6834 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا ، فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا ، فَقَالَ أَبِي : إِنَّهُ قَالَ : كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ |
6834 حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن عبد الملك ، سمعت جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : يكون اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش |
شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث
[7222] .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ .
قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ .
قَوْلُهُ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَةِ لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
قَوْلُهُ فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ .
قَوْلُهُ فَقَالَ أَبِي إِنَّهُ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَسَأَلْتُ أَبِي مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ سَبَبُ خَفَاءِ الْكَلِمَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى جَابِرٍ وَلَفْظُهُ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى اثَّنَى عَشَرَ خَلِيفَةً قَالَ فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا فَقَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً فَقُلْتُ لِأَبِي يَا أَبَة مَا قَالَ فَذَكَرَهُ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي آخِرِهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبَى فِي أُنَاسٍ فَأَثْبَتُوا إِلَيَّ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثَّنَى عَشَرَ خَلِيفَةً وَمِثْلُهُ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَنْهُ مَنِيعًا وَعُرِفَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَاضِيًا أَيْ مَاضِيًا أَمْرُ الْخَلِيفَةِ فِيهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزِيزًا قَوِيًّا وَمَنِيعًا بِمَعْنَاهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ نَحْوُ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي صَالِحًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ نَحْوَهُ قَالَ وَزَادَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا قَالَ الْهَرْجُ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا قَالَ الْهَرج قَالَ بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ لَمْ أَلْقَ أَحَدًا يَقْطَعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَقَوْمٌ قَالُوا يَكُونُونَ بِتَوَالِي إِمَارَتِهِمْ وَقَوْمٌ قَالُوا يَكُونُونَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يَدَّعِي الْإِمَارَةَ قَالَ وَالَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْبَرَ بِأَعَاجِيبَ تَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْفِتَنِ حَتَّى يَفْتَرِقَ النَّاسُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى اثَّنَى عَشَرَ أَمِيرًا قَالَ وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا لَقَالَ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا يَفْعَلُونَ كَذَا فَلَمَّا أَعْرَاهُمْ مِنَ الْخَبَرِ عَرَفْنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ انْتَهَى وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ غَيْرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْبُخَارِيِّ هَكَذَا مُخْتَصَرَةٌ وَقَدْ عَرَفْتُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا مِنْ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ الصِّفَةَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِوِلَايَتِهِمْ وَهُوَ كَوْنُ الْإِسْلَامِ عَزِيزًا مَنِيعًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صِفَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ كُلَّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِأَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا تَضُرُّهُمْ عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ وَقَدْ لَخَصَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ فَقَالَ تَوَجَّهَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعَارضهُ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ يَعْنِي الَّذِي أخرجه أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَأَيَّامُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِذَلِكَ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا يَلِي إِلَّا اثْنَا عَشَرَ وَإِنَّمَا قَالَ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْعَدَدُ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَهَذَا إِنْ جُعِلَ اللَّفْظُ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَقَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْعِدَّةِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ يَفْتَرِقُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ فِي الْأَنْدَلُسِ وَحْدَهَا سِتَّةُ أَنْفُسَ كُلُّهُمْ يَتَسَمَّى بِالْخِلَافَةِ وَمَعَهُمْ صَاحِبُ مِصْرَ وَالْعَبَّاسِيَّةُ بِبَغْدَادَ إِلَى مَنْ كَانَ يَدَّعِي الْخِلَافَةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مِنَ الْعَلَوِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ قَالَ وَيَعْضُدُ هَذَا التَّأْوِيلَ .
قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي مُسْلِمٍ سَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ الِاثْنَا عَشَرَ فِي مُدَّةِ عِزَّةِ الْخِلَافَةِ وَقُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَاسْتِقَامَةِ أُمُورِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِالْخِلَافَةِ وَيُؤَيِّدُهُ .
قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِيمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ إِلَى أَنِ اضْطَرَبَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْفِتْنَةُ زَمَنَ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَاتَّصَلَتْ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ قَامَتِ الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ فَاسْتَأْصَلُوا أَمْرَهُمْ وَهَذَا الْعَدَدُ مَوْجُودٌ صَحِيحٌ إِذَا اعْتُبِرَ قَالَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أُخَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ انْتَهَى وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهُوَ اجْتِمَاعُ اثْنَى عَشَرَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يَطْلُبُ الْخِلَافَةَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُهَلَّبُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ ذَكَرْتُ وَجْهَ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ إِلَّا .
