هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
680 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرٍو ، قَالَ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ ، فَصَلَّى العِشَاءَ ، فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : فَتَّانٌ ، فَتَّانٌ ، فَتَّانٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ - أَوْ قَالَ : فَاتِنًا ، فَاتِنًا ، فَاتِنًا - وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ المُفَصَّلِ ، قَالَ عَمْرٌو : لاَ أَحْفَظُهُمَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  أو قال : فاتنا ، فاتنا ، فاتنا وأمره بسورتين من أوسط المفصل ، قال عمرو : لا أحفظهما
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ ، فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ ، فَصَلَّى العِشَاءَ ، فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : فَتَّانٌ ، فَتَّانٌ ، فَتَّانٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ - أَوْ قَالَ : فَاتِنًا ، فَاتِنًا ، فَاتِنًا - وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ المُفَصَّلِ ، قَالَ عَمْرٌو : لاَ أَحْفَظُهُمَا .

Narrated `Amr:

Jabir bin `Abdullah said, Mu`adh bin Jabal used to pray with the Prophet (ﷺ) and then go to lead his people in prayer Once he led the `Isha' prayer and recited Surat Al-Baqara. Somebody left the prayer and Mu`adh criticized him. The news reached the Prophet (ﷺ) and he said to Mu`adh, 'You are putting the people to trial,' and repeated it thrice (or said something similar) and ordered him to recite two medium Suras of Mufassal. (`Amr said that he had forgotten the names of those Suras).

":"( دوسری سند ) اور مجھ سے محمد بن بشار نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے غندر محمد بن جعفر نے بیان کیا ، کہا کہ ہم سے شعبہ نے عمرو سے بیان کیا ، کہا کہ میں نے جابر بن عبداللہ انصاری سے سنا ، آپ نے فرمایا کہمعاذ بن جبل رضی اللہ عنہ ، نبی کریم صلی اللہ علیہ وسلم کے ساتھ ( فرض ) نماز پڑھتے پھر واپس جا کر اپنی قوم کے لوگوں کو ( وہی ) نماز پڑھایا کرتے تھے ۔ ایک بار عشاء میں انھوں نے سورۃ البقرہ شروع کی ۔ ( مقتدیوں میں سے ) ایک شخص نماز توڑ کر چل دیا ۔ معاذ رضی اللہ عنہ اس کو برا کہنے لگے ۔ یہ خبر آنحضور صلی اللہ علیہ وسلم کو پہنچی ( اس شخص نے جا کر معاذ کی شکایت کی ) آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے معاذ کو فرمایا تو بلا میں ڈالنے والا ہے ، بلا میں ڈالنے والا ، بلا میں ڈالنے والا تین بار فرمایا ۔ یا یوں فرمایا کہ تو فسادی ہے ، فسادی ، فسادی ۔ پھر آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے معاذ کو حکم فرمایا کہ مفصل کے بیچ کی دو سورتیں پڑھا کرے ۔ عمرو بن دینار نے کہا کہ مجھے یاد نہ رہیں ( کہ کون سی سورتوں کا آپ نے نام لیا ۔ )

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [701] .

     قَوْلُهُ  يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرٍو عِشَاءَ الْآخِرَةِ فَكَأَنَّ الْعِشَاءَ هِيَ الَّتِي كَانَ يُوَاظِبُ فِيهَا عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ الْمَذْكُورَةِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ أَيِ الْمَذْكُورَةَ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا بقَوْمه وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن بن عُيَيْنَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِأَنَّ قَوْمَهُ هُمْ بَنُو سَلِمَةَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ فِي بَنِي سَلِمَةَ وَلِأَحْمَدَ ثمَّ يرجع فيؤمنا قَوْله فَصَلَّى الْعِشَاءَ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِبٍ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ وَكَذَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ مَجَازًا تَمَّ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْبَقَرَةَ بل يَقُول سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلِمُسْلِمٍ عَن بن عُيَيْنَةَ نَحْوُهُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الرُّوَاةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي قِرَاءَتِهَا وَبِهِ صَرَّحَ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَارِبٍ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوِ النِّسَاءِ عَلَى الشَّكِّ وَلِلسَّرَّاجِ مِنْ رِوَايَةِ مِسْعَرٍ عَنْ مُحَارِبٍ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ كَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ الزَّكِيِّ الْبَرْزَالِيِّ بِالْوَاوِ فَإِنْ كَانَ ضَبَطَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالنِّسَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بِإِسْنَاد قوي فَقَرَأَ اقْتَرَبت السَّاعَة وَهِيَ شَاذَّةٌ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَسْمِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ طَالِبِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَرَّ حَزْمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمِهِ صَلَاةَ الْعَتَمَةِ فَافْتَتَحَ بِسُورَةٍ طَوِيلَةٍ وَمَعَ حَزْمٍ نَاضِحٌ لَهُ الْحَدِيثَ قَالَ الْبَزَّارُ لَانعلم أحدا سَمَّاهُ عَن جَابر إِلَّا بن جَابِرٍ اه وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ طَالِبٍ فَجَعَلَهُ عَن بن جَابر عَن حزم صَاحب الْقِصَّة وبن جَابِرٍ لَمْ يُدْرِكْ حَزْمًا وَوَقَعَ عِنْدَهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي رِوَايَة محَارب وَرَوَاهُ بن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَسَمَّاهُ حازما وَكَأَنَّهُ صحفه أخرجه بن شَاهِينَ مِنْ طَرِيقِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو يعلى وبن السَّكَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ قَالَ كَانَ مُعَاذُ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَدَخَلَ حَرَامٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ الْحَدِيثَ كَذَا فِيهِ بِرَاءٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ خَالُ أَنَسٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي الرِّوَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا مِنْ حَزْمٍ فَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ وَإِلَى ذَلِك يُومِئ صَنِيع بن عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الصَّحَابَةِ حَرَامَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَذَكَرَ لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَعَزَا تَسْمِيَتَهُ لِرِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى تَسْمِيَةِ أَبِيهِ وَكَأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّ اسْمَهُ تَصَحَّفَ وَالْأَبُ وَاحِدٌ سَمَّاهُ جَابِرٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَنَسٌ وَجَاءَ فِي تَسْمِيَتِهِ قَوْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يُقَالُ لَهُ سُلَيْمٌ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَنُصَلِّي فَيَأْتِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَأْتِيهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ وَسَماهُ سليما أَيْضا لَكِن وَقع عِنْد بن حَزْمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ اسْمَهُ سَلْمٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوِ الْمَغْرِبُ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي السُّورَةِ هَلْ هِيَ الْبَقَرَةُ أَوِ اقْتَرَبَتْ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي عُذْرِ الرَّجُلِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ جَاءَ مِنَ الْعَمَلِ وَهُوَ تَعْبَانٌ أَوْ لِكَوْنِهِ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ إِذْ ذَاكَ أَوْ لِكَوْنِهِ خَافَ عَلَى الْمَاءِ فِي النَّخْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْجَمْعُ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِالتَّخْفِيفِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى التَّطْوِيلِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ أَوَّلًا بِالْبَقَرَةِ فَلَمَّا نَهَاهُ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّوَرِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ أَوَّلًا وَقَعَ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَنْفِيرِ بَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمَّا اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ بِالْإِسْلَامِ ظَنَّ أَنَّ الْمَانِعَ زَالَ فَقَرَأَ بِاقْتَرَبَتْ لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَصَادَفَ صَاحِبَ الشُّغْلِ وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ ثُمَّ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَانْصَرَفَ آخَرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَّا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَيُقَوِّي رِوَايَةَ مَنْ سَمَّاهُ سُلَيْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاحِدٌ مِنَ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ كَالنَّكِرَةِ فِي مُؤَدَّاهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَامَ رَجُلٌ فَانْصَرَفَ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ لَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادٍ شَيْخَ مُسْلِمٍ تفرد عَن بن عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَاب بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِهِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ جَابِرٍ لَمْ يَذْكُرُوا السَّلَامَ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ قَطَعَ الصَّلَاةَ لِأَنَّ السَّلَامَ يُتَحَلَّلُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَةَ فَقَطْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الصَّلَاةِ بَلِ اسْتَمَرَّ فِيهَا مُنْفَرِدًا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ فِي الْكَلَامِعلى رِوَايَة الشَّافِعِي عَن بن عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَّى وَحْدَهُ هَذَا يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَتَنَحَّى عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَاسْتَأْنَفَهَا لِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ انْتَهَى وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْطَعَ الْقُدْوَةَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا وَنَازَعَ النَّوَوِيُّ فِيهِ فَقَالَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ بَلْ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ سَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الصَّلَاة وإبطالها لعذر قَوْله فَكَانَ معَاذ يَنَالُ مِنْهُ وَلِلْمُسْتَمْلِي تَنَاوَلَ مِنْهُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَكَأَنَّ بِهَمْزَةٍ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ وَالْأُولَى تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَمَعْنَى يَنَالُ مِنْهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ ذَكَرَهُ بِسُوءٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ وَلَفْظُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ وَكَذَا لِأَبِي الزُّبَيْرِ وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالُوا لَهُ أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ وَكَأَنَّ مُعَاذًا قَالَ ذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَهُ أَصْحَابُ مُعَاذٍ لِلرَّجُلِ .

     قَوْلُهُ  فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين بن عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا مُحَارِبٌ وَأَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ فَقَالَ معَاذ لَئِن أَصبَحت لَا ذكرن ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَمِلْتُ عَلَى نَاضِحٍ لِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّ مُعَاذًا سَبَقَهُ بِالشَّكْوَى فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ فَتَّانٌ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ زَادَ مُحَارِبٌ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  أَوْ قَالَ فَاتِنًا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَاتِنًا وَلِأَحْمَدَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الْمُتَقَدِّمِ يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَاتِنًا وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ هَا هُنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ وَلِلتَّكَرُّهِ لِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ لَا تُبَغِّضُوا إِلَى اللَّهِ عِبَادَهُ يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَامًا فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ الصَّلَاةَ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَتَّانٌ أَيْ مُعَذِّبٌ لِأَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بالتطويل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ قِيلَ مَعْنَاهُ عَذَّبُوهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوسط الْمفصل قَالَ عَمْرو أَي بن دِينَار لَا أحفظما وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ تَحْدِيثِهِ لِشُعْبَةَ وَإِلَّا فَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَمْرٍو اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَنَحْوهَا.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا قَالَ بن عُيَيْنَةَ فَقُلْتُ لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَبِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ عَمْرٌو نَحْوَ هَذَا وَجَزَمَ بِذَلِكَ مُحَارِبٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَعَ الثَّلَاثَةِ اقْرَأ باسم رَبك زَاد بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَالضُّحَى أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن بن عُيَيْنَةَ مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَفِي الْمُرَادِ بِالْمُفَصَّلِ أَقْوَالٌ سَتَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ أَصَحُّهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  أَوْسَطُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُتَوَسِّطَ وَالسُّوَرَ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا مِنْ قِصَارِ الْمُتَوَسِّطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُعْتَدِلَ أَيِ الْمُنَاسِبَ لِلْحَالِ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْلَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالشَّافِعِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ زَادَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيح رِجَاله رجال الصَّحِيح وَقد صرح بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَمَاعِهِ فِيهِ فانتفت تُهْمَة تدليسه فَقَوْل بن الْجَوْزِيِّ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْدُودٌ وَتَعْلِيلُ الطَّحَاوِيِّ لَهُ بَان بن عُيَيْنَةَ سَاقَهُ عَنْ عَمْرٍو أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِ بن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّته لِأَن بن جريج أسن وَأجل من بن عُيَيْنَةَ وَأَقْدَمُ أَخْذًا عَنْ عَمْرٍو مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرُ عَدَدًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا.

.
وَأَمَّا رَدُّ الطَّحَاوِيِّ لَهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مُدْرَجَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّفْصِيلُ فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ مُتَابِعًا لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ هُوَ ظَنٌّ مِنْ جَابِرٍ مَرْدُودٌ لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُظَنُّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ شَخْصٍ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُشَاهَدٍ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ.

