هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
920 وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ فَقَالَ : مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا ، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّاسُ : حُرِّمَتْ ، حُرِّمَتْ ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لِي ، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
920 وحدثني عمرو الناقد ، حدثنا إسماعيل ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة الثوم والناس جياع ، فأكلنا منها أكلا شديدا ، ثم رحنا إلى المسجد ، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح فقال : من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا ، فلا يقربنا في المسجد فقال الناس : حرمت ، حرمت ، فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي ، ولكنها شجرة أكره ريحها
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير، 

Abu Sa'id reported:

We made no transgression but Khaybar was conquered. We, the Companions of the Messenger of Allah (ﷺ), fell upon this plant. i e. garlic. because the people were hungry. We ate it to our heart's content and then made our way towards the mosque. The Messenger of Allah (ﷺ) sensed its odour and he said: He who takes anything of this offensive plant must not approach us in the mosque. The people said: Its (use) has been forbidden; its (use) bu been forbidden. This reached the Messenger of Allah (ﷺ) and he said: O people, I cannot forbid (the use of a thing) which Allah has made lawful, but (this garlic) is a plant the odour of which is repugnant to me.

شرح الحديث من فـــتح المــــنعم

: : هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،   

عن أبي سعيد قال: لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك البقلة.
الثوم.
والناس جياع.
فأكلنا منها أكلاً شديدًا.
ثم رحنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح.
فقال من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربنا في المسجد فقال الناس: حرمت.
حرمت.
فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها.


المعنى العام

الإسلام دين المجتمعات، دين المحبة والتآلف والتواد، يرغب في كل ما يحقق ذلك، وينفر من كل ما يحول دون ذلك مهما قل العائق، ومهما كان مؤقتًا.
لهذا دعا إلى الطيب والرائحة الجميلة والاغتسال، وغسل الأماكن الناعمة من البدن، ودعا إلى النظافة وإزالة الروائح الكريهة، ويتأكد طلب هذه الأمور عند كل اجتماع سواء كان بالمساجد أو بالمجتمعات العامة المشروعة.

من هذه القاعدة حذر الشارع من أكل الثوم والبصل قبيل ملاقاة الآكل بغيره من المسلمين لئلا يؤذيه بريحه الخبيث.

إن أكل الثوم والبصل نيئًا مباح في ذاته، ولكن المباح قد يمنع إذا أدى إلى محرم عملاً بقاعدة: للوسيلة حكم الغاية، ولا شك أن إيذاء المسلم حرام، فما أدى إلى الحرام حرام، أو على الأقل مكروه وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن إيذاء المسلم يريح أخيه بذكر الثوم والبصل والكراث كعنوان لكل ما يشبهها في آثارها، وعبر عن ذلك بعبارات مختلفة من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يأتين المساجد [وفي هذا التعبير إشارة إلى أن ذنوب آكل الثوم إذا حضر المسجد أكثر من حسناته عن صلاة الجماعة.
وفيه كذلك العمل بقاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح]
من أكل من هذه البقلة فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها.
من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا.
من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذينا بريح الثوم.
من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس.
من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته.
من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئًا فلا يقربنا في المسجد.

ولكثرة النهي بالأساليب المختلفة كاد الصحابة يعتقدون حرمة أكل الثوم والبصل والكرات النيئ لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم أن أصل حل الكل قائم، وأن المنع إنما هو لمن أدى أكله إلى إيذاء الآخرين لكنهم مع ذلك ظل همهم الخوف من أكلها، لأن المسلم عرضة للقاء المسلم بين الحين والحين حتى لو قعد في بيته.

ويتضح هذا الاهتمام جليًا أن هذا الأمر كان ضمن وصايا عمر الأساسية عند وفاته، فإنه بعد أن طعن رضي الله عنه خطب يوم الجمعة كعادته، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالتجلة والإكبار والإعظام والثناء عليه، ثم ذكر أبا بكر فمدحه وأثنى على ما قام به من خدمات الإسلام، ثم قال للناس: إني رأيت في المنام كأن ديكًا نقرني بمنقاره ثلاث نقرات، وكان عمر ممن يعبر الرؤى، فعبر النقر بنهاية الأجل، وعبر الثلاث بتأكيده، فقال للناس: وإني لا أرى ولا أظن تفسير ذلك إلا أنه قد حان أجلي، وإن جماعة من المسلمين يطلبون مني أن أعين الخليفة بعدي، وإن آخرين يطلبون مني أن أترك الأمر شورى بين المسلمين.
فإن أجبت الأولين واستخلفت فأبو بكر فعل ذلك، وإن أترك الأمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وقد قررت أن أجمع بين الحسنيين، فأستخلف ستة من خيرة المسلمين وممن زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم [وهم عثمان بن عفان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف] لا ليحكموا سويًا، وإنما إذا عجل بي اجتمعوا واختاروا من بينهم خليفة للمسلمين، وقد علمت أن أقواماً يطمعون في الخلافة، أو لهم ميول الآخرين للخلافة، لا يقصدون بذلك وجه الله، فإن جهروا وتمردوا على ذلك، وأثاروا بين المسلمين فتناً فأولئك هم المنافقون الكفرة الضلال، الذين لا يقدرون على مواجهتي بما في أنفسهم لأن الله يكشفهم ويخزيهم على يدي إن فعلوا ذلك، إنهم منافقون خنسوا بحزمي وعزمي، ينتهزون فرصة غيابي ليبعثوا الفوضى بينكم وليحققوا أحلامًا ضد دينكم، فإن فعلوا فاضربوا على أيديهم.

ثم إني لا أخشى عليكم في دينكم وليس عندي ما أوصيكم به، وما يشغلني في أشد لحظاتي وأضيقها سوى أمرين.
أمر الكلالة [أي من يرث الميت إذا لم يترك أصلاً ولا فرعًا وارثًا وترك زوجًا وإخوة لأم وإخوة لأم وأب] وقد راجعت في حكمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً راجيًا أن ينزل من السماء ما يشفي صدري في حكمها.
وأمر الشجرة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكلها عند اجتماعات المسلمين، فمن أكلها منكم فليأكلها مطبوخة ميتة الرائحة.
أما قاتلي فإن أعش حكمت فيه بحكم المسلمين من يقرأ القرآن ويفهم أحكامه ومن لا يقرؤه، وأما من وليتهم أمور المسلمين فقد بذلت جهدي في اختيارهم وفي توصيتهم بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله.

المباحث العربية

( قال في غزوة خيبر) في الرواية الثامنة قال أبو سعيد: لم نعد أن فتحت خيبر، أي لم نتعد الوقت الذي فتحت فيه خيبر حتى أكلنا الثوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ، فالمراد من قوله في غزوة خيبر عقب فتح خيبر، وعلى هذا فقوله المسجد يراد به المكان الذي أعد ليصلى فيه مدة إقامته في الطريق أو المراد بالمسجد الجنس، ويؤيده قوله في الرواية الأولى فلا يأتين المساجد وقوله في الرواية الثانية مساجدنا أي مساجد المسلمين، وهذا يدفع قول من قال: خص النهي بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم أخذاً من قوله في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة مسجدنا.

وكان فتح خيبر في السنة السادسة أو السابعة.

( من أكل) أي من وجد منه الأكل، وهو أعم من كونه مباحاًَ أو غير مباح وسيأتي في فقه الحديث.

( من هذه الشجرة - يعني الثوم) الثوم بالثاء المشددة المضمومة، قال الحافظ ابن حجر: وفي قوله عن الثوم شجرة مجاز، لأن المعروف في اللغة أن الشجرة ما كان لها ساق، وما لا ساق له كالبقول يقال له: نجم، وبهذا فسر ابن عباس وغيره قوله تعالى: { { والنجم والشجر يسجدان } } [الرحمن: 6] .
ومن أهل اللغة من قال: كل ما ثبتت له أرومة - أي أصل - في الأرض يخلف ما قطع منه فهو شجر، وإلا فنجم.
وقال الخطابي.
في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق.
اهـ.
ومنهم من قال: بين الشجر والنجم عموم وخصوص، فكل نجم شجر من غير عكس.
اهـ.

