هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
670 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ - أَوْ : لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ ، أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو : لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام ، أن يجعل الله رأسه رأس حمار ، أو يجعل الله صورته صورة حمار
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ - أَوْ : لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ ، أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ .

Narrated Abu Huraira:

The Prophet (ﷺ) said, Isn't he who raises his head before the Imam afraid that Allah may transform his head into that of a donkey or his figure (face) into that of a donkey?

":"ہم سے حجاج بن منہال نے بیان کیا ، انہوں نے کہا کہ ہم سے شعبہ نے بیان کیا ، انہوں نے محمد بن زیاد سے بیان کیا ، کہا کہ میں نے حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے سنا ، وہ نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم سے روایت کرتے تھے کہآپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کیا تم میں وہ شخص جو ( رکوع یا سجدہ میں ) امام سے پہلے اپنا سر اٹھا لیتا ہے اس بات سے نہیں ڈرتا کہ کہیں اللہ پاک اس کا سر گدھے کے سر کی طرح بنا دے یا اس کی صورت کو گدھے کی سی صورت بنا دے ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [691] .

     قَوْلُهُ  أما يخْشَى أحدكُم فِي رِوَايَة الْكشميهني أَو لَا يَخْشَى وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ أَمَا يَخْشَى أَوْ أَلَا يَخْشَى بِالشَّكِّ وَأما بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ مِثْلُ أَلَا وَأَصْلُهَا النَّافِيَةُ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ هُنَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ .

     قَوْلُهُ  إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَام زَاد بن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ فِي صَلَاتِهِ وَفِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّفْعُ مِنَ السُّجُودِ فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعًا وَإِنَّمَا هُوَ نَصٌّ فِي السُّجُودِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الرُّكُوعُ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَاهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السُّجُودَ لَهُ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ رَبِّهِ لِأَنَّهُ غَايَةُ الْخُضُوعِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ فَلِذَلِكَ خُصَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ وَهُوَ ذِكْرُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ فِي الْحُكْمِ إِذَا كَانَ لِلْمَذْكُورِ مَزِيَّةٌ.

.
وَأَمَّا التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ فِي الْخَفْضِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَقِيلَ يَلْتَحِقُ بِهِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مِنَ الْوَسَائِلِ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَافَقَةِ فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ فِيمَا هُوَ مَقْصِدٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَسْتَلْزِمُ قَطْعَهُ عَنْ غَايَةِ كَمَالِهِ وَدُخُولُ النَّقْصِ فِي الْمَقَاصِدِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ فِي الْوَسَائِلِ وَقَدْ وَرَدَ الزَّجْرُ عَنِ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ مُلَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الَّذِي يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا وَهُوَ الْمَحْفُوظُ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يَجْعَلُ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ الشَّكُّ مِنْ شُعْبَةَ فَقَدْ رَوَاهُ الطَّيَالِسِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة وبن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ فَأَمَّا الْحَمَّادَانِ فَقَالَا رَأْسَ.

.
وَأَمَّا يُونُسَ فَقَالَ صُورَةَ.

.
وَأَمَّا الرَّبِيعُ فَقَالَ وَجْهَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ قَالَ عِيَاضٌ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الرَّأْسِ وَمُعْظَمُ الصُّورَةِ فِيهِ.

.

قُلْتُ لَفْظُ الصُّورَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَجْهِ أَيْضًا.

.
وَأَمَّا الرَّأْسُ فَرُوَاتُهَا أَكْثَرُ وَهِيَ أَشْمَلُ فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَخُصَّ وُقُوعُ الْوَعِيدِ عَلَيْهَا لِأَنَّ بِهَا وَقَعَتِ الْجِنَايَةُ وَهِيَ أَشْمَلُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الرَّفْعِ قَبْلَ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْمَسْخِ وَهُوَ أَشَدُّ الْعُقُوبَاتِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ يَأْثَمُ وَتُجْزِئُ صلَاته وَعَن بن عُمَرَ تَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَفِي الْمُغْنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ فِي رِسَالَتِهِ لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ صَلَاةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ لَرُجِيَ لَهُ الثَّوَابُ وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إِلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ فَإِنَّ الْحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالْبَلَادَةِ فَاسْتُعِيرَ هَذَا الْمَعْنَى لِلْجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَيُرَجِّحُ هَذَا الْمَجَازِيَّأَنَّ التَّحْوِيلَ لَمْ يَقَعْ مَعَ كَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَكِن لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ وَلَا بُدَّ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ فَاعِلِهِ مُتَعَرِّضًا لِذَلِكَ وَكَوْنِ فِعْلِهِ مُمْكِنًا لِأَنْ يَقَعَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَعِيدُ وَلَا يلْزم من التَّعَرُّض للشئ وُقُوع ذَلِك الشَّيْء قَالَه بن دَقِيق الْعِيد.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّحْوِيلِ الْمَسْخُ أَوْ تَحْوِيلُ الْهَيْئَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَوْ هُمَا مَعًا وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَسْخِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ فِي الْمَغَازِي فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرُ الْخَسْفِ وَفِي آخِرِهِ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَوِّي حمله على ظَاهره أَن فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ فَهَذَا يبعد الْمجَاز لانْتِفَاء الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ بَلَادَةِ الْحِمَارِ وَمِمَّا يُبْعِدُهُ أَيْضًا إِيرَادُ الْوَعِيدِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَبِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ وَلَوْ أُرِيدَ تَشْبِيهُهُ بِالْحِمَارِ لِأَجْلِ الْبَلَادَةِ لَقَالَ مَثَلًا فَرَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ وَإِنَّمَا.

.

قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ الْبَلَادَةُ حَاصِلَةٌ فِي فَاعِلِ ذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ يُخْشَى إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ بَلِيدًا مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا نَشَأَ عَن البلادة.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا بِالصُّورَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَمْنَعُ تَأْوِيلَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ رَأْسَ حِمَارٍ فِي الْبَلَادَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْمَنْعِ وَفِي الْحَدِيثِ كَمَالُ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ وَبَيَانُهُ لَهُمُ الْأَحْكَامَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُقَارَنَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى مَنْعِ الْمُسَابَقَةِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى طَلَبِ الْمُتَابَعَةِ.

.
وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهَا.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ عَلَى جَوَازِ التَّنَاسُخِ.

.

قُلْتُ وَهُوَ مَذْهَبٌ رَدِيءٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعَاوَى بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَالَّذِي اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مِنْهُمْ إِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِأَصْلِ النَّسْخِ لَا بِخُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ لَطِيفَةٌ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ لَيْسَ لِلتَّقَدُّمِ قَبْلَ الْإِمَامِ سَبَبٌ إِلَّا طَلَبُ الِاسْتِعْجَالِ وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَعْجِلُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَاللَّهُ أعلم ( قَولُهُ بَابُ إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى) أَيِ الْعَتِيقِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمْ يُفْصِحْ بِالْجَوَازِ لَكِنْ لَوَّحَ بِهِ لِإِيرَادِهِأَدِلَّتَهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِلَخْ وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا غُلَامُهَا ذكْوَان فِي الْمُصحف وَوَصله بن أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ غُلَامًا لَهَا عَنْ دُبُرٍ فَكَانَ يَؤُمُّهَا فِي رَمَضَانَ فِي الْمُصْحَفِ وَوَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَائِشَةَ بِأَعْلَى الْوَادِي هُوَ وَأَبُوهُ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَنَاسٌ كَثِيرٌ فَيَؤُمُّهُمْ أَبُو عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ لَمْ يُعْتَقْ وَأَبُو عَمْرٍو الْمَذْكُورُ هُوَ ذَكْوَانُ وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الْعَبْدِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ مَالِكٌ فَقَالَ لَا يَؤُمُّ الْأَحْرَارَ إِلَّا إِنْ كَانَ قَارِئًا وهم لَا يقرؤون فَيَؤُمُّهُمْ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا تُجْزِئُهُ إِذَا حَضَرَهَا .