.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ حَاصِلَهُ النَّهْيُ عَنِ التَّلَبُّسِ بِصَلَاةٍ غَيْرِ الَّتِي أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنِيَّةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَلَوْ تَعَيَّنَتْ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ لَامْتَنَعَ عَلَى مُعَاذٍ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ بِقَوْمِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ فَرْضًا لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ أَفْضَلِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَرْجِيحٍ لَكِنْ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْفَضْلُ بِالِاتِّبَاعِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ إِنَّ الْعِشَاءَ فِي قَوْلِهِ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَفْرُوضَةِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّعَ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِيَ بهَا التَّنَفُّل وَأما قَول بن حَزْمٍ إِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ إِذَا أُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَهُ مُتَطَوِّعًا فَكَيْفَ يَنْسُبُونَ إِلَى مُعَاذٍ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ فَهَذَا إِن كَانَ كَمَا قَالَ نقص قَوِيٌّ وَأَسْلَمُ الْأَجْوِبَةِ التَّمَسُّكُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقْرِيرِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ حُجَّةٌ وَالْوَاقِعُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ مُعَاذٌ كُلّهمْ صَحَابَةٌ وَفِيهِمْ ثَلَاثُونَ عقبيا وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا قَالَه بن حَزْمٍ قَالَ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ امْتِنَاعُ ذَلِكَ بَلْ قَالَ مَعَهُمْ بِالْجَوَازِ عمر وبن عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَوْ سَلَّمْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الْفَرِيضَةُ فِيهِ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ أَي فَيكون مَنْسُوخا فقد تعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ لَا يَسُوغُ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ إِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ اه وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كِتَابِهِ فَإِنَّهُ قَدْ سَاق فِيهِ دَلِيل ذَلِك وَهُوَ حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ لَا تُصَلُّوا الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ إِنَّ أَهْلَ الْعَالِيَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُصَلُّوهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا النَّهْيُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَا يُقَالُ الْقِصَّةُ قَدِيمَةٌ لِأَنَّ صَاحِبَهَا اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَتْ أُحُدٌ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ فِي الْأُولَى وَالْإِذْنُ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلًا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهم فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَةٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بن الْأسودالعامري وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي أَوَاخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَدْرَكَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا أَنْ صَلُّوهَا فِي بُيُوتِكُمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ اجْعَلُوهَا مَعَهُمْ نَافِلَةً.

.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى مُعَاذًا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سُلَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِكَ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّ مَعِي فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ بَلِ التَّقْدِيرُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّي مَعِي فَقَطْ إِذَا لَمْ تُخَفِّفْ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ فَتُصَلِّي مَعِيَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ التَّخْفِيفِ بِتَرْكِ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ.

.
وَأَمَّا تَقْوِيَةُ بَعْضِهِمْ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا بِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَقَعَتْ مِرَارًا عَلَى صِفَةٍ فِيهَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ فِي حَالِ الْأَمْنِ فَلَوْ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَقَعُ فِيهِ مُنَافَاةٌ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ صَرِيحًا وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ.

.
وَأَمَّا صَلَاتُهُ بِهِمْ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فَلِبَيَانِ الْجَوَازِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَانَ فِعْلُ مُعَاذٍ لِلضَّرُورَةِ لِقِلَّةِ الْقُرَّاءِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَهُوَ ضَعِيف كَمَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ حَافِظُوهُ كَثِيرًا وَمَا زَادَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِارْتِكَابِ أَمْرٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ.

.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ إِذَا عَلِمَ رِضَاءَ الْمَأْمُومِينَ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ لَا يَعْلَمُ حَالَ مَنْ يَأْتِي فَيَأْتَمُّ بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ مُطْلَقًا إِلَّا إِذَا فُرِضَ فِي مُصَلٍ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ فِي مَكَانٍ لَا يَدْخُلُهُ غَيْرُهُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا عذر فِي تَخْفيف الصَّلَاة وَجَوَاز إِعَادَة الصَّلَاة الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ وَجَوَازُ خُرُوجِ الْمَأْمُومِ مِنَ الصَّلَاةِ لِعُذْرٍ.

.
وَأَمَّا بِغَيْرِ عُذْرٍ فاستدل بِهِ بَعضهم وَتعقب.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِ الْأَئِمَّةِ بِالتَّخْفِيفِ فَائِدَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَوَازُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَهَذَا كَمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْقِصَّةِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَفِيهِ نَحْوُ هَذَا النَّظَرِ وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ بِالْجَمَاعَةُ إِذَا كَانَ بِعُذْرٍ وَفِيهِ الْإِنْكَارُ بِلُطْفٍ لِوُقُوعِهِ بِصُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَعْزِيزُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسْبِهِ وَالِاكْتِفَاءُ فِي التَّعْزِيزِ بِالْقَوْلِ وَالْإِنْكَارُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ.

.
وَأَمَّا تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا فَلِلتَّأْكِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ وَفِيهِ اعْتِذَارُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَطَأٌ فِي الظَّاهِرِ وَجَوَازُ الْوُقُوعِ فِي حَقِّ مَنْ وَقَعَ فِي مَحْذُورٍ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بَاطِنٌ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا وَأَنَّ التَّخَلُّفَ عَن الْجَمَاعَة من صفة الْمُنَافِقنعلم أحدا سَمَّاهُ عَن جَابر إِلَّا بن جَابِرٍ اه وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ طَالِبٍ فَجَعَلَهُ عَن بن جَابر عَن حزم صَاحب الْقِصَّة وبن جَابِرٍ لَمْ يُدْرِكْ حَزْمًا وَوَقَعَ عِنْدَهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي رِوَايَة محَارب وَرَوَاهُ بن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَسَمَّاهُ حازما وَكَأَنَّهُ صحفه أخرجه بن شَاهِينَ مِنْ طَرِيقِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو يعلى وبن السَّكَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ قَالَ كَانَ مُعَاذُ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَدَخَلَ حَرَامٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ الْحَدِيثَ كَذَا فِيهِ بِرَاءٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ خَالُ أَنَسٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي الرِّوَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا مِنْ حَزْمٍ فَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ وَإِلَى ذَلِك يُومِئ صَنِيع بن عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الصَّحَابَةِ حَرَامَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَذَكَرَ لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَعَزَا تَسْمِيَتَهُ لِرِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى تَسْمِيَةِ أَبِيهِ وَكَأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّ اسْمَهُ تَصَحَّفَ وَالْأَبُ وَاحِدٌ سَمَّاهُ جَابِرٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَنَسٌ وَجَاءَ فِي تَسْمِيَتِهِ قَوْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يُقَالُ لَهُ سُلَيْمٌ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَنُصَلِّي فَيَأْتِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَأْتِيهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ وَسَماهُ سليما أَيْضا لَكِن وَقع عِنْد بن حَزْمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ اسْمَهُ سَلْمٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوِ الْمَغْرِبُ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي السُّورَةِ هَلْ هِيَ الْبَقَرَةُ أَوِ اقْتَرَبَتْ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي عُذْرِ الرَّجُلِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ جَاءَ مِنَ الْعَمَلِ وَهُوَ تَعْبَانٌ أَوْ لِكَوْنِهِ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ إِذْ ذَاكَ أَوْ لِكَوْنِهِ خَافَ عَلَى الْمَاءِ فِي النَّخْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْجَمْعُ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِالتَّخْفِيفِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى التَّطْوِيلِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ أَوَّلًا بِالْبَقَرَةِ فَلَمَّا نَهَاهُ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّوَرِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ أَوَّلًا وَقَعَ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَنْفِيرِ بَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمَّا اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ بِالْإِسْلَامِ ظَنَّ أَنَّ الْمَانِعَ زَالَ فَقَرَأَ بِاقْتَرَبَتْ لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَصَادَفَ صَاحِبَ الشُّغْلِ وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ ثُمَّ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَانْصَرَفَ آخَرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَّا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَيُقَوِّي رِوَايَةَ مَنْ سَمَّاهُ سُلَيْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاحِدٌ مِنَ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ كَالنَّكِرَةِ فِي مُؤَدَّاهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَامَ رَجُلٌ فَانْصَرَفَ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ لَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادٍ شَيْخَ مُسْلِمٍ تفرد عَن بن عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَاب بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِهِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ جَابِرٍ لَمْ يَذْكُرُوا السَّلَامَ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ قَطَعَ الصَّلَاةَ لِأَنَّ السَّلَامَ يُتَحَلَّلُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَةَ فَقَطْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الصَّلَاةِ بَلِ اسْتَمَرَّ فِيهَا مُنْفَرِدًا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ فِي الْكَلَامِعلى رِوَايَة الشَّافِعِي عَن بن عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَّى وَحْدَهُ هَذَا يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَتَنَحَّى عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَاسْتَأْنَفَهَا لِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ انْتَهَى وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْطَعَ الْقُدْوَةَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا وَنَازَعَ النَّوَوِيُّ فِيهِ فَقَالَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ بَلْ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ سَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الصَّلَاة وإبطالها لعذر قَوْله فَكَانَ معَاذ يَنَالُ مِنْهُ وَلِلْمُسْتَمْلِي تَنَاوَلَ مِنْهُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَكَأَنَّ بِهَمْزَةٍ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ وَالْأُولَى تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَمَعْنَى يَنَالُ مِنْهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ ذَكَرَهُ بِسُوءٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ وَلَفْظُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ وَكَذَا لِأَبِي الزُّبَيْرِ وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالُوا لَهُ أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ وَكَأَنَّ مُعَاذًا قَالَ ذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَهُ أَصْحَابُ مُعَاذٍ لِلرَّجُلِ .

     قَوْلُهُ  فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين بن عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا مُحَارِبٌ وَأَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ فَقَالَ معَاذ لَئِن أَصبَحت لَا ذكرن ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَمِلْتُ عَلَى نَاضِحٍ لِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّ مُعَاذًا سَبَقَهُ بِالشَّكْوَى فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ فَتَّانٌ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ زَادَ مُحَارِبٌ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  أَوْ قَالَ فَاتِنًا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَاتِنًا وَلِأَحْمَدَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الْمُتَقَدِّمِ يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَاتِنًا وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ هَا هُنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ وَلِلتَّكَرُّهِ لِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ لَا تُبَغِّضُوا إِلَى اللَّهِ عِبَادَهُ يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَامًا فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ الصَّلَاةَ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَتَّانٌ أَيْ مُعَذِّبٌ لِأَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بالتطويل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ قِيلَ مَعْنَاهُ عَذَّبُوهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوسط الْمفصل قَالَ عَمْرو أَي بن دِينَار لَا أحفظما وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ تَحْدِيثِهِ لِشُعْبَةَ وَإِلَّا فَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَمْرٍو اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَنَحْوهَا.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا قَالَ بن عُيَيْنَةَ فَقُلْتُ لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَبِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ عَمْرٌو نَحْوَ هَذَا وَجَزَمَ بِذَلِكَ مُحَارِبٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَعَ الثَّلَاثَةِ اقْرَأ باسم رَبك زَاد بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَالضُّحَى أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن بن عُيَيْنَةَ مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَفِي الْمُرَادِ بِالْمُفَصَّلِ أَقْوَالٌ سَتَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ أَصَحُّهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  أَوْسَطُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُتَوَسِّطَ وَالسُّوَرَ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا مِنْ قِصَارِ الْمُتَوَسِّطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُعْتَدِلَ أَيِ الْمُنَاسِبَ لِلْحَالِ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْلَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالشَّافِعِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ زَادَهِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيح رِجَاله رجال الصَّحِيح وَقد صرح بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَمَاعِهِ فِيهِ فانتفت تُهْمَة تدليسه فَقَوْل بن الْجَوْزِيِّ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْدُودٌ وَتَعْلِيلُ الطَّحَاوِيِّ لَهُ بَان بن عُيَيْنَةَ سَاقَهُ عَنْ عَمْرٍو أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِ بن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّته لِأَن بن جريج أسن وَأجل من بن عُيَيْنَةَ وَأَقْدَمُ أَخْذًا عَنْ عَمْرٍو مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرُ عَدَدًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا.

.
وَأَمَّا رَدُّ الطَّحَاوِيِّ لَهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مُدْرَجَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّفْصِيلُ فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ مُتَابِعًا لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ هُوَ ظَنٌّ مِنْ جَابِرٍ مَرْدُودٌ لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُظَنُّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ شَخْصٍ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُشَاهَدٍ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ.

