هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
99 حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ، أَوْ نَفْسِهِ
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 
99 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، قال : حدثني سليمان ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة أنه قال : قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة ، من قال لا إله إلا الله ، خالصا من قلبه ، أو نفسه
هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير، 

: هذه القراءةُ حاسوبية، وما زالت قيدُ الضبطِ والتطوير،  عن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ ، أَوْ نَفْسِهِ .

Narrated Abu Huraira:

I said: O Allah's Messenger (ﷺ)! Who will be the luckiest person, who will gain your intercession on the Day of Resurrection? Allah's Messenger (ﷺ) said: O Abu Huraira! I have thought that none will ask me about it before you as I know your longing for the (learning of) Hadiths. The luckiest person who will have my intercession on the Day of Resurrection will be the one who said sincerely from the bottom of his heart None has the right to be worshipped but Allah.

0099 Abu Hurayra dit : Un jour, on interrogea le Prophète : « O Messager de Dieu ! quel est celui que ton Intercession rendra le plus heureux d’entre les hommes, le jour de la Résurrection ? » « O Abu Hurayra ! » rétroqua le Messager de Dieu, « je croyais qu’aucune personne ne m’interrogeât sur ce sujet avant toi car je te voyais vivement intéressé à la Tradition… La personne que mon Intercession rendra la plus heureuse parmi les hommes, le jour de la Résurrection, est celle qui dit : Il n’y a de dieu que Dieu tout en ayant le coeur (ou : l’âme) sincère.«   

":"ہم سے عبدالعزیز بن عبداللہ نے بیان کیا ، انھوں نے کہا مجھ سے سلیمان نے عمرو بن ابی عمرو کے واسطے سے بیان کیا ۔ وہ سعید بن ابی سعید المقبری کے واسطے سے بیان کرتے ہیں ، وہ حضرت ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے روایت کرتے ہیں کہانھوں نے عرض کیا ، یا رسول اللہ ! قیامت کے دن آپ صلی اللہ علیہ وسلم کی شفاعت سے سب سے زیادہ سعادت کسے ملے گی ؟ تو رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا ، اے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ مجھے یقین تھا کہ تم سے پہلے کوئی اس کے بارے میں مجھ سے دریافت نہیں کرے گا ۔ کیونکہ میں نے حدیث کے متعلق تمہاری حرص دیکھ لی تھی ۔ سنو ! قیامت میں سب سے زیادہ فیض یاب میری شفاعت سے وہ شخص ہو گا ، جو سچے دل سے یا سچے جی سے «لا إله إلا الله» کہے گا ۔

0099 Abu Hurayra dit : Un jour, on interrogea le Prophète : « O Messager de Dieu ! quel est celui que ton Intercession rendra le plus heureux d’entre les hommes, le jour de la Résurrection ? » « O Abu Hurayra ! » rétroqua le Messager de Dieu, « je croyais qu’aucune personne ne m’interrogeât sur ce sujet avant toi car je te voyais vivement intéressé à la Tradition… La personne que mon Intercession rendra la plus heureuse parmi les hommes, le jour de la Résurrection, est celle qui dit : Il n’y a de dieu que Dieu tout en ayant le coeur (ou : l’âme) sincère.«   

شاهد كل الشروح المتوفرة للحديث

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [99] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأُوَيْسِيُّ وَسليمَان هُوَ بن بِلَالٍ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو هُوَ مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو مَيْسَرَةُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَكَرِيمَةَ وَسَقَطَتْ قِيلَ لِلْبَاقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ.

.

قُلْتُ فَتَصَحَّفَتْ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّقَاقِ كَذَلِكَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  أَوَّلُ مِنْكَ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِرَفْعِ اللَّامِ وَنَصْبِهَا فَالرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ لِأَحَدٍ أَوِ الْبَدَلِ مِنْهُ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِظَنَنْتُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.

     وَقَالَ  أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى الْحَالِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ نَكِرَةً لِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِمْ مَا كَانَ أحدمثلك وَمَا فِي قَوْله لما مَوْصُولَة وَمن بَيَانِيَّةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَفِيهِ فَضْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفَضْلُ الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمُشْرِكِ وَالْمُرَادُ مَعَ قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ قَدْ يُكْتَفَى بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلِمَتِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِمَجْمُوعِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ .

     قَوْلُهُ  خَالِصًا احْتِرَازٌ مِنَ الْمُنَافِقِ وَمَعْنَى أَفْعَلَ فِي قَوْلِهِ أَسْعَدَ الْفِعْلُ لَا أَنَّهَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ أَيْ سَعِيدُ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأحسن مقيلا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهَا وَأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَحْصُلُ لَهُ سَعْدٌ بِشَفَاعَتِهِ لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُخْلِصَ أَكْثَرُ سَعَادَةً بِهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ فِي الْخَلْقِ لِإِرَاحَتِهِمْ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ كَمَا صَحَّ فِي حَقِّ أَبِي طَالِبٍ وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوهَا وَفِي بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ دُخُولِهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَوْجَبُوا دُخُولَهَا وَفِي بَعْضِهِمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَفِي بَعْضِهِمْ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِيهَا فَظَهَرَ الِاشْتِرَاكُ فِي السَّعَادَةِ بِالشَّفَاعَةِ وَأَنَّ أَسْعَدَهُمْ بِهَا الْمُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الرِّقَاقِ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ لِتَعْبِيرِهِ بِالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَالَ ( قَولُهُ بَابُ كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ) أَيْ كَيْفِيَّةُ قَبْضِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حزم هُوَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيٌّ نُسِبَ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ وَلِجَدِّهِ عَمْرٌو صُحْبَةٌ وَلِأَبِيهِ مُحَمَّدٌ رُؤْيَةٌ وَأَبُو بَكْرٍ تَابِعِيٌّ فَقِيهٌ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى إِمْرَةِ الْمَدِينَةِ وَقَضَائِهَا وَلِهَذَا كَتَبَ إِلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ سِوَى أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ وَاسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ وَقِيلَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ .

     قَوْلُهُ  انْظُرْ مَا كَانَ أَيِ اجْمَعِ الَّذِي تَجِدُ وَوَقَعَ هُنَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ عِنْدَكَ أَيْ فِي بَلَدِكِ .

     قَوْلُهُ  فَاكْتُبْهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ ابْتِدَاءُ تَدْوِينِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْحِفْظِ فَلَمَّا خَافَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى مِنْ ذَهَابِ الْعِلْمِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ رَأَى أَنَّ فِي تَدْوِينِهِ ضَبْطًا لَهُ وَإِبْقَاءً وَقَدْ رَوَىمثلك وَمَا فِي قَوْله لما مَوْصُولَة وَمن بَيَانِيَّةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَفِيهِ فَضْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفَضْلُ الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمُشْرِكِ وَالْمُرَادُ مَعَ قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ قَدْ يُكْتَفَى بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلِمَتِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِمَجْمُوعِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ .

     قَوْلُهُ  خَالِصًا احْتِرَازٌ مِنَ الْمُنَافِقِ وَمَعْنَى أَفْعَلَ فِي قَوْلِهِ أَسْعَدَ الْفِعْلُ لَا أَنَّهَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ أَيْ سَعِيدُ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأحسن مقيلا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهَا وَأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَحْصُلُ لَهُ سَعْدٌ بِشَفَاعَتِهِ لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُخْلِصَ أَكْثَرُ سَعَادَةً بِهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ فِي الْخَلْقِ لِإِرَاحَتِهِمْ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ كَمَا صَحَّ فِي حَقِّ أَبِي طَالِبٍ وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوهَا وَفِي بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ دُخُولِهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَوْجَبُوا دُخُولَهَا وَفِي بَعْضِهِمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَفِي بَعْضِهِمْ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِيهَا فَظَهَرَ الِاشْتِرَاكُ فِي السَّعَادَةِ بِالشَّفَاعَةِ وَأَنَّ أَسْعَدَهُمْ بِهَا الْمُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الرِّقَاقِ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ لِتَعْبِيرِهِ بِالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَالَ ( قَولُهُ بَابُ كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ) أَيْ كَيْفِيَّةُ قَبْضِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حزم هُوَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيٌّ نُسِبَ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ وَلِجَدِّهِ عَمْرٌو صُحْبَةٌ وَلِأَبِيهِ مُحَمَّدٌ رُؤْيَةٌ وَأَبُو بَكْرٍ تَابِعِيٌّ فَقِيهٌ اسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى إِمْرَةِ الْمَدِينَةِ وَقَضَائِهَا وَلِهَذَا كَتَبَ إِلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ سِوَى أَبِي بَكْرٍ وَقِيلَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ وَاسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ وَقِيلَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ .

     قَوْلُهُ  انْظُرْ مَا كَانَ أَيِ اجْمَعِ الَّذِي تَجِدُ وَوَقَعَ هُنَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ عِنْدَكَ أَيْ فِي بَلَدِكِ .