     قَوْلُهُ  فِي الْمُصْحَفِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْمُصَلِّي مِنَ الْمُصْحَفِ وَمَنَعَ مِنْهُ آخَرُونَ لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  وَوَلَدُ الْبَغِيِّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّشْدِيدِ أَي الزَّانِيَة وَنقل بن التِّينِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمَوْلَى لَكِنْ فُصِلَ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِأَثَرِ عَائِشَةَ وَغَفَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ فَجَعَلَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا رَاتِبًا وَعِلَّتُهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ يعير مُعَرَّضًا لِكَلَامِ النَّاسِ فَيَأْثَمُونَ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَالِبِ مَنْ يَفْقَهُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ .

     قَوْلُهُ  وَالْأَعْرَابِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا وَخَالَفَ مَالِكٌ وَعِلَّتُهُ عِنْدَهُ غَلَبَةُ الْجَهْلِ عَلَى سكان الْبَوَادِي وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يُدِيمُونَ نَقْصَ السُّنَنِ وَتَرْكَ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  وَالْغُلَامُ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُرَاهِقَ وَيُحْتَمَلُ الْأَعَمَّ لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ كَانَ دُونَ سِنِّ التَّمْيِيزِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى اللَّفْظَ الْوَارِدَ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا يَؤُمُّ الْغُلَامَ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ أَنه كَانَ يؤم قومه وَهُوَ بن سَبْعِ سِنِينَ وَقِيلَ إِنَّمَا لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ تَوَقَّفَ فِيهِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذ لَك وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ زَمَانَ نُزُولِ الْوَحْيِ لَا يَقَعُ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ التَّقْرِيرُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ أَبُو سَعِيدٍ وَجَابِرٌ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْزِلُونَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ وَأَيْضًا فَالْوَفْدُ الَّذِينَ قَدَّمُوا عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ كَانُوا جمَاعَة من الصَّحَابَة وَقد نقل بن حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ سِيَاقَ رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ فِي الْفَرَائِضِ لِقَوْلِهِ فِيهِ صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ قَالَ عَمْرٌو فَمَا شَهِدْتُ مَشْهَدًا فِي جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ وَهَذَا يعم الْفَرَائِض والنوافل وَاحْتج بن حَزْمٍ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَأَنْ يَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ قَالَ فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يَؤُمُّ مَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ لِأَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْهُ فَلَا يَؤُمُّ كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَأْمُورُ مَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ مِنَ الْبَالِغِينَ بِأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ مَنِ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ أَكْثَرَ قُرْآنًا فَبَطَلَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَإِلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ الصَّبِيِّ ذَهَبَ أَيْضًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَالثَّوْرَيُّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا الْإِجْزَاءُ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ .

     قَوْلُهُ  لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أَيْ فَكُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ جَازَتْ إِمَامَتُهُ مِنْ عَبْدٍ وَصبي وَغَيرهمَا وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ بِلَفْظِ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ أَقْرَؤُهُمْ عَلَى أَنَّ إِمَامَةَ الْكَافِرِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يُمْنَعُ الْعَبْدُ مِنَ الْجَمَاعَةِ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّقِ .

     قَوْلُهُ  بِغَيْرِ عِلَّةٍ أَيْ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِسَيِّدِهِ فَلَوْ قَصَدَ تَفْوِيتَ الْفَضِيلَةِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ مُسْتَنَدَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِصَّةِ سَالِمٍ فِي أَوَّلِ حَدِيثَيِ الْبَابِ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [691] حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ -أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ».
وبالسند قال: ( حدّثنا حجاج بن منهال) السلمي الأنماطي البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن محمد بن زياد) الجمحي المدني البصري السكن ( سمعت) ولأبي ذر قال: سمعت ( أبا هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) : ( أما يخشى أحدكم -أو ألا يخشى أحدكم-) فالشك من الراوي، وأما وألا بهمزة الاستفهام التوبيخي، وتخفيف الميم واللام قبلها واو ساكنة، حرفا استفتاح.
ولأبي ذر عن الكشميهني: أوَ لاَ بتحريك الواو، وفي الأخرى: وألا يخشى أحدكم ( إذا رفع رأسه) أي من السجود، فهو نص في السجود لحديث حفص بن عمر، عن شعبة المروي في أبي داود: الذي يرفع رأسه والإمام ساجد، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ونص على السجود المنطوق فيه لمزيد مزية فيه، لأن المصلي أقرب ما يكون فيه من ربه، ولأنه غاية الخضوع المطلوب، كذا قرره في الفتح، وتعقبه صاحب العمدة بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود، ولأن الحكم فيهما سواء.
ولو كان الحكم مقصورًا على الرفع من السجود، لكان لدعوى التخصيص وجه.
قال: وتخصيص السجدة بالذكر في رواية أبي داود، من باب: سرابيل تقيكم الحرّ، ولم يعكس الأمر، لأن السجود أعظم.
( قبل) رفع ( الإمام أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع ( رأس حمار) حقيقة بأن يمسخ إذ لا مانع من وقوع المسخ في هذه الأمة، كما يشهد له حديث أبي مالك الأشعري في المعازف، الآتي إن شاء الله تعالى في الأشربة، لأن فيه ذكره الخسف، وفي آخره: ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.
أو تحول هيئته الحسية أو المعنوية، كالبلادة الموصوف بها الحمار، فاستعير ذلك للجاهل، ورد بأن الوعيد بأمر مستقبل.
وهذه الصفة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله ذلك ( أو يجعل الله صورته صورة حمار) بالشك من الراوي، والنصب عطفًا على الفعل السابق.
ولمسلم: أن يجعل الله وجهه وجه حمار.
ولابن حبّان؛ أن يحول الله رأسه رأس كلب.
والظاهر أن الاختلاف حصل من تعدّد الواقعة، أو هو من تصرف الرواة.
ثم إن ظاهر الحديث يقتضي تحريم الفعل المذكور للتوعد عليه بالمسخ، وبه جزم النووي في المجموع، لكن تجزئ الصلاة.
وقال ابن مسعود لرجل سبق إمامه: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه الأئمة الستة.
54 - باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ الْمُصْحَفِ وَوَلَدِ الْبَغِيِّ وَالأَعْرَابِيِّ وَالْغُلاَمِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ».
( باب) حكم ( إمامة العبد والمولى) أي المعتق.
ولابن عساكر: والموالي بالجمع.
( وكانت عائشة) رضي الله عنها، وفي رواية: وكان عائشة، مماوصله الشافعي وعبد الرزاق ( يؤمها عبدها ذكوان من المصحف) وهو يومئذ غلام لم يعتق، وهذا مذهب الشافعي، وأبي يوسف ومحمد لأنه لم يقترن به ما يبطل الصلاة.
وقال أبو حنيفة: يفسدها لأنه عمل كثير، نعم الحر أولى من العبد.
( وولد البغي) بالجر عطفًا على المولى وفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد المثناة أي الزانية لأنه ليس عليه من وزرها شيء، ( والأعرابي) الذي يسكن البادية، وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور، خلافًا لمالك، لغلبة الجهل على سكان البادية، ( والغلام) المميز ( الذي لم يحتلم) بالجر فيه على العطف كسابقه، وهذا مذهب الشافعي.
وقال الحنفية: لا تصح إمامته للرجال في فرض ولا نفل.
وتصح لمثله.
وقال المالكية، لا تصح في فرض، وبغيره تصح، وإن لم تجز.
وقال المرداوي من الحنابلة: وتصح إمامة صبي لبالغ وغيره في نفل وفي فرض بمثله فقط، ( لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث مسلم وأصحاب السنن: ( يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله) قال المؤلّف: ( ولا يمنع العبد من الجماعة) ولابن عساكر: عن الجماعة أي من حضورها ( بغير علة) وللأصيلي: لغير علة، أي ضرورة لسيده، لأن حق الله تعالى مقدم على حقه.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [691] حَدَّثَنَا حجاج بن منهال: ثنا شعبة، عَن مُحَمَّد بن زياد، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( أما يخشى أحدكم) ) – أو ( ( ألا يخشى أحدكم – إذا رفع رأسه قَبْلَ الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار) ) – أو ( ( يجعل صورته صورة حمار؟) ) .
قَالَ الحافظ أبو موسى المديني: اتفق الأئمة عَلَى ثبوت هَذَا الحَدِيْث من هَذَا الطريق؛ رواه عَن مُحَمَّد بن زياد قريب من خمسين نفساً، وبعضهم يَقُول: ( ( صورته) ) ، وبعضهم يَقُول: ( ( وجهه) ) ، ومنهم من قَالَ: ( ( رأس كلب أو خنزير) ) ، وتابع مُحَمَّد بن زياد جماعة، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ.
انتهى.
وفيه: دليل صريح عَلَى تحريم تعمد رفع المأموم رأسه قَبْلَ الإمام فِي ركوعه وسجوده؛ فإنه توعد عَلِيهِ بالمسخ، وَهُوَ من أشد العقوبات.
وإنما اختص الحمار بالذكر دون سائر الحيوانات عَلَى الرواية الصحيحة المشهورة – والله أعلم -؛ لإن الحمار من أبلد الحيوانات وأجهلها، وبه يضرب المثل فِي الجهل؛ ولهذا مثل الله بِهِ عالم السوء الذي يحمل العلم ولا ينتفع بِهِ فِي قوله: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] .
فكذلك المتعبد بالجهل يشبه الحمار، فإن الحمار يحرك رأسه ويرفعه ويخفضه لغير معنى، فشبه من يرفع رأسهقَبْلَ إمامه بالحمار، وكذلك شبه من يتكلم وإمامه يخطب بالحمار يحمل أسفاراً؛ لأنه لَمْ ينتفع بسماع الذكر، فصار كالحمار فِي المعنى.
والله أعلم.
وقد اختلف العلماء فيمن تعمد رفع رأسه قَبْلَ إمامه فِي ركوعه أو سجوده: هَلْ تبطل بذلك صلاته، أم لا؟ وفيه وجهان لأصحابنا، وأكثرهم عَلَى البطلان، وروي عَن ابن عُمَر.
وَقَالَ القاضي أبو يعلى: لا تبطل بذلك، وَهُوَ قَوْلِ أكثر الفقهاء.
فعلى هَذَا، فهل يؤمر أن يعود إلى ركوعه وسجوده ليرفع بعد إمامه، أم لا؟ قَالَ بعض المتأخرين [من] أصحابنا وبعض أصْحَاب الشَّافِعِيّ: لا يؤمر بذلك، ومتى عاد بطلت صلاته لأنه يصير قَدْ زاد فِي صلاته ركناً عمداً.
وقد رَوَى مَالِك فِي ( ( الموطإ) ) أن السنة فِي الساهي إذا رفع رأسه قَبْلَ إمامه أن يعود، ولا يقف ينتظره، فذلك خطأ ممن فعله.
ومفهومه: أن العامد ليس كذلك.
وأكثر العلماء من أصحابنا وغيرهم يقتضي أَنَّهُ يلزمه أن يعود لرفع بعد إمامه.
وقد بسطنا القول عَلَى هَذَا فِي الباب الماضي، فلا حاجة إلى إعادته.
54 - بَاب إمَامَةِ العَبْدِ والمَوْلَى وكانت عَائِشَة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف.
وَوَلدَ البَغيِّ والأعرابي والغلام الَّذِي لَمْ يحتلم لقول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله) ) .
ولا يمنع العبد من الجماعة بغير علةٍ أشار البخاري - رحمه الله - بهذا التبويب إلى مسائل: إحداها: إمامه العبد والمولى.
ومراده بالعبد: الرقيق القن.
وبالمولى: العتيق، الَّذِي عَلِيهِ ولاء لمعتقه.
وما ذكره من إمامه ذكوان لعائشة: فروى وكيع، عَن هِشَام بن عُرْوَةَ، عَن أَبِي بَكْر بن أَبِي مليكة، أن عَائِشَة أعتقت غلاماً لها عَن دبرٍ، فكان يؤمها فِي المصحف فِي رمضان.
ففي هذه الرواية: أَنَّهُ كَانَ مدبراً.
وقد روي من غير وجه، عَن عَائِشَة، أنها صلت خلف مملوك.
وروى أيوب، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة، أَنَّهُ كَانَ يؤمها عَبْد لها فِي المصحف.
خرجه الأثرم.
ورواه عَبْد الرحمن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه – أَيْضاً.
وذكر الإمام أحمد، أَنَّهُ أصح من حَدِيْث ابن أَبِي مليكة؛ لأن هِشَام بن عُرْوَةَ لَمْ يسمعه من ابن أَبِي مليكة، إنما بلغه عَنْهُ.
قَالَ أحمد: أبو معاوية، عَن هِشَام، قَالَ: نبئت عَن ابن أَبِي مليكة – فذكره.
قُلتُ: رواه شعيب بن أَبِي حَمْزَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة – لَمْ يذكر ابن أَبِي مليكة.
خرجه البيهقي.
وكذا رواه مَالِك فِي ( ( الموطإ) ) عَن هِشَام، عَن أَبِيه.
وروى أبو نعيم فِي ( ( كِتَاب الصلاة) ) : حَدَّثَنَا حماد بن سَلَمَة، عَن ابن أَبِي مليكة، أن عَائِشَة كَانَ يدخل عَلَيْهَا أشراف قريش، فيؤمهم غلامها ذكوان.
والظاهر: أن حماد بن سلمة إنما رواه عَن هِشَام، عَن ابن أَبِي مليكة.
ورواه الشَّافِعِيّ عَن عَبْد المجيد بن أَبِي رواد، عَن ابن جُرَيْج: أخبرني ابن أَبِي مليكة، أنهم كانوا يأتون عَائِشَة، أم المُؤْمِنيِن بأعلى الوادي – هُوَ وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير -، فيؤمهم أبو عَمْرِو مَوْلَى عَائِشَة – وأبو عَمْرِو غلامها حينئذ لَمْ يعتق، وكان إمام بني مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر وعروة.
قَالَ أبو نعيم: وحدثنا زهير، عَن داود بن أَبِي هند: حَدَّثَنِي أبو نضرة،عَن أَبِي سَعِيد مَوْلَى أَبِي أسيد الأنصاري، قَالَ: أتاني نفر من أصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيهم: أبو ذر وحذيفة وابن مَسْعُود، فحضرت الصلاة، فقدموني وأنا مملوك، فصليت بهم.
قَالَ: وحدثنا حسن الحسنائي: ثنا زياد النميري، قَالَ: سألت أَنَس بن مَالِك، فَقُلْت: العبد ليس بدينه بأس، يؤم القوم؟ قَالَ: وما بأس بذلك.
وفي ( ( صحيح مُسْلِم) ) أن عُمَر بن الخَطَّاب قَالَ لنافع بن عَبْد الحارث – وكان عُمَر استخلفه عَلَى مكة -: من استخلفت عَلَى أهل الوادي؟ قَالَ: ابن ابزى مَوْلَى لنا.
