هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
858 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ، قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسًا ، يَقُولُ : كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
858 حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، حدثني أبو التياح ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ، قبل أن يبنى المسجد حدثنا يحيى بن حبيب ، أخبرنا خالد يعني ابن الحارث ، حدثنا شعبة ، عن أبي التياح ، قال : سمعت أنسا ، يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم.
قبل أن يبنى المسجد.


المعنى العام

تواترت الأخبار بورود النبي صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول وله من العمر ثلاث وخمسون سنة، فنزل على كلثوم بن هدم في حي بني عمرو بن عوف، ونحر جزورًا، وأقام في قباء أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى أشراف بني النجار في المدينة وهم أخوال جده عبد المطلب فجاءوا متقلدين سيوفهم معلقيها على أكتافهم استعدادًا للدفاع ورمزًا للنجدة، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته القصواء وأردف أبا بكر خلفه عليها، وملأ بني النجار ووجهاؤهم حوله يحيطون بركبه تكريمًا وتشريفًا، وسار الركب حتى دخل المدينة، وكل يريد أن يشرف بنزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره أو بجوارها، يحاولون إيقاف الناقة فيقول صلى اللَّه عليه وسلم: دعوها فإنها مأمورة حتى وصلوا إلى بيت أبي أيوب، وفي فناء البيت بركت الناقة، فأخذ جبار بن صخر ينخسها برجله لتقوم يبغى أن تصل إلى داره، ورآه أبو أيوب، فقال: يا جبار، أعن منزلي تنخسها؟ أما والذي بعثه بالحق لولا الإسلام لضربتك بالسيف.

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعتزم بناء مسجد، ووقع اختياره على أرض لبني النجار فيها نخل وفيها قبور المشركين وفيها آثار بناء محطم وبها حفر، فقال: يا بني النجار.
ساوموني على هذه الأرض لأشتريها فأقيم عليها مسجدًا نصلي فيه.
قالوا: لا.
واللَّه لا نأخذ لها ثمنًا إنما هي للَّه تعالى.

فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه بقطع النخل فقطعوه، وأمر بقبور المشركين فنبشت، وجمع عظامها وترابها وغيبت في باطن الأرض، وأمر بآثار الهدم والحجارة فسويت ومهدت الأرض واستوت ثم بنى المسجد، صفوا النخل حائطًا جهة القبلة، جهة القدس بطول مائة ذراع، وبنيت جدرانه باللبن بعد أساس من الحجارة، وجعل ارتفاع الجدار قامة وبسطة، وجعل طول الضلع مائة ذراع، فهو مربع، وجعل له ثلاثة أبواب: باب في مؤخره، وباب يقال له باب الرحمة، وهو الباب الذي يدعى باب العاتكة، والثالث الذي يدخل منه عليه الصلاة والسلام، وهو الباب الذي يلي آل عثمان، وجعل جانبي الباب من الحجارة، وجعل عمد المسجد من جذوع النخل وسقفه من جريد النخل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة واللبن بنفسه وهو ينشد معهم: اللَّهم لا خير إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة.
ولم يزد فيه أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر، وبناه على بنائه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبًا.
ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بحجارة منقوشة والقصة، وجعل عمده حجارة منقوشة، وسقفه بالساج وكان صلى اللَّه عليه وسلم يصلي على الأرض حيث أدركته الصلاة في أي مكان، وبعد أن بنى المسجد لم يكن يصلي إلا في المسجد حيث أمكنه صلى اللَّه عليه وسلم وكان يصلي في مرابض الغنم وأماكن نومها ومبيتها، فالأرض كلها مسجد وطهور.
واللَّه أعلم.

المباحث العربية

( قدم المدينة) المنورة في الهجرة.

( فنزل في علو المدينة) قال النووي: هو بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان.
اهـ.
وعلو المدينة هو العالية، وفي رواية للبخاري فنزل في أعلى المدينة.

( في حي) بتشديد الياء وهي القبيلة.

