هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
659 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ : آمِينَ . وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ : آمِينَ . فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى . غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
659 حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، حدثنا المغيرة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قال أحدكم : آمين . والملائكة في السماء : آمين . فوافقت إحداهما الأخرى . غفر له ما تقدم من ذنبه حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافق إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه.


المعنى العام

من أهم أهداف صلاة الجماعة واقتداء المأموم بالإمام، وربط أقواله وأفعاله بأقوال الإمام وأفعاله تعليم النظام والدقة في التسليم للقيادة، إن متابعة الحركات قد تكون مع الغفلة، فلا تؤتى الإمامة ثمارها، ولا تحقق الغاية المنشودة منها، ومن هنا تنبه الأحاديث على يقظة المأموم لأقوال إمامه، ليضع قوله في المكان والزمان المشروع، إن الملائكة تتابع أقوال الإمام، وتوافقه حين يقول في نهاية الفاتحة آمين تدعو له ولمن خلفه بإجابة الدعاء الوارد في الفاتحة، وتوافقه عند رفعه من الركوع في قوله سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فتدعو له ولمن خلفه بأن يسمع الله حمدهم ويثيبهم عليه.

ومن هنا تنبه الأحاديث إلى استحباب اليقظة ومتابعة الإمام حين يقول: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فنقول عقب قوله مثلما يقول.

وإلى استحباب اليقظة للإمام حين يقرأ { { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } } فنقول معه آمين ليوافق قولنا قول الإمام والملائكة، فمن وافق قوله قول الملائكة، ولم يسبقه أو يتأخر عنه غفر الله له ما تقدم من ذنوبه.
كلمات سهلة يسيرة يمحو الله بها الخطايا.

فسبحان الغفور الرحيم، واسع الفضل والجود.
وهنيئا للمؤمنين الطائعين ما ينالهم من ثواب عظيم.

المباحث العربية

( سمع الله لمن حمده) يحتمل أن يكون خبرا، والمراد من سمع الحمد الإثابة عليه.
والمعنى يسمع الله حمد الحامد.
ويثيبه عليه.
ويحتمل أن يكون دعاء.
والمعنى اللهم اقبل حمدي لك: وأثبني عليه.

( اللهم ربنا لك الحمد) قال الحافظ ابن حجر: ثبت في أكثر الطرق اللهم وفي بعضها بحذفها، وكلاهما جائز، وثبوتها أرجح، لأن فيه تكرير النداء.
كأنه قال يا ربنا.

وقد ثبت في طرق كثيرة اللهم ربنا ولك الحمد بزيادة الواو، وفي بعضها -كما هنا- بحذفها، قال النووي: المختار أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر وقال ابن دقيق العيد: كأن إثبات الواو دال على معنى زائد، لأنه يكون التقدير مثلا: ربنا استجب، ولك الحمد، فيشتمل على معنى الدعاء ومعنى الخبر.
اهـ وقيل: عاطفة على محذوف أي ربنا حمدناك ولك الحمد، وقال الأصمعي: سألت أبا عمر عن الواو في ربنا ولك الحمد فقال: هي زائدة، تقول العرب بعنى هذا الثوب، فيقول المخاطب: نعم وهو لك بدرهم، فالواو زائدة.

( فإنه من وافق قوله قول الملائكة) قيل: معناه الموافقة في الوقت بداية ونهاية، وقيل: معناه الموافقة في الصفة والخشوع والإخلاص، والأول هو الصحيح والصواب، واختلف في هؤلاء الملائكة، فقيل: هم الحفظة، ورد بالرواية الثالثة والرابعة والخامسة، وهي تصرح بأنهم أهل السماء، وأجيب بأنه إذا قالها الحاضرون من الحفظة قالها من فوقهم، وحتى ينتهي إلى أهل السماء قاله النووي: وهذا الجواب في الحقيقة رجوع عن أن المراد بهم الحفظة إلى أن المراد ما يعم الحفظة وغيرهم، وهذا هو الأولى، ومثل ذلك يقال في التأمين.