فَقَالَ عُمَر: استخلفت عليهم مَوْلَى؟ قَالَ: يَا أمير المُؤْمِنيِن، إنه قارىء لكتاب الله، عالم بالفرائض.
فَقَالَ عُمَر: أما إن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع بِهِ آخرين) ) .
وممن رخص فِي إمامه العبد: الشعبي والنخعي والحسن والحكم والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق.
وكره إمامه العبد جماعة، منهم: أبو مجلز.
وَقَالَ الضحاك: لا يؤم العبد القوم وفيهم حر.
وَقَالَ مَالِك: لا يؤمهم، إلا أن يكون العبد قارئاً ومن خلفه أعراب لا يقرءون.
وفي ( ( تهذيب المدونة) ) : لا يؤم العبد فِي الحضر فِي مساجد القبائل، وجائز أن يؤم فِي قيام رمضان وفي الفرائض فِي السفر، إن كَانَ أقرأهم، من غير أن يتخذ إماماً راتباً.
وَقَالَ أصحابنا: لا تكره إمامه العبد، والحر أولى مِنْهُ.
المسألة الثانية: إمامه ولد البغي – وَهُوَ ولد الزنا.
وقد اختلف فِي إمامته: فرخص فيها طائفة، منهم: عَطَاء والحسن والشعبي والنخعي والزهري وسليمان بن موسى وعمرو بن دينار والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق.
ومنهم من شرط سلامة دينه، وَهُوَ قَوْلِ أحمد.
وكره ذَلِكَ آخرون، منهم: مُجَاهِد.
وروي عَن عُمَر بن عَبْد العزيز، أَنَّهُ نهى رجلاً كَانَ يؤم بالعقيق لا يعرف لَهُ أب.
وَقَالَ مَالِك: أكره أن يتخذ إماماً راتباً.
وَقَالَ أبو حنيفة: غيره أحب إلينا مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيّ: أكره أن ينصب إماماً من لا يعرف أبوه، ومن صلى خلفه أجزأه.
وهؤلاء جعلوا النسب معتبراً فِي إمامه الصلاة، فيكره أن يرتب للأمامة من لا نسب لَهُ، كما يعتبر فِي الإمامة العظمى، فلا يصح أن ينصب إماماً من لا نسب لَهُ.
وفي هَذَا انظر؛ فإن أكثرهم رخصوا فِي إمامه العبد والمولى، مَعَ أَنَّهُ لا نسب لهما فِي العرب.
المسأله الثالثة: إمامه الأعرابي وَهُوَ من لَمْ يهاجر إلى الأمصار من أهل البوادي.
وقد اختلف فِي إمامه الأعرابي: فَقَالَتْ طائفة: لا بأس بِهَا إذا أقام الصلاة.
وعنه، قَالَ: العبد إذافقه أحب إلي مِنْهُ.
ورخص فِيهِ الثوري والشافعي وأحمد – فِي المشهور عَنْهُ – وإسحاق.
وروى وكيع فِي ( ( كتابه) ) عَن شريك، عَن أَبِي إِسْحَاق، عَن رَجُل من طيىء، أن ابن مَسْعُود [حج، فصلى خلف] أعرابي.
وكره الائتمام بالأعرابي طائفة، منهم: أبو مجلز والشعبي والحسن وعطاء ومالك، وَهُوَ رِوَايَة عَن أحمد.
وروى وكيع، عَن الربيع بن صبيح، عَن ابن سيرين، قَالَ: خرجنا مَعَ عُبَيْدِ الله بن معمر، ومعنا حميد بن عَبْد الرحمن وأناس من وجوه الفقهاء، فمررنا بماء فحضرت الصلاة، فأذن أعرابي وأقام.
قَالَ: فتقدم حميد بن عَبْد الرحمن.
قَالَ: من كَانَ من أهل البلد فليتم الصلاة، وكره أن يؤم الأعرابي.
وهذا يدل عَلَى أنهم رأوا أن من كَانَ أولى بالإمامة فإنه يقدم عَلَى الإمام الراتب بغير إذنه، وقد سبق الكلام عَلِيهِ.
وَقَالَ مَالِك: الأعرابي لا يؤمهم وإن كَانَ أقرأهم.
وَقَالَ أحمد: لا يؤم الحضري، ولا فِي المصر، إلا أن يكون قَدْ علم وعرفه.
وَقَالَ – أَيْضاً -: إذا كَانَ قَدْ تعلم القرآن ودخل القرآن، ولم يكن جافياً.
وروى أشعث، عَن الْحَسَن فِي مهاجري صلى خلف أعرابي؟ قَالَ: إذا صلى أعاد تلك الصلاة.
وقد خرج ابن ماجه من حَدِيْث جابر مرفوعاً: ( ( لا يؤم أعرابيمهاجراً) ) – فِي حَدِيْث طويل، وسيأتي فيما بعد – إن شاء الله سبحانه وتعالى.
المسألة الرابعة: إمامه الغلام الَّذِي لَمْ يحتلم.
وفيها أقوال: أحدها: أنها جائزة فِي الفرض وغيره، وَهُوَ قَوْلِ الشَّافِعِيّ وإسحاق وأبي ثور.
وخرجه طائفة من أصحابنا رِوَايَة عَن الإمام أحمد من صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، عَلَى رِوَايَة عَنْهُ، وفيه نظر؛ فإن المتنفل أهل للأمامة فِي الجملة بخلاف الصبي.
وحكاه ابن المنذر عَن الْحَسَن.
وروى حرب بإسناده، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: لَمْ يزل الغلمان يصلون بالناس إذا عقلوا الصلاة وقرءوا فِي رمضان، وإن لَمْ يحتلموا.
وروى أبو نعيم فِي ( ( كِتَاب الصلاة) ) : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن ابن جريج، عَن عَطَاء، قَالَ: لا بأس أن يؤم الغلام قَبْلَ أن يحتلم.
وروى وكيع بإسناده، عَن الأشعث بن قيس، أَنَّهُ قدم غلاماً، فَقِيلَ لَهُ.
فَقَالَ: إني لَمْ أقدمه، إنما قدمت القرآن.
ولعل الغلام هاهنا أريد بِهِ العبد، لا الصبي.
والقول الثاني: أَنَّهُ لا يؤم الصبي حَتَّى يحتلم، روي ذَلِكَ عَن ابن عَبَّاس، خرجه عَنْهُ بإسناد فِيهِ مقال.
وخرجه الأثرم – أَيْضاً – بإسناد منقطع عَن ابن مَسْعُود، قَالَ: لايصلي خلف الغلام حَتَّى تجب عَلِيهِ الحدود.
وَقَالَ النخعي: كانوا يكرهون أن يؤم الغلام قَبْلَ أن يحتلم.
قَالَ ابن المنذر: كره إمامة من لَمْ يبلغ: عَطَاء والشعبي ومجاهد ومالك والثوري وأصحاب الرأي.
وقد روينا عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: لا يؤم الغلام حَتَّى يحتلم.
وكرهه – أَيْضاً - الضحاك.
والقول الثالث: يؤمهم فِي النفل دون الفرض، روي ذَلِكَ عَن الْحَسَن، ذكره وكيع، عَن الربيع بن صبيح، عَنْهُ، قَالَ: لا بأس أن يؤمهم فِي رمضان إذا أحسن الصلاة قَبْلَ أن يحتلم، وَهُوَ رِوَايَة عَن أحمد.
والقول الرابع: حكاه ابن المنذر عَن الأوزاعي، قَالَ: لا يؤم الغلام فِي الصلاة المكتوبة حَتَّى يحتلم، إلا أن يكون ليس معهم من القرآن شيء، فإنه يؤمهم المراهق.
وعن الزُّهْرِيّ، قَالَ: إن اضطروا إليه أمهم.
وقد أوما أحمد إلى هَذَا القول؛ فإنه قَالَ - فِي رِوَايَة أَبِي طالب -: لا يصلي بهم حَتَّى يحتلم، لا فِي المكتوبة ولا فِي التطوع.
قيل لَهُ: فحديث عَمْرِو بن سَلَمَة، أليس أم بهم وَهُوَ غلام؟ فَقَالَ: لعله لَمْ يكن يحسن يقرأ غيره.
ونقل عَنْهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي حَدِيْث عَمْرِو بن سَلَمَة، قَالَ: كَانَ هَذَا فِي أول الإسلام من ضرورة، فأما اليوم فلا.
وكذلك نقل عَنْهُ أبو داود، قَالَ: لعله كَانَ فِي بدء الإسلام.
وهذا يشير إلى نسخ حكمه بالكلية.
ومن أصحابنا من أجاز إمامته فِي قيام رمضان، إذا لَمْيوجد قارىء غيره؛ فإن أحمد أجاز إمامة المرأة فِي ذَلِكَ، والغلام أولى، وفيه نظر - أَيْضاً -؛ فإن المرأة من أهل التكليف ووجوب الصلاة، بخلاف الصبي.
ولهذا اختلف أصحابنا فِي إمامة الغلام إذا بلغ عَشَرَ سنين، وقلنا: تجب الصلاة عَلِيهِ، كما هُوَ رِوَايَة عَن أحمد، اختارها طائفة من أصحابه، منهم: أبو بَكْر عَبْد العزيز وأبو الحسن التميمي وأبو الْحَسَن الجزري وأبو حفص البرمكي، وحكي عَن ابن حامد - أَيْضاً.
فاختلفوا: هَلْ يصح أن يؤم فِي الصلاة المفروضة حينئذٍ، أم لا؟ عَلَى وجهين: أحدهما: أَنَّهُ لا يؤم فيها - أَيْضاً -، قاله أبو حفص البرمكي والقاضي أبو يعلى والأكثرون.
والثاني: يصح، قاله أبو الخَطَّاب.
قَالَ القاضي وأصحابه: إذا قلنا: لا يصح أن يؤم فِي فرض فلا فرق بَيْن فروض الأعيان وفروض الكفايات كالجنائز.
وقد استدل البخاري لصحة إمامة العبد والمولى وولد الزنا والأعرابي والصبي بعموم قَوْلِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله) ) .
وقد خرجه فِي موضع آخر مسنداً من حَدِيْث عَمْرِو بن سَلَمَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وخرجه مُسْلِم من حَدِيْث أَبِي مَسْعُود الأنصاري، وقد سبق.
وقداستدل بِهِ بنو جرم فِي عهد النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إمامه الصبي، حَتَّى قدموا عَمْرِو بن سَلَمَة أخذاً بعمومه.
وقد أجاب بعضهم بأنه لَمْ ينقل أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلغه ذَلِكَ وأقر عَلِيهِ.
وهذا يرجع إلى أن مَا عمل فِي زمن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم ينقل أَنَّهُ بلغة، فهل يكون حجة، أم لا؟ وفيه اخْتِلاَف مشهور.
والمخالف فِي ذَلِكَ يَقُول: عموم هَذَا الحَدِيْث لا بد من تخصيصه؛ فإن المرأة لَوْ كَانَتْ أقرأ القوم لَمْ تؤمهم مَعَ وجود قارىء غيرها إجماعاً، وعند عدمه - أَيْضاً - عِنْدَ الأكثرين، فلذلك نخص مِنْهُ الصبي؛ لأنه ليس من أهل التكليف، والكلام إنما توجه إلى من يدخل تَحْت التكليف، فيتوجه إليه الخَطَّاب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المسألة الخامسة: قَالَ: لا يمنع العبد من الجماعة بغير علة.
هَذَا يدل عَلَى أن البخاري يرى وجوب الصلاة فِي الجماعة عَلَى المملوك، وأن سيده لا يجوز لَهُ منعه مِنْهَا.
وَهُوَ - أَيْضاً - ظاهر كلام أحمد.
قَالَ إِسْحَاق بن هانىء: سألت أَبَا عَبْد الله عَن العبد يرسله مولاه فِي حاجته، فتحضر الصلاة: فيصلي، ثُمَّ يقضي حاجة مولاه، أو يقضي حاجة مولاه ثُمَّ يصلي؟ ولعله إن قضى حاجة مولاه لا يجد مسجداً يصلي فِيهِ؟ فَقَالَ أبو عَبْد الله: إذا علم أَنَّهُ انقضى حاجة مولاه أصاب مسجداً يصلي فِيهِ قضى حاجة مولاه، وإن علم أَنَّهُ لا يجد مسجداًيصلي فِيهِ صلى، ثُمَّ قضى حاجة مولاه.
وَقَالَ صالح بن الإمام أحمد: سألت أَبِي عَن العبد يأمره مواليه بالحاجة، وتحضر الصلاة؟ قَالَ: إن وجد مسجداً يصلي فِيهِ قضى حاجة مواليه، وإن صلى فلا بأس.
ومن المتأخرين من أصحابنا من قَالَ: يتخرج وجوب الجماعة عَلَى العبد عَلَى وجوب الجمعة عَلِيهِ، وفيه روايتان عَن أحمد، فلذلك يخرج فِي وجوب الجماعة.
ومنهم من قَالَ: لا تجب الجماعة عَلَى العبد بحال، لتكررها كل يوم وليلة بخلاف الجمعة.
وممن قَالَ: لا تجب الجماعة عَلَى العبد من أصحابنا: القاضي أبو يعلى فِي ( ( خلافه) ) وأبو الفتح الحلواني.
وروي عَن الْحَسَن مَا يدل عَلَى مثله، فروى أبو بَكْر الخلال بإسناده، عَن مهدي بن ميمون، قَالَ: سألت الْحَسَن عَن عَبْد مملوك تحضره الصلاة، فيحب أن يصليها فيرسله مولاه فِي بعض الحاجة، فبأي ذَلِكَ يبدأ؟ قَالَ: يبدأ بحاجة مولاه.
خرج البخاري فِي هَذَا الباب حديثين: الحَدِيْث الأول:

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( قَولُهُ بَابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ)
أَيْ مِنَ السُّجُودِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ هُوَ الْجُمَحِيُّ مَدَنِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ أَحَادِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي التَّابِعِينَ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ الْحِمْصِيُّ وَلَهُ عِنْدَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ

[ قــ :670 ... غــ :691] .

     قَوْلُهُ  أما يخْشَى أحدكُم فِي رِوَايَة الْكشميهني أَو لَا يَخْشَى وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ أَمَا يَخْشَى أَوْ أَلَا يَخْشَى بِالشَّكِّ وَأما بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ مِثْلُ أَلَا وَأَصْلُهَا النَّافِيَةُ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ هُنَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ .

     قَوْلُهُ  إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَام زَاد بن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ فِي صَلَاتِهِ وَفِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورَةِ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّفْعُ مِنَ السُّجُودِ فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعًا وَإِنَّمَا هُوَ نَصٌّ فِي السُّجُودِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الرُّكُوعُ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَاهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السُّجُودَ لَهُ مَزِيدُ مَزِيَّةٍ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ رَبِّهِ لِأَنَّهُ غَايَةُ الْخُضُوعِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ فَلِذَلِكَ خُصَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ وَهُوَ ذِكْرُ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ فِي الْحُكْمِ إِذَا كَانَ لِلْمَذْكُورِ مَزِيَّةٌ.

.
وَأَمَّا التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ فِي الْخَفْضِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَقِيلَ يَلْتَحِقُ بِهِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ وَالْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مِنَ الْوَسَائِلِ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْمُوَافَقَةِ فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ فِيمَا هُوَ مَقْصِدٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَسْتَلْزِمُ قَطْعَهُ عَنْ غَايَةِ كَمَالِهِ وَدُخُولُ النَّقْصِ فِي الْمَقَاصِدِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ فِي الْوَسَائِلِ وَقَدْ وَرَدَ الزَّجْرُ عَنِ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ مُلَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الَّذِي يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا وَهُوَ الْمَحْفُوظُ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يَجْعَلُ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ الشَّكُّ مِنْ شُعْبَةَ فَقَدْ رَوَاهُ الطَّيَالِسِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة وبن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ فَأَمَّا الْحَمَّادَانِ فَقَالَا رَأْسَ.

.
وَأَمَّا يُونُسَ فَقَالَ صُورَةَ.

.
وَأَمَّا الرَّبِيعُ فَقَالَ وَجْهَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ قَالَ عِيَاضٌ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الرَّأْسِ وَمُعْظَمُ الصُّورَةِ فِيهِ.

.

قُلْتُ لَفْظُ الصُّورَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَجْهِ أَيْضًا.

.
وَأَمَّا الرَّأْسُ فَرُوَاتُهَا أَكْثَرُ وَهِيَ أَشْمَلُ فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَخُصَّ وُقُوعُ الْوَعِيدِ عَلَيْهَا لِأَنَّ بِهَا وَقَعَتِ الْجِنَايَةُ وَهِيَ أَشْمَلُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الرَّفْعِ قَبْلَ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْمَسْخِ وَهُوَ أَشَدُّ الْعُقُوبَاتِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ يَأْثَمُ وَتُجْزِئُ صلَاته وَعَن بن عُمَرَ تَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَفِي الْمُغْنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ فِي رِسَالَتِهِ لَيْسَ لِمَنْ سَبَقَ الْإِمَامَ صَلَاةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةٌ لَرُجِيَ لَهُ الثَّوَابُ وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إِلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ فَإِنَّ الْحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالْبَلَادَةِ فَاسْتُعِيرَ هَذَا الْمَعْنَى لِلْجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَيُرَجِّحُ هَذَا الْمَجَازِيَّ أَنَّ التَّحْوِيلَ لَمْ يَقَعْ مَعَ كَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَكِن لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ وَلَا بُدَّ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ فَاعِلِهِ مُتَعَرِّضًا لِذَلِكَ وَكَوْنِ فِعْلِهِ مُمْكِنًا لِأَنْ يَقَعَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَعِيدُ وَلَا يلْزم من التَّعَرُّض للشئ وُقُوع ذَلِك الشَّيْء قَالَه بن دَقِيق الْعِيد.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّحْوِيلِ الْمَسْخُ أَوْ تَحْوِيلُ الْهَيْئَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَوْ هُمَا مَعًا وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَسْخِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ فِي الْمَغَازِي فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرُ الْخَسْفِ وَفِي آخِرِهِ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُقَوِّي حمله على ظَاهره أَن فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ فَهَذَا يبعد الْمجَاز لانْتِفَاء الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ بَلَادَةِ الْحِمَارِ وَمِمَّا يُبْعِدُهُ أَيْضًا إِيرَادُ الْوَعِيدِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَبِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ وَلَوْ أُرِيدَ تَشْبِيهُهُ بِالْحِمَارِ لِأَجْلِ الْبَلَادَةِ لَقَالَ مَثَلًا فَرَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ وَإِنَّمَا.

