هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6797 حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَخْبَرَتْهَا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
6797 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن زينب بنت أبي سلمة ، أخبرته أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أخبرتها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم ، فقال : إنما أنا بشر ، وإنه يأتيني الخصم ، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك ، فمن قضيت له بحق مسلم ، فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Narrated Um Salama:

(the wife of the Prophet) Allah's Messenger (ﷺ) heard some people quarreling at the door of his dwelling, so he went out to them and said, I am only a human being, and litigants with cases of dispute come to me, and someone of you may happen to be more eloquent (in presenting his case) than the other, whereby I may consider that he is truthful and pass a judgment in his favor. If ever I pass a judgment in favor of somebody whereby he takes a Muslim's right unjustly, then whatever he takes is nothing but a piece of Fire, and it is up to him to take or leave.

":"ہم سے عبدالعزیز بن عبداللہ نے بیان کیا ، کہا ہم سے ابراہیم بن سعد نے بیان کیا ، ان سے صالح نے ، ان سے ابن شہاب نے بیان کیا ، انہیں عروہ بن زبیر نے خبر دی ، انہیں زیب بنت ابی سلمہ نے خبر دی اورانہیں نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کی زوجہ ام سلمہ رضی اللہ عنہا نے خبر دی ۔ آپ نے اپنے حجرہ کے دورازے پر جھگڑے کی آواز سنی تو باہر ان کی طرف نکلے ۔ پھر آپ نے فرمایا کہ میں بھی ایک انسان ہوں اور میرے پاس لوگ مقدمے لے کر آتے ہیں ۔ ممکن ہے ان میں سے ایک فریق دوسرے فریق سے بولنے میں زیادہ عمدہ ہو اور میں یقین کر لوں کی وہی سچا ہے اور اس طرح اس کے موافق فیصلہ کر دوں ۔ پس جس شخص کے لیے بھی میں کسی مسلمان کا حق دلادوں تو وہ جہنم کا ایک ٹکڑا ہے وہ چاہے اسے لے یا چھوڑ دے ، میں اس کو درحقیقت دوزخ کا ایک ٹکڑا دلارہا ہوں ۔

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [7181] قَوْله عَن صَالح هُوَ بن كَيْسَانَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ خُصُومَةً فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ جَلَبَةَ خِصَامٍ وَالْجَلَبَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُثَنَّى مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَيَجُوزُ جَمْعُهُ وَتَثْنِيَتُهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبَابِ خُصُومٌ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هَذَانِ خصمان وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ لَجَبَةَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْجِيمِ وَهِيَ لُغَةٌ فِيهَا فَأَمَّا الْخُصُومُ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمْ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمَا كَانَا اثْنَيْنِ فِي رِوَايَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ.

.
وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَوَارِيثَ لَهُمَا وَفِي لَفْظٍ عِنْدَهُ فِي مَوَارِيثَ وَأَشْيَاءَ قَدْ دَرَسَتْ .

     قَوْلُهُ  بِبَابِ حُجْرَتِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَيُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عِنْدَ بَابِهِ وَالْحُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ مَنْزِلُ أُمِّ سَلَمَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ الْبَشَرُ الْخَلْقُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُشَارِكٌ لِلْبَشَرِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِمْ بِالْمَزَايَا الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَالْحَصْرُ هُنَا مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْعِلْمِ الْبَاطِنِ وَيُسَمَّى قصر قلب لِأَن أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ كَانَ رَسُولًا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَظْلُومُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ أَلْحَنَ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ .

     قَوْلُهُ  فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَادِقٌ هَذَا يُؤْذِنُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَاذِبٌ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَأَظُنُّهُ صَادِقًا .

     قَوْلُهُ  فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ فَأَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ إِنِّي إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا وَكَأَنَّهُ ضَمَّنَ قَضَيْتُ مَعْنَى أَعْطَيْتُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِقَضِيَّةٍ أَرَاهَا يُقْطَعُ بِهَا قِطْعَةٌ ظُلْمًا فَإِنَّمَا يُقْطَعُ لَهُ بِهَا قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ إِسْطَامًا يَأْتِي بِهَا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْإِسْطَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قِطْعَةٌ فَكَأَنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّمَا هِيَ الضَّمِيرُ لِلْحَالَةِ أَوِ الْقِصَّةِ .

     قَوْلُهُ  قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ أَيْ الَّذِي قَضَيْتُ لَهُ بِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إِذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يَئُولُ بِهِ إِلَى النَّارِ وَقَولُهُ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ تَمْثِيلٌ يُفْهَمُ مِنْهُ شِدَّةُ التَّعْذِيبِ عَلَى مَنْ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بطونهم نَارا .

     قَوْلُهُ  فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فليحملهاأَوْ لِيَذَرْهَا وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هِشَامٌ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَكِنَّ الزُّهْرِيَّ أَحْفَظُ مِنْهُ وَحَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ.

.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ تَرْجِعُ إِلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلتَّهْدِيدِ لَا لِحَقِيقَةِ التَّخْيِيرِ بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر قَالَ بن التِّينِ هُوَ خِطَابٌ لِلْمُقْضَى لَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ هَلْ هُوَ مُحِقٌّ أَوْ مُبْطِلٌ فَإِنْ كَانَ مُحِقًّا فَلْيَأْخُذْ وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فَلْيَتْرُكْ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْقُلُ الْأَصْلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَبَكَى الرَّجُلَانِ.