( إذا أمن الإمام فأمنوا) يقال: أمن يؤمن إذا قال: آمين والمراد إذا قال الإمام: آمين.
بعد قراءة الفاتحة فقولوا: آمين.
ولما كان ظاهر العبارة يؤدي إلى كون تأمين المأموم يكون عقب تأمين الإمام مع أن الجمهور يقول بموافقتهما قالوا: إن المراد إذا أراد أن يؤمن الإمام فأمنوا ليكون تأمينكم وتأمينه في وقت واحد، ولما كان بعضهم يرى أن الإمام لا يؤمن قال معنى أمن الإمام بلغ موضع التأمين، أي وصل في قراءته الفاتحة إلى { { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } } كما يقال: أحرم وأنجد إذا دخل في الحرم أو بلغ نجدا، أو أن معنى أمن الإمام دعا بقوله { { اهدنا الصراط المستقيم } } والداعي يسمى مؤمنا، كما أن المؤمن يسمى داعيا.
وسيأتي البحث مبسوطا في فقه الحديث.

( إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين) وزن آمين ليس من أوزان كلام العرب، وهو مثل هابيل وقابيل، وهو اسم فعل، ويوقف عليه بالسكون فإن وصل بغيره حرك لالتقاء الساكنين، ويفتح طلبا للخفة لأجل البناء كأين وكيف، إذ الكسرة بعد الياء ثقيلة، وأما معناه فقيل: ليكن كذلك، وقيل: اقبل.
وقيل: لا تخيب رجاء.
وقيل: لا يقدر على هذا غيرك.
وقيل: هو اسم من أسماء الله، حذف منه حرف النداء.
والأصل: يا آمين استجب دعاءنا، وهو أبعد الأقوال عن القبول.

( فوافقت إحداهما الأخرى) أي فوافقت إحدى المقالتين المقالة الأخرى والمراد مقالة المؤمنين ومقالة الملائكة: آمين.

فقه الحديث

يتعرض الحديث لمسألتين منفصلتين: التسميع والتحميد، ثم التأمين، وقد قدم الإمام مسلم وكثير من المحدثين أحاديث التسميع والتحميد، على أحاديث التأمين، مع أن التأمين مقدم في الصلاة على التسميع والتحميد، ولعلهم لم يلتزموا ترتيب أفعال الصلاة، فقد قدموا التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه على التسميع والتحميد والتأمين.

وموافقة لترتيبهم نقول:

إن ظاهر الرواية الأولى -ولفظها إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد- أن الإمام لا يقول: ربنا لك الحمد، وإن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده.
وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ومن تبعهما، ووجه هذا الدليل بأنه قسم التسميع والتحميد، فجعل التسميع للإمام والتحميد للمأموم، والقسمة تنافي الشركة، واحتجوا كذلك بأن معنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد، فيناسب حال الإمام، وأما المأموم فتناسبه حال الإجابة بقوله ربنا لك الحمد ويقويه حديث أبي موسى الأشعري المذكور قبل قليل في باب التشهد، ولفظه وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقالوا: اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم.

وقال الثوري والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد: يجمع الإمام الذكرين ويقتصر المأموم على ربنا لك الحمد.

ومذهب الشافعية أنه يستحب لكل من الإمام والمأموم أن يقول في حال ارتفاعه: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائما قال: ربنا لك الحمد فيستحب للإمام والمأموم الجمع بين هذين الذكرين، وبهذا قال عطاء وإسحق وداود واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد، ففي البخاري ومسلم في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع -وسيأتي بعد أبواب- عن ابن أبي أوفى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد وقال صلوا كما رأيتموني أصلي فيقتضي هذا مع ما قبله أن كل مصل يجمع بينهما، قالوا: ولأنهما ذكر كالتسبيح، فيستحب للإمام وغيره، لأن الصلاة مبنية على أن لا يفتر عن الذكر في شيء منها، فإن لم يقل بالذكرين في الرفع والاعتدال بقي أحد الحالين خاليا عن الذكر.