.

قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ الْبَلَادَةُ حَاصِلَةٌ فِي فَاعِلِ ذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ يُخْشَى إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ بَلِيدًا مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا نَشَأَ عَن البلادة.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا بِالصُّورَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَمْنَعُ تَأْوِيلَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ رَأْسَ حِمَارٍ فِي الْبَلَادَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْمَنْعِ وَفِي الْحَدِيثِ كَمَالُ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ وَبَيَانُهُ لَهُمُ الْأَحْكَامَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُقَارَنَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى مَنْعِ الْمُسَابَقَةِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى طَلَبِ الْمُتَابَعَةِ.

.
وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهَا.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ عَلَى جَوَازِ التَّنَاسُخِ.

.

قُلْتُ وَهُوَ مَذْهَبٌ رَدِيءٌ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعَاوَى بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَالَّذِي اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مِنْهُمْ إِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِأَصْلِ النَّسْخِ لَا بِخُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ لَطِيفَةٌ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ لَيْسَ لِلتَّقَدُّمِ قَبْلَ الْإِمَامِ سَبَبٌ إِلَّا طَلَبُ الِاسْتِعْجَالِ وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَعْجِلُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَاللَّهُ أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  بَاب
إِثْم مَنْ رَفَعَ رَأَسَهَ قَبْلَ الإمَامِ
[ قــ :670 ... غــ :691 ]
- حَدَّثَنَا حجاج بن منهال: ثنا شعبة، عَن مُحَمَّد بن زياد، قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( أما يخشى أحدكم) ) – أو ( ( ألا يخشى أحدكم – إذا رفع رأسه قَبْلَ الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار) ) – أو ( ( يجعل صورته صورة حمار؟) ) .

قَالَ الحافظ أبو موسى المديني: اتفق الأئمة عَلَى ثبوت هَذَا الحَدِيْث من هَذَا الطريق؛ رواه عَن مُحَمَّد بن زياد قريب من خمسين نفساً، وبعضهم يَقُول: ( ( صورته) ) ، وبعضهم يَقُول: ( ( وجهه) ) ، ومنهم من قَالَ: ( ( رأس كلب أو خنزير) ) ، وتابع مُحَمَّد بن زياد جماعة، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ.
انتهى.

وفيه: دليل صريح عَلَى تحريم تعمد رفع المأموم رأسه قَبْلَ الإمام فِي ركوعه وسجوده؛ فإنه توعد عَلِيهِ بالمسخ، وَهُوَ من أشد العقوبات.

وإنما اختص الحمار بالذكر دون سائر الحيوانات عَلَى الرواية الصحيحة المشهورة – والله أعلم -؛ لإن الحمار من أبلد الحيوانات وأجهلها، وبه يضرب المثل فِي الجهل؛ ولهذا مثل الله بِهِ عالم السوء الذي يحمل العلم ولا ينتفع بِهِ فِي قوله: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] .

فكذلك المتعبد بالجهل يشبه الحمار، فإن الحمار يحرك رأسه ويرفعه ويخفضه لغير معنى، فشبه من يرفع رأسه قَبْلَ إمامه بالحمار، وكذلك شبه من يتكلم وإمامه يخطب بالحمار يحمل أسفاراً؛ لأنه لَمْ ينتفع بسماع الذكر، فصار كالحمار فِي المعنى.
والله أعلم.

وقد اختلف العلماء فيمن تعمد رفع رأسه قَبْلَ إمامه فِي ركوعه أو سجوده: هَلْ تبطل بذلك صلاته، أم لا؟
وفيه وجهان لأصحابنا، وأكثرهم عَلَى البطلان، وروي عَن ابن عُمَر.

وَقَالَ القاضي أبو يعلى: لا تبطل بذلك، وَهُوَ قَوْلِ أكثر الفقهاء.

فعلى هَذَا، فهل يؤمر أن يعود إلى ركوعه وسجوده ليرفع بعد إمامه، أم لا؟
قَالَ بعض المتأخرين [من] أصحابنا وبعض أصْحَاب الشَّافِعِيّ: لا يؤمر بذلك، ومتى عاد بطلت صلاته لأنه يصير قَدْ زاد فِي صلاته ركناً عمداً.

وقد رَوَى مَالِك فِي ( ( الموطإ) ) أن السنة فِي الساهي إذا رفع رأسه قَبْلَ إمامه أن يعود، ولا يقف ينتظره، فذلك خطأ ممن فعله.

ومفهومه: أن العامد ليس كذلك.

وأكثر العلماء من أصحابنا وغيرهم يقتضي أَنَّهُ يلزمه أن يعود لرفع بعد إمامه.

وقد بسطنا القول عَلَى هَذَا فِي الباب الماضي، فلا حاجة إلى إعادته.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ
( باب إثم من رفع رأسه) من السجود، أو منه ومن الركوع ( قبل الإمام) .


[ قــ :670 ... غــ : 691 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ -أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ».


وبالسند قال: ( حدّثنا حجاج بن منهال) السلمي الأنماطي البصري ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن محمد بن زياد) الجمحي المدني البصري السكن ( سمعت) ولأبي ذر قال: سمعت ( أبا هريرة) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( أما يخشى أحدكم -أو ألا يخشى أحدكم-) فالشك من الراوي، وأما وألا بهمزة الاستفهام التوبيخي، وتخفيف الميم واللام قبلها واو ساكنة، حرفا استفتاح.
ولأبي ذر عن الكشميهني: أوَ لاَ بتحريك الواو، وفي الأخرى: وألا يخشى أحدكم ( إذا رفع رأسه) أي من السجود، فهو نص في السجود لحديث حفص بن عمر، عن شعبة المروي في أبي داود: الذي يرفع رأسه والإمام ساجد، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ونص على السجود المنطوق فيه لمزيد مزية فيه، لأن المصلي أقرب ما يكون فيه من ربه، ولأنه غاية الخضوع المطلوب، كذا قرره في الفتح، وتعقبه صاحب العمدة بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود، ولأن الحكم فيهما سواء.
ولو كان الحكم مقصورًا على الرفع من السجود، لكان لدعوى التخصيص وجه.
قال: وتخصيص السجدة بالذكر في رواية أبي داود، من باب: سرابيل تقيكم الحرّ، ولم يعكس الأمر، لأن السجود أعظم.
( قبل) رفع ( الإمام أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع ( رأس حمار) حقيقة بأن يمسخ إذ لا مانع من وقوع المسخ في هذه الأمة، كما يشهد له حديث أبي مالك الأشعري في المعازف، الآتي إن شاء الله تعالى في الأشربة، لأن فيه ذكره الخسف، وفي آخره: ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.
أو تحول هيئته الحسية أو المعنوية، كالبلادة الموصوف بها الحمار، فاستعير ذلك للجاهل، ورد بأن الوعيد بأمر مستقبل.
وهذه الصفة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله ذلك ( أو يجعل الله صورته صورة حمار) بالشك من الراوي، والنصب عطفًا على الفعل السابق.

ولمسلم: أن يجعل الله وجهه وجه حمار.
ولابن حبّان؛ أن يحول الله رأسه رأس كلب.

والظاهر أن الاختلاف حصل من تعدّد الواقعة، أو هو من تصرف الرواة.