     وَقَالَ  كُلُّ مِنْهُمَا حَقِّي لَكَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِذَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ تَحَالَلَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ إِثْمُ مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى اسْتَحَقَّ بِهِ فِي الظَّاهِرِ شَيْئًا هُوَ فِي الْبَاطِلِ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ مَنِ ادَّعَى مَالًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِبَرَاءَةِ الْحَالِفِ أَنَّهُ لَا يُبَرَّأُ فِي الْبَاطِنِ وَأَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ تُنَافِي دَعْوَاهُ سُمِعَتْ وَبَطَلَ الْحُكْمُ وَفِيهِ أَنَّ مَنِ احْتَالَ لِأَمْرٍ بَاطِلٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَلِ حَتَّى يَصِيرَ حَقًّا فِي الظَّاهِرِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْإِثْمُ بِالْحُكْمِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ فَيُرَدُّ بِهِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا أَخْطَأَ لَا يَلْحَقْهُ إِثْمٌ بَلْ يُؤْجَرُ كَمَا سَيَأْتِي وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْضِي بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَصْرَحِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ أَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَمْرٍ فَيَحْكُمُ بِهِ وَيَكُونُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَكِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثُبُوتِ عِصْمَتِهِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي حُكْمِهِ لَلَزِمَ أَمْرَ الْمُكَلَّفِينَ بِالْخَطَأِ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى قَالَ تَعَالَى فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شجر بَينهم الْآيَةَ وَبِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ فَالرَّسُولُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِعُلُوِّ رُتْبَتِهِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَمْرَ إِذَا اسْتَلْزَمَ إِيقَاعَ الْخَطَأِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِينَ فَإِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَرْدُودَةٌ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ إِذَا فُرِضَ وُجُودُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُولِ فَرَجَعَ الِاتِّبَاعُ إِلَى الرَّسُولِ لَا إِلَى نَفْسِ الْإِجْمَاعِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ قَدْ يُحْكَمُ بِالشَّيْءِ فِي الظَّاهِرِ وَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا وَأجَاب من منع بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَتَعَلَّقُ بِالْحُكُومَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَرُّ عَلَى الْخَطَأِ وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعَةُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْخَطَأُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ بِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِيهِ كَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ نَاشِئًا عَنِ اجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى الْآيَةَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ كَمَا كَانَ وَمِنْ حُجَجِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَعْتَقِدُ خِلَافَ ذَلِكَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ اطِّلَاعُهُ بِالْوَحْيِ عَلَى كُلِّ حُكُومَةٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشَرِّعًا كَانَ يَحْكُمُ بِمَا شَرَعَ لِلْمُكَلَّفِينَ وَيَعْتَمِدُهُ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمِثْلِ مَا كُلِّفُوا بِهِ وَإِلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بإيراده حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة بن وَلِيدَةِ زَمْعَةَ حَيْثُ حَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلَدِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وَأَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ ثُمَّ لَمَّا رَأَى شُبْهَةً بِعُتْبَةَ أَمَرَ سَوْدَةَأَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ احْتِيَاطًا وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَمَّا وَضَعَتِ الَّتِي لُوعِنَتْ وَلَدًا يُشْبِهُ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم فِي بن وَلِيدَةِ زَمْعَةَ بِالظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَيْسَ مِنْ زَمْعَةَ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ خَطَأٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَلَا هُوَ مِنْ مَوَارِدِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ يَقَعُ عَلَى مَا يُسْمَعُ مِنَ الْخَصْمَيْنِ بِمَا لَفَظُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي قُلُوبِهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى أَحَدٍ بِغَيْرِ مَا لَفَظَ بِهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ قَالَ وَمِثْلُ هَذَا قَضَاؤُهُ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ بِابْنِ الْوَلِيدَةِ فَلَمَّا رَأَى الشَّبَهَ بَيِّنًا بِعُتْبَةَ قَالَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ انْتَهَى وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي قَوْله انما أَنا بشر امْتِثَالُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ إِنَّمَا أَنَا بشر مثلكُمْ أَيْ فِي إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ فَأُمِرَ أَنْ يَحْكُمَ بِمِثْلِ مَا أُمِرُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِهِ لِيَتِمَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَتَطِيبَ نُفُوسُ الْعِبَادِ لِلِانْقِيَادِ إِلَى الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْبَاطِنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا طَرِيقُ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي كُلِّفَ الْمُجْتَهِدُ بِالتَّبَصُّرِ فِيهِ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ الْخَطَأُ وَالصَّوَابُ وَفِيهِ الْبَحْثُ وَالْآخَرُ مَا يُبْطِنُهُ الْخَصْمُ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ شَاءَ مِنْ رُسُلِهِ فَلَمْ يَقَعِ التَّكْلِيفُ بِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِتَمْلِيكِ مَالٍ أَوْ إِزَالَةِ مِلْكٍ أَوْ إِثْبَاتِ نِكَاحٍ أَوْ فُرْقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ كَمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ نَفَذَ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِ مَا اسْتَنَدَ إِلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنَ الشَّهَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ مُوجِبًا لِلتَّمْلِيكِ وَلَا الْإِزَالَةِ وَلَا النِّكَاحِ وَلَا الطَّلَاقِ وَلَا غَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَعَهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ إِنْ كَانَ فِي مَالٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَا اسْتَنَدَ إِلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنَ الظَّاهِرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا لِحِلِّهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَهُوَ الْمَالُ وَاحْتَجُّوا لِمَا عَدَاهُ بِقِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَدْ صَدَقَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ قَالَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ أَنَّهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُحْدِثُ فِي ذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ إِنَّمَا وَقَعَتْ عُقُوبَةً لِلْعِلْمِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ وَأَجَابَ غَيْرُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِسَمَاعِ كَلَامِ الْخَصْمِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ هُنَاكَ وَلَا يَمِينَ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِأَنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ شَرْطِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ فَيَكُونُ مِنْ فَرْضِ مَا لَمْ يَقَعْ وَهُوَ جَائِزٌ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ وَهُوَ هُنَا مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ لِلتَّهْدِيدِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِاللَّسَنِ وَالْإِبْلَاغِ فِي الْخُصُومَةِ وَهُوَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ عَدَمَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ وَبِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا قَضَى بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ إِلَّا إِذَا اسْتَمَرَّ الْخَطَأُ وَإِلَّا فَمَتَى فُرِضَ أَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَيَرُدَّ الْحَقَّ لِمُسْتَحِقِّهِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيُؤَوَّلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ اسْتِمْرَارَ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَأِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَكَذَا الثَّانِي وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْخَطَأَ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي صَدَرَ عَنِ اجْتِهَادِهِ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الصَّادِرِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ يَمِينٍ فَاجِرَةٍ فَلَا يُسَمَّى خَطَأً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِبِالشَّهَادَةِ وَبِالْإِيمَانِ وَإِلَّا لَكَانَ الْكَثِيرُ مِنَ الْأَحْكَامِ يُسَمَّى خَطَأً وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدِيثِ إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِالتَّنْقِيبِ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَعَلَى هَذَا فَالْحُجَّةُ مِنَ الْحَدِيثِ ظَاهِرَةٌ فِي شُمُولِ الْخَبَرِ الْأَمْوَالَ وَالْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي دَعْوَى حِلِّ الزَّوْجَةِ لِمَنْ أَقَامَ بِتَزْوِيجِهَا بِشَاهِدَيْ زُورٍ وَهُوَ يَعْلَمُ بِكَذِبِهِمَا وَبَيْنَ مَنِ ادَّعَى عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدَيْ زُورٍ وَهُوَ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ فَإِذَا حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَحِلُّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ عَلَى قَائِلَةٍ وَلِقَاعِدَةٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهَا وَوَافَقَهُمُ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ إِنْ كَانَ حَاكِمًا نَفَذَ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُفْتِيًا لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ كَانَ الْمُفْتَى لَهُ مُجْتَهِدًا يَرَى بِخِلَافِ مَا أَفْتَاهُ بِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ جَوَازُ الْإِبْرَاءِ مِنَ الْمَجْهُولِ لِأَنَّ التَّوَخِّيَ لَا يَكُونُ فِي الْمَعْلُومِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ شَنَّعُوا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْمَالِ وَابْتِذَالَ الْفُرُوجِ وَهِيَ أَحَقُّ أَنْ يُحْتَاطَ لَهَا وَتُصَانَ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَتْ فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ إِنَّهُمَا شَهِدَا بِالزُّورِ فَزَوِّجْنِي أَنْتَ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيتُ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاكِ وَأَمْضَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَلِيٍّ وَاحْتَجَّ الْمَذْكُورُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ قَضَى بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ فِيهِ فَجَعَلَ الْإِنْشَاءَ تَحَرُّزًا عَنِ الْحَرَامِ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْمَالِ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ دَفْعَ مَالِ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو وَيَمْلِكُ إِنْشَاءَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ أَمَةِ زَيْدٍ مَثَلًا مِنْ عَمْرٍو حَالَ خَوْفِ الْهَلَاكِ لِلْحِفْظِ وَحَالَ الْغَيْبَةِ وَيَمْلِكُ إِنْشَاءَ النِّكَاحِ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْفُرْقَةِ على الْعنين فَيجْعَل الحكم إنْشَاء احْتِرَازًا عَن الْحَرَام وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا فَلَوْ حَكَمَ بِالطَّلَاقِ لَبَقِيَتْ حَلَالًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بَاطِنًا وَلِلثَّانِي ظَاهِرًا فَلَوِ ابْتُلِيَ الثَّانِي مِثْلُ مَا ابْتُلِيَ الْأَوَّلُ حَلَّتْ لِلثَّالِثِ وَهَكَذَا فَتَحِلُّ لِجَمْعٍ مُتَعَدِّدٍ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْفَى فُحْشُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْنَا بِنَفَاذِهِ بَاطِنًا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ إِلَّا لِوَاحِدٍ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجُمْهُورَ إِنَّمَا قَالُوا فِي هَذَا تَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي مَثَلًا إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ تَرَتَّبَ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ فَإِذَا اعْتَمَدَ الْحُكْمَ وَتَعَمَّدَ الدُّخُولَ بِهَا فَقَدِ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا كَمَا لَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالْمَالِ فَأَكَلَهُ وَلَوِ ابْتُلِيَ الثَّانِي كَانَ حُكْمُ الثَّالِثِ كَذَلِكَ وَالْفُحْشُ إِنَّمَا لَزِمَ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى تَعَاطِي الْمُحَرَّمِ فَكَانَ كَمَا لَوْ زنوا ظَاهرا وَاحِدًا بعد وَاحِد.