.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ حَاصِلَهُ النَّهْيُ عَنِ التَّلَبُّسِ بِصَلَاةٍ غَيْرِ الَّتِي أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنِيَّةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَلَوْ تَعَيَّنَتْ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ لَامْتَنَعَ عَلَى مُعَاذٍ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ بِقَوْمِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ فَرْضًا لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ أَفْضَلِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَرْجِيحٍ لَكِنْ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْفَضْلُ بِالِاتِّبَاعِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ إِنَّ الْعِشَاءَ فِي قَوْلِهِ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَفْرُوضَةِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّعَ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِيَ بهَا التَّنَفُّل وَأما قَول بن حَزْمٍ إِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ إِذَا أُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَهُ مُتَطَوِّعًا فَكَيْفَ يَنْسُبُونَ إِلَى مُعَاذٍ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ فَهَذَا إِن كَانَ كَمَا قَالَ نقص قَوِيٌّ وَأَسْلَمُ الْأَجْوِبَةِ التَّمَسُّكُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقْرِيرِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ حُجَّةٌ وَالْوَاقِعُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ مُعَاذٌ كُلّهمْ صَحَابَةٌ وَفِيهِمْ ثَلَاثُونَ عقبيا وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا قَالَه بن حَزْمٍ قَالَ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ امْتِنَاعُ ذَلِكَ بَلْ قَالَ مَعَهُمْ بِالْجَوَازِ عمر وبن عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَوْ سَلَّمْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الْفَرِيضَةُ فِيهِ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ أَي فَيكون مَنْسُوخا فقد تعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ لَا يَسُوغُ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ إِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ اه وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كِتَابِهِ فَإِنَّهُ قَدْ سَاق فِيهِ دَلِيل ذَلِك وَهُوَ حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ لَا تُصَلُّوا الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ إِنَّ أَهْلَ الْعَالِيَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُصَلُّوهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا النَّهْيُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَا يُقَالُ الْقِصَّةُ قَدِيمَةٌ لِأَنَّ صَاحِبَهَا اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَتْ أُحُدٌ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ فِي الْأُولَى وَالْإِذْنُ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلًا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهم فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَةٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بن الْأسودالعامري وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي أَوَاخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَدْرَكَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا أَنْ صَلُّوهَا فِي بُيُوتِكُمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ اجْعَلُوهَا مَعَهُمْ نَافِلَةً.

.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى مُعَاذًا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سُلَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِكَ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّ مَعِي فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ بَلِ التَّقْدِيرُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّي مَعِي فَقَطْ إِذَا لَمْ تُخَفِّفْ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ فَتُصَلِّي مَعِيَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ التَّخْفِيفِ بِتَرْكِ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ.

.
وَأَمَّا تَقْوِيَةُ بَعْضِهِمْ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا بِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَقَعَتْ مِرَارًا عَلَى صِفَةٍ فِيهَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ فِي حَالِ الْأَمْنِ فَلَوْ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَقَعُ فِيهِ مُنَافَاةٌ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ صَرِيحًا وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ.

.
وَأَمَّا صَلَاتُهُ بِهِمْ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فَلِبَيَانِ الْجَوَازِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَانَ فِعْلُ مُعَاذٍ لِلضَّرُورَةِ لِقِلَّةِ الْقُرَّاءِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَهُوَ ضَعِيف كَمَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ حَافِظُوهُ كَثِيرًا وَمَا زَادَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِارْتِكَابِ أَمْرٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ.

.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ إِذَا عَلِمَ رِضَاءَ الْمَأْمُومِينَ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ لَا يَعْلَمُ حَالَ مَنْ يَأْتِي فَيَأْتَمُّ بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ مُطْلَقًا إِلَّا إِذَا فُرِضَ فِي مُصَلٍ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ فِي مَكَانٍ لَا يَدْخُلُهُ غَيْرُهُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا عذر فِي تَخْفيف الصَّلَاة وَجَوَاز إِعَادَة الصَّلَاة الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ وَجَوَازُ خُرُوجِ الْمَأْمُومِ مِنَ الصَّلَاةِ لِعُذْرٍ.

.
وَأَمَّا بِغَيْرِ عُذْرٍ فاستدل بِهِ بَعضهم وَتعقب.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِ الْأَئِمَّةِ بِالتَّخْفِيفِ فَائِدَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَوَازُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَهَذَا كَمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْقِصَّةِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَفِيهِ نَحْوُ هَذَا النَّظَرِ وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ بِالْجَمَاعَةُ إِذَا كَانَ بِعُذْرٍ وَفِيهِ الْإِنْكَارُ بِلُطْفٍ لِوُقُوعِهِ بِصُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَعْزِيزُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسْبِهِ وَالِاكْتِفَاءُ فِي التَّعْزِيزِ بِالْقَوْلِ وَالْإِنْكَارُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ.

.
وَأَمَّا تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا فَلِلتَّأْكِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ وَفِيهِ اعْتِذَارُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَطَأٌ فِي الظَّاهِرِ وَجَوَازُ الْوُقُوعِ فِي حَقِّ مَنْ وَقَعَ فِي مَحْذُورٍ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بَاطِنٌ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا وَأَنَّ التَّخَلُّفَ عَن الْجَمَاعَة من صفة الْمُنَافِقالدُّخُولِ فِيهِ.

.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي التَّرْجَمَةِ فَخَرَجَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْقُدْوَةِ أَوْ مِنَ الصَّلَاة رَأْسا أَو من الْمَسْجِد قَالَ بن رَشِيدٍ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ خَرَجَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ قَالَ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَآهُ يُصَلِّي أَصَلَاتَانِ مَعًا كَمَا تَقَدَّمَ.

.

قُلْتُ وَلَيْسَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَصَلَّى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ الصَّلَاةَ أَوِ الْقُدْوَةَ لَكِنْ فِي مُسْلِمٍ فَانْحَرَفَ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ فَرِوَايَةُ عَمْرٍو لِلْمُصَنِّفِ هُنَا عَنْ شُعْبَةَ وَفِي الْأَدَبِ عَنْ سليم بن حَيَّان وَلمُسلم عَن بن عُيَيْنَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْهُ وَرِوَايَةُ مُحَارِبٍ تَأْتِي بَعْدَ بَابَيْنِ وَهِيَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مَقْرُونَةٌ بِأَبِي صَالِحٍ وَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ الله عِنْد بن خُزَيْمَةَ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى غَيْرُ هَذِهِ سَأَذْكُرُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْهَا مَعْزُوًّا وَإِنَّمَا قَدَّمْتُ ذِكْرَ هَذِهِ لِتَسْهُلَ الْحَوَالَةُ عَلَيْهَا

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [701] وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ "ثَلاَثَ مِرَارٍ" أَوْ قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا، فَاتِنًا.
وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ.
قَالَ عَمْرٌو: لاَ أَحْفَظُهُمَا".
( قال) أي المؤلّف ولغير أبوي ذر والوقت إسقاط قال ( وحدّثني) بواو العطف والإفراد، وسقطت واو: وحدّثني، لأبي ذر والأصيلي ( محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة ( قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عمرو) هو ابن دينار ( قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( قال: كان معاذ بن جبل يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط ابن جبل لابن عساكر ( ثم يرجع) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فيؤم قومه) بني سلمة بتلك الصلاة، ( فصلّى) بهم ( العشاء) ولأبي عوانة: المغرب، فحمل على تعدد الواقعة ( فقرأ بالبقرة) بالموحدة، وفي نسخة: فقرأ البقرة، أي ابتدأ بقراءتها، ولمسلم: فافتتح سورة البقرة ( فانصرف الرجل) هو حزم، بالحاء المهملة والزاي المعجمة الساكنة ابن أُبي بن كعب، كما رواه أبو داود وابن حبان، أو حرام، بالمهملة والراء، ابن ملحان بكسر الميم وبالمهملة، خال أنس، قاله ابن الأثير، أو هو مسلم، بفتح أوله وسكون اللام، ابن الحرث، حكاه الخطيب.
أو الألف واللام للجنس.
أي واحد من الرجال والمعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه.
والنسائي: فانصرف الرجل فصلّى في ناحية المسجد، وهو يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة.
قال في شرح المهذّب: له أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردًا، وإن لم يخرج منها.
قال: وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه.
أحدها: أن يجوز لعذر ولغير عذر.
والثاني: لا يجوز مطلقًا.
والثالث: يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذر على الأصح انتهى.
وفي مسلم كما مر: فانحرف رجل فسلم ثم صلّى وحده، وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها.
فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها العذر.
وقال الحنفية والمالكية، في المشهور عندهم: لا يجوز ذلك لأن فيه إبطال عمل.
( فكأن معاذًا تناول منه) بسوء، فقال، كما لابن حبان والمصنف في الأدب: إنه منافق.
وقوله: فكأن بهمزة ونون مشددة، وتناول بمثناة فوقية آخره لام قبلها واو، وللأربعة: فكان معاذ ينال منه، بإسقاط همزة كان وتخفيف النون، وينال بمثناة تحتية وإسقاط الواو، وهذه تدل على كثرة ذلك منه بخلاف تلك: ( فبلغ) ذلك ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللنسائي، فقال معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر ذلك له، فأرسل إليه، فقال: ما الذي حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله عملت على ناضح لي بالنهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة فدخلت المسجد، فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا، فانصرفت فصلّيت في ناحية المسجد، ( فقال) عليه الصلاة والسلام: أنت ( فتان) أنت ( فتان) .
قال ذلك ( ثلاث مرار) ، ولابن عساكر في نسخة، مرات، وفتان: بالرفع في الثلاث خبر مبتدأ محذوف، أي أنت منفر عن الجماعة صادّ عنها، لأن التطويل كان سببًا للخروج من الصلاة وترك الجماعة.
وفي الشعب للبيهقي بإسناد صحيح عن عمرو، لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إمامًا فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هم فيه.
ولابن عيينة: أفتان، فهمزة الاستفهام الإنكاري والتكرار للتأكيد ( أو قال فاتنًا، فاتنًا، فاتنًا) بالنصب في الثلاث خبر تكون المقدرة، أو تكون فاتنًا.
لكن في غير رواية الأربعة: فاتن الأخيرة بالرفع بتقدير: أنت، والشك من الراوي.
وقال البرماوي كالكرامي عن جابر: ( وأمره) عليه الصلاة والسلام أن يقرأ ( بسورتين من أوسط المفصل) يؤم بهما قومه.
( قال عمرو) هو ابن دينار ( لا أحفظهما) أي السورتين المأمور بهما.
نعم في رواية سليم بن حبان عن عمرو: اقرأ { والشمس وضحاها} و { سبح اسم ربك الأعلى} ، ونحوهما.
وللسراج: أما يكفيك أن تقرأ: بالسماء والطارق والشمس وضحاها.
وفي مذهب وهب اقرأ: { سبح اسم ربك الأعلى} و { الشمس وضحاها} .
ولأحمد بإسناد قوي ( اقتربت الساعة) والسور التي مثل بهن من قصار المفصل، فلعله أراد المعتدل.
أي المناسب للحال منها، وكان قول عمرو الأول وقع منه في حال تحديثه لشعبة ثم ذكره.
وأول المفصل من: الحجرات، أو من: القتال، أو من: الفتح، أو من: ق، وطواله إلى سورة عم، وأوساطه إلى: الضحى، أو طواله إلى: الصف، وأوساطه إلى:الانشقاق.
والقصار إلى آخره، كلها أقوال.
واستنبط من الحديث صحة اقتداء المفرض بالمتنفل لأن معاذًا كان فرضه الأولى والثانية نفل لزيادة في الحديث عند الشافعي، وعبد الرزاق، والدارقطني: هي له تطوع ولهم فريضة.
وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
وصرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه، فانتفت تهمة تدليسه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافًا للحنفية والمالكية.
واستنبط منه أيضًا تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين.
ورواة الحديث الأول أربعة، وهو مختصر، والظاهر أن قوله في الحديث الثاني: فصلّى العشاء إلى آخره، داخل تحت الطريق الأولى.
وكان الحامل له على ذلك أنها لو دخلت على ذلك لما طابقت الترجمة ظاهرًا، لكن لقائل أن يقول: مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو بن جابر، وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة.
61 - باب تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي الْقِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( باب) حكم ( تخفيف الإمام في القيام، وإتمام) أي مع إتمام ( الركوع والسجود) وخص التخفيف بالقيام لأنه مظنة التطويل، فهو تفسير لقوله في الحديث، الآتي إن شاء الله تعالى، فليتجوز لأنه لا يأمر بالتجوّز المؤدي إلى إفساد الصلاة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [701] وفيه: دليل عَلَى أن الصَّحَابَة لَمْ يكن من عادتهم قراءة بعض سورة فِي الفرض؛ فإن معاذاً لما افتتح سورة البقرة علم الرَّجُلُ أَنَّهُ يكملها فِي صلاته، فلذلك انصرف.
وقد خرجه مُسْلِم من حَدِيْث سُفْيَان – هُوَ: ابن عُيَيْنَة -، عَن عَمْرِو، عَن جابر،.