قَوْلُهُ كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِنَّ فِي وَجُودِهِمْ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ يُوجَدُ عَيْنُ الِافْتِرَاقِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ وَيُؤَيِّدُ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ سُئِلَ كَمْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ خَلِيفَةٍ فَقَالَ سَأَلْنَا عَنْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اثْنَا عَشَرَ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ قَدْ أَطَلْتُ الْبَحْثَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَتَطَلَّبْتُ مَظَانَّهُ وَسَأَلْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَقَعْ عَلَى الْمَقْصُودِ بِهِ لِأَنَّ أَلْفَاظَهُ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ التَّخْلِيطَ فِيهَا مِنَ الرُّوَاةِ ثُمَّ وَقَعَ لِي فِيهِ شَيْءٌ وَجَدْتُ الْخَطَّابِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ ثُمَّ وَجَدْتُ كَلَامًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنَادِي وَكَلَامًا لِغَيْرِهِ فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَبَعْدَ أَصْحَابِهِ وَأَنَّ حُكْمَ أَصْحَابِهِ مُرْتَبِطٌ بِحُكْمِهِ فَأَخْبَرَ عَنْ الْوِلَايَاتِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهُمْ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى عَدَدِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَكَأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَزَالُ الدِّينُ أَيِ الْوِلَايَةُ إِلَى أَنْ يَلِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى أَشَدَّ مِنَ الْأُولَى وَأَوَّلُ بَنِي أُمَيَّةَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَآخِرُهُمْ مَرْوَانُ الْحِمَارُ وَعِدَّتُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَلَا يُعَدُّ عُثْمَانُ وَمُعَاوِيَةُ وَلَا بن الزُّبَيْرِ لِكَوْنِهِمْ صَحَابَةً فَإِذَا أَسْقَطْنَا مِنْهُمْ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ لِلِاخْتِلَافِ فِي صُحْبَتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَغَلِّبًا بَعْدَ أَنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ صَحَّتِ الْعِدَّةُ وَعِنْدَ خُرُوجِ الْخِلَافَةِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَعَتِ الْفِتَنُ الْعَظِيمَةُ وَالْمَلَاحِمُ الْكَثِيرَةُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ دَوْلَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ فَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ تَغَيُّرًا بَيِّنًا قَالَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث بن مَسْعُود رَفعهتَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ هَلَكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْخَطَابِيُّ فَقَالُوا سِوَى مَا مَضَى قَالَ نَعَمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحَى الْإِسْلَامِ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَرْبِ شَبَّهَهَا بِالرَّحَى الَّتِي تَطْحَنُ الْحَبَّ لِمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ تَلَفِ الْأَرْوَاحِ وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ فِي قَوْلِهِ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ الْمُلْكُ قَالَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مُدَّةِ بَنِي أُمَيَّةَ فِي الْمُلْكِ وَانْتِقَالِهِ عَنْهُمْ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ فَكَانَ مَا بَيْنَ اسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَظُهُورِ الْوَهَنِ فِيهِ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً.
.
قُلْتُ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ مِنَ اسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ لِبَنِي أُمَيَّةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى مُعَاوِيَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ إِلَى أَنْ زَالَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ فَقُتِلَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ أَزْيَدَ مِنْ تِسْعِينَ سَنَةً ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْخَطِيبِ أَبِي بَكْرٍ الْبَغْدَادِيِّ .
قَوْلُهُ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ مَثَلٌ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ إِذَا انْتَهَتْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُخَافُ بِسَبَبِهِ عَلَى أَهْلِهِ الْهَلَاكُ يُقَالُ لِلْأَمْرِ إِذَا تَغَيَّرَ وَاسْتَحَالَ دَارَتْ رَحَاهُ قَالَ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى انْتِقَاضِ مُدَّةِ الْخِلَافَةِ وَقَولُهُ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ أَيْ مُلْكُهُمْ وَكَانَ مِنْ وَقْتِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى مُعَاوِيَةَ إِلَى انْتِقَاضِ مُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ نَحْوًا من سبعين قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَفَعَهُ إِذَا مَلَكَ اثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ كَانَ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة انْتهى والنقف ظَهَرَ لِي أَنَّهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهُوَ كَسْرُ الْهَامَةِ عَنِ الدِّمَاغِ وَالنِّقَافُ بِوَزْنِ فعال مِنْهُ وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنِ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ وَيُؤَيِّدُهُ .
قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ.
.
وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَضَبَطَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ النُّونِ وَفَسَّرَهُ بِالْجَدِّ الشَّدِيدِ فِي الْخِصَامِ وَلَمْ أَرَ فِي اللُّغَةِ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ الْفِطْنَةُ وَالْحَذْقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَنَّ لُؤَيًّا هُوَ بن غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ وَفِيهِمْ جِمَاعُ قُرَيْشٍ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَهُمْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فَتَكُونُ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْقَحْطَانِيِّ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ قَالَ.
.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْمَهْدِيِّ يَحْتَمِلُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ الْمَهْدِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَقَدْ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ دَانْيَالَ إِذَا مَاتَ الْمَهْدِيُّ مَلَكَ بَعْدَهُ خَمْسَةُ رِجَالٍ مِنْ وَلَدِ السِّبْطِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ خَمْسَةٌ مِنْ وَلَدِ السِّبْطِ الْأَصْغَرِ ثُمَّ يُوصِي آخِرُهُمْ بِالْخِلَافَةِ لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ السِّبْطِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ يَمْلِكُ بَعْدَهُ وَلَدُهُ فَيَتِمُّ بِذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ مَلِكًا كل وَاحِد مِنْهُم امام مهْدي قَالَ بن المنادى وَفِي رِوَايَة أبي صَالح عَن بن عَبَّاسٍ الْمَهْدِيُّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ يُفَرِّجُ اللَّهُ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلَّ كَرْبٍ وَيَصْرِفُ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَوْرٍ ثُمَّ يَلِي الْأَمْرَ بَعْدَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ وَخَمْسَةٌ مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ وَآخَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ يَمُوتُ فَيَفْسُدُ الزَّمَانُ وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا ثُمَّ يَنْزِلُ رُوحُ اللَّهِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ قَالَ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ وُجُودُ اثْنَى عَشَرَ خَلِيفَةً فِي جَمِيعِ مُدَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَعْمَلُونَ بِالْحَقِّ وان لم تتوالى أَيَّامُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَحْرٍ أَنَّ أَبَا الْجَلْدِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ لَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ يَعْمَلُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ يَعِيشُ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَةً وَالْآخَرُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ أَيِ الْفِتَنُ الْمُؤْذِنَةُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ إِلَى ان تَنْقَضِي الدُّنْيَا انْتهى كَلَام بن الْجَوْزِيِّ مُلَخَّصًا بِزِيَادَاتٍ يَسِيرَةٍ وَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٌفَكَأَنَّهُ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةً لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهَا كَلَامُهُ وَيَنْتَظِمُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَاهُ أَوْجُهٌ أَرْجَحُهَا الثَّالِثُ مِنْ أَوْجُهِ الْقَاضِي لِتَأْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاجْتِمَاعِ انْقِيَادُهُمْ لِبَيْعَتِهِ وَالَّذِي وَقَعَ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ عَلِيٍّ إِلَى أَنْ وَقَعَ أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ فِي صِفِّينَ فَسُمِّيَ مُعَاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ بِالْخِلَافَةِ ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَةَ عِنْدَ صُلْحِ الْحَسَنِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى وَلَدِهِ يَزِيدَ وَلَمْ يَنْتَظِمْ لِلْحُسَيْنِ أَمْرٌ بَلْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ يَزِيدُ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ إِلَى أَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى عبد الْملك بن مَرْوَان بعد قتل بن الزُّبَيْرِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ الْوَلِيدِ ثُمَّ سُلَيْمَانَ ثُمَّ يَزِيدَ ثُمَّ هِشَامٍ وَتَخَلَّلَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَيَزِيدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالثَّانِي عَشَرَ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ لَمَّا مَاتَ عَمُّهُ هِشَامٌ فَوَلِيَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَانْتَشَرَتِ الْفِتَنُ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ مِنْ يَوْمِئِذٍ وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي قَامَ على بن عَمِّهِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بل ثار عَلَيْهِ قبل ان يَمُوت بن عَمِّ أَبِيهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَلَمَّا مَاتَ يَزِيدُ وَلِيَ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ فَغَلَبَهُ مَرْوَانُ ثُمَّ ثَارَ عَلَى مَرْوَانَ بَنُو الْعَبَّاسِ إِلَى أَنْ قُتِلَ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ ثَارَ عَلَيْهِ ثُمَّ وَلِيَ أَخُوهُ الْمَنْصُورُ فَطَالَتْ مُدَّتُهُ لَكِنْ خَرَجَ عَنْهُمُ الْمَغْرِبُ الْأَقْصَى بِاسْتِيلَاءِ الْمَرْوَانِيِّينَ عَلَى الْأَنْدَلُسِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي أَيْدِيهِمْ مُتَغَلِّبِينَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَسَمَّوْا بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَانْفَرَطَ الْأَمْرُ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْخِلَافَةِ إِلَّا الِاسْمُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي أَيَّامِ بَنِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْطَبُ لِلْخَلِيفَةِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَشِمَالًا وَيَمِينًا مِمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَا يَتَوَلَّى أَحَدٌ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبِلَادِ كُلِّهَا الْإِمَارَةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ وَمَنْ نَظَرَ فِي أَخْبَارِهِمْ عَرَفَ صِحَّةَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ يَعْنِي الْقَتْلُ النَّاشِئُ عَنِ الْفِتَنِ وُقُوعًا فَاشِيًّا يَفْشُو وَيَسْتَمِرُّ وَيَزْدَادُ عَلَى مَدَى الْأَيَّامِ وَكَذَا كَانَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان وَالْوَجْه الَّذِي ذكره بن الْمُنَادِي لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ جَابِرٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلَفَاءُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ أُمَرَاءُ وَمِنْ بَعْدِ الْأُمَرَاءِ مُلُوكٌ وَمِنْ بَعْدِ الْمُلُوكِ جَبَابِرَةٌ ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ثُمَّ يُؤمر القطحاني فَوَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دُونَهُ فَهَذَا يرد على مَا نَقله بن الْمُنَادِي مِنْ كِتَابِ دَانْيَالَ.
.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فَوَاهٍ جِدًّا وَكَذَا عَنْ كَعْب وَأما محاولة بن الْجَوْزِيِّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَدِيثِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ وَحَدِيثِ الْبَابِ ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ وَالتَّفْسِيرُ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْخَطِيبُ بَعِيدٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَدُومَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ فَيَكُونُ انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ بِقَتْلِ عُمَرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنَ الْمَبْعَثِ فِي رَمَضَانَ كَانَتِ الْمُدَّةُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَمِيعَ الْمُدَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَمُدَّةُ الْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ خَاصَّةٌ وَيُؤَيِّدُ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الْمَاضِي قَرِيبًا الَّذِي يُشِيرُ إِلَى أَنَّ بَابَ الْأَمْنِ مِنَ الْفِتْنَةِ يُكْسَرُ بِقَتْلِ عُمَرَ فَيُفْتَحُ بَابُ الْفِتَنِ وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ انْقِضَاءُ أعمارهم وَتَكون الْمدَّة سبعين سنة إِذا جعل ابْتِدَاؤُهَا مِنْ أَوَّلِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الطَّعْنِ فِيهِ إِلَى أَنْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى قَتْلِهِ كَانَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مَضَتْ مِنْ خِلَافَتهوَعِنْدَ انْقِضَاءِ السَّبْعِينَ لَمْ يَبْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ فَهَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا تَعَرُّضُ فِيهِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِاثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ .
قَوْلُهُ يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً عَلَى حَقِيقَةِ الْبَعْدِيَّةِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ مِنَ الصِّدِّيقِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْهُمُ اثْنَانِ لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُمَا وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُمَا وَهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَالْبَاقُونَ اثْنَا عَشَرَ نَفْسًا عَلَى الْوَلَاءِ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ وَفَاةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ بَعْدَهُ وَانْقَضَى الْقَرْنُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ خَيْرُ الْقُرُونِ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ .
قَوْلُهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِمُ النَّاسُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَمْ تُفْقَدْ مِنْهُمْ إِلَّا فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ صِحَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَالْحُكْمُ بِأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمَا لَمْ يَثْبُتِ اسْتِحْقَاقُهُ إِلَّا بَعْدَ تَسْلِيم الْحسن وَبعد قتل بن الزُّبَيْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَتِ الْأُمُورُ فِي غَالِبِ أَزْمِنَةِ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ مُنْتَظِمَةً وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ مُدَّتِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْتِقَامَةِ نَادِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَكَلَّمَ بن حِبَّانَ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ انْتِقَالُ أَمْرِ الْخِلَافَةِ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ قِيَامَ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ حَتَّى وَقَعَ التَّحْكِيمُ هُوَ مَبْدَأُ مُشَارَكَةِ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ يَوْمِئِذٍ سَبْعِينَ سَنَةً فَكَانَ أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ دُعَاةُ بَنِي الْعَبَّاسِ بِخُرَاسَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَسَاقَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ عَلَيْهِ فِيهَا مُؤَاخَذَاتٌ كَثِيرَةٌ أَوَّلُهَا دَعْوَاهُ أَنَّ قِصَّةَ الْحَكَمَيْنِ كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ فَإِنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ صِفِّينَ بعد أَشْهُرٍ وَكَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَالَّذِي قَدَّمْتُهُ أَوْلَى بِأَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
( قَولُهُ بَابُ إِخْرَاجِ الْخُصُومِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ)
وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَالْأَثَرُ الْمُعَلَّقُ فِيهَا وَالْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الْأَشْخَاصِ.
وَقَالَ فِيهِ الْمَعَاصِي بَدَلَ أَهْلِ الرِّيَبِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَائِلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَقَولُهُ
( .
قَوْلُهُ بَابٌ كَذَا)
لِلْجَمِيعِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ وَسَقَطَ لَفْظُ بَابُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ والسَّرَخْسِيِّ وَهُوَ كَالْفَصْلِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ ظَاهِرٌ
[ قــ
:6834 ... غــ
:7222] .
قَوْلُهُ حَدَّثَنَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ .
قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ .
قَوْلُهُ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَةِ لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
قَوْلُهُ فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ ثُمَّ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ .
قَوْلُهُ فَقَالَ أَبِي إِنَّهُ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَسَأَلْتُ أَبِي مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ سَبَبُ خَفَاءِ الْكَلِمَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى جَابِرٍ وَلَفْظُهُ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى اثَّنَى عَشَرَ خَلِيفَةً قَالَ فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا فَقَالَ كَلِمَةً خَفِيَّةً فَقُلْتُ لِأَبِي يَا أَبَة مَا قَالَ فَذَكَرَهُ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ فَكَبَّرَ النَّاسُ وَضَجُّوا وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي آخِرِهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبَى فِي أُنَاسٍ فَأَثْبَتُوا إِلَيَّ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثَّنَى عَشَرَ خَلِيفَةً وَمِثْلُهُ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَنْهُ مَنِيعًا وَعُرِفَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَاضِيًا أَيْ مَاضِيًا أَمْرُ الْخَلِيفَةِ فِيهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزِيزًا قَوِيًّا وَمَنِيعًا بِمَعْنَاهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ نَحْوُ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي صَالِحًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ نَحْوَهُ قَالَ وَزَادَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا قَالَ الْهَرْجُ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا قَالَ الْهَرج قَالَ بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ لَمْ أَلْقَ أَحَدًا يَقْطَعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَقَوْمٌ قَالُوا يَكُونُونَ بِتَوَالِي إِمَارَتِهِمْ وَقَوْمٌ قَالُوا يَكُونُونَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يَدَّعِي الْإِمَارَةَ قَالَ وَالَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْبَرَ بِأَعَاجِيبَ تَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْفِتَنِ حَتَّى يَفْتَرِقَ النَّاسُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى اثَّنَى عَشَرَ أَمِيرًا قَالَ وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا لَقَالَ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا يَفْعَلُونَ كَذَا فَلَمَّا أَعْرَاهُمْ مِنَ الْخَبَرِ عَرَفْنَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ انْتَهَى وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ غَيْرِ الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْبُخَارِيِّ هَكَذَا مُخْتَصَرَةٌ وَقَدْ عَرَفْتُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا مِنْ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ الصِّفَةَ الَّتِي تَخْتَصُّ بِوِلَايَتِهِمْ وَهُوَ كَوْنُ الْإِسْلَامِ عَزِيزًا مَنِيعًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صِفَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ كُلَّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا تَضُرُّهُمْ عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ وَقَدْ لَخَصَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ فَقَالَ تَوَجَّهَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعَارضهُ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ يَعْنِي الَّذِي أخرجه أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَأَيَّامُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِذَلِكَ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا يَلِي إِلَّا اثْنَا عَشَرَ وَإِنَّمَا قَالَ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْعَدَدُ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَهَذَا إِنْ جُعِلَ اللَّفْظُ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ وَإِلَّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَقَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْعِدَّةِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ يَفْتَرِقُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ فِي الْأَنْدَلُسِ وَحْدَهَا سِتَّةُ أَنْفُسَ كُلُّهُمْ يَتَسَمَّى بِالْخِلَافَةِ وَمَعَهُمْ صَاحِبُ مِصْرَ وَالْعَبَّاسِيَّةُ بِبَغْدَادَ إِلَى مَنْ كَانَ يَدَّعِي الْخِلَافَةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مِنَ الْعَلَوِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ قَالَ وَيَعْضُدُ هَذَا التَّأْوِيلَ .
قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي مُسْلِمٍ سَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ الِاثْنَا عَشَرَ فِي مُدَّةِ عِزَّةِ الْخِلَافَةِ وَقُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَاسْتِقَامَةِ أُمُورِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِالْخِلَافَةِ وَيُؤَيِّدُهُ .
قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِيمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ إِلَى أَنِ اضْطَرَبَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْفِتْنَةُ زَمَنَ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَاتَّصَلَتْ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ قَامَتِ الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ فَاسْتَأْصَلُوا أَمْرَهُمْ وَهَذَا الْعَدَدُ مَوْجُودٌ صَحِيحٌ إِذَا اعْتُبِرَ قَالَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أُخَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ انْتَهَى وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهُوَ اجْتِمَاعُ اثْنَى عَشَرَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يَطْلُبُ الْخِلَافَةَ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُهَلَّبُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ ذَكَرْتُ وَجْهَ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ إِلَّا .
قَوْلُهُ كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِنَّ فِي وَجُودِهِمْ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ يُوجَدُ عَيْنُ الِافْتِرَاقِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ وَيُؤَيِّدُ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ سُئِلَ كَمْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ خَلِيفَةٍ فَقَالَ سَأَلْنَا عَنْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اثْنَا عَشَرَ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ قَدْ أَطَلْتُ الْبَحْثَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَتَطَلَّبْتُ مَظَانَّهُ وَسَأَلْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَقَعْ عَلَى الْمَقْصُودِ بِهِ لِأَنَّ أَلْفَاظَهُ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ التَّخْلِيطَ فِيهَا مِنَ الرُّوَاةِ ثُمَّ وَقَعَ لِي فِيهِ شَيْءٌ وَجَدْتُ الْخَطَّابِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ ثُمَّ وَجَدْتُ كَلَامًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُنَادِي وَكَلَامًا لِغَيْرِهِ فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَبَعْدَ أَصْحَابِهِ وَأَنَّ حُكْمَ أَصْحَابِهِ مُرْتَبِطٌ بِحُكْمِهِ فَأَخْبَرَ عَنْ الْوِلَايَاتِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهُمْ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى عَدَدِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَكَأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَزَالُ الدِّينُ أَيِ الْوِلَايَةُ إِلَى أَنْ يَلِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى أَشَدَّ مِنَ الْأُولَى وَأَوَّلُ بَنِي أُمَيَّةَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَآخِرُهُمْ مَرْوَانُ الْحِمَارُ وَعِدَّتُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَلَا يُعَدُّ عُثْمَانُ وَمُعَاوِيَةُ وَلَا بن الزُّبَيْرِ لِكَوْنِهِمْ صَحَابَةً فَإِذَا أَسْقَطْنَا مِنْهُمْ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ لِلِاخْتِلَافِ فِي صُحْبَتِهِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَغَلِّبًا بَعْدَ أَنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ صَحَّتِ الْعِدَّةُ وَعِنْدَ خُرُوجِ الْخِلَافَةِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَعَتِ الْفِتَنُ الْعَظِيمَةُ وَالْمَلَاحِمُ الْكَثِيرَةُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ دَوْلَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ فَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ تَغَيُّرًا بَيِّنًا قَالَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث بن مَسْعُود رَفعه
تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ هَلَكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْخَطَابِيُّ فَقَالُوا سِوَى مَا مَضَى قَالَ نَعَمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحَى الْإِسْلَامِ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَرْبِ شَبَّهَهَا بِالرَّحَى الَّتِي تَطْحَنُ الْحَبَّ لِمَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ تَلَفِ الْأَرْوَاحِ وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ فِي قَوْلِهِ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ الْمُلْكُ قَالَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مُدَّةِ بَنِي أُمَيَّةَ فِي الْمُلْكِ وَانْتِقَالِهِ عَنْهُمْ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ فَكَانَ مَا بَيْنَ اسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَظُهُورِ الْوَهَنِ فِيهِ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً.
.
قُلْتُ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ مِنَ اسْتِقْرَارِ الْمُلْكِ لِبَنِي أُمَيَّةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى مُعَاوِيَةَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ إِلَى أَنْ زَالَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ فَقُتِلَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ أَزْيَدَ مِنْ تِسْعِينَ سَنَةً ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْخَطِيبِ أَبِي بَكْرٍ الْبَغْدَادِيِّ .
قَوْلُهُ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ مَثَلٌ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ إِذَا انْتَهَتْ حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُخَافُ بِسَبَبِهِ عَلَى أَهْلِهِ الْهَلَاكُ يُقَالُ لِلْأَمْرِ إِذَا تَغَيَّرَ وَاسْتَحَالَ دَارَتْ رَحَاهُ قَالَ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى انْتِقَاضِ مُدَّةِ الْخِلَافَةِ وَقَولُهُ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ أَيْ مُلْكُهُمْ وَكَانَ مِنْ وَقْتِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى مُعَاوِيَةَ إِلَى انْتِقَاضِ مُلْكِ بَنِي أُمَيَّةَ نَحْوًا من سبعين قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَفَعَهُ إِذَا مَلَكَ اثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ كَانَ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة انْتهى والنقف ظَهَرَ لِي أَنَّهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهُوَ كَسْرُ الْهَامَةِ عَنِ الدِّمَاغِ وَالنِّقَافُ بِوَزْنِ فعال مِنْهُ وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنِ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ وَيُؤَيِّدُهُ .
قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ.
.
وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَضَبَطَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ النُّونِ وَفَسَّرَهُ بِالْجَدِّ الشَّدِيدِ فِي الْخِصَامِ وَلَمْ أَرَ فِي اللُّغَةِ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ الْفِطْنَةُ وَالْحَذْقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ لِأَنَّ لُؤَيًّا هُوَ بن غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ وَفِيهِمْ جِمَاعُ قُرَيْشٍ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَهُمْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فَتَكُونُ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْقَحْطَانِيِّ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ قَالَ.
