرُوجُ الرُّوحِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ فَإِنَّهُ إِذَا قَالَهَا لَمْ تَنْفَعْهُ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ.

.
وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يُلْزِمْهُ دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً فَتَوَقَّفَ فِيهِ الدَّاوُدِيُّ.

     وَقَالَ  لَعَلَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِعِلْمِ السَّامِعِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ لَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِعَدَمِ السُّكُوتِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ إِنْ وَقَعَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ فَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ كَالْخَاتِنِ وَالطَّبِيبِ أَوْ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَحِقُّ دِيَتَهُ قَالَ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ أَوْ لِأَنَّ أُسَامَةَ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَلَمْ تَلْزَمِ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ وَفِيهِ نظر قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ سَبَبَ حَلِفِ أُسَامَةَ أَنْ لَا يُقَاتِلَ مُسْلِمًا بَعْدَ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَخَلَّفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.

.

قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يَقُولُ لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى يُقَاتِلَهُ أُسَامَةُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى رَدِّ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَنْ رَأَى كَافِرًا أَسْلَمَ فَأُكْرِمَ إِكْرَامًا كَثِيرًا فَقَالَ لَيْتَني كنت كَافِرًا فَأسْلمت لأكرم.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ جَازِمُ الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَإِنَّمَا تَمَنَّى ذَلِكَ فِي الْحَالِ الْمَاضِي مُقَيَّدًا لَهُ بِالْإِيمَانِ لِيَتِمَّ لَهُ الْإِكْرَامُ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ أُسَامَةَ ثُمَّ قَالَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ حَدِيثُ عُبَادَةَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :6509 ... غــ : 6872 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ - رضى الله عنهما - يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ: فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ قَالَ: وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، قَالَ:
فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِىُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِى حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ لِى: «يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَىَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وبه قال: ( حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وفتح الراءين بينهما ألف مخففًا ابن واقد الكلابي النيسابوري قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي أخبرنا ( هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة الواسطي قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي أخبرنا ( حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي التابعي الصغير قال: ( حدّثنا أبو ظبيان) بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة وتخفيف التحتية حصين أيضًا ابن جندب المذحجي بضم الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها جيم التابعي الكلبير ( قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة) بالمثلثة مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( رضي الله عنهما يحدث قال: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الحرقة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء والقاف قبيلة ( من جهينة) في رمضان سنة سبع أو ثمان ( قال: فصبحنا القوم) أتيناهم صباحًا بغتة قبل أن يشعروا بنا فقاتلناهم ( فهزمناهم قال) أسامة: ( ولحقت أنا ورجل من الأنصار) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه ( رجلاً منهم) اسمه مرداس بن عمرو الفدكي أو مرداس بن نهيك الفزاري ( قال) أسامة: ( فلما غشيناه) بفتح الغين وكسر الشين المعجمتين لحقناه ( قال: لا إله إلا الله قال) أسامة ( فكف عنه الأنصاري فطعنته) ولأبى ذر والأصيلي وابن عساكر وطعنته بالواو بدل الفاء ( برمحي حتى قتلته قال: فلما قدمنا) المدينة ( بلغ ذلك) أي قتلي له بعد قوله لا إله إلا الله ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) أسامة ( فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( يا أسامة أقتلته بعدما) ولأبي ذر عن الكشميهني بعد أن ( قال لا إله إلا الله قال) أسامة ( قلت: يا رسول الله وإنما كان متعوّذًا) بكسر الواو المشددة بعدها معجمة أي لم يكن قاصدًا للإيمان بل كان غرضه التعوّذ من القتل ( قال: أقتلته بعد أن) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر بعدما ( قال لا إله إلا الله) .
وفي مسلم من حديث جندب بن عبد الله أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ( قال) أسامة ( فما زال) ( يكرّرها) أي يكرّر مقالته أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ( علي) بتشديد الياء ( حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) لآمن من جريرة هذه الفعلة ولم يتمن أن لا يكون مسلمًا قبل ذلك، وإنما تمنى أن يكون إسلامه ذلك اليوم لأن الإسلام يجبّ ما قبله.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :6509 ... غــ :6872 ]
- ( حَدثنَا عَمْرو بن زُرَارَة أخبرنَا هشيم أخبرنَا حُصَيْن حَدثنَا أَبُو ظبْيَان قَالَ سَمِعت أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنْهُمَا يحدث قَالَ بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الحرقة من جُهَيْنَة قَالَ فصبحنا الْقَوْم فهزمناهم قَالَ وَلَحِقت أَنا وَرجل من الْأَنْصَار رجلا مِنْهُم قَالَ فَلَمَّا غشيناه قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَكف عَنهُ الْأنْصَارِيّ فطعنته برمحي حَتَّى قتلته قَالَ فَلَمَّا قدمنَا بلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فَقَالَ لي يَا أُسَامَة أقتلته بعد مَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا قَالَ أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَمَا زَالَ يكررها عَليّ حَتَّى تمنيت أَنِّي لم أكن أسلمت قبل ذَلِك الْيَوْم) مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة تُؤْخَذ من معنى قَوْله أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله بالتكرر وَفِيه عظم قتل النَّفس المؤمنة وَعَمْرو ابْن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن وَاقد الْكلابِي النَّيْسَابُورِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا قَالَ الْكرْمَانِي روى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الْمَغَازِي قبيل غَزْوَة الْفَتْح إِلَّا أَن ثمَّة عَمْرو بن مُحَمَّد بدل ابْن زُرَارَة قلت كِلَاهُمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ قَوْله " أخبرنَا هشيم " هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره وَحدثنَا هشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن بشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ قَوْله أخبرنَا حُصَيْن هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا حَدثنَا حُصَيْن بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ من صغَار التَّابِعين وَأَبُو ظبْيَان بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون واسْمه حُصَيْن أَيْضا ابْن جُنْدُب الْمذْحِجِي بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَأُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة حب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَابْن حبه وَابْن مَوْلَاهُ الْقُضَاعِي بِضَم الْقَاف وخفة الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة قَوْله " إِلَى الحرقة " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالقاف قَبيلَة من جُهَيْنَة.