     قَوْلُهُ  فَاكْتُبْهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ ابْتِدَاءُ تَدْوِينِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الْحِفْظِ فَلَمَّا خَافَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى مِنْ ذَهَابِ الْعِلْمِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ رَأَى أَنَّ فِي تَدْوِينِهِ ضَبْطًا لَهُ وَإِبْقَاءً وَقَدْ رَوَىوَكَانَتِ الْمَوْعِظَةُ بِقَوْلِهِ إِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَاسْتُفِيدَ التَّعْلِيمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ كَأَنَّهُ أَعْلَمَهُنَّ أَنَّ فِي الصَّدَقَةِ تَكْفِيرًا لِخَطَايَاهُنَّ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [99] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ.
أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ».
[الحديث طرفه في: 6570] .
وبالسند السابق إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني ( قال: حدّثني) بالتوحيد ( سليمان) بن بلال أبو محمد التيمي القرشي ( عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب المدني، المتوفى في خلافة أبي جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة ( عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) بضم الموحدة وفتحها ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه ( أنه) بفتح الهمزة ( قال) : ( قيل يا رسول الله) ولغير أبي ذر وكريمة قال: يا رسول الله بإسقاط قيل كما في رواية الأصيلي والقابسي فيما قاله العيني وغيره وهو الصواب، ولعلها كانت قلت كما عند المؤلف في الرقاق فتصحفت بقيل لأن السائل هو أبو هريرة نفسه، فدل هذا على أن رواية أبي ذر وكريمة وهم ( من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة) بنصب يوم على الظرفية ومن استفهامية مبتدأ خبره تاليه ( قال رمول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : والله ( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني) بضم اللام وفتحها على حدّ قراءتي وحسبوا أن لا تكون بالرفع والنصب لوقوع أن بعد الظن واللام في لقد جواب القسم المحذوف كما قدّرته أو للتأكيد ( عن هذا الحديث أحد) بالرفع فاعل يسألني ( أوّل منك) برفع أوّل صفة لأحد أو بدل منه بالنصب، وهو الذي في فرع اليونينية كهي وصحح عليه وخرج على الظرفية.
وقال عياض على المفعول الثاني لظننت.
قال في المصابيح: ولا يظهر له وجه، وقال أبو البقاء: على الحال أي لا يسألني أحد سابقًا لك ولا يضرّ كونه نكرة لأنها في سياق النفي كقولهم: ما كان أحد مثلك ( لما رأيت) أي الذي رأيته ( من حرصك على الحديث) أو لرؤيتي بعض حرصك فمن بيانية على الأول وتبعيضية على الثاني ( أسعد الناس) الطائع والعاصي ( بشفاعتي يوم القيامة) أي في يوم القيامة ( من قال) في موضع رفع خبر المبتدأ الذي هو أسعد، ومن موصولة أي الذي قال: ( لا إله إلاّ الله) مع قوله محمد رسول الله حال كونه ( خالصًا) من الشرك، زاد في رواية الكشميهني وأبي الوقت مخلصًا ( من قلبه أو نفسه) شك من الراوي، وقد يكتفى بالنطق بأحد الجزأين من كلمتي الشهادة لأنه صار شعارًا لمجموعهما.
فإن قلت: الإخلاص محله القلب فما فائدة قوله من قلبه؟ أجيب: بأن الإتيان به للتأكيد ولو صدق بقلبه ولم يتلفظ دخل في هذا الحكم لكنا لا نحكم عليه بالدخول إلا أن يتلفظ فهو للحكم باستحقاق الشفاعة لا لنفس الاستحقاق، واستشكل التعبير بالفعل التفضيل في قوله أسعد إذ مفهومه أن كلاًّ من الكافر الذي لم ينطق بالشهادة والمنافق الذي نطق بلسانه دون قلبه أن يكون سعيدًا.
وأجيب: بأن أفعل هنا ليست على بابها، بل بمعنى سعيد الناس من نطق بالشهادتين أو تكون أفعل على بابها والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته، والدليل على إرادة تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص محله القلب ففائدته التأكيد كما مرّ.
وقال البدر الدماميني: حمله ابن بطال يعني قوله مخلصًا على الإخلاص العام الذي هو من لوازم التوحيد، ورده ابن المنير بأن هذا لا يخلو عنه مؤمن فتعطل صيغة أفعل وهو لم يسأله عمن يستأهل شفاعته، وإنما سأل عن أسعد الناس بها، فينبغي أن يحمل على إخلاص خاصّ مختص ببعض دون بعض ولا يخفى تفاوت رتبه، والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق، والله أعلم.
34 - باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلاَ يُقْبَلْ إِلاَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلْيُفْشُوا الْعِلْمَ.
وَلْيَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا.
حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِذَلِكَ.
يَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى قَوْلِهِ "ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ".
هذا ( باب) بالتنوين وفي فرع اليونينية بغير تنوين مضافًا لقوله: ( كيف يقبض العلم) أي كيفية رفع العلم، وسقط لفظ باب للأصيلي: ( وكتب) وفي رواية ابن عساكر قال: أي البخاري وكتب ( عمر بن عبد العزيز) أحد الخلفاء الراشدين المهديين ( إلى) نائبه في الإمرة والقضاء على المدينة ( أبي بكر) بن محمد بن عمرو ( بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي الأنصاري المدني، المتوفى سنة اثنتين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك وهوابن أربع وثمانين سنة، ونسبه المؤلف إلى جد أبيه لشهرته به ولجده عمرو صحبة ولأبيه محمد رؤية ( انظر ما كان) أي الجمع الذي تجده، وفي رواية الكشميهني انظر ما كان عندك أي في بلدك، فكان على الرواية الأولى تامة وعلى الثانية ناقصة وعندك الخبر ( من حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكتبه فإني خفت دروس العلم) بضم الدال ( وذهاب العلماء) فإن في كتبه ضبطًا له وإبقاء، وقد كان الاعتماد إذ ذاك إنما هو على الحفظ فخاف عمر بن عبد العزيز في رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء فأمر بذلك، ( ولا يقبل) بضم المثناة التحتية وسكون اللام، وفي بعض النسخ بالرفع على أن لا نافية وفي فرع اليونينية كهي تقبل بفتح المثناة الفوقية على الخطاب مع الجزم ( إلا حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وليفشوا العلم وليجلسوا)
بضم المثناة التحتية في الأوّل من الإفشاء وفتحها في الثاني من الجلوس لا من الإجلاس مع سكون اللام وكسرها معًا فيهما.
وفي رواية عن ابن عساكر: ولتفشوا ولتجلسوا بالمثناة الفوقية فيهما ( حتى يعلم) بضم المثناة التحتية وتشديد اللام المفتوحة وللكشميهني يعلم بفتحها وتخفيف اللام مع تسكين العين من العلم ( من لا يعلم فإن العلم لا يهلك) بفتح أوّله وكسر ثالثه كضرب يضرب وقد تفتح ( حتى يكون سرًّا) أي خفية كاتخاذه في الدار المحجورة التي لا يتأتى فيها نشر العلم بخلاف المساجد والجوامع والمدارس ونحوها، وقد وقع هذا التعليق موصولاً عقبه في غير رواية الكشميهني وكريمة وابن عساكر ولفظه: حدّثنا.
وفي رواية الأصيلي قال أبو عبد الله أي البخاري: ( حدّثنا العلاء بن عبد الجبار) أبو الحسن البصري العطار الأنصاري الثقة، المتوفى سنة اثنتي عشرة ومائتين ( قال: حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي، المتوفى سنة سبع وستين ومائة ( عن عبد الله بن دينار) القرشي المدني مولى ابن عمر رضي الله عنهما ( بذلك يعني حديث عمر بن عبد العزيز إلى قوله ذهاب العلماء) قال الحافظ ابن حجر: محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه ولم يدخل في هذه الرواية والأوّل أظهر، وبه صرّح أبو نعيم في المستخرج ولم أجده في مواضع كثيرة إلا كذلك، وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر، ثم بيّن أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر انتهى.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  [99] حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حدّثني سُلَيْمانُ عنْ عَمْرو بن أبي عَمْرٍ وعنْ سَعيد بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُريِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رسولَ الله! مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يوْمَ القِيامةِ؟ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أنْ لَا يَسْأَلَنِي عنْ هَذا الحَدِيثِ أَحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ منْ حِرْصِكَ علَى الحَدِيثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفاعَتِيِ يَوْمَ القيامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلاَّ الله، خالِصاً مِنْ قَلْبِهِ أوْ نَفْسِهِ) .
( الحَدِيث 99 طرفه فِي: 6570) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لما رَأَيْت من حرصك على الحَدِيث) .
بَيَان رِجَاله:.
وهم خَمْسَة: الأول: عبد الْعَزِيز بن عبد اللَّه بن يحيى بن عَمْرو بن أويس بن سعيد بن أبي سرح، بالمهملات، ابْن حُذَيْفَة بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر ابْن لؤَي بن فهر، أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي العامري الأويسي الْمدنِي الْفَقِيه، روى عَنهُ البُخَارِيّ، وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن رجل عَنهُ، وروى البُخَارِيّ فِي الْإِصْلَاح عَن مُحَمَّد بن عبد اللَّه مَقْرُونا بالفروي عَنهُ عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ أَبُو حَاتِم: مدنِي صَدُوق.
وَعنهُ قَالَ: هُوَ أحب إِلَيّ من يحيى بن بكير.
الثَّانِي: سُلَيْمَان بن بِلَال، أَبُو مُحَمَّد التَّيْمِيّ القريشي الْمدنِي، وَقد مر ذكره.
الثَّالِث: عَمْرو بن أبي عَمْرو، بِفَتْح الْعين وبالواو فيهمَا، وَأَبُو عَمْرو اسْمه: ميسرَة، وَعَمْرو يكنى أَبَا عُثْمَان، وميسرة مولى الْمطلب بن عبد اللَّه بن حنْطَب، بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْمُهْملَة وبالموحدة، المَخْزُومِي الْقرشِيعبد الْعَزِيز إِلَى قَوْله ذهَاب الْعلمَاء.
قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله بذلك يَعْنِي بِجَمِيعِ مَا ذكر، يَعْنِي: إِلَى قَوْله: حَتَّى يكون سرا.
ثمَّ قَالَ: وَفِي بعض النّسخ بعده: يَعْنِي بعد قَوْله بذلك يَعْنِي حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى قَوْله: ذهَاب الْعلمَاء، ثمَّ قَالَ: وَالْمَقْصُود مِنْهُ أَن الْعَلَاء روى كَلَام عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى قَوْله: ذهَاب الْعلمَاء فَقَط.
قلت: أما بعد قَوْله: ذهَاب الْعلمَاء، يحْتَمل أَن يكون كَلَام عمر، وَلكنه لم يدْخل فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَيحْتَمل أَن لَا يكون من كَلَامه، وَهُوَ الْأَظْهر، وَبِه صرح أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) فَإِذا كَانَ كَذَلِك يكون هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ أوردهُ عقيب كَلَام عمر بن عبد العزيز بعد انتهائه: أنبأني الشَّيْخ قطب الدّين عبد الْكَرِيم إجَازَة، قَالَ: أَخْبرنِي جدي إجَازَة الْحَافِظ الثِّقَة الْعدْل قطب الدّين عبد الْكَرِيم، ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، أَنبأَنَا عبد الْعَزِيز بن باقاء الْبَغْدَادِيّ إجَازَة، أَنبأَنَا يحيى بن ثَابت سَمَاعا، أَنبأَنَا ثَابت بن بنْدَار، أَنبأَنَا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب البرقاني، أَنبأَنَا الإِمَام الْحَافِظ الْإِسْمَاعِيلِيّ، ثَنَا الْعَلَاء بن عبد الْجَبَّار، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم عَن عبد اللَّه بن دِينَار، قَالَ: كتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي بكر بن حزم ... فَذكره إِلَى قَوْله: وَذَهَاب الْعلمَاء.
فَإِن قلت: لِمَ أخر إِسْنَاد كَلَام عمر بن عبد الْعَزِيز عَن كَلَامه، وَالْعَادَة تَقْدِيم الْإِسْنَاد.
قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: للْفرق بَين إِسْنَاد الْأَثر وَبَين إِسْنَاد الْخَبَر، وَفِيه نظر لِأَنَّهُ غير مطرد، وَيحْتَمل أَن يكون قد ظهر بِإِسْنَادِهِ بعد وضع هَذَا الْكَلَام، فَالْحَقْهُ بالأخير، على أَنا قُلْنَا: إِن هَذَا الْإِسْنَاد لَيْسَ بموجود عِنْد جمَاعَة.
وَأما الْعَلَاء بن عبد الْجَبَّار فَهُوَ أَبُو الْحسن الْبَصْرِيّ الْعَطَّار الْأنْصَارِيّ مَوْلَاهُم، سكن مَكَّة، أخرج البُخَارِيّ من رِوَايَة أبي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَأبي الْهَيْثَم فِي الْعلم عَنهُ عَن عبد الْعَزِيز هَذَا الْأَثر وَلم يخرج عَنهُ غَيره، قَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث..
     وَقَالَ  الْعجلِيّ: ثِقَة، توفّي سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن رجل عَنهُ، وَلم يخرج لَهُ مُسلم شَيْئا.
وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم الْقَسْمَلِي مَوْلَاهُم، أَخُو الْمُغيرَة بن مُسلم الْخُرَاسَانِي الْمروزِي نِسْبَة إِلَى القساملة، وَقيل لَهُم ذَلِك لأَنهم من ولد قسملة، واسْمه مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن مَالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان، وَلَهُم محلّة بِالْبَصْرَةِ مَعْرُوفَة بالقسامل، وَقيل: نزل فيهم فنسب إِلَيْهِم، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي التَّعْبِير والذبائح وَكتاب المرضى وَغير مَوضِع عَن مُسلم بن إِسْمَاعِيل عَنهُ عَن عبد اللَّه بن دِينَار، وحصين وَالْأَعْمَش.
وَأخرج لَهُ هَذَا الْأَثر عَن الْعَلَاء عَنهُ.
قَالَ يحيى بن معِين وَأَبُو حَاتِم: ثِقَة..
     وَقَالَ  يحيى بن إِسْحَاق: ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم، وَكَانَ من الأبدال.
قَالَ عَمْرو بن عَليّ: مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، روى لَهُ الْجَمَاعَة إلاَّ ابْن مَاجَه.
وَأما عبد اللَّه بن دِينَار الْقرشِي الْمدنِي، مولى ابْن عمر فقد مر فِي: بَاب أُمُور الْإِيمَان.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  (قَوْله بَاب الْحِرْص على الحديث)
الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا يُضَافُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مُقَابَلَةُ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ)
قَدِيمٌ