( من أكل من هذه البقلة) قال أهل اللغة: البقل كل نبات اخضرت به الأرض.

( سئل أنس عن الثوم) في رواية البخاري سأل رجل أنسًا: ما سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول في الثوم؟ قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية السائل.

( فلا يقربنا ولا يصلي معنا) قال النووي: وقع في أكثر الأصول ولا يصلي بإثبات الياء على الخبر الذي يراد به النهي، وضبطناه ولا يصل على النهي.
وكلاهما صحيح.
اهـ.

( فلا يقربن مسجدنا: ولا يؤذينا بريح الثوم) يقربن بفتح الراء والباء وتشديد النون، ولا يؤذينا قال النووي: هو بتشديد النون، وإنما نبهت عليه لأني رأيت من خففه، ثم استشكل عليه إثبات الياء، مع أن إثبات الياء المخففة جائز على إرادة الخبر.

( عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث) في مسند الحميدي بإسناد على شرط الصحيح سئل جابر عن الثوم فقال: ما كان بأرضنا يومئذ ثوم، إنما الذي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه البصل والكراث وهذا الحديث يعطي سر اقتصار جابر في الرواية الخامسة على البصل والكراث وكأنهم سألوا عنهما فأجيبا، ثم علم جابر أنه نهى عن أكل الثوم وإن لم يكن في بلاده، إذ لا مانع أنه جلب إلى بلاده، فأخبر عن حكمه في الرواية السادسة والسابعة.
فمراد الحديث في الرواية الخامسة من لفظ من أكل من هذه الشجرة المنتنة شجرة البصل والكراث.

( فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس) قال النووي: هكذا ضبطناه بتشديد الذال فيهما، وهو ظاهر، ووقع في أكثر الأصول تأذى مما يأذى منه الإنس بتخفيف الذال فيهما، وهي لغة، يقال.
أذى يأذى مثل عمى يعمى ومعناه تأذى وليس المراد من الملائكة الحفظة.
كذا قال القاضي عياض.

( وزعم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال) قال الخطابي: لم يقل زعم على وجه التهمة.
لكنه لما كان أمرًا مختلفًا فيه أتى بلفظ الزعم، لأن هذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في أمر يرتاب به أو يختلف فيه انتهى، ولست أدري أين الأمر المختلف فيه هنا أو المرتاب فيه؟ فقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثابت لم يشك فيه الراوي.
والأولى ما قاله الكرماني من أن زعم هنا بمعنى قال والزعم قد يستعمل للقول المحقق، ففي الحديث زعم جبريل.

( فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا) قال الحافظ ابن حجر: هذا شك من الراوي، وهو الزهري، وأصل السند: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني عطاء بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله قال... الحديث.

( وليقعد في بيته) في رواية للبخاري أو ليقعد في بيته بالشك، والقعود في البيت أخص من الاعتزال لأن الاعتزال أعم من أن يكون في البيت أو غيره.

( وإنه أتى... إلخ) قال الحافظ ابن حجر: هذا حديث آخر، وهو معطوف على الإسناد المذكور، وهذا الحديث الثاني كان متقدماً على الحديث الأول بست سنين، لأن الأول وقع منه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وكانت في سنة سبع، وهذا وقع في السنة الأولى عند قدومه صلى الله عليه وسلم ونزوله في بيت أبي أيوب الأنصاري كما جاء في الصحيح.