     وَقَالَ  بن السَّمْعَانِيِّ شَرْطُ صِحَّةِ الْحُكْمِ وُجُودُ الْحُجَّةِ وَإِصَابَةُ الْمَحَلِّ وَإِذَا كَانَتِ الْبَيِّنَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شُهُودَ زُورٍ لَمْ تَحْصُلِ الْحُجَّةُ لِأَنَّ حُجَّةَ الْحُكْمِ هِيَ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الشَّهَادَةِ إِظْهَار الْحق وَحَقِيقَة الحكم انفاذ ذَلِك وَإِذا كَانَ الشُّهُودُ كَذَبَةً لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ حَقًّا قَالَ فَإِنِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَهِيَ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ فِي عِلْمِهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ فَإِذَا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَدِ امْتَثَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا لَا يَنْفُذُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَلَزِمَ إِبْطَالُ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْحُكْمِ عَنِ الْإِبْطَالِ مَطْلُوبَةٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ على مُجْتَهد لَا يعْتَقد ذَلِك وانه يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدهُ صِيَانة للْحكم وَأجَاب بن السَّمْعَانِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ لِلنُّفُوذِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ الْقَاضِي وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ نُفُوذُ الْقَضَاءِ حَقِيقَةً فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يَجِبُ صِيَانَةُ الْقَضَاءِ عَنِ الْإِبْطَالِ إِذَاصَادَفَ حُجَّةً صَحِيحَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَرْعٌ لَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ يَعْتَقِدُ خِلَافَ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْحَاكِمُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ أَوْ لَا كَمَنْ مَاتَ بن ابْنِهِ وَتَرَكَ أَخًا شَقِيقًا فَرَفَعَهُ لِقَاضٍ يَرَى فِي الْجَدِّ رأْيَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَحَكَمَ لَهُ بِجَمِيعِ الْإِرْثِ دُونَ الشَّقِيقِ وَكَانَ الْجَدُّ الْمَذْكُور يرى رَأْي الْجُمْهُور نقل بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَدِّ أَنْ يُشَارِكَ الْأَخَ الشَّقِيقَ عَمَلًا بِمُعْتَقَدِهِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا أَقْضِي لَهُ بِمَا أَسْمَعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلُ وَفِيهِ إِنَّ التَّعَمُّقَ فِي الْبَلَاغَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ اقْتِدَارُ صَاحِبِهَا عَلَى تَزْيِينِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ وَعَكْسُهُ مَذْمُومٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَبْلَغُ أَيْ أَكْثَرُ بَلَاغَةً وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِّ لَمْ يُذَمَّ وَإِنَّمَا يُذَمُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ فَالْبَلَاغَةُ إِذَنْ لَا تُذَمُّ لِذَاتِهَا وَإِنَّمَا تُذَمُّ بِحَسَبِ التَّعَلُّقِ الَّذِي يُمْدَحُ بِسَبَبِهِ وَهِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَمْدُوحَةٌ وَهَذَا كَمَا يُذَمُّ صَاحِبُهَا إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا الْإِعْجَابُ وَتَحْقِيرُ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى دَرَجَتِهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْغَيْرُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ فَإِنَّ الْبَلَاغَةَ إِنَّمَا تُذَمُّ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِحَسَبِ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَلَاغَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ كُلُّ فِتْنَةٍ تُوَصِّلُ إِلَى الْمَطْلُوبِ مَحْمُودَةٌ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَقَدْ تُذَمُّ أَوْ تُمْدَحُ بِحَسَبِ مُتَعَلَّقِهَا وَاخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْبَلَاغَةِ فَقِيلَ أَنْ يُبَلِّغَ بِعِبَارَةِ لِسَانِهِ كُنْهَ مَا فِي قَلْبِهِ وَقِيلَ إِيصَالُ الْمَعْنَى إِلَى الْغَيْرِ بِأَحْسَنِ لَفْظٍ وَقِيلَ الْإِيجَازُ مَعَ الْإِفْهَامِ وَالتَّصَرُّفُ مِنْ غَيْرِ إِضْمَارٍ وَقِيلَ قَلِيلٌ لَا يُبْهَمُ وَكَثِيرٌ لَا يُسْأَمُ وَقِيلَ إِجْمَالُ اللَّفْظِ وَاتِّسَاعُ الْمَعْنَى وَقِيلَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى وَقِيلَ حُسْنُ الْإِيجَازِ مَعَ إِصَابَةِ الْمَعْنَى وَقِيلَ سُهُولَةُ اللَّفْظِ مَعَ الْبَدِيهَةِ وَقِيلَ لَمْحَةٌ دَالَّةٌ أَوْ كَلِمَةٌ تَكْشِفُ عَنِ الْبُغْيَةِ وَقِيلَ الْإِيجَازُ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ وَالْإِطْنَابُ مِنْ غَيْرِ خَطَأٍ وَقِيلَ النُّطْقُ فِي مَوْضِعِهِ وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِهِ وَقِيلَ مَعْرِفَةُ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ وَقِيلَ الْكَلَامُ الدَّالُّ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ وَعَكْسُهُ وَهَذَا كُلُّهُ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَرَّفَ أَهْلُ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ الْبَلَاغَةَ بِأَنَّهَا مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ وَالْفَصَاحَةِ وَهِيَ خُلُوُّهُ عَنِ التَّعْقِيدِ وَقَالُوا الْمُرَادُ بِالْمُطَابَقَةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْمَقَامَاتِ كَالتَّأْكِيدِ وَحَذْفِهِ وَالْحَذْفِ وَعَدَمِهِ أَوِ الْإِيجَازِ وَالْإِسْهَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ حَكَمَ بِمَا يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى أَمْرٍ خَارِجِيٍّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَنَحْوِهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّاهِدَ الْمُتَّصِلَ بِهِ أَقْوَى مِنَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ دَلَّ حَدِيثُهُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى صَحِيحًا لَكَانَ الرَّسُولُ أَحَقَّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَعْلَمَ أَنَّهُ تَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُ أَنَّ اللَّهَ يُطْلِعُهُ عَلَى غَيْبِ كُلِّ قَضِيَّةٍ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ تَشْرِيعَ الْأَحْكَامِ وَاقِعٌ عَلَى يَدِهِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ مِنَ الْحُكَّامِ أَنْ يَعْتَمِدُوا ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ مَثَلًا بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُهُ عِلْمًا حِسِّيًّا بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ يَقِينِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا رَاجِحًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَنَقَلَ بَعْضُهُمُ الِاتِّفَاقَ وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ الْخُصُومَ لِيَعْتَمِدُوا الْحَقَّ وَالْعَمَلُ بِالنَّظَرِ الرَّاجِحِ وَبِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَمْرٌ إِجْمَاعِيٌّ للْحَاكِم والمفتي وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اعْلَم( قَولُهُ بَابُ الْحُكْمِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ بِالتَّنْوِينِ مَنْ قُضِيَ لَهُ)

بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِحَقِّ أَخِيهِ أَيْ خَصْمِهِ فَهِيَ أُخُوَّةٌ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ الْجِنْسُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ وَالْمُعَاهَدَ وَالْمُرْتَدَّ فِي هَذَا الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي الْأَخِ مِنَ النَّسَبِ وَمِنَ الرَّضَاعِ وَفِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُ الْأُخُوَّةِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَابِ التَّهْيِيجِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بِحَقِّ أَخِيهِ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْخَبَرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فَلَا يَأْخُذْهُ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ وَهَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا هَذَا الْكَلَامُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ إِنَّمَا كُلِّفُوا الْقَضَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ وَفِيهِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا يحل حَرَامًا

[ قــ :6797 ... غــ :7181] قَوْله عَن صَالح هُوَ بن كَيْسَانَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ خُصُومَةً فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ جَلَبَةَ خِصَامٍ وَالْجَلَبَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّامِ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُثَنَّى مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا وَيَجُوزُ جَمْعُهُ وَتَثْنِيَتُهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبَابِ خُصُومٌ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هَذَانِ خصمان وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ لَجَبَةَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْجِيمِ وَهِيَ لُغَةٌ فِيهَا فَأَمَّا الْخُصُومُ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمْ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمَا كَانَا اثْنَيْنِ فِي رِوَايَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ.

.
وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَوَارِيثَ لَهُمَا وَفِي لَفْظٍ عِنْدَهُ فِي مَوَارِيثَ وَأَشْيَاءَ قَدْ دَرَسَتْ .

     قَوْلُهُ  بِبَابِ حُجْرَتِهِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَيُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عِنْدَ بَابِهِ وَالْحُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ مَنْزِلُ أُمِّ سَلَمَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ الْبَشَرُ الْخَلْقُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُشَارِكٌ لِلْبَشَرِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِمْ بِالْمَزَايَا الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَالْحَصْرُ هُنَا مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْعِلْمِ الْبَاطِنِ وَيُسَمَّى قصر قلب لِأَن أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ كَانَ رَسُولًا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَظْلُومُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ أَلْحَنَ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ .

     قَوْلُهُ  فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَادِقٌ هَذَا يُؤْذِنُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَاذِبٌ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَأَظُنُّهُ صَادِقًا .

     قَوْلُهُ  فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ فَأَقْضِي لَهُ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ إِنِّي إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا وَكَأَنَّهُ ضَمَّنَ قَضَيْتُ مَعْنَى أَعْطَيْتُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِقَضِيَّةٍ أَرَاهَا يُقْطَعُ بِهَا قِطْعَةٌ ظُلْمًا فَإِنَّمَا يُقْطَعُ لَهُ بِهَا قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ إِسْطَامًا يَأْتِي بِهَا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْإِسْطَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قِطْعَةٌ فَكَأَنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّمَا هِيَ الضَّمِيرُ لِلْحَالَةِ أَوِ الْقِصَّةِ .

     قَوْلُهُ  قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ أَيْ الَّذِي قَضَيْتُ لَهُ بِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إِذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يَئُولُ بِهِ إِلَى النَّارِ وَقَولُهُ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ تَمْثِيلٌ يُفْهَمُ مِنْهُ شِدَّةُ التَّعْذِيبِ عَلَى مَنْ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بطونهم نَارا .

     قَوْلُهُ  فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فليحملها أَوْ لِيَذَرْهَا وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هِشَامٌ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَكِنَّ الزُّهْرِيَّ أَحْفَظُ مِنْهُ وَحَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ.

.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ تَرْجِعُ إِلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلتَّهْدِيدِ لَا لِحَقِيقَةِ التَّخْيِيرِ بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر قَالَ بن التِّينِ هُوَ خِطَابٌ لِلْمُقْضَى لَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ هَلْ هُوَ مُحِقٌّ أَوْ مُبْطِلٌ فَإِنْ كَانَ مُحِقًّا فَلْيَأْخُذْ وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فَلْيَتْرُكْ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْقُلُ الْأَصْلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ زَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَبَكَى الرَّجُلَانِ.