[ قــ :99 ... غــ :99] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأُوَيْسِيُّ وَسليمَان هُوَ بن بِلَالٍ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو هُوَ مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ وَاسْمُ أَبِي عَمْرٍو مَيْسَرَةُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَكَرِيمَةَ وَسَقَطَتْ قِيلَ لِلْبَاقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ.

.

قُلْتُ فَتَصَحَّفَتْ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّقَاقِ كَذَلِكَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  أَوَّلُ مِنْكَ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِرَفْعِ اللَّامِ وَنَصْبِهَا فَالرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ لِأَحَدٍ أَوِ الْبَدَلِ مِنْهُ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِظَنَنْتُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.

     وَقَالَ  أَبُو الْبَقَاءِ عَلَى الْحَالِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ نَكِرَةً لِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِمْ مَا كَانَ أحد مثلك وَمَا فِي قَوْله لما مَوْصُولَة وَمن بَيَانِيَّةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَفِيهِ فَضْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفَضْلُ الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمُشْرِكِ وَالْمُرَادُ مَعَ قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَكِنْ قَدْ يُكْتَفَى بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كَلِمَتِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا لِمَجْمُوعِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ .

     قَوْلُهُ  خَالِصًا احْتِرَازٌ مِنَ الْمُنَافِقِ وَمَعْنَى أَفْعَلَ فِي قَوْلِهِ أَسْعَدَ الْفِعْلُ لَا أَنَّهَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ أَيْ سَعِيدُ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأحسن مقيلا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهَا وَأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَحْصُلُ لَهُ سَعْدٌ بِشَفَاعَتِهِ لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُخْلِصَ أَكْثَرُ سَعَادَةً بِهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْفَعُ فِي الْخَلْقِ لِإِرَاحَتِهِمْ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ الْكُفَّارِ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ كَمَا صَحَّ فِي حَقِّ أَبِي طَالِبٍ وَيَشْفَعُ فِي بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوهَا وَفِي بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ دُخُولِهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَوْجَبُوا دُخُولَهَا وَفِي بَعْضِهِمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَفِي بَعْضِهِمْ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِيهَا فَظَهَرَ الِاشْتِرَاكُ فِي السَّعَادَةِ بِالشَّفَاعَةِ وَأَنَّ أَسْعَدَهُمْ بِهَا الْمُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الرِّقَاقِ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ لِتَعْبِيرِهِ بِالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ مَنْ قَالَ

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  باب الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيث.

هذا ( باب الحرص على) تحصيل ( الحديث) المضاف إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لفظ باب للأصيلي.


[ قــ :99 ... غــ : 99 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ.
أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ».
[الحديث 99 - طرفه في: 6570] .


وبالسند السابق إلى المؤلف قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني ( قال: حدّثني) بالتوحيد ( سليمان) بن بلال أبو محمد التيمي القرشي ( عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب المدني، المتوفى في خلافة أبي جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة ( عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) بضم الموحدة وفتحها ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه ( أنه) بفتح الهمزة ( قال) :
( قيل يا رسول الله) ولغير أبي ذر وكريمة قال: يا رسول الله بإسقاط قيل كما في رواية الأصيلي والقابسي فيما قاله العيني وغيره وهو الصواب، ولعلها كانت قلت كما عند المؤلف في الرقاق فتصحفت بقيل لأن السائل هو أبو هريرة نفسه، فدل هذا على أن رواية أبي ذر وكريمة وهم ( من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة) بنصب يوم على الظرفية ومن استفهامية مبتدأ خبره تاليه ( قال رمول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : والله ( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني) بضم اللام وفتحها على حدّ قراءتي وحسبوا أن لا تكون بالرفع والنصب لوقوع أن بعد الظن واللام في لقد جواب القسم المحذوف كما قدّرته أو للتأكيد ( عن هذا الحديث أحد) بالرفع فاعل يسألني ( أوّل منك) برفع أوّل صفة لأحد أو بدل منه بالنصب، وهو الذي في فرع اليونينية كهي وصحح عليه وخرج على الظرفية.
وقال عياض على المفعول الثاني لظننت.
قال في المصابيح: ولا يظهر له وجه، وقال أبو البقاء: على الحال أي لا يسألني أحد سابقًا لك ولا يضرّ كونه نكرة لأنها في سياق النفي كقولهم: ما كان أحد مثلك ( لما رأيت) أي الذي رأيته ( من حرصك على الحديث) أو لرؤيتي بعض حرصك فمن بيانية على الأول وتبعيضية على الثاني ( أسعد الناس) الطائع والعاصي ( بشفاعتي يوم القيامة) أي في يوم القيامة ( من قال) في موضع رفع خبر المبتدأ الذي هو أسعد، ومن موصولة أي الذي قال: ( لا إله إلاّ الله) مع قوله محمد رسول الله حال كونه ( خالصًا) من الشرك، زاد في رواية الكشميهني وأبي الوقت مخلصًا ( من قلبه أو نفسه) شك من الراوي، وقد يكتفى بالنطق بأحد الجزأين من كلمتي الشهادة لأنه صار شعارًا لمجموعهما.

فإن قلت: الإخلاص محله القلب فما فائدة قوله من قلبه؟ أجيب: بأن الإتيان به للتأكيد ولو صدق بقلبه ولم يتلفظ دخل في هذا الحكم لكنا لا نحكم عليه بالدخول إلا أن يتلفظ فهو للحكم باستحقاق الشفاعة لا لنفس الاستحقاق، واستشكل التعبير بالفعل التفضيل في قوله أسعد إذ مفهومه أن كلاًّ من الكافر الذي لم ينطق بالشهادة والمنافق الذي نطق بلسانه دون قلبه أن يكون سعيدًا.