( فأقام فيهم أربع عشرة ليلة) هذه رواية الأكثرين، وفي رواية بضع عشرة ليلة ولا خلاف بينهما، لكن في رواية المستعلي والحموي أربعًا وعشرين ليلة قال الحافظ ابن حجر: والأول هو الصواب.

( ثم أرسل إلى ملإ بني النجار) في رواية البخاري إلى ملإ من بني النجار والملأ الجماعة، والملأ أشراف القوم ورؤساؤهم، وهو المراد هنا، وبنو النجار هم بنو تيم اللات بن ثعلبة، وتيم اللات هو النجار، وإنما طلب بني النجار لأنهم كانوا أخواله صلى اللَّه عليه وسلم، لأن هاشمًا جده صلى اللَّه عليه وسلم تزوج من بني النجار بالمدينة فولدت له عبد المطلب، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول عندهم لما تحول من قباء، ففي الكلام حذف، والأصل أقام في حي عمر بن عوف أربع عشرة ليلة ثم نزل المدينة، ثم أرسل إلى ملإ بني النجار.

( فجاءوا متقلدين بسيوفهم) منصوب على الحال، وفي رواية للبخاري مقلدي السيوف بالإضافة، وفي رواية الأكثرين متقلدين السيوف بنصب السيوف على المفعولية، وتقلد السيف، جعل بجاده على المنكب، مظهر من مظاهر القوة والنجدة.

( على راحلته) الراحلة المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى وكانت راحلته صلى اللَّه عليه وسلم ناقة تسمى القصواء.

( وأبو بكر ردفه) جملة إسمية في محل النصب على الحال، والردف بكسر الراء وسكون الدال المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه تشريفًا له وتنويهًا بقدره.
وقد كان لأبي بكر ناقة هاجر عليها، فلعلها كانت معهم وتركها لشرف الارتداف، أو لعله تركها في بني عمرو بن عوف لمرض أو غيره، أو لعله ردها إلى مكة ليحمل عليها أهله.

( وملأ بني النجار حوله) قال الحافظ ابن حجر: وكأنهم مشوا حوله ومعه أدبًا.

( حتى ألقى) أي ألقى رحله.

( بفناء أبي أيوب) أي بفناء دار أبي أيوب، والفناء بكسر الفاء سعة أمام الدار، أو هو ما امتد من جوانب الدار مكشوفًا: وأبو أيوب هو خالد بن زيد الأنصاري.

( ويصلي في مرابض الغنم) جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء، قال أهل اللغة: هي مباركها ومواضع مبيتها ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة، ويقال ذلك أيضًا لكل دابة من ذوات الحوافر والسباع قاله ابن دريد، وفي الصحاح: ربض الغنم والبقر والفرس والكلب مثل بروك الإبل وجثوم الطير.
اهـ.

( ثم إنه أمر بالمسجد) قال النووي: ضبطناه أمر بفتح الهمزة والميم وأمر بضم الهمزة وكسر الميم، وكلاهما صحيح.
اهـ.
وهمزة إنه مكسورة لأنه كلام مستقل بذاته، والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم على رواية أمر بالبناء للمعلوم، وهو ضمير الشأن في رواية بنائها للمجهول.
قاله العيني، وهو مبني على أن المأمورين الصحابة والآمر المحذوف هو الرسول لكن لو قدرنا الآمر هو اللَّه والمأمور هو الرسول صح جعل الضمير في إنه للرسول أيضًا كرواية البناء للمعلوم.
والمسجد بكسر الجيم وفتحها، هو الموضع الذي يسجد فيه، وفي الصحاح: المسجد بفتح الجيم موضع السجود وبكسرها البيت الذي يصلي فيه، ومن العرب من يفتح كلا الوجهين، وعن الفراء: سمعنا المسجد بكسر الجيم، والفتح جائز وإن لم نسمعه.
اهـ.
والمعنى أمر ببناء المسجد.