ثم إن ظاهر الحديث يقتضي تحريم الفعل المذكور للتوعد عليه بالمسخ، وبه جزم النووي في المجموع، لكن تجزئ الصلاة.
وقال ابن مسعود لرجل سبق إمامه: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت.

ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه الأئمة الستة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (بابُُ إثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِثْم من رفع رَأسه فِي الصَّلَاة قبل رفع الإِمَام رَأسه.
قَالَ بَعضهم: أَي: من السُّجُود.
قلت: وَمن الرُّكُوع أَيْضا، فَلَا وَجه لتخصيص السُّجُود لِأَن الحَدِيث أَيْضا يَشْمَل الْإِثْنَيْنِ بِحَسب الظَّاهِر كَمَا يَجِيء.
فَإِن قلت: لهَذَا الْقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا قلت: أَي من السُّجُود، لِأَنَّهُ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص بن عَمْرو عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أما يخْشَى أَو ألاَ يخْشَى أحدكُم إِذا رفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد) الحَدِيث فَتبين أَن المُرَاد الرّفْع من السُّجُود.
قلت: رِوَايَة البُخَارِيّ تتَنَاوَل الْمَنْع من تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام فِي الرّفْع من الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعًا، وَلَا يجوز أَن تخصص رِوَايَة البُخَارِيّ بِرِوَايَة أبي دَاوُد، لِأَن الحكم فيهمَا سَوَاء، وَلَو كَانَ الحكم مَقْصُورا على الرّفْع من السُّجُود لَكَانَ لدعوى التَّخْصِيص وَجه، وَمَعَ هَذَا فالقائل الْمَذْكُور ذكر الحَدِيث عَن الْبَراء من رِوَايَة مليح ابْن عبد الله السَّعْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (الَّذِي يخْفض وَيرْفَع قبل الإِمَام إِنَّمَا ناصيته بيد الشَّيْطَان) .
وَهَذَا ينْقض عَلَيْهِ مَا قَالَه، وَيَردهُ عَلَيْهِ.
وأعجب من هَذَا أَنه رد على ابْن دَقِيق الْعِيد حَيْثُ قَالَ: إِن الحَدِيث نَص فِي الْمَنْع من تقدم الْمَأْمُوم على الإِمَام فِي الرّفْع من الرُّكُوع وَالسُّجُود مَعًا، فَهَذَا دَقِيق الْكَلَام الَّذِي قَالَه ابْن الدَّقِيق، ومستنده فِي الرَّد عَلَيْهِ هُوَ قَوْله: وَإِنَّمَا هُوَ نَص فِي السُّجُود، ويلتحق بِهِ الرُّكُوع لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا كَلَام سَاقِط جدا، لِأَن الْكَلَام هَهُنَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَلَيْسَ فِيهَا نَص فِي السُّجُود، بل هُوَ نَص عَام فِي السُّجُود وَالرُّكُوع.
وَدَعوى التَّخْصِيص لَا تصح كَمَا ذكرنَا، نعم لَو ذكر النُّكْتَة فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي تَخْصِيص السَّجْدَة بِالذكر لَكَانَ لَهُ وَجه، وَهِي أَن رِوَايَة أبي دَاوُد من بابُُ الِاكْتِفَاء، فَاكْتفى بِذكر حكم السَّجْدَة عَن ذكر حكم الرُّكُوع لكَون الْعلَّة وَاحِدَة وَهِي السَّبق على الإِمَام كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 81) .
أَي: وَالْبرد أَيْضا، وَإِنَّمَا لم يعكس الْأَمر لِأَن السَّجْدَة أعظم من الرُّكُوع فِي إِظْهَار التَّوَاضُع والتذلل، وَالْعَبْد أقرب مَا يكون إِلَى الرب وَهُوَ ساجد.



[ قــ :670 ... غــ :691 ]
- ح دَّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمَا يَخْشَى أحَدُكُمْ أوْ ألاَ يَخْشَى أحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أنْ يَجْعَلَ الله رَأسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أوْ يَجْعَلَ الله صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ ان فِيهِ وعيدا شَدِيدا وتهديدا، ومرتكب الشَّيْء الَّذِي فِيهِ الْوَعيد آثم بِلَا نزاع.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: حجاج بن منهال السّلمِيّ الْأنمَاطِي الْبَصْرِيّ أَبُو مُحَمَّد، وَقد مر ذكره فِي: بابُُ مَا جَاءَ إِن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ، فِي آخر كتاب الْإِيمَان.
الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن زِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: الجُمَحِي الْمدنِي سكن الْبَصْرَة.
الرَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي ومدني.
وَفِيه: أَنه من رباعيات البُخَارِيّ.

ذكر من أخرجه غَيره: هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة وَلَكِن بِهَذَا الْإِسْنَاد أخرجه مُسلم عَن عبد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن حَفْص بن عَمْرو عَن شُعْبَة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد زِيَاد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن حميد بن مسْعدَة وسُويد بن سعيد عَن حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْكَبِير) من حَدِيث مُوسَى بن عبد الله بن يزِيد عَن أَبِيه: (أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ هَهُنَا وَكَانَ النَّاس يضعون رؤوسهم قبل أَن يضع رَأسه ويرفعون رؤوسهم قبل أَن يرفع راسه، فَلَمَّا انْصَرف الْتفت إِلَيْهِم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس لِمَ تأثمون وتؤثمون، صليت بكم صَلَاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا أخرم عَنْهَا) .
وروى أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (مَا يَأْمَن الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يعود رَأسه رَأس كلب، ولينتهين أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء، أَو لتخطفن أَبْصَارهم) .
وروى أَيْضا فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَالَ: (صلى رجل خلف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجعل يرْكَع قبل أَن يرْكَع، وَيرْفَع قبل أَن يرفع، فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلَاته قَالَ: من الْفَاعِل هَذَا؟ قَالَ: أَنا يَا رَسُول الله.
قَالَ: اتَّقوا خداج الصَّلَاة، إِذا ركع الإِمَام فاركعوا وَإِذا رفع فارفعوا.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أما يخْشَى أحدكُم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أوَ لاَ يخْشَى) .
قلت: اخْتلفت أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث، فرواية مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه: (أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (ألاَ يخْشَى) ، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ وَأبي دَاوُد من رِوَايَة شُعْبَة: (أمَا يخْشَى أَو أَلا يخْشَى) بِالشَّكِّ، قَالَ الْكرْمَانِي: الشَّك من أبي هُرَيْرَة، وَكلمَة: أما، بتَخْفِيف الْمِيم: حرف استفتاح مثل أَلاَ.
وَأَصلهَا: مَا، النافية دخلت عَلَيْهَا همزَة الِاسْتِفْهَام، وَهُوَ هَهُنَا اسْتِفْهَام توبيخ وإنكار.
قَوْله: (إِذا رفع رَأسه قبل الإِمَام) ، زَاد ابْن خُزَيْمَة من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن مُحَمَّد بن زِيَاد: (فِي صلَاته) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص بن عمر: (الَّذِي يرفع رَأسه وَالْإِمَام ساجد) .
قَوْله: (أَن يَجْعَل الله رَأسه رَأس حمَار؟) وَهَهُنَا أَيْضا اخْتلفت أَلْفَاظ الحَدِيث، فَفِي رِوَايَة يُونُس بن عبيد عِنْد مُسلم: (مَا يَأْمَن الَّذِي يرفع رَأسه فِي صلَاته أَن يحول الله صورته فِي صُورَة حمَار؟) .
وَفِي رِوَايَة الرّبيع بن مُسلم عِنْد مُسلم: (أَن يَجْعَل الله وَجهه وَجه حمَار؟) وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان، من رِوَايَة مُحَمَّد بن ميسرَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد: (أَن يحول الله رَأسه رَأس كلب) وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (مَا يُؤمن من يرفع رَأسه قبل الإِمَام ويضعه) وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مليح السَّعْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: (الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام وَيخْفِضهُ قبل الإِمَام فَإِنَّمَا ناصيته بيد شَيْطَان) .
وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا، كَمَا ذكرنَا وَذكرنَا الْآن أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود: (أَن يعود رَأسه رَأس كلب؟) وَهُوَ مَوْقُوف، وَلكنه لَا يدْرك بِالرَّأْيِ، فَحكمه حكم الْمَرْفُوع.
قَوْله: (أَو يَجْعَل صورته صُورَة حمَار؟) قَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: الشَّك فِيهِ من أبي هُرَيْرَة..
     وَقَالَ  بَعضهم: الشَّك من شُعْبَة ثمَّ أكد هَذَا بقوله، فقد رَوَاهُ الطَّيَالِسِيّ عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَابْن خُزَيْمَة من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد وَمُسلم من رِوَايَة يُونُس بن عبيد وَالربيع بن مُسلم، كلهم عَن مُحَمَّد بن زِيَاد بِغَيْر تردد.
قلت: لَا يلْزم من إخراجهم بِغَيْر تردد أَن لَا يخرج غَيرهم بِغَيْر تردد، وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يحْتَمل أَن يكون التَّرَدُّد من شُعْبَة أَو من مُحَمَّد بن زِيَاد أَو من أبي هُرَيْرَة، فَمن ادّعى تعْيين وَاحِد مِنْهُم فَعَلَيهِ الْبَيَان، وَأما اخْتلَافهمْ فِي الرَّأْس أَو الصُّورَة فَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد وَحَمَّاد بن سَلمَة: رَأس، وَفِي رِوَايَة يُونُس: صُورَة وَفِي رِوَايَة الرّبيع، وَجه..
     وَقَالَ  بَعضهم: الظَّاهِر أَنه من تصرف الروَاة.
قلت: كَيفَ يكون من تصرفهم وَلكُل وَاحِد من هَذِه الْأَلْفَاظ معنى فِي اللُّغَة يغاير معنى الآخر؟ أما الرَّأْس فَإِنَّهُ اسْم لعضو يشْتَمل على الناصية والقفاء والفودين.
وَالصُّورَة: الْهَيْئَة، وَيُقَال: صورته حَسَنَة أَي: هَيئته وشكله، وَيُطلق على الصّفة أَيْضا يُقَال: صُورَة الْأَمر كَذَا وَكَذَا أَي: صفته، وَيُطلق على الْوَجْه أَيْضا يُقَال: صورته حَسَنَة أَي: وَجهه، وَيُطلق على شكل الشَّيْء وعَلى الْخلقَة.
وَالْوَجْه اسْم لما يواجهه الْإِنْسَان، وَهُوَ من منبت الناصية إِلَى أَسْفَل الذقن طولا وَمن شحمة الْأذن إِلَى شحمة الْأذن عرضا.
وَالظَّاهِر أَن هَذَا الِاخْتِلَاف من اخْتِلَاف تعدد الْقَضِيَّة، ورواة الرَّأْس أَكثر، وَعَلِيهِ الْعُمْدَة..
     وَقَالَ  عِيَاض: هَذِه الرِّوَايَات متفقة لِأَن الْوَجْه فِي الرَّأْس، ومعظم الصُّورَة فِيهِ، وَفِيه نظر، لِأَن الْوَجْه خلاف الرَّأْس لُغَة وَشرعا.