وأجيب: بأن أفعل هنا ليست على بابها، بل بمعنى سعيد الناس من نطق بالشهادتين أو تكون أفعل على بابها والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته، والدليل على إرادة تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص محله القلب ففائدته التأكيد كما مرّ.

وقال البدر الدماميني: حمله ابن بطال يعني قوله مخلصًا على الإخلاص العام الذي هو من لوازم التوحيد، ورده ابن المنير بأن هذا لا يخلو عنه مؤمن فتعطل صيغة أفعل وهو لم يسأله عمن يستأهل

شفاعته، وإنما سأل عن أسعد الناس بها، فينبغي أن يحمل على إخلاص خاصّ مختص ببعض دون بعض ولا يخفى تفاوت رتبه، والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق، والله أعلم.

هذه الخدمةُ تعملُ بصورةٍ آليةٍ، وهي قيدُ الضبطِ والتطوير،  ( بابُُ الحِرْصِ علَى الحدِيثِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْحِرْص على تَحْصِيل الحَدِيث، والْحَدِيث فِي اللُّغَة: الْجَدِيد، من حدث أَمر أَي: وَقع، وَهُوَ من بابُُ: نصر ينصر.
وَيُقَال: أَخَذَنِي مَا قدُم وَمَا حدُث، لَا يضم: حدث، فِي شَيْء من الْكَلَام إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، وَذَلِكَ لمَكَان: قدم، على الإزدواج.
والْحَدِيث: الْخَبَر يَأْتِي على الْقَلِيل وَالْكثير، وَيجمع على: أَحَادِيث، على غير قِيَاس.
قَالَ الْفراء: ترى أَن وَاحِد الْأَحَادِيث أحدوثة، ثمَّ جَعَلُوهُ جمعا للْحَدِيث، وَسمي حَدِيثا لِأَنَّهُ يحدث مِنْهُ الشَّيْء بعد الشَّيْء، والأحدوثة مَا يتحدث بِهِ.
وَقَوله تَعَالَى: { وجعلناهم أَحَادِيث} ( الْمُؤْمِنُونَ: 44) أَي: عبرا يتحدث بهلاكهم، وَالْحَدَث، والحدثى مثل: بشرى والحادثة والحدثان كُله بِمَعْنى، والحدثان أَيْضا: النَّاس.
وَالْجمع: الْحدثَان بِالْكَسْرِ، والتركيب يدل على كَون شَيْء لم يكن، والْحَدِيث فِي عرف الْعَامَّة: الْكَلَام، وَفِي عرف الشَّرْع: مَا يتحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَأَنَّهُ لوحظ فِيهِ مُقَابلَته لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهُ قديم وَهَذَا حَدِيث، والْحَدِيث ضد الْقَدِيم، وَيسْتَعْمل فِي قَلِيل الْكَلَام وَكَثِيره، لِأَنَّهُ يحدث شَيْئا فَشَيْئًا كَمَا ذكرنَا.

فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبابَُُيْنِ؟ قلت: من حَيْثُ إِن من الْمَذْكُور فِي الْبابُُ الأول هُوَ التَّعْلِيم الْخَاص، وَكَذَلِكَ الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبابُُ هُوَ التَّعْلِيم الْخَاص، لِأَن النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، أجَاب أَبَا هُرَيْرَة فِيمَا سَأَلَهُ بِالْخِطَابِ إِلَيْهِ خَاصَّة، وَالْجَوَاب عَن سُؤال من لَا يعلم جَوَابه تَعْلِيم من الْمُجيب، فَافْهَم.



[ قــ :99 ... غــ :99 ]
- حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حدّثني سُلَيْمانُ عنْ عَمْرو بن أبي عَمْرٍ وعنْ سَعيد بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُريِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رسولَ الله! مَنْ أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يوْمَ القِيامةِ؟ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أنْ لَا يَسْأَلَنِي عنْ هَذا الحَدِيثِ أَحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ منْ حِرْصِكَ علَى الحَدِيثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بِشَفاعَتِيِ يَوْمَ القيامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلاَّ الله، خالِصاً مِنْ قَلْبِهِ أوْ نَفْسِهِ) .

( الحَدِيث 99 طرفه فِي: 6570) .

مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لما رَأَيْت من حرصك على الحَدِيث) .

بَيَان رِجَاله:.
وهم خَمْسَة: الأول: عبد الْعَزِيز بن عبد اللَّه بن يحيى بن عَمْرو بن أويس بن سعيد بن أبي سرح، بالمهملات، ابْن حُذَيْفَة بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر ابْن لؤَي بن فهر، أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي العامري الأويسي الْمدنِي الْفَقِيه، روى عَنهُ البُخَارِيّ، وروى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن رجل عَنهُ، وروى البُخَارِيّ فِي الْإِصْلَاح عَن مُحَمَّد بن عبد اللَّه مَقْرُونا بالفروي عَنهُ عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ أَبُو حَاتِم: مدنِي صَدُوق.
وَعنهُ قَالَ: هُوَ أحب إِلَيّ من يحيى بن بكير.
الثَّانِي: سُلَيْمَان بن بِلَال، أَبُو مُحَمَّد التَّيْمِيّ القريشي الْمدنِي، وَقد مر ذكره.
الثَّالِث: عَمْرو بن أبي عَمْرو، بِفَتْح الْعين وبالواو فيهمَا، وَأَبُو عَمْرو اسْمه: ميسرَة، وَعَمْرو يكنى أَبَا عُثْمَان، وميسرة مولى الْمطلب بن عبد اللَّه بن حنْطَب، بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْمُهْملَة وبالموحدة، المَخْزُومِي الْقرشِي الْمدنِي، روى عَن أنس بن مَالك وَغَيره، وَعنهُ مَالك والدراوردي.
قَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة..
     وَقَالَ  أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ.
وَأما يحيى بن معِين فَقَالَ: ضَعِيف لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَيْسَ بِحجَّة..
     وَقَالَ  ابْن عدي: لَا بَأْس بِهِ لِأَن مَالِكًا روى عَنهُ، وَلَا يروي إلاَّ عَن صَدُوق ثِقَة.
مَاتَ سنة خلَافَة الْمَنْصُور فِي أَولهَا وَكَانَت أول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَزِيَاد بن عبد اللَّه على الْمَدِينَة.
روى لَهُ الْجَمَاعَة.
الرَّابِع: سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، بِضَم الْبَاء وَفتحهَا.
وَقد مر.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، رَضِي الله عَنهُ.

بَيَان لطائف إِسْنَاده: مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع وَصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة.
وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ.

بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ هُنَا عَن عبد الْعَزِيز، وَفِي صفة الْجنَّة عَن قُتَيْبَة عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن عَليّ بن حجر عَن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بِهِ..
     وَقَالَ  الْمزي.
روى عَن سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَحَدِيث النَّسَائِيّ لَيْسَ فِي الرِّوَايَة، وَلم يذكرهُ أَبُو الْقَاسِم.