     وَقَالَ  ابْن الْكَلْبِيّ سموا بذلك لِوَقْعَة كَانَت بَينهم وَبَين بني مرّة بن عَوْف بن سعد بن دِينَار فأحرقوهم بِالسِّهَامِ لِكَثْرَة من قتل مِنْهُم وَكَانَ هَذَا الْبَعْث فِي رَمَضَان سنة سبع أَو ثَمَان قَوْله " فصبحنا الْقَوْم " أَي أتيناهم صباحا قَوْله " فَلَمَّا غشيناه " بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة أَي لحقنا بِهِ قَوْله " حَتَّى قتلته " قَالَ الْكرْمَانِي الْمَقْتُول هُوَ مرداس بِكَسْر الْمِيم ابْن نهيك بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء وبالكاف قلت هَذَا قَول الْكَلْبِيّ.

     وَقَالَ  أَبُو عمر مرداس بن عَمْرو الفدكي قَوْله " مُتَعَوِّذًا " نصب على الْحَال قَالَ الْكرْمَانِي أَي لم يكن بذلك قَاصِدا للْإيمَان بل كَانَ غَرَضه التَّعَوُّذ من الْقَتْل وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عَاصِم من وَجه آخر عَن أُسَامَة إِنَّمَا فعل ذَلِك ليحرز دَمه.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي كَيفَ جَازَ تمني عدم سبق الْإِسْلَام ثمَّ أجَاب بقوله تمنى إسلاما لَا ذَنْب فِيهِ أَو ابْتِدَاء الْإِسْلَام ليجب مَا قبله.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ وَيُشبه أَن أُسَامَة قد أول قَوْله تَعَالَى { فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} وَهُوَ معنى مقَالَته كَانَ مُتَعَوِّذًا وَلذَلِك لم تلْزمهُ دِيَته وَفِي التَّوْضِيح قتل أُسَامَة هَذَا الرجل لظَنّه كَافِر أَو جعل مَا سمع مِنْهُ من الشَّهَادَة تعوذا من الْقَتْل وَأَقل أَحْوَال أُسَامَة فِي ذَلِك أَن يكون قد أَخطَأ فِي فعله لِأَنَّهُ إِنَّمَا قصد إِلَى قتل كَافِر عِنْده وَلم يكن عرف بِحكمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَن أظهر الشَّهَادَة.

     وَقَالَ  ابْن بطال كَانَت هَذِه الْقِصَّة سَبَب تخلف أُسَامَة أَن لَا يُقَاتل مُسلما بعد ذَلِك وَمن ثمَّة تخلف عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْجمل وصفين قَوْله فَمَا زَالَ يكررها أَي يُكَرر مقَالَته أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره بَعْدَمَا قَالَ وَفِيه تَعْظِيم أَمر الْقَتْل بَعْدَمَا يَقُول الشَّخْص لَا إِلَه إِلَّا الله قَوْله حَتَّى تمنيت الخ حَاصِل الْمَعْنى أَنِّي تمنيت أَن يكون إسلامي الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك الْيَوْم بِلَا ذَنْب لِأَن الْإِسْلَام يجب مَا قبله فتمنيت أَن يكون ذَلِك الْوَقْت أول دخولي فِي الْإِسْلَام لآمن من جريرة تِلْكَ الفعلة وَلم يرد أَنه تمنى أَن لَا يكون مُسلما قبل ذَلِك وَقد مر مَا قَالَه الْكرْمَانِي فِيهِ -