وأجابوا عن الرواية الأولى في بابنا بأنها ليس فيها ما يدل على النفي، بل فيها أن قول المأموم ربنا ولك الحمد يقول عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده والواقع في التصوير ذلك، لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام.
وكأن المعنى: قولوا ربنا ولك الحمد مع ما قد علمتموه من قول سمع الله لمن حمده وإنما خص هذا بالذكر لأنهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلم بـسمع الله لمن حمده فإن السنة فيه الجهر، ولا يسمعون قوله ربنا لك الحمد لأنه يأتي به سرا، وكانوا يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي مع قاعدة التأسي به صلى الله عليه وسلم مطلقا، وكانوا يوافقون في سمع الله لمن حمده فلم يحتج إلى الأمر به، ولا يعرفون ربنا لك الحمد فأمروا به.
قاله النووي في شرح المذهب.
اهـ.

وأجابوا عما احتج به المالكية والحنفية من حيث المعنى بأنه لا يدل على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا.

هذا حكم الإمام والمأموم، أما المنفرد فهو عند الشافعية كالإمام والمأموم يجمع بين الذكرين، وعند مالك وأبي حنيفة: يقول كما يقول الإمام سمع الله لمن حمده فقط، وفي قول للحنيفة: يجمع المنفرد بين الذكرين، وحملوا عليه الحديث الذي استدل به الشافعية من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الذكرين فقال العيني: يمكن أن يكون هذا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو منفرد: وأبو حنيفة أيضا حمله على حالة الانفراد.
اهـ.

أما التأمين فمذهب الشافعية أنه سنة لكل مصل فرغ من قرأة الفاتحة سواء الإمام والمأموم والمنفرد، والرجل والمرأة والصبي، والقائم والقاعد والمضطجع والمفترض والمتنقل، في الصلاة السرية والجهرية، فإن كانت الصلاة سرية أسر الإمام وغيره بالتأمين تبعا للقراءة وإن كان جهرية، وجهر الإمام أو المنفرد بالقراءة استحب لهما الجهر بالتأمين بلا خلاف بين الشافعية، وخلافهم في المأموم حيث يجهر إمامه بالتأمين، وجمهورهم على أنه يجهر، وذهب جماعة منهم إلى أنه لا يجهر، ولعل منشأ الخلاف بينهم ما نقل عن الشافعي، ففي المذهب القديم يجهر وعبارته في المذهب الجديد تفيد عدم استحباب الجهر، ولفظها في المختصر وهو من الجديد يرفع الإمام صوته بالتأمين، ويسمع من خلفه أنفسهم، ولفظهما في الأم يرفع الإمام بها صوته فإذا قالوها أسمعوا أنفسهم ولا أحب أن يجهروا، فإن فعلوا فلا شيء عليهم.

ووجهة نظر القائلين بجهر الإمام أن القول إذا وقع به الخطاب مطلقا حمل على الجهر، ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك في الحديث الآمر بقول المأمومين: آمين.
ثم إن الحديث قابل تأمين المأمومين بتأمين الإمام، ومقابلة القول بالقول ظاهرها الاتفاق في الصفة، والإمام قد استحب له الجهر، فالمأموم كذلك: وفي البخاري أمن ابن الزبير ومن وراءه، حتى إن للمسجد للجة ويروى لجلبة أي لصوت مرتفع.

وحكى القاضي أبو الطيب والعبدري الجهر بالتأمين للإمام والمأموم والمنفرد في الجهرية عن طاوس وأحمد وإسحق وابن خزيمة وابن المنذر وداود.

وعن مالك في التأمين ثلاث روايات: الأولى: لا يؤمن الإمام مطلقا في سرية ولا في جهرية، وكذا المنفرد، ويؤمن المأموم سرا في الجهرية.
الثانية: لا يؤمن الإمام في الجهرية.
ويؤمن سرا في السرية ويؤمن المنفرد سرا فيهما، الثالثة: يؤمن الإمام سرا في الجهرية والسرية ويؤمن المأموم والمنفرد سرا.