     وَقَالَ  كُلُّ مِنْهُمَا حَقِّي لَكَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِذَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ تَحَالَلَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ إِثْمُ مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى اسْتَحَقَّ بِهِ فِي الظَّاهِرِ شَيْئًا هُوَ فِي الْبَاطِلِ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ مَنِ ادَّعَى مَالًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِبَرَاءَةِ الْحَالِفِ أَنَّهُ لَا يُبَرَّأُ فِي الْبَاطِنِ وَأَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ تُنَافِي دَعْوَاهُ سُمِعَتْ وَبَطَلَ الْحُكْمُ وَفِيهِ أَنَّ مَنِ احْتَالَ لِأَمْرٍ بَاطِلٍ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَلِ حَتَّى يَصِيرَ حَقًّا فِي الظَّاهِرِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْإِثْمُ بِالْحُكْمِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ فَيُرَدُّ بِهِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَفِيهِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا أَخْطَأَ لَا يَلْحَقْهُ إِثْمٌ بَلْ يُؤْجَرُ كَمَا سَيَأْتِي وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْضِي بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَصْرَحِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ أَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَمْرٍ فَيَحْكُمُ بِهِ وَيَكُونُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَكِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ لَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثُبُوتِ عِصْمَتِهِ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي حُكْمِهِ لَلَزِمَ أَمْرَ الْمُكَلَّفِينَ بِالْخَطَأِ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى قَالَ تَعَالَى فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شجر بَينهم الْآيَةَ وَبِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ فَالرَّسُولُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِعُلُوِّ رُتْبَتِهِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَمْرَ إِذَا اسْتَلْزَمَ إِيقَاعَ الْخَطَأِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِينَ فَإِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَرْدُودَةٌ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ إِذَا فُرِضَ وُجُودُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ مَا جَاءَ عَنِ الرَّسُولِ فَرَجَعَ الِاتِّبَاعُ إِلَى الرَّسُولِ لَا إِلَى نَفْسِ الْإِجْمَاعِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ قَدْ يُحْكَمُ بِالشَّيْءِ فِي الظَّاهِرِ وَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا وَأجَاب من منع بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَتَعَلَّقُ بِالْحُكُومَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَرُّ عَلَى الْخَطَأِ وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعَةُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْخَطَأُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ أَمْرٍ بِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِيهِ كَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ نَاشِئًا عَنِ اجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى الْآيَةَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ كَمَا كَانَ وَمِنْ حُجَجِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَعْتَقِدُ خِلَافَ ذَلِكَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ اطِّلَاعُهُ بِالْوَحْيِ عَلَى كُلِّ حُكُومَةٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشَرِّعًا كَانَ يَحْكُمُ بِمَا شَرَعَ لِلْمُكَلَّفِينَ وَيَعْتَمِدُهُ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَيْ فِي الْحُكْمِ بِمِثْلِ مَا كُلِّفُوا بِهِ وَإِلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بإيراده حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة بن وَلِيدَةِ زَمْعَةَ حَيْثُ حَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَلَدِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ وَأَلْحَقَهُ بِزَمْعَةَ ثُمَّ لَمَّا رَأَى شُبْهَةً بِعُتْبَةَ أَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ احْتِيَاطًا وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَمَّا وَضَعَتِ الَّتِي لُوعِنَتْ وَلَدًا يُشْبِهُ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم فِي بن وَلِيدَةِ زَمْعَةَ بِالظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَيْسَ مِنْ زَمْعَةَ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ خَطَأٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَلَا هُوَ مِنْ مَوَارِدِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ يَقَعُ عَلَى مَا يُسْمَعُ مِنَ الْخَصْمَيْنِ بِمَا لَفَظُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي قُلُوبِهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى أَحَدٍ بِغَيْرِ مَا لَفَظَ بِهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ قَالَ وَمِثْلُ هَذَا قَضَاؤُهُ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ بِابْنِ الْوَلِيدَةِ فَلَمَّا رَأَى الشَّبَهَ بَيِّنًا بِعُتْبَةَ قَالَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ انْتَهَى وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي قَوْله انما أَنا بشر امْتِثَالُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ إِنَّمَا أَنَا بشر مثلكُمْ أَيْ فِي إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ فَأُمِرَ أَنْ يَحْكُمَ بِمِثْلِ مَا أُمِرُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِهِ لِيَتِمَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَتَطِيبَ نُفُوسُ الْعِبَادِ لِلِانْقِيَادِ إِلَى الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْبَاطِنِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا طَرِيقُ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي كُلِّفَ الْمُجْتَهِدُ بِالتَّبَصُّرِ فِيهِ وَبِهِ يَتَعَلَّقُ الْخَطَأُ وَالصَّوَابُ وَفِيهِ الْبَحْثُ وَالْآخَرُ مَا يُبْطِنُهُ الْخَصْمُ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ شَاءَ مِنْ رُسُلِهِ فَلَمْ يَقَعِ التَّكْلِيفُ بِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِتَمْلِيكِ مَالٍ أَوْ إِزَالَةِ مِلْكٍ أَوْ إِثْبَاتِ نِكَاحٍ أَوْ فُرْقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ كَمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ نَفَذَ عَلَى مَا حَكَمَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِ مَا اسْتَنَدَ إِلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنَ الشَّهَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ مُوجِبًا لِلتَّمْلِيكِ وَلَا الْإِزَالَةِ وَلَا النِّكَاحِ وَلَا الطَّلَاقِ وَلَا غَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَعَهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ إِنْ كَانَ فِي مَالٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَا اسْتَنَدَ إِلَيْهِ الْحَاكِمُ مِنَ الظَّاهِرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا لِحِلِّهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَهُوَ الْمَالُ وَاحْتَجُّوا لِمَا عَدَاهُ بِقِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَدْ صَدَقَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ قَالَ فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ قَضَاءٍ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ مَالٍ أَنَّهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَوْ كَانَ الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُحْدِثُ فِي ذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ إِنَّمَا وَقَعَتْ عُقُوبَةً لِلْعِلْمِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ وَأَجَابَ غَيْرُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِسَمَاعِ كَلَامِ الْخَصْمِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ هُنَاكَ وَلَا يَمِينَ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَبِأَنَّ مَنْ فِي قَوْلِهِ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ شَرْطِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ فَيَكُونُ مِنْ فَرْضِ مَا لَمْ يَقَعْ وَهُوَ جَائِزٌ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ وَهُوَ هُنَا مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ لِلتَّهْدِيدِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِاللَّسَنِ وَالْإِبْلَاغِ فِي الْخُصُومَةِ وَهُوَ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَسْتَلْزِمَ عَدَمَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ وَبِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَا قَضَى بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ إِلَّا إِذَا اسْتَمَرَّ الْخَطَأُ وَإِلَّا فَمَتَى فُرِضَ أَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُبْطِلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَيَرُدَّ الْحَقَّ لِمُسْتَحِقِّهِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيُؤَوَّلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا أَنْ يَسْتَلْزِمَ اسْتِمْرَارَ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَأِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَكَذَا الثَّانِي وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْخَطَأَ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي صَدَرَ عَنِ اجْتِهَادِهِ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الصَّادِرِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ يَمِينٍ فَاجِرَةٍ فَلَا يُسَمَّى خَطَأً لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ وَبِالْإِيمَانِ وَإِلَّا لَكَانَ الْكَثِيرُ مِنَ الْأَحْكَامِ يُسَمَّى خَطَأً وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَدِيثِ إِنِّي لَمْ أُومَرْ بِالتَّنْقِيبِ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَعَلَى هَذَا فَالْحُجَّةُ مِنَ الْحَدِيثِ ظَاهِرَةٌ فِي شُمُولِ الْخَبَرِ الْأَمْوَالَ وَالْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي دَعْوَى حِلِّ الزَّوْجَةِ لِمَنْ أَقَامَ بِتَزْوِيجِهَا بِشَاهِدَيْ زُورٍ وَهُوَ يَعْلَمُ بِكَذِبِهِمَا وَبَيْنَ مَنِ ادَّعَى عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدَيْ زُورٍ وَهُوَ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ فَإِذَا حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَحِلُّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِلْإِجْمَاعِ السَّابِقِ عَلَى قَائِلَةٍ وَلِقَاعِدَةٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهَا وَوَافَقَهُمُ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ إِنْ كَانَ حَاكِمًا نَفَذَ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُفْتِيًا لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ كَانَ الْمُفْتَى لَهُ مُجْتَهِدًا يَرَى بِخِلَافِ مَا أَفْتَاهُ بِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ جَوَازُ الْإِبْرَاءِ مِنَ الْمَجْهُولِ لِأَنَّ التَّوَخِّيَ لَا يَكُونُ فِي الْمَعْلُومِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ شَنَّعُوا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ الْمَالِ وَابْتِذَالَ الْفُرُوجِ وَهِيَ أَحَقُّ أَنْ يُحْتَاطَ لَهَا وَتُصَانَ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِمَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ امْرَأَةً فَأَبَتْ فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ إِنَّهُمَا شَهِدَا بِالزُّورِ فَزَوِّجْنِي أَنْتَ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيتُ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاكِ وَأَمْضَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَلِيٍّ وَاحْتَجَّ الْمَذْكُورُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ قَضَى بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ فِيهِ فَجَعَلَ الْإِنْشَاءَ تَحَرُّزًا عَنِ الْحَرَامِ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْمَالِ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِيهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ دَفْعَ مَالِ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو وَيَمْلِكُ إِنْشَاءَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ أَمَةِ زَيْدٍ مَثَلًا مِنْ عَمْرٍو حَالَ خَوْفِ الْهَلَاكِ لِلْحِفْظِ وَحَالَ الْغَيْبَةِ وَيَمْلِكُ إِنْشَاءَ النِّكَاحِ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْفُرْقَةِ على الْعنين فَيجْعَل الحكم إنْشَاء احْتِرَازًا عَن الْحَرَام وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا فَلَوْ حَكَمَ بِالطَّلَاقِ لَبَقِيَتْ حَلَالًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بَاطِنًا وَلِلثَّانِي ظَاهِرًا فَلَوِ ابْتُلِيَ الثَّانِي مِثْلُ مَا ابْتُلِيَ الْأَوَّلُ حَلَّتْ لِلثَّالِثِ وَهَكَذَا فَتَحِلُّ لِجَمْعٍ مُتَعَدِّدٍ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْفَى فُحْشُهُ بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْنَا بِنَفَاذِهِ بَاطِنًا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ إِلَّا لِوَاحِدٍ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجُمْهُورَ إِنَّمَا قَالُوا فِي هَذَا تَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي مَثَلًا إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ تَرَتَّبَ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ فَإِذَا اعْتَمَدَ الْحُكْمَ وَتَعَمَّدَ الدُّخُولَ بِهَا فَقَدِ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا كَمَا لَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالْمَالِ فَأَكَلَهُ وَلَوِ ابْتُلِيَ الثَّانِي كَانَ حُكْمُ الثَّالِثِ كَذَلِكَ وَالْفُحْشُ إِنَّمَا لَزِمَ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى تَعَاطِي الْمُحَرَّمِ فَكَانَ كَمَا لَوْ زنوا ظَاهرا وَاحِدًا بعد وَاحِد.