     وَقَالَ  فِي حديثه: فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رَجُل فسلم، ثُمَّ صلى وحده وانصرف، فقالوا لَهُ: أنافقت يَا فلان؟ قَالَ: لا، والله، ولآتين رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلأخبرنه، فأتى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إنا أصْحَاب نواضح، نعمل بالنهار، وإن معاذاً صلى معك العشاء، ثُمَّ أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى معاذ، فَقَالَ: ( ( يَا معاذ، أفتان أنت؟) ) – وذكر الحَدِيْث.
ففي هذه الرواية: أَنَّهُ انصرف بمجرد افتتاح معاذ للبقرة.
وفيها: أَنَّهُ سلم ثُمَّ صلى وحده وانصرف، ولم ينكر عَلِيهِ النببي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ.
وذكر البيهقي فِي ( ( كِتَاب المعرفة) ) : أن هذه الزيادة – يعني: سلام الرَّجُلُ – تفرد بِهَا مُحَمَّد بن عباد، عَن سُفْيَان.
قَالَ: لا أدري هَلْ حفظها عَن سُفْيَان، أم لا؛ لكثرة من رواه عَن سُفْيَان بدونها؟ وقد خرجه النسائي من طريق سُفْيَان – أَيْضاً -، وزاد فِيهِ بعد قوله: ( ( فاستفتح بسورة البقرة) ) : ( ( فلما سَمِعْت ذَلِكَ تأخرت فصليت) ) .
وخرجه – أَيْضاً – من طريق الأعمش، عَن محارب بن دثار وأبيصالح، عَن جابر، وفي حديثه: أن معاذاً أمر الرَّجُلُ للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأرسل إليه النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: ( ( مَا حملك عَلَى الَّذِي صنعت؟) ) فَقَالَ: يَا رَسُول الله، علمت عَلَى ناضح من النهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة، فدخلت المسجد فدخلت مَعَهُ فِي الصلاة، وقرأ سورة كذا وكذا وطول، فانصرفت فصليت فِي ناحية المسجد.
فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أفتان يَا معاذ؟) ) .
فيستدل بهذا: عَلَى أن الإمام إذا طول عَلَى المأموم وشق عَلِيهِ إتمام الصلاة مَعَهُ؛ لتعبه أو غلبه النعاس عَلِيهِ أن لَهُ أن يقطع صلاته مَعَهُ، ويكون ذَلِكَ عذراً فِي قطع الصلاة المفروضة، وفي سقوط الجماعة فِي هذه الحال، وأنه يجوز أن يصلي لنفسه منفرداً فِي المسجد ثُمَّ يذهب، وإن كان الإمام يصلي فِيهِ بالناس.
قَالَ سُفْيَان: إذا خشي عَلَى غنمه الذئب، أو عَلَى دابته أن تؤخذ، أو عَلَى صبيه أن يأكله الذئب، فلا بأس أن يقطع صلاته ويذهب إليه.
وَقَالَ الْحَسَن وقتادة، فِي رَجُل كَانَ يصلي فأشفق أن تذهب دابته، أو أغار عَلَيْهَا السبع؟ قَالا: ينصرف.
قيلَ لقتادة: يرى سارقاً يريد أن يأخذ نعليه؟ قَالَ: ينصرف.
ولو طول الإمام تطويلاً فاحشاً، أو حدث للمأموم عذر، مثل حدوث مرض، أو سماع حريق وقع فِي داره، أو خاف فساد طعام لَهُ عَلَى النار، أو ذهاب دابة لَهُ عَلَى بَاب المسجد ونحو ذَلِكَ، فنوى مفارقة إمامه، وأتم صلاته منفرداً، وانصرف جاز ذَلِكَ عِنْدَ أصحابنا – أَيْضاً – وحكوه عَنالشَّافِعِيّ وأبي يوسف ومحمد.
وعن مَالِك وأبي حنيفة: تبطل صلاته بذلك.
واستدل أصحابنا بما رَوَى الإمام أحمد فِي ( ( مسنده) ) : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل - هُوَ: ابن علية -: ثنا عَبْد العزيز بن صهيب، عَن أَنَس، قَالَ: كَانَ معاذ بن جبل يؤم قومه، فدخل حرام وَهُوَ يريد أن يسقي نخله، فدخل المسجد مَعَ القوم، فلما رأى معاذاً طول تجوز فِي صلاته ولحق بنخلة يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة قيلَ لَهُ: إن حراماً دَخَلَ المسجد، فلما رآك طويت تجوز فِي صلاته ولحق نخلة يسقيه.
قَالَ: إنه لمنافق، أيعجل عَن الصلاة من أجل سقي نخلة؟! قَالَ: فجاء حرام إلى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعاذ عنده، فَقَالَ: يَا بني الله؛ إني أردت أن أسقي نخلاً لِي، فدخلت المسجد لأصلي مَعَ القوم، فلما طول تجوزت فِي صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه، فزعم أنى منافق، فأقبل النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى معاذ، فَقَالَ: ( ( أفتان أنت؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! لا تطول بهم؛ أقرأ ب { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] ونحوهما) ) .
وخرج – أَيْضاً – من طريق حسين بن واقد، عَن عَبْد الله بن بريدة، عَن أَبِيه، أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه العشاء، فقرأ فيها { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] فقام رَجُل من قَبْلَ أن يفرغ، فصلى وذهب، فَقَالَ لَهُ معاذ قولاً شديداً، فأتى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واعتذر إليه،.

     وَقَالَ : إني كُنْتُ أعمل فِي نخل، وخفت عَلَى الماء، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني لمعاذ -: ( ( صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور) ) .
وروى مُحَمَّد بن عجلان، عَن عُبَيْدِ الله بن مقسم، عَن جابر هذه القصة بطولها، وفيها: فصلى خلفه فتى من قومه، فلما طال عَلَى الفتى صلى وخرج.
وفي هَذَا الحَدِيْث: أن معاذاً أخبر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما صنع الفتى، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، يطيل المكث عندك، ثُمَّ يرجع فيطول علينا.
فَقَالَ: ( ( أفتان أنت يَا معاذ؟) ) – وذكر الحَدِيْث.
خرجه أبو داود، مختصراً لَمْ يتمه.
وَقَالَ أصحابنا: هذه قصة أخرى غير قصة الَّذِي سلم من صلاته وصلى لنفسه وانصرف.
وقد روي أن الرَّجُلُ صلى قَبْلَ أن يجيء معاذ، وانصرف لما أبطأ معاذ، وأن اسمه: سليم.
وهذا يدل عَلَى أن هذه قصة أخرى غير قصة حرام.
فروى أسامة بن زيد: سَمِعْت معاذ بن عَبْد الله بن خبيب، قَالَ: سَمِعْت جابر بن عَبْد الله، قَالَ: كَانَ معاذ يتخلف عِنْدَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان إذا جَاءَ أم بقومه، وكان رَجُل من بني سَلَمَة – يقال لَهُ: سليم – يصلي مَعَ معاذ، فاحتبس معاذ عنهم ليلة، فصلى سليم ثُمَّ انصرف – وذكر الحَدِيْث، وفيه: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سأل سليماً: كَيْفَ صلى؟ فَقَالَ: قرأت بفاتحة الكتاب سورة، ثُمَّ قعدت وتشهدت، وسألت الجن وتعوذت من النار، وصليت عَلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،ثُمَّ انصرفت، وليس أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ.
فضحك النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ: ( ( هَلْ أدندن أنا أو معاذ إلا لندخل الجنة ونعاذ من النار؟) ) ثُمَّ أرسل إلى معاذ: ( ( لا تكن فتاناً تفتن النَّاس، ارجع إليهم فصل بهم قَبْلَ أن يناموا) ) .
خرجه البزار.
وقد روي أن اسم الرَّجُلُ حزم بن [أَبِي] كعب.
وقد خرج أبو داود حديثه مختصراً.
وهذا يستدل بِهِ عَلَى أنها وقائع متعددة.
ولم نقف فِي شيء من الروايات عَلَى أن الرجل قطع صلاته وخرج من المسجد ولم يصل، كما بوب عَلِيهِ البخاري.
وفي بعض النسخ: ( ( فخرج فصلى) ) ، وَهُوَ أصح.
ولو فارق المأموم لغير عذر، لَمْ يجز فِي أصح الروايتين عَن أحمد، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي حنيفة ومالك.
والثانية: يجوز، وَهُوَ قَوْلِ أَبِي يوسف ومحمد.
وللشافعي قولان.
واستدلوا عَلَى أَنَّهُ لا يجوز، وأن الصلاة تبطل بِهِ بقول النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إنما الإمام ليؤتم بِهِ، فلا تختلفوا عَلِيهِ) ) ، ومفارقته من غير عذر من الاختلاف عَلِيهِ.
وأيضاً؛ فَقَدْ سبق الاستدلال عَلَى وجوب الجماعة، والواجب إذا مَا شرع فِيهِ لَمْ يجز إبطاله وقطعه لغير عذر، كأصل الصلاة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
61 - بَاب تَخْفيفِ الإمامِ فِي القيَامِ وإتْمامِ الرُّكُوعََ والسُّجُوِد

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [ قــ :680 ... غــ :701] .

     قَوْلُهُ  يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنْ عَمْرٍو عِشَاءَ الْآخِرَةِ فَكَأَنَّ الْعِشَاءَ هِيَ الَّتِي كَانَ يُوَاظِبُ فِيهَا عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ الْمَذْكُورَةِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ أَيِ الْمَذْكُورَةَ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا بقَوْمه وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن بن عُيَيْنَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ وَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِأَنَّ قَوْمَهُ هُمْ بَنُو سَلِمَةَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ فِي بَنِي سَلِمَةَ وَلِأَحْمَدَ ثمَّ يرجع فيؤمنا قَوْله فَصَلَّى الْعِشَاءَ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَارِبٍ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ وَكَذَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ مَجَازًا تَمَّ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْبَقَرَةَ بل يَقُول سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلِمُسْلِمٍ عَن بن عُيَيْنَةَ نَحْوُهُ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الرُّوَاةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي قِرَاءَتِهَا وَبِهِ صَرَّحَ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَارِبٍ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوِ النِّسَاءِ عَلَى الشَّكِّ وَلِلسَّرَّاجِ مِنْ رِوَايَةِ مِسْعَرٍ عَنْ مُحَارِبٍ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ كَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ الزَّكِيِّ الْبَرْزَالِيِّ بِالْوَاوِ فَإِنْ كَانَ ضَبَطَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالنِّسَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بِإِسْنَاد قوي فَقَرَأَ اقْتَرَبت السَّاعَة وَهِيَ شَاذَّةٌ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَسْمِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ طَالِبِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَرَّ حَزْمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمِهِ صَلَاةَ الْعَتَمَةِ فَافْتَتَحَ بِسُورَةٍ طَوِيلَةٍ وَمَعَ حَزْمٍ نَاضِحٌ لَهُ الْحَدِيثَ قَالَ الْبَزَّارُ لَا نعلم أحدا سَمَّاهُ عَن جَابر إِلَّا بن جَابِرٍ اه وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ طَالِبٍ فَجَعَلَهُ عَن بن جَابر عَن حزم صَاحب الْقِصَّة وبن جَابِرٍ لَمْ يُدْرِكْ حَزْمًا وَوَقَعَ عِنْدَهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي رِوَايَة محَارب وَرَوَاهُ بن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَسَمَّاهُ حازما وَكَأَنَّهُ صحفه أخرجه بن شَاهِينَ مِنْ طَرِيقِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو يعلى وبن السَّكَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ قَالَ كَانَ مُعَاذُ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَدَخَلَ حَرَامٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ الْحَدِيثَ كَذَا فِيهِ بِرَاءٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ خَالُ أَنَسٍ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي الرِّوَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا مِنْ حَزْمٍ فَتَجْتَمِعُ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ وَإِلَى ذَلِك يُومِئ صَنِيع بن عَبْدِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الصَّحَابَةِ حَرَامَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَذَكَرَ لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَعَزَا تَسْمِيَتَهُ لِرِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى تَسْمِيَةِ أَبِيهِ وَكَأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَنَّ اسْمَهُ تَصَحَّفَ وَالْأَبُ وَاحِدٌ سَمَّاهُ جَابِرٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ أَنَسٌ وَجَاءَ فِي تَسْمِيَتِهِ قَوْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يُقَالُ لَهُ سُلَيْمٌ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا نَظَلُّ فِي أَعْمَالِنَا فَنَأْتِي حِينَ نُمْسِي فَنُصَلِّي فَيَأْتِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَنَأْتِيهِ فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ وَسَماهُ سليما أَيْضا لَكِن وَقع عِنْد بن حَزْمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ اسْمَهُ سَلْمٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ الْعِشَاءُ أَوِ الْمَغْرِبُ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي السُّورَةِ هَلْ هِيَ الْبَقَرَةُ أَوِ اقْتَرَبَتْ وَبِالِاخْتِلَافِ فِي عُذْرِ الرَّجُلِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ جَاءَ مِنَ الْعَمَلِ وَهُوَ تَعْبَانٌ أَوْ لِكَوْنِهِ أَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ نَخْلَهُ إِذْ ذَاكَ أَوْ لِكَوْنِهِ خَافَ عَلَى الْمَاءِ فِي النَّخْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْجَمْعُ لِأَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِالتَّخْفِيفِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى التَّطْوِيلِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ أَوَّلًا بِالْبَقَرَةِ فَلَمَّا نَهَاهُ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّوَرِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ أَوَّلًا وَقَعَ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَنْفِيرِ بَعْضِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمَّا اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُهُمْ بِالْإِسْلَامِ ظَنَّ أَنَّ الْمَانِعَ زَالَ فَقَرَأَ بِاقْتَرَبَتْ لِأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَصَادَفَ صَاحِبَ الشُّغْلِ وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِالْبَقَرَةِ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ ثُمَّ قَرَأَ اقْتَرَبَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَانْصَرَفَ آخَرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَّا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَيُقَوِّي رِوَايَةَ مَنْ سَمَّاهُ سُلَيْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاحِدٌ مِنَ الرِّجَالِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ كَالنَّكِرَةِ فِي مُؤَدَّاهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَامَ رَجُلٌ فَانْصَرَفَ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ لَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادٍ شَيْخَ مُسْلِمٍ تفرد عَن بن عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَاب بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِهِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ جَابِرٍ لَمْ يَذْكُرُوا السَّلَامَ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ قَطَعَ الصَّلَاةَ لِأَنَّ السَّلَامَ يُتَحَلَّلُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَةَ فَقَطْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الصَّلَاةِ بَلِ اسْتَمَرَّ فِيهَا مُنْفَرِدًا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ فِي الْكَلَامِ على رِوَايَة الشَّافِعِي عَن بن عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ فَصَلَّى وَحْدَهُ هَذَا يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَتَنَحَّى عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَاسْتَأْنَفَهَا لِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ انْتَهَى وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْطَعَ الْقُدْوَةَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا وَنَازَعَ النَّوَوِيُّ فِيهِ فَقَالَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ بَلْ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ سَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الصَّلَاة وإبطالها لعذر قَوْله فَكَانَ معَاذ يَنَالُ مِنْهُ وَلِلْمُسْتَمْلِي تَنَاوَلَ مِنْهُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَكَأَنَّ بِهَمْزَةٍ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ وَالْأُولَى تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَمَعْنَى يَنَالُ مِنْهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ ذَكَرَهُ بِسُوءٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ وَلَفْظُهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ إِنَّهُ مُنَافِقٌ وَكَذَا لِأَبِي الزُّبَيْرِ وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالُوا لَهُ أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا وَاللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ وَكَأَنَّ مُعَاذًا قَالَ ذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَهُ أَصْحَابُ مُعَاذٍ لِلرَّجُلِ .