واحتج بعض المالكية للرواية الأولى -رواية عدم تأمين الإمام مطلقا بأن الإمام داع، بقوله { { اهدنا الصراط المستقيم... } } إلخ فناسب أن يختص المأموم بالتأمين، واستدلوا بما رواه مسلم في باب التشهد ( إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين) فإنه صلى الله عليه وسلم قسم ذلك بين الإمام والمأموم، والقسمة تنافي الشركة، وأجابوا عن حديث ( إذا أمن الإمام فأمنوا) وظاهره أن الإمام يؤمن أجابوا بأنها قضية شرطية لا تثبت وقوع فعل الشرط، وعلى التسليم بأن ( إذا) تشعر بتحقيق وقوع فعل الشرط فإن المراد من ( أمن) موضع التأمين، بقوله { { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } } كما يقال: أنجد إذا بلغ نجدا، وإن لم يدخلها، وقال بعضهم.
معنى إذا أمن الإمام، إذا دعا بقوله { { اهدنا الصراط المستقيم } } وتسمية الداعي مؤمنا سائغة، لأن المؤمن يسمى داعيا، كما جاء في قوله تعالى { { قد أجيبت دعوتكما } } [يونس: 89] وكان موسى داعيا، وهارون مؤمنا.

ورد هذا الاحتجاج بجميع وجوهه، فإن قولهم: إن الإمام داع فناسب أن يختص التأمين بالمأموم، لأنه جواب للدعاء، مردود بأن التأمين دعاء قائم مقام التخليص بعد البسط، فالمناسب للإمام أن يقوله، لأنه في مقام الداعي، ثم إنه إذا استحب التأمين للسامع، فالداعي أولى بالاستحباب.

ثم إن استدلالهم برواية مسلم إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين غير مسلم، لأنه قصد منه موافقة تأمين المأموم لتأمين الإمام، أي إذا بلغ ولا الضالين فقولوا: آمين ليوافق تأمينكم تأمينه، فقد روى أبو داود وابن ماجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا { { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } } قال آمين حتى يسمع من الصف الأول زاد ابن ماجه فيرتج بها المسجد.

وإجابتهم عن حديث إذا أمن الإمام بأن معنى أمن بلغ موضع التأمين قال عنها ابن العربي: هذا بعيد لغة وشرعا، وقال عنها ابن دقيق العيد: هذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به، وإلا فالأفضل عدمه اهـ والواقع أنه لا دليل يرجحه، بل الدليل على خلاف هذا التأويل، وقول بعضهم: إذا أمن معناه إذا دعا إلخ مردود بأنه لا يلزم من تسمية المؤمن داعيا تسمية الداعي مؤمنا، ثم إنه لم يصح أن هارون كان مؤمنا ولم يكن داعيا، ولو صح كان إطلاق دعوتكما من قبيل التغليب.

وأما الرواية الثانية عن مالك، وهي أن الإمام لا يؤمن في الجهرية ويؤمن سرا في السرية فيمكن الاستدلال لها والرد عليها بالاستدلال السابق والرد عليه.

بقيت الرواية الثالثة عن مالك، وهي استحباب التأمين سرا للإمام والمأموم والمنفرد وهو مذهب الحنفية، وقد استدل له برواية شعبة عن علقمة بن وائل عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين، وأخفى بها صوته) ولفظ الحاكم ( وخفض بها صوته) كما استدل له بما رواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار: حدثنا أبو حنيفة حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: ( أربع يخفيهن الإمام.
التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم، وآمين)
.

وقد ورد هذا الاستدلال بأن رواية شعبة عند أبي داود بلفظ قال: آمين ورفع بها صوته ولفظ الترمذي ومد بها صوته وحيث تعارضت لا تصلح دليلا بل روايات الرفع أقوى، أما أثر إبراهيم النخعي فهو ضعيف لا يحتج به.