( أتى بقدر فيه خضرات من بقول) قال النووي: هكذا هو في نسخ صحيح مسلم كلها بقدر اهـ قال الحافظ ابن حجر: والقدر بكسر القاف هو ما يطبخ فيه، ويجوز فيه التأنيث والتذكير، والتأنيث أشهر، لكن الضمير في قوله فيه خضرات يعود على الطعام الذي في القدر، فالتقدير: أتى بقدر من طعام فيه خضرات، ولهذا لما أعاد الضمير على القدر أعاده بالتأنيث حيث قال فأخبرني بما فيها وحيث قال قربوها اهـ قال النووي: ووقع في صحيح البخاري وسنن أبي داود وغيرهما من الكتب المعتمدة أتى ببدر والبدر الطبق قال: سمي بدراً لاستدارته كاستدارة البدر.
قال النووي: قال العلماء: إن لفظ ببدر هو الصواب.
اهـ

قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر البخاري الروايتين؛ زعم بعضهم أن لفظة بقدر تصحيف لأنها تشعر بالطبخ، وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة، بخلاف الطبق، فظاهره أن البقول كانت فيه نيئة.
والذي يظهر لي أن رواية القدر أصح ما جاء في حديث أبي أيوب، إذ فيه التصريح بالطعام ولا تعارض بين امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم وغيره مطبوخاً وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخاً، فقد علل ذلك في حديث أبي أيوب عند مسلم في قصة نزول النبي صلى الله عليه وسلم بقوله إني لست كأحد منكم وقد جمع القرطبي بين الروايتين بأن الذي في القدر لم ينضج حتى تضمحل رائحته فبقي في حكم النيئ.
انتهى كلام الحافظ.

والذي يظهر لي أن كلام القرطبي ليس جمعاً بين الروايتين، وإنما هو جمع بين امتناعه صلى الله عليه وسلم عن أكل هذا الطعام وفيه الثوم مطبوخاً وبين إذنه لهم في أكله مطبوخاً وطريق الجمع بين روايتي بقدر وببدر أن يقال: إن القوم كانوا لبداوتهم وضيق حالهم يستخدمون قدورهم الصغيرة كأطباق: ومازال هذا الوضع قائماً في ريف مصر، فيصح أن يطلق عليه قدر باعتبار الحقيقة، وبدر باعتبار الاستعمال، ولا يتوقف الإطلاق على ما فيه من طعام، سواء كان مطبوخاً أم نيئاً، والله أعلم.

وقوله فيه خضرات بضم الخاء وفتح الضاد، كذا ضبط في بعض الروايات، وضبط في بعضها بفتح الخاء وكسر الضاد، وهو جمع خضرة، ويجوز مع ضم أوله ضم الضاد وتسكينها أيضاً.
ذكره الحافظ ابن حجر.
وقوله من بقول كلمة من فيه بيانية، والمعنى فيه خضرات أي بقول، ويجوز أن تكون تبعيضية.

( فقال: قربوها... إلى بعض أصحابه) قال الكرماني: ففي هذا جواز النقل بالمعنى، إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله بهذا اللفظ، بل قال: قربوها إلى فلان مثلاً أو فيه حذف، أي قال: قربوها مشيرًا أو أشار إلى بعض أصحابه.

( فإني أناجي من لا تناجي) أي الملائكة.

( من أكل من هذه البقلة الثوم) الثوم بدل من هذه البقلة.

( فلا يغشنا في مسجدنا) يغشنا بفتح الياء وسكون الغين وفتح الشين: مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، والغشيان الإتيان، وفي رواية البخاري فلا يغشانا في مساجدنا بصيغة النفي التي يراد بها النهي، قال الكرماني: أو على لغة من يجري المعتل مجرى الصحيح، أو أشبع الراوي الفتحة، فظن أنها ألف.

( فوقعنا -أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- في تلك البقلة) أي فوجدنا أنفسنا في مزرعة ثوم أو أمامها.
وقوله أصحاب رسول اللَّه منصوب على الاختصاص.

( من أكل من هذه الشجرة الخبيثة) سماها خبيثة لقبح رائحتها قال أهل اللغة: الخبيث في كلام العرب المكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شراب أو شخص.
قاله النووي.