( ثامنوني بحائطكم هذا) قال الكرماني: معناه، بيعونيه بالثمن، وقال بعضهم: اذكروا لي ثمنه، قال العيني: هو من ثامنت الرجل في البيع أثامنه إذا قاولته في ثمنه، وساومته على بيعه وشرائه قال الحافظ ابن حجر: معناه: اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي اختاره.
قال ذلك على سبيل المساومة.
فكأنه قال: ساوموني في الثمن.
والحائط هنا البستان بدليل وجود النخل فيه، وفي رواية كان مربدًا وهو الموضع الذي يجعل فيه التمر ليجف، ولا مانع من أن يكون تجفيف التمر في بستان.

( لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه) قال الحافظ ابن حجر: تقديره لا نطلب الثمن، لكن الأمر فيه إلى اللَّه، فـإلا فيه بمعنى لكن - أو إلى بمعنى من ويقويه رواية الإسماعيلي لا نطلب ثمنه إلا من اللَّه وزاد ابن ماجه أبدًا.

( فكان فيه ما أقول) أي كان في الحائط ما سأقوله لكم.

( كان فيه نخل) بيان ما أقول بإعادة الجملة.

( وقبور المشركين) أل في المشركين للعهد، أي مشركي هذه الديار.

( وخرب) في رواية البخاري وفيه خرب بإعادة الجار والمجرور في الكل.
قال النووي: وخرب ضبطناه بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء، قال القاضي: رويناه هكذا، ورويناه بكسر الخاء وفتح الراء، وكلاهما صحيح، وهو ما تخرب من البناء، قال الخطابي: لعل صوابه بضم الخاء جمع خربة بالضم، وهي الخروق في الأرض، أو لعله حرف، قال القاضي: لا حاجة إلى هذا التكلف لأنه كما أمر بقطع النخل لتسوية الأرض أمر بالخرب فرفعت رسومها وسويت مواضعها لتصير جميع الأرض مبسوطة مستوية للمصلين، وكذا فعل بالقبور.
اهـ.

( وبقبور المشركين فنبشت) أي وأمر بقبور المشركين فنبشت، وأمر بالعظام أن تجمع وأن يحفر لها وأن تغيب.

( فصفوا النخل قبلة) أي جهة القبلة وكانت بيت المقدس، وليس المراد بالقبلة هنا المحراب المعهود الذي يرمز إلى الجهة في مساجد اليوم، فإنه لم يكن كذلك في ذلك الوقت.

( وجعلوا عضادتيه حجارة) أي وجعلوا عضادتي المسجد حجارة، فالضمير يعود على معهود، ورواية البخاري أوضح، ولفظها فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة والعضادة بكسر العين جانب الباب، وعضادتا الباب ما كان عليهما يطبق الباب إذا أغلق، وفي التهذيب للأزهري: عضادتا الباب الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله وفوقهما العارضة، وهو ما يسمى في هذه الأيام بحلق الباب.

( فكانوا يرتجزون) أي يتعاطون نوعًا من ضروب الشعر، وأكثر العروضيين وأهل الأدب على أن الرجز لا يكون شعرًا.
قال ابن التين: لا يطلق على الرجز شعر، إنما هو كلام مرجز مسجع، بدليل أنه يقال لصانعه راجز، ولا يقال أنشد شعرًا والتحقيق أنه من الشعر.

( فاغفر للأنصار والمهاجرة) في رواية المستعلي والحموي فاغفر الأنصار بحذف اللام، قال الحافظ ابن حجر: ووجهه أن يضمن اغفر معنى استر وقد رواه أبو داود فانصر الأنصار وقال الكرماني: واعلم أنه لو قرئ هذا البيت بوزن الشعر ينبغي أن يوقف على الآخرة والمهاجرة بالهاء، إلا أنه قيل: إنه صلى اللَّه عليه وسلم قرأهما بالتاء متحركة خروجًا عن وزن الشعر.

فقه الحديث

ذكر الحديث في مسلم بدون ترجمة تابعًا لباب: الأرض كلها مسجد، ومقصوده الصلاة في مرابض الغنم، وصدر الحديث يناسب كتاب الهجرة وسنتعرض في شرح الحديث إلى النقاط التالية:

1- الجمع بين رواية هبة أرض المسجد الواردة هنا وبين روايات شراء الرسول صلى الله عليه وسلم للأرض.