ثم إنه لو لم يكن التأمين مسموعا للمأموم لم يعلم به، وقد علق تأمينه بتأمينه فترجح أن الإمام يؤمن فيجهر به في الجهرية، كما هو مذهب الشافعية.

وهناك في التأمين مذهبان شاذان على طرفي نقيض، أحدهما للإمامية إذ قالوا: إن التأمين يبطل الصلاة، لأنه لفظ ليس بقرآن ولا ذكر.
وثانيهما للظاهرية، إذ أوجبوه على كل مصل، وحكي عن ابن حزم أنه سنة للإمام واجب على المأموم، عملا بظاهر الأمر والله أعلم.

والمراد بموافقة الملائكة في التسميع والتحميد والتأمين الموافقة في القول والزمان خلافا لمن قال: المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان، قال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها، لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان متيقظا.
اهـ.

قال النووي في شرح المهذب: يستحب أن يقع تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله ولا بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه فينبغي أن يقع تأمين الإمام والمأموم والملائكة دفعة واحدة: وقال إمام الحرمين: كان شيخي يقول: لا يستحب مقارنة الإمام في شيء إلا في هذا، قال الإمام: يمكن تعليل استحباب المقارنة بأن القوم لا يؤمنون لتأمينه، وإنما يؤمنون لقراءته، وقد فرغت قراءته.

فإن قيل: هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا أمن الإمام فأمنوا) فجوابه أن الحديث الآخر إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين وكلاهما في الصحيح يقتضي الجمع بينهما، وهذا كقولهم: إذا رحل الأمير فارحلوا، أي إذا تهيأ للرحيل فتهيئوا ليكون رحيلكم معه، وبيانه في الحديث الآخر إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة: آمين، فوافق أحدهما الآخر، فظاهره الأمر بوقوع تأمين الجميع في حالة واحدة اهـ واختار ابن بزيزة أن المراد من الملائكة جميعهم، وهو بعيد إذ لا يتصور أن يؤمن جميع الملائكة كلما أمن إمام في الأرض، وإلا لم يكن لهم عمل غير التأمين الذي لا تكاد لحظة تخلو منه على وجه الأرض، وقيل الحفظة منهم، وقيل: الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا: إنهم غير الحفظة، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة، ممن في الأرض، أو في السماء، وهو قول وجيه ويؤيده رواياتنا الثالثة والرابعة والخامسة إذ فيها والملائكة في السماء وفيها فوافق قوله قول أهل السماء وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد قال الحافظ ابن حجر.
ومثله لا يقال بالرأي، فالمصير إليه أولى.
اهـ.

هذا والموافقة في الجهرية معقولة ويسيرة لمن سمع الإمام حتى قرأ المأموم خلف الإمام فبلغ الإمام التأمين قبل المأموم استحب له أن يقطع قراءته ويوافق الإمام في التأمين، بهذا القول قال أكثر الشافعية، ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة؟ قولان، أصحهما أنها تنقطع.

لكن الموافقة في السرية، أو في الجهرة لمن لا يسمع الإمام عسيرة، فهل يستحب له أن يتحرى؟ أو غير مطالب بالموافقة؟ الظاهر الثاني.

ثم ظاهر الحديث أن هذا الوعد، وهو غفران ما تقدم من الذنب إنما هو للمأموم الذي وافق تأمينه تأمين الملائكة، أما الإمام الذي أمن فوافقه المأموم والملائكة، فلا يدخل في هذا الوعد وكذا المنفرد الذي أمن، لكن لا يمنع من أن لكل منهما ثواب آخر غير هذا الوعد، إذ ربط هذا الوعد بيقظة المأموم، وإيقاعه التأمين موافقا للملائكة، لكن الحافظ ابن حجر يرى دخول الإمام في الوعد من باب أولى، كما سيأتي فيما يؤخذ من الحديث، والمراد من الذنب الذي وعد بغفرانه الصغائر من الذنوب وإن كان ظاهر الحديث جميعها، ولكن العلماء حملوه على الصغائر، كما مضى أمثاله فيمن توضأ كوضوئه صلى الله عليه وسلم، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا، ومن انتظر الصلاة، إلى غير ذلك من الطاعات، فإن لم توجد صغائر تغفر أثيب بحسنات تقابل ذلك.
والله أعلم.