     قَوْلُهُ  فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَين بن عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا مُحَارِبٌ وَأَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ فَقَالَ معَاذ لَئِن أَصبَحت لَا ذكرن ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَمِلْتُ عَلَى نَاضِحٍ لِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّ مُعَاذًا سَبَقَهُ بِالشَّكْوَى فَلَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ جَاءَ فَاشْتَكَى مِنْ مُعَاذٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ فَتَّانٌ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ زَادَ مُحَارِبٌ ثَلَاثًا .

     قَوْلُهُ  أَوْ قَالَ فَاتِنًا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَاتِنًا وَلِأَحْمَدَ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الْمُتَقَدِّمِ يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَاتِنًا وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَا تُطَوِّلْ بِهِمْ وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ هَا هُنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الصَّلَاةِ وَلِلتَّكَرُّهِ لِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ لَا تُبَغِّضُوا إِلَى اللَّهِ عِبَادَهُ يَكُونُ أَحَدُكُمْ إِمَامًا فَيُطَوِّلُ عَلَى الْقَوْمِ الصَّلَاةَ حَتَّى يُبَغِّضَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ فَتَّانٌ أَيْ مُعَذِّبٌ لِأَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بالتطويل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ قِيلَ مَعْنَاهُ عَذَّبُوهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوسط الْمفصل قَالَ عَمْرو أَي بن دِينَار لَا أحفظما وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ تَحْدِيثِهِ لِشُعْبَةَ وَإِلَّا فَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ عَمْرٍو اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَنَحْوهَا.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا قَالَ بن عُيَيْنَةَ فَقُلْتُ لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَبِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ عَمْرٌو نَحْوَ هَذَا وَجَزَمَ بِذَلِكَ مُحَارِبٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ جَابِرٍ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَعَ الثَّلَاثَةِ اقْرَأ باسم رَبك زَاد بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَالضُّحَى أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن بن عُيَيْنَةَ مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَفِي الْمُرَادِ بِالْمُفَصَّلِ أَقْوَالٌ سَتَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ أَصَحُّهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  أَوْسَطُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُتَوَسِّطَ وَالسُّوَرَ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا مِنْ قِصَارِ الْمُتَوَسِّطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمُعْتَدِلَ أَيِ الْمُنَاسِبَ لِلْحَالِ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْلَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالشَّافِعِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ زَادَ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيح رِجَاله رجال الصَّحِيح وَقد صرح بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَمَاعِهِ فِيهِ فانتفت تُهْمَة تدليسه فَقَوْل بن الْجَوْزِيِّ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْدُودٌ وَتَعْلِيلُ الطَّحَاوِيِّ لَهُ بَان بن عُيَيْنَةَ سَاقَهُ عَنْ عَمْرٍو أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِ بن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّته لِأَن بن جريج أسن وَأجل من بن عُيَيْنَةَ وَأَقْدَمُ أَخْذًا عَنْ عَمْرٍو مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرُ عَدَدًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا.

.
وَأَمَّا رَدُّ الطَّحَاوِيِّ لَهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مُدْرَجَةٌ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّفْصِيلُ فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ مُتَابِعًا لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ هُوَ ظَنٌّ مِنْ جَابِرٍ مَرْدُودٌ لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُظَنُّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ شَخْصٍ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُشَاهَدٍ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ.

.
وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ حَاصِلَهُ النَّهْيُ عَنِ التَّلَبُّسِ بِصَلَاةٍ غَيْرِ الَّتِي أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنِيَّةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَلَوْ تَعَيَّنَتْ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ لَامْتَنَعَ عَلَى مُعَاذٍ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ بِقَوْمِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ فَرْضًا لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنْ يَتْرُكَ فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ أَفْضَلِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَرْجِيحٍ لَكِنْ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُولَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْفَضْلُ بِالِاتِّبَاعِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ إِنَّ الْعِشَاءَ فِي قَوْلِهِ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَفْرُوضَةِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّعَ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِيَ بهَا التَّنَفُّل وَأما قَول بن حَزْمٍ إِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ إِذَا أُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَهُ مُتَطَوِّعًا فَكَيْفَ يَنْسُبُونَ إِلَى مُعَاذٍ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ فَهَذَا إِن كَانَ كَمَا قَالَ نقص قَوِيٌّ وَأَسْلَمُ الْأَجْوِبَةِ التَّمَسُّكُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقْرِيرِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ حُجَّةٌ وَالْوَاقِعُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ مُعَاذٌ كُلّهمْ صَحَابَةٌ وَفِيهِمْ ثَلَاثُونَ عقبيا وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا قَالَه بن حَزْمٍ قَالَ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ امْتِنَاعُ ذَلِكَ بَلْ قَالَ مَعَهُمْ بِالْجَوَازِ عمر وبن عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَوْ سَلَّمْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الْفَرِيضَةُ فِيهِ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ أَي فَيكون مَنْسُوخا فقد تعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ لَا يَسُوغُ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ إِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ اه وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كِتَابِهِ فَإِنَّهُ قَدْ سَاق فِيهِ دَلِيل ذَلِك وَهُوَ حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ لَا تُصَلُّوا الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ إِنَّ أَهْلَ الْعَالِيَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يُصَلُّوهَا مَرَّتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا النَّهْيُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَا يُقَالُ الْقِصَّةُ قَدِيمَةٌ لِأَنَّ صَاحِبَهَا اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَتْ أُحُدٌ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ فِي الْأُولَى وَالْإِذْنُ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلًا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهم فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَةٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بن الْأسود العامري وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي أَوَاخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَدْرَكَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا أَنْ صَلُّوهَا فِي بُيُوتِكُمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ اجْعَلُوهَا مَعَهُمْ نَافِلَةً.

.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى مُعَاذًا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سُلَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِكَ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّ مَعِي فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ بَلِ التَّقْدِيرُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّي مَعِي فَقَطْ إِذَا لَمْ تُخَفِّفْ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ فَتُصَلِّي مَعِيَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ التَّخْفِيفِ بِتَرْكِ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ.

.
وَأَمَّا تَقْوِيَةُ بَعْضِهِمْ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا بِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَقَعَتْ مِرَارًا عَلَى صِفَةٍ فِيهَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ بِالْأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ فِي حَالِ الْأَمْنِ فَلَوْ جَازَتْ صَلَاةُ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ لَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَقَعُ فِيهِ مُنَافَاةٌ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْعِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ صَرِيحًا وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ.

.
وَأَمَّا صَلَاتُهُ بِهِمْ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فَلِبَيَانِ الْجَوَازِ.

.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ كَانَ فِعْلُ مُعَاذٍ لِلضَّرُورَةِ لِقِلَّةِ الْقُرَّاءِ فِي ذَلِك الْوَقْت فَهُوَ ضَعِيف كَمَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ حَافِظُوهُ كَثِيرًا وَمَا زَادَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِارْتِكَابِ أَمْرٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ.

.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ إِذَا عَلِمَ رِضَاءَ الْمَأْمُومِينَ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ لَا يَعْلَمُ حَالَ مَنْ يَأْتِي فَيَأْتَمُّ بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ مُطْلَقًا إِلَّا إِذَا فُرِضَ فِي مُصَلٍ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ فِي مَكَانٍ لَا يَدْخُلُهُ غَيْرُهُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجَةَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا عذر فِي تَخْفيف الصَّلَاة وَجَوَاز إِعَادَة الصَّلَاة الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ وَجَوَازُ خُرُوجِ الْمَأْمُومِ مِنَ الصَّلَاةِ لِعُذْرٍ.

.
وَأَمَّا بِغَيْرِ عُذْرٍ فاستدل بِهِ بَعضهم وَتعقب.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِ الْأَئِمَّةِ بِالتَّخْفِيفِ فَائِدَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَوَازُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَهَذَا كَمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْقِصَّةِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَفِيهِ نَحْوُ هَذَا النَّظَرِ وَفِيهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ بِالْجَمَاعَةُ إِذَا كَانَ بِعُذْرٍ وَفِيهِ الْإِنْكَارُ بِلُطْفٍ لِوُقُوعِهِ بِصُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَعْزِيزُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسْبِهِ وَالِاكْتِفَاءُ فِي التَّعْزِيزِ بِالْقَوْلِ وَالْإِنْكَارُ فِي الْمَكْرُوهَاتِ.

.
وَأَمَّا تَكْرَارُهُ ثَلَاثًا فَلِلتَّأْكِيدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعِيدُ الْكَلِمَةَ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ وَفِيهِ اعْتِذَارُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَطَأٌ فِي الظَّاهِرِ وَجَوَازُ الْوُقُوعِ فِي حَقِّ مَنْ وَقَعَ فِي مَحْذُورٍ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بَاطِنٌ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا وَأَنَّ التَّخَلُّفَ عَن الْجَمَاعَة من صفة الْمُنَافِق

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :680 ... غــ : 701 ]
- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ "ثَلاَثَ مِرَارٍ" أَوْ قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا، فَاتِنًا.
وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ.
قَالَ عَمْرٌو: لاَ أَحْفَظُهُمَا".

( قال) أي المؤلّف ولغير أبوي ذر والوقت إسقاط قال ( وحدّثني) بواو العطف والإفراد، وسقطت واو: وحدّثني، لأبي ذر والأصيلي ( محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة ( قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عمرو) هو ابن دينار ( قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( قال: كان معاذ بن جبل يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط ابن جبل لابن عساكر ( ثم يرجع) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فيؤم قومه) بني سلمة بتلك الصلاة، ( فصلّى) بهم ( العشاء) ولأبي عوانة: المغرب، فحمل على تعدد الواقعة ( فقرأ بالبقرة) بالموحدة، وفي نسخة: فقرأ البقرة، أي ابتدأ بقراءتها، ولمسلم: فافتتح سورة البقرة ( فانصرف الرجل) هو حزم، بالحاء المهملة والزاي المعجمة الساكنة ابن أُبي بن كعب، كما رواه أبو داود وابن حبان، أو حرام، بالمهملة والراء، ابن ملحان بكسر الميم وبالمهملة، خال أنس، قاله ابن الأثير، أو هو مسلم، بفتح أوله وسكون اللام، ابن الحرث، حكاه الخطيب.
أو الألف واللام للجنس.
أي واحد من الرجال والمعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه.