( مر على زراعة بصل) قال النووي: هي بفتح الزاي وتشديد الراء، وهي الأرض المزروعة.

( عن معدان بن أبي طلحة) أصل السند: حدثنا محمد المثنى حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة أن عمر إلخ.

قال النووي: هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم، وقال: خالف قتادة في هذا الحديث ثلاثة حفاظ.
وهم منصور بن المعتبر وحصين بن عبد الرحمن وعمر بن مرة، فرووه عن سالم عن عمر منقطعاً، لم يذكروا فيه معدان.
قال الدارقطني: وقتادة وإن كان ثقة.
وزيادة الثقة مقبولة عندنا فإنه مولى، ولم يذكر فيه سماعه من سالم، فأشبه أن يكون بلغه عن سالم فرواه عنه.
اهـ قال النووي: وهذا الاستدراك مردود، لأن قتادة وإن كان مدلساً فقد قدمنا في مواضع من هذا الشرح أن ما رواه البخاري ومسلم عن المدلسين وعنعنوه فهو محمول على أنه ثبت من طريق آخر سماع ذلك المدلس هذا الحديث ممن عنعنه عنه، وأكثر هذا أو كثير منه يذكر مسلم وغيره سماعه من طريق آخر متصلاً به، وقد اتفقوا على أن المدلس لا يحتج بعنعنته كما سبق بيانه، ولا شك عندنا في أن مسلماً رحمه الله تعالى يعلم هذه القاعدة، ويعلم تدليس قتادة، فلولا ثبوت سماعه عنده لم يحتج به، ومع هذا كله فتدليسه لا يلزم منه أن يذكر معدان من غير أن يكون له ذكر، والذي يخاف من المدلس أن يحذف بعض الرواة، أما زيادة من لم يكن فهذا لا يفعله المدلس، وإنما هذا فعل الكاذب المجاهر بكذبه، وإنما ذكر معدان زيادة ثقة، فيجب قبولها، والعجب من الدارقطني رحمه الله تعالى في كونه جعل التدليس موجباً لاختراع ذكر رجل لا ذكر له، ونسبه إلى مثل قتادة الذي محله من العدالة والحفظ والعلم بالغاية العالية.
وبالله التوفيق.
اهـ.

( فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر.
قال...)
أي ذكرهما بخير وأثنى عليهما ودعا لهما، ثم قال:

( إني رأيت ديكًا) أي في المنام.

( وإني لا أراه إلا حضور أجلي) أراه بضم الهمزة، أي أظنه، والمعنى: وإني لا أظن تفسير الرؤيا إلا أنها إشارة إلى حضور أجلي وقربه.

( أن أستخلف، وإن اللَّه لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته) يضيع هو في الأصل بضم الياء وفتح الضاد وتشديد الياء المكسورة، مضارع ضيع بالتشديد.
ويجوز يضيع بكسر الضاد الممدودة من أضاع وبها جاء القرآن { { وما كان الله ليضيع إيمانكم } } [البقرة: 143] والمعنى: يطلب مني أقوام أن أعين خليفة بعدي، وأنا واثق من أن الله لن يضيع الإسلام ولا المسلمين، سواء استخلفت أم لم أستخلف فإن أستخلف فحسن لأن أبا بكر قد استخلف، وإن أترك الاستخلاف فحسن فقد تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

( فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة) أي يتشاورون فيما بينهم بشأنها، ويتفقون على واحد منهم، وليس المراد أنهم يحكمون معاً وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف.

( وإني علمت أن أقوامًا يطعنون في هذا الأمر) يطعنون بضم العين وفتحها وهو الأصح هنا.
قاله النووي: والمراد بالأمر جعل الخلافة في أحد الستة.
( أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام) أي إن حزمي وقوتي أرغمتهم على الاستسلام وعدم الخروج وعدم إثارة الفتن.

( فإن فعلوا ذلك) أي طعنوا في استخلافي وأثاروا الفتن.

( فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال) الضلال بضم الضاد وتشديد اللام الممدودة، أي المغرقون في الضلال، قال النووي: معناه إن استحلوا ذلك فهم كفرة ضلال، وإن لم يستحلوا ذلك ففعلهم فعل الكفرة، أي فخذوا على أيديهم.

( لا أدع شيئًا أهم عندي من الكلالة) الكلالة الميت يكون له إخوة وزوج، ولا يترك أصلاً ولا فرعًا وارثًا، ومشكلتها فيمن مات عن إخوة أشقاء وإخوة لأم، وزوج، وقد أشرك عمر الأشقاء مع الإخوة لأم.
لأن تطبيق الأنصباء، النصف للزوج، والثلث للإخوة لأم، لا يبقى للأشقاء سوى السدس.

فقال الأشقاء لعمر: اجعل أبانا حجرًا في اليم، فنحن نشاركهم في الأم التي يرثون بسببها، فأشركهم، وهذه المسألة تسمى الحجرية أو المشتركة أو العمرية.

( ألا تكفيك آية الصيف) أي الآية التي نزلت في الصيف.

( التي في آخر سورة النساء) ؟ وهي قوله تعالى { { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } } [النساء: 176] .

( فأخرج إلى البقيع) مدافن أهل المدينة.

( فمن أكلهما) أي فمن أراد أكلهما.

( فليمتهما طبخًا) أي فليمت رائحتهما بالطبخ.
وإماتة كل شيء كسر قوته وحدته، ومنه قولهم: قتلت الخمر، إذا مزجها بالماء وكسر حدتها.

فقه الحديث

قال النووي هذه الأحاديث تصرح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله في الرواية الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة مسجدنا وحجة الجمهور فلا يأتين المساجد لفظ الرواية الأولى، وفلا يقربن مساجدنا لفظ الرواية الثانية، ثم قال: وقال القاضي: وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوهما من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها، اهـ وقال الحافظ ابن حجر: قد ألحق بعضهم هذه الأماكن بالمسجد عن طريق القياس لكن دخولها بطريق العموم أولى، ويؤكد هذا ما جاء في الرواية السادسة بلفظ وليقعد في بيته وقال: وحكم رحبة المسجد وما قرب منه حكمه، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في شخص في المسجد أمر بإخراجه إلى البقيع كما في الرواية العاشرة.
اهـ وهل يعم الحظر جميع أحوال المسجد حتى ولو لم يكن به أحد؟ أو كان به جماعة كلهم أكلوا فلا يتأذون؟ وهل تدخل الأسواق في المجتمعات المنهي عن دخولها لآكل الثوم؟.

يقول الحافظ ابن حجر: علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، ولا تدخل الأسواق، وهذا هو الأظهر، ويؤيده قوله في روايتنا الثامنة فلا يقربنا في المسجد قال القاضي ابن العربي: ذكر الصفة في الحكم في المسجد يدل على التعليل بها، اهـ

أقول: والأظهر عندي أن كلاً منهما علة كافية في المنع، فمن أذى ملائكة الرحمة التي تتجمع في مجامع العبادة والذكر والعلم ونحوها منع من إيذائها ولو لم يؤذ غيرها، كمن دخل المسجد برائحة الثوم ولا أحد فيه، أو فيه جماعة كلهم أكلوا الثوم، ومن آذى المسلمين برائحة الثوم في أي اجتماع لهم ولو كان لا يجتمع فيه ملائكة الرحمة كالأسواق منع أيضاً.
يؤكد ذلك عبارة فلا يأتين المساجد في الرواية الأولى، وعبارة فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها في الرواية الثانية، وعبارة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس في الرواية الخامسة والسابعة، كل ذلك ظاهره النهي ولو لم يكن بالمسجد أحد من الإنس وعبارة فلا يقربنا في الرواية الثالثة، وعبارة فليعتزلنا وليقعد في بيته في الرواية السادسة تؤكد منع قدوم آكل الثوم على الجماعة وإن لم تكن في أماكن العبادة والله أعلم.