بَيَان الْإِعْرَاب: قَوْله: ( أَنه قَالَ) بِفَتْح: أَن.
وَقَوله: قَالَ، جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر: أَن.
قَوْله: ( قيل: يَا رَسُول الله) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وكريمة، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة البَاقِينَ لَفْظَة: قيل، وَإِنَّمَا هُوَ: ( أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله) ..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: وَقَوله: قيل، وهم، وَالصَّوَاب سُقُوط: قيل، كَمَا جَاءَ عِنْد الْأصيلِيّ والقابسي، لِأَن السَّائِل هُوَ أَبُو هُرَيْرَة نَفسه، لقَوْله بعد: ( لقد ظَنَنْت أَن لَا يسألني عَن هَذَا أحد أول مِنْك) ، وَالْأول وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَهُوَ وهم.
قلت: الصَّوَاب مَا قَالَه القَاضِي، فَإِن البُخَارِيّ أخرجه فِي الرقَاق كَذَلِك.
وَأخرجه فِي الْجنَّة أَنه قَالَ: ( قلت: يَا رَسُول الله) وَهَذَا مِمَّا يُؤَيّد أَن: قلت، تصحف: بقيل.
وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ( أَنه سَأَلَ) .
وَفِي رِوَايَة أبي نعيم أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: ( يَا رَسُول الله) .
قَوْله: ( مَنْ أسعد النَّاس) مُبْتَدأ وَخبر، و: من، إستفهامية، ( وَيَوْم الْقِيَامَة) كَلَام إضافي نصب على الظّرْف.
قَوْله: ( لقد ظَنَنْت) اللَّام فِيهِ جَوَاب قسم مَحْذُوف، قَالَه الْكرْمَانِي، وَالْأولَى أَن يُقَال: إِنَّه لَام التَّأْكِيد.

قَوْله: ( يابا هُرَيْرَة) أَصله يَا أَبَا هُرَيْرَة، فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا، وَهُوَ معترض بَين ظَنَنْت ومفعوله، وَهُوَ قَوْله: ( أَن لَا يسألني عَن هَذَا الحَدِيث أحد) ، وَيجوز ضم اللَّام فِي: يسألني، وَفتحهَا لِأَن كلمة: أَن، إِذا وَقعت بعد الظَّن يجوز فِي مدخولها الْوَجْهَانِ: الرّفْع وَالنّصب.
وَاعْلَم أَن: أَن، الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الساكنة النُّون على وَجْهَيْن: اسْم وحرف، فالحرف على أَرْبَعَة أوجه: الأول: أَن يكون حرفا مصدرياً ناصباً للمضارع، وَتَقَع فِي موضِعين.
أَحدهمَا: فِي الِابْتِدَاء، فَتكون فِي مَوضِع رفع نَحْو: { وَأَن تَصُومُوا خير لكم} ( الْبَقَرَة: 184) وَالثَّانِي: بعد لفظ دَال على معنى غير الْيَقِين، فَيكون فِي مَوضِع رفع نَحْو: { ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} ( الْحَدِيد: 16) وَنصب نَحْو: { وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يُفترى من دون الله} ( يُونُس: 37) وخفض نَحْو: { أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا} ( الْأَعْرَاف: 129) ومحتملة لَهما نَحْو: { وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي} ( الشُّعَرَاء: 82) أَصله: فِي أَن يغْفر لي.
الثَّانِي: أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، فَتَقَع بعد فعل الْيَقِين أَو مَا نزل مَنْزِلَته، نَحْو: { أَفلا يرَوْنَ أَن لَا يرجع إِلَيْهِم قولا} ( طه: 89) { علم أَن سَيكون} ( المزمل: 20) { وَحَسبُوا أَن لَا تكون فتْنَة} ( الْمَائِدَة: 71) فِيمَن رفع: تكون، فَإِن هَذِه ثلاثية الْوَضع، وَهِي مَصْدَرِيَّة أَيْضا، وتنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر، خلافًا للكوفيين؛ وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تعْمل شَيْئا، وَشرط اسْمهَا أَن يكون محذوفاً، وَرُبمَا ثَبت فِي الضَّرُورَة على الْأَصَح، وَشرط خَبَرهَا أَن يكون جملَة، وَلَا يجوز إِفْرَاده إِلَّا إِذا ذكر الِاسْم فَيجوز الْأَمْرَانِ.
الثَّالِث: أَن تكون مفسرة، بِمَنْزِلَة: أَي، نَحْو قَوْله تَعَالَى: { فأوحينا إِلَيْهِ أَن أصنع الْفلك} ( الْمُؤْمِنُونَ: 27) وَعَن الكوفية إِنْكَار: أَن، التفسيرية أَلْبَتَّة.
وَإِذا ولي: أَن، الصَّالِحَة للتفسير مضارع مَعَه: لَا، نَحْو: أَشرت إِلَيْهِ أَن لَا يفعل، جَازَ رَفعه على تَقْدِير: لَا، نَافِيَة.
وجزمه على تقديرها ناهية.
وَعَلَيْهِمَا فَأن مفسرة، ونصبه على تَقْدِير: لَا، نَافِيَة و: أَن، مَصْدَرِيَّة.
فَإِن فقدت: لَا، امْتنع الْجَزْم وَجَاز الرّفْع وَالنّصب.
الرَّابِع: أَن تكون زَائِدَة، وَلها مَوَاضِع ذكرت فِي النَّحْو.