والنسائي: فانصرف الرجل فصلّى في ناحية المسجد، وهو يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة.

قال في شرح المهذّب: له أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردًا، وإن لم يخرج منها.
قال: وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه.

أحدها: أن يجوز لعذر ولغير عذر.

والثاني: لا يجوز مطلقًا.

والثالث: يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذر على الأصح انتهى.

وفي مسلم كما مر: فانحرف رجل فسلم ثم صلّى وحده، وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها.
فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها العذر.

وقال الحنفية والمالكية، في المشهور عندهم: لا يجوز ذلك لأن فيه إبطال عمل.


( فكأن معاذًا تناول منه) بسوء، فقال، كما لابن حبان والمصنف في الأدب: إنه منافق.

وقوله: فكأن بهمزة ونون مشددة، وتناول بمثناة فوقية آخره لام قبلها واو، وللأربعة: فكان معاذ ينال منه، بإسقاط همزة كان وتخفيف النون، وينال بمثناة تحتية وإسقاط الواو، وهذه تدل على كثرة ذلك منه بخلاف تلك: ( فبلغ) ذلك ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللنسائي، فقال معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر ذلك له، فأرسل إليه، فقال: ما الذي حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله عملت على ناضح لي بالنهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة فدخلت المسجد، فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا، فانصرفت فصلّيت في ناحية المسجد، ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
أنت ( فتان) أنت ( فتان) .
قال ذلك ( ثلاث مرار) ، ولابن عساكر في نسخة، مرات، وفتان: بالرفع في الثلاث خبر مبتدأ محذوف، أي أنت منفر عن الجماعة صادّ عنها، لأن التطويل كان سببًا للخروج من الصلاة وترك الجماعة.

وفي الشعب للبيهقي بإسناد صحيح عن عمرو، لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إمامًا فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هم فيه.

ولابن عيينة: أفتان، فهمزة الاستفهام الإنكاري والتكرار للتأكيد ( أو قال فاتنًا، فاتنًا، فاتنًا) بالنصب في الثلاث خبر تكون المقدرة، أو تكون فاتنًا.
لكن في غير رواية الأربعة: فاتن الأخيرة بالرفع بتقدير: أنت، والشك من الراوي.

وقال البرماوي كالكرامي عن جابر: ( وأمره) عليه الصلاة والسلام أن يقرأ ( بسورتين من أوسط المفصل) يؤم بهما قومه.
( قال عمرو) هو ابن دينار ( لا أحفظهما) أي السورتين المأمور بهما.

نعم في رواية سليم بن حبان عن عمرو: اقرأ { والشمس وضحاها} و { سبح اسم ربك
الأعلى}
، ونحوهما.

وللسراج: أما يكفيك أن تقرأ: بالسماء والطارق والشمس وضحاها.

وفي مذهب وهب اقرأ: { سبح اسم ربك الأعلى} و { الشمس وضحاها} .

ولأحمد بإسناد قوي ( اقتربت الساعة) والسور التي مثل بهن من قصار المفصل، فلعله أراد المعتدل.
أي المناسب للحال منها، وكان قول عمرو الأول وقع منه في حال تحديثه لشعبة ثم ذكره.

وأول المفصل من: الحجرات، أو من: القتال، أو من: الفتح، أو من: ق، وطواله إلى سورة عم، وأوساطه إلى: الضحى، أو طواله إلى: الصف، وأوساطه إلى: الانشقاق.
والقصار إلى آخره، كلها أقوال.


واستنبط من الحديث صحة اقتداء المفرض بالمتنفل لأن معاذًا كان فرضه الأولى والثانية نفل لزيادة في الحديث عند الشافعي، وعبد الرزاق، والدارقطني: هي له تطوع ولهم فريضة.
وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.

وصرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه، فانتفت تهمة تدليسه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافًا للحنفية والمالكية.

واستنبط منه أيضًا تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين.

ورواة الحديث الأول أربعة، وهو مختصر، والظاهر أن قوله في الحديث الثاني: فصلّى العشاء إلى آخره، داخل تحت الطريق الأولى.
وكان الحامل له على ذلك أنها لو دخلت على ذلك لما طابقت الترجمة ظاهرًا، لكن لقائل أن يقول: مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو بن جابر، وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ قــ :680 ... غــ :701 ]
- قَالَ وحدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ.

     وَقَالَ  سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله قَالَ كانَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى العِشَاءَ فقَرَأَ بِالبَقَرَةِ فانْصَرَفَ الرَّجُلُ فَكَأنَّ مُعَاذا تَنَاوَلَ مِنْهُ فَبَلَغَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ فَتَّانٌ فَتَّانُ فَتَّانٌ ثَلاثَ مِرَارٍ أوْ قالَ فاتِنا فاتِنا فاتِنا وأمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أوْسَطِ المُفَصَّلِ قَالَ عَمْرٌ ولاَ أحْفَظهُمَا.


هَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي رَوَاهَا عَن بنْدَار عَن غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة ... إِلَى آخِره، تَتِمَّة الحَدِيث الَّذِي أخرجه قبله عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة، وَقد ذكرنَا وَجه تقطيعه إِيَّاه وَوجه مطابقته للتَّرْجَمَة.

ذكر الطّرق الْمُخْتَلفَة فِي هَذَا الحَدِيث إِلَى جَابر بن عبد الله وَغَيره: وروى البُخَارِيّ أَيْضا لحَدِيث جَابر هَذَا فِي: بابُُ، من شكا إِمَامه إِذا طول، من حَدِيث محَارب ابْن دثار عَن جَابر: (أقبل رجلَيْنِ بناضحين وَقد جنح اللَّيْل فَوَافَقَ معَاذًا يُصَلِّي) الحَدِيث، وَسَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فِي بابُُه.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي الزبير: عَن جَابر عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن أبي الزبير عَنهُ، وَعَن مُحَمَّد بن رمح عَن اللَّيْث بِلَفْظ: (قَرَأَ معَاذ فِي الْعشَاء بالبقرة) .
وَأخرجه مُسلم وَلَفظه: (فَافْتتحَ سُورَة الْبَقَرَة) .
وَفِي رِوَايَة: (بِسُورَة الْبَقَرَة أَو النِّسَاء) على الشَّك، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِهِ.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح.
وَأخرجه السراج عَن محَارب بِلَفْظ: (فَقَرَأَ بالبقرة وَالنِّسَاء) .
بِالْوَاو، بِلَا شكّ.
(فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما يَكْفِيك أَن تقْرَأ: وَالسَّمَاء والطارق، وَالشَّمْس وَضُحَاهَا، وَنَحْو هَذَا؟) وَأخرجه عبد الله بن وهب فِي مُسْنده: أخبرنَا ابْن لَهِيعَة وَاللَّيْث عَن أبي الزبير، فَذكره وَفِيه: (طوَّل على أَصْحَابه فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أفتَّان أَنْت؟ خفف على النَّاس واقرأ: سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَالشَّمْس وَضُحَاهَا، وَنَحْو ذَلِك وَلَا تشق على النَّاس) .
وَعند أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث بُرَيْدَة بِإِسْنَاد قوي: (فَقَرَأَ: اقْتَرَبت السَّاعَة) ، وَفِي (صَحِيح ابْن حبَان) من حَدِيث سُفْيَان: عَن عَمْرو عَن جَابر: (أخر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء ذَات لَيْلَة فصلى مَعَه معَاذ ثمَّ رَجَعَ إِلَيْنَا فَتقدم ليؤمنا فَافْتتحَ بِسُورَة الْبَقَرَة، فَلَمَّا رأى ذَلِك رجل من الْقَوْم تنحى فصلى وَحده) ، وَفِيه: (فَأمر بسور قصار لَا أحفظها، فَقُلْنَا لعَمْرو: إِن أَبَا الزبير قَالَ لَهُم: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: إقرأ بالسماء والطارق، وَالسَّمَاء ذَات البروج، وَالشَّمْس وَضُحَاهَا، وَاللَّيْل إِذا يغشى) .
قَالَ عَمْرو بِنَحْوِ هَذَا.
وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) : عَن بنْدَار عَن يحيى بن سعيد عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن أبي الزبير عَن جَابر بِلَفْظ: (فَقَالَ معَاذ: إِن هَذَا يَعْنِي: الْفَتى يتناولني ولأخبرن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا أخبرهُ قَالَ الْفَتى: يَا رَسُول الله نطيل الْمكْث عنْدك ثمَّ نرْجِع فَيطول علينا.
فَقَالَ أفتان أَنْت يَا معَاذ؟ كَيفَ تصنع يَابْنَ أخي إِذا صليت؟ قَالَ: أَقرَأ الْفَاتِحَة وأسأل الله الْجنَّة وَأَعُوذ بِهِ من النَّار، أَي: لَا أَدْرِي مَا دندنتك ودندنة معَاذ.
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا ومعاذ حولهَا ندندن) الحَدِيث.
وَفِي (مُسْند أَحْمد) من حَدِيث معَاذ بن رِفَاعَة: (عَن رجل من بني سَلمَة يُقَال لَهُ سليم أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِي الله إِنَّا نظل فِي أَعمالنَا فنأتي حِين نمسي فنصلي، فَيَأْتِي معَاذ بن جبل فينادي بِالصَّلَاةِ فنأتيه فَيطول علينا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا معَاذ لَا تكن فاتنا) وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من هَذَا الْوَجْه: عَن معَاذ بن رِفَاعَة (أَن رجلا من بني سَلمَة) ، فَذكره مُرْسلا.
وَرَوَاهُ الْبَزَّار من وَجه آخر: عَن جَابر وَسَماهُ سليما أَيْضا، وَوَقع عِنْد ابْن حزم من هَذَا الْوَجْه: أَن اسْمه: سلم، بِفَتْح أَوله وَسُكُون اللَّام، فَكَأَنَّهُ تَصْحِيف.
وَالله أعلم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يُصَلِّي مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة مَنْصُور عَن عَمْرو: (عشَاء اآخرة) ، فَكَأَن معَاذًا كَانَ يواظب فِيهَا على الصَّلَاة مرَّتَيْنِ.
قَوْله: (ثمَّ يرجع فيؤم قومه) وَفِي رِوَايَة مَنْصُور: (فَيصَلي بهم تِلْكَ الصَّلَاة) .
قَالَ بَعضهم: وَفِي هَذَا رد على من زعم أَن المُرَاد: إِن الصَّلَاة الَّتِي كَانَ يُصليهَا مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غير الصَّلَاة الَّتِي كَانَ يُصليهَا بقَوْمه، قلت: الْجَواب عَنهُ من وُجُوه: (الأول: أَن الِاحْتِجَاج بِهِ من بابُُ ترك الْإِنْكَار من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَشرط ذَلِك علمه بالواقعة، وَجَاز أَن لَا يكون علم بهَا.
الثَّانِي: أَن النِّيَّة أَمر مبطن لَا يطلع عَلَيْهِ إلاَّ بِإِخْبَار الناوي، وَمن الْجَائِز أَن يكون معَاذ كَانَ يَجْعَل صلَاته مَعَه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنية النَّفْل ليتعلم سنة الْقِرَاءَة مِنْهُ، وأفعال الصَّلَاة، ثمَّ تَأتي قومه فَيصَلي بهم صَلَاة الْفَرْض.
فَإِن قلت: يستبعد من معَاذ أَن يتْرك فَضِيلَة الْفَرْض خلف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيَأْتِي بِهِ مَعَ قومه، وَكَيف يظنّ بمعاذ بعد سَمَاعه قَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
وَلَعَلَّ صَلَاة وَاحِدَة مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خير لَهُ من كل صَلَاة صلاهَا فِي عمره، وَلَا سِيمَا فِي مَسْجده الَّتِي هِيَ خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ قلت: أَلَيْسَ تفوت الْفَضِيلَة مَعَه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سَائِر أَئِمَّة مَسَاجِد الْمَدِينَة، وفضيلة النَّافِلَة خَلفه من أَدَاء الْفَرْض مَعَ قومه يقوم مقَام أَدَاء الْفَرِيضَة خَلفه، وامتثال أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي إِمَامَة قومه زِيَادَة طَاعَة.
الثَّالِث: قَالَ الْمُهلب: يحْتَمل أَن يكون حَدِيث معَاذ كَانَ أول الْإِسْلَام وَقت عدم الْقُرَّاء، أَو وَقت لَا عوض للْقَوْم من معَاذ، فَكَانَت حَالَة ضَرُورَة فَلَا تجْعَل أصلا يُقَاس عَلَيْهِ.
قلت: هَذَا كَانَ قبل أحد، فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر الِاحْتِمَال.
الرَّابِع: أَنه يحْتَمل أَن يكون كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة النَّهَار، وَمَعَ قومه صَلَاة اللَّيْل، لأَنهم كَانُوا أهل خدمَة لَا يحْضرُون صَلَاة النَّهَار فِي مَنَازِلهمْ، فَأخْبر الرَّاوِي عَن حَال معَاذ فِي وَقْتَيْنِ لَا فِي وَقت وَاحِد.
الْخَامِس: أَنه حَدِيث مَنْسُوخ على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قَوْله: (فصلى الْعشَاء) ، كَذَا فِي مُعظم الرِّوَايَات، وَوَقع فِي رِوَايَة لأبي عوَانَة والطَّحَاوِي من طَرِيق محَارب: (صلى بِأَصْحَابِهِ الْمغرب) وَكَذَا فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من رِوَايَة أبي الزبير..
     وَقَالَ  بَعضهم: فَإِن حمل على تعدد الْقَضِيَّة أَو على أَن الْمغرب أُرِيد بِهِ الْعشَاء مجَازًا وإلاّ فَمَا فِي الصَّحِيح أصح؟ قلت: رجال الطَّحَاوِيّ فِي رِوَايَته رجال الصَّحِيح، فَمن أَيْن يَأْتِي الأصحية فِي رِوَايَة الْعشَاء؟ قَوْله: (فَقَرَأَ بالبقرة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن عُيَيْنَة: (فَقَرَأَ بِسُورَة الْبَقَرَة) .
وَكَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: فَالظَّاهِر أَن ذَلِك من تصرف الروَاة.
قلت: لَيْسَ ذَلِك من تصرف الروَاة، بل من تعدد الْقَضِيَّة.