     وَقَالَ  بن السَّمْعَانِيِّ شَرْطُ صِحَّةِ الْحُكْمِ وُجُودُ الْحُجَّةِ وَإِصَابَةُ الْمَحَلِّ وَإِذَا كَانَتِ الْبَيِّنَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شُهُودَ زُورٍ لَمْ تَحْصُلِ الْحُجَّةُ لِأَنَّ حُجَّةَ الْحُكْمِ هِيَ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الشَّهَادَةِ إِظْهَار الْحق وَحَقِيقَة الحكم انفاذ ذَلِك وَإِذا كَانَ الشُّهُودُ كَذَبَةً لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ حَقًّا قَالَ فَإِنِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَهِيَ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ فِي عِلْمِهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ فَإِذَا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَدِ امْتَثَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا لَا يَنْفُذُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَلَزِمَ إِبْطَالُ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْحُكْمِ عَنِ الْإِبْطَالِ مَطْلُوبَةٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ على مُجْتَهد لَا يعْتَقد ذَلِك وانه يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدهُ صِيَانة للْحكم وَأجَاب بن السَّمْعَانِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ لِلنُّفُوذِ وَلِهَذَا لَا يَأْثَمُ الْقَاضِي وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ نُفُوذُ الْقَضَاءِ حَقِيقَةً فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يَجِبُ صِيَانَةُ الْقَضَاءِ عَنِ الْإِبْطَالِ إِذَا صَادَفَ حُجَّةً صَحِيحَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَرْعٌ لَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ لَهُ يَعْتَقِدُ خِلَافَ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْحَاكِمُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ أَوْ لَا كَمَنْ مَاتَ بن ابْنِهِ وَتَرَكَ أَخًا شَقِيقًا فَرَفَعَهُ لِقَاضٍ يَرَى فِي الْجَدِّ رأْيَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَحَكَمَ لَهُ بِجَمِيعِ الْإِرْثِ دُونَ الشَّقِيقِ وَكَانَ الْجَدُّ الْمَذْكُور يرى رَأْي الْجُمْهُور نقل بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَدِّ أَنْ يُشَارِكَ الْأَخَ الشَّقِيقَ عَمَلًا بِمُعْتَقَدِهِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا أَقْضِي لَهُ بِمَا أَسْمَعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلُ وَفِيهِ إِنَّ التَّعَمُّقَ فِي الْبَلَاغَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ اقْتِدَارُ صَاحِبِهَا عَلَى تَزْيِينِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ وَعَكْسُهُ مَذْمُومٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَبْلَغُ أَيْ أَكْثَرُ بَلَاغَةً وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي التَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِّ لَمْ يُذَمَّ وَإِنَّمَا يُذَمُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ فَالْبَلَاغَةُ إِذَنْ لَا تُذَمُّ لِذَاتِهَا وَإِنَّمَا تُذَمُّ بِحَسَبِ التَّعَلُّقِ الَّذِي يُمْدَحُ بِسَبَبِهِ وَهِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَمْدُوحَةٌ وَهَذَا كَمَا يُذَمُّ صَاحِبُهَا إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا الْإِعْجَابُ وَتَحْقِيرُ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى دَرَجَتِهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْغَيْرُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ فَإِنَّ الْبَلَاغَةَ إِنَّمَا تُذَمُّ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِحَسَبِ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْبَلَاغَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ كُلُّ فِتْنَةٍ تُوَصِّلُ إِلَى الْمَطْلُوبِ مَحْمُودَةٌ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَقَدْ تُذَمُّ أَوْ تُمْدَحُ بِحَسَبِ مُتَعَلَّقِهَا وَاخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْبَلَاغَةِ فَقِيلَ أَنْ يُبَلِّغَ بِعِبَارَةِ لِسَانِهِ كُنْهَ مَا فِي قَلْبِهِ وَقِيلَ إِيصَالُ الْمَعْنَى إِلَى الْغَيْرِ بِأَحْسَنِ لَفْظٍ وَقِيلَ الْإِيجَازُ مَعَ الْإِفْهَامِ وَالتَّصَرُّفُ مِنْ غَيْرِ إِضْمَارٍ وَقِيلَ قَلِيلٌ لَا يُبْهَمُ وَكَثِيرٌ لَا يُسْأَمُ وَقِيلَ إِجْمَالُ اللَّفْظِ وَاتِّسَاعُ الْمَعْنَى وَقِيلَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى وَقِيلَ حُسْنُ الْإِيجَازِ مَعَ إِصَابَةِ الْمَعْنَى وَقِيلَ سُهُولَةُ اللَّفْظِ مَعَ الْبَدِيهَةِ وَقِيلَ لَمْحَةٌ دَالَّةٌ أَوْ كَلِمَةٌ تَكْشِفُ عَنِ الْبُغْيَةِ وَقِيلَ الْإِيجَازُ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ وَالْإِطْنَابُ مِنْ غَيْرِ خَطَأٍ وَقِيلَ النُّطْقُ فِي مَوْضِعِهِ وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِهِ وَقِيلَ مَعْرِفَةُ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ وَقِيلَ الْكَلَامُ الدَّالُّ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ وَعَكْسُهُ وَهَذَا كُلُّهُ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَعَرَّفَ أَهْلُ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ الْبَلَاغَةَ بِأَنَّهَا مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ وَالْفَصَاحَةِ وَهِيَ خُلُوُّهُ عَنِ التَّعْقِيدِ وَقَالُوا الْمُرَادُ بِالْمُطَابَقَةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْمَقَامَاتِ كَالتَّأْكِيدِ وَحَذْفِهِ وَالْحَذْفِ وَعَدَمِهِ أَوِ الْإِيجَازِ وَالْإِسْهَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ حَكَمَ بِمَا يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى أَمْرٍ خَارِجِيٍّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَنَحْوِهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّاهِدَ الْمُتَّصِلَ بِهِ أَقْوَى مِنَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ دَلَّ حَدِيثُهُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى صَحِيحًا لَكَانَ الرَّسُولُ أَحَقَّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَعْلَمَ أَنَّهُ تَجْرِي الْأَحْكَامُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُ أَنَّ اللَّهَ يُطْلِعُهُ عَلَى غَيْبِ كُلِّ قَضِيَّةٍ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ تَشْرِيعَ الْأَحْكَامِ وَاقِعٌ عَلَى يَدِهِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ مِنَ الْحُكَّامِ أَنْ يَعْتَمِدُوا ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ مَثَلًا بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُهُ عِلْمًا حِسِّيًّا بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ يَقِينِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا رَاجِحًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَنَقَلَ بَعْضُهُمُ الِاتِّفَاقَ وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ الْخُصُومَ لِيَعْتَمِدُوا الْحَقَّ وَالْعَمَلُ بِالنَّظَرِ الرَّاجِحِ وَبِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَمْرٌ إِجْمَاعِيٌّ للْحَاكِم والمفتي وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اعْلَم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب مَنْ قُضِىَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً
( باب من قضي له) بضم القاف وكسر المعجمة ( بحق أخيه) أي خصمه مسلمًا كان أو ذميًّا أو معاهدًا أو مرتدًّا فالأخوة باعتبار البشرية ( فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً) .


[ قــ :6797 ... غــ : 7181 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِى الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِى لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِىَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا».