وظاهر الأحاديث الحث على التأمين في الصلاة خاصة، ولكن يمكن أن يقال: إن طلبه في الصلاة وهي محدودة الألفاظ والدعاء يجعل طلبه في غيرها من باب أولى، بل في بعض الروايات عند أحمد ما يفيد العموم، إذ جاء إذا أمن القارئ فأمنوا واستحب ابن العربي وغيره التأمين في كل دعاء لما في أبي داود عن أبي زهر النميري، وكان من الصحابة رضي الله عنهم، قال: فإذا دعا أحدنا قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، قال أبو زهر: ألا أخبركم بذلك؟ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة، فإذا رجل قد ألح في المسألة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أوجب إن ختمه فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب.

ويؤخذ من الأحاديث

1- أن الإمام يؤمن، وقد سبق بيان الخلاف فيه.

2- وأنه يجهر بالتأمين، وقد سبق كذلك بيان الخلاف فيه.

3- واستدل بعضهم بقوله إذا أمن الإمام فأمنوا على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام لأنه رتب بالفاء وقد سبق توجيهه.

4- وفيه حجة على الإمامية في قولهم: إن التأمين يبطل الصلاة.

5- قال الحافظ ابن حجر: وفيه فضيلة الإمام، لأن تأمين الإمام يوافق تأمين الملائكة، ولهذا شرعت للمأموم موافقته.
اهـ.

6- استدل به القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للإمام، لأن التأمين لا يكون إلا عقبها، وظاهر السياق يقتضي أن قراءة الفاتحة كانت أمرا معلوما عندهم.

7- قال القاضي عياض: فيه حجة على أنه لا يقرأ مع الإمام في الجهر لأنه ذكر قراءة الإمام، ولم يذكر قراءة المأموم.
اهـ وهو مردود لأن عدم الذكر لا يدل على عدم المشروعية.

8- وقال القاضي عياض أيضا: وفيها حجة لمن لا يرى السكتة [وهم المالكية والحنفية] إذ لو كانت من حكم الصلاة لقال: فإذا سكت فاقرءوا كما قال وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين.
وهو مردود بأن عدم القول لا يدل على المشروعية، وقد سبق حكم السكتة قبل أبواب.

9- وفيه أن الملائكة تتابع عبادات المؤمنين، وتدعو لهم.

10- واستدل به بعض المعتزلة على أن الملائكة أفضل من الآدميين لأن مجرد موافقتهم في جزئية كانت سببا في غفران الذنوب، وسيأتي البحث في ذلك في باب الملائكة عند الكلام عن بدء الخلق إن شاء الله تعالى.

( فائدة) قال النووي في شرح المهذب: قال أصحابنا: إذا ترك التأمين حتى اشتغل بغيره فات ولم يعد إليه، ولو قرأ المأموم الفاتحة مع الإمام وفرغ منها قبل فراغه، فالأولى بل الصواب أن يؤمن لقراءة نفسه، ثم يؤمن مرة أخرى بتأمين الإمام، وإذا أمن المأموم بتأمين الإمام، ثم قرأ المأموم الفاتحة أمن ثانيا لقراءة نفسه، فلو فرغا من الفاتحة معا كفاه أن يؤمن مرة واحدة.

ويستحب أن لا يصل لفظة آمين بقوله ولا الضالين بل يسكت سكتة لطيفة جدا ليعلم أن آمين ليست من الفاتحة.

والله أعلم