قَوْله: ( أحد) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل: يسألني، قَوْله: ( أول مِنْك) ، يجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، فالرفع على أَنه صفة لأحد، أَو بدل مِنْهُ.
وَالنّصب على الظَّرْفِيَّة..
     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: على الْمَفْعُول الثَّانِي لظَنَنْت..
     وَقَالَ  أَبُو الْبَقَاء: على الْحَال، أَي: لَا يسألني أحد سَابِقًا لَك: قَالَ: وَجَاز نصب الْحَال عَن النكرَة لِأَنَّهَا فِي سِيَاق النَّفْي فَتكون عاملة كَقَوْلِهِم: مَا كَانَ أحد مثلك.
وَاخْتلف فِي: أول، هَل وَزنه: أفعل أَو فوعل، وَالصَّحِيح أَنه: أفعل، واستعماله: بِمن، من جملَة أَدِلَّة صِحَّته..
     وَقَالَ  أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: أول، تسْتَعْمل إسماً وَصفَة.
فَإِن اسْتعْملت صفة كَانَت بِالْألف وَاللَّام، أَو بِالْإِضَافَة أَو: بِمن، ظَاهِرَة أَو مقدرَة.
مثل قَوْله تَعَالَى: { يعلم السِّرّ واخفى} ( طه: 7) أَي: اخفى من السِّرّ، فَإِن كَانَت: بِمن، جرت فِي الْأَحْوَال كلهَا على لفظ وَاحِد، تَقول: هِنْد أول من زَيْنَب، والزيدان أول من العمرين، وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ الصّفة تَقول: رَأَيْت زيدا أول من عامنا، فَأول بِمَنْزِلَة: قبل، كَأَنَّك قلت: رَأَيْت زيدا عَاما قبل عامنا، فَحكم لَهُ بالظرف حَتَّى قَالُوا: أبدأ بِهَذَا أَوله، وَبَنوهُ على الضَّم كَمَا قَالُوا: أبدأ بِهِ قبل، فَصَارَ كَأَنَّهُ قطع عَن الْإِضَافَة.
وَمن النصب على الظّرْف قَوْله تَعَالَى: { الركب أَسْفَل مِنْكُم} ( الْأَنْفَال: 42) كَمَا تَقول: الركب أمامك، وَأَصله الصّفة، وَصَارَ: أَسْفَل، ظرفا.
وَالتَّقْدِير: والركب فِي مَكَان أَسْفَل من مَكَانكُمْ، ثمَّ حذف الْمَوْصُوف وأقيمت الصّفة مقَامه، فَصَارَ: أَسْفَل مِنْكُم، بِمَنْزِلَة: تحتكم، وَمن لم يَجْعَل أَولا صلَة صرفه بِمَنْزِلَة: فَكل، الَّذِي هُوَ بِمَعْنى: الرعدة.
وَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ وزن الْفِعْل.
تَقول: مَا ترك لنا أَولا وَلَا آخر، كَقَوْلِك: لَا قَدِيما وَلَا حَدِيثا.
قَوْله ( لما رَأَيْت) بِكَسْر اللَّام و: مَا، مَوْصُولَة، والعائد مَحْذُوف.
و: من، بَيَانِيَّة تَقْدِيره: للَّذي رَأَيْته من حرصك.
أَو تكون: مَا، مَصْدَرِيَّة و: من، تبعيضية، وَتَكون مفعول: رَأَيْت، وَالتَّقْدِير.
لرؤيتي بعض حرصك.
قَوْله: ( على الحَدِيث) يتَعَلَّق بالحرص.
قَوْله: ( أسعدُ النَّاس) كَلَام إضافي مُبْتَدأ.
وَالْبَاء فِي: ( بشفاعتي) يتَعَلَّق بِهِ: ( وَيَوْم الْقِيَامَة) نصب على الظَّرْفِيَّة.
وَقَوله: ( من قَالَ) فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ.
و: ( من) ، مَوْصُولَة.
وَقَوله: ( خَالِصا) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: ( قَالَ) .
وَقَوله: ( من قلبه) يجوز أَن يتَعَلَّق بقوله: خَالِصا، أَو بقوله: قَالَ.
وَالظَّاهِر أَن يتَعَلَّق: بقال.
فَإِذا تعلق: بقال يكون ظرفا لَغوا، وَإِن تعلق بخالصاً، يكون ظرفا مُسْتَقرًّا، إِذْ تَقْدِيره حينئذٍ ناشئاً من قلبه، واللغو لَا مَحل لَهُ من الْإِعْرَاب.
والمستقر هُنَا مَنْصُوب على الْحَال.

بَيَان الْمعَانِي: قَوْله: ( من أسعد النَّاس) أسعد: أفعل، والسعد هُوَ الْيمن، تَقول مِنْهُ: سعد يَوْمنَا يسْعد سعوداً، والسعودة خلاف النحوسة، والسعادة خلاف الشقاوة، تَقول مِنْهُ: سعد الرجل بِالْكَسْرِ فَهُوَ سعيد، مِثَال: سلم فَهُوَ سليم.
وَسعد، على مَا لم يسم فَاعله، فَهُوَ: مَسْعُود.
فَإِن قلت: أسعد، هُنَا من أَي الْبابُُ؟ قلت: من الْبابُُ الثَّانِي، وَهُوَ من بابُُ: فعل يفعل بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَالْفَتْح فِي الغابر، وَالْأول من بابُُ: فعل يفعل، بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي وَالضَّم فِي الغابر.
فَإِن قلت: أفعل التَّفْضِيل يدل على الشّركَة، والمشرك وَالْمُنَافِق لَا سَعَادَة لَهما.
قلت: أسعد هَهُنَا بِمَعْنى سعيد، يَعْنِي سعيد النَّاس، كَقَوْلِهِم: النَّاقِص والأشج أعدلا بني مَرْوَان، يَعْنِي عادلا بني مَرْوَان، وَيجوز أَن يكون على مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ الْمَشْهُور، والتفضيل بِحَسب الْمَرَاتِب أَي: هُوَ أسعد مِمَّن لم يكن فِي هَذِه الْمرتبَة من الْإِخْلَاص الْمُؤَكّد الْبَالِغ غَايَته، وَكثير من النَّاس يحصل لَهُ سعد بِشَفَاعَتِهِ، لَكِن الْمُؤمن المخلص أَكثر سَعَادَة بهَا، فَإِن النَّبِي، عَلَيْهِ السَّلَام، يشفع فِي الْخلق بإراحتهم من هول الْموقف، ويشفع فِي بعض الْكفَّار بتَخْفِيف الْعَذَاب، كَمَا صَحَّ فِي حق أبي طَالب، ويشفع فِي بعض الْمُؤمنِينَ بِالْخرُوجِ من النَّار بعد أَن دخلوها، وَفِي بَعضهم بِعَدَمِ دُخُولهَا بعد أَن يستوجبوا دُخُولهَا، وَفِي بَعضهم بِدُخُول الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، وَفِي بَعضهم بِرَفْع الدَّرَجَات فِيهَا، فَظهر الِاشْتِرَاك فِي مُطلق السَّعَادَة بالشفاعة، وَأَن أسعدهم بهَا الْمُؤمن المخلص.
قَوْله: ( بشفاعتك) ، الشَّفَاعَة مُشْتَقَّة من الشفع، وَهُوَ ضم الشَّيْء إِلَى مثله، كَأَن الْمَشْفُوع لَهُ كَانَ فَردا فَجعله الشَّفِيع شفعاً بِضَم نَفسه إِلَيْهِ، والشفاعة: الضَّم إِلَى إِلَى آخر معاوناً لَهُ، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي انضمام من هُوَ أَعلَى مرتبَة إِلَى من هُوَ أدنى..
     وَقَالَ  ابْن بطال: فِيهِ دَلِيل على أَن الشَّفَاعَة إِنَّمَا تكون فِي أهل الْإِخْلَاص خَاصَّة، وهم أهل التَّوْحِيد، وَهَذَا مُوَافق لقَوْله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: ( لكل نَبِي دَعْوَة، وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة، فَهِيَ نائلة إِن شَاءَ الله تَعَالَى من مَاتَ من أمتِي لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا) .
قلت: هَذَا الحَدِيث مَعَ غَيره من الْآيَات وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْبابُُ، الْجَارِيَة مجْرى الْقطع، دَلِيل على ثُبُوت الشَّفَاعَة.