أما أكل الثوم ونحوه فلا يتعلق به النهي.
قال النووي: فهذه البقول حلال بإجماع من يعتد به، وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها، لأنها تمنع عن حضور الجماعة، وهي عندهم فرض عين، وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب كل فإني أناجي من لا تناجي وقوله صلى الله عليه وسلم أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي قال العلماء: ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها قال القاضي: ويلحق به من أكل فجلاً وكان يتجشى، قال: وقال ابن المرابط: ويلحق به من به بخر فيه، أو به جرح له رائحة، اهـ وألحق بعضهم بذلك أصحاب الصنائع كالسماك والدباغ والقصاب ونحوهم.
وقال ابن المنير: ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد.
قال: وفيه نظر، لأن أكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع، والمجذوم علته سماوية.

قال النووي: وقد اختلف أصحابنا في الثوم.
هل كان حراماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان يتركه تنزهاً؟ وظاهر الحديث أنه ليس بمحرم عليه صلى الله عليه وسلم، ومن قال بالتحريم يقول: المراد: ليس لي أن أحرم على أمتي ما أحل الله لها.

ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

1- استدل بها على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين، قال ابن دقيق العيد: لأن اللازم من منعه أحد أمرين.
إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحًا فتكون صلاة الجماعة لست فرض عين، أو حرامًا فتكون صلاة الجماعة فرضًا.
وجمهور الأمة على إباحة أكلها، فيلزم ألا تكون الجماعة فرض عين، وتقريره بالدليل المنطقي أن يقال: أكل هذه الأمور جائز ومن لوازمه ترك الصلاة الجماعة وترك الجماعة في حق آكلها جائز، ولازم الجائز جائز، وذلك ينافي الوجوب ويمكن رد هذا الاستدلال بأن الجماعة فرض عين بشروطها، ونظيره أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر، وهو في أصله مباح.

2- قال ابن دقيق العيد: قد يستدل بهذه الأحاديث على أن أكل هذه الأمور من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة، وقد يقال: إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر: فلا يقتضي ذلك أن يكون عذرًا في تركها إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة.
قال: ويبعد هذا من وجه تقريبه إلى بعض أصحابه، فإن ذلك ينفي الزجر، اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: ويمكن حمله على حالتين، والفرق بينهما أن الزجر وقع في حق من أراد إتيان المسجد، والإذن في التقريب وقع في حالة لم يكن فيها ذلك، بل لم يكن المسجد النبوي إذ ذاك بني حيث كان المقدم له أبا أيوب الأنصاري عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال الخطابي: توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر في التخلف عن الجماعة، وإنما هو عقوبة لآكله على فعله إذ حرم فضل الجماعة.
اهـ.

هذا، وبما أن الأحاديث صريحة في أن نهي آكل الثوم عن دخول المسجد إنما هو بسبب الريح الكريه فإنه يمكن أن يقال: إن الحكم منوط بالرائحة، فلو أكل وأزال الرائحة بمزيل أو استبدل بها رائحة طيبة زال المنع، وقد جاء ذلك صريحًا في الرواية الثانية ولفظها فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها.

3- استدل المهلب من قوله فإني أناجي من لا تناجي على أن الملائكة أفضل من الآدميين، وتعقب بأنه لا يلزم من تفضيل بعض الأفراد على بعض تفضيل الجنس على الجنس.

4- استدل بالحديث العاشر على إخراج من وجد منه ريح الثوم والبصل ونحوهما من المسجد.

5- واستدل به أيضًا على إزالة المنكر باليد لمن أمكنه ذلك.

6- ومن الرواية العاشرة جواز استخلاف الحاكم وعدم جوازه، وسيأتي في المناقب.

7- وفيها موقف عمر رضي الله عنه من مسألة الكلالة، وبسطها في كتب المواريث.

واللَّه أعلم