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ( عن صالح) أي ابن كيسان ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت ( أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة) هند ( زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سمع خصومة بباب حجرته) منزل أم سلمة، وعند أبي داود من طريق عبد الله بن رافع عن أم سلمة أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلان يختصمان في مواريث لهما لم يكن لهما بيّنة إلا دعواهما.
وفي رواية له قال: يختصمان في مواريث وأشياء قد درست وعند عبد الرزاق في مصنفه أنها كانت في أرض هلك أهلها وذهب من يعلمها ولم يسم المختصمين ( فخرج إليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال) :
( إنما أنا بشر) أي إنسان وسمي به لظهور بشرته دون ما عداه من الحيوان أي إنما أنا بشر مشارك لكم في البشرية بالنسبة لعلم الغيب الذي لم يطلعني الله عليه وقال ذلك توطئة لقوله ( وإنه يأتيني الخصم) فلا أعلم باطن أمره ( فلعل) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولعل ( بعضكم أن يكون أبلغ) أفصح في كلامه وأقدر على إظهار حجته ( من بعض فأحسب) بكسر السين وتفتح ( أنه صادق) وهو في الباطن كاذب ( فأقضي) فأحكم ( له بذلك) الذي ادّعاه لظني صدقه ( فمن قضيت له بحق مسلم) ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكر المسلم تنبيهًا على أنه في حقه أشد ( فإنما هي) أي الحكومة أو الحالة ( قطعة من النار) تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه ( فليأخذها أو ليتركها) أمر تهديد لا تخيير فهو كقوله: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] كذا قرره النووي وغيره.
وتعقب بأنه إن أريد به أن كلاًّ من الصيغتين للتهديد فممنوع فإن قوله: أو ليتركها
للوجوب في كلام طويل سبق في كتاب المظالم فليراجع، فحكم الحاكم ينفذ ظاهرًا لا باطنًا، فلو قضى بشيء رتب على أصل كاذب بأن كان باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره نفذ ظاهرًا لا باطنًا، فلو حكم بشهادة زور بظاهري العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنًا سواء المال والنكاح وغيرهما.
أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنًا أيضًا قطعًا إن كان في محل اتفاق المجتهدين، وعلى الأصح عند البغوي وغيره إن كان في محل اختلافهم وإن كان الحكم لمن لا يعتقده لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع، فلو قضى حنفي لشافعي بشفعة الجوار أو بالإرث بالرحم حل له الأخذ به وليس للقاضي منعه من الأخذ بذلك ولا من الدعوى به إذا أرادها اعتبارًا بعقيدة الحاكم ولأن ذلك مجتهد فيه والاجتهاد إلى القاضي لا إلى غيره، ولهذا أجاز للشافعي أن يشهد بذلك عند من يرى جوازه وإن كان خلاف اعتقاده، ولو حكم القاضي بشيء وأقام المحكوم عليه بيّنة تنافي دعوى المحكوم له سمعت وبطل الحكم.
وفي الحديث حجة على الحنفية حيث ذهبوا إلى أنه ينفذ ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ حتى لو قضى بنكاح امرأة بشاهدي زور حلّ وطؤها.

وأجاب بعض شرّاح المشارق منهم عن الحديث بأن قوله في الرواية الأخرى فأقضي له بنحو ما أسمع منه ظاهرًا يدل على أن ذلك فيما كان بسماع الخصم من غير أن يكون هناك بيّنة أو يمين وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في القضاء بشهادة الزور بأن قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فمن قضيت له بحق مسلم" الخ.
شرطية وهي لا تقتضي صدق المقدّم فيكون من باب فرض المحال نظرًا إلى عدم جواز إقراره على الخطأ، ويجوز ذلك إذا تعلق به غرض كما في قوله تعالى: { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} [الزخرف: 81] والغرض فيما نحن فيه التهديد والتقريع على اللسن والإقدام على تلحين الحجج في أخذ أموال الناس، وبأن الاحتجاج به يستلزم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقر على الخطأ لأنه لا يكون ما قضى به قطعة من النار إلا إذا استمر الخطأ وإلاّ فمتى فرض أنه يطلع عليه فإنه يجب أن يبطل ذلك الحكم ويرد الحق لمستحقه وظاهر الحديث يخالف ذلك فإما أن يسقط الاحتجاج به ويؤول على ما تقدم وإما أن يستلزم التقرير على الخطأ وهو باطل اهـ.

وأجيب عن الأول: بأنه خلاف الظاهر وكذا الثاني وأما الثالث فإن الخطأ الذي لا يقر عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاده فيما لم يوح إليه فيه وليس النزاع فيه، وإنما النزاع في الحكم الصادر منه بناء على شهادة زور أو يمين فاجرة فلا يسمى خطأ للاتفاق على وجوب العمل بالشهادة وبالإيمان وإلاّ لكان الكثير من الأحكام يسمى خطأ وليس كذلك.

وفي الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك وحديث إني لم أومر بالتنقيب على قلوب الناس، وحينئذ فالحجة من الحديث ظاهرة في شمول الخبر الأموال والعقود والفسوخ، ومن ثم قال الشافعي: إنه لا فرق في دعوى حلّ الزوجة لمن أقام بتزويجها شاهدي زور وهو يعلم بكذبهما وبين من ادّعى على حر أنه ملكه وأقام بذلك
شاهدي زور وهو يعلم حريته فإذا حكم له حاكم بأنه ملكه لم يحل له أن يسترقه بالإجماع.
وقال القرطبي: شنعوا على القائل بذلك قديمًا وحديثًا لمخالفته للحديث الصحيح ولأن فيه صيانة المال وابتذال الفروج وهي أحق أن يحتاط لها وتصان اهـ.

والحديث سبق في المظالم والشهادات والأحكام.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ مَنْ قُضِيَ لهُ بِحَقِّ أخيهِ فَلا يأخُذْهُ، فَإِن قَضاءَ الحاكِمِ لَا يُحِلُّ حَراماً وَلَا يُحَرِّمُ حَلالاً)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ من قضى لَهُ على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: بِحَق أَخِيه إِنَّمَا ذكر بالأخوة بِاعْتِبَار الجنسية لِأَن المُرَاد خَصمه وَهُوَ أَعم من أَن يكون مُسلما أَو ذِمِّيا أَو معاهداً أَو مُرْتَدا، لِأَن الحكم فِي الْكل سَوَاء، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا من بابُُ التهييج وَعبر بقوله بِحَق أَخِيه، مُرَاعَاة للفظ الْخَبَر الَّذِي تقدم فِي ترك الْحِيَل من طَرِيق الثَّوْريّ عَن هِشَام بن عُرْوَة.
قَوْله: فَإِن قَضَاء الْحَاكِم إِلَى آخِره، هَذَا الْكَلَام من كَلَام الشَّافِعِي فَإِنَّهُ لما ذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ: فِيهِ دلَالَة على أَن الْأمة إِنَّمَا كلفوا الْقَضَاء على الظَّاهِر، وَفِيه أَن قَضَاء القَاضِي لَا يحرم حَلَالا وَلَا يحل حَرَامًا.

وتحرير هَذَا الْكَلَام أَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد وَأبي ثَوْر وَدَاوُد وَسَائِر الظَّاهِرِيَّة: أَن كل قَضَاء قضى بِهِ الْحَاكِم من تمْلِيك مَال أَو إِزَالَة ملك أَو إِثْبَات نِكَاح أَو من حلّه بِطَلَاق أَو بِمَا أشبه ذَلِك، أَن ذَلِك كُله على حكم الْبَاطِن، فَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْبَاطِن كَهُوَ فِي الظَّاهِر، وَجب ذَلِك على مَا حكم بِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْبَاطِن على خلاف مَا شهد بِهِ الشَّاهِد أَن على خلاف مَا حكم بِهِ بِشَهَادَتِهِمَا على الحكم الظَّاهِر لم يكن قَضَاء القَاضِي مُوجبا شَيْئا من تمْلِيك وَلَا تَحْرِيم وَلَا تَحْلِيل، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأبي يُوسُف أَيْضا..
     وَقَالَ  ابْن حزم: لَا يحل مَا كَانَ حَرَامًا قبل قَضَائِهِ، وَلَا يحرم مَا كَانَ حَلَالا قبل قَضَائِهِ، إِنَّمَا القَاضِي منفذ على الْمُمْتَنع فَقَط لَا مزية لَهُ سوى هَذَا،.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: مَا كَانَ من تمْلِيك مَال فَهُوَ على حكم الْبَاطِن، وَمَا كَانَ من ذَلِك من قَضَاء بِطَلَاق أَو نِكَاح بِشُهُود ظَاهِرهمْ الْعَدَالَة وَبَاطِنهمْ الْجراحَة فَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِم على ظَاهِرهمْ الَّذِي تعبد الله أَن يحكم بِشَهَادَة مثلهم مَعَه، فَذَلِك يجزيهم فِي الْبَاطِن لكفايته فِي الظَّاهِر.