2- حكم نبش القبور وبناء مساجد مكانها.

3- الصلاة في مرابض الغنم.

4- ما يؤخذ من الحديث.
وهذا هو التفصيل:

1- ظاهر الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ أرض المسجد تبرعًا من بني النجار، محتسبين أجرها عند اللَّه تعالى، وهذا هو المشهور المروي في الصحيحين، وذكر محمد بن سعد في الطبقات عن الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه منهم بعشرة دنانير دفعها أبو بكر الصديق، ويقال: كان ذلك مربد اليتيمين، فدعاهما النبي صلى الله عليه وسلم، فساومهما ليتخذه مسجدًا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك، وفي المغازي لأبي معشر فاشتراه أبو أيوب منهما وأعطاهما الثمن، فبناه مسجدًا، واليتيمان هما سهل وسهيل ابنا رافع بن عمرو من بني النجار، كانا في حجر أسعد بن زرارة، وقيل معاذ بن عفراء، وقال معاذ: يا رسول اللَّه، أنا أرضيهما فاتخذه مسجدًا، ويقال: إن بني النجار جعلوا حائطهم وقفًا، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل ابن بطال بهذا على صحة وقف المشاع، وقال: وقف المشاع جائز عند مالك، وهو قول أبي يوسف والشافعي خلافًا لمحمد، والصحيح أن بني النجار لم يوقفوا شيئًا، بل باعوه، ووقفه النبي صلى الله عليه وسلم فليس وقف مشاع.
اهـ.
ذكره العيني، ويمكن الجمع بين روايات الشراء وروايات الصحيحين بأن ما في الصحيحين تعبير عن أول الأمر وما ذكر في غيرهما تعبير عما لحق، فبنو النجار عرضوا التبرع به على أساس أن يعوضوا اليتيمين وهم أولياؤهما، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم ملكية اليتيمين أصر على الشراء وليس في الروايات ما يدل على أن أبا بكر دفع الثمن نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كل ما فيها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالدفع، فيحتمل أن أبا أيوب قام بالدفع فيكون هو الذي اشترى وأوقف، وليس في الروايات ما يمنع من أن اليتيمين أخذا الثمن من أية جهة، ولا يؤخذ منها أن أشراف بني النجار أخذوا الثمن، فلا تعارض.

2- أما نبش قبور المشركين فجائز لأنهم لا حرمة لهم، وإقامة المساجد عليها جائزة إذا لم يسجد المصلي على تراب أجسامهم أو عظامهم، بأن غيبت العظام وستر تراب الأجساد بتراب طاهر جديد، وليس في اتخاذ قبور المشركين مساجد بهذه الصفة تعظيم لهم، لأنه بعد النبش وتغييب العظام وتراب الرفات لم تعد قبورًا ويصير سطح الأرض طاهرًا منهم، والأرض كلها مسجد.

أما نبش قبور المسلمين فلا يجوز لأن حرمة المسلم لا تزول حيًا وميتًا، نعم القبور الدارسة التي لا يعرف حائزوها إذا دعت مصلحة لنبشها وتغييب ترابها وعظامها جاز.

وقد استشكل على الحديث بأنه كيف جاز إخراج المشركين من قبورهم والقبر مختص بمن دفن فيه، وقد حازه، فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه، وأجاب العيني عن هذا الإشكال بأن تلك القبور التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنبشها لم تكن ملكًا لمن دفن فيها، بل لعلها غصبت.
فلذلك باعها ملاكها، وعلى تقدير التسليم أنها حبست فليس بلازم، إنما اللازم تحبيس المسلمين لا الكفار، ولهذا قالت الفقهاء: إذا دفن المسلم في أرض مغصوبة يجوز إخراجه، فضلاً عن المشرك، وقد يجاب بأنه دعت الضرورة والحاجة إلى نبشهم فجاز.
اهـ.