قَوْله: (فَانْصَرف الرجل) ، إماأن يُرَاد بِهِ الْجِنْس، والمعرف تَعْرِيف الْجِنْس كالنكرة فِي مؤداه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: رجل أَو يُرَاد الْمَعْهُود من رجل معِين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (فَقَامَ رجل وَانْصَرف) ، وَفِي رِوَايَة سليم بن حبَان: (فتحول رجل فصلى صَلَاة خَفِيفَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن ابْن عُيَيْنَة: (فانحرف رجل فَسلم ثمَّ صلى وَحده) ، قَالَ بَعضهم: هُوَ ظَاهر فِي أَنه قطع الصَّلَاة.
وَنقل عَن النَّوَوِيّ أَنه قَالَ: قَوْله: (فَسلم) ، دَلِيل على أَنه قطع الصَّلَاة من أَصْلهَا ثمَّ استأنفها، فَيدل على جَوَاز قطع الصَّلَاة وإبطالها لعذر، قلت: ذكر الْبَيْهَقِيّ أَن مُحَمَّد بن عباد شيخ مُسلم تفرد بِهِ بقوله: (ثمَّ سلم) وَأَن الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة وَمن أَصْحَاب شَيْخه عَمْرو بن دِينَار وَأَصْحَاب جَابر لم يذكرُوا السَّلَام، وَكَأَنَّهُ فهم أَن هَذِه اللَّفْظَة تدل على أَن الرجل قطع الصَّلَاة لِأَن السَّلَام يتَحَلَّل بِهِ من الصَّلَاة، وَسَائِر الرِّوَايَات تدل على أَنه قطع الصَّلَاة فَقَط وَلم يخرج من الصَّلَاة، بل اسْتمرّ فِيهَا مُنْفَردا..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على صِحَة اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل، وَذَلِكَ لِأَن ابْن جريج روى عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر فِي حَدِيث الْبابُُ: (هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم فَرِيضَة) .
قلت: هَذِه زِيَادَة، وَقد تكلمُوا فِيهَا، فَزعم أَبُو البركات ابْن تَيْمِية: أَن الإِمَام أَحْمد ضعف هَذِه الزِّيَادَة،.

     وَقَالَ : أخْشَى أَن لَا تكون مَحْفُوظَة، لِأَن ابْن عُيَيْنَة يزِيد فِيهَا كلَاما لَا يَقُوله أحد،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) : وروى الحَدِيث مَنْصُور بن زَاذَان وَشعْبَة فَلم يَقُولَا مَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة،.

     وَقَالَ  ابْن الْجَوْزِيّ: هَذِه الزِّيَادَة لَا تصح، وَلَو صحت لكَانَتْ ظنا من جَابر، وبنحوه ذكره ابْن الْعَرَبِيّ فِي (الْعَارِضَة) ..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة روى عَن عَمْرو حَدِيث جَابر أتم من سِيَاق ابْن جريج، وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة..
     وَقَالَ  بَعضهم: وتعليل الطَّحَاوِيّ بِهَذَا لَيْسَ بقادح فِي صِحَّته، لِأَن ابْن جريج أسن وَأجل من ابْن عُيَيْنَة وأقدم أخذا عَن عَمْرو بن دِينَار مِنْهُ، وَلَو لم يكن كَذَلِك فَهِيَ زِيَادَة ثِقَة حَافظ لَيست مُنَافِيَة لرِوَايَة من هُوَ أحفظ مِنْهُ قلت: هَذِه مُكَابَرَة لتمشية كَلَامه فِي حق الطَّحَاوِيّ، فَهَل ذكر هَذَا عِنْد قَول أَحْمد، وَهُوَ أجل من ابْن جريج وَابْن عُيَيْنَة: هَذِه الزياة ضَعِيفَة، أَو عِنْد كَلَام ابْن الْجَوْزِيّ: إِن هَذِه الزِّيَادَة لَا تصح، أَو عِنْد كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ على مَا ذكرنَا؟ وَهَذَا الرَّافِعِيّ الَّذِي هُوَ من أكَابِر أئمتهم، وَمِمَّنْ يعْتَمد عَلَيْهِم وَيُؤْخَذ عَلَيْهِم، قَالَ فِي شرح هَذَا الحَدِيث: هَذَا غير مَحْمُول على مَا قَالُوا، لِأَن الْفَرْض لَا يقطع بعد الشُّرُوع فِيهِ، وَكَون ابْن جريج أسن من ابْن عُيَيْنَة وأقدم أخذا عَن عَمْرو بن دِينَار مِنْهُ بعد التَّسْلِيم لَا يسْتَلْزم نفي مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ، وَقد قَالَ الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الزِّيَادَة مدرجة، ورده بَعضهم بِأَن الأَصْل عدم الإدراج حَتَّى يثبت التَّفْصِيل، فمهما كَانَ مضموما إِلَى الحَدِيث فَهُوَ مِنْهُ قلت: لَا دَلِيل على كَونهَا مدرجة لجَوَاز أَن تكون من ابْن جريج، وَجَوَاز أَن تكون من عَمْرو بن دِينَار، وَيجوز أَن تكون من قَول جَابر، فَمن أَي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَانَ هَذَا القَوْل؟ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل على حَقِيقَة مَا كَانَ يفعل معَاذ، وَلَو ثَبت أَنه عَن معَاذ لم يكن فِيهِ دَلِيل أَنه كَانَ بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَقَوله: فمهما كَانَ مضموما إِلَى الحَدِيث فَهُوَ مِنْهُ، غير صَحِيح، لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن لَا يُوجد مدرج أصلا، وَسَنذكر مزِيد الْكَلَام فِيهِ فِي ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِن قلت: هَل علم اسْم هَذَا الرجل؟ قلت: هُنَا لم يسم، وَلَكِن روى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) وَالْبَزَّار من طَرِيقه: عَن طَالب بن حبيب عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر عَن أَبِيه قَالَ: (مر حزم بن أبي كَعْب بمعاذ بن جبل وَهُوَ يُصَلِّي بقَوْمه صَلَاة الْعَتَمَة، فَافْتتحَ بِسُورَة طَوِيلَة وَمَعَ حزم نَاضِح لَهُ) الحَدِيث.
قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم أحدا سَمَّاهُ عَن جَابر إلاّ ابْن جَابر.
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) : حزم ابْن أبي كَعْب، قيل: هُوَ الَّذِي طول عَلَيْهِ معَاذ فِي الْعشَاء ففارقه مِنْهَا، وروى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) : حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا طَالب بن حبيب، قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن جَابر يحدث عَن حزم بن أبي كَعْب أَنه أَتَى معَاذًا وَهُوَ يُصَلِّي بِقوم صَلَاة الْمغرب، فِي هَذَا الْخَبَر قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا معَاذ لَا تكن فتانا، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِير والضعيف وَذُو الْحَاجة وَالْمُسَافر) .

قَوْله: فِي هَذَا الْخَبَر، أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ عَمْرو عَن جَابر: (كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ يرجع فيؤمنا) الحَدِيث.
وَقيل: اسْم الرجل حرَام، روى أَحْمد فِي (مُسْنده) بِإِسْنَاد صَحِيح: عَن أنس قَالَ: (كَانَ معَاذ يؤم قومه فَدخل حرَام وَهُوَ يُرِيد أَن يسْقِي نخله) الحَدِيث،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: حرَام ضد الْحَلَال ابْن ملْحَان، بِكَسْر الْمِيم: خَال أنس بن مَالك..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَظن بَعضهم أَنه حرَام ابْن ملْحَان، خَال أنس بن مَالك، لَكِن لم أره مَنْسُوبا فِي الرِّوَايَة، وَيحْتَمل أَن يكون مُصحفا من حزم.
قلت: عدم رُؤْيَته مَنْسُوبا فِي الرِّوَايَة لَا يدل على أَنه مصحف من حزم..
     وَقَالَ  فِي (التَّلْوِيح) : وَهُوَ فِي (مُسْند أَحْمد) : بِسَنَد صَحِيح: عَن أنس (كَانَ معَاذ يؤم قومه، فَدخل حرَام يَعْنِي: ابْن ملْحَان وَهُوَ يُرِيد أَن يسْقِي نخله، فَلَمَّا رأى معَاذًا طول، تحول وَلحق بنخله يسْقِيه) .
وَقيل: إسمه سليم، رجل من بني سَلمَة، وروى أَحْمد أَيْضا فِي (مُسْنده) من حَدِيث معَاذ بن رِفَاعَة: عَن سليم رجل من بني سَلمَة أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن معَاذًا) الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ مُسْتَوفى عَن قريب.

قَوْله: (فَكَانَ معَاذ ينَال مِنْهُ) أَي: من الرجل الْمَذْكُور، وَمعنى: ينَال مِنْهُ أَي: يُصِيب مِنْهُ، أَي: يعِيبهُ ويتعرض بِهِ بالإيذاء.
وَقَوله: (كَانَ) ، فعل مَاض، ومعاذ بِالرَّفْع اسْمه.
وَقَوله: (ينَال مِنْهُ) جملَة فِي مَحل النصب على أَنه خبر: لَكَانَ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (يتَنَاوَل مِنْهُ) من بابُُ التفاعل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَكَأَن معَاذًا) بِالْهَمْزَةِ وَالنُّون الْمُشَدّدَة.
وَقَوله: (معَاذًا) بِالنّصب اسْم: كَأَن، وَقد فسر ذَلِك فِي رِوَايَة سليم بن حبَان.
وَلَفظه: (فَبلغ ذَلِك معَاذًا فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي الزبير وَابْن عُيَيْنَة: (فَقَالُوا لَهُ: أنافقت يَا فلَان؟ قَالَ: لَا وَالله، لَآتِيَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلأخبرنه) .
فَكَأَن معَاذًا قَالَ ذَلِك فِي غيبَة الرجل، وبلّغه إِلَى الرجل أَصْحَابه.
قَوْله: (فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فَبلغ ذَلِك الْأَمر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد بَين ابْن عُيَيْنَة ومحارب بن دثار فِي روايتهما أَنه الَّذِي جَاءَ فاشتكى من معَاذ، وَفِي رِوَايَة للنسائي: (فَقَالَ معَاذ: لَئِن أَصبَحت لأذكرنّ ذَلِك للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ، فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا حملك على الَّذِي صنعت؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عملت على نَاضِح لي بِالنَّهَارِ، فَجئْت وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة فَدخلت الْمَسْجِد، فَدخلت مَعَه فِي الصَّلَاة فَقَرَأَ بِسُورَة كَذَا وَكَذَا، فَانْصَرَفت فَصليت فِي نَاحيَة الْمَسْجِد.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفتانا يَا معَاذ؟ أَفتانا يَا معَاذ؟ قَوْله: (فتان فتان فتان ثَلَاث مرار) ، ويروى: (ثَلَاث مَرَّات و: فتان، مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: أَنْت فتان، والتكرار للتَّأْكِيد، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: (أفتان أَنْت) ؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار، وَمَعْنَاهُ: أَنْت منفر، لِأَن التَّطْوِيل سَبَب لخروجهم من الصَّلَاة، وللتكره للصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: يحْتَمل أَن يُرِيد بقوله: (فتان) أَي: معذب، لِأَنَّهُ عذبهم بالتطويل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} (البروج: 10) .
عذبوهم.
قَوْله: ((أَو قَالَ: فاتنا فاتنا فاتنا؟) هَذَا شكّ من الرَّاوِي، ونصبه على أَنه خبر: يكون، مُقَدرا أَي: يكون فاتنا.
وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: أَتُرِيدُ أَن تكون فاتنا؟ وَفِي رِوَايَة أَحْمد فِي حَدِيث معَاذ بن رِفَاعَة الْمُتَقَدّم ذكره: (يَا معَاذ لَا تكن فاتنا) .
وَزَاد فِي حَدِيث أنس: (لَا تطول بهم) .
قَوْله: (من أَوسط الْمفصل) أَوسط الْمفصل من: كورت إِلَى الضُّحَى، وطوال الْمفصل من سُورَة: الحجرات إِلَى: وَالسَّمَاء ذَات البروج، وقصار الْمفصل من: الضُّحَى إِلَى آخر الْقُرْآن.
وَقيل: أول الطوَال من: قَاف،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: رُوِيَ هَذَا فِي حَدِيث مَرْفُوع، وَحكى القَاضِي عِيَاض أَنه من: الجاثية، وسمى الْمفصل لِكَثْرَة الْفُصُول فِيهِ.
وَقيل: لقلَّة الْمَنْسُوخ فِيهِ.
قَوْله: (قَالَ عَمْرو: لَا أحفظهما) أَي: قَالَ عَمْرو ابْن دِينَار: لَا أحفظ الصُّورَتَيْنِ الْمَأْمُور بهما، وَكَانَ عمرا ذال ذَلِك فِي حَال تحديثه لشعبة، وإلاّ فَفِي رِوَايَة سليم بن حبَان عَن عَمْرو: إقرأ: وَالشَّمْس وَضُحَاهَا، وَسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى وَنَحْوهَا.
وَذكرنَا شَيْئا من هَذَا فِيمَا رَوَاهُ عبد الله بن وهب فِي (مُسْنده) وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه) [/ ح.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتدلَّ الشَّافِعِي بِهَذَا الحَدِيث على صِحَة اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل على أَن معَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأولَى الْفَرْض، وبالثانية النَّفْل.
وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر، وَهُوَ قَول عَطاء وَطَاوُس وَسليمَان بن حَرْب وَدَاوُد،.