[ قــ :6797 ... غــ :7181 ]
- حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ صالِحٍ، عنْ ابنِ شهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أبي سَلَمَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النبيِّ أخْبَرَتْها عنْ رسولِ الله أنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبابُِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: إنّما أَنا بَشَرٌ، وإنَّهُ يَأتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ أبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فأحْسِبُ أنَّهُ صادِقٌ فأقْضِيَ لهُ بِذالِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلَيأْخُذْها أوْ لِيَتْرُكْها
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فاقضي لَهُ بذلك إِلَى آخر الحَدِيث.

وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَهِيمُ بن عبد الرحمان بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان.

والْحَدِيث قد مضى فِي الْمَظَالِم عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله أَيْضا وَفِي الشَّهَادَات وَفِي الْأَحْكَام عَن القعْنبِي وَفِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن أبي الْيَمَان وَفِي ترك الْحِيَل عَن مُحَمَّد بن كثير، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: جلبة، بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: جلبة خصام عِنْد بابُُه، وَالْخِصَام جمع خصيم كالكرام جمع كريم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: جلبة خصم، وَله فِي رِوَايَة من طَرِيق معمر عَن هِشَام: لجبة بِتَقْدِيم اللَّام على الْجِيم، وَهِي لُغَة فِي جلبة وَلم يعين أَصْحَاب الجلبة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أَتَى رَسُول الله رجلَانِ يختصمان، وَأما الْخُصُومَة فَفِي رِوَايَة عبد الله بن رَافع: أَنَّهَا كَانَت فِي مَوَارِيث لَهما، وروى الطَّحَاوِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: جَاءَ رجلَانِ من الْأَنْصَار يختصمان إِلَى رَسُول الله فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر ... الحَدِيث.
قَوْله: بِبابُُ حجرته وَفِي رِوَايَة مُسلم: عِنْد بابُُه، والحجرة هِيَ منزل أم سَلمَة، وَكَانَت الْخُصُومَة فِي مَوَارِيث وَأَشْيَاء بَينهمَا قد درست وَلَيْسَت لَهما بَيِّنَة، فَقَالَ رَسُول الله وَفِي رِوَايَة مُسلم فِي رِوَايَة معمر: بِبابُُ أم سَلمَة.
قَوْله: إِنَّمَا أَنا بشر الْبشر يُطلق على الْجَمَاعَة الْوَاحِد يَعْنِي: أَنه مِنْهُم، وَالْمرَاد أَنه مشارك للبشر فِي أصل الْخلقَة وَلَو زَاد عَلَيْهِم بالمزايا الَّتِي اخْتصَّ بهَا فِي ذَاته وَصِفَاته، وَقد ذكرت فِي شرح مَعَاني الْآثَار وَفِي قَوْله: إِنَّمَا أَنا بشر أَي: من الْبشر وَلَا أَدْرِي بَاطِن مَا يتحاكمون فِيهِ عِنْدِي ويختصمون فِيهِ لدي، وَإِنَّمَا أَقْْضِي بَيْنكُم على ظَاهر مَا تَقولُونَ، فَإِذا كَانَ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، لَا يعلمُونَ ذَلِك فَغير جَائِز أَن تصح دَعْوَة غَيرهم من كَاهِن أَو منجم الْعلم، وَإِنَّمَا يعلم الْأَنْبِيَاء من الْغَيْب مَا أعلمُوا بِهِ بِوَجْه من الْوَحْي.
قَوْله: فَلَعَلَّ اسْتعْمل اسْتِعْمَال: عَسى، وَبَينهمَا مُعَاوضَة.
قَوْله: أبلغ من بعض أَي: أفْصح فِي كَلَامه وأقدر على إِظْهَار حجَّته، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ فِي ترك الْحِيَل: لَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض قَوْله: فأحسب أَنه صَادِق هَذَا يُؤذن أَن فِي الْكَلَام حذفا تَقْدِيره: هُوَ فِي الْبَاطِن كَاذِب، وَفِي رِوَايَة معمر: فأظنه صَادِقا.
قَوْله: فأقضي لَهُ بذلك أَي: أحكم لَهُ بِمَا يذكرهُ بظني أَنه صَادِق، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق الثَّوْريّ: فأقضي لَهُ عَلَيْهِ على نَحْو مَا أسمع وَفِي رِوَايَة عبد الله بن رَافع: إِنِّي إِنَّمَا أَقْْضِي بَيْنكُم برأيي فِيمَا لم ينزل عليّ فِيهِ.
قَوْله: فَمن قضيت لَهُ بِحَق مُسلم وَفِي رِوَايَة مَالك وَمعمر: فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه، وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ: فَمن قضيت لَهُ من أَخِيه شَيْئا، وَكَأَنَّهُ ضمن: قضيت معنى: أَعْطَيْت، وَعند أبي دَاوُد عَن مُحَمَّد بن كثير شيخ البُخَارِيّ فِيهِ: فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه بِشَيْء فَلَا يَأْخُذهُ.
قَوْله: فَإِنَّمَا هِيَ الضَّمِير للحكومة الَّتِي تقع بَيْنكُم على هَذَا الْوَجْه يَعْنِي بِحَسب الظَّاهِر.
قَوْله: قِطْعَة من النَّار تَمْثِيل يفهم مِنْهُ شدَّة التعذيب، وَهُوَ من مجَاز التَّشْبِيه كَقَوْلِه تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} قَوْله: قَوْله: فليأخذها أَو ليتركها وَفِي رِوَايَة يُونُس: فليحملها أَو ليذرها.
وَزَاد عبد الله بن رَافع فِي آخر الحَدِيث فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ بعد أَن قَالَ: فليأخذها أَو لِيَدَعْهَا، فَبكى الرّجلَانِ..
     وَقَالَ  كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقي لأخي الآخر.
فَقَالَ رَسُول الله أما إِذا فعلتما هَذَا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الْحق.
ثمَّ أستهما، ثمَّ ليحلل كل وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه.
قَوْله: توخيا الْحق، أَي: تحرياه.
قَوْله: ثمَّ اسْتهمَا أَي: ثمَّ اقترعا.
فَإِن قلت: مَا معنى: أَو، هُنَا.
قلت: التَّخْيِير على سَبِيل التهديد إِذْ مَعْلُوم أَن الْعَاقِل لَا يخْتَار أَخذ النَّار الَّتِي تحرقه.

وَفِيه من الْفَوَائِد: أَن الْبشر لَا يعلمُونَ مَا غيب عَنْهُم وَستر عَن الضمائر وَأَن بعض النَّاس أدرى بمواضع الْحجَّة وَتصرف القَوْل من بعض، وَأَن القَاضِي إِنَّمَا يقْضِي على الْخصم بِمَا يسمع مِنْهُ من إِقْرَار وإنكار أَو بَيِّنَات على حسب مَا أحكمته السّنة فِي ذَلِك.
وَأَن التَّحَرِّي جَائِز فِي أَدَاء الْمَظَالِم، وَأَن الْحَاكِم يجوز لَهُ الِاجْتِهَاد فِيمَا لم يكن فِيهِ نَص.
وَأَن الصُّلْح على الْإِنْكَار جَائِز خلافًا للشَّافِعِيّ، قَالَه أَبُو عمر.
وَأَن الاقتراع والاستهام جَائِز،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث فِي رد حكم القَاضِي بِعِلْمِهِ.