ثم قال: فإن قلت: هل يجوز في هذا الزمان نبش قبور الكفار ليتخذ مكانها مساجد؟ قلت: أجاز ذلك قوم محتجين بهذا الحديث، وليست حرمتهم موتى بأعظم منها وهم أحياء، وإلى جواز نبش قبورهم ذهب الحنفية والشافعي.
وقال الأوزاعي: لا يفعل.
اهـ.

ثم قال: فإن قلت: هل يجوز أن تبنى المساجد على قبور المسلمين؟ قلت: قال ابن القاسم: لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفت فبنى عليها قوم مسجدًا لم أر بذلك بأسًا، وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين لدفن موتاهم لا يجوز لأحد أن يملكها، فإذا درست واستغنى عن الدفن فيها جاز صرفها إلى المسجد، لأن المسجد أيضًا وقف من أوقاف المسلمين لا يجوز تملكه لأحد، فمعناهما على هذا واحد، وذكر أصحابنا أن المسجد إذا خرب ودثر ولم يبق حوله جماعة، والمقبرة إذا عفت ودثرت تعود ملكًا لأربابها، فإذا عادت ملكًا يجوز أن يبنى موضع المسجد دارًا وموضع المقبرة مسجدًا وغير ذلك، فإذا لم يكن لها أرباب تكون لبيت المال.
اهـ.

والكلام في بناء المساجد على القبور يجرنا إلى الكلام عن حكم بناء المساجد بجوار القبور، أو دفن بعض الموتى الصالحين في ناحية من المسجد أو قريبًا منه، وفي هذا يقول البندنيجي، يكره أن يبنى عند القبر مسجد فيصلى فيه إلى القبر، وأما المقابر الكثيرة إذا بني فيها مسجد ليصلى فيه فلم أر فيه بأسًا.
وقال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه فلا يدخل في الوعيد المذكور.
اهـ.

والحق أنه وإن لم يدخل في الوعيد المذكور المصحوب باللعن إلا أنه لا يحل هذا الفعل شرعًا خصوصًا إذا وضع القبر جهة القبلة، وكذا إذا أدى إلى تعظيم صاحب القبر والتوجه إليه بالدعاء، فعلة النهي تعظيم الميت المقبور مما أدى مع تطاول الأزمان إلى عبادته، ولا يخفى أن سد الذرائع أصل شرعي واجب الاتباع، فبناء المسجد ملاصقًا لقبر، أو بناء قبر صالح في ناحية من المسجد لا يجوز.
واللَّه أعلم.

أما الصلاة في المقابر فمكروهة، سواء أكانت بجانب القبر، أو عليه أو إليه، استدلالاً بما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا وبما رواه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام.

وقال النووي في المجموع: إن تحقق أن المقبرة منبوشة لم تصح صلاته فيها إذا لم يبسط تحته شيء لأنه قد اختلط بالأرض صديد الموتى، وإن كانت جديدة لم تنبش صحت صلاته مع الكراهة، هذا مذهب الشافعية، وذهب أبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقابر مطلقًا، وعن مالك روايتان أشهرهما لا يكره ما لم يعلم نجاستها، وقال أحمد: الصلاة فيها حرام، وفي صحتها روايتان وإن تحقق طهارتها.

3- ومورد الحديث في هذا الباب الصلاة في مرابض الغنم، وفي الرواية الثانية منه كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد قال الحافظ ابن حجر: أي بعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة، وقال ابن بطال: هذا الحديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم وأبعارها، لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك، فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة، وتعقب بأن الطهارة هي الأصل، وعدم السلامة منها غالب، وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل ورد بأن التعبير بكان يدل على الملازمة والكثرة والدوام مما تتحقق معه حالة وجود البول والروث وقد حاول البعض أن ينازع هذا الدليل باحتمال وضعهم حائلاً بينهم وبين مواضع البول والروث، وهو احتمال بعيد، فإنهم لم يكونوا يفرشون بينهم وبين الأرض، وحاول ابن حزم أن يجعل الإباحة منسوخة بقوله قبل أن يبنى المسجد قال الحافظ ابن حجر وفيه نظر، لأن إذنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مرابض الغنم ثابت عند مسلم، عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا.
ولم يقل أحد بالفرق بين أبوال الغنم وأبوال الإبل وأرواثهما، فدل على أن الإذن في مرابض الغنم والنهي في مبارك الإبل لشيء لا يتعلق بالطهارة ولا النجاسة، وهو أن الغنم ذات سكينة - لا يخاف من نفارها بخلاف الإبل.