.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْمُنَادِي فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْمَهْدِيِّ يَحْتَمِلُ فِي مَعْنَى حَدِيثِ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ الْمَهْدِيِّ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَقَدْ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ دَانْيَالَ إِذَا مَاتَ الْمَهْدِيُّ مَلَكَ بَعْدَهُ خَمْسَةُ رِجَالٍ مِنْ وَلَدِ السِّبْطِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ خَمْسَةٌ مِنْ وَلَدِ السِّبْطِ الْأَصْغَرِ ثُمَّ يُوصِي آخِرُهُمْ بِالْخِلَافَةِ لِرَجُلٍ مِنْ وَلَدِ السِّبْطِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ يَمْلِكُ بَعْدَهُ وَلَدُهُ فَيَتِمُّ بِذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ مَلِكًا كل وَاحِد مِنْهُم امام مهْدي قَالَ بن المنادى وَفِي رِوَايَة أبي صَالح عَن بن عَبَّاسٍ الْمَهْدِيُّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ يُفَرِّجُ اللَّهُ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلَّ كَرْبٍ وَيَصْرِفُ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَوْرٍ ثُمَّ يَلِي الْأَمْرَ بَعْدَهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا سِتَّةٌ مِنْ وَلَدِ الْحَسَنِ وَخَمْسَةٌ مِنْ وَلَدِ الْحُسَيْنِ وَآخَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ يَمُوتُ فَيَفْسُدُ الزَّمَانُ وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيًّا ثُمَّ يَنْزِلُ رُوحُ اللَّهِ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ قَالَ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ وُجُودُ اثْنَى عَشَرَ خَلِيفَةً فِي جَمِيعِ مُدَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَعْمَلُونَ بِالْحَقِّ وان لم تتوالى أَيَّامُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَحْرٍ أَنَّ أَبَا الْجَلْدِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ لَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ يَعْمَلُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ يَعِيشُ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَةً وَالْآخَرُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ أَيِ الْفِتَنُ الْمُؤْذِنَةُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ إِلَى ان تَنْقَضِي الدُّنْيَا انْتهى كَلَام بن الْجَوْزِيِّ مُلَخَّصًا بِزِيَادَاتٍ يَسِيرَةٍ وَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٌ
فَكَأَنَّهُ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةً لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهَا كَلَامُهُ وَيَنْتَظِمُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَاهُ أَوْجُهٌ أَرْجَحُهَا الثَّالِثُ مِنْ أَوْجُهِ الْقَاضِي لِتَأْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاجْتِمَاعِ انْقِيَادُهُمْ لِبَيْعَتِهِ وَالَّذِي وَقَعَ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ عَلِيٍّ إِلَى أَنْ وَقَعَ أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ فِي صِفِّينَ فَسُمِّيَ مُعَاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ بِالْخِلَافَةِ ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَةَ عِنْدَ صُلْحِ الْحَسَنِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى وَلَدِهِ يَزِيدَ وَلَمْ يَنْتَظِمْ لِلْحُسَيْنِ أَمْرٌ بَلْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ يَزِيدُ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ إِلَى أَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى عبد الْملك بن مَرْوَان بعد قتل بن الزُّبَيْرِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ الْوَلِيدِ ثُمَّ سُلَيْمَانَ ثُمَّ يَزِيدَ ثُمَّ هِشَامٍ وَتَخَلَّلَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَيَزِيدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالثَّانِي عَشَرَ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ لَمَّا مَاتَ عَمُّهُ هِشَامٌ فَوَلِيَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَانْتَشَرَتِ الْفِتَنُ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ مِنْ يَوْمِئِذٍ وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي قَامَ على بن عَمِّهِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بل ثار عَلَيْهِ قبل ان يَمُوت بن عَمِّ أَبِيهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَلَمَّا مَاتَ يَزِيدُ وَلِيَ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ فَغَلَبَهُ مَرْوَانُ ثُمَّ ثَارَ عَلَى مَرْوَانَ بَنُو الْعَبَّاسِ إِلَى أَنْ قُتِلَ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ ثَارَ عَلَيْهِ ثُمَّ وَلِيَ أَخُوهُ الْمَنْصُورُ فَطَالَتْ مُدَّتُهُ لَكِنْ خَرَجَ عَنْهُمُ الْمَغْرِبُ الْأَقْصَى بِاسْتِيلَاءِ الْمَرْوَانِيِّينَ عَلَى الْأَنْدَلُسِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي أَيْدِيهِمْ مُتَغَلِّبِينَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَسَمَّوْا بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَانْفَرَطَ الْأَمْرُ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْخِلَافَةِ إِلَّا الِاسْمُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي أَيَّامِ بَنِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْطَبُ لِلْخَلِيفَةِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَشِمَالًا وَيَمِينًا مِمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَا يَتَوَلَّى أَحَدٌ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبِلَادِ كُلِّهَا الْإِمَارَةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ وَمَنْ نَظَرَ فِي أَخْبَارِهِمْ عَرَفَ صِحَّةَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ يَعْنِي الْقَتْلُ النَّاشِئُ عَنِ الْفِتَنِ وُقُوعًا فَاشِيًّا يَفْشُو وَيَسْتَمِرُّ وَيَزْدَادُ عَلَى مَدَى الْأَيَّامِ وَكَذَا كَانَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان وَالْوَجْه الَّذِي ذكره بن الْمُنَادِي لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ جَابِرٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلَفَاءُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ أُمَرَاءُ وَمِنْ بَعْدِ الْأُمَرَاءِ مُلُوكٌ وَمِنْ بَعْدِ الْمُلُوكِ جَبَابِرَةٌ ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ثُمَّ يُؤمر القطحاني فَوَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دُونَهُ فَهَذَا يرد على مَا نَقله بن الْمُنَادِي مِنْ كِتَابِ دَانْيَالَ.