قَالَ عِيَاض: مَذْهَب أهل السّنة جَوَاز الشَّفَاعَة عقلا، ووجوبها بِصَرِيح الْآيَات وَالْأَخْبَار الَّتِي بلغ مجموعها التَّوَاتُر لصحتها فِي الْآخِرَة لمذنبي الْمُؤمنِينَ.
وَأجْمع السّلف الصَّالح وَمن بعدهمْ من أهل السّنة على ذَلِك، ومنعت الْخَوَارِج وَبَعض الْمُعْتَزلَة مِنْهَا، وتأولت الْأَحَادِيث على زيادات الدَّرَجَات وَالثَّوَاب، وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى: { فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} ( المدثر: 48) { مَا للظالمين من حميم وَلَا شَفِيع يطاع} ( غَافِر: 18) وَهَذِه إِنَّمَا جَاءَت فِي الْكفَّار، وَالْأَحَادِيث مصرحة بِأَنَّهَا فِي المذنبين..
     وَقَالَ : الشَّفَاعَة خَمْسَة أَقسَام.
أَولهَا: الإراحة من هول الْموقف.
الثَّانِيَة: الشَّفَاعَة فِي إِدْخَال قوم الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، وَهَذِه أَيْضا وَردت للنَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيح..
     وَقَالَ  الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي: لَا أعلم هَل هِيَ مُخْتَصَّة أم لَا؟ قلت: يُرِيد القَاضِي بِالصَّحِيحِ مَا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: ( فأنطلق تَحت الْعَرْش فأقع سَاجِدا) ، وَفِيه: ( فَيُقَال يَا مُحَمَّد أَدخل من أمتك من لَا حِسَاب عَلَيْهِ من الْبابُُ الْأَيْمن من أَبْوَاب الْجنَّة) ، وَشبهه من الْأَحَادِيث.
الثَّالِثَة: قوم استوجبوا النَّار فَيشفع فيهم نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عدم دُخُولهمْ فِيهَا، قَالَ القَاضِي: وَهَذِه أَيْضا يشفع فِيهَا نَبينَا مُحَمَّد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من شَاءَ الله أَن يشفع.
الرَّابِعَة: قوم دخلُوا النَّار من المذنبين فَيشفع فيهم نَبينَا مُحَمَّد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَالْمَلَائِكَة والأنبياء والمؤمنون.
الْخَامِسَة: الشَّفَاعَة فِي زِيَادَة الدَّرَجَات فِي الْجنَّة لأَهْلهَا، وَهَذِه لَا تنكرهَا الْمُعْتَزلَة..
     وَقَالَ  القَاضِي: عرف بالاستفاضة سُؤال السّلف الصَّالح الشَّفَاعَة، وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول من قَالَ: يكره سؤالها لِأَنَّهَا لَا تكون إِلَّا للمذنبين، فقد يكون لتخفيف الْحساب وَزِيَادَة الدَّرَجَات، ثمَّ كل عَاقل معترف بالتقصير مُشفق أَن يكون من الهالكين غير مُعْتَد بِعَمَلِهِ، وَيلْزم هَذَا الْقَائِل أَن لَا يَدْعُو بالمغفرة وَالرَّحْمَة لِأَنَّهَا لأَصْحَاب الذُّنُوب، وَهَذَا كُله خلاف مَا عرف من دُعَاء السّلف وَالْخلف..
     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الشَّفَاعَة الأولى هِيَ الشَّفَاعَة الْعُظْمَى.
قيل: وَهِي المُرَاد بالْمقَام الْمَحْمُود، والمختصة بنبينا، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهِي الأولى وَالثَّانيَِة، وَيجوز أَن تكون الثَّالِثَة وَالْخَامِسَة أَيْضا.
وَالله أعلم.

قَوْله: ( اِسْعَدْ النَّاس) ، التَّقْيِيد بِالنَّاسِ لَا يُفِيد نفي السَّعَادَة عَن الْجِنّ وَالْملك، لِأَن مَفْهُوم اللقب لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الْجُمْهُور.
قَوْله: ( من قَالَ) فِيهِ دَلِيل على اشْتِرَاط النُّطْق بِكَلِمَة الشَّهَادَة.
فَإِن قلت: هَل يَكْفِي مُجَرّد قَوْله: لَا إِلَه إِلَّا الله، دون: مُحَمَّد رَسُول الله؟ قلت: لَا يَكْفِي، لَكِن جعل الْجُزْء الأول من كلمة الشَّهَادَة شعاراً لمجموعها، فَالْمُرَاد الْكَلِمَة بِتَمَامِهَا.
كَمَا تَقول: قَرَأت: { آلم ذَلِك الْكتاب} ( الْبَقَرَة: 1 2) أَي: السُّورَة بِتَمَامِهَا.
فَإِن قلت: الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق القلبي على الْأَصَح، وَقَول الْكَلِمَة لإجراء أَحْكَام الْإِيمَان عَلَيْهِ، فَلَو صدق بِالْقَلْبِ وَلم يقل الْكَلِمَة يسْعد بالشفاعة؟ قلت: نعم، لَو لم يكن مَعَ التَّصْدِيق منافٍ..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: المُرَاد بالْقَوْل النفساني لَا اللساني، أَو ذكر على سَبِيل التغليب إِذْ الْغَالِب أَن من صدق بِالْقَلْبِ قَالَ بِاللِّسَانِ الْكَلِمَة.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى ارْتِكَاب الْمجَاز، وَالنَّبِيّ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مشرع، وَفِي الشَّرْع لَا يعْتَبر إلاَّ القَوْل اللساني، وَالْقَوْل النفساني يعْتَبر عِنْد اللَّه، وَهُوَ أَمر مبطن لَا يقف عَلَيْهِ إلاَّ الله تَعَالَى.
قَوْله: ( خَالِصا) وَفِي بعض النّسخ: مخلصاً، من الْإِخْلَاص، وَالْإِخْلَاص فِي الْإِيمَان ترك الشّرك وَفِي الطَّاعَة ترك الرِّيَاء.
قَوْله: ( من قلبه) ذكر للتَّأْكِيد، لِأَن الْإِخْلَاص معدنه الْقلب، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { فَإِنَّهُ آثم قلبه} ( الْبَقَرَة: 283) وَإسْنَاد الْفِعْل إِلَى الْجَارِحَة الَّتِي تعْمل بهَا أبلغ.
أَلا ترى أَنَّك تَقول إِذا أردْت التَّأْكِيد: أبصرته عَيْني وسمعته أُذُنِي! قَوْله: ( أَو نَفسه) شكّ من الرَّاوِي..
     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: شكّ من أبي هُرَيْرَة.
قلت: التَّعْيِين غير لَازم لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من أحد من الروَاة مِمَّن هم دونه، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الرقَاق: ( خَالِصا من قبل نَفسه) .

بَيَان استنباط الْأَحْكَام: الأول: فِيهِ الْحِرْص على الْعلم وَالْخَيْر، فَإِن الْحَرِيص يبلغ بحرصه إِلَى الْبَحْث عَن الغوامض ودقيق الْمعَانِي، لِأَن الظَّوَاهِر يَسْتَوِي النَّاس فِي السُّؤَال عَنْهَا لاعتراضها أفكارهم، وَمَا لطف من الْمعَانِي لَا يسْأَل عَنهُ إلاَّ الراسخ، فَيكون ذَلِك سَببا للفائدة.
وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا أجرهَا وَأجر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
الثَّانِي: فِيهِ تفرس الْعَالم فِي متعلمه، وتنبيهه على ذَلِك لكَونه أبْعث على اجْتِهَاده فِي الْعلم.
الثَّالِث: فِيهِ سكُوت الْعَالم عَن الْعلم إِذا لم يسْأَل حَتَّى يسْأَل، وَلَا يكون ذَلِك كتماً، لِأَن على الطَّالِب السُّؤَال، اللَّهُمَّ إلاَّ إِذا تعين عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ السُّكُوت إلاَّ إِذا تعذر.
الرَّابِع: فِيهِ أَن الشَّفَاعَة تكون لأهل التَّوْحِيد، كَمَا ذكرنَا.
الْخَامِس: فِيهِ ثُبُوت الشَّفَاعَة، وَقد مر مفصلا.
السَّادِس: فِيهِ فَضِيلَة أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ.
السَّابِع: فِيهِ جَوَاز الْقسم للتَّأْكِيد.
الثَّامِن: فِيهِ جَوَاز الكنية عِنْد الْخطاب، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.