والحق أن الحديث دليل قوي للقائلين بطهارة بول وروث ما يؤكل لحمه وهم المالكية وأحمد ومحمد بن الحسن، والاصطخري والروياني من الشافعية، وهو قول الشعبي وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين والحكم والثوري، وردود المانعين لا تنهض على المعارضة، وهم الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو ثور وآخرون.
واللَّه أعلم.

4- ويؤخذ من الحديث:

1- جواز الإرداف.

2- جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع.
قاله الحافظ ابن حجر، وقال النووي: فيه أن الأرض التي دفن فيها الموتى ودرست يجوز بيعها وأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده إذا لم توقف.

3- جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة، أخذًا من قوله وأمر بالنخل فقطع قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لاحتمال أن يكون النخل بما لا يثمر، إما بأن تكون ذكورًا، وإما أن يكون طرأ عليه ما قطع ثمرته، وقال النووي: فيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة والمصلحة لاستعمال خشبها، أو ليغرس موضعها غيرها أو لخوف سقوطها على شيء تتلفه، أو لاتخاذ موضعها مسجدًا أو قطعها في بلاد الكفار إذا لم يرج فتحها، لأن فيه نكاية وغيظًا لهم وإضعافًا وإرغامًا، اهـ.
وما ذكره النووي من حالات عدا بناء المسجد مكانها لا يؤخذ من الحديث وإنما هو على سبيل القياس أو لأدلة أخرى، ويبقى اعتراض الحافظ ابن حجر قائمًا.

4- قال النووي: وفيه جواز نبش القبور الدارسة وأنه إذا أزيل ترابها المخلط بصديدهم ودمائهم جازت الصلاة في تلك الأرض: قال الحافظ ابن حجر: إذا لم تكن القبور محترمة.
وهو قيد حسن.

5- جواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها.

6- وجواز بناء المساجد في أماكنها.

7- قال النووي: فيه جواز الارتجاز وقول الأشعار في حال الأعمال والأسفار ونحوها لتنشيط النفوس وتسهيل الأعمال والمشي عليها، اهـ.

ولما كان إنشاد الشعر محرمًا على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: { { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } } [يس: 69] قال بعض العلماء: إن الرجز ليس من الشعر وعلى هذا القول يحمل تناوله صلى اللَّه عليه وسلم في هذا الموضع، وقال القرطبي: الصحيح في الرجز أنه من الشعر، وإنما أخرجه من الشعر من أشكل عليه إنشاد النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فقال، لو كان شعرًا لما علمه قال: وهذا ليس بشيء، لأن من أنشد القليل من الشعر أو قاله أو تمثل به على وجه الندور لم يستحق اسم شاعر، ولا يقال فيه إنه يعلم الشعر ولا ينسب إليه.
اهـ.

8- وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم.

واللَّه أعلم

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
[ سـ :858 ... بـ :524]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
( قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هِيَ مَبَارِكُهَا وَمَوَاضِعُ مَبِيتِهَا وَوَضْعِهَا أَجْسَادَهَا عَلَى الْأَرْضِ لِلِاسْتِرَاحَةِ .
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ : وَيُقَالُ ذَلِكَ أَيْضًا لِكُلِّ دَابَّةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْحَوَافِرِ وَالسِّبَاعِ .
وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَرَوْثِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ ، وَفِيهِ : أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ بِخِلَافِ أَعْطَانِ الْإِبِلِ ، وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ أَيْضًا .

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَفِي بَعْضِهَا يَحْيَى فَقَطْ غَيْرُ مَنْسُوبٍ ، وَالَّذِي فِي ( الْأَطْرَافِ ) لِخَلَفٍ أَنَّهُ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ ، قِيلَ : وَهُوَ الصَّوَابُ .