     وَقَالَ  أَصْحَابنَا: لَا يُصَلِّي المفترض خلف المتنفل، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة، وَأحمد فِي رِوَايَة أبي الْحَارِث عَنهُ،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: اخْتَار هَذِه الرِّوَايَة أَكثر أَصْحَابنَا، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ وَأبي قلَابَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: وَبِه قَالَ مُجَاهِد وطاووس،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَيدل عَلَيْهِ أَي: على صِحَة اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل، مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ والطَّحَاوِي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم من طَرِيق ابْن جريج: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر فِي حَدِيث الْبابُُ زَاد: (هِيَ لَهُ تطوع وَلَهُم فَرِيضَة) ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح، وَالْجَوَاب عَن هَذَا: أَن هَذِه زِيَادَة قد ذكرنَا مَا قَالُوا فِيهَا، ونقول أَيْضا: إِن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة النَّهَار وَمَعَ قومه صَلَاة اللَّيْل، فَأخْبر الرَّاوِي فِي قَوْله: (فَهِيَ لَهُم فَرِيضَة وَله نَافِلَة) بِحَال معَاذ فِي وَقْتَيْنِ لَا فِي وَقت وَاحِد، أَو نقُول: هِيَ حِكَايَة حَال لم نعلم كيفيتها فَلَا نعمل بهَا، ونستدل بِمَا فِي (صَحِيح ابْن حبَان) : (الإِمَام ضَامِن) ، بِمَعْنى: يضمنهَا صِحَة وَفَسَادًا، وَالْفَرْض لَيْسَ مَضْمُونا فِي النَّفْل..
     وَقَالَ  ابْن بطال: وَلَا اخْتِلَاف أعظم من اخْتِلَاف النيات، وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ بِنَاء المفترض على صَلَاة المتنفل لما شرعت صَلَاة الْخَوْف مَعَ كل طَائِفَة، بَعْضهَا، وارتكاب الْأَعْمَال الَّتِي لَا تصح الصَّلَاة مَعهَا فِي غير الْخَوْف، لِأَنَّهُ كَانَ يُمكنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي مَعَ كل طَائِفَة جَمِيع صلَاته وَتَكون الثَّانِيَة لَهُ نَافِلَة وللطائفة الثَّانِيَة فَرِيضَة..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ: لَا حجَّة فِيهَا لِأَنَّهَا لم تكن بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تَقْرِيره، ورده بَعضهم بقوله: فَجَوَابه أَنهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَن رَأْي الصَّحَابِيّ إِذا لم يُخَالِفهُ غَيره حجَّة، وَالْوَاقِع هُنَاكَ كَذَلِك، فَإِن الَّذين كَانَ يُصَلِّي بهم معَاذ كلهم صحابة، وَفِيهِمْ ثَلَاثُونَ عقبيا، وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا، قَالَه ابْن حزم.
قَالَ: وَلَا يحفظ عَن غَيرهم من الصَّحَابَة امْتنَاع ذَلِك، بل قَالَ بَعضهم بِالْجَوَازِ عمر وَابْنه وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأنس وَغَيرهم.
قلت: يحْتَمل أَن يكون عدم مُخَالفَة غَيره لَهُ بِنَاء على ظنهم أَن فعله كَانَ بِأَمْر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيكون من هَذَا الْوَجْه أَيْضا عدم امْتنَاع غَيره من ذَلِك..
     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ أَيْضا: لَو سلمنَا جَمِيع ذَلِك لم يكن فِيهِ حجَّة لاحْتِمَال أَن ذَلِك كَانَ فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَت الْفَرِيضَة تصلى فِيهِ مرَّتَيْنِ، فَيكون مَنْسُوخا.
قَالَ بَعضهم: فقد تعقبه ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَنَّهُ يتَضَمَّن إِثْبَات النّسخ بِالِاحْتِمَالِ، وَهُوَ لَا يسوغ قلت: يسْتَدلّ على ذَلِك بِوَجْه حسن، وَذَلِكَ إِن إِسْلَام معَاذ مُتَقَدم، وَقد صلى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد سِنِين من الْهِجْرَة صَلَاة الْخَوْف غير مرّة من وَجه وَقع فِيهِ مُخَالفَة ظَاهِرَة بالأفعال المناقضة للصَّلَاة، فَيُقَال: لَو جَازَت صَلَاة المفترض خلف المتنفل لأمكن إِيقَاع الصَّلَاة مرَّتَيْنِ على وَجه لاتقع فِيهَا الْمُنَافَاة، والمفسدات فِي غير هَذِه الْحَالة، وَحَيْثُ صليت على هَذَا الْوَجْه مَعَ إِمْكَان دفع المفسدات على تَقْدِير جَوَاز اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل دلّ على أَنه لَا يجوز ذَلِك..
     وَقَالَ  ابْن دَقِيق الْعِيد: يلْزم الطَّحَاوِيّ إِقَامَة الدَّلِيل على مَا ادَّعَاهُ من إِعَادَة الْفَرِيضَة.
قلت: كَأَنَّهُ لم يقف على كِتَابه، فَإِنَّهُ قد سَاق فِيهِ دَلِيل ذَلِك، وَهُوَ حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رَفعه: (لَا تصلوا الصَّلَاة فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ) .
وَمن وَجه آخر مُرْسل: إِن أهل الْعَالِيَة كَانُوا يصلونَ فِي بُيُوتهم ثمَّ يصلونَ مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَبَلغهُ ذَلِك فنهاهم..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِي الِاسْتِدْلَال بذلك على تَقْدِير صِحَّته نظر، لاحْتِمَال أَن يكون النَّهْي عَن أَن يصلوها مرَّتَيْنِ على أَنَّهَا فَرِيضَة، وَبِذَلِك جزم الْبَيْهَقِيّ جمعا بَين الْحَدِيثين قلت: إِن كَانَ الرَّد بِالِاحْتِمَالِ، وَنحن أَيْضا نقُول: يحْتَمل أَن يكون النَّهْي فِي ذَلِك لأجل أَن أحدا يَقْتَدِي بِهِ فِي وَاحِدَة من الصَّلَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ صلاهما على أَنَّهُمَا فرض، وَفِي نفس الْأَمر فَرْضه إِحْدَاهمَا من غير تعْيين، فَيكون الِاقْتِدَاء بِهِ فِي صَلَاة مَجْهُولَة، فَلَا يَصح..
     وَقَالَ  بَعضهم: وَأما اسْتِدْلَال الطَّحَاوِيّ على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى معَاذًا عَن ذَلِك بقوله فِي حَدِيث سليم بن الْحَارِث: إِمَّا أَن تصلي معي، وَإِمَّا أَن تخفف عَن قَوْمك.
ودعواه أَن مَعْنَاهُ: إِمَّا أَن تصلي معي وَلَا تصلي بقومك، وَإِمَّا أَن تخفف عَن قَوْمك وَلَا تصلي معي، فِيهِ نظر، لِأَن للمخالف أَن يَقُول: بل التَّقْدِير إِمَّا أَن تصلي معي فَقَط، إِذا لم تخفف، وَإِمَّا أَن تخفف بقومك فَتُصَلِّي معي، وَهُوَ أولى من تَقْدِيره لما فِيهِ من مُقَابلَة التَّخْفِيف بترك التَّخْفِيف، لِأَنَّهُ هُوَ المسؤول عَنهُ الْمُتَنَازع فِيهِ.
قلت: الَّذِي قدره الْمُخَالف بَاطِل، لِأَن لفظ الحَدِيث: لَا تكن فتانا، إِمَّا أَن تصلي معي وَإِمَّا أَن تخفف عَن قَوْمك، فَهَذَا يدل على أَنه يفعل أحد الْأَمريْنِ: إِمَّا الصَّلَاة مَعَه أَو بقَوْمه وَلَا يجمعهما، فَدلَّ على أَن المُرَاد عدم الْجمع وَالْمَنْع، وكل أَمريْن بَينهمَا منع الْجمع كَانَ بَين نقضيهما منع الْخُلُو، كَمَا قد بَين هَكَذَا فِي مَوْضِعه.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتِحْبابُُ تَخْفيف الصَّلَاة مُرَاعَاة لحَال الْمَأْمُومين لما روى البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث الْأَعْرَج: عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا صلى أحدكُم للنَّاس فليخفف، فَإِنَّمَا فيهم الضَّعِيف والسقيم وَالْكَبِير، وَإِذا صلى لنَفسِهِ فليطول مَا شَاءَ) .
فَهَذَا يدل على أَن الإِمَام يَنْبَغِي لَهُ أَن يُرَاعِي حَال قومه، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ لأحد، وَمن ذَلِك: أَن الْحَاجة من أُمُور الدُّنْيَا عذر فِي تَخْفيف الصَّلَاة،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَفِيه: جَوَاز إِعَادَة الصَّلَاة الْوَاحِدَة فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ.
فَإِن قلت: لَيْسَ هَذَا بِمُطلق، لِأَن إِعَادَته على سَبِيل أَنَّهُمَا فرض مَمْنُوعَة بِالنَّصِّ، كَمَا ذكرنَا عَن قريب،.

     وَقَالَ  بَعضهم أَيْضا: وَفِيه: جَوَاز خُرُوج الْمَأْمُوم من الصَّلَاة لعذر، وَأما بِغَيْر عذر فاستدل بِهِ بَعضهم أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور.
قلت: فِي (شرح الْمُهَذّب) : اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن دخل مَعَ إِمَام فِي صَلَاة فصلى بَعْضهَا، هَل يجوز لَهُ أَن يخرج مِنْهَا؟ فاستدل أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث على أَن للْمَأْمُوم أَن يقطع الْقدْوَة وَيتم صلَاته مُنْفَردا، وَإِن لم يخرج مِنْهَا.
وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أوجه: أَصَحهَا: أَنه يجوز لعذر ولغير عذر، وَالثَّانِي: لَا يجوز مُطلقًا.
وَالثَّالِث: يجوز لعذر وَلَا يجوز لغيره، وَتَطْوِيل الْقِرَاءَة عذر على الْأَصَح.
قلت: أَصْحَابنَا لَا يجوزون شَيْئا من ذَلِك، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك، وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ لِأَن فِيهِ إبِْطَال الْعَمَل، وَالْقُرْآن قد منع عَن ذَلِك.
وَمن ذَلِك: جَوَاز صَلَاة الْمُنْفَرد فِي الْمَسْجِد الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ بِالْجَمَاعَة..
     وَقَالَ  بَعضهم: إِذا كَانَ بِعُذْر قلت: يجوز مُطلقًا.
وَمن ذَلِك: جَوَاز القَوْل بالبقرة لِأَن مَعْنَاهُ: السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة، وَورد أَيْضا: بِسُورَة الْبَقَرَة، كَمَا ذكرنَا.
وَمن ذَلِك: الْإِنْكَار فِي المكروهات والاكتفاء فِي التَّعْزِير بالْكلَام.