ثمَّ الْعلمَاء تكلمُوا فِي معنى: (أَن يَجْعَل رَأسه رَأس حمَار أَو صورته صُورَة حمَار؟) قَالَ الْكرْمَانِي: قيل هَذَا مجَاز عَن البلادة، لِأَن المسخ لَا يجوز فِي هَذِه الْأمة..
     وَقَالَ  القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: لَيْسَ قَوْله: (أَن يحول الله رَأسه راس حمَار) فِي هَذِه الْأمة بموجود، فَإِن المسخ فِيهَا مَأْمُون، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ معنى الْحمار من قلَّة البصيرة وَكَثْرَة العناد، فَإِن من شَأْنه إِذا قيد حزن وَإِذا حبس طفر لَا يُطِيع قائدا وَلَا يعين حابسا.
قلت: فِي كَلَامهمَا: إِن المسخ لَا يجوز فِي هَذِه الْأمة، وَإِن المسخ فِيهَا مَأْمُون، نظر، وَقد رُوِيَ وُقُوع ذَلِك فِي آخر الزَّمَان عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يكون فِي آخر هَذِه الْأمة خسف ومسخ وَقذف.
.
) الحَدِيث، وَرُوِيَ أَيْضا عَن عَليّ وَأبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَسَهل بن سعد وروى أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي امامة وروى عبد الله بن أَحْمد فِي (زَوَائِد الْمسند) من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت وَابْن عَبَّاس وروى أَبُو يعلى وَالْبَزَّار من حَدِيث أنس وروى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن بشر وَسَعِيد بن أبي رَاشد وروى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الصَّغِير) من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضا، وَلَكِن أسانيدها لَا تَخْلُو من مقَال..
     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: إِن الحَدِيث يَقْتَضِي تَغْيِير الصُّورَة الظَّاهِرَة، وَيحْتَمل أَن يرجع إِلَى أَمر معنوي مجَازًا، فَإِن الْحمار مَوْصُوف بالبلادة.
قَالَ: ويستعار هَذَا الْمَعْنى للجاهل بِمَا يجب عَلَيْهِ من فروض الصَّلَاة ومتابعة الإِمَام، وَرُبمَا يرجح هَذَا الْمجَاز بِأَن التَّحْوِيل فِي الصُّورَة الظَّاهِرَة لم يَقع من كَثْرَة رفع الْمَأْمُومين قبل الإِمَام، وَقد بَينا أَن الحَدِيث لَا يدل على وُقُوع ذَلِك، وَإِنَّمَا يدل على كَون فَاعله متعرضا لذَلِك بِكَوْن فعله صَالحا لِأَن يَقع ذَلِك الْوَعيد، وَلَا يلْزم من التَّعَرُّض للشَّيْء وُقُوع ذَلِك الشَّيْء.
قلت: وَإِن سلمنَا ذَلِك فلِمَ لَا يجوز أَن يُؤَخر الْعقَاب إِلَى وَقت يُريدهُ الله تَعَالَى؟ كَمَا وقفنا فِي بعض الْكتب وَسَمعنَا من الثِّقَات أَن جمَاعَة من الشِّيعَة الَّذين يسبون الصَّحَابَة قد تحولت صورتهم إِلَى صُورَة حمَار وخنزير عِنْد مَوْتهمْ، وَكَذَلِكَ جرى على من عق وَالِديهِ، وخاطبهما باسم الْحمار أَو الْخِنْزِير أَو الْكَلْب؟
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: كَمَال شفقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأمته وَبَيَانه لَهُم الْأَحْكَام وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا من الثَّوَاب وَالْعِقَاب.
وَفِيه: الْوَعيد الْمَذْكُور لمن رفع رَأسه قبل الإِمَام، وَنظر ابْن مَسْعُود إِلَى من سبق إِمَامه فَقَالَ: لَا وَحدك صليت وَلَا بإمامك اقتديت.
وَعَن ابْن عمر نَحوه، وَأمره بِالْإِعَادَةِ.
وَالْجُمْهُور على عدم الْإِعَادَة..
     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: من خَالف الإِمَام فقد خَالف سنة الْمَأْمُوم وأجزأته صلَاته عِنْد جَمِيع الْعلمَاء.
وَفِي (الْمُغنِي) لِابْنِ قدامَة: وَإِن سبق إِمَامه فَعَلَيهِ أَن يرفع ليَأْتِي بذلك مؤتما بِالْإِمَامِ فَإِن لم يفعل حَتَّى لحقه الإِمَام سَهوا أَو جهلا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، فَإِن سبقه عَالما بِتَحْرِيمِهِ.
فَقَالَ أَحْمد فِي رسَالَته: لَيْسَ لمن سبق الإِمَام صَلَاة، لقَوْله: (أما يخْشَى الَّذِي يرفع رَأسه قبل الإِمَام ... ؟) الحَدِيث، وَلَو كَانَ لَهُ صَلَاة لرجى لَهُ الثَّوَاب، وَلم يخْش عَلَيْهِ الْعقَاب،.

     وَقَالَ  ابْن بزيزة: اسْتدلَّ بِظَاهِرِهِ قوم لَا يعْقلُونَ على جَوَاز التناسخ.
قلت: هَذَا مَذْهَب مَرْدُود، وَقد بنوه على دعاوى بَاطِلَة بِغَيْر دَلِيل وبرهان.