.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فَوَاهٍ جِدًّا وَكَذَا عَنْ كَعْب وَأما محاولة بن الْجَوْزِيِّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَدِيثِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ وَحَدِيثِ الْبَابِ ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ وَالتَّفْسِيرُ الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْخَطِيبُ بَعِيدٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَدُومَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ فَيَكُونُ انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ بِقَتْلِ عُمَرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنَ الْمَبْعَثِ فِي رَمَضَانَ كَانَتِ الْمُدَّةُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَمِيعَ الْمُدَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَمُدَّةُ الْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ خَاصَّةٌ وَيُؤَيِّدُ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الْمَاضِي قَرِيبًا الَّذِي يُشِيرُ إِلَى أَنَّ بَابَ الْأَمْنِ مِنَ الْفِتْنَةِ يُكْسَرُ بِقَتْلِ عُمَرَ فَيُفْتَحُ بَابُ الْفِتَنِ وَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ.
.
وَأَمَّا .
قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ انْقِضَاءُ أعمارهم وَتَكون الْمدَّة سبعين سنة إِذا جعل ابْتِدَاؤُهَا مِنْ أَوَّلِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الطَّعْنِ فِيهِ إِلَى أَنْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى قَتْلِهِ كَانَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مَضَتْ مِنْ خِلَافَته
وَعِنْدَ انْقِضَاءِ السَّبْعِينَ لَمْ يَبْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ فَهَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا تَعَرُّضُ فِيهِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِاثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ .
قَوْلُهُ يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً عَلَى حَقِيقَةِ الْبَعْدِيَّةِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ مِنَ الصِّدِّيقِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْهُمُ اثْنَانِ لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُمَا وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُمَا وَهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَالْبَاقُونَ اثْنَا عَشَرَ نَفْسًا عَلَى الْوَلَاءِ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ وَفَاةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ بَعْدَهُ وَانْقَضَى الْقَرْنُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ خَيْرُ الْقُرُونِ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ .
قَوْلُهُ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِمُ النَّاسُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَمْ تُفْقَدْ مِنْهُمْ إِلَّا فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَعَ صِحَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَالْحُكْمُ بِأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمَا لَمْ يَثْبُتِ اسْتِحْقَاقُهُ إِلَّا بَعْدَ تَسْلِيم الْحسن وَبعد قتل بن الزُّبَيْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَتِ الْأُمُورُ فِي غَالِبِ أَزْمِنَةِ هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ مُنْتَظِمَةً وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ مُدَّتِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاسْتِقَامَةِ نَادِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَكَلَّمَ بن حِبَّانَ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ انْتِقَالُ أَمْرِ الْخِلَافَةِ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ قِيَامَ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ حَتَّى وَقَعَ التَّحْكِيمُ هُوَ مَبْدَأُ مُشَارَكَةِ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ يَوْمِئِذٍ سَبْعِينَ سَنَةً فَكَانَ أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ دُعَاةُ بَنِي الْعَبَّاسِ بِخُرَاسَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ وَسَاقَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ عَلَيْهِ فِيهَا مُؤَاخَذَاتٌ كَثِيرَةٌ أَوَّلُهَا دَعْوَاهُ أَنَّ قِصَّةَ الْحَكَمَيْنِ كَانَتْ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْأَخْبَارِ فَإِنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ وَقْعَةِ صِفِّينَ بعد أَشْهُرٍ وَكَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَالَّذِي قَدَّمْتُهُ أَوْلَى بِأَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[ قــ
:6834 ... غــ
: 7222 - 7223 ]
- حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا» فَقَالَ: كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِى: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع ( محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي البصري قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبد الملك) بن عمير أنه
قال: ( سمعت جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم -رضي الله عنه- ( قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( يكون اثنا عشر أميرًا) وعند مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً ( فقال) عليه الصلاة والسلام ( كلمة لم أسمعها فقال أبي) سمرة ( إنه قال: كلهم من قريش) وفي رواية سفيان فسألت أبي ماذا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: كلهم من قريش.
وعند أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشر خليفة.
قال: فكبّر الناس وضجّوا فلعل هذا هو سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر، وفيه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم وهي كون الإسلام عزيزًا.
وعند أبي داود أيضًا من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدّين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، فيحتمل أن يكون المراد أن تكون الاثنا عشر في مدة عزّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة كما في رواية أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمة، وهذا قد وجد فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم وتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيرًا بيّنًا.
وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر، وقيل يكونون في زمن واحد كلهم يدّعي الإمارة تفترق الناس عليهم، وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم تسمي بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسي ببغداد إلى من كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج، ويحتمل أن تكون الاثنا عشر خليفة بعد الزمن النبوي فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسًا منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما: معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفسًا على الولاء كما أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وتغيرت الأحوال بعده، وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون ولا يقدح في ذلك قوله في الحديث الآخر: يجتمع عليهم الناس لأنه يحمل على أكثر الأغلب لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة إلى الاستقامة نادر والله أعلم اهـ.
ملخصًا من فتح الباري.
( بابٌُ)
أَي هَذَا بابُُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْجَمَة، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَنه كالفصل لما قبله وَلَيْسَ لفظ بابُُ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني والسرخسي.
[ قــ
:6834 ... غــ
:7222 ]
- حدّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ عَبْدِ المَلِكِ سَمِعْتُ جابرَ بن سَمرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ يَكُونُ اثْنا عَشَرَ أمِيراً فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أسْمَعْها، فَقَالَ أبي: إنّهُ قَالَ: كُلهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
مطابقته لما قبله ظَاهِرَة.
وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لَا يزَال أَمر النَّاس مَاضِيا مَا وليهم اثْنَا عشر رجلا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: لَا يزَال هَذَا الدّين عَزِيزًا إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة..
وَقَالَ الْمُهلب: لم ألق أحدا يقطع فِي هَذَا الحَدِيث بِمَعْنى، فقوم يَقُولُونَ: يكون اثْنَا عشر أَمِيرا بعد الْخلَافَة الْمَعْلُومَة مرضيين، وَقوم يَقُولُونَ: يكونُونَ متواليين إمارتهم، وَقوم يَقُولُونَ: يكونُونَ فِي زمن وَاحِد كلهم من قُرَيْش يَدعِي الْإِمَارَة، فَالَّذِي يغلب عَلَيْهِ الظَّن أَنه إِنَّمَا أَرَادَ أَن يخبر بأعاجيب مَا يكون بعده من الْفِتَن حَتَّى يفْتَرق النَّاس فِي وَقت وَاحِد على اثْنَي عشر أَمِيرا وَمَا زَاد على الاثْنَي عشر فَهُوَ زِيَادَة فِي التَّعَجُّب، كَأَنَّهُ أنذر بِشَرْط من الشُّرُوط وَبَعضه يَقع، وَلَو أَرَادَ، غير هَذَا لقَالَ يكون اثْنَا عشر أَمِيرا يَفْعَلُونَ كَذَا ويصنعون كَذَا، فَلَمَّا أعراهم من الْخَبَر علمنَا أَنه أَرَادَ أَن يخبر بكونهم فِي زمن وَاحِد.
قيل: هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق غير الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا البُخَارِيّ مختصرة.
وَأخرج أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن أَبِيه عَن جَابر بن سَمُرَة بِلَفْظ: لَا يزَال هَذَا الدّين قَائِما حَتَّى يكون عَلَيْكُم اثْنَا عشر خَليفَة كلهم تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْأمة.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن الْأسود بن سعيد عَن جَابر بن سَمُرَة بِلَفْظ: لَا يضرهم عَدَاوَة من عاداهم.
وَقيل: فِي هَذَا الْعدَد سؤالان.
أَحدهمَا: أَنه يُعَارضهُ ظَاهر قَوْله فِي حَدِيث سفينة الَّذِي أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَصَححهُ ابْن حبَان وَغَيره: الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تكون ملكا، لِأَن الثَّلَاثِينَ لم يكن فِيهَا إلاَّ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَأَيَّام الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنه ولي الْخلَافَة أَكثر من هَذَا الْعدَد.
وَأجِيب
عَن الأول: أَنه أَرَادَ فِي حَدِيث سفينة خلَافَة النُّبُوَّة وَلم يُقَيِّدهُ فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة بذلك.
وَعَن الثَّانِي: أَنه لم يقل: لَا، بلَى إلاَّ اثْنَا عشر، وَإِنَّمَا قَالَ: يكون اثْنَا عشر فَلَا يمْنَع الزِّيَادَة عَلَيْهِ.
وَقيل: المُرَاد من اثْنَي عشر هم عدد الْخُلَفَاء من بني أُميَّة ثمَّ عِنْد خُرُوج الْخلَافَة من بني أُميَّة وَقعت الْفِتَن الْعَظِيمَة والملاحم الْكَثِيرَة حَتَّى اسْتَقَرَّتْ دولة بني الْعَبَّاس فتغيرت الْأَحْوَال عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ تغييراً بَينا.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون اثْنَا عشر بعد الْمهْدي الَّذِي يخرج فِي آخر الزَّمَان، وَقيل: وجد فِي كتاب دانيال: إِذا مَاتَ الْمهْدي ملك بعده خَمْسَة رجال من ولد السبط الْأَكْبَر، ثمَّ خَمْسَة من ولد السبط الْأَصْغَر، ثمَّ يُوصي آخِرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الْأَكْبَر، ثمَّ يملك بعده وَلَده، فَيتم بذلك اثْنَا عشر ملكا كل وَاحِد مِنْهُم إِمَام مهْدي.
وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: يكون اثْنَا عشر مهدياً ثمَّ ينزل روح الله فَيقْتل الدَّجَّال وَقيل: المُرَاد من وجود اثْنَي عشر خَليفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يعْملُونَ بِالْحَقِّ وَأَن تتوالى أيامهم، وَيُؤَيّد هَذَا مَا أخرجه مُسَدّد فِي مُسْنده الْكَبِير من طَرِيق أبي بحران أَبَا الْجلد حَدثهُ أَنه لَا يهْلك هَذِه الْأمة حَتَّى يكون مِنْهَا اثْنَا عشر خَليفَة كلهم يعْمل بِالْهدى وَدين الْحق، مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت مُحَمَّد، يعِيش أَحدهمَا أَرْبَعِينَ سنة، وَالْآخر ثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: جَمِيع من ولي الْخلَافَة من الصّديق إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز أَرْبَعَة عشر نفسا مِنْهُم اثْنَان لم تصح ولايتهما وَلم تطل مدتهما وهما: مُعَاوِيَة بن يزِيد، ومروان بن الحكم، وَالْبَاقُونَ اثْنَا عشر نفسا على الْوَلَاء كَمَا أخبر وَكَانَت وَفَاة عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة إِحْدَى وَمِائَة، وتغيرت الْأَحْوَال بعده وانقضى الْقرن الأول الَّذِي هُوَ خير الْقُرُون.
قَوْله: فَقَالَ أبي يَعْنِي: سَمُرَة، وَالْوَالِد وَالْولد كِلَاهُمَا صحابيان.
قَوْله: وَإنَّهُ أَي: وَإِن رَسُول الله.